الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حجاب المرأة في الإسلام
تحت هذا العنوان قرأنا في المقتبس عدد 593 و594 مقالة للكاتب المغربي ذكر فيها ما محصله أن الحجاب على الطريقة المألوفة اليوم ليس مما أشار إليه الإسلام بل هو من جملة ما طرأ على المسلمين بما أحاط بهم من المؤثرات والعادات وتقاليد الأسر وتقريرات الشيوخ وآراء علماء المذاهب ونحو ذلك_وأن الغرض من الحجاب حفظ كرامة النساء وذلك يحصل بترك التبرج وعدم الخلوة بالأجنبي والسفر مع محرم، وأن ما ألزم به المسلمون نساءهم من تلفع المرأة بإزار يسترها من فرقها إلى قدمها ومنعها الخروج من دارها إلا لضرورة وعدم محادثتها الرجل الأجنبي وتركها المساجد في الجمع والجماعات وكونها لا تزاول بعض أعمال الرجال (أي لا تسعى مع الرجل في طلب الرزق) ليس مما شرعه الإسلام.
ثم نقول قولاً يعارض بها مثبتي الحجاب ليس لها نصيب من الصحة ولا طريق من الاعتماد إذ أكثرها غير معروف المصدر وربما كانت جميعها من كتب الأقاصيص والسمر على أن جلها يشهد عليه لا له كما يتضح للمتأمل.
اعتمد الكاتب أثناء مقالته الوجهة الاجتماعية وقال أن الإسلام لا يصادم نواميس الاجتماع وهو بطبيعته السمحة لا يمكنه أن يقول لهؤلاء الأقوام افعلوا غير ما يقتضيه عمرانكم وطبيعة اجتماعكم_وهكذا هرف بما يرضاه الهوى، وتحبه النفس، عدا عما منه في كلامه من الفروض الممتنعة الباطلة والمغامز الصريحة بإيذاء أهل الدين وحملة العلم مما سنبينه بعد_كل هذا كتبه الكاتب المغربي ولم يراع إلا ولا ذمة، ولا عهد ولا وفاء، وهكذا شأن بعض كتبة اليوم_كان سلفنا يكتبون وخشية الله ملء قلوبهم وهو السؤال نصب أعينهم، يروجون يواب الله ويخافون عقابه، فخلف من بعدهم خلف نسوا السؤال والحساب، وذهولا عن أهوال العقاب، يكتبون للشهرة، ويسيرون وراء الغاية، أضرت بالدين أم لم تضر، ناقضت ما بني عليه من الآداب أم لم تناقض.
الكاتب المغربي معروف الرأي عند قومه وكل مطلع على كتاباته، وليست هذه المسألة_حجاب المرأة_بأول مسائله، على أنه هو ليس بأول قارع لها طرقها قبله فئة من المتطرفين وأكثرهم يجد في هتك ستر هذه المرأة المسلمة ويسعى في أن تكون كالمرأة الغربية من كل وجه.
جاء في مقالة الكاتب بعد نقله أن عائشة بنت طلحة وسكينة وعمرة الجمحية كان يجتمع إليهن الرجال لإنشاد الشعر ما نصه_وكما يقال عن عقائل لوندره وباريس اليوم أن فلانة منهن (صاحبة صالون) يجتمع فيه الفضلاء والعلماء والأدباء للمسامرة والحديث_يصح أن نقول نحن أن أولئك العقائل الثلاث العربيات (عائشة وسكينة وعمرة) كن من ذوات الأندية في صدر الإسلام فهذا كما ترى أيها القارئ صريح بأن غاية ما يحبه المغربي وما يتمناه بل يعده خطوة عظيمة في سبيل ترقي المسلمين هو أن تلقب نساؤنا بما تلقب به تلك النساء الغربيات، وربما تهكم بمن يتباعد من مخالطتهن ويمنع نساؤه من محادثتهن_اقرأ ما كتب أثناء مقالته وبه تعلم الغاية التي يرمي إليها وكيفية ازدرائه بالمتدينين_قال وبلغ الأمر ببعض الصلحاء المتنطعين (كذا) أن كان لا يأذن لنسوة بيته بالخروج أبداً فلزمن البيت وكن لا يعرفن الدواب والأنعام فكان لأستاذ يصف ذلك لهن وقد أرادت إحدى الفلاحات المسيحيات الدخول عليهن فمنعها بداعي أن دخولها لا يجوز شرعاً كما علمهن والدهن أه قلنا أن الكاتب المغربي لم يكن أول مريد لكشف حجاب المرأة المسلمة بل سبقه إلى ذلك شرذمة ممن احتكوا بالغربيين وتغذوا بغذائهم وشربوا من شرابهم وهذه الشرذمة هي الشرذمة التي يصح أن نلقبها بالشرذمة المفتونة شرذمة الطيش والحمق هي الشرذمة التي ابتليت بحب الفرنجة وصارت بحيث ترى الكمال وسائر الفضائل لهم وحدهم. هي الشرذمة التي غرتها زخرفة الغربيين وقوي عليها شيطان مكرهم وخداعهم فحسبت أن قانون الغرب مطابق لقانون الشرق وأن ما هناك من الميول والعادات ينطبق على ما هنا من الأخلاق والآداب هي الشرذمة التي نسيت تاريخ الإسلام والمسلمين فلم تحفظ للمسلمين مزية ولم تعرف لهم فضيلة هي الشرذمة التي يجب على كل ذي دين أن ينبذها نبذ النواة لأنها أضرت بالدين والمتدينين.
