المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الانتقاد الزهاوي يرى في المرأة غير رأي القرأن أما جعل الطلاق بيد - مجلة الحقائق - جـ ٤

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌ ‌الانتقاد الزهاوي يرى في المرأة غير رأي القرأن أما جعل الطلاق بيد

‌الانتقاد

الزهاوي يرى في المرأة غير رأي القرأن

أما جعل الطلاق بيد الرجل وحده فهو منتهى الحكمة. وغاية الرحمة للأمة. لأن الطلاق شرع للحاجة وكان أبغض المباح إلى الله تعالى كما أسلفنا تضييقاً لدائرته. فيجعله بيد الطرفين يتسع نطاقه وتضيع الحكمة والمرأة رقيقة الشعور. سريعة الانفعال. قاصرة العقل. كثيرة التقلب لا تكاد تثبت على حال. فلا يبعد لو كان الطلاق بيدها أن توقعه لأقل حادث. إطاعة لهواها ومجاراة لشهواتها.

ولأن الحالة الزوجية حالة اجتماعية. ولابد لكل مجتمع من رئيس يرجع إلى رأيه عند اختلاف الآراء وتشعب المقاصد. ولولا ذلك لأختل النظام. وفسدت المجتمعات. لعدم إمكان الاتفاق على جميع المصالح ولمات كان الرجل أحق بالرياسة. وأقدر على التنفيذ بقوته وماله. جعل قواماً على المرأة (الرجال قوامون على النساء) وبموجبه نال الرياسة العامة ومن متمماتها جعل عقدة النكاح بيده يحلها متى شاء.

ومع ذلك فقد أجاز الشرع للمرأة أن تشترط في عقد قرانها أن يكون طلاقها بيدها. وحينئذ يمكنها متى رأت من الزوج نزوعاً إلى الأخلاق السافلة أن تعمل بمقتضى ما شرطت على تفصيل مذكور في كتب الفروع. ولا ينافي ذلك ما ذكر من حكمة كونه بيد الرجل وحده. فإن الرجل بهذه الصورة تنازل عن حقوقه.

وقد انتهينا إلى مسألة تعدد الزوجات

أباح الله جل ذكره تعدد الزوجات بآية [وأن خفتم إلا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا] فأنت ترى أن الإباحة مشروطة بعدم الخوف من الظلم. وذلك بأن يثق من نفسه بالعدل. ومتى كان عدم العدل متوقعاً سواء كان راجحاً أو مرجوحاً لزم الاكتفاء بواحدة. ومنه تعلم انه مباح مضيق فيه للمصلحة.

وقد يستدل قوم ممن يريدون تطبيق القرآن على مرادهم وشهواتهم كيداً للإسلام ومنتحليه بآية [فإن خفتم إلا تعدلوا فواحدة] على تحريم التعدد. قالوا ومن ذا الذي يمكنه أن لا يخاف عدم العدل مع ما تقرر من أن العدل غير مستطاع. وهل لا يخاف الإنسان من عدم القيام

ص: 13

بالمحال. يريدون عدم الاستطاعة المستفادة من آية [ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم] وفاتهم أو تغافلوا عن كون العدل في الآيتين ليس واقعاً على شيء واحد فإن العدل المطلوب هو العدل في البيتوتة وفي النفقة وهذا مستطاع والعدل المنفي استطاعته هو العدل في المحبة والجماع ويدل عليه بقية الآية [فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة] وقد ذكر الإمام ابن جرير في تفسير الآية الثانية أن المارد بالعدل العدل في المحبة أو في الجماع أو بهما على اختلاف في الروايات التي وصلت إليه وقد سردها وهي كثيرة وتابعه على ذلك جمهور المفسرين.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ويقول اللهم هذا (أي العدل في البيات والعطاء) قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك. يريد الميل القلبي.

