الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضرب من التطور في الصحافة العربية
أ. د. إبراهيم السامرائي رحمه الله
ملخص البحث
هذا العمل عبارة عن تتبع ألفاظ وتراكيب شاعت في لغة الصحافة المعاصرة في المشرق العربي، وفيها شيء من الخروج على المألوف من قواعد العربية، ويدعو إلى تقبل مثل هذه الألفاظ والتراكيب، وأن لا تقف رغبتنا في صحة وسلامة اللغة حائلاً دون استعمالها وإشاعتها، لأنها تمثل عربية جديدة لا تضار لغتنا لو أدخلناها فيها، وهي تمثل لغة جديدة أحدثها صحفيون ليس لديهم حسّ لغوي يميز بين الخطأ والصواب، ومثله في علوم وفنون أخرى.
تمهيد:
أقول:
هذا درس في ((العربية المعاصرة)) التي أوشكت أن تكون جديدة في ألفاظها وطرائق أدائها، وقد يكون من جديدها بعض ملامح من نحو وصرف جديدين.
ولا أرى أن صيحة القائلين بالخطأ والصواب على وجاهتها وسدادها تقف حائلاً دون شيوع هذه ((العربية الجديدة)) .
ضرب من التطور في الصحافة العربية
سأذهب إلى القول بالتطور، ولا أجنح إلى النبز فأرمي جملة ما يثبت في الصحف من وجوه القول بالخطأ، ذلك أن هذا ليشقى به العاملون في هذا الميدان عربية جديدة. وأن هذه العربية قد اكتسبت الشيوع حتى راحت تغزو مساحات واسعة في الذي يقال والذي يكتب. ولست بعيداً عن هذا الذي تقرؤه في الصحف وأنت تسمع المعربين في البيت والمدرسة والجامعة والمسجد، ومن ثم فليس لك أن ترمي جملة هذا ب ((لغة الجرائد)) .
وقد بدا لي أن أعرض لطائفة من هذه النماذج اللغوية، وما أراني مستوفياً أو قريباً من هذا وأنا أبسط بين يدي القارئ هذا الموجز، وقد جمعته من هنا وهناك من الصحف في بلدان المشرق العربي. وقد خصصت المشرق العربي لأني سأعود إلى شيء مثل هذا قد وقفت عليه في صحافة بلدان المغرب العربي.
إن لغة الصحافة جديدة في نظم جملها وتراكيبها، وهي جديدة في انصراف الكلم فيها إلى معان جديدة تندرج في المجازات الجديدة والمصطلح الجديد. ولكن هذه الجدّة تدخل في باب الضعف وفساد التركيب وسوء الأبنية بسبب أن الذين شقوا بهذه الحرفة لم يكونوا على مقدرة من العربية. ثم إن جل هذه اللغة في مصطلحاتها ومجازاتها وطريقة نظمها منقولة من اللغات الغربية ولاسيما الانكليزية.
غير أن هذه اللغة تؤلف في عصرنا ضرباً من العربية المعاصرة بدأ يتجاوز حدّ الصحف إلى ذلك من مجال القول، فأنت تجد منها اليوم قليلاً أو كثيراً لدى أهل ما يسمَّى بالعلوم الاجتماعية عامة كالجغرافية والتاريخ والاجتماع والاقتصاد وغير هذا. ولا تعدم أن تجد لمادة هذه اللغة حضوراً في الأدب الجديد من شعر وقصة ونحو هذا.
وسيكون لي في هذا الموجز أن أعرض لما وقفت عليه في الصحف العربية في بلدان المشرق العربي متخذاً من ذلك نماذج تشير إلى خصائص هذه اللغة الجديدة. ولابد لي أن أقول: إني لا أسعى في عرضي هذا إلى ما يذهب إليه أهل التصحيح اللغوي المعنيين بالصواب والخطأ الذين أخطأوا السبيل وتعجلوا المسيرة فنسبوا إلى الخطأ ما ليس منه، وكان لهم في سردهم لهذه المواد شيء من جديد يمكن أن يحمل على الخطأ الذي باشروه. وقد عرضت لطائفة من هذه المعجمات فوقفت فيها على ما يمكن أن يكون تجاوزاً للعربية.