حسبك أيتها الفئة المفتونة بحب الأعداء أنا لم نسمع لك قبل أن تعلن فرنسا براءتها من الدين صوتاً. ولم نعرف ذلك ذكراً. وبعد أن احتك الغربيون بالشرقيين ورموا عليهم ويلاتهم وشرور أفكارهم_سبقت جميع الطبقات لإجابة ندائهم وتلبية دعائهم فجعلت وجهتك في كل حال وقبلتك في كل زمان تتلمذت لهم واقتفيت آثارهم وأحييت لهم لغاتهم وحبذت جميع أعمالهم ثم لم تقفي عند هذا الحد من الولوع بهم بل قمت تدعين أبناءنا إلى ذلك
وتريدين شبابنا عليه من غير استحياء ولا خجل وآخر الأمر ناديت بناتنا وأمهاتنا ليرفعن الحجاب كما رفعوه ويمتن الحياء كما أماتوه وبعبارة ثانية ليدخلن جحر الضب الذي دخلوه_لم يكفك ايها المتفرنجون أنكم أخذتم أولادنا إلى مدارسهم وحببتم إلينا كل أعمالهم حتى جئتم لهذه الدرة المصونة (المرأة المسلمة) ربة العفاف وصاحبة الحياء تقربون إليها البعيد وتعلمونها ما لم تكن تعلم.
هذا وربما لايروق في ذهن الكاتب المغربي ما سنكتبه في رد مزاعمه ويمكن أن يستجمع قواه لمقاومتنا فيما نطلبه منه من الرجوع معنا بمسألة الحجاب إلى الحد الشرعي ولكن مهما يكن لديه من قوة لا تنفعه ولا تفيده ما دام الشرع في غير جانبه. وهل بعد شريعة الله من شيء؟ وفي أملنا أن يسير معنا سير المفكرين المنصفين وأن يعدنا من النصحاء الأمناء.
جملة الشبه التي أوجبته أن يقول بهتك النساء المسلمات أربع لا يصح واحدة بل بعضها يمتنع ذكره بتاتاً كما سنعلمه بعد إن شاء الله تعالى.
الأولى: كون الغرض من الحجاب صيانة كرامة النساء (وصونه الكرامة يتأتى على رأيه مع التكشف) ولذا لم يحدد له الإسلام صورة ولا كيفية وهو على الطريقة المعروفة اليوم في مصر والشام ووو الخ مما أحدثه المسلمون.
ثم قال_وكأني بالقارئ يستشهد على دعواه (الحجاب) على صورته بنقول تاريخية وآثار دينية أما أنا فلا أجادل في تلك النقول والآثار وإنما أعراضها بنقول وآثار أخرى تدل على أن الحجاب المتعارف عليه بيننا اليوم ليس مما شرعه الإسلام على سبيل الحتم وإنما ألزم المسلمون به نساؤهم سداً للذريعة ثم استدل على دعواه بنتف تاريخية فاسدة.