جاء القرآن بهذه الإباحة المشروطة وجاءت السنة بوعيد من لم يعدل قال عليه الصلاو السلام [من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل] وكان عليه الصلاة والسلام في مرضه الذي مات فيه يسأل أين أنا غداً أنا غداً (يريد يوم عائشة) فإذن له أزواجه يكون حيث شاء فكان في بيت عائشة حتى مات عندها) فالرسول عليه الصلاة والسلام راعى العدل بين أزواجه في أشد أوقات مرضه. أفبعد هذا يظن أن تعدد الزوجات بشرطه مخالف للمدنية وارتقاء العائلات إلى آخر ما يهذون به هذا وللتعدد حكم كثيرة نذكر منها ما يأتي:

الأول: كون الإناث أكثر عدداً من الذكور في أكثر بقاع الأرض فيما نعلم وخصوصاً في أعقاب الحروب. والرجال معرضون لموانع التزوج أكثر من النساء. ومنها مخاطر الأسفار والحروب ومشاق الارتزاق وكثيراً ما نرى العجز عن القيام بأعباء الزواج من المهر والنفقة مانعاً للزوج عن التزوج خصوصاً في هذه الأيام فإذا لم يبح التعدد لمن يثق من نفسه بالعدل تعطل عدد كثير من النساء وفاتت حكمة الزواج المقصود منه كثرة النسل ولا يقف الضرر عند هذا الحد بل لابد أن يوجد من هذا القسم المتعطل كثير ممن لا يقدرن على مغالبة شهواتهن فيجين أعراضهن وبذلك يكثر عدد العاهرات كما هو الشأن في كثير من البلاد الإفرنجية.

الثاني: ما ذكره العلامة الجسر في (الرسائل الحميدية) نذكره بتصرف وزيادة لا شك أن الله

ص: 14

جل شأنه خلق كل من الزوجين ميلاً إلى الآخر لحكمة التناسل والرجل مستعد لأداء النسل من سن بلوغه إلى آخر العمر الطبيعي للإنسان الذي هو مائة سنة والمرأة تكون مستعدة للنسل إلى سن الخمسين في الغالب لأنها بعده تضعف قوتها وتنقطع مادة حيضها فلولا إباحة التعدد لكان خمسون سنة من عمر الرجل معطلة عن التناسل الذي شرع النكاح لأجله أو أكثر أو أقل فيما إذا تزوج بأصغر منه أو أكبر على أن عادة التزوج بأكثر من واحدة ليست من مخترعات الدين الإسلامي بل مما أقره، بعد ما هذبه وعدله، ولقد كان هذا الأمر شائعاً جداً قبل الإسلام بدون حد يقف عنده، أو نظام يعمل فيه فجاء الإسلام فأوجب الاكتفاء بأربع. وشرط أن يثق الإنسان من نفسه بالعدل وأوعد من لم يعدل بما تقدم ذكره ومما يدل على وجوده قبل الإسلام ما رواه أبو داود وابن ماجه عن قيس بن الحارث قال أسلمت وعندي ثمان نسوة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال اختر منهن أربعاً والاعتراض بالتعدد سري إلى الكاتب مما ينتقده الغربيون على الإسلام كما هو الشأن في جميع ما كتبه على أن الغربيين أنفسهم حتى النساء منهم شعروا بفوائد التعدد فدعوا إليه وقد نقل في المجلد الرابع من المنار عن كاتبة غربية فاضلة مانصه (لقد كثرت الشاردات من بناتنا وعم البلاء وقل الباحثون عن أسباب ذلك وإذ كنت امرأة تراني انظر إلى هاتيك البنات وقلبي يتقطع شفقة عليهن وحزناً وماذا عسي يفيدهن بثي وحزني وتوجعي وتفجعي وأن شاركني فيه الناس جميعاً. لا فائدة إلا فيما يمنع هذه الحالة الرجسة والله در العالم الفاضل (تومس) فإنه رأى الداء ووصف له الدواء الكافل الشفاء وهو الإباحة للرجل التزوج بأكثر من واحدة وبهذه الواسطة يزول البلاء لا محالة وتصبح بناتنا ربات بيوت فالبلاء كل البلاء في إجبار الرجل الأوربي على الاكتفاء بامرأة واحدة فهذا التحديد هو الذي جعل بناتنا شوارد وقذف بهن إلى التماس أعمال الرجال ولابد من تفاقم الشر إذا لم يبح للرجل التزوج بأكثر من واحدة أي ظن وخرص يحيط بعدد الرجال المتزوجين الذين لهم أولاد غير شرعيين أصبحوا كلا وعالة وعاراً على المجتمع الإنساني فلو كان تعدد الزوجات مباحاً لما حاق بأولئك الأولاد وبأماتهم ما هم فيه من العذاب الهون ولسلم عرضهن وعرض أولادهن فإن مزاحمة المرأة للرجل ستحل بنا الدمار. ألم تران حال خلقتها تنادي بأن عليها ما ليس على الرجل وعليه ما ليس عليها وبأباحة تعدد الزوجات

