المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التماثيل والصور في الإسلام - مجلة الحقائق - جـ ٨

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌التماثيل والصور في الإسلام

‌التماثيل والصور في الإسلام

إن الزمن الجاهلي قد أبقى عادات سيئة. ولم يزل بعض المسلمين مصراً على العمل بها، إما جهلاً بأن الدين الإسلامي قد أنكرها، وتجاهلاً مع العلم بخروجها عن دائرة الشرع المنيف.

من تلك العادات ما كثر في هذه الأزمنة من اقتناء التماثيل والصور واستعمالها في الأواني والملبوسات والمفروشات ميلاً لاستحسان عوائد الفرنجة بسبب شيوع التفرنج بين بعض مدعي التنور واتخاذ البعض لها صنعة يتعيش بها ويعدون كل ذلك من الترقي.

النفوس الشريرة لها على أصحاب العقول القاصرة سلطان قاهر وحكم نافذ يصعب التخلص منه. إن لم يلجئوا للانقياد لأوامر الشرع ونواهيه.

التماثيل والصور بمعنى واحد جمع صورة تمثال يطلقان لغة على الشيء المصنوع مشبهاً بخلق من خلق الله أعم من أن أيكون مجسماً أو منقوشاً حيواناً أو غيره ويطلقان أيضاًُ على الأوثان والأصنام التي كانت الجاهلية الملحدة تتخذها آلهة من دون الله.

وقد أحلت بعض الشرائع جواز عمل التماثيل والصور قال الله تعالى: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل).

قال المفسرون كانت الجن تصور صور الأنبياء والعباد في حال عبادتهم يجعلونها من نحاس وغيره ويضعونها في المساجد ليراها الناس فيتعبدون بمثل عبادتهم وكان ذلك جائزاً في شريعة سليمان عليه السلام.

وما زال أمر التماثيل قبل الإسلام يتعاظم حتى صار الناس يعبدونها ويتخذونها آلهة من دون الله.

جاء الدين الإسلامي بالتوحيد الخالص فأبطل الأوثان وكسر الأصنام وأنكر التماثيل ومزقها ومنع اتخاذها على وجه يأتي تفصيله سداً لداعية الفساد وحسماً لعروق الشرك والعصيان.

عمل التماثيل إما أن يكون فيه مضاهاة لخلق الله أو تشبه بالوثنيين أو اقتناء لما عبد من دون الله. (وابغض الأشياء وأفظعها الاقتراب مما عصى به الله).

ربما قال المتفرنجون أننا لا نقصد كل ذلك لأن هذا الوقت منير لا يصح فيه شيء من تلك الخزعبلات والتماثيل إنما نستعملها تذكاراً لمن مضى وتقدير لأعمالهم وتخليداً لذكراهم وللتصوير سر في المدنية غامض لا يصل لإدراكه إلا المتنورون.

ص: 13

قلنا في الجواب لهم أما قصدكم فالله أعلم به وأما إنكاركم أن يكون في مثل هذا الوقت المنير شيء من ذلك فهو مردود لأنا لم نزل نسمع أن في الهند وثنيين ويعبدون الهياكل القديمة ويتقربون إليها بقصد النفع ودفع الضر ويوجد أيضاً من يعبد الشمس أو القمر.

أفهل يقال بعد هذا كله أن هذا الزمن زمن نور لا يمكن أن تعبد فيه التماثيل وأما زعم أن استعمالها تذكاراً لمن مضى وتقديراً لعمله وتخليداً لذكراه فهو زعم باطل أيضاً لأن التاريخ هو الذي يقدر أعمال الرجال ويحفظ لها ذكرها ويشيد لها مجدها ويجعلها محترمة في القلوب معظمة في الصدور. ولا دخل للصورة في شيء من ذلك فكم من صور حفظت ولم يعرف لصاحبها عمل يذكر به وكم من مصلحين دوى صدى آثارهم في جميع الأقطار بما حفظ التاريخ لهم من الأعمال والآثار ولم يقم لهم تمثال ولم ترسم لهم صورة ولم يتساءل العقلاء عن أشكالهم وهيآتهم واكتفوا بنتائج عقولهم وثمرات أفكارهم هؤلاء الرسل والأنبياء والخلفاء والعلماء وأساطين الأمة ومصلحوها ونقلت أخبارهم وبقيت آثارهم ووصلت إلينا سيرهم وهي باقية كما ترونها (وستبقى أبد الآبدين إن شاء الله) وليس لهم صورة ولا رسم.