ومن أجل هذا كان غرضي من هذا الاستقراء أن أثبت هذا الضرب الجديد من العربية مبتعداً عن قصة التصحيح ومشيراً إلى أن هذه العربية تؤلف نمطاً جديداً لغوياً لعله ساد وغلب وشاع حتى صار في جملته عربية جديدة معاصرة.
وسأذكر ما وقفت عليه ولا أسعى فيه إلى أن يكون لي فيه ترتيب خاص، بل أقتصر على إثباته كما وقع لي شيئاً بعد شيء، وسأعلق على ما أذكره بالقدر الذي تقتضيه المناسبة فأقول:
قرأت وأنا في صنعاء صحفاً يمنية وأخرى مصرية ولبنانية وعراقية فوجدت في بعضها مَن قال:
((....... فالدولة في تعاملها مع مواطنيها على المستوى الداخلي أولاً، وفي تعاملها مع الغير على المستوى الخارجي، تسير
…
)) .
أقول: إن من خصائص هذه اللغة المتأثرة باللغات الأعجمية من إنكليزية أو غيرها، طول الجمل بحيث يأتي ما ندعوه المسند إليه في ابتداء الكلام، ولكنك لا تظفر بالمسند الذي يتم به المعنى إلا بعد كلام طويل، وقد يتجاوز هذا المعترض في طوله حداً يكاد القارئ فيه ينسى أول الجملة.
ثم إن ((التعامل)) مصدر الفعل ((تعامل)) قد استعير من حيز الاقتصاد في دلالته في البيع والشراء إلى هذا الحيز الجديد.
و ((المستوى)) ، وهو كلمة عربية قد وصلوا إليها لتؤدّي ما تؤديه كلمة أجنبية في الانكليزية أو الفرنسية بمعناها، ووصف ((المستوى)) بالداخلي أو الخارجي كله مما يصادفه الذي يقرأ الصحف الأجنبية.
ولا أشير إلى ((الغير)) واقترانها بأداة التعريف فقد تجاوز هذا المنشئون منذ زمان طويل.
ومما قرأت أيضاً قول أحدهم، والقول عام لا خاص فهو مما يتردّد في الصحف، وهو:((وعلى ضوء هذه النظرة المنطقية....)) .
أقول: لا أتوقف في استعمال حرف الجر ((على)) فأقول كما قال المصححون: إن الصواب هو استعمال ((في)) ، ولكني أقول إن استعمال ((الضوء)) في هذا السياق أو في قولهم:((إن إلقاء الضوء على هذه المسألة....)) جديد مستعار من اللغات الأعجمية.
وقرأت أيضاً:
((.... وكما أشار الرئيس فلان إلى هذه ((الإشكالية)) فإن أية دولة بمفردها مهما كانت لن تستطيع الوصول إلى تحقيق أهدافها الاقتصادية
…
)) .
أقول: إن ((الإشكالية)) مصدر صناعي أقيم على مصدر آخر للفعل ((أشكَلَ)) وهو ((إشكال)) ، وهذا المصدر الصناعي جديد في العربية المعاصرة، وقد شقي المعاصرون في الوصول إليه ليكون مؤدياً ما يؤديه مثله في اللغات الأعجمية، وهو غير كلمة ((مشكلة)) بل إن في ((الإشكالية)) شيئاً من ((المشكلة)) . ويراد بها ضرب من الوضع فيه إشكال وفيه ((وضع خاص)) . وإنك لا تجد هذه ((الإشكالية)) في العربية التي نعرفها قبل خمسين أو ثلاثين سنة، فهي جديدة.
أما استعمالهم ((بمفردها)) فمعناه ((وحدَها)) ، وهو من هذا الجديد الذي حفلت به العربية المعاصرة.
ثم إن ابتداء الكلام ب ((كما)) يأتي بعدها جملة طويلة معلَّقة في فهم المراد منها على كلام آخر مبدوءاً بقولهم: ((فإن أيّة دولة
…
)) يُشعر القارئ إن القائل أراد ب ((كما)) ما يراد من أدوات الشرط، وان الأسلوب شرطي، ومجيء الفاء يشعر بهذا. وليس هذا مما نعرفه في العربية، ولكنه جديد حفلت به العربية المعاصرة.
