المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌موت شريف أو حياة سعيدة كنا نعلل النفس وندفع الأحلام المخيفة ونتصور - مجلة الحقائق - جـ ٣٢

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌ ‌موت شريف أو حياة سعيدة كنا نعلل النفس وندفع الأحلام المخيفة ونتصور

‌موت شريف

أو حياة سعيدة

كنا نعلل النفس وندفع الأحلام المخيفة ونتصور أن أمم القرن العشرين ناشرة المدنية والحضارة. . .

ترجع إلى الحق وتكف عن التحامل على المسلمين وترحم الإنسانية التي وصل أنينها إلى السماء فسمع صداها وأراد الحق أن ينتقم للمظلوم من الظالم وهكذا قضت الإرادة الإلهية أن تمحق أمم التوحش من عالم الوجود رأفة بالعبادة ورحمة للخلق وبينما كنا نتصور بأن دول الغرب التي تسعى وراء الوئام والسلام هي التي تنتقم للإنسانية من تلك الأمم المتوحشة التي أحرقت الأخضر واليابس ومثلت ببني البشر بلا استثناء تلك الفظائع التي لم يسمع بأن الحيوانات المفترسة والوحوش الضارية تقدم على مثلها وما الفرق بين وحوش أفريقيا وبين الأمة البلغارية التي عزم محالفوها أن يمحوها من سفر الوجود بالنظر لما بدا لهم من توحشها وخطر وجودها على المجتمع الإنسان ولكن عداوة الدين التي لا يرجى لها مودة هي التي تضطر دول الغرب بأن يغمضوا العين ويتعاموا عن تلك الفظائع كي يحولوا دون ثأر الأمة الإسلامية لنفسها ولم أعلم ما الذي يخول هذه الدول بان يرجعوا العثمانيين إلى ما وراء خط ميديه بعد أن تمرد البلغار ولم يخل المواقع التي اتفق عليها مع أن العثمانيين الذين كان ينتظر بان يدفعهم حب الانتقام لأن يعتدوا بمثل ما اعتدى عليهم مشوا بكل وتؤدة وسكينة مما برهن للعالم بأن الأمة الإسلامية هي أحق بالمدنية والحضارة التي تزعمها دول الغرب وإني لأخال في أن زحزحة الأرض أو خر الجبال أهون من إخلاء أدرنة من العثمانيين بعد أن استرجعوها بحق صريح ولا أظن بأن دول أوروبا يغرب عليها إن أصرت على العناد في أن صرخة واحدة في الهند وصيحة بإفريقيا تكفي لأن تثير عواطف المسلمين الذين سئموا حياة الذل وعيشة العار

لا تسقني ماء الحياة بذلة

بل فاسقني في العز كأس الحنظل

ماء الحياة بذلة كجهنم

وجهنم بالعز أفخر منزل

وعندئذ تزلزل الأرض زلزالها وتخرج الأرض أثقالها ويستريح الكون من مظالم البشر ولكن لا لمثل هذا خلق الله الكون ولا لأجل التدمير والتخريب منّ الله على الإنسان بالعقل

ص: 9

والحكمة بل ليستخرج الآلات ويستخرج كنوز الأرض ويعيش من كده وتعبه لا أن يأكل القوي الضعيف ويطمع الغني في الزيادة حتى إذا بلغ حد الكمال وتناهى في كل شيء دارت الدائرة عليه وانعكست القضية لديه ويهيأ الله له من يكون أقوى منه ويسلبه ما امتلكه بالقوة سنة الله في خلقه وهكذا من أمعن النظر في تواريخ الأمم تنجلي له الحقائق ويعلم بأنه ما من دولة كانت فتوحاتها كبيرة إلا وتوالى عليها الضعف إلى أن تتلاشى رويداً رويداً وكما أن الشرق كان قد ابتلع الغرب فالغرب يريد أن يبتلع الشرق وإذا قوي العرق الأصفر فيعود لابتلاع الشرق والغرب والأرض أرض والسماء سماء لم ينقص منهما شيء ولم تتبدل من الأرض حاجة غير أن تلك النفوس تذهب ضحية مطامع المسلوك حتى قيام الساعة فلو أن دول الغرب الذين كفة السلم بيدهم يسعون وراء نبذ المطامع ويكتفون بما في أيديهم أما كان خيراً لهم من أن يكونوا مهددين للخطر ومعرضين لنزول الصواعق.

