المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قضية التنازع في الاستعمال اللغوي - مجلة جامعة أم القرى ١٩ - ٢٤ - جـ ٩

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌قضية التنازع في الاستعمال اللغوي

‌قضية التنازع في الاستعمال اللغوي

د. أبو سعيد محمد عبد المجيد

الأستاذ المساعد في قسم اللغة العربية

بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا

ملخص البحث

إن هذا البحث يهدِف إلى تأصيل بعض قواعد النحو العربي من خلال أفصح الأساليب، والكشف عن تلوّن مظاهر هذه القواعد في تقديم هذا الأسلوب، والكشف عن أهمية دراسة النحو في ظلّ الأسلوب القرآني، كما أن فيها حسمًا لبعض قضايا الاختلاف حول المسائل النحوية، ودعوى إلى النظر في التأويل والتخريج النحويين.

يسعى هذا البحث إلى دراسة قضية التنازع في الاستعمال اللغوي، ويشتمل على مفهوم التنازع وتعريفه وركنَيْه مع الشروط، وأي العاملَين يعمل في حال التنازع، ويتضمن كذلك حكم الإضمار في العامل المهمل وتعدد العامل والمعمول في أسلوب التنازع، كما احتوى على آراء العلماء في التنازع وتعقيب ومزيد من المناقشة.

توصلتْ هذه الدراسة إلى نتائج أهمها: أن تسمية التنازع كانت دقيقةً وموفقةً؛ لأن كل عامل من العوامل يطلب المعمول لنفسه وكأنما يريد أن ينزعه من الآخر ليستأثر به، وأن التعريفات التي استقرّت في كتب النحو تنطلق من نقطة واحدة هي أن التنازع هو عبارة عن توجه عاملَين أو أكثر إلى معمول واحد أو أكثر.

إن التنازع قد يقع في الظرف والمفعول المطلق والمفعول معه ولا يقع في المفعول له وفي الحال والتمييز. إن مذهب البصريين أسهل وأحسن وموافق تمامًا للقرآن الكريم.

واختتم البحث بتوصيات واقتراحات من أهمها: أن باب التنازع باب أصيل، ولن يمكن إلغاؤها بناء على ما قدّم بعض المحدثين. ويلغى التنازع في الأفعال التي تتعدى إلى مفعولَين أو ثلاثة مفاعيل؛ لأنها لم ترد في القرآن الكريم ولا في أشعار الشعراء ولا في كلام العرب.

التمهيد:

ص: 237

الحمد للَّهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على سيّد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين............ أما بعد؛

فما من شكٍّ في أنَّ العربَ نسبوا إلى الأمين صلى الله عليه وسلم أخيلةَ الشاعر وسبحاتِ الأديب حين راعى القرآن الكريم خيالَهم بصوره الحية، ومشاهده الشاخصة، وألفاظه الموحية، وفواصله الشافية، فقالوا: شاعرٌ نتربّص به ريبَ المنون، وسحرهم أسلوبُهُ المعجزُ الذي تحدّى أساطينَ البلغاء، وأمراء البيان، ومصاقعَ العلماء، وتحدّى العربَ والعجمَ على أن يأتوا بمثله، وهو جميع كلامِ الله؛ فقال لهم {أَمْ يَقُوْلُوْنَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُوْنَ* فَلْيَأْتُوْا بِحَدِيْثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوْا صَادِقِيْنَ*} [الطور:33 34] ، ثم تنازل لهم عن التحدّي بجميع القرآن إلى التحدّي بعشر سور مثلِهِ، وكانت مفتريات لا أصلَ لها، ولا سندَ، فقال:{أَمْ يَقُوْلُوْنَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوْا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُوْنِ اللهِ إْنْ كُنْتُمْ صَادِقِيْنَ} [هود:13] ، فلما عجزوا تنازل إلى تحديهم بسورة واحدة من مثله، فقال:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِيْ رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوْا بِسُوْرَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوْا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُوْنِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِيْنَ} [البقرة:23] ، ولكنهم عجزوا فلم يستطيعوا ولم يقاربوا وهم أمة الفصاحة والبلاغة جلجل صوتُهُ في الآفاق، وتحدّى أممَ العالَم قاطبةً جنًّا وإنسًا مُعْلِنًا:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ والجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوْا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لَا يَأْتُوْنَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيْرًا} [الإسراء:88] ؛ فالعربُ الفصحاءُ عرفوا أسلوبَهُ الذي يَعُلُوْ ولا يُعْلَى عليه، حتى إنَّ الوليدَ

ص: 238

بْنَ المغيرة وهو من أشدّ أعداء الإسلام لما سمع شيئا منه رقّ له قلبُهُ وقال:" وَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ لَحَلَاوَةً وإِنَّ أَصْلَهُ لَعِذْقٌ، وإِنَّ فَرْعَهُ لَجُنَاةٌ"( [1] ) ، وذلك بسحر بيانه وروعة معانيه ودقّة ألفاظه، ومبانيه، ففكّرَ وقدَّرَ ولكنّ الحظَّ ما كان حليفَهُ، وفي ذلك قال تعالى:{إِنَّهُ فَكَّرَ وقَدَّرَ* فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ نَظَرَ* ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ* ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ* فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ* إِنْ هَذَا إِلَاّ قَوْلُ البَشَرِ} [المدثر:18 25] .

لا جرمَ أنّ المؤمنين عُنُوا عنايةً كبرى شملتْ نواحيَه المختلفة، وأحاطتْ بكل ما يتصل به؛ لأنه هو البيانُ المعجزُ، وباعث نهضة علمية، ورائد فكر قويم، إذ شَمَرَ الأوائلُ منهم عن سواعدهم يتعهدّونه بقراءاته، وتفسير ألفاظه وبيان أحكامه وأعقبهم آخرون غيارى، تناولوا نصَّهُ بالضبط إعجامًا وإعرابا، أن وجدوا في ألسن المسلمين المستجدّين زيغًا عن قراءته وانحرافا عن فصاحته وقد بدأ اللحن قليلاً منذ أيام الرسول عليه السلام، فقد لَحَنَ رجلٌ بحضرته عليه السلام؛ فقال:" أَرْشِدُوْا أخاكُمْ فَإِنَّهُ قَدْ ضَلَّ"( [2] )، والأنكى أن اللحنَ قد تسرَّبَ إلى قراءة الناس القرآنَ فقد قدم أعرابيٌّ في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه فقال: " من يُقْرِئُنِي شيئا مما أُنْزِلَ على محمد؟ فأقرأه رجلٌ سورةَ البراءة بهذا اللحن {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُوْلِهِ إَلَى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِىْءٌ مِنَ المُشْرِكِيْنَ ورسوله

} [التوبة:3]، بكسر اللام في (رسولِهِ) ؛ فقال الأعرابي:

ص: 239

" إن يكنِ الله بريئا من رسوله فأنا أبرأ منه"، فبلغ ذلك عمرَ فدعاه فقال عمرُ: ليس هكذا يا أعرابي" فقال: كيف هي يا أمير المؤمنين"؟ فقال: "

أن اللَّهَ برىءٌ من المشركين ورسُوْلُهُ" فقال الأعرابي: وأنا أبرأ ممن بَرِئَ الله ورسولُهُ منهم"، فأمر عمرُ ألاّ يُقْرِئَ القرآنَ إلا عالمٌ باللغة" ( [3] ) . ويُنْسَبُ إلى عمر أيضا أنه قال:(تَعَلَّمُوْا العَرَبِيَّةَ فإنها تُثْبِتُ العقلَ وتزيد في المروءة)( [4] ) ، كما تناول اللاحقون القرآن بالدرس وقراءاته بالتفسير والإعراب، وأفاد منها كلُّ مظهر من مظاهر النشاط الفكريّ والعلميّ.

إن علمَ النحو أثرٌ من آثار العقل العربي، فرغ له العباقرة من أسلافنا، فجمعوا أصوله وثبّتوا قواعده، ورفعوا بنيانَه شامخًا ركينا، ومنزلته من العلوم الإنسانية منزلةُ الدستور من القوانين الحديثة، هو أصلها الذي تستمدّ عونه، وهذه العلوم النقلية لا سبيلَ إلى استخلاص حقائقها والنفاذ إلى أسرارها بغير النحو، فهل نُدْرِكُ كلامَ الله تعالى ونفهم دقائق التفسير وغير ذلك من هذه العلوم إلا بإلهام النحو وإرشاده؟.

ص: 240

لقد اعتمد النحاةُ في تقعيد النحو وتأصيله على الشعر، وجعلوه الركيزةَ الأساسيةَ لصياغة القواعد النحوية التي يقاس عليها في الاستشهاد لقضاياه الكلية والجزئية، وأغفلوا أهمّ مصدر من مصادر اللغة وهو القرآن الكريم الذي يعدّ الركنَ الركينَ والحصنَ الحصينَ للغة العربية، فلم يحتجّ النحاةُ بالقرآن الكريم في كثير من القضايا النحوية، مع أنه النص الوحيد الموثوق بصحته وأما غيره من النصوص العربية وفي ذروتها الشعر فقد تطرّقَ إليها التصحيفُ ودخلها كثيرٌ من التغيير، ورأيتُ أن مؤلفاتِ النحو قديمها وحديثها يدورُ بعضها في فلك بعض، فاللاحق يرثُ ما في السابق من مسائل نحوية بشواهدها، ولو أنهم اعتمدوا على القرآن الكريم بالدرجة الأولى لما أدّى إلى اختلاف في هذه المسألة.

أرى أن العلماءَ وضعوا (التنازعيةَ) أساسًا لهذه القضية، من هذا المنطلق اختلفوا في أصوله وأحكامه الفرعية؛ ففي جملة التَنَازُع يُوْجَدُ عاملان يحاولُ كلٌّ منهما الاستئثار بمعمول؛ فالأول يطلبُهُ باعتبار أنه أحقُّ من العامل الثاني؛ لأنه جاء أولاً. والعامل الثاني يطلبه باعتباره مجاورًا له وملاصقًا. وعندئذٍ ينشب التنازعُ بين العاملَيْنِ لمحاولة استئثار كل منهما بذلك المعمول؛ فهذا القول أدّى إلى مشكلاتٍ واضطراباتٍ في أحكامه المختلفة، ولهذا وغيره من الأسباب نادى العلماءُ بإلغاء هذا الباب من النحو العربي، ومنهم د. شوقي ضيف وعباس حسن ود. محمد صلاح الدين مصطفى بكر، وسيأتي بيانهم إن شاء الله تعالى.

ص: 241

تهدف هذه الدراسة إلى تأصيل قاعدة التنازع من خلال أفصحِ الأساليب على الإطلاق والنصوص اللغوية الأخرى، والكشف عن تلوّن ظاهرة هذه القاعدة في هذا الأسلوب، وإظهار قاعدةٍ فتية قوية، وحسم اختلاف النحاة وتخليصه مما فيه من تقعيد وعسر شديدٍ، والوصول إلى نقطةٍ تكشِف عن الأسرارِ التي تَكْمُنُ فيها مشكلاتُ التقعيد وتقديم حلولٍ مناسبة لعلها تُرْضِيْ العلماءَ وتُقْنِعُ الفضلاءَ إن شاء الله تعالى.

مفهوم التنازع:

ص: 242

لا جرمَ أن النحويين اختلفوا في تحديد مصطلح (التنازع) وتعريفه، كما اختلفوا في وجه تسميته وجوانِبِه المختلفةِ، ولم يكن مصطلح التنازع معروفًا لدى سيبويه (ت: 180هـ) . إن القدماءَ لم يهتمّوا به اهتمامًا وافيًا؛ لأن العلومَ كانت في عُنْفُوَانِ شبابها، وتأتي معالجتُهُم له مبعثرةً في كتب النحو. فما نجده من مصطلحاتٍ عند أحدِ النحاة، كثيرًا ما نجد ما يُخالفُهُ لفظًا عند غيره، أو نجد هذا المصطلحَ لمفهوم آخر وذلك في موضع آخر، ناهيك عن تداخل المصطلحات بين العلومِ المختلفة؛ ( [5] ) لذلك أرى أن سيبويه يذكر مسائلَ التنازع تحت عنوان:" هذا باب الفاعِلَيْنِ والمفعُوْلَيْنِ اللّذَيْنِ كلُّ واحد منهما يَفْعَلُ بفاعِلِهِ مثلَ الذي يَفْعَلُ به وما كان نحو ذلك"( [6] ) " وإن كان رحمه الله لم يجمعْ في الترجمة مسائلَ الباب كما جرت عادته في أكثر أبواب كتابه وإنما اكتفى منها ببعض مسائل الباب اتّكالاً على فهم الباقي في نثر المسائل أو من تفهيم الموقف،

" ( [7] ) . وتابع الزجاجي (ت: 337هـ) وغيره سيبويه في هذا المفهوم وذكر أحكامَ التنازع تحت عنوان: " باب الفاعلَين والمفعولَيْن اللَّذَيْن يفعل كل واحد منهما بصاحبه مثل ما يفعل به الآخر" ( [8] ) . ونرى المبرّد (ت: 285هـ) يعرِض مسائلَ هذا الباب تحت عنوان:" الإخبار في باب الفِعْلَيْنِ المعطوف أحدهما على الآخر" ( [9] ) . وسار مسيرَه سابق الدين محمد بن علي بن يعيش الصنعاني (ت: 680هـ) فيعرض مسائلَه تحت عنوان: " عقد في باب إعمال الفِعْلَيْنِ اللَّذَيْنِ يعطف أحدهما على الثاني" ( [10] ) . ولم يتعرض الزمخشري (ت: 538هـ) لذكر مصطلح التنازع، ولكنه يذكر مسائله تحت باب الفاعل ويقول: " ومن إضمار الفاعل قولك ضَرَبَنِي وضَرَبْتُ زيدًا

ولما لم يكن بدّ من إعمال أحدهما فيه أعملت الذي أوليته إياه" ( [11] ) . ويذكر موفق الدين ابن يعيش (ت: 643هـ) مسائلَ هذا الباب تحت

ص: 243

عنوان:" هذا الفصل من إعمال الفِعْلَيْنِ وهو باب الفاعلَيْن والمفعولَيْنِ"( [12] ) . لقد ظهر هذا المصطلح في الوجود أول ظهوره لدى ابن هشام (ت: 671هـ)( [13] ) . وقد تابعه النحاة الذين جاؤوا بعده، ويكاد يكون المصطلح قد ستقرّ في كتبهم، إلا أننا نجد أن بعضهم يستعمل مصطلحًا آخر أيضا معه، وهو مصطلح الإعمال بكسر الهمزة عند الكوفيين ( [14] ) .

