المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(وسئلت) في سنة إحدى وأربعين ومائتين وألف من طرابلس الشام بما حاصله: في واقف وقف عقارات متعددة، وشرط - مجموعة رسائل ابن عابدين - ط إسطنبول - جـ ٢

[ابن عابدين]

الفصل: ‌(وسئلت) في سنة إحدى وأربعين ومائتين وألف من طرابلس الشام بما حاصله: في واقف وقف عقارات متعددة، وشرط

فيها بكون الطحان عالما بالنقب، وما ذاك إلا ليتحقق كونه غارا، كما يشير إليه تسميته بذلك؛ لأن من لا علم له بذلك لا يسمى غارا، فلو لم يكن العلم شرطا في الضمان لكان حقه أن يعبر عنه بالآمر لا بالغار، (ويؤيد ذلك أيضا أنه في جامع الفصولين نقل بعد ذلك عن المحيط: أن ما ذكره من الجواب في قوله: فإن أخذ مالك فأنا ضامن مخالف لما ذكره القدوري: أن ما قال لغيره من غصبك من الناس، أو من بايعت من الناس فأنا ضامن لذلك فهو باطل. انتهى.

فأجاب عنه في نور العين بقوله: يقول الحقير: لا مخالفة أصلا، والقياس مع الفارق؛ لأن عدم الضمان في مسألة القدوري من جهة عدم التغرير فيها، بخلاف ما نحن فيه، فافترقا، والعجب من غفلة مثل صاحب المحيط مع أنه الفضل والذكاء بحر محيط انتهى.

فقد أفاد أنه لا بد من التغرير، وذلك بكونه عالما بخطر الطريق كما قلناه، ففي مسألتنا: إن كان صاحب المركب غر المستأجر بأن كان عالما بالخطر يكون ضامنا، وإلا فلا، هذا ما ظهر لي، والله تعالى أعلم.

(لكن ينبغي تقييد المسألة بما إذا كان صاحب المال غير عالم بخطر الطريق؛ لأنه إذا كان عالما لا يكون مغرورا؛ لما في القاموس: غره غرا وغرورا، وغرة بالكسر فهو مغرور وغرير: خدعه، وأطعمه بالباطل، فاغتر هو، وفي المغرب: الغرة بالكسر الغفلة، ومنه أتاهم الجيش وهم غارون؛ أي غافلون، وفي الحديث:[نهى عن بيع الغرر والخطر]، الذي لا يدرى أيكون أم لا؟ كبيع السمك في الماء، والطير في الهواء.

فقد ظهر أن العالم بما قصد غيره أن يغره به لا يكون مغرورا، أرأيت صاحب البر لو كان عالما بنقب الدلو، وأمره الطحان بوضعه فيه، هل يكون مغرورا؟ بل هو مفرط مضيع لماله، لا أثر لقول الطحان معه، ففي مسألتنا: لا بد أن يكون الأجير عالما بخطر الطريق، والمستأجر غير عالم به، فح يضمن، وإن كان الأجير غير عالم، أو المستأجر عالما، فلا ضمان على الأجير؛ لعدم تحقق التغرير، والله تعالى أعلم.

(وسئلت) في سنة إحدى وأربعين ومائتين وألف من طرابلس الشام بما حاصله: في واقف وقف عقارات متعددة، وشرط

أن يبدأ من غلة وقفه بما يكون فيه عمارته ونماؤه وبقاء عينه، وما فضل من ذلك جعل له مصارف معينة، ثم وقف وقفا آخر وألحقه بالأول، وشرط فيه شروطه المذكورة، ومن جملة ما في الوقف الثاني دار شرطها لسكنى أولاده وذريته، ثم إن المتولَّى على الوقف سكن الدار المذكورة تبعا لشرط الواقف، واحتاجت الدار إلى المرمة والعمارة، فعمرها المتولى من ماله؛ لعدم مال حاصل من ريع الوقف، ويريد الآن الرجوع بما أنفقه عليها في ريع الوقف، فهل له ذلك أم ليس له ذلك؟ بل عمارة دار السكنى على الساكن كما نصوا عليه.

