الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدين الإسلامي والتوحيد
25
أحوال يوم القيامة
ذكرنا أن الإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان. ولا يصح إيمان عبد حتى يصدق به من صميم قلبه تصديقاً لا يشوبه شك ولا ترديد ومعنى الإيمان به التصديق بالأحوال التي تقع فيه فمن ذلك البعث والحشر وقد تقدم الكلام عليهما مستوفى ومن ذلك ما ينال الناس في ذلك اليوم من الشدة والهول والخوف والفزع وإلى ذلك الإشارة بقوله عز اسمه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} وقول سبحانه {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ، مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء}
ومنه إلجام الناس بالعرق على قد أعمالهم ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون على كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حقويه ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً وأشار عليه الصلاة والسلام إلى فيه.
ومنه أنه تعالى يكرم بعض عباده فينجيهم من حر الشمس ويظلهم تحت ظل عرشه فقد أخر البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله الإمام العادل وشاب نشأ في عبادة ربه ورجل قلبه معلق في المساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل طلبته ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه.
ومنه أن الناس إذا خرجوا من قبورهم خرجوا عطاشاً فيرد المتقون من حوض النبي صلى الله عليه وسلم للشرب منه وهو أي حوضه صلى الله عليه وسلم ثابت بإجماع أهل السنة والأحاديث الصحيحة المستفضية شاهدة به وقد ذكرنا في الخصائص وصف الحوض وأن ماءه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل. وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو
بن العاص رضي الله عنهما. حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه أكثر من نجوم السماء من شرب منه فلا يظمأ أبداً. قال العلماء رضي الله عنهم ولا يطرد عن الحوض إلا أقوام ظلموا أنفسهم بأن غيروا وبدلوا عهدهم الذي أخذه الله عليهم فالمرتد من المطرودين ومن أحدث في الدين ما لا يرضاه الله تعالى ومن خالف جماعة المسلمين كالخوارج والروافض والظلمة الجائرون والمعلن بالكبائر المستخف بالمعاصي وأهل الزيغ والبدع لكن المبدل بالارتداد مخلد في النار والمبدل بالمعاصي تحت المشيئة الإلهية.
أخذ العباد الصحف
ومن أحوال الآخرة أخد العباد الصحف والمراد من الصحف الكتب التي كتبت فيها الملائكة ما فعله العباد في الدنيا قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَاماً كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} . وقال تعالى: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً، اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} . وبعد أن يتعلق كل كتاب بعنق صاحبه تناديهم الملائكة فتأخذها من أعناقهم وتعطيها لهم في أيديهم فالمؤمن يأخذ كتابه بيمينه والكافر يأخذه بشماله من وراء ظهره قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ، فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ، إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ، وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ، وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ، يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} . وقال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً، وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً، وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ، فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً، وَيَصْلَى سَعِيراً} .
الحساب
ومن أحوال الآخرة الحساب وهو توقيف الله عباده قبل الانصراف من المحشر على أعمالهم خيراً كانت أو شراً قولاً أو فعلاً وهو من مجوزات العقل التي ورد الشرع فيها فيجب اعتقاده لثبوته بالكتاب والسنة والإجماع قال تعالى: {وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} وروى أصحاب السنن الأربعة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته وفي الصحيحين من حديث عائشة قال عليه الصلاة والسلام من نوقش الحساب عذب وروى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال
صلى الله عليه وسلم عرضت علي الأمم فقيل هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب جاء في رواية أحمد بن حنبل من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال عمر هلا استزدت ربك فقال صلى الله عليه وسلم استزدته فأعطاني مع كل رجل سبعين ألفاً قال عمر فلا استزدته فقال صلى الله عليه وسلم قد استزدته فأعطاني هكذا وفرج بين يديه.
ثم إن الناس متفاوتون في الحساب فمنهم المناقش فيه ومنهم المسامح فيه بكيفية مختلفة فمنه اليسير والعسير والسر والجهر والتوبيخ والفضل والعدل ومن الناس من يدخل الجنة بغير حساب وهم المقرون كما مر.
الميزان
ومن أحوال الآخرة الميزان وقد عرفوه بقولهم ما يعرف به مقادير الأعمال خيراً أو شراً وهو أيضاً حق ثابت بالدلائل السمعية والبراهين النقلية ولا يحيله العقل لأنه من الأمور الممكنة فوجب التصديق به وينبغي الإمساك عن تعيين حقيقته قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} . وقال تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم} .
