الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التربية
للتربية المقام الأول في تهذيب النفوس وتنمية الملكات الفاضلة وتدميث الأخلاق وهي من أقوى العوامل على النهوض من عثرة النقائص. والصعود إلى مرتقى الفضائل. ومن أراد أن يعرف مستقبل أمة فليبحث عنه في أطفالها ومبلغ الاعتناء بتعليمهم وتهذيبهم. فهم عنوان المستقبل ومرآة ما فيه من سعادة وشقاء.
يولد المولود على الفطرة وفيه قوى خيرية كامنة مفتقرة إلى مرب عاقل عالم بطرق التربية الصحيحة ليظهر تلك القوى بأجلى مظاهرها الفخيمة ويهيء هذا الطفل لما خلق مستعداً له. وما كمون هذه القوى في الإنسان إلا ككمون النار في الحجر المحتاج في أن يري إلى القدح. فليس من العقل أن يترك الطفل وشأنه فتصدأ قواه السامية ومبادئه الشريفة وربما ذهبت تلك القوى ضحية الإهمال بتغلب رذائل الأخلاق المكتسبة عليها. أودع الله في هذا المخلوق (الإنسان) قابلية لاستحسان الخير واستقباح الشر وعقلاً هادياً إلى مواضيع الخير لتتبع. ومصارع الشر لتجتنب. فلا يبعد على من أحسنت تربيته ومهد له الطريق لاستعمال عقله فيما خلق مستعداً له من مراتب الكمال أن ينشأ إنساناً كاملاً. بل ملكاً كريماً تسعد به أمته وقومه بل جميع بني جنسه. كما لا يبعد على من تركه بدون تربيه وزج به في هذا المجتمع الحافل بالعادات السيئة والأخلاق السافلة أن تخنق فيه تلك الفضائل الكامنة ويستولي على أمكنتها الكثير من أضداد تلك المزايا ونقائض تلك الفضائل.
وقد اعتاد أكثر الناس حتى الطبقات العالية أن يتركوا أطفالهم غفلاً من العناية بالتأديب والتهذيب ويزعمون أن هذا الإهمال من باب الاتكال ويقولون: نرى كثيراً يعيشون ولا أولياء تهذبهم سواء طريق الخير، وتنكبهم طرق الشر، ثم ينشئون مهذبين مهديين إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم وآخرين اعتنى بتأديبهم واحتيط لتهذيبهم ثم نشأوا فاسدي الأخلاق سيء الطباع ويحفظون من الشواهد على هذه الدعوى ما يظنونه مبرراً لعملهم الذي لم يكن منشؤه إلا الكسل وضعف الرأي وفاتهم أن الاتكال في عرف الشارع هو تعاطي الأسباب وعدم الاعتماد عليها. وأن ما يشاهد من نبوغ المهمل وفساد المعتنى به ليس إلا نادراً بالنسبة لضده. والعاقل لا يتكل على الصدف بعد العلم بالأسباب الموصلة للمقصود وليس المرء معذوراً في أن يسلك مفازة محفوفة بالمخاطر وهو أعزل مع قدرته على أن يكون شاكي السلاح آخذاً بالحيطة ولم ذلك المتهوس يترك حبل ولده على غاربه
اتكالاً ولا يترك السعي للرزق ومعاطاة أسبابه اتكالاً لأن الله متكفل به، أجل إن السعي مطلوب في جميع ذلك. ولا يجوز لأحد أن يترك الوسائل ويطلب المقاصد وإن كان الله جل شأنه يمكن أن يوصل الخير إلى العبد بدون سعي إليه ولكنه جل شأنه خلق الأسباب والمسببات ودعى العباد إلى الأخذ بالأسباب والاعتماد عليه في حصول المسببات هذا وإن للأطفال حقوقاً على أوليائهم تختلف باختلاف الزمان والمكان فعلى الأولياء أن يعلموا أن هؤلاء الأطفال هم رجال الغد وينظروا ما يحتاج إليه من تهذيب وتأديب وعلوم وفنون فيسيروا بهم في الطرق المؤدية لذلك ويعتنوا بتعويدهم على الآداب الدينية والأخلاق الفاضلة. ويسعوا في تثقيف عقولهم وتهذيب طباعهم وتحبيب العمل إليهم وتزيين الجد في نفوسهم ليخرجوا ن عهدة هذا الحق ويهيئوا لأطفالهم مستقبلاً زاهراً ولأوطانهم أدمغة مفكرة وأيد عاملة وإن لم يفعلوا بل تركوا أبناءهم تتلاعب بهم الأهواء وتتقاذفهم الشهوات فقد خانوا حق الله وحق أبنائهم وحق أوطانهم وأكثروا من تلك الأعضاء الشلاء التي تضر المجتمع الإنساني وتقف حجر عثرة في سبيل الترقي والفلاح.
فإلى التربية أيها الأولياء فإن جريمة منكم بإهمال تربية طفل واحد على المبادئ الدينية والأخلاق الفاضلة ربما تجر على الوطن الشر والبلاء ما لا يقدر على مثله العدو بخيله ورجله وكتائبه ومقانبه.
فإن هذا الطفل المهمل من التربية بالكلية أو المربى تربية فاسدة لا تلتئم مع روح الأخلاق الدينية ينشأ فاسد الطباع دنيء النفس خامل المروءة ضعيف العزيمة فتنطبع تلك الصفات المشينة في نفوس من يليه من أهله وأولاده وأخدانه وعشرائه فيكثر سواد الجاهلين وعدد الخاملين وهذا يكون عند سيادة الجهل، وشيوع نقص التربية أما متى كان أصحاب التربية الحقة أكثر عدداً وأعز نفراً كما أسلفنا فإن بوسعهم أن يحصروا تلك الجريمة ضمن دائرة ضيقة ربما لا تعدوا أكثر من ابناء ذلك الأخرق الذين لم تساعدهم الظروف على تلقي المبادئ الصحيحة في المدارس الراقية.
قال بعض الحكماء رأينا شباباً أساء المربون تأديبهم غلماناً فلم يبصروهم العواقب، فنشأوا أغراراً حمقى لا تكف جورهم حدود ولا تدعم عملهم قواعد أهمل رياضتهم المؤدبون صغاراً فراضتهم الخطوب كباراً منهم من أذعن وانقاد ومنهم من جمح فأصبح حرب الأمن
والسلام وآفة البشر.
هذا إجمال في موضوع التربية ربما تبعه تفصيل في أعدادنا المقبلة إن شاء الله.