يتضح مما سبق أن مصطلح (التنازع)) قد ظهرت باكورته في نهاية القرن السابع الهجري على الرغم من أن المفهوم كان واضحًا لدى سيبويه في النصوص لا في العنوان، ثم تطورّت واحتلّت مكانًا بارزًا في النحو العربي.

التنازع لغةً واصطلاحًا:

تعريفه لغةً:

يجدر بنا قبل أن نتحدّث عن تعريف التنازع اصطلاحًا أن نشير إلى معناه لغة: وهو مصدر على زنة (تَفَاعَلَ) والتنازع: التخاصم والتجاذب وتنازع القوم في الشيء: اختصموا، وبينهم نزاعة، أي خصومة في حق ( [15] ) .

تعريفه اصطلاحًا:

لقد عرّفه النحويون بتعريفاتٍ متعددة كلها تعطي المعنى نفسَه مع فروق بسيطة. ومرّ بنا أن سيبويه لم يقدم على عادته التي التزمها في كل موضوعاته تقريبًا أي تعريف دقيق مباشر له، ولكنه يتضح هنا من خلال العنوان حيث قال: " هذا باب الفاعلَين والمفعولَين اللَّذَيْنِ كل واحد منهما يفعل بفاعله مثل الذي يفعل به وما كان نحو ذلك.

ص: 244

وهو قولك: ضَرَبْتُ وضَرَبَنِيْ زيدٌ، وضَرَبَنِيْ وضَرَبْتُ زيدًا، تحمل الاسم على الفعل الذي يليه

" ( [16] ) . وقد عرّفه الزجاجي (ت: 337هـ) بالأسلوب نفسِهِ حيث قال:" باب الفِعْلَيْنِ والمفعولَيْنِ اللَّذَيْنِ يفعل كل واحد منهما بصاحبه مثل ما يفعل به الآخر" ( [17] ) ، وذهب المبرّد إلى أنه: " الإخبار في باب الفِعْلَين المعطوف أحدهما على الآخر وذلك قولك: ضربتُ، وضربني زيدٌ

" ( [18] ) . وتابعه ابن يعيش الصنعاني (ت: 680هـ) وهو القائل: " عقد في باب إعمال الفِعلَيْنَ اللَّذَين يُعطف أحدهما على الثاني" ( [19] ) . ويذهب موفق الدين ابن يعيش (ت: 643هـ) إلى المعنى نفسه ويقول: " هذا الفصل من باب إعمال الفِعْلَيْن وهو باب الفاعلَيْن والمفعولَين" ( [20] ) . وعرّفه ابن المعطي (ت: 628هـ) بقوله ( [21] ) :

عوامِل تنازعُ اسمًا انْجَلَى

وَذَاكَ فِيْ عَطْفِ عَوَامِل عَلَى

ومنه آتُوْنِيْ أُفْرِغْ قِطْرًا

كَمِثْل زَارَنِي وزُرْتُ عمْرًا

وقال ابن مالك (ت: 672هـ)( [22] ) :

قَبْلُ فَلِلْوَاحِدِ مِنْهُمَا العَمَلْ

إِنْ عَامِلَانِ اقْتَضَيَا فِي اسمٍ عَمَلْ

وقد قدَّمَ أبو حيان الأندلسي (ت: 745هـ) تعريفًا أوضحَ، وقال:

ص: 245

" أن يتقدّم عاملان فصاعدًا من فعل أو شبهه غير حرف ليس أحدهما للتأكيد مجتمعين على معمول فصاعدًا

" ( [23] ) . وقد ارتضى ابن هشام الأنصاري (ت: 671هـ) تعريفًا لا يخرج مع طوله عن التعريفات السابقة ولكنه يزيده إيضاحًا حيث قال:" أن يتقدّم فِعْلَانِ متصرّفان، أو اسمان يُشْبِهانهما، أو فعلٌ متصرّف واسم يُشْبِهه، ويتأخر عنهما معمول غير سببي مرفوع، وهو مطلوب لكل منهما من حيث المعنى" ( [24] ) . وقد تابعه الذين جاؤوا بعده واستقرّ في كتبهم جميعًا، ويذكر عباس حسن من المُحْدَثِين عن النحاة تعريفًا شاملا وقال: " ما يشتمل على فِعْلَيْنِ غالبًا متصرّفَيْن مذكورَين، أو على اسمين يشبهانهما في العمل، أو على فعل واسم يشبههه في العمل، وبعد الفِعْلَين وما يُشْبِههما معمول مطلوب لكل من الاثنين السابقين" ( [25] ) .

يبدو لي أن هذه التعريفات التي استقرّت في مؤلفات النحو تنطلق من نقطة واحدة هي أن التنازع هو عبارة عن توجُّّه عامِلَيْنِ أو أكثر إلى معمول واحد أو أكثر.

ركنا التنازع:

للتنازع ركنان ( [26] ) :

1 الفِعْلَان أو ما يُشبههما يسمّيان:" عامِلَيْ التنازع".

2 والمعمول يسمّى:" المتنازع فيه".

ولكل واحد من هذين الركنَيْنِ شروطٌ عامة، وهي أربعة شروط عند الجمهور:

الشرط الأول ( [27] ) :

" أن يكون بين العاملين ارتباط فلا يجوز أن نقول: (قَامَ قَعَدَ أَخُوْكَ) إذ لا ارتباطَ بين الفِعْلَيْن، ويحصل الارتباطُ بين العاملين بواحد من ثلاثة أشياء:

الرابط الأول: عطف ثانيهما على أولهما بحرف من حروف العطف، نحو أن تقول: " قَامَ وقَعَدَ أَخُوْكَ) .

ص: 246

الرابط الثاني: كون أولهما عاملا في ثانيهما، نحو قوله تعالى:{وَأَنَّهُمْ ظَنُّوْا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَدًا} [الجن:7] فالعاملان المتنازعان هما (ظنوا وظننتم) ، والمعمول المتنازع فيه هو (أن لن يبعث الله أحدا) ، و (كما ظننتم) معمول ل (ظنوا) ؛ لأن الجار والمجرور صفة لمصدر يقع مفعولا مطلقًا ناصبُهُ (ظنوا)، والتقدير: ظنوا ظنًّا مماثلا لظنكم أن لا يبعث الله أحدا.

الرابط الثالث: أن يكونَ ثاني العامِلَيْن جوابًا للأول معنويا، نحو قوله تعالى:

{يَسْتَفْتُوْنَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيْكُمْ فِيْ الكَلَالَةِ

} [النساء:176] ، أو صناعيًا، نحو قوله تعالى: {قَالَ آتُوْنِيْ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا

} [الكهف:96]( [28] )

الشرط الثاني: " أن يكونَ العامِلان متقدِّمَين على المعمول، فليس من التنازع عند جمهور النحاة، نحو قولك: (زيدٌ قَامَ وقَعَدَ) ولا نحو قولك: (زيدًا لَقِيْتُ وأَكْرَمْتُ) لتقدّم المعمول في هذين المثالَيْن"( [29] ) .

وأجاز بعض المَغَارِبَة تقدُّم المعمول على العامل، " مستدلاً بقوله تعالى:{بِالْمُؤْمِنِيْنَ رَءُوْفٌ رَحِيْمٌ} [التوبة: 128]( [30] ) ، فإن كلمة (بالمؤمنين) تتعلق ب (رءوف) وكذلك تتعلق ب (رحيم)، فيكون من باب التنازع. وقد ردَّ الأزهري وقال:" ولا حجةَ له؛ لأن الثاني لم يجئ حتى استوفاه الأول، ومعمول الثاني محذوف لدلالة معمول الأول عليه"( [31] ) .

" وما قاله بعض المغاربة قال به الرضي وعبارته:" وقد يتنازع العاملان ما قبلهما إذا كان منصوباً، نحو:(زيدًا ضربتُ وقتلتُ) و (بِكَ قمتُ وقعدتُ) . وتعقبه البدر الدماميني فقال: يلزم عليه إعمال الثاني تقدم ما في حيّز حرف العطف عليه وهو ممتنع" ( [32] ) .

ص: 247

وليس من التنازع عندهم، نحو قولك:(قَعَدَ زيدٌ وتَكَلَّمَ بخيرٍ)، ولا نحو قولك:(لقيتُ زيدًا وأكرمتُ) لتوسُّط المعمول بين العاملين خلافًا للفارسي: " ومال المرادي في شرح التسهيل إلى جواز التنازع في التوسط والتقدم"( [33] ) .

الشرط الثالث: أن يكون كل واحد من العاملين موجهًا إلى المعمول من غير فساد في اللفظ أو في المعنى ( [34] )، فلاتنازعَ في نحو قوله تعالى:{وَأَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ سَفِيْهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا} [الجن::4] ، لاحتمال عمل (كان) في ضمير الشأن؛ فلا تكون متوجةً إلى (سفيهنا) ، ولم يشترط ذلك آخرون، فجوّزوا التنازع في المثال على تقدير عملها في ضمير الشأن، وهذا هو الأظهر ( [35] ) . ولا يقع التنازع في نحو قول جرير ( [36] ) :

فَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ العَقِيْقُ ومَنْ به وهَيْهَاتَ خلٌّ بالعقيقِ نُوَاصِلُه

خلافًا للفارسي والجرجاني ( [37] ) ؛ لأن الطالب بالمعمول وهو (العقيق) إنما هو (هيهات) الأول وأما (هيهات) الثاني فلم يؤت به للإسناد إلى العقيق، بل لمجرد التقوية والتوكيد لهيهات الأول، فلا فاعلَ له أصلاً ولهذا قال الشاعر:

فَأَيْنَ إِلَى أَيْنَ النَّجَاةُ بِبَغْلَتِيْ أَتَاكَ أَتَاكَ اللَاحِقُوْنَ احْبِسِ احْبِسِ

فليس كل واحد من (أتاك أتاك) موجها إلى قوله (اللاحقون) إذ لو توجه كل واحد إليه لقال: أتوك أتاك اللاحقون، أو قال: أتاك أتوك اللاحقون، بل المتوجه إليه منهما هو الأول، والثاني تأكيد له ( [38] ) .

ص: 248

الشرط الرابع: أن يكونَ مذكورين ( [39] ) ؛ " فلا تنازع بين محذوفين، نحو:(زيدًا) في جواب (منْ ضربتَ وأكرمتَ؟) ووجّهَ الروداني كون (زيدا) في المثال ليس من التنازع بأن الجواب على سنن السؤال، و (ضربت وأكرمت) لم يتنازعا (من) لتقدمها، بل عمل فيها الأول، وعمل الثاني في ضميرها محذوفًا فهو مثل (ضربتُ زيدًا، وأكرمتُ زيدًا) ولا تنازع في ذلك، فحينئذ يكون الجواب كالسؤال، والتقدير:(ضربتُ زيدًا، وأكرمتُ زيدًا) فذكر مفعول أحد العاملين المقدرين، وحذف مفعول الآخر: من باب دلالة الأوائل على الأواخر أو العكس لا من التنازع.

ولا بين محذوف ومذكور، لقولك في جواب هذا السؤال:(أكرمتُ زيدًا) . ( [40] )

ثم اعلم ثانيًا أن العاملين

1 إما أن يكونا فِعْلَيْن، ( [41] ) نحو قوله تعالى:

{كُلُوْا واشْرَبُوْا مِنْ رزْقِ اللهِ

} [البقرة:60]، وقال أيضا:{قُلْ تَعَالَوا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ.....} [الأنعام:151]، وقال أيضا:{آتُوْنِيْ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف:96] .

2 وإما أن يكونا وصفَيْن (أ) إما اسمي فاعلَين، ( [42] ) نحو قوله تعالى:

{رُسُلاً مُبَشِّرِيْنَ وَمُنْذِرِيْنَ لِئَلَاّ يَكُوْنَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ

} [النساء: 165] ، (ب) وإما اسمَيْ مفعولَيْن، نحو قول كثير عزة:

قَضَى كُلُّ ذِيْ دَيْنٍ فَوَفَّى غَرِيْمَهُ وَعَزَّةُ مَمْطُوْلٌ مُعَنَّى غَرِيْمُهَا

(ج) وإما أن يكونا اسمَي تفضيل، ( [43] ) نحو:(زيدٌ أضبطُ الناسِ وأجمعُهُمْ للعلمِ)(د) وإما أن يكونا صفتَيْن مشبهتَين، ( [44] ) نحو:(زيدٌ جميلٌ ونظيفٌ ظاهرُهُ))

وكقوله تعالى: {وَإِنْ أَدْرِيْ أَقَرِيْبٌ أَمْ بَعِيْدٌ مَّا تُوْعَدُوْنَ} [الأنبياء:109] .

ص: 249

3 وإما أن يكونَ العامِلان مصدرَيْن، نحو قولك:(عَجِبْتُ من حبِّك وتقديرِكَ زيدًا)، ( [45] ) ونحو قوله تعالى:{وَلَكُمْ فِيْ الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ومَتَاعٌ إِلَى حِيْنٍ} [البقرة:36]، وقال أيضا: {وَعَلَى المَوْلُوْدِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوْفِ

} [السورة نفسها: 233] ، أو يكون ثلاثة مصادر، كقوله تعالى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءِ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلمُسْلِمِيْنَ} [النحل:89] .

4 وقد يكونان مختلفَيْن ( [46] )(أ) أحدهما فعل والآخر اسم فعلٍ، نحو قوله تعالى:{هَاؤُمُ اقْرُءُوْا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] ، (ب) أو أحدهما فعل والآخر اسم فاعلٍ، نحو قوله تعالى: {فَنَادَتْهُ المَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّيْ فِيْ المِحْرَابِ

} [آل عمران:39] ، (ج) أو أحدهما فعل والآخر مصدر، نحو قوله تعالى:{سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُوْنَ} [النحل:1] ، (د) أو المتنازع فعل ومصدران، نحو قوله تعالى: {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ

} [المائدة:14] .