ومثله قولهم: ((وعلى الرغم مما ورد
…
فإن المقصود....)) .
وقرأت أيضاً:
((.... اعتقالات عشوائية بمدينة القدس عقب طعن مستوطن إسرائيلي)) .
أقول: إن الوصف ب ((عشوائي وعشوائية)) جديد، ومعناه معروف أي أن ((الاعتقالات)) جرت على غير قصد ونظام، وأن السلطات الإسرائيلية اعتقلت كل من شوهد في الحال لا يهمها أن يكون للمعتقل مشاركة فيما جَرَى.
ومثل هذا قولهم: ((لابد من العمل للحدّ من الاستهلاك العشوائي
…
)) .
ويراد ب ((الاستهلاك)) الإنفاق الكثير ولاسيما ما كان من أجل الطعام والشراب وغير ذلك مما يدخل في حاجات الناس كالاستهلاك للطاقة الكهربائية ونحو ذلك.
أقول: وجعل ((الاستهلاك)) منصرفاً إلى هذا يشير إلى تخصيص الإنفاق بدلالة اقتصادية معينة، وهذا التخصيص عرفناه في العربية المعاصرة.
ووصف ((الاستهلاك)) ب ((عشوائي)) أي أن المستهلكين ومعهم الدولة لا يذهبون إلى تنظيمه وحصره في نطاق محدود.
وهذا يعني أن الوصف ب ((عشوائي)) دلّ هذه الدلالة التي لا نعرفها إلا في هذه العربية المعاصرة.
ولابد لنا أن نبسط القول على هذا الوصف، وكيف اهتدى له المعاصرون فنقول: إن ((عشواء)) وصف مؤنث، والمذكر ((أعشى)) ودلالة ((أعشى وعشواء)) معروفة، وهو الإبصار أو ضعفه، وهو ((العشا)) بالقصر. وقد وردت الصفة ((عشواء)) في بيت زهير بن أبي سلمى:
رأيتُ المنايا خبط عشواء من تُصبْ تُمتْه ومن تُخطِئ يُعَمَّر فيَهرمِ
أقول:و ((عشواء)) هذه تشبث المعاصرون فاستعاروها وصرفوها على التوسع إلى ما أرادوا لإدراكهم أن ((العشواء)) تخبط على غير هدى.
وقرأت:
((جهود مكثّفة لتقييم نتائج الاستفتاء)) .
أقول: ((الجهود المكثّفة)) هي الجهود الحثيثة المحصورة في أمر ما، وهذه الصفة ((مكثّفة)) قد تُوسِّع في معناها، والأصل أن الشيء الكثيف هو الثخين في الجِرم والوزن ومنه جاء المصطلح العلمي ((كثافة)) وهو معروف في علوم الطبيعة وغيرها.
وهذه الاستعارة أو قل هذا التوسع في الدلالة جديد اقتضته حاجة أهل العربية إليه ثم إن ((التقييم)) معناه تعيين قيمة الشيء، وهذا المصدر للفعل ((قيَّم)) جديد، وقد أخذ الفعل والمصدر من الاسم ((قيمة)) ، وتوهّم الآخذون أن الياء في ((قيمة)) حرف أصلي فأثبتوه في الفعل والمصدر.
وحقيقة اللفظ أن ((قيمة)) وزان ((فِعلة)) من الفعل ((قام يقوم)) ، والياء فيها من الواو، ولذلك حين احتاج المعربون في القرون التي خلت إلى حساب القيمة وضبطها جعلوا الفعل مزيداً وأثبتوا الواو فقالوا: قوَّم السلعة، أي أعطاها قيمتها وسعرها.
على أن هذا قد هجر في الاستعمال في عصرنا واستُبدل به ((التقييم)) في المعنى نفسه، وجُعل ((التقويم)) خاصاً بدلالة أخرى، وكأنه بمعنى ((التربية)) ، يقال: تقويم الأحداث. على أنك تجد ((التقويم)) مفيداً شيئاً من معناه القديم كأن يقال تقويم نتائج الامتحانات العامة.
وقرأت:
((إن المسؤولين يعملون على تقديم الخدمات الأفضل للمواطنين)) .
أقول: و ((الأفضل)) هنا ((أفعل)) للتفضيل، وهي صفة للجمع ((الخدمات)) .