والموزون إنما هو صحائف الأعمال كما روى الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال صلى الله عليه وسلم يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل منها مد البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول لا يا رب فيقول ألك عذر؟ فيقول لا يا رب فيقول ألك حسنة؟ فيقول لا يا رب فيقول تعالى بلى إن لك عندنا لحسنة وأنه لا ظلم عليك فتخرج له بطاقة كالأنملة فيها - أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله - فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقال إنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله شيء.
والحكمة في وزن الأعمال ظهور العدل في العذاب والفضل في العفو وتضعيف الثواب وقال بعض المتأخرين لا يبعد أن يكون من الحكمة في ذلك ظهور مراتب أرباب الكمال وفضائح أرباب النقصان على رؤوس الإشهاد زيادة في سرور أولئك وخزي هؤلاء.
الصراط
ومن أحوال الآخرة الصراط وهو جسر ممدود على متن النار يرده كل الخلائق وهو ورود النار لكل أحد المذكور في قوله تعالى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} وهو مما يجب على كل مكلف اعتقاده لثبوته بالكتاب والسنة قال تعالى: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} . وأخرج البخاري ومسلم من حديث طويل عن أبي هريرة قال عليه الصلاة والسلام ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجوز. ولا ينبغي الخوض في أنه كما في رواية أدق من الشعر واحد من السيف فقد نازع في ذلك العز بن عبد السلام والشيخ القرافي وغيرهما كالبدر الزركشي قالوا وعلى فرض صحة ذلك فهو محمول على غير ظاهره بأن يؤول بأنه كناية عن شدة المشقة وعلى كل فالقدرة صالحة لكل شيء.
والقادر على أن يسير الطير في الهواء لا شك في أنه قادر على أن يسير الإنسان على صراط أدق من الشعر وقد روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً قال يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة فقال له عليه الصلاة والسلام أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادراً على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة.
ثم إن الناس متفاوتون في المرور عليه فمنهم من يمر كالبرق الخاطف ومنهم كطرف العين ومنهم كالريح ومنهم كالجواد وآخرون يسقطون في النار ويؤيد ذلك ما في البخاري ومسلم من حديث حذيفة قال عليه الصلاة والسلام ثم يضرب الجسر على جهنم قيل يا رسول الله وما الجسر قال دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسكة تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالطير وكأجاويد الخيل وكالركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكردس ومكردس في نار جهنم.
الشفاعة
ومن أحوال الآخرة شفاعة الرسل والأخيار كالملائكة والصحابة والشهداء والعلماء العاملين والأولياء لأهل الكبائر وغيرهم كما جاءت الأحاديث الصحيحة دالة على ذلك وأجمع عليه أهل السنة وعلماء النقل. فعند ابن ماجة من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه يشفع يوم القيامة ثلاثة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء وأخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن من أمتي من يشفع للقوم ومنهم
من يشفع للقيلة ومنهم من يشفع للعصة ومنهم من يشفع لرجل حتى يدخلوا الجنة.
وقد ذكر العلماء بأن لنبينا صلى الله عليه وسلم خمس شفاعات إحداها وهي أعظمها وأعمها شفاعته صلى الله عليه وسلم في فصل القضاء حينما يشتد الأمر ويعظم الهول ويتمنى الناس الانصراف ولو إلى النار فيشفع صلى الله عليه وسلم في فصل القضاء وهي مختصة به ثانيتها في إدخال قوم الجنة بغير حساب وهي من خصائصه أيضاً صلى الله عليه وسلم ثالثتها في قوم من عصاة الأمة استوجبوا النار فيشفع فيهم نبينا صلى الله عليه وسلم وهذه كما قال بعض العلماء إنها ليست من خصائصه بل تكون لغيره أيضاً رابعتها فيمن دخل النار من المؤمنين المذنبين وهذه الشفاعة وقع إطباق العلماء على عدم اختصاصها به صلى الله عليه وسلم حيث كان لهم عمل خير زائد على الإيمان إذ الشفاعة في إخراج من في قلبه مثقال ذرة من الإيمان ليخرج من النار ليست خاصة به صلى الله عليه وسلم بل تكون لغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام خامستها الشفاعة في زيادة الدرجات في الجنة وزاد بعض العلماء شفاعة سادسة وهي الشفاعة في تخفيف العذاب عمن استحق الخلود في النار كما في حق أبي طالب للحديث المتقدم في الخصائص قال عليه الصلاة والسلام أنا أول شافع وأول مشفع وروي أنه ذكر عنده عمه أبو طالب فقال لعله تنفعه شفاعتي فيجعل في ضحضاح من نار كذا ذكره سيدي عبد الغني النابلسي في شرح الطريقة المحمدية جعلنا الله من الفائزين بشفاعته صلى الله عليه وسلم العاملين بسنته الحائزين شرف خدمته بمنه وكرمه.