هذا القرآن العظيم وسائر الكتب السماوية المنزلة لهداية البشر وفيها ذكر من مضى وبيان عاداتهم وسيرهم وأخبارهم لنعتبر بها لم نعهد أنها رسمت تمثالاً أو صورة_فيا متخذي الصور والتماثيل أبتقليد الفرنجة تترقون؟ أم بما حرم الله تعتبرون بخ بخ لهذا الارتقاء أليس من الحكمة أن ندع تقليد الفرنجة ونقتدي بكتاب الله تعالى ونأتمر بأمر نبيه صلى الله عليه وسلم وننكر ما أنكره؟

أليس من الحكمة أن لانتغالى في تقليد أعدائنا مغالاة تضر في ديننا وأخلاقنا_في الزواجر لابن حجر في تفسيره قوله تعالى (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً) قال عكرمة الذين يصنعون الصور وأخرج الشيخان أن ابن عباس رضي الله عنهما جاءه رجل فقال إني رجل أصور هذه الصور فأفتني بها فقال ادن مني فدنا ثم قال ادن مني فدنا منه حتى وضع يده على رأسه وقال أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل مصور في النار ويجعل له بكل صورة صورها نفساً تعذبه في جهنم قال ابن عباس فإن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفسه له.

ص: 14

وأخرج البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت بقوام لي على سهوة لي فيها تماثيل فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكه وقال أشد الناس عذاباً الذين يضاهون بخلق الله قالت فجعلناه وسادة أو وسادتين. وأخرج البخاري أيضاً في صحيحه من حديث مسلم ابن صبيح قال كنا مع مسروق في دار يسار بن نمير فرأى في صفته (بضم المهملة وتشديد الفاء) تماثيل فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن أشد الناس عذاباً المصورون وفي الصحيحان عن ابن عباس من صور صورة في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ. وأخرج ابو داود في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني جبريل عليه السلام فقال أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل وكان في البيت قرام شرقية (تماثيل) وكان في البيت كلب فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة ومر بالستر فليقطع فليجعل وسادتين منبوذتين توطأن ومر بالكلب فليخرج ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا الكلب لحسن أو لحسين كان تحت نضد لهم فأمر به فأخرج_هذا وقد أجمعت الأئمة الأربعة بل لم نعلم خلافاً لأحد من علماء الإسلام على حرمة تصوير الحيوان المجسم الكامل الخلقة حرمة شديدة وصرحوا بأنه كبيرة من الكبائر للوعيد الشديد عليه في الأحاديث المارة وغيرها وأما إن كان أي التصوير لغير كامل الخلقة بأن نقص منه ما لا تبقى معه الحياة فصرحت السادة المالكية بكراهة المجسم وقال علماء باقي المذاهب لا بأس به سواء كان لجسم أو غيره. وأما إذا كان التصوير لغير مجسم بأن كان نقشاً على حائط أو ثوب أو كتاب فحكمه حكم المجسم في الحرمة عند الأئمة الثلاثة وصرحت السادة المالكية بالكراهة التنزيهية فيه فإن نقص ما لا تبقى معه الحياة فلا بأس به عندهم جميعاً وإن نقص ما تبقى معه الحياة فهو الكامل سواء ولا فرق عند الإمام أبي حنيفة والإمام الشافعي في حرمة التصوير بين كونه لممتهن أو غيره صغير أو كبير وسواء في ثوب أو بساط أو يد أو حائط أو درهم لأن المضاهاة لخلق الله ثابتة في الكل قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم: قال أصحابنا وغيرهم من العلماء تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه في الأحاديث الشريفة بالوعيد الشديد وسواء صنعه لما

ص: 15

يمتهن أو لغيرته فصنعته حرام بكل حال لأن فيه مضاهاة لخلق الله وسواء كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو حائط أو غيرها أه ونقل العلامة ابن نجيم في البحر هذه العبارة فقال فظاهر كلامه أي الإمام النووي الإجماع على تحريم تصوير الحيوان أه ثم نقل هذا الكلام عتن البحر العلامة السيد محمد عابدين في حاشيته على الدر وأقره وذكر كلاماً يؤديه فيستفاد منه أن مذهب السادة الحنفية في ذلك موافق لما قاله الإمام النووي رحمه الله والذي يظهر في مذهب المالكية رحمهم الله تعالى التفرقة بين ما صورة يمتهن بأن كان على بساط أو زلاربية فيجوز وبين ما صور لا للامتهان بأن علق على حائط أو رسم فيه أو في ثوب وشبهه فيحرم في الكامل المجسم ويكره في الناقص أو غير المجسم الكامل.

