الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدعوة في السودان
وتأثرها بالدعوة السلفية
" دراسة تاريخية وثائقية
"
د. عمر سالم عمر بابكور
الأستاذ المشارك في التاريخ الحديث والمعاصر
جامعة أم القرى - كلية الشريعة والداسات الإسلامية - قسم التاريخ الإسلامي
ملخص البحث
رغم أن إعلان محمد أحمد “ المهدية ” قد يباعد بينه وبين ما دعا إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إلا أن المتتبع لسيرته سواء منذ بداية دعوته وبعد إعلان المهدية ومن خلال تراثه الفكري بعد المهدية المتمثل في منشوراته ومجالسه وخطبه بالإضافة إلى حكومته الإسلامية التي أقامها في السودان، وسياسته الخارجية التي حملت التوجيه الإسلامي الخالص، يلاحظ مدى عمق العلاقة بين المهدية في السودان ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية.
فقد تأسى محمد أحمد “ المهدي ” بالشيخ محمد بن عبد الوهاب منذ بداية دعوته فقد ظل فترة من الزمن يدعو سلماً بالمواعظ والكتب والرسائل والوفود، للعودة إلى منابع الدين الأولى وترك البدع ومظاهر الشرك، وإحياء سنن الشريعة، والزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة، ومحاربة الفساد.. وهذا يتفق مع ما جاء في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية منذ بدايتها أيضاً وحملات رسائله بالدعوة إلى بعض بلدان وإمارات نجد.
ثم نلاحظ أسلوبه الجهادي وعقيدته السلفية ومنهجه السلفي في الإصلاح في معظم مناشيره التي تغطي الفترة منذ إعلانه المهدية في “ أبا ” حتى فتح “ الخرطوم ” ونهاية الحكم القائم وعموم دعوته، مثل الشيخ محمد بن عبد الوهاب لتبليغ الدعوة وإزالة مظاهر الشرك والبدع وإقامة مجتمع إسلامي في حكمه، وظهرت عقيدته السلفية بوضوح في تلك المناشير وأيضاً منهجه السلفي للإصلاح ونلاحظ الاتفاق في المضمون فيما دعا إليه الاثنين من العودة بالإسلام إلى عصوره الزاهرة وترك البدع والمنكرات وإن اختلفا في الأسلوب لأن كل واحد منهما كان يخاطب قومه باللغة التي يفهمونها وكان هم كل منهما منصرفاً إلى المعاني لا إلى العبارات.
مقدمة:
بدأت دعوة محمد أحمد الإصلاحية عندما بني جامعاً للصلاة وخلوة للتدريس والتعبد وبدأ في بث أفكاره ومبادئه بين سكان جزيرة أبا والقبائل المجاورة لها، سالكاً منهجاً قويماً في العبادة والزهد والغيرة علي الدين وداعياً إلي بناء مجتمع ديني يأخذ مقوماته من المجتمع الذي أقامه الرسول صلي الله عليه وسلم، وصحابته، واستطاع أن يكسب لأفكاره ومبادئه الكثير من الاتباع والمريدين، عاهدوه علي السمع والطاعة، والتمسك بأوامر الدين، والانتهاء عن نواهيه، والاستعداد إلي نصرة الحق، وإقامة سنن الشريعة الإسلامية.
ثم انتقلت دعوته الإصلاحية إلي طور جديد عندما أعلن أمام صفوة من العلماء ورجال الدين وبعض رجال الدولة الذين حضروا حفل ختان أولاد شيخه محمد شريف سنة 1878 م أن ما أقدم عليه شيخه من إجازة الرقص والغناء واللهو في الحفل مخالف للشريعة الإسلامية، ورغم أن ما أعلنه سّبب الخلاف والقطيعة بينه وبين شيخه إلا أنه قد خرج من هذا الخلاف منتصراً عليه ومؤيداً من قطاعات عريضة من السودانيين بسبب قوة تدينه وغيرته علي الشريعة والإسلام، وصار حديث العلماء ورجال الدين والعامة بعد أن أذاع أنه أنفصل عن شيخه لأنه خالف الشريعة والسنة، فأصبح شخصية لها محبة خاصة في قلوب السودانيين.
فاستغل محمد أحمد (المهدي) هذا الانتشار وتلك الشهرة التي حققها في بث ونشر أفكاره ومبادئه والتمكين لها في جميع أنحاء السودان فبدأ في تقوية اتصالاته بالعلماء ورجال الدين والإصلاح فكتب إلي بعض العلماء ورجال الدين المرتبطين بالحكم التركي المصري يدعوهم إلي الزهد في الدنيا وشهوتها، والإقبال إلي الآخرة 00 وكتب أيضاً إلي بعض رجال الدين والعلماء يعلمهم أن الدين قد أصبح غريباً بسبب شيوع البدع ومظاهر الشرك ويدعوهم للوقوف معه لإقامة الدين وأحياء سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم 0
وأعقب ذلك بالانطلاق بدعوته يجوب ربوع السودان يوثق أواصر التفاهم بينه وبين نظار القبائل والعلماء ورجال الدين وشيوخ الطرق وأصحاب الشأن في البلاد، يدعوهم إلي العودة إلي تعاليم الدين الصحيح ونبذ البدع ومظاهر الشرك، ومحاربة الفساد واستطاع بالفعل أن يخرج من تلك السياحات والرحالات بشهرة واسعة، وبعشرات الألوف من المؤيدين المخلصين لدعوته 0
وكانت قمة دعوته الإصلاحية عندما وضع رسالته (أثناء رحلته الأولي إلى غرب السودان سنة 1297هـ 1880م) التي حض فيها أتباعه علي تطهير الإيمان الذي فسد وأنحط بفساد الحكمة، وعدم احترام الموظفين أركان الدين، فكانت دعوة صريحة لتغيير الأوضاع للعودة بالمسلمين وبالبلاد إلي الدين الصحيح، والرجوع إلي أيام الرسول صلي الله عليه وسلم وصحابته، وإقامة مجتمع إسلامي مماثل لمجتمعه يلتزم في حكمه بالشريعة الإسلامية الغراء.
وعندما أيقن محمد أحمد من إمكانية نجاح دعوته فكر في الشكل والأسلوب الذي يناسب ظروف السودان حينذاك، فأهتدي إلي فكرة إسلامية أخذ بها بعض المصلحون والمجددون في تاريخ الإسلام وحظيت بانتشار واسع في السودان ظهور المهدي عندما يشتد الظلم والجور في المجتمع وتجعله رمزاً للعدل والخير والصلاح التي طالما أنتظرها المسلمون في السودان لتنقذهم من الأوضاع السيئة والتي تمثلت في المظالم والمفاسد الخلقية وشيوع البدع التي عمت المجتمع السواد ني المسلم، فأعلن (في سنة 1898 هـ / 1881 م) أنه المهدي، مؤيداً من الله ورسوله، ليعود بالمسلمين إلي الدين الصحيح ويقيم الحكم الإسلامي القائم علي الالتزام بالقرآن الكريم والسنة المطهرة.
ورغم أن إعلان محمد أحمد " المهدية " قد يباعد بينه وبين ما دعا إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إلا أن المتتبع لسيرته سواء منذ بداية دعوته وبعد إعلان المهدية ومن خلال تراثه الفكري بعد المهدية المتمثل في منشوراته ومجالسه وخطبه بالإضافة إلي حكومته الإسلامية التي أقامها في السودان، وسياسته الخارجية التي حملت التوجيه الإسلامي الخالص، يلاحظ مدى عمق العلاقة بين المهدية في السودان ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية.
فقد تأسي محمد أحمد " المهدي " بالشيخ محمد بن عبد الوهاب منذ بداية دعوته فقد ظل فترة من الزمن يدعو سلماً بالمواعظ والكتب والرسائل والوفود، للعودة إلي منابع الدين الأولي وترك البدع ومظاهر الشرك، وأحياء سنن الشريعة، والزهد في الدنيا والإقبال علي الآخرة، ومحاربة الفساد 00 وهذا يتفق مع ما جاء في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية منذ بدايتها أيضاً وحملات رسائله بالدعوة إلى بعض بلدان وإمارات نجد.
ثم نلاحظ أسلوبه الجهادي وعقيدته السلفية ومنهجه السلفي في الإصلاح في معظم مناشيره التي تغطي الفترة منذ إعلانه المهدية في " أبا " حتى فتح " الخرطوم " ونهاية الحكم القائم وعموم دعوته، مثل الشيخ محمد بن عبد الوهاب لتبليغ الدعوة وإزالة مظاهر الشرك والبدع وإقامة مجتمع إسلامي في حكمه، وظهرت عقيدته السلفية بوضوح في تلك المناشير وأيضاً منهجه السلفي للإصلاح ونلاحظ الاتفاق في المضمون فيما دعا إليه الاثنين من العودة بالإسلام إلي عصوره الزاهرة وترك البدع والمنكرات وإن اختلفا في الأسلوب لأن كل واحد مهما كان يخاطب قومه باللغة التي يفهمونها وكان هم كل منهما منصرفاً إلي المعاني لا إلي العبارات.
وقد ظهرت تأثر محمد أحمد الشديد بالتعاليم والمبادئ السلفية وجاءت دعوته في منشوراته إلي التوحيد الخالص وإفراد العبودية لله، ومنع الحلف بغير الله، ومنع الاستغاثة بغير الله لو كان نبياً رسولاً أو ملكاً 00 بالإضافة إلي تحريم التسمية بالعبودية لغير الله، وهدم القباب ومنع التوسل إلي الأولياء الصالحين 00 تجسيد حي وقوي لأقوال أعلام السلف وعلي رأسهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
وأيضاً كل خطب محمد أحمد المدونة تحث علي الزهد في الدنيا وطلب الآخرة وتتضمن دعوة قوية للجهاد، وأسلوبه فيها يعتمد علي كثرة الاستشهاد من القرآن الكريم والسنة المطهرة وهو يتأسى بالشيخ محمد بن عبد الوهاب في خطبه.
ويمكن أن نقول أن التأثر والمحاكاة بل والاقتباس قد ظهر واضحاً في العقيدة " الجانب النظري " القول والاعتقاد في تراث محمد أحمد وسيرته، وإن لم تظهر نفس الألفاظ والمعاني لأن كل واحد منهما كان يخاطب قومه بلغة يفهمونها ولكن المضمون واحد.
أما " الشريعة " أو الجانب العملي وموقف محمد أحمد من المذاهب والمدارس الفقهية المختلفة، ففي تراثه وسيرته ما يؤكد عمق العلاقة بينه وبين دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، وخاصة ما أقدم عليه من ممارسات سلفية، وظهرت بقوة دعوة الشيخ السلفية واضحة جلية فيما دعا إليه المهدي من فتح باب الاجتهاد، واتفقت الوجه السلفية في دعوته للاجتهاد مع ما دعا إلي الشيخ محمد عبد الوهاب لنفس الهدف.
فقد أمر محمد أحمد أنصاره بالرجوع إلي الكتب العلمية رغم حفاوته بالقرآن الكريم الذي أصدر أمراً عاماً بتدريسه إجبارياً متأسياً بالشيخ محمد بن عبد الوهاب.
وإذا كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد حرم الدخان وشدد تلاميذه في التحريم فإن محمد أحمد في مجالسه قد حرم التنباك تحريماً قاطعاً وأعتبره من جملة الخبائث وشربه حرام وثمنه حرام.
بالإضافة إلي أن محمد أحمد كان يشجع نوابه وعماله علي الاجتهاد وعدم التعليق بالأئمة متأسياً في ذلك بالشيخ محمد بن عبد الوهاب.
وظهرت ممارساته السلفية بقوة واضحة جلية في منشوراته والتي حملت اسم "الأحكام والآداب " والتي خالف بها المهدي علماء عصره فيما جرت به العادة من الفتوى تبعاً للمذاهب الفقهية المعروفة. لذلك لم يكن بدعاً أو عجباً أن يعلن محمد أحمد إلغاء المذاهب والطرق الصوفية حتى لا يبقي إلا الدين الخالص، ويمكن أن نقول أنه كان سلفياً مثل الشيخ محمد بن عبد الوهاب فهو قد نفذ تعاليم السلفية في القصاص والسرقة والزنا والحدود الشرعية عامة.
الصلات القديمة بين شبه الجزيرة العربية والسودان:
مما لاشك فيه أن الصلات بين أفريقية عامة والسودان خاصة وشبه الجزيرة العربية، عميقة الجذور، موغلة في القدم، فقد كانت شبه جزيرة العرب – علي مر العصور – مستودعاً بشرياً عظيماً، ومنبعاً لموجات بشرية تتدافع في تيارات متتالية علي مدي العصور والأجيال نحو الأقطار المجاورة، وكانت أهم هذه الموجات وأسبقها في الزمان بحكم الجوار وسهولة الانتقال تلك الموجات المتجهة نحو شرق القارة الأفريقية عن طريق باب المندب ثم عبر طرق البحر الأحمر كلها ( [1] ) .
ومما يزيد من عمق هذه الصلات أن هناك بعض النظريات التي تتحدث عن غياب البحر الأحمر (كحاجز مائي) كله بين آسيا وأفريقيا وتقول بوحدة " أصل البجة "( [2] ) وقدماء المصريين النابع من الجزيرة العربية ( [3] ) .
بالإضافة إلي أن البحر الأحمر لم يكن حاجزاً صعباً يمنع الاتصال بين شواطئه الأسيوية العربية، وشواطئه الأفريقية، فلم يكن من الصعب اجتيازه بالسفن الصغيرة، ومن المؤكد أن بلاد البجة في شرق السودان هاجر إليها الحضارمة قبل الإسلام ( [4] ) .
وكان بفضل هذه الصلات والتي تمثلت في انتقال العرب من شبه الجزيرة العربية إلي مناطق كثيرة في أفريقيا ولعل أهمها منطقة وادي النيل، أن تزايدت المؤثرات العربية وأصبحت تلك المناطق الأفريقية شبه عربية، وقطعت في عروبتها شوطاً طويلاً عبر آلاف السنين وذلك عندما ظهر الإسلام في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي ( [5] ) .
وقد دفعت هذه الصلات والهجرات العربية ببعض الباحثين ( [6] ) في تاريخ السودان إلي الترجيح بأن سودان وادي النيل قد عرف الثقافة العربية الجاهلية بكل مقوماتها العقائدية والفكرية قبل أن يعرف الثقافة الإسلامية التي صاحبت الدعوة الإسلامية، وأن تأثيرات الدماء العربية والثقافة أيضاً لم يكن مقصوراً علي الجهات التي تقابل الجزيرة العربية في السودان الشرقي بل تجاوزتها إلي السودان الأوسط، والسودان الغربي أيضاً.
ونخلص فيما سبق إلي أن الصلات والعلاقات كانت قائمة بين شبه الجزيرة العربية والسودان، وأن أجزاء كثيرة من سودان وادي النيل قد تأثرت بما يحدث بشبه جزيرة العرب بفضل الانتقال والاستقرار السلمي للعرب في أرض السودان.
ومن ثم لم يكن مستغرباً أن تجد الدعوة الإسلامية في شرق أفريقيا " الحبشة " الملاصقة للسودان ملجأها الأول بالإضافة إلي سرعة انتشار الإسلام في أجزاء كثيرة من أفريقيا في سنوات الإسلام الأولي مما يدفعه دليلاً علي عمق وقدم الصلات والوشائج والارتباط بين شبه الجزيرة العربية ومناطق شرق السودان.