ولما كانت محلاّة بالألف واللام كان لنا أن نحملها على المطابقة فنقول:
((الخدمات الفُضْلى)) . غير أن المعاصرين لايستشعرون معنى التفضيل في ((الفضلى والكبرى والعليا)) ونحو ذلك. ولم تدرك أنهم يتحرّون حدّ التفضيل.
أقول: ومن هذا قول الكثيرين: ((الدولتان الأعظم
…
)) ، والصواب ((الدولتان العظميان)) ، فانظر كيف ننال من حدود العربية.
وقرأت أيضاً:
((إن العاصمة الاقتصادية تتمتع بدورها الاقتصادي كمنطقة حرّة
…
)) .
أقول: إن ((الدور)) في هذه الجملة قد دخل العربية المعاصرة وصار شيئاً من مادتها. ولم نعرف هذه الكلمة في العربية التي عرفناها إلا منذ عدة عقود من السنين، وقد جئنا بها فيما نترجمه من اللغات الغربية، وأصلها شيء من لغة أهل المسرح.
وأصل ((الدور)) في العربية مصدر للفعل ((دار)) كالدوران.
ثم إن استعمال الكاف في قول القائل المحرر ((كمنطقة)) مأخوذ مما يقال ويكتب في اللغات الغربية، وهي ليست كاف التشبيه في العربية، غير أنها دخلته هذه العربية المعاصرة وشاع استعمالها.
وقرأت: ((إن وزير الخارجية يتسلم رسالة من نظيره العراقي)) .
أقول: إن استعمال المحرر ل ((نظير)) مأخوذ من اللغات الأجنبية، فالوزير العراقي لا يصح أن نطلق عليه الوصف ((نظير)) لأنه يشغل هذا المنصب كالوزير اليمني، ولكنها اللغة الجديدة التي تنقل الذي يدور ويعرف في اللغات الأجنبية.
وقرأت أيضاً:
((.... ضمن جولته لمنطقة الشرق الأوسط، ((بيكر)) [الوزير الأمريكي] بدأ أمس زيارته للسعودية)) .
أقول: هذه لغة صحفية لا نعرفها في العربية التي لا تجيز عود الضمير على متأخر إلا في سياقات خاصة وردت في بعض الشواهد الشعرية القديمة، غير أن هذا جائز في اللغات الأعجمية، فكان علينا أن نحمله على العربية ونهيّء أذهان القراء وأذواقهم إلى تقبّل هذا الجديد المحمول إلينا.
ومثل هذا ما قرأت أيضاً:
((ناقلاً رسالة جوابية للأخ رئيس مجلس الرئاسة وزير الإسكان يعود من بغداد)) .
أقول: وهذه ((الخلبطة)) في سوء النظم وفساد التركيب أدهى وأمر مما لحن فيه من أمر عود الضمير على ما هو متأخر في البناء السليم من العربية، وأنه ((قرزحة)) صحفية بل عدوى داء حملت إلينا.
وقرأت في نظائر هذا وأشباهه الكثير من عبث الصحفيين بسماحة العربية وانتهي منه بما اجتزئ في هذا الموجز، وهو:
((مبتدئاً أعمال الفترة الثالثة من الدورة الأولى.... السبت القادم مجلس النواب يناقش تقرير لجنة الحريّات عن مشروع قانون الأحزاب
…
)) .
أقول: لا أدري كيف أقول في عبارة لا أنت بالقادر على أن ترمّ بناءها فقد استهدم حتى بدا آيلاً إلى التدهور والسقوط. لقد مكر هؤلاء القائلون، فهل أتى أهل العلم بنيانهم من القواعد؟
ثم إن هذه اللغة أقرّت الكلم الجديد فكان لنا أن ندرجه في المعجم الجديد الذي لما نباشر منه شيئاً، ومنه كلمة ((مشروع)) وهو مما قوبل به المصطلح الأعجمي ((Project)) .
وقرأت قولهم:
((قافلة عسكرية أمريكية تدخل شمال العراق)) .
أقول: و ((القافلة)) هي العائدة في العربية، وقد ذهب إلى التفاؤل بالخير فوصفوا الجماعة العائدة التي لم تتعرض لأذىً في رحلتها ب ((القافلة)) .