الحجاب المبحوث فيه مجموع شيئين ستر وجه المرأة أمام الرجل الأجنبي وملازمتها البيت إلا لحاجة أما الأول فقد قال تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) وقال عامة المفسرين ما مؤداه_معنى يدني عليهن من جلابيبهن يرخينا عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافهن ويقال إذا زال الثوب عن وجه المرأة ادن ثوبك على وجهك والجلباب ما يستر الكل مثل الملحفة ومن للتبعيض أي ترجي بعض جلبابها وفضله على وجهها تتقنع به_وأخرج ابن جرير بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك) الآية أمر الله
نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة. وبسنده أيضاً إلى ابن سيرين قال سألت عبيدة التلمساني عن هذه الآية فرفع ملحفة كانت عليه فتقنع بها وغطى رأسه كله حتى بلغ الحاجبين وغطى وجهه وأخرج عينه اليسرى من شق وجهه الأيسر أه.
فهذه الآية الشريفة من كتاب الله تعالى مصرحة على ما يرى القارئ بوجوب الحجاب على النساء_فكيف يجترأ الكاتب المغربي على معارضتها مع أن المعارض يلزمه أن يعارض بأقوى أو بالمثل على الأقل والكاتب المغربي يعارض بجمل من كتب اللهو والأدب كالأغاني والعقد الفريد ونحوهما_ولم ندر متى كانت أمثال هذه الكتب يحتج فيها للأمور الشرعية حتى يصح له أن يعارض بها كلام الله_وتفسير ابن عباس وعبيدة رضي الله عنهم الآية واضح أيضاً ببيان الكيفية المراد من الحجاب وهي ستر وجه المرأة ورأسها بمنديل أو إزار أو نقاب أو ملاءة أو قناع أو غير ذلك من كل ما يحصل به الستر المؤدي إلى توفير حرمة الأعراض وراحة العائلات وطمأنينة النفوس، لا كما زعم الكاتب من أنها غير مراده وإنما المراد قناع بسيط يتلفعن به ويسدلنه على صدروهن_وهذا ما يعتقده الكاتب ولذا حار فيما إذا قام فينا (دعاة) يستبشرون بديننا وجاؤوا إلى مسألة الحجاب قال_فبماذا نأمر أولئك الدعاة أن يكلفوا به الأمم ويلزموا به نساءهم وما هو نوع الحجاب الذي يعلمونه؟ ثم قال هنالك تقوم قيامة الدعاة من سكان الأمصار الإسلامية وتحتدم نار الجدال بينهم لأن دعاة القرى والبوادي يخالفونهم فإن الحجاب عندهم أي كما تقدم للكاتب قناع بسيط يسدل على الصدر وليت شعري من هم الدعاة الذي يحب المغربي أن يأمرهم وهل وصل الدعاة في الجهل إلى حالة يحتاجون إلى أمر المغربي وتقوم قيامتهم وتحتدم نار الجدال بينهم ولا يدرون أن الغاية من الحجاب ستر الوجه بمطلق النقاب_اللهم إن هذا افتراء على علماء دينك وتهكم بهم وتصور سببته الشهوة والهوى وأما الثاني وهو ملازمة المرأة البيت إلا لحاجة فهو الشبهة الثانية للكاتب حيث ادعي أن القرار في البيوت حجاب خاص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم أي فليس واجباً على غيرهن ولم يأت على ذلك بدليل اللهم لا أن يكون قد عد ما نقله عن بعض كتب الأدب المار ذكرها بعضها دليلاً وبرهاناً_وها نحن نبين أن ذلك ليس مخصوصاً بهن قال الله تعالى: (يا نساء النبي لستن
كأحد من النساء) قال صديق خان رحمه الله أي بل أنتن أكرم علي وثوابكن أعظم لدي (أي اتقيتن) بين سبحانه وتعالى أن هذه الفضيلة لهن إنما تكون لملازمتهن للتقى (فلا تخضعن بالقول) أي لا تلن القول عند مخاطبة الناس كما تفعله المريبات من النساء ولا ترققن الكلام (فيطمع الذي في قلبه مرض) أي فجور أو شهوة أو شك أو ريبة أو نفاق_والمعنى لا تقلن قولاً يجد المنافق والفاجر به سبيلاً على الطمع فيكن. والمرأة مندوبة إلى الغلظة في المقال إذا خاطبت الأجانب لقطع الأطماع فيهن (تأمل)(وقلن قولاً معروفاً) أي حسناً مع كونه خشناً بعيداً عن الريبة على سنن الشرع (وقرن في بيوتكن) الزمنها (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) التبرج أن تبدي المرأة من زينتها ومحاسنها ما يجب ستره مما تستدعي به شهوة النساء قال ابن عطية وأشار بالجاهلية إلى الجاهلية التي لحقتها وأدركتها وجعلها أولى بالنسبة على ما كن عليه (وأقمن الصلاة) الواجبة (وآتين الزكاة) المفروضة (وأطعن الله ورسوله) فيما أمر ونهى. . قال تعالى (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب) قال ابن جرير رحمه الله تعالى يقول تعالى ذكره وإذا سألتم أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج متاعاً (فاسألوهن من وراء حجاب) يقول من وراء ستر بينكم وبينهن ولا تدخلوا عليهن بيوتهن (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) من عوارض العين فيها التي تعرض في صدور الرجال من أمر النساء وفي صدور النساء من أمر الرجال وأحرى أن لا يكون للشيطان عليكم وعليهن سبيلا. . ثم قال تعالى (لا جناح عليهن من آبائهن ولا أبنائهن ولا أخوانهن) الخ قال ابن جرير أيضاً لا إثم على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين في إذنهن لآبائهن وترك الحجاب منهن ولا لأبنائهن ولا لأخوانهن ولا لأبناء أخوانهن وعنى أخوتهن وأبناء أخوتهن. الخ.