نفوذ الدعوة الإسلامية إلي السودان:
بقيام الدعوة الإسلامية وتوطيدها في شبة الجزيرة العربية وبداية انتشارها وسيطرتها علي مصر في شمال وادي النيل بحملة عمرو بن العاص، لم تنقطع العلاقات والصلات العربية بالسودان بل زادت بفضل قوة الدعوة الإسلامية وأصبح هناك طريقان ( [7] ) أو مدخلان نفذا منهما العرب والدعوة الإسلامية من شبه الجزيرة العربية إلي السودان وهما:
الأول: المدخل الشرقي عبر البحر الأحمر مباشرة، الثاني: المدخل الشمالي عبر مصر، وأن كان هناك ترابط كبير بين المدخلين، وسوف نعرض بإيجاز دور كل واحد منهما في تطوير أبعاد تلك العلاقات، واستمرار هذا الاتصال.
أولاً: المدخل الشرقي (عبر البحر الأحمر)
تكاد المراجع التاريخية تجمع على أن الكثير من قبائل الجزيرة العربية أو على الأدق بعض البطون منها قد قامت بهجرات واسعة مباشرة عبر البحر الأحمر إلي شرق السودان وخاصة بعد قيام الدعوة الإسلامية، ومن أشهر هذه الانتقالات والهجرات، انتقال " جهينه" من منطقة " ينبع " من الجزيرة العربية إلي شرق السودان ( [8] )
وجهينة اسم لقبيلة عربية مشهورة هي فرع من قضاعة، وأهم وحدات هذه المجموعة القبائل الآتية:
1-
قبيلة رفاعة وتمتد مواطنها علي جانبي النيل الأزرق في السودان من السفوح الحبشية إلي المقرن، والشماليين منهم يمارسون الزراعة والتجارة، أما الجنوبيين فالبداوة سائدة بينهم وهم ينقسمون إلي قسمين:
رفاعة الشرق (شرقي النيل الأزرق) ويطلق عليهم ناس أبو جن ورفاعه الهوى (غربي النيل الأزرق) ويطلق عليهم ناس أبو روف، وقد حل بهم اضطهاد شديد في عهد الخليفة عبد الله حين رفض شيخ القبيلة (يوسف المرضي أبو روف) القدوم إلي أم درمان. لمبايعة الخليفة، فقبض عليه وأعدم في أم درمان.
2-
قبيلة الشكرية، ويعيشون في إقليم البطانة وينتقلون بإبلهم شمالاً حتى شندي وجنوباً إلي النيل الأزرق وأهم مراكزهم بلدة أبو دليق جنوب شرقي شندى ورفاعة علي النيل الأزرق والفاشر علي العطبرة والقضارف.
وقد كان للشكرية شأن كبير أيام الحكم المصري، وكان لها أسرة حاكمة يتزعمها الشيخ أحمد أبو سن وكان موضع ثقة الحكومة فعندما قصد مرسي باشا حمدي حكمدار السودان القاهرة لمقابلة الخديوي إسماعيل، اصطحب معه أحمد بك أبو سن وعدداً من كبار السودانيين، فأنعم عليهم الخديو بالرتب والهدايا وكان نصيب الشيخ أحمد سيفا مذهباً وخمائل ذات قيمة ( [9] )
ويلاحظ أن موطن هذه المجموعة الأولي لقبائل جهينة (رفاعة والشكرية) في أقاليم النيل الأزرق والبطانة أي في النصف الشرقي من السودان.
أما المجموعة الثانية فيطلق عليها المجموعة الفزارية وتعيش في شرقي كردفان ووسطها ومن أشهر قبائلها دار حامد فى شمالي الأبيض، ويعملون بالزراعة ورعي الإبل.
وأهم قبائل المجموعة الثانية هي:
1-
البقارة ويطلق هذا اللفظ علي شعبة جهينة التي تعيش جنوبي كردفان ودارفور، ويعملون كما يدل اسمهم في رعي البقر.
ويمتد إقليم البقارة غرباً حق بحيرة تشاد إلي إقليم واداى والبرنو كما أن حدودهم الجنوبية تتاخم أقاليم الزنوج حيث يعيش الدنكا والفرتيت.
وإقليم البقارة واسع جداً في امتداده من الشرق إلي الغرب، فيقع بين النيل الأبيض وبحيرة تشاد في حين أنه محدود في امتداده من الشمال إلي الجنوب فيقع بين خطي عرض 11ْ و 13ْ وإن كانت بعض الوحدات تمتد جنوبي هذا الخط كالحمر الرزيقات.
ويتوزع البقارة علي النحو التالي:
في كردفان: بنوسليم علي النيل الأبيض بين الجمع في الشمال والشلك في الجنوب ويليهم غرباً أولاد حميد ويعيشون حول تقلي ( [10] ) ثم الحوازمة وينتشرون بين الأبيض ودلنج وتالودي ثم المسيرية غربي دلنج وأخيراً الحمر في الركن الجنوبي الغربي من كردفان شمالي بحر العرب.
في دارفور: ويمتدان من الشرق إلي الغرب علي الترتيب التالي:
الزريقات فالهبائية والتعايشة وبنوهلبه
2-
الكبابيش وتملك أعدادا كبيرة من الإبل بالإضافة إلي الضأن أيضاً، ومواطنهم محورها وادي المِلك. وقد فتك بهم الخليفة عبد الله فتكا ذريعاً لما خرجوا عليه.
3-
الحمر: Hamar ويعيشون علي الأطراف الغربية لكردفان علي حدود دارفور وتمتد أوطانهم بين خطى عرض 12ْ و 14 ْ، وقد عملوا على نصرة المهدية بخلاف الكبايش فانتهز الحمر لسلبهم الشطر الأعظم من قطعانهم.
ولا يتم الحديث عن العناصر العربية في شمالي السودان دون الإشارة إلى مجموعة الكواهلة وهى لا تنتسب إلى الجعليين أو الجهنيين، رغم أنهم من عرب شبه الجزيرة، وأوطانهم موزعة في جهات متعددة أخصها النيل الأبيض فيفصلون بين قبيلتين جعليتين هما الجموعية والجمع ( [11] )
ومنهم قبيلتنا الحسانية والحسينات وهي تعمل في الزراعة ورعي الإبل.
وهناك قسم ثان من الكواهلة استوطن شمالي كردفان جنوب ديار الكبابيش ويعملون في رعي الإبل.
أما الشعبة الثالثة فتعيش علي العطبرة والنيل الأزرق ويشتغل أفرادها بالزراعة ورعي الإبل والغنم والماعز.
والكواهلة ( [12] ) يرجعون نسبهم إلي الزبير بين العوام رضي الله عنه كما يرجع الجعليون نسبهم إلي العباس عم النبي صلي الله عليه وسلم.
وانتقال جماعات من عرب " هوازن " عبر البحر الأحمر واستقرارهم في أرض البجة، وعرفوا باسم " الحلانقة "( [13] ) ، وأيضاً عرب " الكواهلة " الذين جاءوا من جزيرة العرب مباشرة عبر البحر الأحمر واستقروا في الإقليم الساحلي بين سواكن وعيذاب ( [14] ) .
بالإضافة إلي بعض البطون من قبائل أخري لعل أشهرها ربيعه وبلي ورفاعه وغيرها ( [15] ) .
وبجانب هذا الانتقال والاتصال السلمي للقبائل العربية بمناطق شرق السودان، فقد امتد النفوذ السياسي والسيطرة الإسلامية في عهد الأمويين إلي مواني البحر الأحمر علي الساحل الأفريقي فقد تم احتلال جزائر " دهلك "( [16] ) في عهد الخليفة سليمان بن عبد الملك الأموي (65-86هـ / 685 –705م) ومما يؤكد استمرار سيطرة الدولة الإسلامية في عهد الأمويين علي تلك الجزيرة القاحلة عند مدخل البحر الأحمر في الجنوب الشرقي للسودان أن الخليفة هشام ابن عبد الملك الذي أعقب الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز قد جعلها منفي لأصحاب التيارات الفكرية المخالفة في عهده ( [17] )
وزادت سيطرة الدولة الإسلامية في عهد العباسيين علي معظم مناطق شرق السودان الداخلية عندما استطاع الخليفة " المأمون " أبن " هارون الرشيد " بحمله " عبد الله بن الجهم" سنة 831م، ومن بعدة الخليفة المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد بحمله محمد بن عبد الله القمي " سنة 856م بإخضاع البجه في شرق السودان للحكم الإسلامي، وهي القبائل الحامية التي تعيش بين النيل والبحر الأحمر ( [18] ) .
ففي الشمال ينتشر بشاريو (أم علي) بين البحر الأحمر وأسوان بينما يتركز بشاريو (أم ناجي) حول العطبرة.
ثم هناك بنو عمار ( [19] ) في المرتفعات الواقعة غربي سواكن والمنحدرات التي تليها غرباً، وتمتد أوطانهم حتى العطبرة.
وأكثر هذه القبائل عدداً وأشدها مراسا في الهدندوه، ويعمل الشماليون منهم في الرعي، في حين يمارس الجنوبيون الزراعة.
وأخيراً نجد بني عامر ( [20] ) ، وهم أهدأ عيشاً من سائر البجه، ومواطنهم في طوكر وخور بركه.
وقد تأثرت قبائل البجة بالدعوة المهدية وأثرت عليها تأثيراً يتفاوت بين كل قبيلة وأخري وأحياناً بين أقسام القبيلة الواحدة.
وعندما قامت الثورة المهدية كان بشاريو الشمال (أم علي) بمنأى عن المهدية، فلم تستطع أن تخضعهم لها، ومن جانبها عملت الحكومة المصرية علي استبقاء ولائهم لها بتوزيع الغلال عليهم ( [21] ) . في حين حارب بشاربو الجنوب
(أم ناجي) في صف عثمان دقنه قائد المهدية في شرقي السودان ( [22] ) .
أما أبو عمار فقد أثرت فيهم الدعوة المهدية تأثيراً شديداً، وكان معظمهم يقف من الحكومة المصرية موقفاً ودياً، علي أن هذا لم يمنع البعض منهم من أن يقاتل إلى جانب عثمان دقنه، مما أدي إلي انقسام القبيلة علي نفسها انقساما شديداً، بقيت آثاره حتى وقت قريب.
أما الهدندوه، فقد كان لها دور أكبر وأخطر مما كان لسائر البجة. فهي قد أسهمت في الدعوة المهدية إسهاماً جدياً وحاربت تحت قيادة عثمان دقنه، وبذلك شغلت الحكومة المصرية في السودان الشرقي فترة طويلة وهي التي قامت بقطع طريق بربر – سواكن.
ولم يبق إلا بنو عامر، وهؤلاء كانوا في عهد المهدية ينتشرون بين طوكر ومصوع، وقد اتصلت الأقسام التي تحيط بطوكر بالمهدية اتصالا وثيقاً، في حين قاوم بعضها المهدية، والأمر الذي لا شك فيه أن الكثيرين من بني عامر يؤيدوا الدعوة المهدية ( [23] ) وأصبحت بذلك الأراضي الواقعة شرق النيل من جنوب أسوان إلي جنوب دهلك – مصوع جزءاً من الدولة الإسلامية ( [24] ) .
وبالفعل صاحب هذا الامتداد والنفوذ الإسلامي هجرات بطون بعض القبائل والجماعات العربية التي استقرت في تلك المناطق ونشرت معها ثقافتها الإسلامية وأصبحت ترتبط ارتباطا وثيقاً بالدولة الإسلامية، وخاصة موانئ السودان الشرقية والتي ارتبطت بموانئ الحجاز عقب السيطرة العثمانية على الشرق العربي ثم الحرمين في الحجاز، فأصبحت المواني الشرقية والغربية للبحر الأحمر مثل جده، وسواكن ومصوع، وزبيد اليمن، والحديدة، وزيلع تحت سلطة " والي " الحجاز التركي ( [25] ) ، وكان من الطبيعي أن تكون تبعية موانئ السودان الشرقي الإدارية للحجاز – في عهد العثمانيين– واستفادة سكان تلك المناطق من الامتيازات ( [26] ) التي منحها العثمانيون لسكان الحرمين قد شجع الكثير من القبائل العربية علي الهجرة والاستقرار في مناطق شرق السودان، ولعل أشهر الهجرات الجماعية الحديثة هجرة قبيلة الرشايدة إلى شرق السودان ( [27] ) .
وكل هذا بلا شك سواء انتقالات القبائل وبطونها من الجزيرة العربية إلي السودان الشرقي والسيطرة الإسلامية علي تلك المناطق ساهم في نشر العقيدة الإسلامية ( [28] ) .
وما صاحبها ونتج عنها من أفكار سلفية وجعلها متأثرة دائماً بما يحدث في شبه جزيرة العرب.
ثانيا: المدخل الشمالي (عبر مصر)
عندما فتح المسلمون مصر كان شمال السودان ووسطه يعتنق المسيحية منذ القرن السادس الميلادي، وقد قامت فيه ممالك مسيحية ( [29] ) لعل أهمها مملكة المغيرة وعاصمتها "دنقلا" ومملكه علوه وعاصمتها " سوبا " وما أن استتب الأمر لعمرو بن العاص بعد فتح مصر سنة 624 م حتى سير حملة جنوباً لغزو النوبة المسيحية وفتحها باسم الإسلام، ولتأمين حدود مصر الجنوبية، ولكن هذه الحملة قوبلت بمقاومة عنيفة ولم تستطع التوغل جنوباً، كانت فرصة لتسرب بعض العرب إلي داخل السودان.
ونجد أن " عبد الله بن سعد بن أبي السرح " الذي خلف " عمرو بن العاص " في حكم مصر، استطاع بعد قتال شديد مع النوبة المسيحية أن يفرض عليهم معاهدة عرفت "بالبقط " يفسرها المؤرخون بأنها معاهدة حسن جوار، أو عدم اعتداء بتعبير حديث تحقق لمصر الإسلامية الاطمئنان علي سلامة أراضيها من ناحية الجنوب، واشترطت علي النوبة المسيحية حفظ مصالح المسلمين وحريتهم الدينية والتجارية ( [30] ) .
وتكاد المراجع التاريخية ( [31] ) تجمع علي أن الفترة اللاحقة لفتح مصر وسيطرة المسلمين علي شمال أفريقيا قد شهدت هجرات عربية واسعة للاستقرار في السودان.
وأصبح تدفق العرب إلي السودان مرتبطاً بالأحداث التاريخية والصراعات السياسية في الدولة الإسلامية، فقد عرف السودان اللاجئين السياسيين من العرب كبني أمية الذين فروا من وجه العباسيين إلي بلاد النوبة ( [32] ) التي تمتد من أسوان، وقد أطلق العثمانيون عليها أسم "أرض البرابرة " وتضم هذه المنطقة أجزاء في شمال وجنوب الحدود المصرية السودانية الحالية. ويعيش السكان فيها علي ضفتي النيل ويمثلهم حالياً: السكوت، والمحس، ويطلق عليهم أسم النوبيين المستعمرين، وكانوا في بداية الأمر زراعيين ( [33] ) يعيشون علي الشريط الضيق علي جانبي النيل أو في الجزر النهرية – وبعضها عظيم الاتساع نسبياً – وتروي من فيضان النهر بواسطة السواقي النهرية التي تعتبر من الممتلكات الهامة ( [34] ) .