غير أن المعاصرين جهلوا هذه الخصوصية في الدلالة فتوسعوا فيها بل قلبوا الكلمة إلى ضدها فهي لديهم الجماعة الذاهبة.
ومثل هذا قولهم:
((أبناء الجالية اليمنية يؤكدون حرصهم في المملكة السعودية على أن يكونوا ممثلين بلدهم)) .
أقول: والجماعة اليمنية في المملكة السعودية ممن أقاموا فيها منذ سنين، فهم الجماعة المستقرة ولم ((يجلوا)) عن المملكة السعودية، فكيف يكونون جالية؟
وقرأت أيضاً:
((إعداد ورقة عمل لما سيقوله الوفد في ندوة الخبراء)) .
أقول: و ((ورقة عمل)) هذه كثيرة الورود، فاشية معروفة، وهي من الكلم الجديد الذي لابد أن يندرج في المعجم الجديد.
ومن هذه اللغة الجديدة ما نقرؤه كل يوم:
((البحث عن مصادر جديدة في إطار الخطط والبرامج التنموية من إعطاء الأولوية للمشروعات الزراعية)) .
أقول: قولهم: ((في إطار الخطط)) من التعابير الجديدة التي تومئ إلى أصلها في لغات أعجمية غربية فهي في الفرنسية ((dons le cadre)) .
إن ((الإطار)) معروف في العربية وهو ما يؤطر به أي يحيط بالشيء كإطار الغربال ونحو ذلك، ثم استعير للصورة وللجداول وللإعلانات الرسمية.
وقولهم: ((في إطار)) لا يشير إلى الظرفية المكانية، ولكنه منقول على هيئته في اللغة التي نقل عنها.
ومثل هذه التعابير التي لا تشير إلى الظرفية استعمالهم: ((من خلال)) في قولهم مثلاً: ((وسيتحقق ذلك من خلال القيام بمشروع للريّ واسع)) .
وقولهم: ((من خلال)) يعني ((بما يقام من مشروع)) فلو قالوا: ((سيتحقق ذلك بالقيام بمشروع للري)) لأوجزوا ولوصلوا إلى ما أرادوا.
و ((الباء)) هنا للاستعانة وهذا معروف.
ولكن قولهم: ((من خلال)) ترجمة لكلمة انكليزية هي ((Through)) .
ثم إن في قولهم: ((البرامج التنموية من إعطاء الأولوية....)) مجيء ((التنموية)) و ((الأولوية)) على النسب، وقد كثر هذا النسب في هذه اللغة الجديدة فقالوا: النظم التعبوية، والحلول التصفوية، وقد قالوا قبل ذلك: البرامج التربوية، واستعملوا النسب، ولو أنهم عدلوا عن النسب إلى أسلوب الإضافة لأصابوا أكثر مما كان لهم كقولهم: برامج التنمية ونظم التعبئة وحلول التصفية.... ثم صنعوا مصدراً صناعياً من اسم التفضيل ((أولى)) لفائدة مقتضاة جديدة.
وقرأت أيضاً:
((إن استخدام هذه الندوة لتنقية المياه من قبل الأهالي على مستوى فردي منذ قرون)) .
أقول: و ((الاستخدام)) هنا بمعنى ((الاستعمال)) ، وقد ذهبوا بها هذا المذهب في هذه اللغة الجديدة. وحقيقة ((الاستخدام)) غير هذا، يقال: استخدمت فلاناً بمعنى طلبت إليه أن يخدمني.
وقد أرادوا بقولهم: ((من قِبَل)) ما يقال في العربية: ((من لدن
…
)) .
وقرأت:
((السود يشكلون 6% من الأمريكيين)) .
أقول: وقولهم: ((يشكلون)) فعل جديد وهو المضاعف ((شكل)) ، وليس في مادة ((شكل)) في العربية شيء يقرب من هذا، ولكنهم أخذوه من ((شكل)) الكثيرة في استعمال المعربين في اللغة الدارجة وهي بمعنى ((هيئة)) أو ((صورة)) .
ولو أنهم قالوا: ((يؤلفون 6% من الأمريكيين)) لكانوا في ملاك العربية.