قال السيد أحمد بن محي الدين الحسني الجزائري المالكي في جوابه عن سؤال ورد عليه في هذه المسألة

نص السؤال: الحمد لله ما قول السادة المالكية رضي الله عنهم في تصوير صور الحيوانات العاقلة وغيرها المجسدة التي لها ظل الكاملة الصورة والتي لا ظل لها بأن كانت على ورق أو حائط أفيدونا مأجورين.

الجواب:

إن تصوير الحيوان مطلقاً عاقلاً أو غيره كان كامل الصورة وله ظل فلا يجوز وإن كان على ورق أو حائط ولا ظل له أو ناقص الأعضاء التي لا يعيش بدونها فيجوز مع الكراهة التنزيهة هذا إن كان غير ممتهن بأن كان معلقاً على حائط أو مرسوماً فيه وأما إذا كان ممتهناً بأن كان على زريبة أو بساط فيجوز بلا كراهة وإن كان الأولى والأحسن تركه هذا ملخص ما ذكروه.

أحمد بن محي الدين الحسيني

وكذا يظهر من مذهب الحنابلة التفرقة بين ما جعل في ستر وسقف وحائط وسرير ونحوه فحرام وبين ما افترش أو جعل مخداً فيجوز بلا كراهة. قال في الإقناع وتصويره (أي الحيوان) كبيرة حتى في ستر وسقف وحائط وسرير ونحوها لا افتراشه وجعله مخداً فيجوز بلا كراهة أه هذا حكم التصوير.

وأما حكم استعمال الصورة فإن كانت لحيوان وكانت مجسمة كاملة الأعضاء فيحرم

ص: 16

استعمالها واتخاذها بإجماع المذاهب الأربعة بل لم نسمع في ذلك خلافاً لأحد من علماء المسلمين وقد صرح علماء المالكية بحرمة النظر إليها إذ النظر إلى المحرم حرام واعتبروا المكان الذي تكون فيه من محال المنكرات قالوا ويسقط عنه وجوب الإجابة لدعوة الوليمة إذا كان هناك صورة إذ محال المنكرات يفترض على المكلف تجنبها.

ويدخل تحت حرمة النظر للصور حرمة ذهاب المكلف إلى المصور أو طلبه منه أن يصوره أو يصور ولده أو صديقه وبيع الصورة وشراءها ودفع الأجرة عليها حرام أيضاً يجب اجتنابه والتباعد منه لأنه إعانة على المعصية وقد كثر فعل ذلك لشيوع التفرنج في هذه الأزمنة نعهم استثنى العلماء من الصور المحرمة لعب البنات الصغار والحكمة في ذلك تدريبهن على تربية الأولاد وإن كانت أي لصور غير الحيوانات كشجر وسفينة فيجوز استعمالها واتخاذها مطلقاً وإن كانت كاملة غير مجسمة بأن كانت منقوشة على ورق أو ثوب أو آنية أو بساط فاتفق العلماء على أن استعمالها ممتهنة مما لا بأس به وإن كان الأولى تركه واستعمالها على غير صفة الامتهان سواء للزينة أو للتعظيم حرام عند الأئمة الثلاثة مكروه عند السادة المالكية واتفقوا أيضاً على كراهة السجود على الصورة قال في الإقناع وتكره الصلاة على ما فيه صورة ولو على ما يداس والسجود عليها أشد كراهة ونص السادة الحنفية أيضاً على كراهة الصلاة في ثوب أو مكان رسم أو علق فيه تمثال، وقال النووي أن الصورة في البيت تمنع دخول ملائكة الرحمة له أي فيحرم صاحبه زيادة على ما تقدم من الإثم استغفار الملائكة له وحفظهم إياه من الجن وغيرهم نسأل الله الحفظ والسلامة إنه بالمؤمنين رحيم.

ص: 17