" ويُشْتَرَطُ في الفعل زيادة على الشروط العامة التي قدّمنا ذكرها أن يكون متصرفا؛ فلا يجوز أن يكون جامدًا كعسى وليس، وفعل التعجب، ونعم وبئس، وفي هذا خلاف لبعض النحويين

ويُشْتَرَطُ في غير الفعل أن يكون مشابهًا للفعل في العمل، فلا يجوز أن يكون وصفًا غير عامل كاسم الفاعل واسم المفعول إذا كانا بمعنى الماضي". ( [47] )

ص: 250

وعُلِمَ مما قدّمنا " أن التنازعَ لا يقع بين حرفَيْن؛ لأن الحروف لا دلالةَ لها على الحدث حتى تطلب المعمولات وأجاز ابن العلج التنازعَ بين الحرفين مستدلاً بقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوْا

} [البقرة: 24] ؛ فقال تنازع (إِنْ ولَمْ) في (تفعلوا) وردّ بأن (إِنْ) تطلب مثبتًا و (لَمْ) تطلب منفيًا وشرط التنازع الاتحاد في المعنى". ( [48] )

" ولا يقع التنازع بين حرف وغيره من فعل واسم ومن أجاز بين حرفين أجازه بين الحرف وغيره، كما نقل ابن عمرون عن بعضهم أنه جوّز تنازع لعلّ وعسى، نحو: (لعل وعسى زيد أن يخرجَ) على إعمال الثاني، (ولعل وعسى زيدًا خارج) على إعمال الأول، وردّ بأن منصوب عسى لا يحذف". ( [49] )

ولا يقع التنازع بين عاملَيْن (جامدين) ؛ لأن التنازع يقع فيه الفصل بين العامل ومعموله والجامد لا يفصل بينه وبين معموله. ( [50] )

" ولا يقع التنازعُ بين جامد وغيره من فعل أو اسم متصرف وعن المبرد في كتابه المدخل إجازته في فِعْلَيْ التعجب مع جمودهما سواء كانا بلفظ الماضي أو بلفظ الأمر فالأول، نحو: (مَا أَحْسَنَ وأَجْمَلَ زيدًا)) فتعمل الثاني في الاسم الظاهر وتعمل الأول في ضميره وتحذفه؛ لأنه فضلة، والثاني، نحو: (أَحْسِنْ بِهِ وأَجْمِلْ بعمرو) فتعمل الثاني في الظاهر المجرور وتعمل الأول في ضميره المجرور ولا تحذفه". ( [51] )

ولا يمتنع التنازعُ في السببي المنصوب، نحو:(زيدٌ ضرب وأكرمَ أخاه)) ؛ لأن السببي وهو (أخاه) منصوب بأحد العاملَين والربط موجود بالضمير المستتر، أو بالمضاف إليه السببي، ومنع الشاطبي ( [52] ) التنازع في السببي المنصوب وعلله بأنك إن أعملت الأول أو الثاني فلابد من ضمير يعود على السببي، وضمير السببي لا يتقدم عندهم عليه، قال ابن خروف:" لأنه لو تقدّم كان عوضا من اسمين مضاف ومضاف إليه وهذا مما لا سبيلَ إليه". فالوجه امتناع التنازع في السببي مطلقًا". ( [53] )

ص: 251

وإن كان المتنازع فيه ضميرًا منفصلاً منصوبًا، نحو:(ما ضربتُ وما أكرمتُ إلا إياك) جاز أن يكون من باب التنازع، وتكون قد حذفت المفعول مع (إلا) من الأول مع إعمال الثاني، أو من الثاني من إعمال الأول، إذ المفعول يجوز حذفه بخلاف الفاعل، وكذا المجرور المنصوب المحل، نحو:(قمتُ وقعدتُ بك) فعلى هذا يجوز التنازعُ في المضمر المنفصل والمجرور ولا سيما إذا تقدّم ذلك الضمير على العاملَيْنِ، نحو:(إياك ضربتُ وأكرمتُ) . ( [54] )

أي العاملين يعمل في حال التنازع:

اتفق البصريون والكوفيون على جواز إعمال أي العاملين شئت، ثم اختلفوا في المختار، فاختار الكوفيون إعمال الأول، والبصريون إعمال المتأخر.

" واحتجّ الكوفيون بالنقل والقياس على أن إعمال الأول أولى. أما النقل فلمجيئه في كلامهم كثيرًا، قال امرؤ القيس:( [55] )

فَلَوْ أَنَّ مَا أَسْعَى لأَدْنَى مَعِيْشَةٍ كَفَانِيْ ولَمْ أَطْلُبْ، قَلِيْلٌ مِنَ المَالِ

فأعمل الفعل الأولَ، ولو أعمل الثاني لنصب (قليلا) وذلك لم يروه أحد. وقال المرار الأسدي:( [56] )

وسُوْئِلَ لَوْ يُبِيْنُ لنا السُؤَالَا

فَرَدَّ عَلَى الفُؤَادِ هَوًى عَمِيْدًا

بِهَا يَقْتَدْنَنَا الخُرُدَ الخِدَالَا

وَقَدْ نَغْنَى بِهَا ونَرَى عُصُوْرًا

فأعمل الأول ولذلك نصب (الخرد الخدالا) ولو أعمل الفعل الثاني لقال: (تقتادنا الخرد الخدال) بالرفع". ( [57] ) " وقال عمربن أبي ربيعة: ( [58] )

تُنْخل فاسْتاكتْ بِهِ عُوْدُ إِسْحَلِ

إذَا هِيَ لَمْ تَسْتَكْ بِعُوْدِ أَرَاكَةٍ

فرفع (عود إسحل) ب (تنخل) ولو أعمل الثاني لقال: فاستاكت بعود إسحل؛ لأن استاكت لا يتعدّى بنفسه". ( [59] ) " وقال ذو الرمة: ( [60] )

لئيما أن يكونَ أَفَادَ مالَا

وَلَمْ أَمْدَحْ لأُرْضيه بشعري

ف (لئيما) منصوب بأمدح بدليل الإضمار في قوله: لأرضيه". ( [61] )

ص: 252

أما القياس فلأن المتقدمَ أولى بالأعمال لاعتناء العرب به وجعله في أول الكلام. ومما يقوّي مذهبهم أن يقولوا: قد وجدنا من كلام العرب أنه متى اجتمع طالبان وتأخر عنهما مطلوب وكل واحد منهما يطلبه من جهة المعنى فإن التأثير للمتقدم منهما.

دليل ذلك القَسَم والشرط إذا اجتمعا فإن العرب تبني الجواب على الأول منهما وتحذف جواب الثاني لدلالة جواب الأول عليه تقول: (إنْ قَامَ زيدٌ واللهِ يَقُمْ عمروٌ، واللَهِ إِنْ قَامَ زيدٌ ليقُوْمَنَّ عمروُ) ، فكذلك أن يكونَ الاختيار إعمال الأول". ( [62] )

ودليل آخر أنه لا يجوز إلغاء (ظننت) إذا وقعت مبتدأة، نحو: ظننت زيدًا قائمًا، بخلاف ما إذا وقعت متوسطة أو متأخرة، نحو:(زيدٌ ظننت قائم، وزيدٌ قائمٌ ظننتُ) وكذلك لا يجوز إلغاء (كان) إذا وقعت مبتدأة، نحو:(كان زيدٌ قائما) بخلاف ما إذا كانت متوسطة، نحو:(زيدٌ كان قائمٌ) فدلّ على أن الابتداء له أثر في تقوية عمل الفعل.

واحتجّوا بأن إعمال الثاني يؤدي إلى الإضمار قبل الذكر، والإضمار قبل الذكر لا يجوز في كلامهم. ( [63] )

ودليل آخر" أنّا رأينا العربَ تراعي المتقدم في قولهم: (عندي ثلاثة ذكور من البط) ، و (عندي ثلاث من البط ذكور) ، فأتوا بالتاء مع ثلاثة لما تقدّم لفظ ذكور، وحذفوها لما تقدم لفظ البط، فدلّ ذلك على مراعاتهم المتقدم". ( [64] )

" وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على أنّ الاختيار إعمال الفعل الثاني النقل والقياس.

أما النقل فقد جاء كثيرًا، قال تعالى:{آتُوْنِيْ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف: 96] ؛ فأعمل الفعل الثاني وهو أفرغ، ولو أعمل الفعل الأول لقال أفرغه عليه، وقال أيضًا {هَاؤُمُ اقْرَءُوْا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:19] ؛ فأعمل الثاني وهو (اقرءوا)، ولو أعمل الأول لقال: اقرءوه، وقال الفرزدق:( [65] )

بَنُوْ عَبْدِ شَمسٍ مِنْ مَنَافٍ وَهَاشِمِ

وَلَكِنَّ نَصْفًا لَوْ سَبَبْتُ وسَبَّنِيْ

ص: 253

فأعمل الثاني، ولو أعمل الأول لقال:(سببت وسبّوني بني عبد شمس) بنصب (بني) وإظهار الضمير في (سبني)، وقال طُفَيْل الغَنَوِي:( [66] )

جَرَى فَوْقَهَا وَاسْتَشْعَرَتْ لَوْنَ مُذْهَبِ

وَكُمْتًا مُدَمَّاةً كَأَنَّ مُتُوْنَهَا

قد أعمل الشاعر الثاني ولو أعمل الأول لرفع (لون مذهب) . وقال رجل من باهلة: ( [67] )

تُصْبِي الحليمَ ومِثْلُهَا أَصْبَاهُ

وَلَقَدْ أَرَى تَغْنَى بِهِ سَيْفَانَةٌ

قد أعمل الشاعر الثاني في (سيفانة)) بدليل مجيئه مرفوعًا". ( [68] )

" وأما القياسُ فهو أن الفعل الثاني أقرب إلى الاسم من الفعل الأول وليس في إعماله دون الأول نقض معنى، فكان إعماله أولى، ألا ترى أنهم قالوا:(خشنت بصدرِهِ وصدرِ زيدٍ) فيختارون إعمال الباء في المعطوف، ولا يختارون إعمال الفعل فيه؛ لأنها أقرب إليه منه وليس في إعمالها نقض معنى، فكان إعمالها أولى.

والذي يدل على أن للقرب أثرًا أنه قد حملهم القرب والجوار حتى قالوا: (جُحْرُ ضبٍ خربٍ) فأجروا (خربٍ) على (ضب) وهو في الحقيقة صفة للجحر؛ لأن الضب لا يوصف بالخراب". ( [69] )

" ودليل آخر أن إعمال الأول يلزم منه الفصل بين العامل ومعموله بجملة قطعًا، والفصل بين العامل ومعموله بجملة قطعًا لا نظيرَ له إلا في الاعتراض، والاعتراض لا اعتبارَ له لقلته.

ودليل آخر وهو أن إعمال الثاني أكثر في كلام العرب بدليل قول سيبويه: " ولو لم تحمل الكلام على الآخر لقلت: ضربت وضربوني قومك، وإنما كلامهم: ضربت وضربني قومك". ( [70] )

ص: 254

فهذا النص يقتضي أن العرب لا تعمل إلا الثاني لأنه ذكره بلفظ (إنما) التي للحصر، فلو اقتصر عليه لما كان عن عمل الثاني عدول، ولكنه قال بعد بأسطار " وقد يجوز: ضربت وضربني زيدًا؛ لأن بعضهم يقول: متى رأيت أو قلت زيدًا منطلقًا

". ( [71] ) فذكره في الأول بلفظ (إنما) كما تقدم، وقوله في الثاني لأن بعضهم يدل على أن إعمال الثاني هو الكثير، وإعمال الأول قليل، وهذا إنما قاله سيبويه نقلاً عن العرب، بدليل قوله: " وإنما كلامهم" والحملُ على ما كثر في كلام العرب أولى من الحمل على ما قلّ". ( [72] )

رد البصريين على أدلة الكوفيين:

" أما قول امرئ القيس:

كَفَانِيْ ولَمْ أَطْلُبْ قَلِيْلٌ مِنَ المَالِ

فَلَوْ أَنَّ مَا أَسْعَى لأَدْنَى مَعِيْشَةٍ

فنقول: إنما أعمل الأول منهما مراعاةً للمعنى؛ لأنه لو أعمل الثاني لكان الكلام متناقضًا، وذلك من وجهين، أحدهما: أنه لو أعمل الثاني لكان التقدير فيه: كفاني قليلٌ ولم أطلب قليلاً من المال، وهذا متناقض؛ لأنه يخبرنا تارةً بأن سعيه ليس لأدنى معيشة، وتارةً يخبرنا بأنه يطلب القليل، وذلك متناقض، والثاني أنه قال في البيت الذي بعده:

وَقَدْ يُدْرِكُ المَجْدَ المُؤَثَّلَ أَمْثَالِيْ

وَلَكِنَّمَا أَسْعَى لِمَجْدٍ مُؤَثَّلٍ

فلهذا أعمل الأول ولم يُعمِل الثاني، وأما قول الآخر:

بِهَا يَقْتَدْنَنا الخُرُدَ الخِدَلَا

وَقَدْ نَغْنَى بِهَا ونَرَى عُصُوْرًا

فنقول إنما أعمل الأول مراعاةً لحركة الرويّ؛ فإن القصيدة منصوبة، وإعمال الأول جائز، فاستعمل الجائز ليخلص من عيب القافية، ولا خلاف في الجواز، وإنما الخلاف في الأولى". ( [73] )

ص: 255

وأما قولهم: إن المتقدمَ أولى بالإعمال لاعتناء العرب به؛ " فنقول: لو أعملوا الأول لراعوه من كل وجه، وأهملوا الثاني من كل وجه، وهذا نقيض الحكمة، بل جعلوا تقدم الأول عناية به من وجه، وإعمال الثاني عناية من وجه، فأعطوا لكل منهما حصةً من العناية، على أنا نقول: إعمال الثاني لا يمنع الأول شيئًا من العناية على أن لا تصير إلى إعمال الثاني إلا بعد إعطائنا الأول ما يستحقه إما مضمرًا فيه إن طلب فاعلاً، أو محذوفًا معه إن طلب مفعولاً بخلاف إعمال الأول، فإنا نذكر العامل الثاني قبل توفية الأول ما يقتضيه، فلو قيل بما ذكرنا إن إعمال الثاني أتم في الاهتمام بالأول من إعماله لم يبعد ذلك". ( [74] )

