الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الانتقاد
الزهاوي يري في المرأة غير رأي القرآن
مهما اتسع نطاق العلوم. وأينعت ثمارها. ونمت فروعها. وارتقت المدارك. وتسهلت أسباب المعارف والتحصيل. وتهيئت معدات الفهم فليس العلم بمغنى غنائه المطلوب ما لم يقل وجود الأدعياء والدخلاء فيه.
ويكتف كل إنسان بنوع العلم الذي عاناه. والفرع الذي يمت به، فلا يدعى الفقيه علم الهندسة، ولا الطبيب علم الكلام. ولا الشاعر علم الشرائع. ولا الكاتب علم الكتاب هذا جميل صدقي الزهاوي الشاعر المشهور. صاحب القصائد الرنانة. أراد أن يزج نفسه في غمار العلماء فخانته معارفه. لأن العلم غير الشعر، وأن الحقيقة غير الخيال كتب في عدد 170 من المؤيد الأسبوعي الأغر مقالة في المرأة تفنن فيها ما شاء وشاءت له قريحته الشعرية الخيالية. بأسلوب يخلب الألباب. وان كان لا يغير وجه الحقيقة، ولا يغني من الحق شيئاً. ظن أن العلوم كلها خيال كالشعر فاستسهل هذا المنهج. واستلين هذا المركب. فمتى تيسر له اللفظ الأنيق. والمعنى الرشيق. لم يبال وافق الحقيقة أو باينها فكتب. واستدل. وحكم. وبرهن ولكن ياللأسف مقدمات لا تلازم بينها. ونتائج غير لازمة. وقياسات غير منتجة. وأحكام لا تنطبق على علك ولا عقل. ولولا تناسب بين الألفاظ. وارتباط بين الجمل. وأسلوب عربي فصيح لقلنا أنه هذيان المحموم أو عربدة النشوان.
أن من إمارات ضعف الهمة. وخور العزيمة. أن ننظر إلى الغربيين نظر الرهبة والإجلال. حتى نتوهم أنهم من عالم فوق عالم البشر، فنستسلم لجميع أقوالهم. ونأخذ عنهم كل قضية نظرية. قضية مسلمة. ونرى جميع أعمالهم غاية في المدنية والحضارة. والأخلاق الفاضلة، مع أن الواقع المشاد أن منها الحسن، ومنها القبيح، ثم إذا أردنا الاقتباس منهم تركنا همتهم وأقدامهم ونشاطهم في سعيهم. ومحدثاتهم ومخترعاتهم. وعلومهم وعملهم، وجدهم وكدهم. وعمدنا إلى رذائل الأخلاق التي بات الغربيون أنفسهم يتذمرون منها، ويسعون السعي الحثيث لإبطالها، وتلافي ضررها فأخذناها على أنها مرقاة نصعد بها إلى أوج الترقي، وما هي إلا مهواة ننزل بها إلى حضيض الهوان، هذا حال الأمم الضعيفة بإزاء الأمم الراقية، تريد تقليدها فتقلدها بساسف الأمور، ورديء الأخلاق لاعتقادها في
نفسها العجز عن مجاراتها في إحاسنها كتب فريد أفندي وجدي أحد علماء الاجتماع نحن بغاية الأسف نرى أن تلك المدنية يعني الغربية تفتن الشرقيين لدرجة أصبحوا يعدون مقابحها التي ضج أصحابها منها كمالات يجب علينا الأخذ بها وبذل النفس والنفيس في السعي إليها، ويتصامون عن صيحات ذويها وأناتهم، ولقد كادت تلك الصيحات والأنات لا تدع صماخاً سليماً بين البشر اللهم ألهم كتابنا أن يربأوا بأنفسهم عن هذه المنزلة منزلة الضعة والمهانة، والذل والإستكانة، وأن لا يكونوا من المدنية الغربية كالغربال من دقيق الخبز يمسك خشاره، ويفلت لبابه، بل كالضمير في النقاد يختار الجيد، ويترك الزائف، وان يعلموا ما لوظيفتهم من المكانة في عالم الاجتماع فلا يكتبون إلا عن اجتهاد ووجدان، مطابقين للعلم والدين كتب مصطفى لطفي المنفلوطي من نوابغ كتاب مصر، أن في أيدينا معشر الكتاب من نفوس هذه الأمة وديعة يجب علينا تعهدها والاحتفاظ بها والحدب عليها حتى نؤديها إلى خلفائنا من بعدنا كما أداها إلينا أسلافنا سالمة غير مأروضة ولا مثلمة فإن فعلنا فذاك وإلا