الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدين الإسلامي والتوحيد
النبويات
11
لامرية في أن بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من متممات البشر ومن أهم حاجاته، وأكمل وسيلة لنظام اجتماعه وأعظم طريق لسعادته الدنيوية والآخروية التصديق ببعثة الرسل ركن من أركان الإيمان، ودعامة من دعائمه، فيتحتم على كل مكلف أن يعتقد أن الله بعث رسلاً من البشر مبشرين بثوابه ومنذرين بعقابه اصطفاهم لرسالته، وفضلهم بخطابه، وفطرهم على معرفته، وجعلهم سفراء بينه وبين خلقه، يعرفونهم بمصالحهم ويسعون لهدايتهم ويرشونهم إلى طريق النجاة ويخرجونهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم.
إن في إرسال الرسل إلى العباد حكمة بالغة، ورحمة للعالم شاملة، ونعمة من نعم واهب الوجود سابقة، إذ يبعثهم تهتدي العقول إلى معرفة الخالق جل وعلا وما يجب له من الصفات المقدسة، وتتكامل النفوس البشرية بحسب استعداداتها في العمليات والعمليات وتعلم الأخلاق الفاضلة والسياسات الكاملة، وتصان الحقوق وتحفظ الأمانات.
ولولا إرسال الرسل ماعرفت الشرائع ولأحكام، ولا تميز الحلال من الحرام، ولا استبان ما يؤهل لرضاء الله، وما يعرض لسخطه، ولا استقامت أحوال، ولا انتظمت مصالح، وذلك لأن الناس لا يدركون مصالحهم بأنفسهم ولا يشعرون بعواقب أمورهم بغرائزهم، ولا ينزجرون مع اختلاف أهوائهم دون أن ترد عليهم آداب المرسلين، وتتلى عليهم آيات رب العالمين، فتكون آداب الله فيهم مستعملة، وحدوده متبعة، وأوامره فيهم ممثلة، ووعده لهم جاذباً ووعيدة زاجراً وقصص من غبر من الأمم وأعظا أليس من حكمة الخلق جل شأنه أن يرسل إلى عباده من يصطفيهم من خلقه ليبينوا لهم ما شرعه تعالى من الأحكام ويعلموهم ما تحتمله عقولهم ولا يبعد عن تناول إفهامهم مما يصلح به معاشهم ومعادهم ثم يؤيدهم بالآيات البينات والمعجزات الباهرات تصديقاً لدعواهم لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
وقد جرت سنة الله في بعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام أن يصطفيهم من أشرف معاصريهم نسباً وأعلاهم حسباً وأذكاهم عقلاً وأكرمهم خلقاً وأكثرهم علماً وأحكمهم سياسة
رأفة بالناس ورحمة بضعفهم ليسهل الرضوخ لهم من الملك في سطوته والشريف في سمو محتدة ومن الشجاع في قوته والفيلسوفي في نفوذ فكرته والسياسي في دقة أساليبه ودلت الآثار على أن الله تعالى منح كل رسول من الصفات أوفى ما كان شائعاً بين قومه ومحلاً لمباراتهم وإعجابهم حتى تتم الصلة بينه وبينهم ثم يكون سموه في كل تلك المفاخر والمحامد وزيادته عليها بما يكرمه به الله من إشراقات النبوة وأنوار الوحي مدعاة إلى الانقياد له والخضوع لما يجيء به من الأوامر الإلهية، والحكم التشريعية.
ومن الدلائل المؤيدة لنبوتهم أن الله تعالى أرسلهم في أمم مختلفة وأزمنة متعاقبة متحدين في الوجهة متوافقين في الغاية يظهر أمرهم أولا ضعيفاً هينا ثم يقوى ويشتد ولا يزال كذلك حتى تصير كل قوة بإزائهم ضعفا وكل مقاومة استسلاماً وهم في زمان قوتهم كما في زمان ضعفهم كبراء الأفئدة لا تستخفهم المموهات الأرضية والملذات الوهمية أحرار لم تأسرهم فواتن الدنيا ولا سواحر الحياة مسمين وجوههم لله لا يخافون بطش جبار ولا سطوة غاشم داعين إلى سبيل الله لا يفترون ولا يملون ولا يضعفون ولا يجبنون. أجسام بشرية وأخلاق ملكية قد وسع الناس حلمهم واتسع للكل صدورهم فقراء ولكن تستخذي الملوك أمامهم، حلماء ولكن ترتعد العتاة بحضرتهم.