ص: 15

تصبح كل امرأة ربة بيت وأم أولاد شرعيين.

وقد رأينا في (الإسلام روح المدنية) نبذة في هذا المعنى منقولة عن فيلسوف ألماني قال (أن قوانين الزواج في أوربا فاسدة المبني بمساواتها المرأة بالرجل فقد جعلتنا تقتصر على زوجة واحدة فافقدتنا نصف حقوقنا وضاعفت علينا واجباتنا على أنها مادامت أباحت للمرأة حقوقاً مثل الرجل كان من اللازم أن تمنحها عقلاً مثل عقله إلى أن يقول ولا تعدم امرأة من الأمم التي تجيز تعدد الزوجات زوجاً يتكفل بشئونها والمتزوجات عندنا نفر قليل. وغيرهن لا يحصين عدداً تراهن بغير كفيل بين بكر من الطبقات العليا قد ساحت وهي هائمة متحسرة ومخلوقات ضعيفة من الطبقات السفلي يتجشمن الصعاب ويتحملن مشاق الأعمال وربما ابتذلن فيعشن تعيسات متلبسات بالخزي والعار ففي مدينة لوندرا وحدها ثمانون ألف بنت عمومية سفك دم شرفهن على مذبحة الزواج ضحية الاقتصار على زوجة واحدة إلى آخر ما نقل وفيه أيضاً أن حضرة أدوارد السابع ملك انكلترا أصدر منشوراً يبيح فيه تعدد الزوجات بالرغم من معارضة القسوس وكانت أمه قبله معارضة لهذا الرأي أشد المعارضة.

ومنه يظهر لك أن الغربيين فازوا بأباحة التعدد كما فازوا بأباحة الطلاق وأن نهاية سير التمدن الوصول إلى ما عليه الدين الإسلامي الحنيف ونحن بعدما سردنا شيئاً من حكم تعدد الزوجات وبأنه مبني على غاية من العدالة والحكمة. وبعدما نقلنا عن الغربيين استحسانهم له وشيوعه حديثاً بينهم بعد كل ما تقدم من الفوائد لا ننكرانه في زماننا هذا قد يكون منه فساد للعائلات أكثر مما يرجي منه من الفوائد. لفشو الخلاق السافلة وسوء التربية. فقد يتزوج الرجل الزوجة الثانية وزوجته الأولى صالحة للتناسل حسنة الأخلاق. وهو لا يقصد بذلك تكثير النسل ولا إعالة من يتزوجها ثانية ولا غير ذلك مما هو من حكم التعدد. إنما يدفعه إلى ذلك الشره بالشهوة البهيمية. ثم لما كان الدافع الشهوة كان ميزانه في معاملتهن الحب والبغض فهو يعامل كل واحدة بنسبة موضعها من قلبه. فتدب الغيرة في نفس المظلومة ويروج بينهم سوق الكذب والنميمة والأباطيل إلى آخر ما يكون هناك من ضروب المفاسد الاجتماعية لا ننكر وجود ذلك وشيوعه. إلا أنه لا يعترض به على مشروعية إباحة التعدد لأن ذلك ليس طبيعياً له بدليل تخلفه. فقد شوهد من تزوج بأكثر من

ص: 16