(فأجبت: الحمد لله تعالى لا شبهة في أن من وقف دارا، وجعلها للسكنى

ص: 179

لا للاستغلال تكون عمارتها على الساكن، كما هو منصوص عليه في المتون والشروح والفتاوى، وكذا في الخصاف والإسعاف؛ لئلا يلزم مخالفة شرط الواقف؛ لأنه لو لم تكن عمارتها على الساكن لزم أن تؤجر وتعمر من الأجرة، فتكون للغلة، وقد شرطها الواقف للسكنى، ولا يخالف شرطه إلا لضرورة، كما لو كان الساكن فقيرا مثلا فح تؤجر بقدر ما تعمر به، وأما إذا كانت هذه الدار من جملة عقارات موقوفة مشتملة على مستغلات، وقد شرط الواقف عمارة وقفه من غلته، فإن كان استثنى هذه الدار من ذلك، فالحكم ما مر من أن عمارتها على الساكن، وإلا فتعمر من ريع وقفه، كبقية أماكن الوقف؛ اتباعا لشرط الواقف، كما لو شرط في ريعه مرمة محل آخر أجنبي، كمسجد، أو رباط، أو نحو ذلك، أو وقف أرضين وشرط أن ينفق من غلة أحدهما على الأخرى، كما نص عليه الإمام الخصاف.

وما تقدم عن المتون وغيرها لا يخالف هذا؛ لأنه فيما إذا لم يشترط ذلك، ثم إذا كانت المرمة والعمارة لهذه الدار في غلة الوقف كما شرط الواقف، واحتاج الناظر إلى ذلك، وليس عنده من ريع الوقف ما ينفق منه، فأنفق من مال نفسه ليرجع، وأشهد على ذلك فله الرجوع، وإلا فلا، كما ذكره في البحر وغيره، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وقد حصل لي أولا نوع تردد في هذا الجواب، ثم عرض علي السائل هذا السؤال بخط مفتي

اللاذقية

الفقيه النبيه: السيد عبد الله السندي، وأجاب عنه بمثل ذلك، وعليه خطوط بموافقته لجماعة من العلماء؛ منهم الشيخ العلامة محمد البسطي مفتي الحنفية بمصر المحروسة، ومنهم العلامة الفقيه السيد أحمد البزري مفتي الحنفية بصيدا، ومنهم الشيخ صالح الغزي الحنيفي، ومنهم الشيخ محمد الشبراوي الشافعي الأزهري.