وقد سيطرت قبيلتا الجوابرة والغربية علي المنطقة بين أسوان، ووادي، ونشروا سلطانهم علي كثير من القبائل الصغيرة ( [35] ) ، ثم حدث نزاع بينهما فاستنجدت قبيلة الغربية بالسلطان سليم الأول الذي أرسل سرية " من البوشناق ( [36] ) بقيادة حسن قوصي طردت الجوابرة إلي دنقلة، وأمتد بهذا النفوذ العثماني، وأسس البوشناق قلاعاً وأقاموا الحاميات وحملوا لقب " كشاف " وعرفوا بالغز، ومنحهم السلطان العثماني امتيازات ورثها أبناؤهم وأحفادهم ومنها: إعفائهم من شتي الالتزامات المالية التي فرضها السلطان سليم الأول علي أملاكه كلها، بل أجري عليهم معاشاً سنوياً. ورغم ذلك كان حسن قوصي يرسل ما يسمي بالميري سنوياً إلي والي مصر وان كان – في الواقع مستقلاً عنه.
وفي عهد الخليفة المعتصم العباسي أصبح يحكم مصر ولاه من الترك المنافسين للعرب، مما أقصي العرب عن مكانتهم المرموقة، وآثار في نفوسهم الامتعاض والتذمر، وأخذوا في الهجرة جنوباً إلي السودان، وزاد هذا التدفق في عهد المماليك في مصر، الذي شب صراع بينهم وبين العرب ونظروا إليهم كمتمردين وخارجين عن القانون مما دفع الكثير من القبائل العربية للهجرة إلي السودان واختلطوا بالسكان المحليين وانتشر دينهم ولغتهم ( [37] ) .
وكانت النتيجة الحتمية لكل هذا التدفق العربي الإسلامي إلي السودان والاستقرار فيه، ليس فقط تغير طبيعة الحياة الاجتماعية هناك، بل تخطاها إلي تغير الأوضاع السياسية أيضاً، فأمام تكاثر الهجرات العربية للنوبة " وحالة الفوضى التي أصبحت عليها المنطقة نتيجة غزوات سلاطين المماليك أيضاً، فقد استطاع هؤلاء العرب المسلمون بمساعدة من أسلم من النوبيين في القضاء سليماً علي الدولة المسيحية في دنقلة في أوائل القرن الرابع عشر الميلادي وأصبح الحكم في شمال السودان إسلامياً ( [38] ) .
وبسقوط دولة المغيرة في " دنقلة " وسيطرة القبائل العربية علي شمال السودان، انفتح الباب علي مصراعيه لتلك القبائل فتدفقت جنوباً، وأخذوا يكونون بيئاتهم القبلية ومجتمعاتهم ويتجمعون ويتوحدون، ودولة علوه تنتظر مصيرها المحتوم، وجاءت الخطوة الأخيرة في مستهل القرن السادس عشر الميلادي حين تحالف العرب المهاجرون من الشرق والشمال مع الفونج ( [39] ) القادمين من الجنوب أو الغرب وقضوا علي دولة " علوة نهائياً، انتهت بذلك ممالك السودان المسيحية، وأعلن رسمياً سيطرة الدين الإسلامي بقيام دولة الفونج الإسلامية والقبائل العربية المتحالفة معها في شمال وشرق ووسط السودان في عام 1504م ( [40] ) .
والحقيقة أن رواد الثقافة الإسلامية في السودان قبل قيام دولة الفونج كان معظمهم من التجار والبدو – وهم ممن تنقصهم المعرفة الدقيقة بالفقه الإسلامي ( [41] ) – والذين اهتموا بنشر الدعوة الإسلامية وكسب المسيحيين والوثنيين مركزين علي المبادئ العامة دون التفاصيل. ورغم مشاركة بعض العلماء لهاتين الفئتين إلا أن جهودهم ظلت محدودة، فيروي أن أول من أشتهر من هؤلاء العلماء هو الشيخ " غلام الدين بن عابد اليمني "( [42] ) في دنقلة، وأيضاً أولاد عون السبعة ( [43] ) ، الذين ظهروا في نواحي " أبو حليمة " على النيل الأزرق وتولي أحدهم منصب القضاء.
وقد شهد القرن السادس عشر الميلادي الانتشار الكبير للطرق الدينية والذي يرجع في الأصل إلي ضعف الحركة العلمية، وضعف الفقهاء وجمود معاهد العلم والتعليم واقتصارها علي الطريقة التقليدية التي تقوم علي الحفظ والتكرار، فضلاً عن أن خمول الحكومة الإسلامية في القرون الأربعة الماضية أوجد لدى الناس فراغاً كان لابد من ملئه، وكان لابد أيضاً للناس أن يجتمعوا حول شئ ما.
ويرتبطون به ويوثقون هذا الارتباط وإلا ازداد أمرهم سوءاً مما أدى إلي زيادة الإقبال علي هذه الطرق.
وفي رأي البعض أن السوداني فيما يبدو ميال إلي الاعتزاز بالانتساب إلي مجموعة معينة: إلي قبيلة أو حزب أو جمعية أو طريقة أو نقابة، أو لعل في نفسه إحساساً داخلياً يدفعه إلي الانتظام في سلك العبادة المنتظمة، وهو إحساس وليد أجيال أو قرون ( [44] ) .
مهما يكن من أمر فان نظام الطريقة كنظام القبيلة أو ككل نظام اجتماعي له تطوراته الخاصة، فالطريقة قد تتفرغ عنها طريقة أخري والاختلافات بصفة عامة ضئيلة بين الأصل والفرع ومما يستوقف النظر الزيادة الواضحة في عدد شيوخ الطرق الذين هم من أصل مغربي.
أما عن نشأة هذه الطرق فيرى البعض أن الإسلام في السودان في عهد سلطنة الفونج لم يتأثر بمصر بقدر تأثره بالحجاز وذلك بسبب قرب المسافة بين السودان والأراضي المقدسة. وكان من نتيجة ذلك أن كثيراً من السودانيين درس في مكة والمدينة.
ومن ناحية أخري قدم كثير من رجال الدين إلي سلطنة الفونج من مكة، وهذا الاتصال أدي إلي ظهور الطرق الدينية في القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي) ولم تكن هذه الطرق علي درجة من التنظيم كالتي نعرفها اليوم بل بدأت بأفراد من الصالحين قدموا إلي السودان، وأسسوا لأنفسهم (زوايا) أو خلوة ( [45] ) .
وقد ازدهرت هذه الطرق في ظل سلطنة الفونج إزهاراً كبيراً، ودليلنا علي ذلك هذه المجموعة الغنية من السير التي وردت في (طبقات محمد النور ود. ضيف الله) ، وهي تدل دلالة واضحة علي مدي قوة الأثر الذي خلفته تعاليمهم في البلاد ( [46] ) ، إذ وجدوا تربه خصبة بين السكان، ولم يلبث خلفاؤهم – وقد أصبحوا سودانيين - أن نالوا مكانة مرموقة لدي سلاطين الفونج في المسائل الدينية والسياسية علي السواء بل وبدأ الناس يلتمسون وساطتهم عن طريق صلتهم بالحكام، وازداد تعلقهم بهم ( [47] ) .
ويتهم البعض أغلب السكان في السودان بالجهل والأمية إذ أن سلاطين الفونج كانوا يؤسسون لدين جديد بعد القضاء علي مملكة علوة المسيحية – رحبوا بكل من يتحدث إليهم باسم الدين، فأدي ذلك إلي أن السودان لم يجتذب إليه العلماء النابهين فحسب بل جاء معهم أيضاً من يدعون العلم والمعرفة.
وقد اشتهر في الإسلام عدد من مؤسسي الطرق الدينية مثل عبد القادر الجيلاني (1079 – 1186م) من العراق وأبو الحسن الشاذلي (1196 – 1258 م) من المغرب وقد توفي في طريق عيذاب بين النيل والبحر الأحمر وهو في طريقه إلي الحجاز.
وقد وصلت الشاذلية إلي السودان علي يد الشريف أحمد أبو دنانه قبل سقوط مملكة علوة، واستقر في بربر سنة 849 هـ 1445م وبقيت الخلافة في سلالته.
أما الطريقة القادرية الجبلانية فقد وصلت بعد ذلك بقرن من الزمان حوالي سنة 1550 وقيل أيضاً أن أول خليفة لها في السودان هو إدريس أبن أرباب (1507 – 1561) وهو من المحس كما نالت الشاذلية أيضاً نفوذاً كبيراً أيام الفونج علي يد خوجلي ابن عبد الرحمن (المتوفى في 1743) وهو أيضاً من المحس وكان قادريا ثم أنضم للشاذلية لما زار مكة.
وبدأت الطريقة المجذوبية (وقد تفرعت عن الشاذلية) تنتشر في شمال السودان في بداية القرن الثامن عشر علي يد حمد بن محمد المجذوب الجد الأكبر للمجاذيب (1693-1776) وأصبحت لأسرته مكانة فيه في الدامر ( [48] ) .
وقد أورد لنا محمد ضيف الله في طبقاته تراجم وسير لمائتين من شيوخ هذه الطرق وما تردد عن معجزاتهم.
وفى الحقيقة يمكننا أن نقول أن آفة هذه الطرق هو ارتباطها في بعض الحالات بالخرافات وقد يرجع الكثير منها للأصول الوثنية التي كان عليها الناس قبل وصول الإسلام فبعض هؤلاء كان يدعي القدرة علي الرؤيا (vision) وهذه تلعب دوراً كبيراً في الحياة الدينية في السودان إلي الوقت الحاضر. وهي " رؤيا " بالتحليق في السماوات وأحياناً يدعون رؤيا النبي صلي الله عليه وسلم نفسه استناداً إلي الحديث الشريف الوارد في صحيح البخاري عن أنس أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " من رآني في المنام، فقد رآني حقاً لأن الشيطان لا يتمثل بي "( [49] ) وعلي ذلك فرؤيا النبي مصدقة لدي العامة من المسلمين. ولهذا الحديث أهميته، فإن المهدي محمد أحمد والخليفة عبد الله أيضاً من بعده سوف يلجأن للرؤيا لتبرير أعمالهما وقراراتهما.
بل وبعض هؤلاء كان يزعم بأن الشريعة التي تنطبق أحكامها علي عامة الناس لا تسري عليه، لأنه يرتبط بالله ارتباطاً وثيقاً ( [50] ) . ويطلق علي أمثال هؤلاء الملامتيه ( [51] ) .
وكان الملامتية في السودان كنظرائهم من ملاميتة البلاد الإسلامية الأخرى – حسبما جاء في طبقات ود ضيف الله ( [52] ) .
وأدعي لبعض أن لهم القدرة علي تحويل الماء إلي سمن وعسل وإلي اليوم يقولون في السودان عن الفقيه الماهر (هو فقي يروب ألما) وأشهر هؤلاء حسن ود حسونه المتوفى سنة 1664 وادعوا أنه كان لديه القدرة على ذلك ( [53] ) ، وإذا تناقل الناس ادعاءات قدرة الشيخ حسن ود حسونه، فليس من المستغرب بعد ذلك أن يؤمنوا بما كان يدعيه محمد أحمد والخليفة عبد الله من بعده برؤيا النبي صلي الله عليه وسلم. فالخليفة عبد الله أصدر منشور المعروف في بداية حكمة لتأييد حقه في الخلافة، وجاء فيه أنه ابتلع شعره من شعر المهدي عند مقبرته، وهي شعره لا تعدلها الدنيا بأكملها، فانكشف عنه الغطاء ( [54] ) .
هذه هي المرحلة الأولي التي مرت بها الطرق في السودان، أما المرحلة الثانية فقد جاءت نتيجة لحوادث دارت خارج السودان.
إذ بدأ أن مرحلة الجمود التي كان يمر بها العالم الإسلامي قد قاربت النهاية وظهرت حياة جديدة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ويرجع ذلك أصلاً إلي رد الفعل الذي أحدثه التوسع الاستعماري الأوربي في الدول الإسلامية مما أدي إلي ظهور طرق جديدة تلتزم بالاتجاه الجديد.
ففي عام 1800 دخلت السودان الطريقة السمانية علي أيدي أحد أفراد قبيلة الجموعية وهو أحد الطيب البشير ولم يلبث أن تبعه خلق كثيرون من بين أفراد الجموعية والكواهلة والحلاويين في الجزيرة ( [55] ) .
وكان شيخ هذه الطريقة وقت ظهور محمد أحمد هو الشريف محمد نور الدائم الذي كان شيخاً للمهدي ثم أنفصل عنه محمد أحمد واتخذ لنفسه طريقته الخاصة.
ولعل أحدا لم يحرز نفوذاً في السودان كما أحرزه السيد أحمد بن إدريس الفاسي (1760 – 1837) ، وهو أحد كبار المصلحين الذين تأثروا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وعمل أتباعه علي نشر طريقته بين المسلمين والوثنيين علي السواء، ورغم أنه أسس الطريقة الإدريسية التي لا تزال تمارس نشاطها في السودان ومركزها في دنقله، وهناك فروع لها في عسير تنتمي إلي هذه الطريقة، إلا أن تأثير أحمد بن إدريس الأكبر جاء عن طريق تلاميذه وهم:
1-
محمد المجذوب الصغير 1796 – 1832.
2-
محمد عثمان الميرغني 1796 – 1832، مؤسس الطريقة الميرغنية أو الختمية في الشمال والشرق، وهي واسعة الانتشار، وهي قد سبقت الفتح المصري بقليل، ومثل هذه الطرق كانت تعطف علي الحكم المصري، لأنها بحكم تكوينها ووجودها ليست سودانية بالمعني الوطني الحرفي، بل هي إسلامية لها أتباع وأسانيد وموارد خارج حدود السودان الضيقة، فالميرغني ولد في الحجاز عام 1793م، وحين زار السودان لأمور تتعلق بالطريقة في عام 1817 تزوج امرأة من دنقلة، وكان أبنه الحسن نائبه في السودان وخلفه عام 1853 م عقب وفاته، وقد ذهب محمد عثمان إلي أن طريقته قد أتت علي كل الطرق الأخرى وأتمتها ولذلك أعلن عليها (خاتم الطرق) ومنهما الختمية وهي أكبر منافس للمجذوبية.
3-
محمد بن علي السنوسي المتوفى في عام 1856 م، ولعله أشهر تلاميذ أحمد ابن إدريس، وأصله من الجزائر وانتقل إلي الجزيرة العربية واتصل بأحمد بن إدريس، ثم عاد إلي أفريقيا لينشر طريقته في ليبيا ( [56] ) .
وقد كانت هناك طريقة ثانية سودانية صرفة وهي الإسماعيلية التي أسسها إسماعيل بن عبد الله 1793 – 1863 في الأبيض بإذن من الشيخ محمد عثمان الميرغني، وكان خليفته محمد المكي من أكبر أنصار الخليفة عبد الله وقد انتشرت طريقته في بعض جهات كردفان ( [57] ) .
وقد كان للطرق تأثير كبير علي الناس لدرجة لم يكن من السهل عليهم قبول فكرة المهدى والمهدويه، ولكن ما أن عزز محمد أحمد دعوته بانتصاراته العسكرية المذهلة، حتى نقل الناس ولاءهم له.
وكان أول عمل للمهدية هو إلغاء الطرق كلها بعد أن أنكر شيوخها دعوته فضلاً عن أن هذه الطرق كانت تقاسم محمد أحمد الولاء والسلطة ( [58] ) ومحمد أحمد كان في الأصل تابعاً للطريقة السمانية، وكان يقول أن أتباع المهدي هم أتباع الني صلي الله عليه وسلم وخلاصة القول، أن تنظيم الحياة الدينية في السودان ظاهرة واضحة لا تزال تحتفظ بأهميتها حتى الوقت الحاضر، وكما رأينا فإن كثيراً من الطرق يرجع لأزمنة حديثة نسبياً وبعضها سبق الفتح المصري بقليل إن لم يكن دخل البلاد مع الفتح وعاصر الحكم المصري. ولا ينفرد السودان وحده بهذه الظاهرة التي تميز بها التاريخ الإسلامي في العصور الحديثة، حيث عمت الطرق الدينية وتعلق بها العامة بل وامتدت إلي بعض الخاصة أيضاً.