" وأما قولهم:" لو أعملنا الثاني لأدّى إلى الإضمار قبل الذكر" فنقول: إنما جوّزنا ههنا الإضمار قبل الذكر لأن ما بعده يفسّره لأنهم قد يستغنون ببعض الألفاظ عن بعض إذا كان في الملفوظ دلالة على المحذوف لعلم المخاطب، قال تعالى: {وَالحَافِظِيْنَ فُرُوْجَهُمْ وَالحَافِظَّاتِ وَالذَّاكِرِيْنَ اللَّهَ كَثِيْرًا وَالذَّاكِرَاتِ

} [الأحزاب:35] ، فلم يعمل الآخر فيما عمل في الأول استغناءً عنه بما ذكره قبل ولعلم المخاطب أن الثاني قد دخل في حكم الأول، وقال الله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ بَرِىْءٌ مِنَ المُشْرِكِيْنَ وَرسُوْلُهُ

} [التوبة:3] ، فاستغنى بذكر خبر الأول عن ذكر خبر الثاني". ( [75] )

وأما قولهم: أنا رأينا العرب تراعي المتقدم في قولهم: " عندي ثلاثة ذكور من البط

" " فنقول: ما ذكرتم دليل لنا لا لكم؛ لأن العرب راعت فيه الأقرب إلى العدد فذكرته إذا تقدم (الذكور) أقرب إليه، وأنَّثتْه إذا تقدم (البط) لقربه منه أيضا، ثم ذكرتم معارض بقول العرب:(علمتُ لزيدٌ منطلقٌ، وعلمتُ أزيدٌ منطلقٌ، وعلمتُ ما زيدٌ منطلقٌ) ، فإنهم راعوا الثاني في اللفظ لقربه دون الأول". ( [76] )

ص: 256

وأما قولهم:" القَسَم والشرط إذا اجتمعا فإن العرب تبني الجواب على الأول

" فنقول:" إذا اجتمع طالبان فلا يخلو إما أن يكونا عاملَيْن أو ليسا كذلك، فإن لم يكونا عاملَيْن فقد يكون الأمر كما ذكرتم في اجتماع الشرط والقسم من مراعاة الأول وقد يراعي الثاني كما ذكرنا في: علمت أزيد منطلق، وأما إذا كان الاثنان عاملين فإنما تعمل العرب الثاني منهما، بدليل قولنا: إن لم يقم زيدٌ قمتُ، فإنه لما اجتمع حرف الشرط و (لم) وهما جازمان، جزمت الفعل (بلم) دون (إِنْ) بدليل وقوع جواب الشرط فعلاً ماضيًا في فصيح الكلام، ولو كان الجزم (بإن) لما وقع جواب الشرط ماضيًا وقد عمل حرف الشرط في الفعل إلا في الشعر على الأصح، فعرفنا أن العمل ل (لم) دون (إِنْ) وإذا لم يكن إعمال الثاني هنا واجبًا كما كان في اجتماع (إن ولم) فلا أقل من أن يكونَ أولى". ( [77] )

إن احتاج الأول إلى مرفوع ففي المسألة ثلاثة مذاهب:

1 مذهب سيبويه (180هـ) :الإضمار قبل الذكر. ( [78] )

2 مذهب الكسائي (ت: 189هـ) : " الكسائي وهشام الضرير والسهيلي من الكوفيين يوجبون الحذف للضمير المرفوع على الفاعلية أو شبهها هربًا من الإضمار قبل الذكر وتمسكًا بظاهر قول علقمة بن عبدة يمدح الحرث ابن جبلة الغساني:

رِجَالٌ فَبَذَّتْ نَبْلَهُمْ وَكَلِيْبُ" ( [79] )

تَعَفَّقَ بِالأَرْطَى لَهَا وَأَرَادَهَا

قد استشهد جماعة من النحاة منهم الكسائي وهشام من الكوفيين والسهيلي وابن مضاء من المغاربة على أنه إذا أعمل ثاني العاملَيْن في لفظ المعمول وأعمل الأول في ضميره، وجب حذف هذا الضمير ولو كان الضمير مرفوعًا، لئلا يلزم على ذكره عود الضمير على متأخر، وقد جرى في هذا البيت على هذا، فقوله (رجال) فاعل بقوله (أرادها) وحذف ضمير الرجال من (تعفق) ولو أظهره لقال (تعفقوا) وأرادها رجال". ( [80] ) وكذلك قال ذو الرمة:( [81] )

ثلاثُ الأثَافِي والرسُومُ البلاقِعُ

ص: 257

وَهَلْ يَرْجِعُ التسليمَ أو يَكْشِفُ العَمَى

ولو أضمر فاعل الفعل الأول لقال: أو يكشفن، إذ الفرق بين مذهب سيبويه رحمه الله تعالى ومذهب الكسائي إنما يظهر بالتثنية والجمع، فيبرز الضمير فيهما على مذهب سيبويه رحمه الله، وأما على مذهب الكسائي فالإفراد والتثنية والجمع بمنزلة واحدة لحذف الفاعل.

إن الذي يدل على صحة مذهب سيبويه أنه قد حكى من كلام العرب: ضربوني وضربت قومك وضرباني وضربت الزيدين، وهذا لا يخرج إلا على مذهب سيبويه. وأما هذان البيتان فقد يتخرجان على أن يكون الضمير فيهما عائدًا على الجمع بلفظ المفرد، فاستتر كما يستتر في حال الإفراد، والدليل من كلام العرب على جواز عود الضمير على المثنى والمجموع على حد عوده على المفرد ما حكي من كلام العرب هو أحسنُ الفتيان وأجملُهُ وأحسن بني أبيه وأنبله ( [82] ) . وقد كان ينبغي أن يقول: وأجملهم وأنبلهم، فأجري ذلك مجرى المفرد. ومنه قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِىْ الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيْكُمْ مِمَّا فِيْ بُطُوْنِهِ

} [النحل:66] ولم يقل في بطونها. ( [83] )

3 مذهب الفراء (ت:207هـ) :

" والفراء يقول إن استوى العاملان في طلب المرفوع وكان العطف بالواو فالعمل لهما؛ لأنهما لما كان مطلوبهما واحدًا كانا كالعامل الواحد، نحو: (قَامَ وقَعَدَ أَخَوَاكَ) ف (أخواك) مرفوع عنده ب (قام وقعد) فيكون الاسم الواحد فاعلاً لفِعْلَيْنِ مختلفَيْنِ لفظًا ومعنًى". ( [84] )

" وهذا فاسد لأنه قد تقرّر أن كل عامل، يحدث إعراباً، وعلى مذهب يكون العاملان لا يحدثان إلا إعرابا واحدًا. وهذا الذي قاله كسر لما اطّرد في كلام العرب من أنه لابد لكل عامل من إحداث إعراب وأيضا فالسماع يرد عليه ألا ترى قول الطُفَيْل الغَّنَوِي:

جَرَى فَوْقَهَا واسْتَشْعَرَتْ لَوْنَ مُذْهَبِ

وَكُمْتًا مُدَمَّاةً كَأَنَّ مُتُوْنَهَّا

ص: 258

بنصب (لون) ، فأعمل الثاني وهو (استشعرت) مع احتياج الأول وهو (جرى) إلى مرفوع وليس العاملان متفقين في العمل فيعملها في (لون) فلم يبق إلا مذهب سيبويه رحمه الله أو مذهب الكسائي". ( [85] )

" وجاز عند الفراء وجه آخر وهو أن يأتي بفاعل الأول ضميرًا منفصلاً بعد المتنازع فيه لتعذر المتصل بلزوم الإضمار قبل الذكر هذا هو النقل الصحيح عن الفراء. وإن اختلف العاملان في طلب المعمول فإن كان أولهما يطلب مرفوعا أضمرته مؤخرا وجوبًا ك (ضرَبَنِيْ وضربتُ زيدًا هو) ف (هو) فاعل (ضربني) وإنما أخّر عن الظاهر هربًا من الإضمار قبل الذكر ولم يحذفه هربًا من حذف الفاعل، هذا كله إذا احتاج الأول لمرفوع مع إعمال الثاني". ( [86] )

حكم الإضمار في العامل المهمل:

قلنا إنك لو أعملت أحد العاملين في الظاهر أعملت الآخر (المهمل) في ضمير ذلك الاسم الظاهر. ولكن تارةً يجب الإضمار في العامل المهمل، وتارةً يمتنع، وتارةً يجب فيه الإتيان بالظاهر بدل الضمير وإليك التفصيل:

وجوب الإضمار:

ويجب الإضمار، أي: ذكر ضمير الاسم الظاهر في العامل المهمل في ثلاث حالات:

الحالة الأولى: إذا كان مطلوب العامل المهمل مرفوعًا (لا يجوز حذفه) كالفاعل ونائبه، ففي تلك الحالة: يجب الإضمار في العامل المهمل سواء كان هو العامل الأول، أم الثاني: وذلك كقولك: (يُحْسِنُ ويُسِيءُ ابناكَ)) فكل واحد من (يحسن ويسيء)) يطلب (ابناك) فاعلاً، فإذا أعملت الثاني في الاسم، وجب أن تضمر في الأول فاعله، فتقول:(يُحْسِنَانِ ويُسِيءُ ابناك) ، وإذا أعملت الأول، وجب أن تضمر في الثاني في فاعله، فتقول:(يُحْسِنُ ويُسِيْئَانِ ابناك)، ومثاله:(بَغَى واعْتَدَيا عبداك) بإعمال الأول ووجوب الإضمار في الثاني؛ لأن ترك الإضمار يؤدي إلى حذف الفاعل، والفاعل يلتزم ذكره.

ص: 259

فأنت ترى: أنه وجب الإضمار في المهمل أيا كان ولا يجوز ترك الإضمار، فلا تقول:(يُحْسِنُ ويُسِيْءُ ابناك) ولا (بغى واعتدى عبداك)) ؛ لأن ترك الإضمار يؤدي إلى حذف الفاعل، والفاعل ملتزم ذكره.

وأجاز الكسائي ترك الإضمار وحذفه، بناء على مذهبه في جواز حذف الفاعل، وأجاز الفراء على توجه العاملَين معًا إلى الاسم الظاهر كما سبق. والسبب في إجازتهما ذلك أي: ترك الإضمار، أنهما يمنعان الإضمار في الأول عند إعمال الثاني، فلا تقول عندهما: يحسنان ويسيء ابناك. ( [87] )

الحالة الثانية: إذا كان مطلوب العامل المهمل منصوبا، لكنه في الأصل عمدة، أي مرفوعا، كمفعولي (ظن وأخواتها)) فإن أصلهما المبتدأ والخبر، ففي تلك الحالة، يجب الإضمار أي، ذكر ضمير الظاهر في العامل المهمل سواء كان هو الأول أم الثاني: غاية الأمر، أن العامل المهمل لو كان هو الأول، وجب الإضمار مؤخرًا، مثل: ظنني وظننت زيدًا عالمًا، إياه. ولو كان العامل المهمل هو الثاني: أتيت بالضمير متصلا به أو منفصلا عنه فتقول: ظننت وظننته زيدًا عالمًا، أو ظننتُ وظنّني إياه زيدًا عالمًا. ( [88] )

الحالة الثالثة: إذا كان مطلوب العامل المهمل منصوبا ليس عمدة أو كان مجرورا وفي تلك الحالة لا يخلو: إما أن يكونَ العامل المهمل هو الأول أو الثاني، فإن كان المهمل هو الأول: لم يجز فيه الإضمار، بل يحذف منه الضمير فتقول:(أَكْرَمْتُ وأكَرَمَنِيْ خالد، ومررت ومرّ بي خالد) ، بحذف الضمير المنصوب والمجرور من الأول، ولا يجوز ذكره، فلا تقول:(أكرمته وأكرمني خالدٌ، ولا مررت به ومرّ بي خالد) ؛ لأنه فضلة يستغنى عنه فيحذف ولا داعي لإضماره أولا. ( [89] ) وقد جاء في الشعر ذكر الضمير المنصوب أولا، كقول الشاعر:( [90] )

جِهَارًا فَكُنْ فِيْ الغَيْبِ أَحْفَظَ للعهدِ

إِذَا كُنْتَ تُرْضِيْهِ ويُرْضِيْكَ صاحبٌ

يُحَاوِلُ وَاشٍ غَيْرَ هِجْرَانِ ذِيْ وُدِّ

ص: 260

وَأَلْغِ أَحَادِيْثَ الوُشَاةِ؛ فَقَلَّمَا

والشاهد: (ترضيه ويرضيك) ؛ فالأول يطلب (صاحب) مفعولا به والثاني يطلبه فاعله، فأعمل الثاني. ولم يحذف من الأول ضميره مع أنه فضلة، والقياس حذفه من الأول، فتقول:(ترضي ويرضيك) .

وإن كان العامل المهمل هو الثاني وجب الإضمار، أي: ذكر ضمير المنصوب أو المجرور، فتقول:(أكرمني وأكرمته خالد، ومرّ بي ومررت به خالد) ، ولا يجوز حذف الضمير في الثاني، فلا تقول:(أكرمني وأكرمت خالدٌ، ولا مرّ بي ومررت خالدٌ) . ( [91] ) وقد جاء في الشعر حذف الضمير في العامل الثاني، كقول عاتكة بنت عبد المطلب:( [92] )

- إذا هُمُ لَمَحُوْا - شُعَاعُهْ

بِعُكَاظَ يُعْشِي النَاظِريْن

ف (يعشي) يطلب (شعاعه) فاعلاً، ولمحوا يطلبه مفعولاً به، وقد أعمل الأول ولم يذكر ضميرًا في الثاني، مع أنه حقه الذكر، والقياس: أن يقول: لمحوه لكنه ترك الإضمار شذوذا.

