الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحريم المتعة
4
تابع لما نشر ص 14 من المجلد الثاني
قال مؤلف الرسالة (ومنها) أي من وجود اختلاف أخبار التحريم أن رواية ابن ماجة عن ابن عمر تدل على أن عمر بين التحريم في أول ولايته وتوعد بالرجم وهو ينافي ما في رواية الموطأ من قوله لو كنت تقدمت فيها لرجمت الخ.
ونقول لا منافاة بين الروايتين لأن الأولى لا تفيد أن عمر رضي الله عنه بين التحريم في أول وقت من ولايته كما زعمه مؤلف الرسالة بل الذي يستفاد منها أن عمر رضي الله عنه بين التحريم في حال ولايته. وذلك لأن لما لا تقتضي وقوع الخطبة من عمر في أول وقت من خلافته بدليل قول الله تعالى (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض) إذ من المعلوم أنه مضى حول كامل بين موت سليمان عليه الصلاة والسلام ودلالة دابة الأرض على موته كما ذكره المفسرون وتمتع ربيعه إنما كان قبل نهي عمر كما يشهد له ما نقله الزرقاني في شرح الموطأ قال ابن عبد البر الخبر وعن عمر من رواية مالك منقطع ورويناه متصلا ثم أسنده عن يحي ابن سعيد عن نافع عن ابن عمر قال عمر لو تقدمت فيها لرجمت يعني المتعة وهذا القول منه قبل نهيه عنها وهو تغليظ ليرتدع الناس وينزجروا عن سوء مذهبهم وقبيح تأويلاتهم الخ.
قال مؤلف الرسالة (ومنها) أي من وجوه اختلاف أخبار التحريم أن في نصها أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن فيها ثلاثا فإن أريد ثلاث مرات نافت جميع هذه الروايات لدلالتها على أن الأذن كحان أكثر من ذلك وأن أريد ثلاث ليال دلت على أن الأذن كان مرة واحدة محددة بثلاث ليال فنافت جميع هذه الروايات أيضاً الدالة على أنه كان أكثر من مرة واحدة ونافت رواية ابن عباس الدالة على أن الرجل كان يتزوج بقدر ما يرى أنه مقيم بل ربما دلت رواية سبرة على أن ذلك كان في حجة الوداع يوما وليلة نافت ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال فإن أحبا أن يتزايدا أو يتتاركا تتاركاً الحديث فإنها وإن دلت على أن العقد يكون على ثلاث ليال لكنها دلت على جواز الزيادة بعد انقضاء الثلاث وتلك تدل على عدم جواز
الزيادة بمفهوم العدد.
ونقول لا يصح أن يراد من الحديث ثلاث مرات لأن التحقيق أنها أحلت مرتين فقط بل المراد ثلاث ليال كما هو ظاهر حديث سلمة بن الأكوع الذي رواه مسلم قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام لوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها وجاء نحو هذا عن سبرة أيضاً وعليه فلا يرد ما ذكره مؤلف الرسالة من المنافاة لأن حديث ابن ماجة الذي رواه عن ابن عمر لم يبين فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن في المتعة إلا مرة واحدة بل غاية ما يستفاد منه أنه أذن لهم ثلاثة أيام وذلك لا يمنع ورود الأذن أكثر من مرة كما هو واضح وحديث ابن عباس وكذا حديث البخاري إنما ينافيان حديث ابن ماجة لو سلما أنه يقتضي أن الأذن لم يكن إلا مرة واحدة وقد تبين فساده وقول سبرة فمكثت معها تلك الليلة ثم غدوت إلخ لا يدل على أن الأذن كان يوما وليلة كما ادعاه مؤلف الرسالة بل هو بيان لما وقع مع الراوي. على أن ذكر الإباحة في حجة الوداع التي استفيدت من هذا الحديث خطأ كما اتضح مما بيناه ص (19) من المجلد الثاني.
وقال مؤلف الرسالة (ومنها) أن في بعضها عن علي من طريق الزهري إن التحريم كان يوم خيبر وفي بعضها عن علي من طريق الزهري أيضاً أنه كان في غزوة تبوك والنووي في شرح صحيح مسلم التجأ في رفع ذلك إلى حمل رواية تبوك على الغلط وهو غير مسموع.