وإلى جانب هذه النزعة، هناك وجه آخر للحياة الدينية وهي ناحية الفقهاء ( [59] ) .
الفونج وصلاتهم بالجزيرة العربية:-
كان طبيعياً أن يصاحب قيام دولة إسلامية فى السودان ( [60] ) محاولات من القائمين على الحكم فيها لتوثيق علاقاتهم بالدول الإسلامية وخاصة فى النواحي الثقافية والدينية، لتبدأ حركة علمية تقوم بشرح تفاصيل الدعوة الإسلامية ومبادئها للناس لنهيهم عما يتعارض من عاداتهم ومعتقداتهم مع الإسلام والعقيدة الصحيحة.
وتتفق المراجع التاريخية ( [61] ) على أن الحركة العلمية والثقافية التي صاحبت قيام دولة الفونج كان مصدرها مصر والحجاز، وسوف نقصر حديثنا عن الحجاز فقط كمصدر لهذه الثقافة الدينية وذلك حسب مقتضى البحث.
فقد كان طبيعياً أن يرنو السلاطين دولة الفونج بأبصارهم إلى الحجاز وتوثيق علاقتهم به فبالإضافة إلى شرف الانتماء إلى آل البيت، فإن الحج إلى البيت الحرام كان أملاً يراود الملوك والعلماء والتجار والعامة وأيضاً التجارة وسهولة الاتصال مباشرة بالحجاز من سواكن عبر البحر الأحمر ( [62] ) ، كل هذا بلا شك أسهم في التشجيع على قيام علاقات ثقافية بين السودان والحجاز، وأثر مباشرة في انتقال الثقافة الحجازية إلى السودان بفضل بعض السودانيين الذين خرجوا من بلادهم إلى الحجاز يطلبون العلم، وأيضاً بعض المشايخ الذين وفدوا إلى السودان من الحجاز لنشر أفكارهم ومبادئهم.
ومن العلماء الذين تذكروهم الراويات والذين حضروا من الحجاز إلى السودان السيد " أحمد البيلي " الذي ولد فى مكة ودرس بالحرم المكي، ثم هاجر للسودان عن طريق جدة، وعبر البحر الأحمر عن طريق سواكن إلى أن نزل بمدينة " شندي " حوالي 932هـ /1526م ثم سار إلى " مروى " حتى أستقر فى " تنقاس "( [63] ) ، وتزوج هناك ويقال أنه نال تكريماً من الملوك ( [64] ) .
ومن العلماء أيضاً الذين وفدوا إلى السودان من المدينة المنورة الشيخ عيسى بن بشارة الأنصاري، والذي أسس مدرسة للتعليم بقرية " كترانج " التي تقع على الضفة اليمني للنيل الأزرق على بعد 36 ميلاً جنوب الخرطوم، وقد أقبل الناس على الشيخ عيسى وأبناءه وأحفاده يتلقون عليهم العلم، وكان الشيخ عيسى بارعاً فى المذهبين المالكي والشافعي ونابغة فى العلوم المعقولة والمنقولة ( [65] ) .
ويذخر طبقات " ود ضيف الله "( [66] ) بالعديد من العلماء السودانيين الذين ذهبوا إلى الحجاز سواء للحج أو للمجاورة والدراسة والتعليم، وكذلك من حضر من العلماء والشيوخ إلى السودان لنشر الدعوة الإسلامية والثقافة الدينية.
ولعل أشهر العلماء الذين قدموا من الحجاز إلى السودان على الإطلاق هو الشيخ " تاج الدين البهاري "( [67] ) الذي جاء إلى السودان تلبيةً لدعوة أحد التجار السودانيين المشهورين بتجارة الرقيق والثراء ( [68] ) .
ويقال أن الشيخ " تاج الدين " أستقر فى أرض الجزيرة بالسودان حوالي سبع سنوات، تمكن فيها من إدخال الطريقة القادرية الجيلانية وسلك العديد من المريدين، وقد قام هؤلاء بتسليك غيرهم بعد عودة شيخهم مرة ثانية إلى الحجاز ( [69] ) .
ومن أشهر من تتلمذ على يده من القائمين على الحكم فى السودان وقتذاك الشيخ عجيب الكبير ( [70] ) والذي كان له الفضل الكبير فى وضع أسس للحياة الإسلامية الثقافية فى السودان وجعلها تأخذ طابعها العلمي المنظم ( [71] ) .
ويرى د. حسن إبراهيم حسن أن أثر العلماء والشيوخ الذين حضروا من الحجاز إلى السودان فى عهد الفونج " فى أنهم لم يكتفوا بإنشاء الزوايا فى بلاد الفونج فقط بل عملوا على نشر الإسلام فى مناطق أخرى من السودان حيث مضى بعضهم صوب الغرب حتى بلغوا دار فور.
ولا شك أنه كان لموقع دار فور الفريد أثر كبير فى تنوع السلالات التي يضمها هذا الإقليم من ناحية، وتعرضه لمؤثرات ثقافية من ناحية أخرى.
وقد أمكن تقسيم هذه السلالات إلى خمس مجموعات:
المجموعة الأولي ومصدرها إقليم تبتي وما يليه من ناحية الغرب إلى أواسط الصحراء الكبرى وهي تضم القرعان والبدايات والزغاوة وهي تمتد بهذا الترتيب من الشمال إلى الجنوب حتى المنحدرات الشمالية لجبال مرة.
المجموعة الثانية ومصدرها إقليم النوبة وهي الميدوب ومركزهم جبل ميدوب على مسيرة ستة أيام شمال شرقي الفاشر والتنجر وتقع ديارهم إلى الشرق من جبل مرة وقيل أنهم كانوا يحكمون البلاد ثم أغتصبها منهم الغور.
المجموعة الثالثة وهي التي تأثرت بالهجرات والثقافة النوبية ولكنها لم تتأثر كثيراً بالدماء النوبية وهي تتألف من البرتي Berti ومركزهم جبل (تقابو) على مسيرة ثلاثة أيام إلى الشمال من الفاشر والداجو ومركزهم جبل داجو 0
المجموعة الرابعة وهي المجموعة الغربية ومصدرها الأقاليم الجنوبية من ليبيا أو ما كان يعرف باسم السودان الفرنسي الممتد حتى حوض نهر النيجر.
وتشتمل على عناصر من الفلاتا والميمة والبرتو والتكارنة المراريت وينتشرون بين كبكابية وكلكل.
المجموعة الخامسة وهي أقدم هذه المجموعات وتضم خمسة قبائل هي القمر ومركزهم يقع على مسيرة ثلاثة أيام إلى الشمال من كلكل ويليهم تماماً من جهة الغرب والجنوب الغربي الارتجا وهم فى نظر البعض جماعة واحدة ثم المساليط ويقعون بين الغور شرقاً ووادي غرباً ودار تاما شمالاً ودار سولا جنوباً.
وأخيراً الغور ووطنهم الرئيسي الجبال ومركزهم جبل مرة والأرجح أنهم أقدم هذه العناصر جميعأً ولعل هذا ما يبرر تسمية الإقليم باسمهم ( [72] ) .
ومن أوائل السودانيين الذين سافروا الحجاز فيما يعرف هو العجمي الذي جاور بمكة، وسكن فى رباط العباسي، وانقطع للذكر والعبادة ومات دون أن يتزوج ( [73] ) .
وأيضاً الشيخ عبد الله دفع الله العركي الذي حج أربعاً وعشرين حجة اثنتي عشرة ذهاباً وإياباً واثنتي عشرة جواراً وأشتهر هناك بالعلم ودرس في مكة وعاد إلى بلاده مرشداً للناس ( [74] ) .
وهناك فئة كانت تسافر للحجاز طلباً للعلم ( [75] ) والانتساب لطريق من الطرق الصوفية فالشيخ حمد المجذوب (1693-1776) ذهب إلى هناك، وأخذ الطريقة الشاذلية عن الفقيه " على الداروى " المغربي، وصار من مريديها في الحجاز، ثم نشرها بعد عودته بين مريديه من الجعليين وبعض البجة ( [76] ) .
و" محمد بن عدلان الحوشابي الشايقي " قرأ علم الكلام والمنطق والأصول على الفقيه " عبد الله المغربي " عالم المدينة المنورة، ثم قدم إلى " تنقاس" من دار الشايقيه، فقرأ بها القرآن، وكان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، وكان عالماً مجدداً ( [77] ) .
ونلاحظ أيضاً أن بعض علماء السودان قد أشاد بهم علماء الحرمين والحجاز فمثلاً الشيخ " جنيد ولد طه " أعطاه الله قبولاً تاماً عند الملوك والسلاطين " ولا سيما أهل الحرمين والحجاز وحده ( [78] ) وعبد اللطيف بن الخطيب عمار برع فى مجال التدريس هناك، وقد مدحه أحد علماء الحجاز، وقال عنه " عالم الديار السنارية وعلامة الأقطار الإسلامية ( [79] ) .
ولم يكتف السودانيين بالدراسة والتعليم فقط فى الحجاز ( [80] ) بل جلب الكثيرون منهم معهم من هناك العديد من الكتب العربية الدينية والثقافية فيقال أن الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ صالح بان النقى ملأ من الكتب التي طلبها من الحجاز ومصر ست خزانات ( [81] ) .
ويقال أيضاً أن " عمار بن عبد الحفيظ أحضر معه نحو رحلين أو ثلاثة من الكتب ( [82] ) .
إذن ثمة عوامل أدت إلى توطيد وتوثيق أواصر الصلة بين الحجاز والسودان اعتبارا من عهد الفونج تميزت برحيل علماء من السودان للحج والمجاورة والعلم والتجارة ثم العودة لنشر الثقافة الإسلامية بين السودانيين فقد كانوا فور عودتهم يبادرون بتأسيس الخاوي والمساجد ويعلمون فيها الناس القرآن والدين بالإضافة إلى بعض الشيوخ الذين حضروا من الحجاز إلى السودان لنشر مبادئ الشريعة الإسلامية.
عندما أعلن الشيخ محمد بن عبد الوهاب دعوته السلفية فى نجد لم يكن يقصد أن تكون حدود دعوته شبه الجزيرة العربية فقط، بل كانت دعوته عمومية للعالم الإسلامي كله ليعود إلى منهج السلف فى الدعوة والحكم، وكانت دعوة صريحة لرفض قيام نظام حكم مخالف للحكم الإسلامي فى ديار المسلمين.
لذلك عقب نجاح الدعوة فى قلب نجد، وتمكينها فى شبه الجزيرة العربية،بسيطرتها على الحجاز نهائياً سنة 1221هـ/ 1805م، انطلقت الدعوة من الحرمين لأهميتها الدينية عند المسلمين إلى بلاد الإسلام فى محاولة منها لتصحيح المفاهيم الخاطئة عن حقيقة الدعوة، وبالتالي نشرها فى أرجاء العالم الإسلامي.
وكان نصيب الجناح الأفريقي الإسلامي من نشر تلك الدعوة عظيم، حيث يتفق الباحثون والمؤرخون ( [83] ) على أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية لقيت استجابة سريعة في القارة الأفريقية، وخاصة شمال وشرق وغرب القارة ونطاق الصحراء الكبرى الأفريقية الإسلامية.
فإذا كانت هذه الاستجابة والانتشار لدعوة الشيخ فى أفريقيا، فماذا كان نصيب السودان؟ وهو الأكثر قرباً واتصالا بشبه الجزيرة العربية عامة والحجاز خاصة، ومن حمل إليه أفكار ومبادئ الدعوة، وكيف نفذت إليه؟
للإجابة على تلك التساؤلات سأقوم بعرض إحدى المنافذ التي انتقلت من خلالها الدعوة إلى داخل السودان وأقصد بها المنفذ الشرقي المتمثل فى " الحجاز وعسير " بحكم الجوار والاتصال، مستعرضاً دور الدعاة فى بث تلك الأفكار والمبادئ التي تدعو بالعودة إلى العقيدة الصحيحة، ونبذ البدع، ومظاهر الشرك.
المنفذ الشرقي " الحجاز وعسير"
لم يكن المسلمون فى السودان حكام ورعية قد سمعوا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية فور إعلانها رسمياً فى نجد، وأثناء توحيدها فى قلب شبه الجزيرة العربية على يد أنصار الدعوة ودور آل سعود، فمن الطبيعي أن يكونوا قد سمعوا بها وتساءلوا عن حقيقتها بعد الحرب الدعائية ( [84] ) الضخمة التي قام بها الأشراف فى الحجاز.
وترقبوا بين مادح وقادح للدعوة نهاية الصراع الحربي بين الأشراف فى الحجاز وأنصار الدعوة فى نجد والذي أستمر من سنة 1205هـ إلى سنة 1213هـ لمنع سيطرة الدعوة على الحرمين وانتشارها هناك، وكان طبيعياً أن يزداد التأييد والقبول أو الرفض والمعارضة من بعض السودانيين لأفكار ومبادئ الدعوة بعد سيطرتها نهائياً على الحجاز ( [85] ) .
وبسيطرة الدعوة نهائياً سياسياً ودينياً على الحجاز والمناطق المواجهة ( [86] ) لشرق السودان على البحر الأحمر منذ أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، كان من السهولة انتقال الأفكار والمبادئ السلفية عبر البحر الأحمر إلى منطقة شرق السودان وخاصة أنه لم يكن هناك شئ يمنع ذلك فى تلك المناطق البعيدة عن الحكومات المركزية.
كان الحجاز ومنطقة عسير أكثر مناطق شبه الجزيرة العربية اتصالاً بالسودان بحكم سهولة الاتصال وقرب المسافة، والإقليم الإداري الواحد ( [87] ) لذلك وجد أنصار الدعوة المتحمسين الفرصة أمامهم بعد سيطرتهم على الحجاز المنفذ الطبيعي لبث ونشر الدعوة إلى أقطار العالم الإسلامي وجدوا الفرصة لنشر مبادئهم ودعوتهم إلى السودان.
وقد تحولت المهدية من دعوة تدعو إلى تطهير المجتمع من مفاسده وتنادى بإصلاح الملة والعمل بالقرآن الكريم والسنة إلى دولة إسلامية قوية تقوم سلطاتها على أسس ثلاثة:
أولاً: القيادة العليا، وكانت تتمركز فى شخص محمد أحمد ذاته والخلفاء الثلاثة عبد الله بن محمد وعلى بن محمد حلو ومحمد شريف، بالإضافة إلى كبار قواد المهدية أمثال عبد الرحمن النجومي وعثمان دقنة ومحمد الخير
عبد الله خوجلي وحمدان أبو عنجة وغيرهم هذا فضلاً عن الأشراف أقارب المهدي.
ثانياً: النظام المالي الذي استحدثته المهدية وأمكنها بواسطته تصريف الشئون المالية والاقتصادية للدولة.
ثالثاً: النظام القضائي الذي كان مسئولاً عن الفصل فى المنازعات وإصدار الأحكام ( [88] ) .