وجوب الإظهار في العامل المهمل بدل الإضمار:

ص: 261

" يجب أن يؤتى بمفعول الفعل المهمل ظاهرًا إذا لزم من إضماره عدم مطابقته لما يفسّره، لكونه خبرًا في الأصل عما لا يطابق المفسِّر، كما إذا كان في الأصل خبرا عن مفرد ومفسِّره مثنى، نحو: " أظنّ ويظناني زيدًا وعمرا أَخَوَيْن" ف (زيدا مفعول أول لأظن و (عمرا) معطوف عليه، و (أخوين) مفعول به ثانٍ لأظن، والياء مفعول أول ليظنان، فيحتاج إلى مفعول به ثانٍ، فلو أتيت به ضميرًا فقلت:(أظن ويظناني إياه زيدًا أخوين) فكان (إياه) مطابقا للياء في أنهما مفردان، ولكن لا يطابق ما يعود عليه وهو (أخوين) ؛ لأنه مفرد، و (أخوَين) مثنى، فتفوت مطابقة المفسِّر للمفسَّر وذلك لا يجوز، وإن قلت:(أظن ويظناني إياهما زيدا وعمرا أخوين) حصلت مطابقة المفسِّر للمفسَّر، وذلك لكون (إياهما) مثنى وأخوين كذلك، ولكن تفوت مطابقة المفعول الثاني الذي هو خبر في الأصل للمفعول الأول الذي هو مبتدأ في الأصل، لكون المفعول الأول مفردا وهو الياء، والمفعول الثاني غير المفرد وهو (إياهما) ولابد من مطابقة الخبر للمبتدإ، فلما تعذرت المطابقة مع الإضمار وجب الإظهار، فتقول:(أظنّ ويظنّاني أخا زيدًا وعمراً أخوَين)

ف (زيدًا وعمرا أخوين) مفعولا أظن، والياء مفعول يظنان الأول، و (أخا) مفعوله الثاني.

وقد خرجت هذه المسألة من باب التنازع؛ لأن كلا من العاملَين عمل في ظاهر، وهذا مذهب البصريين. وأجاز الكوفيون الإضمار مراعى به جانب المخبر عنه، فتقول:(أظن ويظناني إياه زيدًا وعمرًا أخوَين) وأجاز أيضا الحذف، فتقول:(أظن ويظناني زيدًا وعمرا أخوين) ". ( [93] )

تعدد العامل والمعمول في أسلوب التنازع:

ص: 262

" ليس من اللازم الاقتصار في أسلوب التنازع على عاملَين متقدمَين ولا على معمول واحد ظاهر بعدهما؛ فقد يقتضي الأمر " أن يتنازع العاملان أكثرَ من معمول، نحو (ضربتُ وأهنتُ زيدًا يومَ الخميس) . وقد تكون العوامل ثلاثة متقدمة من غير أن يتعدد المعمول، نحو:(يجلس ويسمع ويكتب المتعلم) . ( [94] ) ومنه قول الشاعر: ( [95] )

عفوًا وعافيةً في الروحِ والجسدِ

أَرْجُوْ وَأَخْشَى وَأَدْعُوْ اللَّهَ مبتغيًا

فقد تنازع ثلاثة عوامل في العمل في لفظ الجلالة (الله) ، وهي أرجو وأخشى وأدعو. ( [96] ) وفي هذه الحال، يجوز أن يكون معمولا لأي منها، إلا أن البصريين يفضّلُون أن يكونَ معمولاً للأخير منها، لقربه، والكوفيون يفضّلون الأول منها، لتقدمه، ونضمر معمولا للآخرين.

وقد تتنازع ثلاثة وقد يكون المتنازع متعددًا، ( [97] ) نحو قوله عليه السلام:((تسبّحون وتحمدون وتكبّرون دبرَ كل صلاة ثلاثا وثلاثين)) . ( [98] )" فدبر: ظرف وثلاثا: مفعول مطلق، وهما مطلوبان لكل من العوامل الثلاثة". ( [99] )

" يستنبط من تمثيل ابن هشام بهذا الحديث أمران:

الأول: أن المتنازع فيه قد يكون ظرفًا وقد يكون مفعولا مطلقا، وذلك لأن (دبر كل صلاة)) ظرف، و (ثلاثا وثلاثين) مفعول مطلق مبين للعدد وظاهر إطلاق المؤلف أن التنازع يكون في جميع المعمولات، لكن قال ابن الخباز ( [100] ) : إن التنازع لا يقع في المفعول له ولا في الحال ولا في التمييز ويجوز في المفعول معه، تقول:(قمت وسرت وزيدا) على أنك أعملت الثاني، فإن أعملت الأول قلت:(قمت وسرت وإياه وزيدًا) .

ص: 263

الأمر الثاني: أنه إذا تنازع أكثر من عاملَين أعملت الأخير منها كما في الحديث، فقد أعمل (تحمدون) في لفظ المعمولين، وأعمل العامل الأول والعامل الثاني في ضميريهما، وحذف الضميرين لكونهما فضلتين، ولو أعمل الأول لأعمل الثاني والثالث في ضميريهما ولم يحذف الضميرين فكان يقول:(تسبحون، وتحمدون الله فيه إياه وتكبرون الله فيه إياه) ، ولو أعمل الثاني لأعمل الأول في ضميريهما ثم حذف منه الضميرين لكونهما فضلة، وكان يعمل الثالث في الضميرين ولم يحذفهما، فكان يقول:(تسبحون وتحمدون وتبكرون الله فيه إياه)) فلما لم يقل إحدى العبارتين استدللنا على أنه أعمل الثالث كما قلنا أولا.

وهل يجوز في تنازع أكثر من عاملين إعمال الأول والثاني والثالث أو يتعين إعمال الثالث؟ والجواب عن ذلك أن ابن خروف ( [101] ) زعم أنه استقرأ كلام العرب فوجدهم يعملون الأخير ويلغون ماعداه، ووافقه ابن مالك ( [102] ) على هذه الدعوى، ولكن أثبات الرواة ردوا منهم المرادي ( [103] ) ذلك وقالوا: إنهم عثروا على ما يدل على أن العرب تعمل أول العوامل وتضمر فيما عداه، من ذلك قول أبي الأسود الدؤلي:( [104] )

أَخٌ لَكَ يُعْطِيْكَ الجَزِيْلَ ونَائِلَهْ

كَسَاكَ وَلَمْ تَسْتَكْسِهِ فَاشْكُرَنْ لَهُ

فههنا ثلاثة عوامل وهي: كساك، ولم تستكس، واشكرن، وقد أعمل أولها فرفع الأخ به، وأضمر في الثاني والثالث، وأظهر هذا الضمير؛ لأنه لا يترتب على إظهاره محظور على ما هو قاعدة الباب". ( [105] )

" والكثير في التنازع الاقتصار على عاملين ومعمول واحد، ولا يعرف في الأساليب القديمة الزيادة لى أربعة عوامل"( [106] ) . كقول الحماسي: ( [107] )

قعدت ولم أبغِ الندى عند سائبِ

طلبتُ فلم أُدْرِكْ بوجهي وليتني

ص: 264

ولا يكون التنازع في الحال والتمييز؛ لأنهما لا يضمران فإذا قلت (قمتُ وخرجتُ مسرعًا أو تصببت وامتلأتُ عرقا) كان من الحذف للدليل لا من التنازع، ( [108] ) وقال تعالى:{أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُوْنَ} [يوسف:12]، (وإنا له لحافظون) : جملة حالية، والعامل الأمر أو الجواب، ولا يكون ذلك من باب الإعمال؛ لأن الحال لا تضمر، والإعمال لابد فيه من الإضمار إذا أعمل الأول. ( [109] )

وكذلك لا تنازع في مجرور حتى، قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِيْنَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ

} [التوبة: 6] . (حتى) يصح أن تكون غاية، أي إلى أن يسمع، ويصح أن تكون للتعليل وهي متعلقة ب (أجره) ولا يصح أن يكون من باب التنازع، لكن من ذهب من النحويين إلى أن (حتى) تجر المضمر يجوز عنده أن يكون ذلك من باب التنازع، وكون (حتى) لا تجرّ المضمر هو مذهب الجمهور. ( [110] )

يجوز أن يكون المتنازع فيه فاعلاً، كقوله تعالى:{لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَّ ضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُوْنَ} [الأنعام:94] وقوله تعالى {وَإِنْ أَدْرِيْ أَقَرِيْبٌ أَمْ بَعِيْدٌ مَا تُوْعَدُوْنَ} [الأنبياء:109] .

ومفعولاً به، نحو قوله تعالى: {يُرِيْدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ اللذِّيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ

} [النساء:26] ، وقوله تعالى {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى

} [هود:102] .

وظرفا، نحو قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوْا اذْكُرُوْا اللهَ ذِكْرًا كَثِيْرًا وَسَبِّحُوْهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الأحزاب:41 42] .

ص: 265

ومفعولا لأجله، نحو قوله تعالى: {لَا تَرْفَعُوْا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوْا لَهُ بِالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ

} [الحجرات:2]، وقوله تعالى {عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى} [عبس:1 2] .

وجارا ومجرورًا، نحو قوله تعالى:{وَلَكُمْ فِيْ الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِيْنٍ} [البقرة:36] وقوله تعالى {كُلُوْا وَاشْرَبُوْا مِنْ رِزْقِ اللهِ

} [السورة نفسها: 60] .

أساليب التنازع:

ولما كان العاملان قد يتفقان أو يختلفان في طلبهما من حيث الرفع والنصب، كان للتنازع دائمًا أربع صور كلها جائز وإليك بيانها:( [111] )

أ " إذا كان العاملان يطلبان مرفوعاً". لهذه الحالة أربعة أساليب، وهي كالآتي:

(قام، وقعد الرجالُ) : هنا نجد الاسم الظاهر (الرجال) أعطي فاعلا للفعل الثاني (قعد) ، وأما الفعل الأول فلم يُعَطَ شيئًا. هذا الأسلوب لا يقبله سيبويه، فعنده أن العامل الذي يطلب مرفوعًا لابد من إعطائه هذا المرفوع إما ظاهرًا وإما مضمرًا، فالأسلوب الصحيح عنده يقال: قاموا وقعد الرجالُ ( [112] ) . وأما الكسائي والفراء فقد أجازا هذا الأسلوب كما سبق.

(قَامَ، وقَعَدَ الرجالُ) : هنا نجد العكس: فقد أعطي الظاهر للفعل الأول، أما الثاني فلم يعط شيئا.

(قاموا، وقعد الرجالُ) : هنا نجد الفعل الثاني قد أخذ الظاهر، ولكن الأول لم يحرم حرمًا تامًا، بل أرضي بالضمير.

(قام، وقعدوا الرجالُ) : هنا نجد الظاهر قد أعطي للأول، وأما الثاني فقد أرضي بالضمير.

ب ((إذا كان العاملان يطلبان منصوبًا)) ، وصورها أربع أيضا كلها جائز:

(رأيتُ وضربتُ زيدًا) : أعطيت الثاني وحرمت الأول.

(رأيتُ وضربتُ زيدًا) : أعطيت الأول وحرمت الثاني.

ص: 266

ومن النحاة من لم يجز هذا الأسلوب، كما سبق، وطالب بإرضاء الثاني بالضمير إن حرم من الظاهر، وهو مردود بقول الشاعرة عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي عليه السلام:

إِذَا هُمُوْ لَمَحُوْا شُعَاعُهْ

بِعُكَاظَ يُعْشِيْ النَّاظِرِيْنَ

(رأيته، وضربت زيدًا) : ومن النحاة من لم يجز هذا الأسلوب ذاهبا إلى أن الأول إذا حرم من الظاهر فلا يعطى الضمير، إذا كان يطلب منصوبا، وهو مردود بقول الشاعر:

جِهَارًا، فَكُنْ فِيْ الغَيْبِ أَحْفَظَ لِلعَهْدِ

إِذَا كُنْتَ تُرْضِيْهِ وَيُرْضِيْكَ صَاحِبٌ

(رأيتُ وضربتُهُ زيدًا) : أعطيت الظاهر للأول وأرضيت الثاني بالضمير.

ج (إذا كان الأول رافعًا والثاني ناصبًا) : والصور الأربع نفسها ستتكرر:

(رآني ورأيت الرجالَ) : أعطيت الظاهر للثا رأوني ورأيت الرجالَ ني، وأما الأول فحرمته مرفوعه لدلالة منصوب الثاني عليه.

(رآني ورأيت الرجالُ) : أعطيت الظاهر للأول مرفوعا أما الثاني فحرمته منصوبه.

(رأوني ورأيت الرجالَ) : أعطيت الظاهر للثاني منصوبا وأما الأول فأرضيته بالضمير.

(رآني ورأيتهم الرجالُ) : أعطيت الظاهر للأول وأما الثاني فأرضيته بالضمير.

د ((إذا كان الأول ناصبا والثاني رافعا)) : والصور الأربع نفسها ستتكرر:

(رأيتُ ورآني الرجال) .

(رأيت ورآني الرجال) .

(رأيتهم ورآني الرجال) .

(رأيت ورأوني الرجال) .

آراء العلماء في التنازع:

1 رأي أبي عمر الجرمي (ت: 255هـ) :

ص: 267

إن أبا عمر الجرمي كان يأبى التعقيد في النحو وكثرة التقديرات، ومما يؤكد ذلك عنده أنه كان يمنع التنازع في الأفعال التي تتعدى إلى مفعوليَن أو ثلاثة، ذاهبًا إلى أنه ينبغي أن يقتصر في الباب على السماع والقياس عليه دون الإتيان بصور معقدة لم يرد لها مثيل عن العرب، فإن في ذلك تكلفًا وإيغالاً في تمرينات لا تفيد في تعلم العربية، وإن كان النحاة لم يستمعوا إلى رأيه فقد مضوا يطبقون الباب في (ظن) وأخواتها و (أعلم) وأخواتها، مما كان سببًا في أن يحملَ عليهم ابن مضاء، في كتابه الرد على النحاة، حملة شعواء. ( [113] )

2 رأي ابن مضاء القرطبي (ت592 هـ) :

يدرس ابن مضاء باب التنازع في النحو درسًا مفصلاً، وهو درس أراد به أن يصور ما تجره نظرية العامل من رفض بعض أساليب العرب، وأن يضع النحاة مكانها أساليب لا تعرفها العربية، فإنهم يرفضون في باب التنازع صورًا من التعبير دارت على ألسنة العرب، وذلك أنهم قد يعبرون بعاملَين، ثم يأتون بعدهما بمعمول واحد على نحو ما نرى في مثل (قام وقعد إخوتك) وقول علقمة:

رِجَالٌ فَبَذَّتْ نَبْلَهُمْ وكَلِيْبُ

تَعَفّقَ باِلأَرْطَى لَهَا وأَرَادَهَا

وقد رفض النحاة هذه الصورة من التعبير؛ لأنه لا يصح أن يجتمع عاملان على معمول واحد، أو كما يقولون لا يصح أن يجتمع مؤثران على أثر واحد، وإذن فإما أن نعمل الأول ونضمر في الثاني، أو نعمل الثاني ونضمر في الأول. اختار الكوفيون إعمال الأول لسبقه، واختار البصريون إعمال الثاني لقربه، فيطلبون إلى صاحب المثال الأول أن يقول (قام وقعدوا إخوتك) أو يقول:(قاموا وقعد إخوتك) ويطلبون إلى علقمة أن يقول (تعفقوا.... وأرادها رجال.... وكليب) وهي جمع كلب أو يقول (تعفق

وأرادها رجال

وكليب) .