ونقول أن ذلك يدل على جهل مؤلف الرسالة بمعنى التخالف إذ من البديهي أن رواية التحريم عن الزهري يوم خيبر لا تمنع أن يروى عنه التحريم أيضاً في غزوة تبوك بل لو فرض أن النبي صلى الله عليه وسلم كرر بيان التحريم عشرين مرة مثلاً في غزوات مختلفة ثم نقل ذلك العلماء عن صحابي واحد كان حاضراً في جميع تلك الغزوات فهل يكون هذا اختلافاً وتعارضاً. . سبحانك اللهم ما يكون لعاقل أن يتكلم بهذا. . على أن حديث النهي في غزوة تبوك ضعيف كما نقلناه عن القسطلاني والزرقاني سابقاً فاتضح أن كلام الإمام النووي رحمة الله عليه جليٌّ مقبول ومسموع عند العلماء المحققين.
وقال مؤلف الرسالة (ومنها) أن رواية أباحتها وتحريمها في عمرة القضاء لا غير تنافي جميع ما ورد في إباحتها وتحريمها في غيرها الخ ما ذكره مما هو واضح البطلان.
ونقول بينا فيما تقدم أن هذا الحديث مرسل ضعيف فما زعمه مؤلف الرسالة من معارضته لغيره واضح الفساد. إذ من المعلوم أن الضعيف لا يعارض الصحيح وقد استوفينا الكلام على مايتعلق بهذا الوجه ص 17 من المجلد الثاني.
وقال مؤلف الرسالة (ومنها) أن ما في رواية الترمذي عن ابن عباس أنها إنما كانت في أول الإسلام ثم نسخت بآية إلا على أزواجهم مناف لما دل عليه غيرها مما تقدم الخ. .
ونقول لا منافاة لا مكان أن يكون المراد من هذا الحديث نسخ الإباحة التي كانت قبل خيبر كما يشهد له استدلال ابن عباس بالآية على التحريم فيكون الحصر إضافياً وهو لا ينافي ما جاء من الرخصة يوم الفتح والله أعلم ونقل مؤلف الرسالة اشتهار الفتوى بالمتعة عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما وزعم أن ما ينسب إليه من رجوعه عن ذلك مكذوب عليه أو خارج مخرج الخوف والتقية إلخ ثم زعم أن الشيعة أعرف بمذهب علي وأن إسناد التحريم إليه اختلاق عليه لأنهم رووا عنه القول بالإباحة ولأن ابن عباس كان يفتي بها وهو تلميذه وعنه أخذ فلم يكن ليخالفه الخ ما ذكره.
ونقول قد صح رجوع ابن عباس رضي الله عنهما عن ذلك كما رواه الإمام الترمذي وغيره من المحققين وقد تقدم. ومعاذ الله أن يصدر مثل ذلك عن ابن عباس للخوف والتقية وهو ذلك الرجل الصحابي القرشي الذي لا تأخذه في الله لومة لائم. وعلى فرض أنه لم يرجع عن ذلك بل كان يرى حلها عند الضرورة كما تحل لميتة للمضطر فنجيب عنه من وجهين.
