الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللغة العربية
(ث. ذ. ظ)
حسبما وعدنا القراء الكرام نأتي هنا بكلمة تتعلق بتحريف هذه الأحرف اللثوية ليظهر كيف استدرجنا إهمال اللغة الفصحى إلى أن دفع بنا إلى ارتكاب تحريف الكلم عن مواضعه حتى في كتاب الله المجيد فشا تحريف هذه الأحرف في اللغة المحكية وتداولته جميع الألسنة وسرى عليها سرياناً عاماً لم تسلم منه كلمة تشتمل على شيء منها. فكأن الرأي العام أطبق على إعدامها كما جرى تنفيذه فعلاً على أن هذا الحكم الجائر قد شمل القاف أيضاً فأعدمها العوام عندنا واستعملوا عوضها الألف اليابسة الهمزة، وغنما قصرنا موضوعنا هنا على الحروف اللثوية لأنها هي التي دخل في تطرق الفساد إلى الكتب العلمية قراءة وكتابة.
فتراهم يستبدلون بالثاء سيناً وبالذال زاياً وبالظاء أيضاً زاياً غير أن هذه يفخمونها جداً ولقد طغى تيار هذا الخطأ حتى شمل جميع رجال الطبقات العلمية الذين وافقوا العوام في هذا اللحن وعملوا معهم على إماتة الحروف اللثوية. وهجروها من اللغة المحكية هجر القلى كما أنهم وافقوهم في كثير من الأغلاط المتداولة فتنازلوا إلى التفاهم بالسوقي المبتذل مجاراة للرأي العام وتظرفاً بين العوام. اللهم إلا قليلاً منهم توسطوا في الأمر وانتهجوا طريقة بين بين. وهؤلاء هم الذين يتخلل كلامهم كثير من الألفاظ الفصيحة، والجمل الصحيحة، فإذا خاطبتهم رأيت على كلامهم مسبحة من حسن الديباجة والطلاوة وهذه هي الطريقة التي استحسنها السيد (البطليوسي في (الاقتضاب) وحض الأديب على العمل بها ومال إلى أنها هي اللائقة بأهل الفضل في تخاطبهم مع العوام ولو كان رجال العلم سالكين تلك السبيل لتحسنت اللغة المحكية ولتنقحت من سقطات كثيرة وربما كان ذلك من أكبر الوسائل لرفعها إلى درجة اللغة الفصحى ولكن مع الأسف نرى العمل جارياً بالعكس ولذلك غلبت علينا اللغة المحكية حتى صار أحدنا يتعمد الخطأ ويتقصد الغلط ويعير أخاه إذا استعمل فصيح الكلام وجرى على الأسلوب العربي فينبزه بالمتشدق المتفاصح ويلقبه بالمتنطع المتقعر كما أصبح إخراج الحروف اللثوية من مخارجها الأصلية معدوداً من المعايب والناطق فيها بالصواب مستثقلاً تمج كلامه الإسماع وتشمئز منه النفوس ولو كان هذا الخطأ المستظرف بزعم الزاعم منحصراً في اللغة المحكية لكان الخطب يسيراً غير أنه
تجاوزها إلى اللغة الكتابية فصار الذوق العصري يقضي على القارئ باستعمال هذا التحريف ابتغاء مرضاة جلسائه وإيناس سماره فإذا اتفق أن القارئ كان مطبوعاً على الفصاحة أو الثغ لا يقدر على النطق بالسين والزاي فهو لابد أن يخرج الحروف اللثوية من مخارجها الصحيحة وحينئذ ينفر منه سامعه وتستك عنه مسامعه ولاسيما إذا أتى بكلام طويل مشتمل على مثير من تلك الحروف فإنه يعتبر ذلك منه بمنزلة الهراء والهذيان فتأمل شهرة الخطأ الفاشي كيف تقضى على الصواب وتجعله سمجا مستكرهاً وشيناً مستقجاً وإذا أردت أن تتمثل لك حقيقة ذلك فاقرأ على جليسك هذه العبارة (فلان ذو نفوذ وحظ عظيم حيث ثابر على استثمار ثروته وظفر بذهب كثير وحظي بذخيرة ثمينة وهو يلبق في مثوى ذي أثاث لا مثيل له ويلبس أثمن الثياب وقد ذاع أنه ذكي لو ذعى منجذ ذرب اللسان ثبت الجنان، نافذ الذهن، متثبت متيقظ لحوادث الزمان وهو عذب الحديث إذا باحثته تسلتذ مباحثته، وإذا ذاكرته كرته تستعذب مذكراته يثنى عليه محادثه بسلاسة لفظه وكثرة حفظه إذ يأثر مستظرف الأحاديث فينث سمينها ولا يذكر غثها وله من ذريته ثلاثة ذكور أحداث أذكياء مهذبون وثمان إناث ذكيات مثقفات لا يزال ينظر إليهم ويلاحظهم ويؤثرهم بموعظه وهم يلبثون في ذراه المذكور والكل يحتذون حذوه ويمتثلون مثاله ويتأثرون آثاره ويتعظون بوعظه فينفذون ما ينفذ ويذرون ما يذرولا يثنيهم ثان عن ذلك فهم مثال الثبات على الطريقة المثلي والتشبث ياذيال مآثر التهذيب فثناء على الذي هذبهم وثقفهم متخذاً ذلك أعظم ذخر يتاب عليه ثواباً كثيراً إلى غير ذلك من هذه الكلمات لا تكاد تفرغ من حكايتها على الصواب حتى يفاجئك مستعمك بجمل الاستقباه والاستثقال وعبارات المقت والاستهجبان بعد أن ترى على وجهه أشكالاً وألواناً من إمارات التضجر والتبرم وعلائم السآمة والملالة وحينئذ يشبعك تأففاً وإنكاراً ويوسعك ازدراء وتعنيفاً كأنك جئت بفعله مادر أو أتيت بفرية غادر مع أنك لم تجن إلا النطق بالصواب وليس ذنبك إلا التكلم بالعربية الفصحى وإخراج الحروف اللثوية من مخارجها الصحيحة الأصلية وهيهات هيهات أن يعترف معك جليسك باستحسان الصواب فضلاً عن أن يقر بوجوب التزامه والعمل عليه وما أنت له بمقنع ولو أدليت بالألوف المؤلفة من البراهين اليقينية والحجج الدامغة.