الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
لنأمرن بالمعروف وتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم حديث شريف بين فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم درجة الأمر بالمعروف وأنها لأزمة واجبة وأن الناس إذا أهملوها فلم ينكروا منكرا ولم يرشدوا آثما سلط الله عليهم شرارهم فلا يقوون على دفعهم ثم يشتد الضيق والضنك حتى يدعوا خيارهم فلا يستجاب لهم.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر عظيم الفائدة، كبير التيجة يدل على ثبات في الجأش، وقوة في قول الحق، وصلابة في الدين والعقيدة.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال العلماء رضي الله عنهم هو القطب الأعظم في الدين، والمهم الذي ابتعث الله له النبيين، والأمر الذي به تحيى الصفات والأخلاق والقربة التي تتضاءل دونها درجات القربات. لو طوي بساطه. وهمل علمه وعمله، لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاع الجهل والجهالة، واستشرى الفساد، واتسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد. وقد كان الذي خفنا أن يكون فكل ما نشاهده بأم العين اليوم من التهتك والخلاعة والفحش والجهل وفساد الأخلاق وشتم أهل الدين وثلم أعراض المصلحين وشرب الخمور وترك الصلوات والخيانة والإيذاء والرشوة والظلم والدعاء إلى العصبية الجنسية وتفريق الكلمة وإيقاع الشقاق والكذب وتنفير الأمة من حاكمها والنداء بذم الحكومة لتسقط هيبتها وتخفض شوكتها وتسمية السفلة والأوباش بالمصلحين وسكوت أهل العلم عنهم و. و. والخ ناشئ ذلك كله ومتسبب عن عدم إنكار المنكرات والنهي عنها ولو أنا أنكرنا كل شيء نراه في ديننا منكرا لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه من التأخر والانحطاط.
عدم إنكار المنكرات يترتب عليه كما قلنا كل مفسدة وعنه ينشأ كل رذيلة وهو العادة الوخيمة والخصلة الذميمة التي أنهكت قوانا وأذهبت روح آدابنا وجعلتنا عبرة لغيرنا وصيرت كلمة الباطل حقاً وكلمة الحق باطلاً كل من تدين بالدين الإسلامي ودخل قلبه نور هداه يتأكد أن الشريعة الطاهرة ما جاءت إلا لهدي البشر ونفعه وإنقاذ من مهاوي النفس والشيطان فهي أبداً تحث على التناصح وتحض على التواصي بالحق وقد جعلت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات المؤمنين والعمل بضد ذلك من صفات المنافقين
قال تعالى (المنافقون والمنافقات بعضهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف) وقال تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) ولذا قال العلماء رضي الله عنهم هنا نعت المؤمنين بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فالذي هجر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خارج عن هؤلاء المؤمنين المنعوتين في هذه الآية الشريفة هذا وقد انعقد إجماع الأمة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال الله تعالى (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون) بين أنهم آثمون بتك النهي وقال تعالى (فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا اللذين ظلموا بعذاب بئس بما كانوا يفسقون) بين أنهم استفادوا النجاة بالنهي عن السوء. قال العلماء رضي الله عنهم وهو يدل على الوجوب وقال تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) بين أن ترك نكران المنكر تعاون على الإثم والعدوان. وقال تعالى (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله أناء الليل وهم يسجدون. يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك من الصالحين) لم يشهد له بالصلاح بمجرد الإيمان بالله واليوم الآخر حتى أضاف إليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقال تعالى (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بمعروف أو صدقة أو إصلاح بين الناس) ومن تأمل قول الله تعالى (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون علم أن ترك النهي عن المنكر فيه غاية الوعيد، ونهاية التشديد إذ تسبب عنه استحقاقهم اللعنة على لسان داود وعيسى ابن مريم قال ابن جرير عند الكلام على هذه الآية الشريفة بسنده إلى ابن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه تعذيراً فإذا كان من الغد لم منعه ما رأى منه أن يكون ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ثم قال والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي المسيء ولا تواطئونه على الخواطر أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض وليلعنكم كما لعنهم. وبسنده إلى عبيدة عن عبد الله قال لما فشا المنكر في بني إسرائيل جعل الرجل يلقى الرجل فيقول يا
هذا اتق الله ثم لا يمنعه ذلك أن يؤاكله ويشاربه فلما رأى الله ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ثم أنزل فيهم كتابا (لعن اللذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس وقال كلا والذي نفسي بيده حتى تأخذوا على يد الظالم فتأطروه على الحق أطرا. وأخرج مسلم وغيره عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان وأخرج أحمد والترمذي واللفظ له وابن حيان في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويأمر بالمعروف وينه عن المنكر.