(الوجه الأول) أن ذلك على فرض صحته إنما هو مذهب خاص لسيدنا ابن عباس رضي الله عنهما فلا يترك قول جماهير الصحابة لأجله وتمسك الشيعة في هذه المسألة بمذهب ابن عباس رضي الله عنهما باطل بمقتضى قواعدهم لأنهم إنما يأخذون بقول علي كرم الله وجهه ويتركون مايخالفه وقد ثبت أن علي رضي الله عنه أفتى بتحريم المتعة مطلقا كما رواه غير واحد من المحدثين وأما مازعمه مؤلف الرسالة من أن الشيعة أعرف بمذهب علي وأن إسناد التحريم إليه اختلاف عليه الخ فهو بديهي البطلان لأن أهل السنة أبعد عن التهمة يأخذون بكل ماصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولايتعصبون لواحد دون واحد فكلامهم أحق بأن يتبع ورواياتهم أصح ورميهم باختلاق الكذب على أحد من الصحابة مع ما هم عليه من الورع ولتثبت في النقل لا يقدم عليه إلا مجازف أو متبع لحفظ النفس
ومن العجيب أن مؤلف الرسالة عارض الحديث الصحيح الثابت في البخاري الذي رواه علي كرم الله وجهه في النهي عن المتعة بما نقله عن محمد بن جرير الطبري والإمام الرازي في تفسيرهما من قول علي رضي الله عنه لولا أن نهى عمر عن المتعة ما زنى إلا شفي وأعجب من ذلك أن مؤلف الرسالة نقل عن النهاية الأثيرية وعن لسان العرب حديث ابن عباس رضي الله عنهما وهو قوله ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم لولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنى إلا شفى أي قليل من الناس ثم قال مؤلف الرسالة الظاهر رجوع الضمير في نهيه إلى عمر لا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدل على ذلك أن الكلام في معرض التأسف والتألم من النهي عنها إلخ ما ذكره مما يدل على جهله أو تدنيسه. وبيان ذلك أن ما نقله عن ابن جرير والإمام الرازي لا يفيده لأنهما ليسا من المحدثين فكلاهما لا يعول عليه إذا خالف ما صح من الأحاديث كما هو مقرر عند أهل العلم على أن ما نقله عنهما إنما يفيد أنه أو لم ينه عمر عن المتعة لما احتاج إلى الزنا أحد إلا قليل من الناس ومعنى هذه الجملة أنه لو لم يحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعة لكان فيها مندوحة عن الزنا إذ من المعلوم أن عمر رضي الله عنه إنما بين نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها كما مر ويؤيد ذلك ما جاء من حديث ابن عباس كما في النهاية الأثيرية وغيرها من كتب الحديث وفي لسان العرب مانصه الثابت عندنا أن ابن عباس كان يراها (أي المتعة) حلالا ثم لما وقف على نهي النبي صلى الله عليه وسلم فلولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا أحد إلا شفى إلى أن قال الأزهري وهذا حديث صحيح وهو الذي يبين أن ابن عباس صح له نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المتعة الشرطية وأنه رجع عن إحلالها إلى تحريمها أهـ ما ذكره في اللسان وهو نص صريح على رجوع الضمير في قوله (فلولا نهيه) إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما هو واضح من كلام الأزهري لا إلى عمر كما استظهره مؤلف الرسالة وعلله بأن الكلام في معرض التأسف والتألم من النهي عنها. وما كنا نظن أن مؤلف الرسالة يتهور في مثل ذلك. وكيف يصح لعاقل أن يدعي تأَلم ابن عباس من شيء أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتعوذ بالله من زلة القدم ونسئل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
(الوجه الثاني) أن ابن عباس رضي الله عنهما عَلَى تقدير بقائه عَلَى القول بالإباحة عند الضرورة كما تحل الميتة للمضطر صيانة لنفسه عن للتلف لا يصح للشيعة الاستدلال بمذهبه لأنهم يقولون بجوازها مطلقاً. وتمسكهم بظاهر ما ورد من الأحاديث لا يصح لأن أحاديث الإباحة منسوخة بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من التحريم إلى يوم القيامة.
ثم ما قاله مؤلف الرسالة من أن ابن عباس هو تلميذ الإمام علي كرم الله وجهه وعنه أخذ فلم يكن ليخالفه الخ واضح الفساد لأن أخذ ابن عباس عن علي رضي الله عنه لا يستلزم أن يوافقه في جميع ما يراه كيف والإمام الشافعي كان تلميذاً للإمام مالك والإمام أحمد كان تلميذاً للإمام أبي حنيفة ومع ذلك جميع هؤلاء قد خالفوا من أخذوا عنهم في كثير من المسائل الاجتهاديّة واتبع كل منهم ما ظهر له صحته بحسب اجتهاده. عَلَى أنا لو سلمنا لمؤلف الرسالة كلامه لجاز أن يقال أن مذهب ابن عباس التحريم ضرورة أخذه عن علي كرم الله وجهه.
وقال مؤلف الرسالة (وخامساً) أي من الأجوبة عن أحاديث التحريم أن رواية الموطأ تدل عَلَى بقاء التحليل إلى زمان عمر وإلا لما استمع ربيعة بن أمية الخ.