القيادة العليا:
كانت أول وظيفة فى المهدية هي وظيفة نائب المهدي،ولقد ظهرت هذه الوظيفة فى جزيرة (آبا) وكان الذي يتولاها يقوم بالأعمال المدنية والعسكرية معاً، وقد ظهرت بعد حلول المهدي بقدير وظيفة الخليفة التي حلت محل نائب المهدي ( [89] ) ولو أن البعض يرى أن هذه الوظيفة ظهرت قبل أن يخرج المهدي من جزيرة آبا ( [90] ) .
وكان لفظ الخليفة يطلق على كل أعوان المهدي الذين يقومون بالإدارة العسكرية والمدنية بصرف النظر عن مكانتهم والأدوار التي يقومون بها، ثم جاء تحول كبير، إذ أجرى المهدي أول تعديل فى أنظمة الدولة، ومقتضى هذا التعديل أقتصر استعمال لفظ الخليفة على قادة الرايات مثل عبد الله وعلى حلو وشريف، وأبطل استعماله على غيرهم، واستخدم بعد ذلك لفظ " الأمير " بدل الخليفة للدلالة على باقي القواد، وكان المقصود من لفظ " الخليفة " فى التنظيمات الجديدة هو قيادة الراية وكان المهدي هو رأس هذا التنظيم والقائد الأعلى للجيش، ويليه فى المكانة والقوة شقيقه محمد عبد الله الذي تولى القيادة العامة وكان الخلفاء " قادة الرايات " مسئولين أمامه ( [91] ) .
ومن أشهر هذه الرايات: الراية الزرقاء ( [92] ) وكان يقودها الخليفة عبد الله والراية الخضراء ويقودها الخليفة على محمد حلو والراية الحمراء ويقودها الخليفة محمد شريف وكانت الراية الزرقاء تتألف من البقارة أهل الغرب،وقد تزايد عددها باستمرار وخاصة بعد الهجرة من آبا إلى قدير حتى بانت أكثر الرايات عدداً.
أما الراية الخضراء فكانت تتألف من قبيلتي دغيم وكنانة، وهم من البقارة النازلين بالجزيرة.
وأخيراً كانت هناك الراية الحمراء وتتألف من الأشراف والأنصار الذين ينتمون إلى القبائل التي تعيش على النيل أو بالقرب منه.
وكانت هناك أيضاً راية بيضاء هي راية المهدي نفسه وكان يقودها شقيقه محمد عبد الله وكانت بمثابة راية القيادة، ورغم أن القوات التي كانت تنضوي تحت لواء هذه الراية قد أدمجت فيما بعد فى قوات الخليفة شريف، إلا أن الراية ذاتها بقيت إلى أواخر عهد المهدية.
ويقال أنه كانت هناك راية صفراء كان المنة إسماعيل يرفعها إلى أن سقطت الأبيض، ثم عرضت على السيد محمد المهدي السنوسى، ثم طمسها النسيان بعد خلاف المنة مع المهدي، وبعد ذلك أضيفت قوات هذه الراية إلى الراية الزرقاء والتي يقودها محمد عبد الله.
وينبغي أن نشير هنا إلى تطور كبير حدث فى التنظيم الحكومي فى عهد المهدي عقب سقوط الأبيض الذي قتل فيه محمد عبد الله شقيق المهدي، كما قتل أيضاً كبار مستشاريه، وبذلك خلا الجو لعبد الله، ولم يعد الناس يذكرونهم إلا قليلاً، مع أن مركزهم فى الواقع كان أعلى من مركز الخليفة عبد الله وبقية الخلفاء حتى هذه الواقعة ( [93] ) .
ومما يلفت النظر أن مكانة الخلفاء الثلاثة قد ارتقت من حيث المراتب، وهذا التطور حدث بعد سقوط الأبيض، أما قبل ذلك، فرغم أن المهدي عنى بإيجاد نظام المراتب فى المهدية فإنه لم يخطط لها نظاماً تفصيلياً، واكتفى بوضع الحد الأدنى لهذه المراتب، فقال أن أدنى اتباعه له مرتبة.
وكان يلي الأمراء فى المرتبة العسكرية ضباط يحملون لقب " مقدم "( [94] ) وقد استبدله المهدي فيما بعد بلقب " نقيب ".
ويقول (هولت) أنه يبدو أن لفظ " نقيب " لم يلق قبولاً، وأستدل على ذلك بأن المنشورات كانت ترسل فى عهد الخليفة باسم " العملاء والمقاديم ( [95] ) هذا بالرغم من أنه توجد منشورات كثيرة صادرة عن الخليفة وموجهة إلى العملاء والنقباء.
وقد أشار (شقير) إلى أن المهدي أقام مجلساً للشورى يتألف من سبعة أمناء برئاسة أحد الأشراف للفصل فى المسائل الإدارية عقب سقوط الخرطوم، كانت قراراتهم تحمل ختم المهدي بعد موافقة الخليفة عليها ( [96] ) .
وليس هناك سوى أربع وثائق تحمل قرارات هذا المجلس فى تظلمات تقدم بها بعض سكان الخرطوم مما نزل بهم، ويرى (هولت) أن الشهور الستة ما بين سقوط الخرطوم ووفاة المهدي، كانت بلا شك كافية للبت فى هذه المطالب والتظلمات ( [97] ) .
النظام المالي:
يعد النظام المالي هو الأساس الثاني الذي قامت عليه الدعوة المهدية، وقد نشأت الحاجة إلى وضع نظام مالي بسبب الغنائم الوفيرة من أسلحة وذخائر ودواب وأموال وسلع ورقيق التي وقعت فى أيدي المهدية، وقد حاول المهدي أن يبين حكم الشرع أن الغنيمة هي ملك للجماعة الإسلامية توزع عليها حسب حاجتها وليست ملكاً للأفراد.
وبعد سقوط الأبيض بدأ من الواضح ضرورة وضع أساس لجهاز يدير الشئون المالية للدولة، وهو الذي أطلق عليه " بيت المال " وهو نفس الاسم الذي كان يطلق على الإدارة المالية فى العهود الإسلامية، ويبدو أن أحمد سليمان وهو من قبيلة المحس ومن أقرب المقربين للمهدي كان يتولى شئون بيت المال هذا، قبل أن يعلن المهدي توليته لهذا المنصب رسمياً فى جمادى الثانية 1300هـ (إبريل مايو 1883)( [98] ) وبعد انتصار شيكان، وضع المهدي أساساً لتوزيع الغنائم طبقاً للشريعة الإسلامية، فكان يناله شخصياً بوصفه قائداً للجماعة خمس الغنائم، ويوزع الباقي على هذه الجماعة أي يذهب إلى بيت المال (98) .
ويبدو أن المحاربين كان يخفون الغنائم ولا يقدمون عنها بياناً ( [99] ) ورغم تحذير المهدي من إخفاء الغنيمة، فقد استمروا يخفونها بعد وفاته وتوليه الخليفة بدليل المنشورات الكثيرة التي أصدرها الخليفة يحذرهم من ذلك.
ثم فرضت ضريبة العشر وهي الزكاة على الماشية والغلال، وقد طلب المهدي من الأصحاب والخلفاء بصفة خاصة أن يعاونوا عبد الله فى جمع الغنائم والزكاة من أجل بيت المال ( [100] ) وقد أطلق على هذه العملية "خدمة حقوق الله ".
النظام القضائي:
أخذت المهدية باعتبارها قائمة على دعوة دينية سلفية وعلى اعتبار أيضاً أن المهدي يقتدي أثر رسول الله صلي الله عليه وسلم ببعض النظم والوظائف القضائية التي عرفت في الدولة الإسلامية الأولي، وكان على رأس تلك الوظائف وظيفة " قاضى الإسلام " فبالرغم من أن المهدي كان القاضي الأعلى في دولته مثلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، إلا أنه أسند منصب " قاضي القضاة " أو قاضى الإسلام إلى الشيخ أحمد ودجباره ( [101] ) ، وجعل دونه قضاة ونوابا كثيرين ( [102] ) .
فانتشرت بذلك المحاكم الشرعية فى أقاليم المهدية المختلفة، وكان القاضي يأتي بالدرجة الأولي من حيث المرتبة بعد أمير الإقليم مباشرة ويتبعه إداريا، لأن المهدي كان يرى أنه ليس هناك حداً فاصلاً بين الدين والدولة متأسياً بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فى حكومتها الإسلامية، حيث يقول أحمد جمعة ( [103] ) ولم يكن حكام الأقاليم يشرفون على كل الأمور بمفردهم بل كان إلى جانبهم بعض الموظفين مثل قضاة الشرع الذين كانوا يقومون بإصدار الفتاوى فى الأحكام الشرعية، ويفصلون فى الخصومات التي تقع بين الناس ويشرفون على تنفيذ أحكام الدين فى الأقاليم.
وكان أيضاً قضاة المهدية ( [104] ) فى الأقاليم مستقلين فى أحكامهم، ويحكمون فى المسائل الشرعية الأهلية وينظرون أيضاً الدعاوى البسيطة التي لا تستلزم وقتاً طويلاً وكانت الدعاوى الكبيرة أو الشائكة ترفع إلى قاضى الإسلام فى أم درمان.
ورغم أن فترة حكم الخليفة عبد الله شهدت تداخلاً واضحاً فى شئون القضاء، إلا أن مصادر أحكام المهدية ( [105] ) كانت قائمة على الشرع وتستند إلى الكتاب والسنة، واجتهادات المهدي، فنفذت الحدود الشرعية، فرجمت الزاني والزانية، وجلدت شارب الخمر، وقطعت يد السارق ( [106] ) .
وفى النهاية يمكن القول أن أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية فى دعوة المهدي الإسلامية والتي لاحظنا أن المهدي التزم فيها تماما بالعودة إلى " مجتمع " السلف ونظمه وتشريعاته ظهر واضحاً، وظهر المهدي بما أقدم عليه من نظام إسلامي للحكم متأسياً بما نفذته دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فى قلب شبه الجزيرة العربية.
الخاتمة:
أهم النتائج التي توصل إليها الباحث:
أن الصلات والعلاقات بين شبه الجزيرة العرب وسودان وادي النيل عميقة الجذور موغلة فى القدم فبعيداً عن النظريات التي تقول بغياب الحاجز المائي (البحر الأحمر) وبوحدة أصل سكان المنطقتين منذ فجر التاريخ واعتبارهم منطقة واحدة، فقد تأثرت أجزاء كبيرة من سودان وادي النيل عبر عصور التاريخ وقبل إعلان الإسلام بما يحدث بشبه جزيرة العرب بحكم الجوار وسهولة الاتصال، وبفضل الانتقال والاستقرار السلمي للعرب الذين انتقلوا بعقائدهم ثقافتهم إليها، وأصبحت تلك المناطق شبه عربية قبل ظهور الإسلام فى جزيرة العرب.
ثم ازدادت وتطورت الصلات والعلاقات بينهما بفضل قوة الدعوة الإسلامية التي نهضت فى جزيرة العرب منذ القرن السابع الميلادي ونفذت إلى سودان وادي النيل عبر عدة قرون من خلال انتقال كثير من القبائل العربية وبطونها واستيطانها مناطق واسعة من السودان، بالإضافة إلى محاولات القوى الإسلامية المستمرة لمد نفوذها وسيطرتها على تلك المناطق، وتمثل ذلك فى نشر العقيدة الإسلامية وما صاحبها ونتج عنها من أفكار سلفية وجعل تلك المناطق متأثرة دائماً بما يحدث فى شبه جزيرة العرب.
وبقيام سلطنات إسلامية فى سودان وادي النيل منذ أوائل القرن السادس عشر الميلادي كان طبيعياً أن يصحبها محاولات من حكام تلك السلطنات وعلى رأسهم سلاطين دولة " الفونج " لتوطيد وتوثيق علاقاتهم مع دول العالم الإسلامي وخاصة " الحجاز " باعتباره مهبط الوحي ومنبع الدعوة والحرمين، وخاصة فى النواحي الدينية والثقافية لتبدأ حركة علمية تقوم بشرح تفاصيل الدعوة الإسلامية ومبادئها للناس لنهيهم عما يتعارض من عاداتهم ومعتقداتهم مع الإسلام والعقيدة الصحيحة، وتميز توطيد وتوثيق الصلات الثقافية بين المنطقتين برحيل علماء السودان للحج والمجاورة والعلم والتجارة ثم العودة لنشر الثقافة الإسلامية بين السودانيين من خلال تأسيس الخلاوي والمساجد والمدارس الدينية، بالإضافة إلى بعض الشيوخ الذين حضروا من الحجاز إلى السودان لنشر مبادئ الشريعة الإسلامية،وكان لهذا أثره المباشر فى انتقال الثقافة الإسلامية التي تميز بها الحجاز فى هذا العصر، وانتشار الإسلام في المجتمع السوداني.
وقد كان معظم العلماء الذين أرسو قواعد الشريعة الإسلامية فى السودان (طوال حكم الفونج) من العلماء الذين لهم نزعة إسلامية وغلبت عليهم جميعاً الروح السنية، مما جعلهم قريبين من الإسلام الصحيح بانتهاجهم الشريعة الإسلامية القائمة على الالتزام بالكتاب والسنة وأقوال وأفعال السلف الصالح.
وفى تلك الأثناء التي سيطرت فيها الثقافة الإسلامية على الحجاز والسودان على حداً سواء وتميزت بالارتباط الثقافي الوثيق بينهما، وتأثر السودان الثقافي بما يحدث بشبه جزيرة العرب وخاصة الحجاز، قامت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية فى نجد بقلب شبه جزيرة العرب وتوطدت دعائمها طوال النصف الثاني من القرن 18م، فى الحجاز والمناطق المواجهة لشرق السودان على البحر الأحمر منذ أوائل القرن 19م، وباعتبار أن السودان كيان إسلامي قريب الصلة والتأثر بما يحدث فى الحجاز وشبه جزيرة العرب عموماً فكان طبيعياً أن تظهر فيه أصداء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، فلم يكن هناك ما يمنع انتشار أفكار ومبادئ الدعوة إلى تلك المناطق البعيدة وقتذاك عن الحكومات المركزية والمرتبطة ثقافياً بما يحدث فى الحجاز، وقد كان طبيعياً أن يستغل أنصار دعوة الشيخ مواسم الحج وتوافد الحجيج على الحرمين ومنهم بلا شك حجاج السودان الذين كانوا ينقلون بسهولة مباشرة من موانئ السودان الشرقي إلى الحجاز ليوضحوا حقيقة دعوتهم والدعوة لأفكارهم ومبادئهم بين فئات الحجيج.
ومن هنا بدأت الدعوة السلفية في الانتشار إلى السودان،واستطاعت أن تنفذ فيه أيضاً بفضل بعض رجال مصلحين، وتحول الإسلام بفضلهم إلى دعوات إيجابية تميزت بتأثرها بما يجرى على الساحة الإسلامية من دعوات للإصلاح، وقد كان لهؤلاء الفضل الأكبر فى تقبل كثير من السودان لأفكار ومبادئ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية (التي يتفق الباحثون على أنها لقيت استجابة سريعة فى القارة الأفريقية وقتذاك) تحت ستار إصلاحي ملتزم بالكتاب والسنة.
وإذا كانت دعوة الشيخ السلفية قد نفذت مباشرة إلى السودان عن طريق استغلال مواسم الحج والدعاة وبفضل دور بعض رجال إصلاحيين، إلا أننا لا يمكن أن نغفل طريق أخر غير مباشر نفذت منه أيضاً تلك الأفكار والمبادئ وهو الفتح المصري للسودان الذي ساهم بما قدمه من تسهيلات ودعم لزيادة أعداد السودانيين الدراسيين فى الأزهر وفتح أمامهم باب الاتصالات والتأثر بما يحدث فى عالم الإسلام من دعوات إصلاحية، بجانب الدعم والتشجيع لبعض رجال الطرق الإصلاحية لنشر أفكارهم ومبادئهم فى السودان بالإضافة إلى تشجيع القائمين على العملية التعليمية هناك وعدم التدخل فيها، والإصلاحات التي أدخلت فى مجال المواصلات.