فقد تبين بهذا تفضيل نسائه صلى الله عليه وسلم في آية_لستن كأحد من النساء_مرتبط بالتقوى لا بالستقرار في البيوت وآية القرار كآية الحجاب خاصة الألفاظ، عامة الأحكام، وادعاء أنهما خاصتان بنساء النبي صلى الله عليه وسلم لا يصح وأما آية الحجاب فلأن الاستثناء وهو لا جناح عليهم في. . . الآية بعدها لا خلاف بين علماء المسلمين بأنه عام وهو فرد من الأصل الذي هو الحجاب ولو قلنا بتخصيص الأصل كما يدعيه بعض المفتونين للزم عنه تخصيص الفرع وقد علمت تعميمه أي فكيف نقول لامرأة قد أباح لك
الظهور على أبيك وابنك وأخيك وغيرهم مما هو مذكور في آية لا جناح حال كونه تعالى لم يوجب عليها التحجب عن غيرهم فضلاً عنهم وأما آية القرار فلأنها اشتمت على ثمانية أحكام: الأمر بالتقوى، وعدم الخضوع بالقول، وقول المعروف، والإقرار في البيوت، وعدم التبرج، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإطاعة الله وإطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا خلاف واجبة على كل مسلمة والثامن كذلك لا محالة وأيضاً لو قلنا باختصاص نزول الآيتين بنسائه صلى الله عليه وسلم لا يقصر الحكم على من نزل بحقهن وإلا للزم عنه حصر أكثر أحكام القرآن حيث أن نزول أكحثرها بلا خلاف كان بسباب خاصة والقاعدة أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب على واحد (ابدؤا بما بدأ الله) و (صلوا كما رأيتموني أصلي) فعلم من هذا أن آية (فاسألوهن من وراء حجاب) عامة لسائر النساء_فإن قلت ما حكمه تخصيص نزول آية (فاسالوهن) بنساء النبي صلى الله عليه وسلم قلنا لأنها مظنة جواز ترك الحجاب من حيث كونهن أمهات المؤمنين وتحريم نكاحهن تأييداً على كل مسلم بخلاف غيرهن من النساء فلذا كان من المناسب تخصيص الآية بهن_وفي الزواجر لابن حجر أنه صلى الله عليه وسلم قال أربعة من النساء في الجنة وأربعة في النار وعد من الأربعة اللواتي في الناي المرأة التي لا تستر نفسها من الرجال وتخرج من بيتها متبهرجة وقال أيضاً وفي الحديث المرأة عورة فاحبسوهن في البيوت فإن المرأة إذا خرجت للطريق قال لها أهلها أين تريدين قالت أعود مريضاً أشيع جنازة فلا يزال الشيطان حتى تخرج ذراعها وما التمست المرأة وجه الله بمثل أن تقعد في بيتها وتعبد ربها وتطيع بعلها.
وروى الطبراني في الأوسط مرفوعاً المرأة عورة وأنها إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان وروى الترمذي عن ابن مسعود وقال حسن صحيح بلفظ المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان وأقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في قعر بيتها وقال علي رضي الله عنه لزوجته فاطمة بنت سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهما ما خير للمرأة قالت أن لا ترى الرجال ولا يروها وكان علي رضي الله عنه يقول ألا تستحون ألا تغارون يترك أحدكم امرأته تخرج بين الرجال تنظر غليهم وينظرون إليها.