ص: 268

وعلى هذه الصورة يرفض النحاة أساليب العرب، ويضعون مكانها أساليب أخرى تسولها لهم فكرة العامل. وإن الاستمرار في درس هذا الباب ليطلعنا على مدى تكلفهم، فإن من يرجع إليهم فيه يجدهم يطبقون هذا المنهج تطبيقًا واسعًا، فلا يتركون فعلاً ولا ما يشبه الفعل دون أن يجروا فيه صور هذا التنازع، على طريقتهم في الإضمار. وقد استمرّ ابن مضاء يعرض هذه الصور ليدل على ما صنعوه في أساليب اللغة من تعقيد، وإنه ليعرض للدلالة على ذلك صور التنازع التي يذكرونها في باب ظن وأعلم، فظن مثلا يجري فيها التنازع على هذا الشكل:(ظننت وظناني شاخصا الزيدين شاخصين) وأما أعلم التي تتعدى إلى ثلاثة مفاعيل، فشأنها في الإضمار أعقد وأعسر، إذ يجري فيها التنازع على هذا الشكل.

(أعملت وأعلمانيهما إياهما الزيدين العمرين منطلقين) ويعقب ابن مضاء على هذه الصورة وأمثالها بأنه لا يجوز أن تجري في الكلام؛ لأن العرب لم يستخدموها، وإنما هو عقل النحاة الذي يتعبهم لما يتصور من خطر نظرية العامل ذلك الخطر الذي جعلهم ينحازون عن صور أصلية في التعبير العربي إلى صور أخرى جديدة، صور نحوية لا تيسر كلامًا ولا تسهل حديثًا، بل تصعب الكلام وتعقده، وتحيله ألغازا عسيرة الحل. ( [114] )

أي العاملين أولى بالتعليق في التنازع:

يقول ابن مضاء: " بين النحويين اختلاف في أي الفِعْلَين أولى أن تعلق به الاسم الآخر، فاختيار البصريين الثاني للجوار، واختيار الكوفيين للسبق، ومذهب البصريين أظهر؛ لأنه أسهل، فإنه ليس إلا حذف ما تكرر في الثاني، أو إضماره الأول على مذهبهم إن كان فاعلاً. والتعليق بالأول فيه إضمار كل ما تكرر من متعلقات الأول في الثاني، وتأخير المتعلقات بالأول بعد الثاني، وقد حملهم الجوار أن يقولوا (هذا جحر ضبٍّ خربٍ)) فيخفضون خرب وهو للجحر المتقدم. ( [115] )

3 رأي ابن مالك:

ص: 269

إن اختيار البصريين إعمال الثاني دون الأول، لسببين هما: كثرة الضمائر إذا أعملنا الأول، ثم تأخير المتعلقات بالأول بعد الثاني، أي الفصل بين العامل وهو الفعل الأول ومعمولاته بالفعل الثاني. وقد لاحظ ابن مالك في شرحه على التسهيل أن إعمال الثاني هو الذي جاء كثيرًا في كلام العرب، ( [116] ) واستدلّ على ذلك بقول سيبويه في التنازع:" ولو لم تحمل الكلام على الآخر لقلت ضربت وضربوني قومك وإنما كلامهم: ضربت وضربني قومك". ( [117] )

4 رأي أبي حيان:

ويقول أبو حيان: " إن إعمال الأول قليل، ومع قلته لا يكاد يوجد في غير الشعر، بخلاف إعمال الثاني فإنه كثير الاستعمال في النثر والنظم. وقد تضمنه القرآن المجيد في مواضع كثيرة، منها قوله تعالى: {يَسْتَفْتُوْنَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيْكُمْ فِيْ الكَلَالَةِ

} [النساء: 176]، وقوله تعالى:{آتُوْنِيْ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} } [الكهف: 96]، وقوله جل وعز {هَاؤُمُ اقْرَءُوْا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:19] ، وقوله أيضا {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوْا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَدًا} [الجن: 7] ، ولو أعمل الأول لجاءت الآيات الكريمة على هذا النسق: يفتيكم فيها الكلالة، وآتوني أفرغه قطرا، وهاؤم اقرءوه كتابيه، وأنهم ظنوا كما ظننتموه" ( [118] ) ، بالإضمار على قاعدتهم.

ويقول أبو حيان أيضا في تفسير البحر المحيط: أعمل الثاني على الأفصح، وعلى ما جاء في القرآن، وإعمال الأول لم يرد في القرآن لقلته. ( [119] )

5 رأي الرضي:

ويقول الرضي: إعمال الثاني أكثر في كلام العرب بالاستقراء. وكل ما جاء من أساليب التنازع في القرآن فإنما أعمل فيه الثاني وأهمل الأول، على ما هو المختار عند البصريين ولو أعمل الأول لأضمر في الثاني ما يطلبه عند الجميع. ( [120] )

6 رأي عباس حسن:

ص: 270

يرى عباس حسن أنه يعدّ " باب (التنازع) من أكثر الأبواب النحوية اضطرابا، وتعقيدا، وخضوعا لفلسفة عقلية خيالية. ليست قوية السند بالكلام المأثور الصحيح، بل ربما كانت مناقضة له.

فأما الاضطراب فيبدو في كثرة الآراء والمذاهب المتعارضة التي لا سبيل للتوفيق بينها أو التقريب". ( [121] )

يتجلى هذا في أن بعضها يجيز حذف المرفوع كالفاعل، وبعضها لا يجيز. وفريق يجيز أن يشترك فعلان أو أكثر في فاعل واحد. وفريق يمنع.

وطائفة تبيح الاستغناء عن المعمولات المنصوبة، وعن ضمائرها. وطائفة تبيح حذف ما ليس عمدة الآن أو في الأصل وفئة تحتم تقدير ضمير المعمول متأخراً في بعض الصور وفئة لا تحتم، فليس بين أحكام التنازع حكم متفق عليه أو قريب من الاتفاق. ( [122] )

وأما التعقيد فلما أوجبوه مما ليس بواجب، ولا شبه واجب، فقد حتموا أن يكون ضمير الاسم المتنازع فيه واجب التأخير عنه حينا في رأي كثرتهم فرارا من الإضمار قبل الذكر، ومتقدمًا حينًا آخر إذا تعذر تأخيره لسبب ما تخيلوه. ( [123] )

ولقد نشأ من مراعاة أحكامهم هذه أساليب بلغت الغاية في القبح، لا ندري: ألها نظير في الكلام العربي، أم ليس لها نظير؟ كقولهم:(استعنتُ واستعان علي زيد به) و (ظننتُ مطلقة وظنتني منطلقا هند إياها)

و (أعلمني وأعلمته إياه إياه زيد عمرا قائما) و (أعلمتُ زيدًا عمرا قائما إياه إياه) وهذا قليل من الأمثلة البغيضة التي لا يطمئن المرء أن لها نظائر في الأساليب المأثورة. ( [124] )

ص: 271

وأما الخضوع إلى الفلسفة العقلية الوهمية فواضح في عدد من مسائل هذا الباب، منها تحتيمهم التنازع في مثل: قام وذهب محمدٌ، حيث يوجبون أن يكون الفاعل:(محمد) لأحد الفعلين، وأما فاعل الآخر فضمير، ولا يبيحون أن يكون لفظ (محمد) فاعلا لهما، بحجة" أن العوامل كالمؤثرات فلا يجوز اجتماع عاملَيْن على معمول واحد، ولا ندري السبب في منع هذا الاجتماع مع إباحته لو قلنا: قام محمد وذهب؛ فإن فاعل الفعل (ذهب) ضمير يعود على محمد فمحمد في الحقيقة فاعل الفعلَين؛ ولا يقبل غير هذا. ( [125] )

من كل ما سبق يتبين ما اشتمل عليه هذا الباب من عيوب الاضطراب والتعقيد والتخيل الذي لا يؤيده في ظننا الفصيح المأثور.

ومن سلامة الذوق الأدبي وحسن التقدير البلاغي الفرار من محاكاة الصور البيانية وأساليب التعبير الواردة في هذا الباب ولو كان لها نظائر مسموعة؛ لقبح تركيبها، وغموض معانيها، وصعوبة الاهتداء إلى صياغتها الصحيحة. ( [126] )

7 رأي د. شوقي ضيف: ( [127] )

ص: 272

لم يقف النحاة بباب التنازع عند صوره البسيطة التي عرفها سيبويه في الأبيات فقد مضوا يعرفونه في الأفعال المتعدية إلى مفعولَين فتقول في رأي الكوفيين" ظننتُ وظنوني شاخصًا الزيدين شاخصَين" أي ظننت الزيدين شاخصين وظنوني شاخصًا". وكذلك في الأفعال المتعدية إلى ثلاثة مفاعيل، فتقول في رأي الكوفيين" أعلمتُ وأعلمونيهم إياهم الزيدين العمرين منطلقين" أي أعلمت الزيدين العمرين منطلقين وأعلمونيهم إياهم. ومعروف مما سبق أن البصريين لا يضمرون المفاعيل مع الفعل الأول المتعدي إلى مفعولَين أو ثلاثة مفاعيل. وتوقف ابن مضاء بإزاء هاتين الصورتين الكوفيتين للأفعال المتعدية إلى مفعولَين وثلاثة مفاعيل، وقال: رأيي وفيما شاكلهما أن كل ذلك لا يجوز؛ لأنه ليس له نظير في كلام العرب ولا جرى في لسانهم. ومن قبله ذهب الجرمي كما ذكر ذلك السيرافي في شرحه على سيبويه والرضي في شرحه على الكافية إلى أنه لا يجوز إجراء التنازع في الأفعال التي تتعدى إلى مفعولَين أو ثلاثة؛ لأن ذلك يخرج عن القياس، وإنما يستعمل التنازع فيما استعملته العرب وتكلمت به وما لم تتكلم به فمردود.

وواضح مما سبق أن الأمثلة المستعملة في العربية من هذا الباب هي خبر فعلى الكينونة كما يرى البصريون أو الحال كما يرى الكوفيون وقد يتنازع الفعلان فاعلاً أو مفعولاً به كقوله {آتُوْنِىْ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف:96]

وقد يطلب أحد الفعلين الاسم على أنه فاعل ويطلبه الآخر على أنه مفعول به. وقد يطلبان جره بالحرف كما في الآية الكريمة {يَسْتَفْتُوْنَكَ قُلِ اللُّهُ يُفْتِيْكُمْ فِىْ الكَلَالَةِ

} [النساء:176] .

وتشهد كل هذه الأمثلة برجحان رأي سيبويه القائل بأن الثاني هو الذي يعمل في الاسم رفعًا ونصبًا وجرًا وأنه استغنى عن الاسم في الفعل الأول لعلم المخاطب به أو بعبارة أخرى حذف لدلالة السياق عليه.

ص: 273

وواضح مما سبق أن باب التنازع إنما هو من افتراضات البصريين والكوفيين وأنه حري بأن يحذف من النحو إذ يعرض صورًا من التعبير لا تجري في العربية ولا نطق بها العرب لا هي ولا قواعد الإضمار التي اجتلبت الأمثلة تطبيقا عليها.

8 رأي محمد صلاح الدين مصطفى بكر:

تتلخص وجهة نظره في التنازع فيما يلي: ( [128] )

أولاً: ليس هناك تنازع بين الأفعال في هذه المعمولات (الأسماء المرفوعة أو المنصوبة) فكل الأفعال موجهة للعمل في هذه الأسماء ولا داعي للقول بتقدير معمولات لكل فعل أو تقدير ضمائر تعتمد عليها.

ثانيا: لقد قال النحاة بحذف الفاعل في أبواب معينة، والفاعل له الأهمية الأولى دون سائر الأبواب جميعها عند النحاة فلماذا القول هنا بتقدير ضمائر تعتمد عليها الأفعال التي لم نجد لها معمولات.

ثالثا: لقد حاول النحاة بيان مذهبهم في مسألة التنازع باختراع نصوص لا صلة لها باللغة العربية فصاحةً وتعاملاً مما يدل على أن المعالجة عقلية خالصة ليست على أساس لغوي بمقدار ما هي مبنية على أمثلة متخيلة لتأييد وجهة نظر عقلية خالصة تختلف من مذهب إلى مذهب نحوي آخر.

ص: 274

رابعًا: ينبغي فهم الإسناد في التنازع في ضوء الأفكار اللغوية المحضة وعدم التقيد بالأفكار غير اللغوية التي فرضت على النحو أن يتجه اتجاهًا بعيدًا عن طبيعة اللغة. إن اللغة ليست كائنًا حيا يخضع لنواميس طبيعية ينبغي أن يسير عليها ولكن اللغة عرف اجتماعي بين اللغويين أي المتحدثين بلغة معينة في بيئة معينة وفي محيط اجتماعي معين إننا لا نقف لنسأل لماذا اتجهت اللغة هذا الاتجاه ولماذا سارت إلى هذه الوجهة ولماذا لم يكن في ذلك الاتجاه. إن اللغة بعيدة كل البعد عن المنطق الذي حاول النحاة مجتهدين إخضاعها له معتقدين أن في ذلك صلاحها ورسوخها. إن اللغة لا يهمها أن يكون للفعل معمولان أو أكثر ولا يهمنا أن يكون المعمول راجعا لفعل واحد يمكن أن يكون له أكثر من معمول فلا اشتغالَ والمعمولات يمكن أن ترجع إلى أكثر من فعل فلا تنازع. المهم أن يكون الإسناد صحيحًا شكلاً ومضمونًا.