كل هذا ساهم بلا شك وسّهل للعلماء والدعاة التنقل بين أرجاء السودان الفسيح ويسر نقل لأفكار والمبادئ والدعوات الإصلاحية سواء من مصر أو من الحجاز، وانتشارها فى سودان وادي النيل.
وكان نتاج ذلك كله أن استطاعت دعوة الشيخ محمد عبد الوهاب النفاذ إلى السودان برغم سيطرة الأفكار الأخرى على الحياة الفكرية حينذاك، ولكن مع دعوة محمد أحمد تهيأت فرص أكبر لدخول وانتشار الأفكار والمبادئ السلفية إلى سودان وادي النيل كنتيجة طبيعية لاستمرار واستقرار وإعادة نشاط وبث دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية من جديد بفضل أنصارها ومؤيدها فى شبه جزيرة العرب وعلى رأسهم آل سعود بانتهاجهم الحكم الإسلامي القائم على مبادئ الشريعة الإسلامية وتعاليم الدعوة.
أما النتائج التي ترتبت على تأثر الدعوة المهدية بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فيمكن تلخيصها فيما يلي:-
أولاً: اتفق أصحاب الدعوتين في الأساس الفكري السلفي الذي قامت عليه دعوتيهما فالسلفية عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب كانت تراثها في فكر أحمد بن حنبل وأبن تيمية الوقوف عن ظواهر النصوص الدينية، جعل المعاني المستفادة من هذه الظواهر المرجع في كل أمور الدين وأمور الدنيا فهي قد وقفت عند مفهوم الإسلام كدين، كما كان الحال هذا المفهوم في عصر البساطة قبل التطورات العلمية والإضافات العقلية التي استدعتها صراعات الأمة الفكرية مع الملل والنحل غير الإسلامية بعد الفتوحات.. ومن ثم فإن الدعوة بهذا المعنى وتعتبر كل ذلك " بدعاً " طرأت على الإسلام، كما فهمه السلف الصالح ".
أما فكر المهدي أيضاً فقد اتسم بالسلفية بمعنى العودة إلى النصوص الأصلية، كتاباً وسنة وأسقط خرافات العصور الوسطى وإضافاتها التي حجبت الجوهر البسيط والمتقدم للدين، ثم أنه قد أعلى من قدر " المصلحة " وفتح الباب واسعاً للاجتهاد والمحكوم بالمصالح المتجددة على هدى من الكتاب والسنة فهو يعلن أنه " يتبع آثار من سلف فى التوحيد، وهي التي تنكر الوسائط والتوسل بالأولياء الصالحين أحياء كانوا أم من الأموات 000".
أي أن الدعوتين اتفقتا تماماً فى الأساس الفكري السلفي والدعوة إلى تصحيح العقيدة الإسلامية وتطهيرها مما علق بها من مظاهر الشرك والبدع والخرافات، والعودة بالإسلام إلى ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين، ثم إقامة مجتمعإسلامي متكامل فى ظل دولة إسلامية تؤمن بالإسلام عقيدة وعبادة وشريعة ومنهج حياة، وتطبق أحكامه فى جميع شئونها.
ثانياً: تشابه الدعوتان فى النشأة، فدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب نشأت ونمت وانطلقت من منطقة نائية فى قلب شبه الجزيرة العربية، وكذلك دعوة المهدية اختارت مكاناً نائياً منذ كانت فى " آبا "، وكلاهما ظل فترة من الزمن يدعو سلماً بالمواعظ، والكتب،والوفود والرسائل، وذلك لتبيلغ الدعوة وإزالة الشرك والبدع 0
ثالثاً: اتفقت الدعوتان أيضاً فى " العمومية " بمعنى أنهما لم تكونا موجهتين فقط إلى الجماهير فى كل من سودان وادي النيل وقلب شبه الجزيرة العربية، بل كانتا موجهتين إلى المسلمين كافة، فقد حاول أنصار الشيخ محمد ابن عبد الوهاب الخروج بالدعوة من قلب الجزيرة العربية وحاولوا نشر عقيدتهم ومبادئهم فى أقطار العالم الإسلامي المختلفة واستطاعوا تحقيق نجاحات فى ذلك المجال، وحاولت المهدية بث ونشر دعوتها أيضاً خارج حدود السودان وخاطبه زعماء العالم الإسلامي وقتذاك عامة، وسلطنات غرب السودان الإسلامية خاصة وحققت بعض النجاح فى ذلك.
رابعاً: استطاعت الدعوتان أن تقيم دولة إسلامية قامت على أساس من تطبيق الشرع، فقد استطاعت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بفضل مناصرة أمراء آل سعود أن تقيم دولة إسلامية قام حكمها على أساس من تطبيق حدود الشريعة الإسلامية، واستطاعت أيضاً المهدية أن تقيم دولة إسلامية فى سودان وادي النيل قامت على تطبيق الحدود الشرعية، فقطعت يد السارق ورجمت الزاني وجلدت شارب الخمر وجلدت على السب.
خامساً: اتفقت الدعوتان بعد أن استطاعت أن تقيم نظاماً إسلامياً، فى محاربة البدع ومظاهر الشرك وتبسيط الحياة فى مجتمعاتهما وردها إلى ما يشبه الحياة الإسلامية فى صفائها الأول أيام الرسول صلي الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين واستطاعت الدعوتان تحقيق نجاحات فى ذلك.
سادساً: ومن أوجه الخلاف التي تمثلت فى نتائج الدعوتين نستطيع أن نقول أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية استطاعت بفضل الله سبحانه وتعالي أن تنتشر فى أرجاء كثيرة فى العالم الإسلامي، واستطاعت أيضاً بفضل أمراء آل سعود أن يكون لها دور فى دولة مازالت قائمة حتى الآن تنفذ تعاليم الدعوة وهي المملكة العربية السعودية.
لكن دعوة المهدية رغم انتصارها السريع في محاولة إقامة مجتمع سوداني واحد في حياة المهدي بفضل شخصيته إلا أنها لم تستطع الاستمرار مع خليفة المهدي وسقطت بعد سنوات قليلة.
الهوامش والتعليقات
(1)
محمد محمد أمين: العلاقات العربية الأفريقية (دراسة تحليله في أبعادها المختلفة) معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة 1978، ص 31.
(2)
البجة أو البيجة أو البجاه هم سكان شرق السودان ويقال أنهم من أقدم الشعوب في أفريقيا بعد السود، وهم ينقسمون إلي أربعة أقسام رئيسية في الصحراء الشرقية للسودان ما بين النيل والبحر الأحمر (البشاريون والأمراء، والهدندوه، وبني عامر) .
أنظر: نعوم شقير: تاريخ السودان الحديث وجغرافيته، طبعة أولي القاهرة سنة 1903، ج 1 (م ص49 إلي ص 56) وأيضاً يوسف أبو قرون: قبائل السودان الكبرى، الخرطوم 1969م من ص 59 إلي ص 74.
(3)
عبد العزيز حسين الصاوى، محمد علي جادين: الثورة المهدية مشروع رؤية جديدة، الخرطوم بدون تاريخ ص 10.
(4)
عبد الرحمن حسب الله الحاج: العلاقات بين بلاد العرب، وشرق السودان منذ ظهور الإسلام حتى ظهور الفونج (رسالة ماجستير غير منشورة) بجامعة القاهرة سنة 1980، ص 7.، وأيضاً محمد محمد أمين: المرجع السابق، ص 58.
(5)
محمد محمد أمين: نفس المرجع ص 31.
(6)
أنظر: عبد المجيد عابدين: تاريخ الثقافة العربية في السودان منذ نشأتها إلي العصر الحديث، القاهرة سنة 1967 م ص.10.
عبد القادر محمود: الفكر الصوفي في السودان مصادره وتياراته وألوانه، القاهرة 1969، ص 41 محمد عوض محمد: السودان الشمالي سكانه وقبائله، القاهرة 1951 م، ص 159
(7)
بجانب هذين الطريقين أو المدخلين هناك طريق ثالث دخلت منه الثقافة الإسلامية إلي السودان أيضاً ولكنه متأخر نوعاً ما هو الطريق الشمالي الغربي والذي ظهر عقب ارتداد المسلمين بعد طردهم من الأندلس في القرن الخامس عشر الميلادي.
(8)
عبد الرحمن حسب الله الحاج: المرجع السابق ص 13، محمد عوض محمد: المرجع السابق ص 209.
(9)
محمد فؤاد شكري: الحكم المصري في السودان، القاهرة 1947 م، ص 77
(10)
انظر ملحق الخرائط خريطة مملكة تقلى، ص 661.
(11)
Read، Some Notes on the Trides of the white Nile Province، S.N.R.،
1930، P. 149.
(12)
أنظر ملحق الخرائط، الخريطة التي تبين القبائل وأهم المدن في الدولة المهدية، ص662
(13)
حسن أحمد محمود: الإسلام والثقافة العربية في أفريقية، طبعة ثانية، القاهرة 1963، ج 1، ص 310.
(14)
محمد عوض محمد: نفس المرجع السابق، ص 143.
(15)
يوسف فضل حسن: مقدمة في تاريخ الممالك الإسلامية في السودان الشرقي (1450-1821) طبعة ثالثة، الخرطوم 1989، ص 1، 2
كذلك نعوم شقير: المصدر السابق ج 1 ص 60، محمد عوض محمد: نفس المرجع، ص 159.
(16)
جزائر دهلك تقع تجاه الجنوب الشرقي من سودان وادي النيل وهي مجموعة أهمها
(دهل وحرات وكباري ودركة ونوره ونقره وعرات) . أنظر: إبراهيم علي طرخان: الإسلام والممالك الإسلامية الحبشية – المحلة التاريخية المصرية مجلد 8 سنة 1959 م (ص1 إلي ص68) ص 30.
(17)
يقال أنه جمع العديد من قادة المعتزلة وأهل العدل والتوحيد ونفاهم إلي هناك.
انظر محمد عمارة: تيارات الفكر الإسلامي طبعة أولي، القاهرة 1983 م، ص110.
(18)
انظر ملحق الخرائط خريطة قبائل البجة الرئيسية ومواطنها في السودان الشرقي.
(19)
Holt، The Mahdist State in the Sudan، Oxford 1958، P.8.
(20)
يطلق عليهم في المراجع الأجنبية الأمراء.
(21)
انظر جريدة القاهرة العدد 1032 الصادر في 4 يونيو 1889.
(22)
G.E.R. Sanders، The Bisharin، Sudan Notes & Records (S.N.R.) ، Part
II، vol.XVI، 1933.
(23)
انظر ملحق خريطة الإمبراطورية المهدية، ص 664.
(24)
حسب الله محمد أحمد: قصة الحضارة في السودان (الفترة التاريخية من 3400 ق. م إلي سنة 1900م) بيروت سنة 1966 ص 216.
(25)
محمد صالح ضرار: تاريخ السودان – البحر الأحمر اطعنا البجه، بيروت ستة 1965م، ص108.
(26)
كان السلطان العثماني بعد ضم الحجاز وتلقيبه (حامي الحرمين الشريفين) قد منح أهل الحرمين عدة امتيازات منها عدم تجنيدهم، وعدم تحصيل أي رسوم أو عوائد أو ضرائب سواء من الأهالي الحضريين أو أهل البادية، وجعل مرتبات سنوية للأشراف وزعماء العشائر 00 الخ) .
انظر. محمد صالح ضرار، المرجع السابق، ص 115 وما بعدها.
(27)
محمد عوض محمد، المرجع السابق ص 156.
(28)
أنظر ملحق الخرائط خريطة توزيع القبائل في سلطته دارفور شرقي السودان، ص
(29)
المزيد من التفاصيل عن الممالك المسيحية في السودان قبل إعلان السيطرة الإسلامية، أنظر: مصطفي مسعد: امتداد الإسلام والعروبة إلي وادي النيل الأوسط، المجلة التاريخية المصرية، مجلد 8 سنة 1959م، ص 69 إلي ص 99.
حسن أحمد محمود: المرجع السابق ص 304 ص 328.
(30)
مصطفي مسعد، المرجع السابق ص 71، حسن أحمد محمود، المرجع السابق ج1 ص310.
(31)
للمزيد من التفاصيل انظر: حسن إبراهيم حسن: انتشار الإسلام والعروبة فيما يلي، الصحراء القضاة شرق القاهرة الأفريقية وغربها – جامعة الدول العربية، للقاهرة سنة 1957، (ص 80 إلي ص 90) وأيضاً حسن أحمد محمود، المرجع السابق، ص 300 – 333) ، حسب الله محمد أحمد: المرجع السابق (175 – 185) .
(32)
حسن إبراهيم حسن: المرجع السابق ص 96، يوسف فضل حسن: المرجع السابق ص 46.
(33)
جلال يحي: مصر الأفريقية والأطماع الاستعمارية في القرن التاسع عشر، القاهرة 1967 م، ص 41.
(34)
الشاطر بصيلي: معالم تاريخ سودان وادي النيل القاهرة 1955 م، ص 302
(35)
بوركهارت: رحلات إلى النوبة والسودان،ترجمة فؤاد أندراوس، القاهرة 1959م، ص 117
(36)
البوشناق من اطعنا البوسنة بيوغوسلافيا
(37)
انظر:حسن أحمد محمود، المرجع السابق، ص 321، محمد سليمان: المرجع السابق ص 16.
(38)
لمزيد من التفاصيل انظر: حسن إبراهيم حسن: المرجع السابق (ص 100 – 104)
(39)
لازال أصل الفونج وموطنهم الأصلي يشكل تحدياً كبيراً للباحثين في تاريخ السودان الحديث، فيرجعون موطنهم وأصلهم العربي إلي واحدة من ثلاث مناطق: بلاد الحبشة، وبلاد البرنو، ومنطقة الشلك علي النيل الأبيض، أنظر في ذلك يوسف فضل حسن. المرجع السابق، الفصل الثالث " أصل الفونج وموطنهم من (ص 39 إلي ص 59) .كذلك انظر ملحق الخرائط خريطة سلطنة الفونج والممالك والمشيخات التي كانت تابعة لها ص 666.
(40)
كان المسلمون في السودان قد استطاعوا تأسيس سلطنة إسلامية في غرب السودان حملت أسم " سلطنة دارفور، وقد تأسست علي يد سليمان سولون الأول (1440 – 1476) م. انظر نعوم شقير المرجع السابق، ج 2 ص 113 وما بعدها.
(41)
انظر ملحق الوثائق مخطوطة الفونج للشيخ إبراهيم عبد الدافع التي تم كتابتها عام 1884م، ص 656.
(42)
للمزيد من التفاصيل عن الشيخ " غلام الدين " ورواد الثقافة الإسلامي، أنظر د. يحي محمد إبراهيم: تاريخ التعليم الديني في السودان. طبعة أولي بيروت سنة 1987 ص 33.
(43)
للمزيد من التفاصيل عن أولاد عون انظر: مصطفي مسعد، المرجع السابق ص 93 وما بعدها.
