المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الأخلاق كلمة في الاقتصاد كأن الكتاب يعنون به العلم بطرق تكثير المال - مجلة الحقائق - جـ ٤

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌ ‌الأخلاق كلمة في الاقتصاد كأن الكتاب يعنون به العلم بطرق تكثير المال

‌الأخلاق

كلمة في الاقتصاد

كأن الكتاب يعنون به العلم بطرق تكثير المال وتوفيره، وتعظيم الثروة وتقويتها، وقد أفرد بعض الغربيين البحث عن هذه الطرق بالتأليف وبعض متفنني الأتراك كتب منها أيضاً عنوانها (بعلم الثروة) ويمكن أنه اقتطفها من كتب الغربيين، وقد اصطلحوا على قراءتها في المكاتب العالية لكننا لم نر نتيجة لهذا العلم عند من تخرجوا في تلك المكاتب، بل ربما رأينا ضده أعني العلم بسرف الأموال ومحقها، وهدم الثروات وسحقها.

نرمق أكثر من يأتي من ناشئتنا المتخرجين في تلك المكاتب كلاً على الدولة، كلاً على ثروة والديه حتى يذهب بها، عليهما ولو كأننا فقيرين من فهم هذا العلم وبحث في الطرق التي تكون سبباً لتكثير المال وتوفيره، وتقوية الثروة لابد وأن يبحث في كيفية إتقان الصنائع والحرف وتنظيم أمور التجارة وتوسيع نطاقها وتسهيل عمل الزراعة وتعزيز استغلالها ومن أين يطرأ عليها الفساد والانحطاط.

إلى الآن لم نعثر على مؤلفات عربية تبحث في هذا الموضوع تمام البحث ولا سمعنا بعالم غيور تظاهر بنشر هذا الفن النافع، وجال بمسائلة علماً وعملاً حتى ولا من ناشئتنا المدعين تنور الأفكار الذين تخرجوا في المدارس الأجنبية ودرسوا هذا العلم هناك ولا من أهل الصحف الذين تعهدوا بنشر بذلك وسموا صحفهم اقتصادية وقد جالوا في الغرب وأطلعوا على المدارس الزراعية والصناعية هناك ونظروا في أحوال التجارة وأسباب ترقيها بل ما رأينا فرعاً من فروع الصناعة والزراعة والتجارة بلغ من الإتقان أشده في بلادنا السورية ولعله في باقي البلاد العثمانية كذلك إلا ما كان من أعتناء الحكومة السنية بعلم الطب على اعتبار كونه من الصنائع وهنا مجال لأن تقترح على من عثر على تأليف مفيد بهذا الفن، وكان بغير اللغة العربية أن يعربه إليها لتعم الفائدة، وكذا على من عنده دراية حقيقية به ويمكنه التعليم والتطبيق أن يجاهر بذلك ليستفيد منه الوطن فائدة تذكر، وكذا على أصحاب المدارس الأهلية أن يدخلوا هذا الفن في برنامج دروسهم ويهتموا لتعليمه أسوة بالمدارس الراقية ولأنه على التحقيق عبارة عن درس أخلاقي عظيم الفائدة وبودنا لو تتألف جمعية ممن استنارت أفكارهم ويسعون بعقد شركات عمومية يكون

ص: 7

مقصدها الحقيقي تقوية الصنائع والحرف والتجارة والزراعة فيفتحون مدرسة لتعليم ذلك كله على نهج الترتيب والانتظام أن (مكتب الصنائع) الذي في حاضرتنا الآن قد اجتهد بتأسيسه المرحوم مدحت باشا ليفيد الوطن صنائع جديدة يستغني بها الشرق عن الغرب بعض الاستغناء قد أصبح بفضل الإهمال قليل النتيجة عديم الفائدة إذ الصنائع التي تدرس فيه اليوم هي حثالة الصنائع الدمشقية فحبذا لو أن ولاة الأمور يعيرونه نظرة فيحققون بها قصد المؤسس وبهذه المناسبة نطلب من قادة الأقلام أن يوسعوا نطاق هذا البحث وينتقدوا من الصنائع والحرف والتجارة والزراعة ما يظهر لهم من مواقع النقد على صفحات الصحف.

أن المعنى الذي ذكرناه للاقتصاد كأنه اصطلاحي لكنه مأخوذ من المعنى اللغوي ولازم له لأن للاقتصاد في اللغة معان منها الاستقامة يقال اقتصد فلان في أمره لأي استقام ومنها الاعتدال في النفقة أي التوسط بين طرفي الإسراف والتقتير يقال اقتصد في نفقته أي لم يسرف ولم يقتر فالاستقامة في الأمور والتوسط في النفقة هما من أشرف الخصال التي ينبغي أن يتحلى بها الإنسان وهما من أعظم العوامل على توفير المال وتحسين الحال وتعظيم الثروة وتشيد القوة وجلب السعادة وطرد الشقاء في الحديث الشريف (ما عال مقتصد ولا يعيل) من حاد عن الاقتصاد ضل طريق الكرم الإسلامي لأنه أما أن يصعد على درجات شقاء السرف والتبذيرا وينزل لدركات البخل والتقتير.

وفي كلا الأمرين انحراف عن سنن القرآن ووقوع في المقت وغضب الرحمن. قال تعالى (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً).