فرحمة الله على الصدق والوفاء وسلام على الكتاب الأمناء أن الله وحده هو خالق هذه العوالم بأسرها وهو وحده القادر على أن يضع لها قانوناً يكفل لها مصالح دنياها وسعادة أخراها في كل مكان وزمان، أما واضعوا القوانين فغنهم مهما علا كعبهم في العلم وارتقت مداركهم في الفهم فليسوا قادرين لأن يضعوا قانوناً إلا لزمنهم وللأمم التي تحت نظرهم فمن الحق وافن الرأي أن يأخذ الشرقي عن الغربي قانوناً وضع لغير زمنه ولغير أمته ولا يلتئم مع عوائد أمته وأخلاقها ولا مع تعاليم دينها، أن الزهاوى كتب ما كتب تقليداً لمتطرفة الغربيين ولو بحث ونقب، لرأى أن معتدلي الغربيين. أدركوا خطأ أمتهم فطفقوا يجاهرون بوجوب الرجوع إلى مادلت عليه التجارب من أن مجاراة المرأة للرجل في أعماله خروج عن سنن الفطرة وطبائع الكون.
حاصل ما أراد الكاتب أن يبين من حقوق المرأة المسلوبة منها على زعمه مساواتها للرجل الطلاق كونه بيد الرجل وحده وتعدد الزوجات ونقصها في الميراث عن الرجل في الحجاب وها نحن نرد عليه بها على الترتيب ملتزمين جادة الأنصاف وبالله التوفيق.
لابد للمتناظرين أن يكونا متفقين على مبادئ يرجعان إليها في الاستدلال على ما يحاولان إثباته أو نفيه. فنحن مع الكاتب من جهة كونه مسلماً واستشهد بآية (ولهن مثل الذي عليهن)
متفقون ومن جهة المسائل التي أنكر فيها صريح القرآن كتعدد الزوجات والميراث مختلفون أننا نناظره على الطرف الأول تغليباً لحسن الظن فنستدل عليه من الكتاب والسنة والإجماع وسنن الكون ولعل الطرف الثاني ناشئي عن جهل لا عن سوء قصد.
أما تفنيد زعمه مساواة للرجل فمما لا يحتاج إلى برهان لأنه بديهي البطلان، ويحسن بنا أن ننقل هنا نبذة عن كلام فريد أفندي وجدي بهذا الموضوع.
قال: هل المرأة مساوية للرجل في سائر الحيثيات فالجواب. لا وهل لدينا دليل حسي على هذا الجواب السلبي أصدق من وجود المرأة من ابتداء الخليقة للآن تحت سيطرة يوجهها كيف يشاء ويحكم عليها بما تقضى أمياله إذا كانت المرأة مساوية للرجل من الجهتين: الجسمية والعقلية فلماذا رضخت كل هذه الألوف المؤلفة من الأعوام لسلطان الرجل وجبروته لاشك أنا إذا لاحظنا ناموس الغلبة والقهر الذي مؤداه أن القوى يغلب الضعيف ويأسره، علمنا جيداً أن المرأة لا تساوي الرجل في جميع المواهب الطبيعية إذ لو ساوته فيها لحدثنا التاريخ بأخبار التدافع بين هذين الجنسين شأن كل عاملين متساوي القوة في هذا الوجود ولكن الأمر بالعكس فإن المرأة ظلت راضخة لنير الرجل، ولم تنل ما نالته من حريتها في أوربا إلا بسعي الرجل نفسه، ورضاه بتخفيف الوطأة كما هوشان القوي إذا أراد أن يخفف عن الضعيف المقهور له شيئاً من أثقاله ثم بحث في كون الرجل أقوى من المرأة جسماً وكون المرأة أضعف من الرجل إدراكاً واستشهد طبائع الكون فأفادوا جاد ومن أراده فليرجع إليه ومما يفندر زعم الكاتب المساواة قوله تعالى (وللرجل عليهن درجة) وقوله تعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) ومن السنة قوله عليه الصلاة والسلام لو كنت أمراً أحداُ أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها وقوله عليه السلام ثلاثة لا تقبل لهم صلاة ولا تصعد لهم إلى السماء حسنة الحديث وفيه والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى. ومثل هذا كثير مستفيض في كتب السنة وما ذكرناه كاف لمن كان له قلب.