يعرى ويغرن من أمسى على طمع

من المكارم وهو الطاعم الكاسي

إن المطامع ذل للرقاب ولو

أمسى أخوها مكان السيد الراسي

اللهم أنزل الرحمة في قلوب عبادك وألهمهم سبيل الرشد وطرق الهدى.

أمير زاده محمد سعيد

(الحقائق) هذا ما كتبه حضرة الأمير المشار إليه وهو غاية في الشهامة والحمية، وآية واضحة في علو الهمة وصدق الوطنية ولا غرو فالأمير حفظه الله قد ورث هذه المحامد كابراً عن كابر فلم ينس الناس مسارعة والده إلى الحرب الطليانية ومغادرته وطنه إلى البلاد الطرابلسية كما أنهم لم يذهلوا عن جهاد جده المقدس ووقوفه السنين الطويلة أمام دولة عظيمة من دلو الغرب ونعني بها دولة فرسنا ولقد عجبنا كما عجب كل عاقل من انتقاد بعض أصحاب الأغراض لهذه المقالة الممتلئة حماساً وغيرة ورمي كاتبها بسوء النية بدعوى أن الأوروبيين أصبحوا أقوى وأعرف وأغنى منا فعلينا أن نحترم مشيئتهم وأن وأن إلخ إلخ.

ولو أدى ذلك إلى خروجنا من أدرنه - وقلنا أن هذا الاستسلام والخضوع لأوروبا هو الذي أوصلنا إلى هذه الحالة التعيسة واستغربنا كيف يصدر أمثال هذه السخافات من وطني مسلم وكيف رضي له إسلامه ووطنيته باختيار ما تشاء أوروبا ولو أدى إلى تسلمي أردنه في

ص: 10

حين أن بعض الأوروبيين نفسهم يصرح بأن لنا الحق في الاستيلاء على أدرنة وعدم الخروج منها وإليك تعريب ما جاء في جريدة لومانيتي الفرنسية بقلم مدير سياستها المسيو جوريس:

(لا يوجد في العالم من ينازع الجيش العثماني في دخوله مدينة كمدينة أدرنة يسود فيها العنصر العثماني أو بعبارة أخرى العنصر الإسلامي.

نعم إن دخول هذا الجيش في هذه المدينة لم يكون منتظراً إلا أنه طبيعي ولا ينبغي لنا أن ندهش منه وإلا فكيف يسوغ لنا أن نجرد العثمانيين من مدينة بهذا الوصف ونعطيها للبلغاريين الذين ثبت لدينا أنهم ارتكبوا أكبر المنكرات واقترفوا أعظم الفظائع.

إننا نتمنى أن لا يجني العثمانيون ما جناه البلغاريون وأن يقدروا ما منحهم به حسن الحظ وأن لا يدنسوا دخولهم عاصمة تراقية القديمة بمعاملة البلغاريين بمثل ما عاملوهم به انتقاماً منهم وأن لا يتقدموا إلى أوروبا التي غضبت بسبب ما بلغها من أنباء الفظائع التي روت البلقان بالدماء وأن يظهروا الضمانات الكافية على تسامحهم وحسن نيتهم فإنهم كلما أظهروا أنهم لا يميلون إلى الانتقام ثبتت أقدامهم في هذه المدينة التي احتلوها ثانية أنهم إذا عرفوا كيف يكونون معتدلين ومحببين للإنسانية فمن قلة الأدب نزع مدينة هي لهم من حيث الجنسية والدين لتسليمها من جديد إلى أمة البلغار التي أثبتت الصرب واليونان والرومان أنها سفاكة للدماء اهـ).

فليقابل القراء بين ما رآه هذا الأجنبي وما يراه ذلك الوطني وليقرأ قوله تعالى فإنه لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

ص: 11