ونقول أن فعل ربيعة لذلك إنما هو لجهله بالتحريم كما يدل عليه اهتمام عمر رضي الله عنه لما بلغه ذلك حيث خرج فزعاً يجرّ رداءه من شدة العجلة وبيّن للناس أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وحرمها تحريماً مؤبداً وهذا ظاهر لمن له قلب.
قال مؤلف الرسالة وسادساً (أي من الأجوبة عن أحاديث التحريم) كان اللازم أن يقول علي لابن عباس لما بلغه أنه لا يرى بالمتعة بأساً أو يلين في أمرها أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عنها في حجة الوداع لأن المفروض أن ذلك آخر نهي صدر منه صلى الله عليه وسلم ولم يتعقبه رخصة أما النهي يوم خيبر فالمفروض أنه منسوخ بالرخصة بعده فلا يحسن الاستدلال به على ابن عباس فله حينئذ أن يقول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجع عن هذا النهي فيحتاج علي عليه السلام إلى أن يقول له أنه بعد أن رجع قد نهى أخيراً نهياً لم يرجع عنه قال مؤلف الرسالة وهذا كالأكل من القفا ثم قال (لا يقال.) لعل علياً بلغه ذلك عن ابن عباس بعد وقعة خيبر وقبل صدور الرخصة يوم وقعة حنين (لأنا
نقول) ظاهر الكلام أن ابن عباس كان لا يرى بها بأساً بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم الخ. ونقول ليس في هذا الكلام ما يظهر منه أن علياً كرم الله وجهه نهى ابن عباس عن ذلك بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام فيمكن أن يكون هذا النهي إنما صدر من علي بعد غزوة خيبر وقبل فتح مكة ويؤيده سكوت ابن عباس وامتثاله لذلك يومئذ فقول مؤلف الرسالة لا يقال ذلك لأنا نقول الخ ممنوع إذ كون ابن عباس كان لا يرى بها بأساً بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لا ينافي ذلك لأنه يمكن أن يكون بعد ذلك قد أداه اجتهاده إلى إباحتها عند الضرورة. والصحابة رضي الله عنهم كان أكثرهم مجتهدين يختلفون في كثير من المسائل كما هو مشهور ومعروف ويصح تقليد كل واحد من المجتهدين الذين توفرت فيهم شروط الاجتهاد إلا إذا خالف سنة صريحة فعلى تقدير عدم رجوع ابن عباس عن ذلك لا يصح تقليده فيه حتى ولا عند الشيعة لأنهم يرجعون إلى مذهب علي عند المخالفة كما قدمناه وقد أثبتنا أن علياً كرم الله وجهه كان يرى تحريم المتعة. وما قاله مؤلف الرسالة من صدور الرخصة عند وقعة حنين لا يصح بل هو افتراء وكيف بلغ التهور بمؤلف الرسالة إلى أن عاب اجتهاد علماء الإسلام في أحكام شريعة النبي صلى الله عليه وسلم وجعل كلامهم كالأكل من القفا فليت شعري إذا وقف بين يدي أحكم الحاكمين وسئل عن ذلك فماذا يكون جوابه في ذلك الموقف المخوف الهائل الذي ترتعد فيه الفرائص وترجف منه الأفئدة وتخرس فيه الألسن. . . أما نحن فنمسك هنا عنان القلم عن الرد عليه ونسئل الله تعالى أن يكون خصمه عن أولئك العلماء الأعلام.
ثم نقل مؤلف الرسالة جملة من كلام الفخر الرازي وأجاب عنها بما لا يسمن ولا يغني من جوع إلى أن قال ما حاصله (وأما الاحتجاج) بقول عمر متعتان كانتا عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهى عنهما الخ فأجدر بأن يبكون حجة على الخصم لا له لأن فيه اعترافاً بأنها كانت مشروعة عَلَى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غير معصوم ولا حجية في قول غير المعصوم اتفاقاً وصراحة الكلام في ذلك لوجوه (أولاً) لظهور قوله كانتا عَلَى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (وثانياً) لقوله لنا أنهى عنهما بتقديم المسند إليه المفيد للحصر كما قرر في علم المعاني والبيان (وثالثاً) أنه لو كان النهي صادراتً من النبي صلى الله عليه وسلم لكان إسناده إليه أدخل في قبول الناس ثم ذكر مؤَلف الرسالة أن
تحريم المباح لا يستلزم التكفير وأن ترك النكير لا يوجب الكفر ولا يدل على الرضا ونقل إفتاء جماعة من الصحابة والتابعين بالمتعة وزعم أن ما نقله عن الفخر الرازي من قول عمر رضي الله عنه متعتان الخ حديث مشهور في كتب الفريقين مستدلاً عَلَى ذلك بوروده في بعض كتب التفسير ونحوها وبأن قاضي القضاة تكلف للجواب عنه ولم يطعن في سنده ثم قال فاتضح من مجموع ما تقدم أن المشروعية ثابتة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته بغير ناسخ ولا أقل من عدم ثبوت الناسخ وهو كاف أهـ.