(44)
محمد عوض محمد: المرجع السابق ص 18
(45)
الخلوة أكثر الكلمات التي تطلق في السودان علي معاهد التعليم. ولهذه الكلمة تاريخ قديم يرتبط بمعناها اللغوي. فهي في اللغة تفيد الانفراد والوحدة وقد أطلق الصوفية (الخلوة) علي محادثة السر مع الحق وعلي المكان الذي تحصل فيه المناجاة والمحادثة، وهي بهذا المعني الشائع بين طبقات الصوفية معروفة في السودان، فللرجل الصالح خلوة ينفرد فيها بنفسه لتبداته ومناجاة ربه، وإطلاقها هنا علي معاهد التعليم أنفرد بها السودان وحده. وكانت (الخلوة) في السودان تقوم مقام (الزاوية) في مصر أو المغرب ويعلل البعض أحجام السودانيين علي إطلاق لفظ الزاوية علي مكان التعبد والتعليم إلي أنه لما ظهر السودان الإسلامي في أوائل القرن السادس عشر كانت الزوايا قد ساءت سمعتها وأصبح أهلها ممن يشترون الدنيا بالدين، فأبى السوداني المتقشف البدوي المحافظ أن يطلق هذا اللفظ علي مكان تعبده وانقطاعه لله ولتعليم العباد وأثر استعمال كلمة خلوة لما تدل عليه من العزلة والانصراف عن شئون الدنيا ولذاتها. أنظر: عبد العزيز عبد المجيد: التربية السودانية. القاهرة 1947 ج1 ص 98 – 100، كذلك أنظر ملحق الوثائق اهتمام الحكام بإنشاء الزوايا والخلوات ص
(46)
محمد ضيف الله محمد الجعلي الفضلي. الطبقات في خصوص الأولياء والصالحين والعلماء في السودان، القاهرة 1930 ص 142
(47)
Trimingham ، Islam in the Sudan، London 1949، pp. 195 – 96.
(48)
في صيف 1814 م وصل الرحالة السويسري بوركارت إلي الدامر وأعجبته نظافة البلدة التي كان يسودها جو من الصلاح والتقوى، فالسيادة فيها كانت لرجال الدين وينتمون جميعاً لأسرة سماها خطأ (المجد ولين) وصحتها (المجذوبين) نسبة إلي حمد بن المجذوب، ولهذه الجماعة فضل كبير في نشر التعاليم الإسلامي في السودان (أنظر Burckhardt، J.، Travels in Nubia، London 1819، P.265. وقد فر حفيده محمد المجذوب (1796-1832) إلي مكة أمام الفتح المصري وعاد إلي سواكن 1830 ونشر تعاليمه في شرقي السودان وأصبح له نفوذ كبير لدي الجعليين والبجه علي السواء وسوف يجد عثمان دقنة قائد المهدية في شرق السودان تأييداً كبيراً من شيخ الطريقة في سواكن الطاهر الطيب المجذوب 1822 – 1890.
(49)
صحيح البخاري: الجزء الرابع ص 135
(50)
Trimingham، op. Cit،، pp. 132 -135
(51)
أصل (الملامتيه) قوم تعودوا فعل ما يجلب عليهم من الخلق السخط والازدراء ويرسل ألسنتهم بالذم والتأنيب، أوهم قوم قاموا مع الحق تعالي علي حفظ أوقاتهم ومراعاة أسرارهم فلاموا أنفسهم علي جميع ما أظهروا من أنواع التقرب، وأظهروا للخلق قبائح ما هم فيه وكتموا محاسنهم.
وقيل أنهم سموا كذلك لأنهم لا يظهرون ما ببواطنها علي ظواهرهم، ويعمدون إلي التستر والاستغناء وراء مظاهر تستدعي أن ينعي الناس عليهم ويفضوا من شأنهم ولكنهم لا يعنيهم من ذلك شي " بل الذي يعنيهم هو الاجتهاد في تحقيق كمال الإخلاص ووضع الأمور في مواضعها، والاكتفاء بما بينهم وبين الله من حبب وتودد وما بينهم وبين أنفسهم من موافقة إرادتهم وعلمهم لإرادة الله وعلمه بحيث لا ينفون الأسباب ولا يثبتونها إلا في محل يقتضي نقبها أو ثبوتها. أنظر محمد مصطفي حلمي: الحياة الروحية في الإسلام – القاهرة 1945، ص 177.
(52)
طبقات ود. ضيف الله مرجع سابق ص 142
(53)
Trimingham، op. Cit.، p. 138.
(54)
Wingate، R.، Mahdiism and the Egyptian Sudan، London، 1899، PP.
229-
33; Holt، op. Cit.، p.123
(55)
شقير: المرجع السابق ج 3 ص 613 – 614
(56)
السنوسية طريقة تخلو من التعقيد وتؤكد الكتاب والسنة والتوحيد وهي جماعة تعليم للدين أكثر منها أي شئ آخر لذلك ابتعدت عن المدن ودخلت الفيافي واتصلت بالبدو وشيدت الزوايا وهي بمثابة مراكز دينية يتبعها أمن وانتظام في المعاملة وزراعة واستغلال لموارد الطبيعة، وقد أحرزت السنوسية نجاحاً كبيراً في الصحراء وفي دفع الأوربيين.
أنظر محمد فؤاد شكري: السنوسية دين ودولة، القاهرة 1948، ص 150، أيضاً:
Evans. Pritchard، The Sanusi of Cyrenaica، Oxford، 1949، P. 235.
(57)
Trimingham، op. Cit،. P.200; Holt، op. Cit.، p. 20
(58)
Wingate، op. Cit،. P. 48.
(59)
المقصود هنا العلماء الذين قاموا علي دراسة الدين والشريعة الإسلامية دراسة علمية في معاهد العلم. ويطلق لفظ (فقيه) علي الشخص المثقف أو الحجة في مادته. وقد حرف اللفظ في السودان إلي (فقي) دون أن يتناول معني واحداً. وجمع (فقي) ليس
(فقهاء) كما نتوقع أنما (فقراء) يقال: " فلان ودر كل ماله علي الفقراء أي اضاع ماله علي الفقهاء. كما تطلق كلمة (فقي) في السودان أيضاً علي معلم الكتاب أو الخلوة، وتطلق أيضاً علي الرجل إذا كان شديد الورع والتقوى أو علي الشخص الذي يعالج المرضي أنظر:
Triminghnm، op. Cit. ، pp. 140-41
(60)
انظر ملحق الخرائط مملكة الفونج، ص 667.
(61)
المزيد من التفاصيل عن أثر بعض البلدان الإسلامية على الحركة العلمية الثقافية فى عهد الفونج: انظر:
عبد المجيد عابدين:المرجع السابق ص 56، 57
حسن إبراهيم حسن:المرجع السابق، ص 152، 154
يحي محمد إبراهيم:المرجع السابق، ص 42، 44
(62)
انظر ملحق الخرائط خريطة الطرق التجارية، ص 668.
(63)
إحدى قرى المديرية الشمالية بالسودان (ديار الشافعية)
(64)
يحي محمد إبراهيم:المرجع السابق ص 46
(65)
عز الدين الأمين: قرية كترانج وأثرها العلمي فى السودان (مجلة الدراسات السودانية، مجلد 2، عدد أول مارس سنة 1970م (من ص 48 إلى ص 70)
(66)
ولمزيد من التفاصيل عن الطبقات انظر: مقدمة التحقيق، وأيضاً: الذيل والتكملة: رجز إبراهيم عبد الرافع، شرح الشيخ أحمد السلاوي، تحقيق وتقديم محمد إبراهيم أبو سليم، ويوسف فضل حسن. الخرطوم فبراير سنة 1981من ص 1 إلى ص 14 وأيضاً تقييم نماذج بعض المصادر والمراجع فى نهاية البحث.
(67)
هو محمد تاج الدين البهاري البغدادي: أحد خلفاء الشيخ عبد القادر الجيلاتي،حج إلى بيت الله الحرام وأثناء تواجده هناك، دعاه أحد التجار السودانيين لزيارة السودان فقدم من هناك وأقام بمنطقة الجزيرة حوالي سبع سنوات وهناك خلاف بين الباحثين فى تاريخ قدومه.
(68)
Trininghan J.S: Op.Cit.P218
(69)
الطبقات: نفس المرجع، ص 44، 45، الذيل والتكملة ص 52
(70)
هو الشيخ عجيب بن الشيخ عبد الله جماع أحد مؤسسي دولة سنار، ويقال أن هذا الشيخ قد جلس على كرسى الحكم لمدة طويلة (970-1019هـ /1563 1610م) وكان مؤلفاً بالثقافة الإسلامية لذلك بني المساجد ودور العلم وأنشأ أروقة للسودانيين بالأزهر والحرمين وعمل خفير على طريق الحج والتجار مما ذلل من وعورته، محمد سليمان: المرجع السابق، ص 20
(71)
يحي محمد إبراهيم، المرجع السابق، ص 44
(72)
شقير: تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافيته. القاهرة 1903، ج 1 ص 48- 49، محمد عوض محمد:السودان الشمالي القاهرة 1951ص 266 270 وأيضاً:
Mac Michael.H.،A History of the Arabs in the Sudan،Cambridge 1922،pp.52 ff
(73)
الطبقات تحقيق يوسف فضل ص 88، الذيل والتكملة ص21
(74)
نفس المرجع ص 29
(75)
انظر ملحق الوثائق، ص 650.
(76)
الطبقات: نفس المرجع ص 187-188.
(77)
نفس المرجع ص 259
(78)
المرجع السابق ص 299
(79)
نفس المرجع ص 299
(80)
الطبقات: نفس المرجع ص 291
(81)
انظر ملحق الوثائق وثيقة عن القمصان الحجازية لم تصلح للتعليم ص 651.
(82)
الطبقات: نفس المرجع ص 259.
(83)
هناك العديد من الدراسات التي تتحدث عن الاستجابة السريعة لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فى الجناح الأفريقي منها ما يلي:-
· عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم:تأثر الإصلاح الديني والاجتماعي فى مصر بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية فى النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي،الدارة، العدد الثاني،السنة السابعة سنة 1981
· عبد الفتاح مقلد الغنميي: أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فى غرب أفريقيا، الدارة، العدد الثالث السنة الخامسة سنة 1980من ص88 ص 103.
(84)
لمعرفة ما قام به الأشراف والعثمانيون من حرب ضد لدعوة أنظر: عبد الرحيم
عبد الرحمن عبد الرحيم:المرجع السابق، ص 35 وما بعدها.
(85)
أقصد بها المناطق الممتدة على سواحل البحر الأحمر من الحجاز شمالاً حتى شمال اليمن جنوباً مروراً بمناطق بيشة ورنيه والدواسر جنوب الحجاز، ومناطق المخلاف السليماني (أبو عريش، ضمد، صبياً) وقبائل جنوب المخلاف ومناطق شمال اليمن: لمعرفة سيطرة الدعوة على تلك المناطق أنظر: محمد أحمد العقيلي:تاريخ المخلاف السليماني، راجعه وأشرف على طبعه حمد الجاسر، ج 1،طبعة ثانية سنة 1984، ص 482، 484. أنظر محلق الوثائق منشور الخليفة عبد الله إلى كافة قريش ص
(86)
عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، المرجع السابق ص 148 - 172، ولمع الشهاب المرجع السابق ص 134، 135.
(87)
الدولة العثمانية جعلت كل الموانئ على البحر الأحمر سواء الشرقية أو الغربية تحت سلطة حاكم الحجاز التركي
(88)
Holt، Op.Cit.،P.100
(89)
Slatin،R.،Fire and Sword in The Sudan ،London 1896،P.138
(90)
محمد إبراهيم أبو سليم: مفهوم الخلافة وولاية العهد فى المهدية، الخرطوم، ص 2
(91)
نفس المرجع السابق ص 7
(92)
الزرقاء باللغة الدارجة السودانية معناها السوداء.
(93)
دفتر رسائل النجومي ورقة 28، شقير ج 3 ص 171، أنظر أيضاً
Holt،Op.Cit.،P.104،Wingate،Op.Cit.،P.71
(94)
كان لقب (مقدوم) يطلق على حكام الأقاليم تتاخم سلطنة دارفور قبل الحكم المصري كما أن لفظ (مقدم) يطلق على من يلي (الخليفة) تتاخم المرتبة تتاخم الطرق الصوفية تتاخم شمالي أفريقيا أنظر: Holt،Op.Cit.،P.105-106
(95)
شقير: نفس المرجع ج 3 ص 357.
(96)
Holt، Op.Cit. ،p.108
(97)
دفتر رسائل النجومي: ورقة رقم 14
(98)
دفتر رسائل النجومي: ورقة رقم 10
(99)
دفتر رسائل النجومي: ورقة رقم 11
(100)
فيصل الحاج محمد موسى:النظام المالي فى المهدية،رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة القاهرة سنة 1976م، ص 125
(101)
أحمد ود جبارة: من أوائل العلماء الذين تلقوا تعليمهم تتاخم الأزهر الشريف وأتبعوا الدعوة المهدية وأنضم إلى المهدي تتاخم آبا، وهاجر معه إلى قدير، فعينه المهدي قاضياً للإسلام لشدة ورعه وتقواه واستشهد تتاخم واقعة الأبيض الأولي تتاخم 8 سبتمبر سنة 1882م. ومن أشهر من تولوا هذا المنصب هو الشيخ الحسيني زاهر.
(102)
شقير، المرجع السابق، ج 3، ص 669
(103)
نفس المرجع، ج 3، ص 48
(104)
لمزيد من التفاصيل عن صلاحيات قضاة المهدية، انظر: إبراهيم الجاك " النظام القضائي فى الدولة المهدية فى السودان، وأثره على الحياة الأجتماعية، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة القاهرة، سنة 1975م ص 96 وما بعدها.
(105)
لمزيد من التفاصيل عن مصادر وأحكام المهدية، انظر:إبراهيم الجاك: نفس المرجع، ص 55، 57
(106)
لمزيد من التفاصيل عن عقوبات الجرائم والحدود، انظر: إبراهيم الجاك، نفس المرجع،
ص 147 وما بعدها.
المصادر والمراجع
أولاً: المخطوطات:
مخطوط الفنج للشيخ إبراهيم عبد الدافع مفتي الخرطوم في ذلك الوقت حيث كتب هذا المخطوط عام 1884م وهو موجود بدار الوثائق القومية بالقلعة.
ثانيا: الوثائق الرسمية للدولة المهدية بإدارة الوثائق القومية السودانية بالخرطوم.
مهدية 3/1/3 دفتر صادر 3
مهدية 3/7/14 دفتر صادر 14
معية تركي رقم 106 دفتر رقم 9
دفتر رسائل عبد الرحمن النجومي. المهدية قسم 1 صندوق 1
ثالثاً: المراجع العربية:-
1-
الشاطر بصيلي عبد الجليل: معالم تاريخ سودان وادي النيل، القاهرة 1955م.
2-
جلال يحي: مصر الأفريقية والأطماع الاستعمارية في القرن التاسع عشر، القاهرة 1967م.
3-
جون لويس بوركهارت: رحلات إلي النوبة والسودان، ترجمة فؤاد أندراوس، القاهرة 1959م.
4-
حسب الله محمد أحمد: قصة الحضارة في السودان، بيروت 1966م
5-
حسن إبراهيم حسن: انتشار الإسلام والعروبة فيما يلي الصحراء الكبرى شرق القاهرة الأفريقية وغربها، القاهرة 1957م
6-
حسن أحمد محمود: الإسلام والثقافة العربية في أفريقيا، طبعة ثانية، القاهرة 1963م.