الشبهة الثالثة: قال الكاتب أن الحجاب يؤدي إلى سقوط المرأة وضياع حقوقها وغلبه الجهل
عليها وأن بعض النساء كن يجتمعن ببعض الرجال لإنشاد الشعر وأن النساء في الدولتين العباسية والأندلسية كن يحادثن الرجال ويجتمعن بهن ويغنين أمامهم ثم قال ما نصه: ناهيك أن علية بنت الخليفة المهدي وحفيدة الخليفة المنصور وأخت الخليفة هارون الرشيد وعمة الخليفة المأمون اخترعت ألحاناً في الغناء بلغت ثلاثة وسبعين طصوتاً وكلها من بديع الصنعة على ما رواه صاحب الأغاني أه.
ومن هذا يرى القارئ أن الكاتب مترقب من رفع الحجاب أن يحادث النساء المسلمات الرجال ويغنين أمامهم. وقد اتهم (علية) بأنها برعت في الغناء وعد ذلك لها تمدناً ورقياً_وفي رأينا أن لا يرد على من يتوقع بنساء المسلمين ذلك بل يجب نبذه وعدم الوثوق به وإعلام الناس بما يتمناه للمسلمين ويرضاه لهم.
ودعواه أن الحجاب يؤدي على سقوط شأن المرأة وضياع حقوقها وغلبة الجهل عليها دعوى باطلة كان بودنا أن لا يتمسك بها لمخالفتها الواقع المشاهد.
قال فريد بك وجدي في مقالة نشرت في الحقائق ص 222 يقولون أن الحجاب يصد المرأة عن التعلم وهو ادعاء يكذبه العيان فإن المرأة لا تتنقب إلا في الطرقات وليست الطرقات بمجامع العلماء لكنها مضطرب الفساق ومزدحم الغوغاء.
وهذه مدارس البنات يوجد بها كثير من المحجبات يذهبن إلى المدرسة بالنقاب فإذا وصلن إليها خلعنه وتلقين دروسهن سافرات فإذا أتممن النهار رجعن إلى دورهن متحجبات. فهل في هذا من ذاب للعلم أو فيه للجل أقل سبب من الأسباب.
هذا ما كتبه الاجتماعي الخبير وهو في غاية الجودة فهل يقنع به الكاتب المغربي وتزول به شبهته؟ أو يعده قول رجل جمد على التقليد؟ اللهم إنك تعلم المفاسد التي يسببها كشف الحجاب والمضار التي تنشأ عن الاختلاط وكيف أن ذلك يهدم أساس الأدب والعفة ويميد ركن الشرف والصيانة. ويكون الضربة القاضية على ما بقي لدينا من العادات والأخلاق.
الشبهة الرابعة: اضطرار المرأة مشاركة الرجل في السعي والعمل قال فإن الإسكيمو الزولوب وأهل القرى والبوادي وعمران أمم أوروبا وأمريكا لا يفرطون قط بقوة النساء فيلففونهن بالإزار ويلزمونهن بالقرار ويقولون لهن أنتن ضعاف لدوا وربوا واطبخوا ولستن مكلفات بغير ذلك وإنما يقولون لهن قوموا بوظيفتكن الطبيعية المذكورة واستعملوا
قواكن المختلفة في مساعدتنا وتوفير كل ما به فائدة لهيئة اجتماعنا.
هذا ما يقوله الكاتب عن نساء الزولوب والأسكيمو وأهل القرى والبوادي ويود أن تكون مثلهم النساء المسلمات أما نحن فنقول أهل القرى والبوادي ليسوا مشرعين وعملهم لا يكون حجة على غيرهم وما تواطئوا على فعله ليس له مستند شرعي ونفعه الاجتماعي يقابله ضرر عظيم يشكو منه عقلاء الأوروبيين أنفسهم.
والشرع افسلامي لم يحظر مشاركة المرأة الرجل في السعي إن توفرت مسألة الحجاب لكنه لم يوجب عليها ذلك إيجاباً محتماً والنص الذي أوجبه الله في كتابه والزم به عباده هو أن الرجل مكلف بنفقة المرأة وكسوتها وكل ما تحتاج إليه ولا تكلف المرأة بشيء من ذلك قال تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) وهذه هي حالة الوسط المرضية عند العقلاء وتكليف الرجل عدل محض مطابق لشهامته ومروءته وهو مقتضى قوله عز اسمه (الرجال قوامون على النساء) وبهذا كله اتضح أن القروي لا يجوز له إجبار امرأته على السعي معه وأحكام الله تعالى عامة لا تختص بقروي أو مدني ونساء الأسكيمو والزولوب ليسوا لنا قدوة وليس مل ما يحسنه الإفرنجة واجب علينا اتباعه والعمل به على أن تكليف المرأة العمل فضلاً عن كونه مخالفاً للأوامر الإلهية كما تقدم مضيع على المرأة وظائفها البيتية ومانع لها من تربية أولادها وتعهدهم.
