الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأخلاق
التفلسف الحديث
ما احتفظت أمة من المم بعادتها. وتمسكت بأهداب أخلاقها. إلا وتوفرت لها ضروب السعادة وانفسح لمها مجال التقدم والنجاح. وعاشت بظل عيش وارف. تختال بمجدها التالد والطارف. وهي آمنة على مركزها الاجتماعي حيث تسير سيرها الحثيث في تقدم بلادها وعمرانها. وما اضمحلت أمة وانقضت أركان مجدها. وفقدت ثقة الغير بها. وسقطت في مهاوى الذل والازدراء إلا بنبذ أخلاقها وعاداتها ظهرياً والمغالاة في نشر أخلاق غيرها من الأمم.
من هذه الخطة التي رسمتها في مقالي يظهر بداهة للقارئ ما وصلت إليه أخلاق المسلمين في هذه القرون المتأخرة. وما خالطها من الأخلاق الفاسدة التي يصعب استئصالها من محيط أدمغتهم.
هذا وأنا لنسمع أقوال بعض الغربيين. ويدوى صداه في صماخ آذاننا من أن الإسلام بعيد عن التمدن الحديث. وأنه يستحيل على المسلمين أن يرتقوا سلم الحضارة والتقدم مع ما هم عليه من الانحطاط العظيم في الأخلاق والتربية. ولماذا قالوا لأن سيطرة دينهم والأحرى تعسف علماءهم ليمنعانهم عن الإطلاع على العلوم العصرية. والاكتشافات الجديدة وأن الدين الإسلامي نفسه هو عقبة كؤود في سبيل التقدم والحضارة. .
هذه هي الوصمة الشنعاء التي جعل بعض الغربيين من أجلها الدين الإسلامي هدفاً لسهام ملامهم ولكن لو انصفوا وراجعوا تاريخ مدينتهم وحضارتهم لوجدوه شرارة طارت إليهم من كتلة التهبت في الشرق وكان موقد جذوتها (الدين الإسلامي الحنيف) وأن السبب الوحيد لانحطاطنا هو ما ورثه بعض أحداث متفلسفتنا من آثار الهمجية والأخلاق السافلة التي تخبطت بهما الأمم الغربية، قروناً كثيرة، وأني أود أن أصرح بأن القرآن الكريم ما بين دفتيه هو الناموس الآلهي الضامن لنا نيل السعادتين. والكفيل الوحيد لتقدمنا وحضارتنا وهو مصدر الأخلاق والأفكار الفاضلة. وأن تلك الشريعة السمحاء رحيبة الصدر. هنية المورد يرد زلالها المتعطشون في أي زمان مهما تطورت أطوارهم. وتشعبت أفكارهم بيد أن هنالك فئة قليلة حملت على عاتقها رؤساً ناتئة كرؤوس الشياطين وأدمغة انتخرت
عظامها من سوس الأباطيل والأضاليل. وكلفت نفسها بأن تقوم بإرشاد الأمة وهديها وإذا اندس أحد أفرادها بالمجتمعات العمومية المشتملة على السذج البسطاء الذين لا يفوقون (الغث والعث)(والطين والعجين) تراه كالأرقم ينفث من سموم الخرافات والخزعبلات في أفكارهم ما يخلب عقولهم السخيفة ويأخذ بمجامع قلوبهم الضعيفة.
وترى جل ما يلقيه عليهم ويخدش به افكارهم هو ما جمعته مخيلته وتكبدت حفظه من الوقائع والحوادث التي هي أشبه بحكايات ألف ليلة وليلة فتلك الفئة التي هي أحوج لإرشاد نفسها لا ينبغي قياسها على ما هنالك من العلماء الإعلام الذين صرفوا جل أوقاتهم في بيان حقيقة الدين الإسلامي وهم لا يرضون بمثل هذه الفوضى للإسلام والوصمة الشنعاء له ولمعتنقيه ودائماً يبثون روح الدين الحقيقي والعلم الصحيح في نفوس الأمة الإسلامية، ويظهرون مجد تاريخها وعظيم، رجالها (أكثر الله من أمثالهم).
هذا وأني لا أنكر بأن هناك فئة أخرى قد شربت عقولهم حب الفلسفة العاطلة. والشقشقة الكاذبة، وقد درسوا شيئاً من تاريخ الطبيعة والعلوم النظرية، وخرجوا من المدارس وهم يديتون بدين أرسطو وجالينوس، ومتشيعون لمذهب فيثاغورس، وارشميدس، وقد تصفحوا نتفاً من فلسفة ابن رشد وابن سينا فعظمت نفوسهم وانتفخت أدمغتهم فنزعوا ربقة الدين من أعناقهم، وعدوا مسائلة ضرباً من الهذبان فوا ذهاب الرشد (وضيعة الأحلام). . أنا لا ننكر عليك إيتها الناشئة إطلاعك على العلوم الطبيعة ودرسك الفلسفة الحقيقة لأنا نعلم أنها مصدر حياتنا المادية، ولكن ننكر عليك درسك مذهب قدماء اليونان إذ لك بالقرآن غنى عن مثل تلك الشعوذات والخيالات. تدرسين تاريخ رجال الغرب وحياتهم وتتركين تاريخ الإسلام ورجاله الذين لهم ذكر مخلد في أعلى طبقات مكاتب الغربيين فأحرى بك أن تعلمين مقدار تفانيهم في حب الدين وانتشاره، وتنظرين عظمة نفوسهم وسعة علومهم ومعارفهم (وفقنا الله لاتباع أسلافنا، والتأسي بأخلاقهم وأفعالهم).