وقال عز اسمه (ولا تبذر تبذيراً أن المبذرين كانوا أخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً) وقال جل سلطانه (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتيهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) نتلوا هذه الآيات الشريفة وكانا لا ندري من أنزلها أو لسنا داخلين في عموم الخطاب (أفلا يتدربون القرآن أم على قلوب أقفالها) نذكر للقراء نموذجاً من حالنا اليوم إذا أجرى أحدنا سنة النكاح لنفسه أو لولده أو سنة الختان أو الفرح بمولود أو بقدوم من حج أو غيره. تراه يتفنن في ارتكاب أنواع المنكرات وأعاجيب المخالفات. تبذير أموال. وتفاخر بالقوال والأفعال. ولو ذكرته أو نصحته لرد

ص: 8

نصحك أو اعتذاراك بما هذا معناه. أن عادات أمثالنا هكذا ولا محيد عن اتباع العادات مخافة أن يتكلم الناس علينا أو ان نسائنا عليهن مثل ذلك لأمثالهن فلا يرضين بغيره. أن أكثر من يريد إجراء هذه السنة لا يقصد منها مقاصدها الشرعية بل يقصد الفخفخة والجعجعة وجلب السعادة (الجهاز) فتراه لا يؤم في خطبته إلا من اشتهر بمحبة ما ذكر ولو كان في ذلك حتفه.

بعد إجراء العقد يسعى كل من الأبوين فيما يطلب منه. . أما أبو الزوج فتراه أن كان دار ضيقة يسعى في توسيعها وتزيين محالها أو الانتقال لأوسع منها بطريق الشراء أو الاستئجار ثم يتغالى بعد في جلب المفروشات والملبوسات وأنواع المجوهرات يقصد بذلك الفوز على أهل عروسه وإظهار الغنى الواسع.

حتى أنك لو ذهبت إلى داره ونظرت زخرفة متاعه وأثاثه لقلت هذا من الأكاسرة او القياصرة أو رب الثروات العظام ولكن وياللأسف يفعل هذا وهو في تجارته أو زراعته ضيق اليد ضعيف الساعد يتقلب على جمر الغضا ويشكو ألم الضيق. وقد يلجئه الأمر لأن يجسر على صرف أموال الناس ولو عاش باقي حياته كئيباً. وأما أبو الزوجة فيسلم زمام الأمر لناقصات العقل والدين. فتراهن يحملنه على إنفاق ثروته والاستدانة فوقها في سبيل شراء ملبوسات ومفروشات وغير ذلك لأجل تجهيز هذه العروس الكريمة ولا يرضيهن ولو أنفق ما في الأرض جميعاً. بعد وصول هذه السعادة (الجهاز) لدار الزوج الذي سعد بها بعد شقاء أبيه وحميه.

يحتفل بمراسم العرس. ومن المؤكد الذي لا يمكن تركه إحضار المغنيات المتهتكات الراقصات. . لدار الزوج ليلة حفلة العريسين وصرف الأموال بغير مصرفها الشرعي بدعوى التخلص من العار ولو تأمل العاقل لوجد أن أعظم العار في ارتكاب المنكرات. وترك المأمورات. وتبذير الموال في سبيل التقرب من الشيطان وحزبه.

تنهض العروس صبحة هذه الليلة متعجرفة متكبرة ترنو بهذه النفائس الجهاز وما والاه لما تعلم بأنها معدة لأجلها فتتيه عجباً وتعثو استكباراً وتلهو عن أنها مخطوبة لهذا الزوج لتسكن إليه ويسكن إليها ويقضيان الدهر بالتعاون على صرف حوادثه ومدافعه صدماته لكن لا تلبث إلا قليلاً حتى ينقلب الحال. ويقع بينهما الشجناء والبغضاء. وتكون على هذا

ص: 9

الزوج المسكين داهية دهماء لا يمكن دفعها وبلية نازلة لا يستطاع رفعها، فيضيع الحرث والنسل ويذهب عمرهما سدى.

هذه هي السعادة التي بذل في سبيلها الأموال الكثيرة ودكت للإنفاق عليها أركان الثروات الطائلة سببت هذه النتائج الوخيمة.

ولو فحصتها لوجدتها ظلاً زائلاً وسروراً باطلاً أن معظم الملابس التي أخذت لتتجمل بها العروس لا تلبث الأعشية أوضحاها حتى يذهب رونقها وتتمزق وتبقى عديمة النفع. قف هنا متأسفاً متحسراً على هذه الموال والثروات وعلى هذين العروسين وأبويهما ولا تلمهما بنبت شفة لأن لديهما العذر المقبول الذي قد علمته تمكنت فينا هذه العادات الخسيسة ببركة ساداتنا وكبرائنا ونحن على آثارهم متقدرون.

نتحمل هذا كله ولا نبالي وترى الواحد منا لو اقترح عليه أن يتكرم بشيء من ماله إعانة لمشروعي خيري أو لمنفعة عمومية لبخل واستغنى واعرض ونأى أولي الحكم أيها الأخوان لو عقلتم ضرر هذا كله وأتفقتم على عدم إتلاف هذه الأموال وارتكاب هذه المنكرات واستعوضتم عن صرفها بمثل هذه السفاسف الدنيئة بصرفها في أمور نافعة تعود على وطنكم وأبنائه بالخير العميم، والنجاح الدائم.

ويا حبذا لو تتألف جمعية اقتصادية تقوم بنصح وتذكير من يريد إجراء مثل هذه العادات فتبين له ضررها وترشيده لفعل ما هو المحمود بنظر العقلاء وانه لا اعتبار لذم الاراذل الحمقاء ولنا عودة إلى هذا الموضوع عند سنوح الفرصة إن شاء الله تعالى.

ص: 10