تعقيب ومزيد من المناقشة:

بعد تتبعي في القرآن الكريم ومظان اللغة العربية تبين لي أن باب التنازع باب أصيل، وأن مذهب البصريين أسهل وأحسن وموافق تمامًا للقرآن الكريم حيث إن الأمثلة الواردة فيه تؤيد المذهب البصري في إعمال العامل الثاني في المعمول المتنازع فيه، وأما مذهب الكوفيين فلا يتوافق مع القرآن الكريم ألبتة وإن كان قد يوافق بعض الشواهد الشعرية ولكنها لقلتها لا تصل إلى درجة القياس.

ص: 275

لقد ذهب الكسائي وأيده هشام بن معاوية الضرير (ت 205هـ) وبعض المغاربة إلى أن الفاعل قد يحذف على نحو ما يلقانا في باب التنازع في مثل (قام وقعد علي) ففي رأيهم أن لفظة (علي) فاعل للفعل الثاني وأن الفعل الأول حذف فاعله، حتى لا يكون هناك إضمار قبل ذكر الفاعل ويتضح ذلك أكثر في حالتي التثنية والجمع، فمذهب سيبويه فيهما أن يقال في التثنية (ضرباني وضربتُ الزيدين) وفي الجمع (ضربوني وضربتُ الزيدين) . أما مذهب الكسائي وهشام وبعض المغاربة فيقال في التثنية:(ضربني وضربتُ الزيدين) وفي الجمع (ضربني وضربت الزيدين) فتوحد الفعل الأول معهما لخلوه من الضمير واستشهد في ذلك ببعض الأشعار، والذي قاله الكسائي ومن تبعه غير منطقي؛ لأن الفاعل له الأهمية الأولى دون سائر الأبواب كلها عند النحويين فلا يمكن حذفه.

أنا لا أوافق على جميع ما قاله النحاة، بل أنتصر لما ذهب إليه أبو عمر الجرمي وابن مضاء القرطبي أنه يمتنع التنازع في الأفعال المتعدية إلى مفعولين أو ثلاثة مفاعيل، وأنه ينبغي أن يقتصر في الباب على السماع والقياس عليه دون الإتيان بصيغ معقدة عسرة لم ينطق بها العرب ولا وقعت في أوهامهم لما في ذلك من تكلف لصيغ لم تأت عن العرب.

أنا أؤيد ما ذهب إليه عباس حسن أن باب التنازع مضطرب مائج بسبب كثرة الآراء والمذاهب المتعارضة التي لا سبيلَ إلى التوفيق بينها ولكني لا أؤيده في بعض العلل التي قدّمها في مناقشته حيث يقول: إن النحاة لا يبيحون أن يكون لفظ (محمد) فاعلاً للعاملين كليهما في مثل قولنا: قام وذهب محمد، بحجة أن العوامل كالمؤثرات فلا يجوز اجتماع عاملَين على معمول واحد.

ص: 276

وهو مذهب الفراء الذي يجيز توجه عامليَن إلى معمول واحد إذا كان موافقا، إن سلمنا بهذا وألغينا باب التنازع فما نقول في الصور الأخرى؛ لأنه قد يتنازع الفعلان فاعلاً ومفعولا به، نحو:(رآني ورأيت الرجال) وقد يطلب أحد الفعلين الاسم على أنه مفعول به والآخر على أنه فاعل، نحو:(رأيت ورآني الرجال) وقد يطلبان جره بحرف الجر، نحو قوله تعالى:{اجْتَباهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ} [النحل: 121] .

وأما د. شوقي ضيف فقد ذكر آراء سيبويه والنحاة وما قاله أبو عمر الجرمي وابن مضاء ثم أعلن أن باب التنازع إنما هو من افتراضات البصريين والكوفيين وأنه حري بأن يحذف من النحو إذ يعرض صورا من التعبير لا تجري في العربية ولا نطق بها العرب.

هذا القول ليس مقنعًا، والأدلة التي قدّمها ليست مرضية، سبق أن ذكرت أن الصور التي لم ترد عن العرب تحذف من النحو، هذا لا يعني أننا نحذف الباب كله؛ لأن أمثلة التنازع قد وردت في التنزيل وفي كلام العرب فلا يمكن إنكارها.

وأما محمد صلاح الدين مصطفى بكر فقد ذهب إلى أنه ليس هناك تنازع بين الأفعال في المعمولات، فكل الأفعال موجهة للعمل في هذه الأسماء، وهذا القول قد يكون مستساغاً إذا كان العاملان يطلبان مرفوعا أو منصوبا وأما إذا كان الأول رافعًا والثاني ناصبًا أو إذا كان الأول ناصبًا والثاني رافعًا فلا يكون مستساغًا؛ لأن العاملَين لا يمكن أن يتوجه إلى معمول واحد في آن واحد.

الخاتمة:

ص: 277

أحمد اللهَ العليم الحكيم الذي أعانني على اجتياز درب هذا البحث الوصفي التحليلي المحفوف بالصعوبات؛ لأن مسائل باب التنازع غير المجلات في مظانها المختلفة تكاد تسيطر على كثير من مسائله. ولقد مهدت لي هذا الدرب رغبة قوية دفعتني إلى اجتيازه كلما اعتراني الفتور، ويشفع لهذه الرغبة القوية أن هذا البحث يدور في فلك التنزيل. ومن المعلوم أن النص اللغوي العربي يتمثل في القرآن الكريم والحديث الشريف والشعر والنثر؛ فالقرآن الكريم هو المنبع الأصيل بحيث لو استشهد الصرفي والنحوي استشهادا شاملا بنص قرآني لكانت كافية كلمة الصرف والنحو، ولجاءت القواعد موحدة وقد توصل هذا البحث المتواضع إلى كثير من النتائج الجزئية المتناثرة في موضوعاته وسأكتفي بذكر أهم هذه النتائج وهي على النحو التالي:

1 اتضح من خلال البحث أن مصطلح (التنازع) قد ظهر في الوجود أول ظهوره في نهاية القرن السابع الهجري لدى ابن هشام الأنصاري على الرغم من أن المفهوم كان واضحًا لدى سيبويه في النصوص لا في العنوان.

2 إن تسمية التنازع كانت دقيقةً وموفقةً ومنطقيةً؛ لأن كل عامل من العوامل يطلب المعمول لنفسه وكأنما يريد أن ينزعه من الآخر ليستأثر به.

3 إن التعريفات التي استقرت في كتب النحو تنطلق من نقطة واحدة هي أن التنازع هو عبارة عن توجه عاملين أو أكثر إلى معمول واحد أو أكثر.

4 يجوز التنازع في التوسط والتقدم.

5 لا يقع التنازع بين حرفين؛ لأن الحروف لا دلالة لها على الحدث حتى تطلب المعمولات كما لا يقع بين حرف وغيره من فعل واسم. ولا يقع التنازع بين عاملين جامدين؛ لأن التنازع يقع فيه الفصل بين العامل ومعموله

والجامد لا يفصل بينه وبين معموله.

6 ولا يمتنع التنازع في السببي المنصوب، نحو:(زيدٌ ضرب وأكرم أخاه) . ولا يقع التنازع في الاسم المرفوع بعد إلا على الصحيح.

ص: 278

7 إن التنازع قد يقع في الظرف والمفعول المطلق والمفعول معه ولا يقع في المفعول له وفي الحال والتمييز.

8 والكثير في التنازع الاقتصار على عاملين ومعمول واحد، ولا يعرف في الأساليب القديمة الزيادة على أربعة عوامل ولكن لا مانعَ من الزيادة عند وجود ما يقتضيها.

9 بعد تتبعي في القرآن الكريم ومظان اللغة العربية تبيّن لي أن باب التنازع باب أصيل وأن مذهب البصريين أسهل وأحسن وموافق تماما للقرآن الكريم حيث إن الأمثلة الواردة فيه تؤيد المذهب البصري في إعمال الثاني في المعمول المتنازع فيه، وأما مذهب الكوفيين فلا يتوافق مع القرآن الكريم ألبتة وإن كان قد يوافق بعض الشواهد الشعرية ولكنها لقلتها لا تصل إلى درجة القياس.

10 يمتنع التنازع في الأفعال المتعدية إلى مفعولَين أو ثلاثة مفاعيل، وينبغي أن يقتصر في الباب على السماع والقياس دون الإتيان بصيغ معقّدة عسرة لم ينطق بها العرب.

11 أظهر البحث أن دعوة بعض المحدَثِين إلى إلغاء باب التنازع لا تستند إلى أدلة مقنعة؛ لأن ظاهرة التنازع قد وردت في آيات قرآنية كثيرة وأشعار العرب وكلام الفصحاء ولن يمكن إغفالها.

الاقتراحات والتوصيات

أقدّم الاقتراحات والتوصيات التالية:

1 لقد ثبت من خلال البحث في القرآن الكريم ومظان اللغة أن باب التنازع باب أصيل، ولن يمكن إلغاؤها بناء على ما قدم بعض المحدثين.

2 إلغاء التنازع في الأفعال التي تتعدى إلى مفعولَين أو ثلاثة مفاعيل؛ لأنها لم ترد في القرآن الكريم، ولا في أشعار الشعراء ولا في كلام العرب.

3 ينبغي أن ينظر في تيسير النحو كما ذكره بعض النحاة وذلك لا يتم من خلال إلغاء الباب، لعله يتم من خلال الأمور التالية:

أتشكيل لجنة خاصة تقوم بمراجعة كتب قواعد اللغة العربية

ص: 279

ودراستها دراسة علمية متعمقة شاملة وتقوم بجمع رؤوس مسائل النحو في موطن واحد حتى لا يتيه المتعلم والمتلقي في هذه الموضوعات المتفرقة في أبواب شتى ثم تصنيفها تصنيفا ميسرا.

ب تطوير الدراسات النحوية على جميع المستويات بغية تسهيل القواعد العربية وخاصة باب التنازع.

ج وضع مناهج عصرية لتدريس المواد النحوية د تبسيط أسلوب العرض ليتلاءم مع الطلبة والبعد عن التعقيدات.

هـ إنشاء مراكز خاصة لإعداد المعلِّمين وتدريبهم على ضوء ما تصل إليه لجنة التطوير.

وتكثيف التدريبات والتطبيقات والتمارين على الصعوبات التي تكشف عنها الدراسات الحديثة.

ز دراسة الأساليب النحوية من خلال القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وكلام العرب الفصحاء.

الهوامش والتعليقات

---

( [1] ) ابن هشام: السيرة النبوية، ط2، شركة مكتبة مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1375هـ، 1:270.

( [2] ) روي في إرشاد الأريب عن عبد الله بن مسعود، 1:82.

( [3] ) ابن جني: الخصائص، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1374هـ، 2:8.

( [4] ) إرشاد الأريب: 1: 77.

( [5] ) عبد المجيد عابدين: المدخل إلى دراسة النحو العربي، مطبعة الشبكسي، مصر، 1951م، ص: 103 وما بعدها.

( [6] ) سيبويه: الكتاب، ت: عبد السلام محمد هارون، ط3، الناشر مكتبة الخانجي بالقاهرة، 1408هـ 1988م، 1:73.

( [7] ) أبو حيان الأندلسي: تذكرة النحاة، ت: د. عفيف عبد الرحمن، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1406هـ 1986م، ص:337.

( [8] ) ابن عصفور الإشبيلي: شرح جمل الزجاجي، ت: صاحب أبو جناح، القاهرة، 1971م،

1: 613.

( [9] ) المبرد: المقتضب، ت: محمد عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب، بيروت، (د ت)، 3:112.

( [10] ) سابق الدين ابن يعيش الصنعاني: كتاب التهذيب الوسيط في النحو، ت: د. فخر صالح سليمان قدارة، دار الجيل، بيروت، 1411هـ 1991م، ص:400.

ص: 280

( [11] ) الزمخشري: المفصل في صنعة الإعراب، ت: علي بو ملحم، دار ومكتبة الهلال، بيروت، ط1، 1993م، ص38.

( [12] ) موفق الدين ابن يعيش: شرح المفصل، مكتبة المتنبي، القاهرة: 1: 77.

( [13] ) ابن هشام الأنصاري: أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت، لبنان، د: 186

( [14] ) المرجع نفسه: 2: 186، وانظر ابن عصفور الإشبيلي: شرح جمل الزجاجي: 1: 613، وخالد بن عبد الله الأزهري: شرح التصريح على التوضيح، دار الفكر (د ت) : 1: 315.

( [15] ) محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي: مختار الصحاح، المكتبة الأموية، بيروت، دمشق، مادة نزع، ص: 654، وانظر ابن منظور: لسان العرب، دار صادر، بيروت، مادة نزع: 8: 352، ومحمد بن علي الصبان: حاشية الصبان، ترتيب مصطفى حسين أحمد، دار الفكر، 1: 97، والخضري: حاشية الخضري على شرح ابن عقيل، دار الفكر، 1398، ص:182.

( [16] ) سيبويه: الكتاب: 1: 73.

( [17] ) ابن عصفور الإشبيلي: شرح جمل الزجاجي: 1: 613.

( [18] ) المبرد: المقتضب، 3:112.

( [19] ) ابن يعيش الصنعاني: كتاب التهذيب الوسيط في النحو: ص: 400.

( [20] ) ابن يعيش: شرح المفصل: 1: 77.

( [21] ) ابن المعطي: شرح ألفية ابن المعطي، ت: د. علي موسى الشوملي، مكتبة الخريجي، ط1، 14-5هـ 1985م، ص:651.

( [22] ) ابن عقيل: شرح ابن عقيل، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، 1399هـ 1979م، 2:157.

( [23] ) أبو حيان الأندلسي: تذكرة النحاة: ص: 337.

( [24] ) ابن هشام الأنصاري: أوضح المسالك: ص: 186.

( [25] ) عباس حسن: النحو الوافي، ط9، دار المعارف، (د ت)، 2:187.

( [26] ) المرجع نفسه: 2: 187.