وأخرج أبو داود وابن ماجة وابن حيان في صحيحه وغيرهم ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم المعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه ولا يغيروا إلا أصابهم منه بعقاب قبل أن يموتوا وابن ماجة وابن حيان في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فعرفت في وجهه أن قد حضره شيء فتوضأ وما كلم أحداً فلصقت بالحجرة استمع ما يقول فقعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال يا أيها الناس إن الله يقول لكم أمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا استجيب لكم وتسألوني فلا أعطيكم وتستنصروني فلا أنصركم فما زاد عليهن حتى نزل وروى أبو إمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كيف أنتم إذا طغى نساؤكم وفسق شبانكم وتركتم جهادكم قالوا وإن ذلك لكائن يا رسول الله قال نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون قالوا وما أشد منه يا رسول الله قال كيف أنتم إذا لم تأمروا بمعروف ولم تنهوا عن منكر قالوا وكائن ذلك يا رسول الله قال نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون قالوا وما أشد منه قال كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفا قالوا وكائن ذلك يا رسول الله قال نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيسكون قالوا وما أشد منه يا رسول الله قال كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف قالوا وكائن ذلك يا رسول الله قال نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون يقول الله تعالى بي حلفت لأتيحن لهم فتنة يصير الحليم
فيها حيران إلى غير ذلك من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تؤكد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل مكلف أعم من أن يكون عالماً وجاهلاً ذكراً أو أنثى لا يختص ذلك بصنف دون صنف ولا بطائفة دون طائفة. وهذا هو شأن الفرض الكفائي فمهما قام به واحد أو جماعة سقط الحرج عن الآخرين واختص الثواب بالقائمين به المباشرين له وإن تقاعس عنه الخلق كلهم عم الحرج كافة القادرين عليه لا محالة. قال النووي رضي الله عنه ما نصه: قال العلماء رضي الله عنهم ولا يختص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأصحاب الولايات بل ذلك ثابت لآحاد المسلمين قال إمام الحرمين والدليل عليه إجماع المسلمين فإن غير الولاة في الصدر الأول والعصر الذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر مع تقرير المسلمين إياهم وترك توبيخهم على التشاغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير ولاية والله أعلم ثم أنه يأمر وينهى من كان عالماً بما يأمر به وينهى عنه وذلك يختلف باختلاف الشيء فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها فكل المسلمين علماء بها وأن كان من دقائق الأفعال والأقوال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه ولا لهم إنكاره بل ذلك للعلماء. ثم قال وهو أي باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب عظيم به قوام الأمر وملاكه وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقاب فليحذر الذين يخالفون أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم فينبغي لطالب الآخرة والساعي في تحصيل رضاء الله عز وجل أن يعتني بهذا الباب فإن نفعه عظيم لاسيما وقد ذهب معظمه ويخلص نيته ولا يهاب من ينكر عليه لارتفاع مرتبته فإن الله تعالى قال (ولينصرن الله من نصره) وقال تعالى (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) وقال تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) وقال تعالى (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) واعلم أن الأجر على قدر النصب ولا يتاركه أيضاً لصداقته ومودته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه فإن صداقته ومودته توجب له حرمة وحقاً من حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته وينقذه من مضارها وصديق الإنسان ومحبه هو من يسعى في عمارة آخرته وأن
أدى ذلك إلى نقص في دنياه. وعدوه من يسعى في ذهاب أو نقص آخرته وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه. وإنما كان إبليس عدواً لنا لهذا. وكانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أولياء للمؤمنين لسعيهم في مصالح آخرتهم وهدايتهم إليها انتهى كلام الإمام النووي رضي الله عنه فتأمله فإن فيه الكفاية.