7-
عبد العزيز حسين الصاوي ومحمد علي جادين: الثورة المهدية مشروع رؤية جديدة، الخرطوم.
8-
عبد العزيز عبد المجيد: التربة السودانية، القاهرة 1947م.
9-
عبد القادر محمود: الفكر الصوفي في السودان مصادرة وتياراته وألوانه، القاهرة 1969م.
10-
عبد المجيد عابدين: تاريخ الثقافة العربية في السودان منذ نشأتها إلي مصر الحديث، القاهرة 1967م.
11-
محمد إبراهيم أبو سليم: مفهوم الخلافة وولاية العهد في المهدية، الخرطوم.
12-
محمد أحمد العقيلي: تاريخ المخلاف السليماني، أشرف علي طبعة حمد الجاسر، الجزء الأول، طبعة ثانية 1984م.
13-
محمد صالح ضرار: تاريخ السودان – البحر الأحمر إقليم البجة، بيروت 1965م
14-
محمد ضيف الله بن محمد الجعلي الفضلي: الطبقات في خصوص الأولياء والصالحين والعلماء في السودان، القاهرة 1930م
15-
محمد عمارة: تيارات الفكر الإسلامي، طبعة أولي، القاهرة 1983م.
16-
محمد عوض محمد: السودان الشمالي سكانه وقبائله، القاهرة 1951 م.
17-
محمد فؤاد شكري: الحكم المصري في السودان، القاهرة 1947م.
18-
محمد فؤاد شكري: السنوسية دين ودولة، القاهرة 1948م.
19-
محمد محمد أمين: العلاقات العربية الأفريقية، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة 1978 م.
20-
محمد مصطفي حلمي: الحياة الروحية في الإسلام، القاهرة 1945م.
21-
نعوم شقير: تاريخ السودان الحديث وجغرافية، طبقة أولى، القاهرة 1903م.
22-
يحي محمد إبراهيم: تاريخ التعليم الديني في السودان، طبعة أولي بيروت 1987م.
23-
يوسف أبو قرون: قبائل السودان الكبرى، الخرطوم، 1969م.
24-
يوسف فضل حسن: مقدمة في تاريخ الممالك الإسلامية في السودان الشرقي "1450-1821" طبعة ثالثة، الخرطوم 1989 م.
رابعاً: الدوريات:
1-
إبراهيم الجاك: النظام القضائي في الدولة المهدية في السودان، وأثره علي الحياة الاجتماعية رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة القاهرة سنة 1975م.
2-
إبراهيم علي طرخان: الإسلام والممالك الإسلامية الحبشية، المجلة التاريخية المصرية المجلد الثامن سنة 1959م.
3-
جريدة القاهرة العدد 1032 الصادر في يونيو 1889 م.
4-
عبد الرحمن حسب الله الحاج: العلاقات بين بلاد العرب، وشرق السودان منذ ظهور الإسلام حتى ظهور الفونج رسالة ماجستير غير منشورة بجامعة القاهرة سنة 1980م.
5-
عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم: تأثر الإصلاح الديني والاجتماعي في مصر بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، الدارة، العدد الثاني، السنة السابعة، سنة 1981م.
6-
عبد الفتاح مقلد الغنيمي، أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في غرب أفريقيا، الدارة، العدد الثالث، السنة الخامسة، سنة 1980م.
7-
عز الدين الأمين: قرية كترانج وأثرها العلمي في السودان، مجلة الدراسات السودانية، المجلد الثاني، عدد أول مارس سنة 1970 م.
8-
فيصل الحاج محمد موسى: النظام المالي في المهدية، رسالة ماجستير غير منشورة بجامعة القاهرة سنة 1976م.
9-
مصطفي مسعد: امتداد الإسلام والعروبة إلي وادي النيل الأوسط، المجلة التاريخية المصرية المجلد الثامن سنة 1959م.
خامساً: المراجع الأجنبية:
1.
Burckhardt، J.، Travls in Nubia، London 1819.
2.
Evans، Pritchard.، The Sanusi of Cyrenaica، Oxford 1949.
3.
Holt.:P.M.، The Mahdist state in the Sudan، Oxford 1958.
4.
Macmichael، H.، A history of the Arabs in the Sudan، Cambridge، 1922.
5.
Slatin، R.، Fire and sword in the Sudan، London، 1896.
6.
Trimingham، J،S.، Islam in the Sudan، London 1949.
7.
Wingate، R.، Mahdiism and the Egyptian Sudan، London، 1899.
8.
Sanders، G،E،R.، The Bisharin، Sudan Notes & Records
“S.N.R.” Part II vol XVI، 1933.
الملاحق
أ - ملحق الوثائق
اهتمام الحكام بإنشاء الزوايا والخلوات وتمويل بنائها حرصاً منهم على أن يقوموا بواجبهم الأساسي.
دفتر رقم 220عابدين
ترجمة المكاتبة التركية رقم 340 بتاريخ 11 ذي القعدة سنة 1252هـ
من الجناب العالي بالفشن
إلى علي أغا مأمور دنقلة
114
19
لقد أطلعنا على خطابكم المؤرخ فى 8 رمضان سنة1252 هـ الذي أشرتم فيه إلى أن يسن أغا (هكذا) رئيس متطوعي الدليل باشي الحاج إسماعيل أغا المقيم بدنقلة قد أنشأ جامعاً ومدرسة بدار الشايقية كما أنشأ مزرعة عبارة عن فدان وساقية للإنفاق من أثمان محصولها على الجامع والمدرسة حيث طلبتم إصدار إرادتنا بإقامة الشعائر الدينية فى الجامع وإعفاء المزرعة من التكاليف الأميرية ونحن نود أن نعرف ما إذا كان الأغا المذكور قد أقام الجامع والمدرسة حقاً وصرف على إقامتها من ماله الخاص أم أنه يريد بحجة أن يعجل له من هذه المزرعة إيراداً حسناً إذا ما أعفيت من التكاليف الأميرية فعليكم بموافاتنا بالحقيقة حاشية. إذا كان الأغا المذكور قد قام بنفقات بناء الجامع والمدرسة والمزرعة حقاً فما هو المبلغ الذي أنفقه فى هذا السبيل وكيف كان ذلك.
محفظة نمرة 19 وثيقة نمرة 114 سودان بدون تاريخ
الختم أمير المؤمنين وسلالة الأكرمين محمد الحسين المهدي أبن السلطان محمد الفضل أبن السلطان عبد الرحمن الرشيد أبن السلطان أحمد بكر أبن السلطان موسى أبن السلطان سليمان.
من الواثق برب الثقلين المتمسك بسنه سيد الكونين أمير المؤمنين وخلافة الأكرمين مولانا السلطان محمد الحسين الملقب بالمهدي المنصور بالله تعالي أمين: إلى الرشيد الأعظم والمشير الأفخم والي مصر حالاً أمام الله عزه أمين أما بعد فإنه قد حضر لدينا الشيخ محمد على فراغي صهراً السيد محمد عثمان المرغني المذكور من خلفاء طريقة (الختمية) النقشبندية القاطنة بمكة المشرفة والآن مقيم بمديرية دنقلة بأحكام لكم وله بها بيت وعيال ويتردد فى كل زمان إلى الحرمين الشريفين ويرجع إلى أهله وهو من أهل الخير والصلاح وقدم إلى طرفنا على سبيل السياحة والزيارة ودوامنا مخاطبته فانتشرت حقه لسعادتكم لكي تحرروا له جانب معاش لمن خزينة دنقلا يستعين بها على نفقه العيال والغلمان وذكر لأجل خاطرنا وكرماً للحرمين الشريفين وحرمه للوين كما هو شأنكم ورجاء للدعوات الصالحات منه فى أوقات الذكر والإجابات وله أيضاً من سابق واحد ساقيه ورقمها باقيمه تحت يده فالمرجو منكم تحديد تلك القايمة وتحديد أرض تلك الساقية على أملها لأجل راحته بارك الله فيكم ودمتم سالمين.
دفتر رقم 9 معية تركي
ترجمة المكاتبة التركية رقم 106
بتاريخ 28 محرم سنة 1237هـ
من: إرادة سنية
إلى: محمد بك
قد علمت مآل خطابكم الوارد المتضمن أنكم سترسلون ما يلزم للنقورات التي عين حاكم دنقلة مأموراً لإنشائها وأن القمصان الحجازية ذوات الأكمام الضيقة التي صنعت بمعرفة الكتخدا سليمان لم تصلح للتعليم وأنه لذلك قرر أن تكون على طراز أخر وأنكم جلبتم من أسيوط ألفي ثوب من القماش لتكون جاهزة فقطعتموها بمقدار ما ينتج منها ونظمتموها وقيدتم لنا عينه مسلمة إلى صالح هو أحد الأغواث علمائنا وأنكم لم تسمحوا لأي تقصير فى إنشاء الثكنات الجاري إنشاؤها وبما أن العينة المذكورة وأن كانت بقيت بمصر ولم يمكن رؤيتها إلا أن من الظاهر والواضح أن ما كان مناسباً ومستحسنا عندكم هو مناسب ومستحسن أيضاً عندنا.
فطولبنا أن تعملوا على خياطة تلك القمصان بذلك الطراز وتحضروها وتجهزوها وترسلوا منها إلى دنقلة ما سيرسل إليها وتهتموا بإتمام الثكنات تتاخم أقرب وقت اهتماماً تاماً.
(دار الوثائق القومية السودانية بالخرطوم، مهدية 3/1/3 دفتر صادر 3 منشور الخليفة عبد الله إلى كافة قريش فى 17 القعدة سنة 1305هـ)
تحرر من خليفة المهدي عليه السلام إلى كافة قريش صورته بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد له الوالي الكريم إلخ وبعد فمن العبد الواثق بربه خليفة المهدي عليه السلام الخليفة عبد الله بن محمد خليفة الصديق:-
بعد أن نهدي لكم جزيل السلام ورحمة الله وبركاته الفخام فلا يخفى عليكم أن الله تعالي قد جعل الأمة المحمدية خير أمة أخرجت للناس ونوه بفضلها وعظيم قدرها فى غير ما أية فى كتابه العزيز بما لا إخفاء فيه ولا لباس ومعلوم أنه لا مزيد لأحد عند الله إلا بامتثال أوامره واجتناب منا كره والتماس رضاه طبق ما فى قوله تعالي " وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " الآية، ولا شك أن ذلك لا يتحقق إلا بإقامة الأحكام الإسلامية وسلوك نهج السنة المحمدية وقد أظهر المهدي المنتظر عليه السلام خليفة خير الأنام لإحياء تلك السنة بعد الممات وجمع شملها بعد الشتات وأيده بالكرامات والخوراق العجيبة والأدلة الباهرة فأقام الدين وقصم ظهور الكافرين وأحياء الفروض والسنن وأمات البدع والمحن ونشر العدل بين الأنام ورفع منار الإسلام وسعد قوم سلكوا بإجابة دعوته وإتباع سكته طريق الإصابة وشقي آخرون أعرضوا عن ذلك جحدوا للحق فأذاقهم الله عذابه وأنكم ممن أكرمهم الله بحضور هذا الزمن الذي تنور بإحياء السنن وقد بلغتكم دعوة المهدية وقيام أنصارها بإحياء السنة المحمدية ولعلكم أن المهدي المنتظر عليه السلام هو أمام الحق الذي طال ما ترقب ظهوره السابقون وتمنى إدراكه الأولياء العارفون 000 فكيف يليق بكم وأنتم بضعة سلف طاهرين وبقية أخبار بذلوا أرواحهم فى نصرة الدين أن تتكاسلوا عن المبادرة لإجابة دعوة المهدية، بل المناسب لحالكم حيث أنكم بتلك البقاع الطاهرة والأماكن التي لا يليق بها إلا لنشر أحكام الإسلام وأتباع سكة خير الأنام أن تبادروا الإجابة لتلك الدعوة الدينية 000 وحيث أن المهدي عليه السلام قد شيد أمر الدين وبين معالمه للسالكين ثم أنتقل لدار الإكرام وصار بإشارته النبوية العبد لله قايماً من بعده بأمر الإسلام فأعلموا أني داعيكم كافة إلى الله بمقتضى خلافتي عن مهدي الله فيحق عليكم أن تبادروا دعوتي بالتلبية أو بلوغها إليكم
وتتدرجوا فى سلك طاعة المهدية " فإن المبادرة إلى إجابة داعي المهدي وواجبة على كل الورى 000 فبادروا حكم الله للأمر بالامتثال.
[إدارة الوثائق القومية السوداني بالخرطوم مهدية 3/7/14 دفتر صادر 14 وثيقة ص 45]
" خطاب إلي الحسن سعد العبادي صورته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الولي الكريم إلخ. وبعد فم عبد ربه خليفة المهدي عليه السلام الخليفة عبد الله بن محمد خليفة الصديق إلي المكرم حسن سعد العبادي كان الله له أمين بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فنعرفك أن جوابك تاريخ شهر رمضان الذاكر فيه لسوف عرضكم لنا بطلب الألفين مجاهد أو ألف وخمسمائة من عماله بربر وما أوضحته من كيفية الفكرة والعصاة والمنافقين وترغبوا استعجال إرسال الجيوش الذي صدر به الأوامر إلخ 00 ما هو موضحاً بجوابك وجوابك المؤرخ بتاريخه بالشهادة في حق بطران حمد نضراي وقيامه بكامل جهده معكم ومساعدته لكم وتعريفك لنا بحضوره لطرفنا للمقابلة والمبايعة وتجديد العهد علي يدنا وترغب عودته إليكم سريعاً إلخ. ما تدون لهذا وهذا صار معلوماً لدينا والحال أما في خصوص الحبيب فقد كان سبق التحرير لعثمان ألد كيم بإرساله لكم وقد كان 000 وكافة الأخبار التي تبلغكم من جهة الحجاز والأرياف فأرياف فارفعوها إلينا وبطران حمد نضراي ما هو متوجهاً لكم وفقكم الله وتولاكم هذا والسلام ".
4 القعدة سنة 1305هـ
The Arab Kingdoms and Mashiakhiat in to Sudan
During the 16th century (A comparative study of their political
And Economic organizations and their cultures) .
These kingdoms and Mashiakhiat had a leading role in the Nile valley in the Sudan during the 16th century.
They had a cultural role which was as important as their political one.
This was a result of their penetration within the Sudanese society with its customs that were inherited along its history.
They could also develop these. Costumes in away that got it in cores pendence with Islam instructions.
This study contains an introduction and five chapters. The introduction dealt with the up rise of the Arab Kingdoms and Maskiakhiat in the Nile valley in the Sudan tracing the human roots and the geographical Factors surrounding them.
Chapter one dealt with the “ Fong “ and their role in the Islamic struggle (jihad) the history of their kingdom، their income، then comparative study about the cultural role. They contributed.
Chapter Two introduced the political systems in these organizations، kingdoms and Mashiakhiat and their outer and inner relations. It also had a comparative study on these regimes and relations which clarified the policy kingdoms and Maskiakhiat had taken on burden.
Chapter three is dedicated for the economic activities، and the comparative study showed the range of economic development of these kingdoms and that some of them had in a high degree in the industrial development.
As for chapter four it introduced the cultural activities and comparative study introduced cultural cities that were in great prosperity at that time، and the Sufia groups and chair role in the Sudanese society.
Chapter Five dealt with the social status in these kingdoms and through the comparative study the research has reached much of the customs that prevailed in the Nile valley society and had great effects on society.
Last the study ended with a conclusion appendixes and research References
ب - ملحق الخرائط
---