ونقول أما مناقشته مع الفخر الرازي فلا حاجة إلى بيان خطأه فيها لأننا قد ذكرنا من الأدلة الصحيحة الثابتة ما فيه البلاغ. وكذلك ما ذكره في أن تحريم المباح لايستلزم التكفير الخ لم يبق داع إلى تفنيده وبيان ما فيه فتركناه اختصاراً.
وأما ما نقله من إفتاء جمع من الصحابة والتابعين بالمتعة فغير مسلم لأنه ثبت أن علياً كرم الله وجهه قائل بتحريم المتعة وعمران ابن حصين إنما صح عنه أنه كان يُنكر عَلَى عمر في منعه من حج التمتع كما قدمناه عن صحيح الإمام مسلم ولم نجد فيما أطلعنا عليه من كتب الحديث أنه جاء من طريق صحيح مسلم عن أحد من الصحابة القول بإباحة المتعة سوى ما نقل عن سيدنا ابن عباس في إحدى الروايتين عنه من القول بالإباحة عند الضرورة الشديدة وقد مر الجواب عنه ولو فرض صحة ذلك عن غيره نجيب عنه بأنه مخالف لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من التحريم المؤبد والأحاديث الصحيحة الناسخة للإباحة فلا يجوز الأخذ بما يخالفها. . .
وأما ما نقله عن الفخر الرازي من قول عمر رضي الله عنه متعتان كانت عَلَى عهد الخ فإنا لم نجده أيضاً فيما أطلعنا عليه من كتب الحديث ووجوده في بعض كتب التفسير ونحوها لا يقتضي صحته آحاداً فضلاً عن الحكم عليه بأنه مشهور كما أجبنا عنه قبل ذلك وتكلف قاضي القضاة للجواب عنه عَلَى فرض أنه لم يطعن فيه لايستلزم صحته أيضاً كما هو واضح. . فما أوهمه صنيع مؤَلف الرسالة من اشتهاره مع اعترافه بأنه لم يوجد في كتب الحديث التي اطلع عليها لا يعول عليه عَلَى أن هذا الحديث إذا فرضت صحته يكون دليلاً على المنع من المتعة لأن معنى قول عمر كانتا عَلَى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لايستلزم أن ذلك كان في جميع حياته عليه الصلاة والسلام بل المراد أن ذلك وجد في
زمنه كما هو المتعارف في مثل ذلك عند علماء العربية. . وتقديم المسند إليه كما يكون للحصر يكون لغيره كتقوية الحكم ونحو ذلك كما هو مقرر في صغار المتون من فن المعاني والبيان. فمراد سيدنا عمر بإسناد النهي إلى نفسه بيان أن ذلك هو الذي ثبتت في دين الله عز وجل عن رسوله صلى الله عليه وسلم كما وقع التصريح بذلك من عمر رضي الله عنه في حديث ابن ماجه الذي أشرنا إليه قبل ذلك فظهر بطلان ما أشار إليه مؤلف الرسالة من أن في عدم إسناد النهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل عَلَى أن النهي إنما كان من عمر. . .
وقول مؤلف الرسالة ولا حجية في قول غير المعصوم اتفاقاً غير صحيح لأن الحنفية يعتبرون كلام الصحابي حجة كما تقرر في الأصول.
فاتضح مما حررناه وحققناه أن نكاح المتعة منسوخ وأن تحريمها أمر ثابت وأن ما زعمه مؤلف الرسالة من عدم ثبوت الناسخ لا يعول عليه.