هذا وربما يقول بعض الناس يقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لايضركم من ضل إذا اهتديتم) وهذا أمر لا يعنينا فنقول لهم هذا جهل محض بدين الله عز وجل وافتراء على شريعته المطهرة إذ لو ثبت هذا لتعطل جميع ما قدمناه من الآيات والأحاديث ولبطل الوعظ والإرشاد، ولا نهدم أكثر أحكام الشريعة كما تقدم وما تفسير هذه الآية بما تقدم إلا من الجهل الذي غلب على بعض الناس في هذه الأزمنة وهو إرداف لذنب نكران المنكر بذنب تفسير القرآن الكريم بالرأي وهو كما قال العلامة ابن حجر من الكبائر وإنما معنى الآية كما نقله ابن حجر نفسه عن ابن المسيب عليكم أنفسكم بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أهو يؤيده ما أخرجه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح والنسائي عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أن يعمهم الله بعقاب من عنده أهو مما تقدم وضح أن وجوب نكران المنكر على عموم المؤمنين وليس لأحد منهم أن يتبرم من ذلك.
على أن الناس لو ذاقوا حلاوة نكران المنكر وعرفوا ما اشتمل عليه من الفوائد لاستبقوا إليه وفي اعتقادنا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسبب لكل خير وسلم لكل رقي ومعراج لكل فلاح وبه يعيش الإنسان مرتاح البال في الهيئة الاجتماعية أميناً على نفسه وماله وعرضه. به يقوم داعي الحق ويقوى ويتقهقر الباطل ويمحق. والقائمون به هم بالحقيقة المنفذون لأحكام الدين وأوامره ولذا ورد من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسول الله وخليفة كتابه نعم للأمر بالمعروف شروط وآداب يجدر بأهل العلم بثها وتعليمها للناس كما يلزمهم التعاضد والقيام معاً يداً واحدة لنصرة الدين ونكران منكراته ويا حبذا لو يسمع ندائنا بعض أهل العلم فيقومون بتأليف جمعية يكون
غايتها التعاون والاتفاق على نصرة الدين بصدق وإخلاص ثم على نشر العلم في جميع الأنحاء حتى لا يخلو جهة من مدرس يبين للناس ما يضطرون إلى معرفته الأهم فالأهم مراعياً الوقائع والحوادث وما يطرأ من فساد المفسدين وإضرار المتفرنجين ويحبب للناس دولتهم ويرغبهم بمساعدتها ويعلمهم أن ببقائها بقاء الإسلام كافة في مشارق الأرض ومغاربها ويرشدهم إلى أمر تدبير منزلهم وما لنسائهم عليهم وما عليهم لنسائهم وأولادهم وجيرانهم ومجتمعهم وهكذا ترصد الجمعية بعد هذا كل ما يحدث من المنكرات المغايرة للدين المضرة بالاجتماع البشري فتنكره بالوعظ فإن أفاد فيها وإلا فبغيره من الوسائط التي تمنع وجود هذا المنكر ولو بإعلام الحكومة لتنفذ طلبهم (الموافق للمصلحة) بالقوة فإن مراتب إنكار المنكر كثيرة كما لا يخفى أولها التعريف وثانيها الوعظ وثالثها الإغلاظ في القول ورابعها المنع بالقهر في الحمل على الحق بالضرب والعقوبة من الحكومة. وإن يقدم أعضاء الجمعية بين يدي ذلك كله ترك المنكرات من أنفسهم فإنه أدعى للقدوة والله تعالى يقول (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون أو يقول (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون) وأخرج الشيخان عن أسامة ابن يزيد رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان مالك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه نسأل الله أن يوفقنا لمرضاته ويجنبنا منهياته إنه قريب مجيب.