كتب كاتب في أمريكا على صديقه تحت عنوان الفتاة الشرقية والفتاة الغربية ما محصله:
لا شيء يستدعي الشفقة مثل حال المرأة في هذه البلاد (أمريكا) فإنها مضطرة للعمل مثل الرجال فبينا تكون الفناة السورية أو المصرية لا تزال في خدرها إذ ترى الفتاة هنا خارجة من بيتها حتى في أيام البرد والزمهرير لتشتغل إما في معمل أو مكتب أو حانوت أو مطعم أو صالون حيث قد تستنكف الفتاة السورية أو المصرية أن تدخل زائرة أو مشترية وقد يكون رئيسها فظ الأخلاق غليظ الطبع فإذا تأخرت ولو بضع دقائق تلقاها بوجه باسر وإذا تكرر ذلك منها طردها أو خصم من أجرتها. وقد يكون من جملة الذين يشتغلون معها رجال أسافل قد أماطوا قناع الحياء وخلعوا ربقة الحشمة فلا تسلم تلك الحسناء من نظراتهم الدنيئة وكلماتهم البذيئة.
والأعجب أنهم يدعون أنهم خولوا المرأة من الحرية والاحترام ما لم تحلم به الفتاة السورية أو المصرية أو أي فتاة تحت سماء الشرق إلى أن قال: لم تطالب المرأة الأوروبية أو الأمريكية بالحرية حتى منحوها إياها ليس احتراماً ولكن تخلصاً منها وطمعاً في الانتفاع بتعبها وقد حسبت المرأة أن ذلك نعمة لها تفاخر بها بنات جنسها وكانت النتيجة أنها دخلت في زحام كانت في غنى عنه واستدرجت إلى مواقف لا تأمن معها المزلة. وفضلاً عن أنها فقدت مركزها الأنثوي الطبيعي الجميل فإنها أخذت تفقد جمالها فرأسها الصغير أصبح كبيراً وشعرها الكثيف المسترسل أصبح ضعيفاً وربما أصبحت بعد قليل صلعاء من إدمان التفكير وجسمها الرقيق أصبح خشناً وغليظاً من إدمان العمل_وناب عن حيائها الذي تقابله القلوب بالخفقان عين لا تطرف وأصبح لبسها الذي كانت تختاره من الألوان الزاهية وتبالغ في التأنق فيه بسيطاَ قصيراً بل ربما عدلت عنه إلى لبس الرجال لتستطيع معه العمل. وبيتها الذي كان موضع اهتمامها تزينه وتزخرفه أصبح اليوم غرفة بسيطة لا يقر بها الناظر ولا يبتهج لها الخاطر_وعلى الجملة فقد أصبحت المرأة بفضل هذه المدنية مسترجلة وإذا كان التاريخ يستفظع وأد بعض رعاع العرب في الجاهلية وليداتهم خوف العار فكم يكون استفظاعه لإعدام حياة كثيرات من الفتيات في هذه المدنية. .
هذا وقد كان لكتابة الكاتب المغربي وقع سيء في نفوس المسلمين ولذا انهالت عليه الردود فرأى التخلص من ذلك بإلزام من اعترضه بالقول بالجواز منشر سؤالاً في (المفيد والمقتبس) خلاصته_هل القروي إذا تزوج مدنية أن يمنعها عادات أهلها ويكلفها عادات أهله كأن يحظر عليها استعمال الإزار والمنديل خوف المثلة ويأمرها بوضع خمار تديره حول رأسها وتسدله على صدرها وبالذهاب إلى محل شغله على هذا الزي لتساعده كما يساعد الرجال نساء الحي فتخدم كما يخدمن وتعلف الدواب كما يعلفن وتجمع أكداس الحصيد على البيدر وتهيء له ولضيوفه الطعام وغير ذلك.
ويعلم الجواب عنه بعدم الجواز مما كتبناه في رد الشبهة الرابعة فراجعه إن شئت في الختام نضرع إلى الله أن يهدينا والكاتب سواء السبيل ويحمينا جميعاً من التفرنج والتضليل إنه أكرم مسؤول وأجل مأمول.