أن من يريد مساواة المرأة للرجل في سائر الشئون عامل على معاكسة سنة الله في هذا الكون التي قضت أن يكون لكل واحد من الجنسين كمال لا يشاركه فيه الآخر.
فالرجل يسعى ويشقى، ويكد ويتعب ويشتغل ليحصل على رزقه ورزق عياله. والمرأة
ترتب له بيته وتربي له أولاده وتجهز له أكله وتحفظ عينه من الحرام الخ.
والغربيون الذين عملوا على معاكسة هذه السنة زماناً اتضح لهم خطاءهم وافن رأيهم لما رأوا بناء عائلاتهم تقوض ونظام مدنيتهم فسد وأن أردت دليلاً على ذلك فاسمع ما كتب فريد أفندي وجدي تحت عنوان ما هي نتائج تحرير المرأة في أوربا قال لا نظن أن المرأة قاست من آلام الأسر في بلد مثل ما قاسته في أوربا من أول أدوارها لغاية القرن السابع عشر ونحن هنا لا نود أن نتوسع في بيان الفظائع التي كانت تعامل النساء بها في تلك البلاد الغربية، ولكنا نقول إجمالاً أن المرأة كانت هنالك تعد من ضمن العجماوات سواء بسواء بل ربما كانوا يكرمون العجماوات أكثر منهن في بعض الأحوال فإن أمامنا الآن من أخبار القرون الوسطى أنهم كانوا يحرمون على المرأة كل اللحوم ويجبرونها على ملازمة الملآكل النباتية كما يمنعونها من الضحك والكلام ولكننا لم نر من أخبار تلك القرون أنهم حرموا على الهرة تناول اللحم أو حرموها من اللعب والقفز أمام من يقتنيها نعم بلغ أسر المرأة في الغرب إلى درجة وحشية جداً، حتى تطرف كثير منهم وزعموا أن المرأة ليست من نوع الإنسان بل هي من نوع وسط بين الحيوان والبشر وألف أحد علمائهم في ذلك كتاباً سماه، هل للمرأة نفس، ولكن لما ترقت المدارك ولطفت الإحساسات أدرك الرجل شدة هضمه لحقوق المرأة فأخذ في إطلاق العنان لها شيئاً فشيئاً وساعد على ذلك فشو الإلحاد في بعض الطبقات تحت ثار التعاليم المادية التي انتزعت منهم كثيراً من الكمالات الإنسانية فمالت النفوس إلى الشهوات البهيمية واستلزم ذلك التغاضي عن تبرج النساء فقوى شأنهن تدريجاً حتى فمن في السنين الأخيرة (تحت حماية الرجل) يؤلفن الجمعيات للمطالبة بحقوقهن المهضومة التي تخولهن على زعمهن التربع في دسوت الوزارات وتقلد المراكز السياسية لقيادة الشؤون الاجتماعية وليت الأمر وقف عند هذا الحد بل سرى فساد الأخلاق إليهن سرياناً يخجل الكاتب من سرد وقائعه الشائنة وتعداد حوادثه المخجلة.