وقرأت أيضاً:
((الناس الصبورون على الغلاء....)) .
أقول: والمسموع في العربية أن الوصف على ((فَعول)) يأتي جمعه على ((فُعُل)) بضمتين، قال تعالى:{تلك الرسل فضّلنا بعضهم على بعض} ،
و ((الرسل)) جمع رسول، وليس لنا أن نقول: رسولون.
وكذلك نقول: ((صُبُر)) ولا نقول: ((صبورون)) .
وقرأت أيضاً:
((وخلت البرامج الزراعية من أي تركيز على زراعة النخيل)) .
أقول: وقولهم: ((التركيز على)) من الكلم الجديد، وكأن ((التركيز)) قد عُدِّي إلى مدخوله ب ((على)) لأنه أخذ من الفعل المجرّد ((ركز)) وهذا محتاج إلى الحرف ((على)) .
ثم إن ((التركيز)) من مصطلح أهل الكيمياء في عصرنا، والحامض المركّز لديهم هو الشديد الحموضة، ودرجة التركيز شيء من هذا. وهذا كله جديد في الصحف والكيمياء.
وقرأت أيضاً:
((قامت المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون بإنزال مشروع ((استبيان)) خاص بالمشاهدين بغرض تقصّي آرائهم حول البرامج)) .
أقول: و ((الاستبيان)) من الكلم الجديد، وهو مصدر الفعل ((استبيَن)) الذي تحول في العربية إلى ((استبانَ)) .
وليس لنا إذاً ((استبيان)) لعدم وجود ((استبين)) ، ولكن أهل هذه العربية صاغوه ليأتي مقابلاً ل ((questionnaire)) .
وقرأت:
((الجمعية العلمية تعرض استضافة أعضاء المؤتمر)) .
أقول: ((الاستضافة)) طلب الرجل من آخر أن ينزله لديه ضيفاً، يقال: استضفته، أي طلبت إليه أن أكون ضيفه ينزلني عنده وليس هذا حاصلاً في الاستعمال الجديد.
ثم إن ((المؤتمر)) من الكلم الجديد الذي ينبغي لنا أن ندرجه في المعجم الجديد للعربية المعاصرة. وإذا عدنا إلى الفعل ((إاْتَمَر)) في فصيح العربية فلا نجد شيئاً من دلالة ((المؤتمَر)) .
وقرأت:
((الدستور ما يزال في حظيرة الإسلام)) .
ومن دلالات ((الحظيرة)) ما يشير إلى أن من المناسب ألاّ تضاف إلى الإسلام.
وقرأت:
((انفتاح في العلاقات الموريتانية السنغالية)) .
أقول: و ((الانفتاح)) في هذه العبارة يعني ((الانفراج)) ، وهذه جديد يندرج في باب ((تطور الدلالة)) .
وقرأت أيضاً:
((البرامج الشيّقة)) .
وكأن ((الشيِّق)) هو ((المشوِّق)) ، والصواب أنه ((المشتاق)) ، قال الشاعر:
ما لاحَ برق أو ترنَّم طائر إلاّ انثنيت ولي فؤاد شيّق
وقرأت:
((ليلة البارحة كنت وأحد أصحابي وتكلمنا في حق الرأي والرأي الآخر)) .
أقول: ((البارحة)) هي التي تصرَّمت وأعقبها الصباح ثم حلّت ليلة أخرى، جاء في المثل:((ما أشبه الليلة بالبارحة))
وعلى هذا فعبارة الصحيفة بعيدة عن الصواب لأن ((البارحة)) فيها تعني ((أمس)) .
ثم إن في العبارة شيئاً من سوء التركيب وهو أن العطف باسم ظاهر على ضمير المتكلم المعطوف عليه لا يكون إلا بعد توكيد الضمير المتصل بآخر منفصل فيقال: ((كنت أنا وأحد أصحابي
…
)) .
ثم إن عبارة ((الرأي والرأي الآخر)) من الأساليب المنقولة إلى العربية. ولم نسمع بهذه العبارة، ولم تظهر في الصحف إلا منذ برهة صغيرة لا تتجاوز عدة أشهر. تمّ
[هذا ما كتبه رحمه الله ، ويظهر أنّ للمقالة بقية]
هيئة التحرير