ص: 180

مناهل السرور لمبتغى الحساب بالكسور

نظم العلامة الفاضل المتين المرحوم السيد محمد أفندي عابدين

رحمه الله تعالى

آمين

ص: 181

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول راجي عفو رب العالمين

محمد المدعو بابن عابدين

باسم إلا له قد بدأت نظمي

مصليا على النبي الامي

وآله وصحبه العظام

وتابعى الهدى على الدوام

(وبعد) ذا فهذه منظومة

منها الكسور قد غدت معلومة

جمعتها من نزهة الحساب

أرجو الرضى في موقف الحساب

وما ذكرت غير بحث الكسر

لأن غيره جلى الأمر

ذكرتها منظومة ليحصلا

مراد من يرومها ويسهلا

سميتها مناهل السرور

لمبتغى الحساب بالكسور

(فصل) وحد الكسر في الغبار

نسبة مقدار إلى مقدار

يعظمه جزيئة والأعظم

أعنى الصحيح بالمقام يوسم

وقد يقال مخرج امام

وعشرة أصوله العظام

النصف ثم الثلث ثم الربع

والخمس ثم السدس ثم السبع

والثمن ثم التسع ثم العشر

ثم الاعم الجزء تلك عشر

من كونه يذكر في اصم

ومنطق خسوه بالاعم

وكرر الجميع غير الأول

بدون جزء واحد مماثل

مخرجها عدة ما في الواحد

من المماثلات فاسمع شاهدى

فذا مقام النصف جاء اثنين

لأن في واحده نصفين

(فصل) واقسام الكسور قد اتت

محصورة في خمسة تفردت

في مفرد منتسب مبعض

مختلف كذاك مستثنى يضى

فإن يكن على مقام واحد

كثلثين سمه بالمفرد

وإن يكن من مفرد تالفا

ولم يغير سابقا بل عطفا

عليه ثان باسم واحد نسب

من مخرج الأول فهو منتسب

كسدس ونصف سبع السدس

وهكذا فاتح عليه وقس

وخط خطا واحدا نبيها

بين مقامات وما عليها

مبعض ما قد حوى تاليفا

من مفرد أيضا وقد اضيفا

مقدم لتلوه مقدم

بدون عطف دائما ثم إذا

ما المفردات منتها بلغت

ووفق نظمها المقامات اتت

قسمه متصلا وإلا

قسمه منقطعا منفصلا

ص: 182

كنصف ثلثى الثلاث أرباع

وثلث خمسى أربع الأسباع

وضعه مطلقا كوضع المنتسب

مشطبا بين مقامات نصب

وما يكون باداة استثنا

اخرج بعضه فذا مستثنى

ثم إذا يضاف تاليها إلى

ما قبلها قسمه متصلا

وإن الواحد فبا لمنقطع

فإن نقل ثلثان غير الربع

وقصدنا ربعهما فمتصل

أو ربع واحد فمقطع قبل

وما من الانواع قد تالفا

بمحض عطف سمه مختلفا

وافردن أجزاء في الوضع

كثلث وربع خمس سبع

(فصل) وبسط الكسر جعله يرى

بواحد في اللفظ عنه عبرا

أو مطلق تساوت الآحاد

منه فيسقط مفرد ارادوا

به الذي على المقام قد كتب

وإن أردت أخذ بسط المنتسب

ففي مقام الثاني بسط الأول

فاضرب وبسط ذلك الثاني اجمل

على الذي حصلت واضرب ما اجتمع

في مخرج الثالث واضمم ما وقع

من بسطه الحاصل وهكذا

وبسط ما مبعضا سموا إذا

اردت فاضرب بعض ما بدا على

ائمة في بعضه ليحصلا

واخصر الاعمال في المتصل

أن رمته قسم بسط الأول

من خرج الاخير وابسط ما حصل

من ردفه بحسبه فهو الامل

وبسط ما سموه بالمختلف

بضرب بسط كل قسم منه في

مقام غيره وجمع ما اجتمع

ومثل هذا بسط مستثنى انقطع

ثم من الاكثر فاطرح الاقل

وإن اردت بسط ما منه اتصل

فبسط ما استثنيت منه اضربه في

مقام مستثنى وبسطه تفى

ثم خذ الفضل من الذي حصل

واشكر الاها فضله لنا وصل

(فصل) وإن يكن صحيح قد قرن

بالكسر والمراد بسطه فأن

قدم يضرب في مقام كسر

واضم إلى الحاصل بسط الكسر

وإن يؤخر فاضربن بسطه

أي بسط كسر في الصحيح تعطه

فأول كخمسة وربع

والثانى منهما كسبع الأربع

وإن يكن في وسط قد اثبتا

كنصف سنة وثلث قد اتي

لذاك معنيان فالاول أن

يكون أخذ أول الكسور من

مؤخر ومن صحيح علما

وفيه يبسط الصحيح مع ما

ص: 183

بعيده كبسط ما لو قدما