ألم تران المرأة التي كانت محرماً عليها أكل اللحم صارت تشاطر الرجال في الجلوس على المنتديات العمومية، ألم ترها بعد أن كانت محجوراً عليها غير الصلاة وطاعة زوجها طاعة عمياء قد صارت الآن تحسو بنت ألحان على رؤوس الإشهاد حتى لا تجد في ساقيها قوة توصلها إلى بيتها الذي فيه صغارها فتطرح نفسها على أفاريز الطرقات وهي سكرى
لا تستطيع حراكاً فيحملها رجال البوليس لتبيت في الضابطة، فقد دل الإحصاء في بعض البلاد المتمدنة على أن البوليس يجد فيها سنوياً ما يزيد عن العشرة آلاف امرأة ملقاة في الطريق ثملا وليتهن وقفن عند هذا الحد المدهش فإن بعض المتعلمات منهن قد فقدن فضيلة الحياء لدرجة صرن يؤلفن الكتب ينددن بعادة الزواج مدعيات أنها من آثار الوحشية الأولى قائلات ما هذه العادة السيئة التي تحرم المراة من التمتع بإبلاغ عواطفها الحبية مشتهياتها ما هذه المقاليد التي تربط المرأة بالرجل ارتباطاً دائماً فتجبرها على ملازمة رجل قبيح في عينها لرؤيتها من هو أجمل منه.
ما هذا الرباط الحديدي الذي يمنع المرأة من أن تنصاع لأميال فؤادها. السريع التقلب الكثير الإحساس بالانفعالات المختلفة. يعاب على الهيئة الاجتماعية أن تذر هذه التقاليد حية للآن. ويجب على ربا الجمال أن يبذلن وسعهن للتخلص منها بكل الطرق الممكنة. هذه كلها مقولات بعض المتغاليات من نساء العالم المتمدن وهذه الحالة قد أقامت علماء العمران وأقعدتهم وجعلتهم يتوقعون انهدام عظمة أوربا بيد المرأة الضعيفة إذا لم يتوصلوا إلى إيقافها عند حدها. قال المسيو (جان فينو) مدير مجلة المجلات في فصل ذكر فيه غلواء النساء في الحرية والمصائب التي جرتها على المدينة (نقول بغاية الآسف أن المرأة التي بواسطتها تهذيب أوربا ستكون هي نفسها هادمة تلك المدينة الزهراة بيديها بإزاء هذه النزعات فإن عقلاء القوم لا يدرون كيف يوقفون سير هذا التيار الشديد الاندفاع الذي ابتدأ يجرف أمامه كل الكمالات الأخلاقية التي بنيت على أساسها عظمة العالم المتمدن ولا يظنن القارئ أن هذا ناشئ من حسد الرجال للنساء على ما نلن من حرية. فإن عقلاءهن أيضاً قد أدركن هذا الفساد ووخامة عاقبته فقمن ينصحن لأخوانهن بالاعتدال والتوسط في أمورهن ولا يتأخرن عن إظهار ما يختلج بضمائرهن عن رأيهن وإليك مضي ما قالته إحدى العاقلات للمسيو (جول بوا) بعد ذكرها أحوال النساء. هذه الحالة هي مهواة جنس من الأجناس. ونهاية جيل من الناس. لم يفكروا إلا في شهواتهم البهيمية حتى انتهى بهم الأمر إلى حد اليأس المهلك إلى أن قالت أن داء الضجر العضال ينتابنا معشر النساء المتبرجات جميعاً. وأن إذ كانا تدرك ساعة هدوها أنها غير صالحة لشيء ما. أرح نفسك فإنا سنتلاشي يهدو وسكينة بدون مقاضاتنا أمام العدالة وأن كان كل ما لنا من جمال ورواء سيصير أثراً
بعد عين هذه شهادة امرأة عاقلة على بنات جنسها ممن يتغالين في الحرية والترف فهل بعد هذا يجوز لنا أن نحتذي حذوا أوربا في هذا الشأن الخطير أليس يجب علينا بعد هذه المشاهدات أن ندرس هذه المسألة جيداً ليتضح لنا مثار الفساد الذي جرته أوربا على نفسها ولم تسطع أن تصدم تياره بما لديها من وسائل وحكمة نعم أن هذا من أوجب الواجبات علينا قبل أن نخطو خطوة واحدة في سبيل إعطاء المرأة حقوقها لأن العاقل من يتعظ بغيره، وأما الطلاق فقد استهجنه الكاتب حتى عدهأا
قسوة فقال أجاز المسلمون أن يقسو الرجل فيطلق امرأته الخ.
ثم لم يرض أن تكون عقدة الطلاق بيد الرجل وحده وسأل لم لا يجوز للمرأة أن تطلق الرجل عملاً بمدلول (ولهن مثل الذي عليهن) لتعم المساواة الخ.