هؤلاء القادة العظماء الذين برهنت أفعالهم على صدق أقوالهم وجاءت الحوادث مؤمنة على دعائهم اتحدوا كلهم على القول بأنهم رسل الله إلى خلقه وأمنته على أسرار وحيه وأن بينهم وبين العالم العلوي صلة مستمرة ومددا لا ينقطع وأنهم جاؤوا للأرواح بنورها وللعقول بريحانها وللقلوب بمطلوبها وللصدور بشفائها.
يرشدون الناس إلى أن للكون إلهاً واحدا متصفا بصفات الكمال منزها عن صفات النقصان ويبينون لهم الحد الذي يجب أن يقفوا عنده.
يعرفون من أين تقتاد العقول المستعصية وكيف تستلين القلوب القاسية وبأي وسيلة تلجأ الجباه العالية العاتية إلى السجود والاخبات أمام عظمة الله وجبروته.
وقد اتفق العلماء على أن النبوة خصيصة من الله تعالى لا يبلغ العبد أن يكتسبها ويفسرونها باختصاص العبد بسماع وحي من الله تعالى بحكم شرعي تكليفي سواء أمر بتبليغه أم لا وليست مكتسبة للعبد بمباشرة أسباب خاصة كالرياضيات والتخلي عن الأمور الذميمة
والتخلق بالأخلاق الحميدة كما زعمت الفلاسفة وليس أمر هذا الاختصاص بعجيب فإننا نشاهد أمام أعيننا رجالاً متعهم الله تعالى بقوة عضلية لا يكاد يتصورها إلا من يراهم فإن كان لا يمكن التردد في أن هذه القوة الهائلة موهبة خاصة لا يستطاع كسبها بوجه من الوجوه فأي غرابة في أن أمر النبوة وهي قوة روحانية من المواهب الخصوصية التي يمتع الله بها أفراد من النوع الإنساني ليهدوا الناس إلى أقصد المناهج وليحملوا إليهم أنوار الحقائق وأسرار الشرائع ولا ندري كيف غفل عن مثل هذه المحسوسات أولئك الذين زعموا أن النبوة مكتسبة.
وفي مقدمة ابن خلدون أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جعل الله لهم الانسلاخ من البشرية في حالة الوحي إلى الملكية فطرة فطرهم عليها وجبلة صورهم فيها ونزههم عن موانع البدن وعوائقه ماداموا ملابسين لها بالبشرية بما ركب في غرائزهم من القصد والاستقامة التي يحاذون بها تلك الوجهة وركز في طبائعهم رغبة في العبادة تكشف بتلك الوجهة فهم يتوجهون إلى الأفق الأعلى بذلك النوع من الانسلاخ متى شاؤوا بتلك الفطرة التي فطروا عليها لا باكتساب ولا صناعة له إذا تقرر هذا فلا مناص من التسليم والاعتراف بأن النبوة محض فضل من الله يختص بها من يشاء من عباده لا تنال باكتساب ولا استعانة بشيء من المدارك ولا من التصورات ولا من الأفعال البدنية ولا بأمر من الأمور بل هي خصيصة وهبها الله بالفطرة لمن يصطفيه من خلقه فيكرمه بالإشراف على ما في الحضرة الروحانية فيرى من أمر الملأ الأعلى ما لا يرى الناس ويأتي لهم من ذلك الطريق بمعلومات يقصر العالم أن يتوهمها فضلاً عن أن يطلع على شيء منها (الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس).
وللأنبياء عليهم الصلاة والسلام صفات كمال يجب الاعتقاد بثبوتها وهي الصدق والأمانة والعصمة والتبليغ والفطانة ويستحيل عليهم أضدادها وهي الكذب والخيانة والكتمان والغباوة ومقارفة ذنب من الصغائر والكبائر كما يجب سلامة أبدانهم من كل منفر طبعا فلا يعتريهم جنون ولا جذام ولا برص ولا عمى ولا غير ذلك مما يؤدي إلى نقص في مراتبهم العلية وما نقل في الإسرائيليات من ابتلاء أيوب بأنواع البلاء المنفرة فهو باطل لا يعبأ به.