ومع باق كالبعض انتمى

والثانى اخذ اول الكسور من

ذاك الصحيح ليس غير فاستبن

فابسطه مع ما قبل كالمؤخر

ثم ابسط الحاصل مع مؤخر

كأنه مختلف وقد علم

فاعمل به ان كنت ممن قد فهم

(فصل) اذا ما الكسر كان مفردا

وبين بسط ومقام قد بدا

تباين كالخمس لا خزل وان

توافقا اردد كل واحدز كن

لوفقه كست اتساع وان

تداخلا كسدسين فارددن

البسط للواحد ثم المقام

لما على البسط بدا بالانقسام

وحل بسط غير مفرد الى

اضلاعه التي غمدت اوائلا

واحلل اليها كل ضلع ركبا

من المقام واعتبر ما رتبا

(فصل) وجع ذى الكسور يرتفع

بضرب بسط كل واحد جمع

في مخرج الآخر او مخارجه

وقسم ما حصلته من خارجه

على المقامات وطرحها حصل

بضرب بسط كل واحد من ال

مطروح والمطروح منه يا فتى

في مخرج الآخر واقسم ما اتى

من فضل ذين الحاصلين فاعلمن

على مقلماتهما والضرب ان

تضرب بسط واحد مما ضرب

في بسط آخر بدا ثم انتصب

لقسم حاصل على الائيمة

والمكسور قسمة وتسميه

وذا بضرب بسط كل ما رسم

مما قسمت او عليه قد قسم

في مخرج الآخر ثم اقسم على

حاصل مقسوم عليه حاصلا

اتى لمقسوم وان كسر بدا

في جانب لا غير فاضرب مفردا

قد صح في مقام كسر قد تلا

من جانب آخر نلت الاملا

وبعده اقسم بسط مقسوم على

بسط لمقسوم عليه عاجلا

واقسم كذا متى رأيت المنقسم

مساويا لما عليه قد قسم

ائمة فقط اتت على نمط

وان يكن تساويا بسطا فقط

فاقسم ائيمة لمقسوم عليه

على ائيمة لمقسوم لديه

وكل ما في قسمة تقررا

تواه في تسمية ايضا جرى

تجذيرها ان رمته بالانقسام

لجذر بسطها على جذر المقام

وذا اذا جذرهما تحققا

وفي السوى اضربن بسطا مطلقا

في مخرج واقسم على المقام

جذر الحاصل على التمام

ص: 184

(فصل) وللتحويل اعمال تفى

بضرب بسط ما تحولته في

ائيمة الذي اليه حولا

وقسم حاصل لمقسوم على

مقام ما حولته ثم الاصم

تحويله لمنطق بما علم

اوسم بسطه من المقام

وواحد ثم من الامام

بدون واحد ونصف الحاصلين

وذاك بالتقريب جاء باخذين

(خاتمة) ان رمت ان تستخرجا

لما جهلته فهاك المنهجا

فاربع الاعداد من تناسبت

نسبة اولاها لثانيها اتت

نسبة ثالث لها لرابع

كاثنين تنظرنه نصف الاربع

كما الثلاثة من الست بدا

فان يك المجهول جاء واحدا

من طرفين او من الواسطتين

فاقسم مسطحا بدا للآخرين

على نظير ماجهات دائما

وذا الطريق نفعه قد عظما

وان تماثل الموسطان

ترجع ثلاثة وكان الثاني

نسبة اولاها له نسبته

لثالث وكان ما سطحته

من طرفيها كمربع الوسط

فان تكن جهات واحدا فقط

من طرفيها اقسم على النظير ما

ربع من واسطة قد علما

او قد جهلتها فخذ جذر الذي

سطحته من طرفيها واحتذ

(فصل) والكفات ان رمت العمل

فصور الميزان تبلغ الامل

ثم الذي فرضته معلوما

ضعه على قبته مرسوما

وارسم باحدى الكفتين عددا

واعمل به بحسب فرض قد بدا

للانتها ثم الذي انتهى له

بما على القبة كن مقابلة

فان يكن ساواه فالذي ارتسم

في كفة مطلوبنا وان لم

يساوه ارسم زائدا من فوقها

والناقص ارسمنه من تحتها

ثم ارسمن عددا أخر في

كفة اخرى وبه تصرف

بحسب الفرض فان تؤل الى

نظير ما من فوق قبة علا

فذلك المرسوم ثانيا ولا

هو الذي طلبته والا

فاثبت الخطا كمثل ما علم

ثم الذي في كل كفة رسم

في خطأ الأخرى اضربنه واعدلا

لفضل حاصلين فاقسمه على

فضل تراه بادئا للخطأين

لو ناقصين اتيا او زائدين

وفى سواه اقسم جميع الحاصلين

من ضربنا على جميع الخطأين

ص: 185

ونجزت منظومتي المحرره

في مائة وسبعة وعشره

محمدلا محوقلا مصليا

على ختام الأنبياء الاصفيا