ومازلنا نستقبح قول الشاعر:
ما قال ربك ويل للذي سكروا
…
بل قال ربك ويل للمصلينا
ونعده جرأة على الله وعلى الدين مع أنه أراد المجون لا محالة حتى جاءنا الشاعر العصري الاجتماعي فسلك طريقة ذاك من الاستدلال ببعض الآية قبل تمام المعنى المراد إلا أنه في مقام الجد والاستدلال على مسئلة دينية اجتماعية. فإن محل الاستدلال مساواة ما لهن بما عليهن وهي مشروطة بقوله تعالى بالمعروف المتعلقة بما تعلق به الخبر الذي هو لهن كما ذكره المفسرون وتمام الآية (وللرجال عليهن درجة) نص في عدم المساواة وإليك زبدة ما قاله المفسرون في تفسير هذه الآية (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) أي وللنساء من الحقوق مثل ما عليهن من الواجبات والمراد بالمماثلة بالوجوب لا بجنس الفعل فلا يجب عليه إذا غسلت ثيابه أو خبزت له أن يفعل لها مثل ذلك فعلى الرجل أن يحسن عشرتها ويقوم بنفقتها وعلى المرأة أن لا تخرج من بيتها ولا تمنعه من نفسها الخ.
أخرج الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه عن عمرو بن الأحوص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إلا أن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً أما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون إلا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن والدرجة هي درجة الرياسة والقيام على المصالح المفسرة بآية
(الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض) الخ.
وذكر العلامة النيسابوري وجهاً آخر في تفسير الآية وهو أن فوائد الزواج هي السكن والأزدواج والألفة والمودة واشتباك الأنساب واستكثار الأعوان والأحباب وحصول اللذة وكل ذلك مشترك بين الجانبين بل يمكن أن يقال أن نصيب المرأة منها أوفر. ثم أن الزوج اختص بأنواع من الكلفة وهي التزام المهر والنفقة والذب عنها والقيام بمصالحها فيكون وجوب الخدمة على المرأة أشد رعاية لهذه الحقوق الزائدة ويكون هذا كقوله تعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم).
ولنرجع للموضوع وهو الطلاق فنقول. في مشروعية النكاح مصالح العباد الدينية والدنيوية. وفي الطلاق إكمال لها لأن الزوجة الخائنة العاهرة لولا الطلاق لكانت عبأً ثقيلاً على كاهل زوجها. وهيهات أن يثبت زناها ثبوتاً مشروعاً مبيحاً للطلاق في غير الشريعة الإسلامية.
ولأن اختلاف الطباع والمشارب من سنن الكون الثابتة التي لا يمحوها مرور الأزمنة ونمو التهذيب والتأديب. وقد يكون بين الزوجين من تباين الأخلاق ما لا يستطاع معه اتفاقهما. فهل من العدل أن يقيا طول عمرهما في خصام وبغضاء ربما أفضت بهما إلى مالا تحمد عاقبته. وذلك لا يكون مقصوراً عليهما بل يسرى إلى أولادهما فتفسد تربيتهم ويختل نظام الحياة العائلية. واختلاط الزوجين قبل العقد المشروع في بعض الأديان المانعة للطلاق لا يفيد في استطلاع أحوال كل من الزوجين للآخر. لأن كلاً منهما يتكلف إظهار المحاسن وستر المقابح. وهذا الاختلاط مشروع عند الأوروبيين ومع ذلك يزداد بينهم شيوع الطلاق كثرة كلما تقدموا في المدنية. نعم أن الاختلاط يفيد عدم التنافر من جهة الصورة الظاهرة. والجمال الخلقي. فإن الأذواق تختلف باستحسان ما يستحسن من الجمال. وهذا يتأتي بمجرد النظر المباح في شريعتنا الإسلامية قبل العقد للزوجين. هذا وفي جعل الطلاق عدداً حكمة لطيفة ذكرها العلامة ابن الهمام في فتح القدير قال أن النفس كذوبة ربما تظهر عدم الحاجة إلى المرأة والحاجة إلى تركها وتسوله فإذا وقع حصل الندم وضاق الصدر، وعيل الصبر فشرعه سبحانه ثلاثاً ليجرب نفسه في المرة الأولى، فإن كان الواقع صدقها استمر حتى تنقضي العدة وإلا أمكنه التدارك بالرجعة، ثم إذا عادت النفس لمثل الأول وغلبته حتى عاد