( [27] ) محمد محيي الدين عبد الحميد: عدة السالك إلى تحقيق أوضح المسالك: 2: 186.

( [28] ) ياسين بن زين الدين الحمصي: حاشية على شرح الفاكهي لقطر الندى، ط2، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1390 هـ 1971م، ص: ص: 90.

ص: 281

( [29] ) محمد محيي الدين عبد الحميد: عدة السالك: 2: 187.

( [30] ) الأزهري: شرح التصريح، دار الفكر، (د ت)، 1:318.

( [31] ) المرجع نفسه: 1: 318.

( [32] ) المرجع نفسه: 1: 318.

( [33] ) المرجع نفسه: 1: 318.

( [34] ) محمد محيي الدين عبد الحميد: عدة السالك: 2: 187.

( [35] ) الصبان: حاشية الصبان: 2: 97، 98.

( [36] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 318.

( [37] ) عبد القاهر الجرجاني: كتاب المقتصد في شرح الإيضاح، ت: د. كاظم بحر المرجان، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، الجمهورية العراقية، 1982م: 1: 575.

( [38] ) محمد محيي الدين عبد الحميد: عدة السالك: 2: 187.

( [39] ) الأزهري: شرح التصريح: 2: 419.

( [40] ) الصبان: حاشية الصبان: 2: 98.

( [41] ) محمد محيي الدين عبد الحميد: عدة السالك: 2: 188.

( [42] ) المرجع نفسه: 2: 188.

( [43] ) المرجع نفسه: 2: 188.

( [44] ) المرجع نفسه: 2: 188.

( [45] ) المرجع نفسه: 2: 188.

( [46] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 316.

( [47] ) محمد محيي الدين عبد الحميد: عدة االسالك: 2: 189.

( [48] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 317.

( [49] ) المرجع نفسه: 1: 317.

( [50] ) المرجع نفسه: 1: 317.

( [51] ) المرجع نفسه: 1: 317.

( [52] ) الشاطبي: المقاصد الشافية: 1: 175.

( [53] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 319.

( [54] ) رضي الدين الإستراباذي: شرح كتاب الكافية، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1405هـ 1985م: 1: 78.

( [55] ) ديوان امرئ القيس، ص: 39، وانظر كتاب سيبويه: 1: 79، والخزانة: 1: 158، والإنصاف: 39، ومغني اللبيب: 417، وشرح قطر الندى: 81، والأشموني: 407، وشرح المفصل:95.

( [56] ) من شواهد سيبويه: 1: 78، والإنصاف:40.

( [57] ) الأنباري: الإنصاف في مسائل الخلاف، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، 1982م، مسالة 13، ص: 83 وما بعدها.

ص: 282

( [58] ) قد اسشهد كل من سيبويه: 1: 87، وشرح المفصل: 1: 78، وشواهد العيني: 3: 22، والهمع: 1: 66، والأشموني: 2: 105، وديوانه:37.

( [59] ) ابن المعطي: شرح ألفية ابن المعطي: 1: 655.

( [60] ) ديوانه: 441، وشرح مشكلات الحماسة: 134، وشرح جمل الزجاجي: 1: 615.

( [61] ) ابن عصفور الإشبيلي: شرح الجمل: 1: 615.

( [62] ) المصدر نفسه: 1: 613.

( [63] ) الأنباري: الإنصاف: 1: 87.

( [64] ) أبو حيان الأندلسي: تذكرة النحاة: 348.

( [65] ) ديوان الفرزدق: 844، وانظر كتاب سيبويه: 1: 77، والإنصاف:42.

( [66] ) ديوان طفيل: 7، وانظر كتاب سيبويه: 1: 77، والإنصاف:43.

( [67] ) الشاهد في كتاب سيبويه: 1: 77، والإنصاف:44.

( [68] ) الأنباري: الإنصاف: 1: 87 89.

( [69] ) المصدر نفسه: 1: 92.

( [70] ) سيبويه: الكتاب: 1: 76.

( [71] ) المصدر نفسه: 1: 79.

( [72] ) أبو حيان: تذكرة النحاة: 348.

( [73] ) الأنباري: الإنصاف: 1:93.

( [74] ) أبو حيان: تذكرة النحاة: 349.

( [75] ) الأنباري: الإنصاف: 1: 94.

( [76] ) أبو حيان: تذكرة النحاة: 349.

( [77] ) المصدر السابق: 1: 350.

( [78] ) سيبويه: الكتاب: 1: 79.

( [79] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 321، والشاهد أيضا يوجد في أوضح المسالك: 2: 201، وحاشية الصبان: 1: 102.

( [80] ) محمد محيي الدين عبد الحميد: عدة السالك: 2: 202.

( [81] ) ديوانه: 332، وإصلاح المنطق: 303، والمقتضب: 2: 179، والمخصص: 17: 100، وشرح جمل الزجاجي: 1: 619.

( [82] ) سيبويه: الكتاب: 1: 41، الفراء: معاني القرآن: 1: 129.

( [83] ) ابن عصفور: شرح جمل الزجاجي: 1: 620.

( [84] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 321.

( [85] ) ابن عصفور: شرح الجمل: 1: 618.

( [86] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 321.

( [87] ) ابن عقيل: شرح ابن عقيل: 2: 161 وما بعدها.

( [88] ) المرجع نفسه: 2: 163، وانظر الأزهري: شرح التصريح: 1: 321، وابن هشام: أوضح المسالك: 2: 202 وما بعدها.

ص: 283

( [89] ) ابن عقيل: شرح ابن عقيل: 2: 163، وانظر ابن هشام: أوضح المسالك: 2: 203.

( [90] ) البيتان من الشواهد التي لم نقف لأحد على نسبتها لقائل معين، واستشهد بهما، ابن هشام في أوضح المسالك: 2: 203، وابن عقيل: 2: 163، والأزهري في شرح التصريح: 1: 322.

( [91] ) ابن عقيل: شرح ابن عقيل: 2: 165.

( [92] ) المرجع نفسه: 2: 165.

( [93] ) ابن عقيل: شرح ابن عقيل: 2: 167 168.

( [94] ) عباس حسن: النحو الوافي: 2: 189.

( [95] ) استشهد بهذا البيت ابن هشام في شذور الذهب، ص: 541 ولم ينسب إلى قائل معين، ولم أعثر له على ذكر في المصادر التي عدت إليها.

( [96] ) هامش من شذور الذهب.

( [97] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 316.

( [98] ) الحديث أخرجه البخاري بلفظ:" تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين" وفي السنن الكبرى للبيهقي بهذا اللفظ، وفي صحيح مسلم جاء بلفظ: تسبحون وتكبرون وتحمدون. صحيح البخاري (ط دار الفكر) :1: 213، وسنن البيهقي (ط بيروت) : 2: 186، وصحيح مسلم (ط: البابي الحلبي) : 8: 417.

( [99] ) ابن هشام: شرح شذور الذهب: 547.

( [100] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 316.

( [101] ) المرجع نفسه: 1: 316.

( [102] ) ابن مالك: شرح التسهيل، ت: عبد الرحمن السيد، ط1، توزيع مكتبة الأنجلو المصرية، (د ت)، 2:176.

( [103] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 317.

( [104] ) المرجع السابق: 1: 316.

( [105] ) محمد محيي الدين عبد الحميد: عدة االسالك: 2: 191.

( [106] ) عباس حسن: النحو الوافي: 2: 1899.

( [107] ) ياسين بن زين الدين الحمصي: حاشية على شرح الفاكهي، ط2، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1390هـ 1971م، 2:: 90.

( [108] ) المصدر نفسه: 2: 91.

( [109] ) أبو حيان الأندلسي: تفسير البحر المحيط، ط1، دار الفكر، 1403هـ 1983م، 5:285.

( [110] ) المصدر السابق: 5: 11.

( [111] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 315 وما بعدها.

ص: 284

( [112] ) سيبويه: الكتاب: 12: 79.

( [113] ) د. شوقي ضيف: المدارس النحوية، ط3، دار المعارف بمصر، 1968، ص:114.

( [114] ) ابن مضاء القرطبي: كتاب الرد على النحاة، ت: د. شوقي ضيف، ط3، دار المعارف، 1982، ص: 94 99.

( [115] ) المرجع نفسه: ص: 101 وما بعدها.

( [116] ) ابن مالك: شرح التسهيل: 2: 167 168.

( [117] ) سيبويه: الكتاب: 1: 76.

( [118] ) ابن مالك: شرح التسهيل: 2: 170.

( [119] ) أبو حيان: تفسير البحر المحيط، 3: 127، 4:339.

( [120] ) شرح الرضي على الكافية: 1: 70 وما بعدها.

( [121] ) عباس حسن: النحو الوافي: 2: 201.

( [122] ) المرجع السابق: 2: 201.

( [123] ) المرجع السابق: 2: 201 202.

( [124] ) المرجع السابق: 2: 202.

( [125] ) المرجع السابق: 2: 202.

( [126] ) المرجع السابق: 2: 202.

( [127] ) د. شوقي ضيف: تيسير النحو التعليمي قديمًا وحديثًا مع نهج تجديده، ط2، دار المعارف، 1986م، ص:113.

( [128] ) محمد صلاح الدين مصطفى بكر: النحو الوصفي من خلال القرآن، مؤسسة الصباح ومكتبة النهضة العربية، 1405هـ 1980م، ص: 103 وما بعدها.

المصادر والمراجع

1 القرآن الكريم مصحف المدينة المنورة، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1407هـ.

2 ابن جني: الخصائص، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1374هـ.

3 كتاب الكافية في النحو، شرح رضي الدين محمد بن الحسن الإستراباذي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1975م.

4 ابن عصفور الإشبيلي: شرح جمل الزجاجي، ت: د. صاحب أبي جناح، القاهرة، 1971م.

5 ابن عقيل: شرح ابن عقيل، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، 1399هـ 1979م.

6 ابن مالك: شرح التسهيل، ت: عبد الرحمن السيد، ط1، توزيع مكتبة الأنجلو المصرية، (د ت) .

7 ابن مضاء القرطبي: كتاب الرد على النحاة، ت: د، شوقي ضيف، ط3، دار المعارف، 1982م.

8 ابن المعطي: شرح ألفية ابن المعطي، ت: علي موسى الشوملي، الناشر مكتبة الخريجي، ط1، 1405هـ.

ص: 285

9 ابن منظور: لسان العرب، دار صادر، بيروت، 1388هـ 1968م.

10 ابن هشام:

= أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، لبنان،

(د ت) .

= مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، 1411هـ

1994م.

= شرح شذور الذهب، دار الفكر، بيروت، 1414هـ 1994م.

11 ابن يعيش: شرح المفصل، عالم الكتب، بيروت، (د ت) .

12 ابن يعيش الصنعاني (سابق الدين محمد بن علي بن أحمد) : كتاب التهذيب الوسيط في النحو، ت: فخر صالح قدارة، دار الجيل، بيروت، 1411هـ 1991م.

13 أبو حيان الأندلسي (محمد بن يوسف) :

= تفسير البحر المحيط، ط1، دار الفكر، 1403هـ 1983م.

= تذكرة النحاة، ت: عفيف عبد الرحمن، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1406هـ 1986م.

14 الأزهري (خالد بن عبد الله) : شرح التصريح على التوضيح، دار الفكر، (د ت) .

15 الأشموني: شرح الأشموني على ألفية ابن مالك، فيصل عيسى البابي الحلبي، دار إحياء الكتب العربية، (د ت) .

16 الأنباري (كمال الدين أبو البركات عبد الرحمن بن محمد بن أبي سعيد) : الإنصاف في مسائل الخلاف، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، 1982م.

17 بكر (د. محمد صلاح الدين مصطفى) : النحو الوصفي من خلال القرآن الكريم، مؤسسة الصباح ومكتبة النهضة العربية، 1405هـ 1980م.

18 حسن (عباس) : النحو الوافي، دار المعارف بمصر، القاهرة، (د ت) .

19 الحلواني (د. محمد خير) : أصول النحو العربي، الناشر الأطلسي، الرباط، 1983م.

20 الحمصي (ياسين بن زين الدين) : حاشية على شرح الفاكهي لقطر الندى، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط2، 1390هـ 1971م.

21 الخضري: حاشية الخضري على شرح ابن عقيل، دار الفكر، 1398هـ.

22 الرازي (الإمام محمد بن أبي بكر عبد القادر) : مختار الصحاح، المكتبة الأموية، بيروت، دمشق، (د ت) .

ص: 286

23 الزمخشري (أبو القاسم محمود بن عمر) : المفصل في صنعة الإعراب، ت: علي بو ملحم، ط1، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1993م.

24 سيبويه (أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر) : الكتاب، ت: عبد السلام هارون، ط3، الناشر مكتبة الخانجي بالقاهرة، 1408هـ 1988م.

25 صافي (محمود) : الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه، دار الرشيد، دمشق، بيروت، ط1، 1411هـ 1990م.

26 الصبان (محمد بن علي) : حاشية الصبان على شرح علي بن محمد الأشموني لألفية ابن مالك، ترتيب مصطفى حسين أحمد، دار الفكر، (د ت) .

27 ضيف (د. شوقي) :

= المدارس النحوية، دار المعارف بمصر، ط2، 1968م.

= تيسير النحو التعليمي قديمًا وحديثًا مع نهج تجديده، ط2، دار المعارف، 1986م.

28 عابدين (عبد المجيد) : المدخل إلى دراسة النحو العربي، مطبعة الشبكسي، مصر، 1951م.

29 عبد الباقي (محمد فؤاد) : المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1407هـ 1987م.

30 عضيمة (محمد عبد الخالق) : دراسات لأسلوب القرآن الكريم، مطبعة حسّان، (د ت) .

31 الغلاييني (مصطفى) : جامع الدروس العربية، ط12، المكتبة العصرية، بيروت، 1393هـ 1973م.

32 الفراء: معاني القرآن، ت: أحمد يوسف نجاتي ومحمد علي النجار، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1374هـ 1955م.

33 المبرد (أبو العباس محمد بن يزيد) : المقتضب، ت: محمد عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب، بيروت، (د ت) .

34 المرادي المعروف بابن أم قاسم: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك، ت: عبد الرحمن علي سليمان، ط2، مكتبة الكلية الأزهرية، (د ت) .

ص: 287