إلى طلاقها نظر أيضاً فيما يحدث له فما يوقع الثالثة إلا وقد جرب وفقه حال نفسه. وبعدد الثلاث تبلى الأعذار فسبحان اللطيف الخبير الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
هذه الفوائد للطلاق لا يتماري فيها عاقل ومع ذلك فقد اعتمد الكمال ابن الهمام أنه غير مباح إلا عند الحاجة. وأطال في تقرير ذلك وأجاد إلى أن قال وأما إذا لم تكن حاجة فمحض كفران نعمة وسوء أدب فيكره وحمل قول عليه السلام أن أبغض المباحات عند الله تعالى الطلاق على المباح في وقت الحاجة. هذا وقد نقل ابن حجر في فتح الباري عن النووي القول بعدم إباحته مطلقاً قال الطلاق قد يكون حراماً أو مكروهاً أو واجباً أو مندوباً أو جائزاً. أما الأول ففيما إذا كان بدعياً وله صور. وأما الثاني ففيما إذا وقع بغير سبب مع استقامة الحال وأما الثالث ففي صور منها الشقاق إذا رأى ذلك الحكمان. وأما الرابع ففيما إذا كانت غير عفيفة. وأما الخامس فنفاه النووي وصوره غيره بما إذا كان لا يريدها ولا تطيب نفسه أن يتحمل مؤنتها من غير حصول غرض الاستمتاع فقد صرح الإمام بأن الطلاق في هذه الصورة لا يكره أفبعد ما سمعته من إباحته عند الحاجة إليه. وأنه أبغض المباحات إلى الله تعالى وبعدما رأيت من فوائده الاجتماعية يقال أجاز المسلمون أن يقسو الرجل ولكن (فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور).
هذا والغربيون كلما ارتقوا في المدنية قربوا من الدين الإسلامي وبعدوا عن تقاليدهم القديمة ولكن تحت اسم التمدن لا التدين والطلاق لما كان من أهم الكمالات الاجتماعية عند الاحتياج إليه قرر. فلا سفتهم إباحته وهذا بنتام قرر في كتابه أصول الشرائع لزوم الطلاق. وأقام على ذلك البراهين العقلية. ولا بأس أن ننقل نبذة من فصل عقده لبيان اعتراضات ما نعي الطلاق والجواب عنها.
قال الاعتراض الأول: أن الطلاق يولد عند الزوجين ريبة في مستقبلهما. فالرجل يلتفت يميناً وشمالاً ليجد امرأة توافقه أكثر من التي في عصمته. وكذلك يكون للمرأة مقاصد وأسباب تحملها على تغيير زوجها ونتيجة هذا الحال اضطراب في المعيشة حاضراً وعدم يقين بها في المستقبل.
الجواب أولاً يوجد شيء من هذا المحظور في الزواج الدائمي وتختلف الأسماء فقط. فبدل الزوجة الجديدة هناك يقال عشيقة أو رفيقة هنا وبدل الزوج الجديد يقال العاشق أو الرفيق.
وربما كانت تلك الشروط القاسية. والقيود الثقيلة من أسباب القلق وعدم الثبات لا من دواعي الصبر والاستمرار. ألا يعلمون أن النهي والإكراه يحركان الشهوة ويقويانها. أما دلت التجارب على أن العوائق تشغل الفكر وتجمع العقل على الموضع الواحد فتقوى الرغبة في تذليلها، كذلك حرية الزواج أقل ضرراً من الأسر فيه وإذا وجد الطلاق عند أمة كثر فيها الافتراق الظاهري وقل الافتراق الحقيقي ثم أورد أجوبة أخرى على هذا الاعتراض وذكر اعتراضات أخر وأجاب عنها. ونحن نكتفي بما ذكرنا رعاية لكثرة المواد التي نريد البحث عنها في هذا العدد. وسنتكلم في العدد الرابع على بقية المسائل التي ذكرها الكاتب إنشاء الله.