تمت

ومما وجد من نظم سيدنا المؤلف في القاب الزحاف المنفرد والمزدوج

منفرد الزحاف خبن يا فتي

وذاك حذف الثاني ساكنااتى

من بعده الاضمار تسكين لذا

والوقص حذفه محركا كذا

والطى حذف رابع قد سكن

والقبض حذف خامس مسكنا

والعصب اسكان الخامس بدا

والعقل حذفه محركا غدا

والكف حذف سابع مسكن

والمزدوج من بعده يا سكنى

فالطى مع خبن دعوه خبلى

وهو مع الاضمار سمه خزلى

والكف مع خين بشكل قر رسم

والكف مع عصب فذا بالنقص سم

ثم العلل زيادة ونقص

قسمان عنهما تساوى الفحص

زيادة لسبب خف على

مجموع الاوتاد لترفيل جلا

وان تكن حرفا مسكنا فقد

سموه تذييلا وان ذاك يزد

في سبب خف فتسبيغ وان

اردت ذا العصب فخذه واستبن

فسبب خف بطرح حذف

وهو مع العصب فيدعى قطف

وحذف ساكن واسكان لما

من قبل لوفى وتد قطع كما

لو كان فى الاسباب سمه قصرا

والقطع مع حذف يسمى بترا

والحذف حذف وتد مجموع

وحذف مفروق بصلم قد دعى

اسكانك السابع سمه وقفا

والكسف حذفه محركا وفى

والخزم حذف سابع من الوتد

اعنى به المجموع فاحفظ واجتهد

ثم الصلاة والسلام سرمدا

على ختام الأنبياء احمدا

ص: 186

الرحيق المختوم شرح قلائد المنظوم

تأليف الامام العالم العلامة خاتمة المحققين نخبة الاشراف المنتسبين السيد محمد امين افندى ابن عابدين نفعنا الله به في الدنيا والدين آمين

ص: 187

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذى فرض الفرائض * وكشف باسرار لطفه الغوامض والصلاة والسلام على من حاز علوم الاوائل والاواخر * وورث المفاخر كابرا عن كابر * وعلى آله واصحابه الذين خرقوا مجن الباطل بسهام الحق * وفازوا باوفر نصيب مذ قاموا بتعديله بالصدق * وعلى من اقتفى أثرهم من التابعين * وشد ازرهم من الائمة المجتهدين (وبعد) فيقول فقير رحمة ربه * واسير وصمة ذنبه * محمد امين * المكنى بابن عابدين لما رأيت المنظومة السماة بقلائد المنظوم نظم فرائض متن الملتقى في فقه الحنفية المنسوبة للشيخ الامام المفتن عبد الرحمن بن ابراهيم بن احمد الحنفى الشهير بابن عبد الرزاق شكر الله تعالى سعيه حاوية من الفن جل مسائله * كاشفة عن معظم دلائله * بعبارات رشيقة * وكلمات انيقة * وكان مصنفها قد شرحها شرحا ارخى للقلم فيه العنان * وجاوزه فى سيره حتى خرج عن المقصود من البيان * مشتملا على ابحاث وايرادات واجوبة واسئلة مطولات * احببت اختصاره بعبارات قليلة * والاقتصار منه على فوائد جليلة * ليعم النفع به للمبتدى * ويكتسب من نوله الطالب المجتدى * ضاما اليه ما يفتح به الفتاح العليم * مشيرا إلى ما وقع في اصله غير مستقيم * وانى وان كنت لست اهلا لذلك * ولا من سالكي تلك المسالك * لارتجى من رحمة ربى التوفيق والسداد * والامداد بموائد الانعام والعون على هذا المراد * وان يجنبنى الخطأ ويسلك بى صوب الصواب * انه خير من دعى واكرم من اجاب (وسميت) ذلك بالرحيق المختوم * شرح قلائد المنظوم * والله الجليل اسأل * وبنبيه النبيه اتوسل * ان يجعله خالصا لوجهه الكريم * موجبا للفوز لديه انه هو البر الرحيم * وان ينفع به الانام * بحرمة تنبيه عليه الصلاة والسلام * قال المصنف رحمه الله تعالى اقتداء بالكتاب الكريم * وعملا بقوله عليه افضل الصلاة والتسليم * كل امر ذى بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم اقطع (باسم الاله) ولم يأت بالصيغة المخصوصة اشارة الى ان المراد مطلق الذكر كما جاء في رواية احمد لا يفتح بذكر الله وقدم البسملة على الحمدلة اشارة الى انه لا تعارض بين ما تقدم وبين قوله صلى الله تعالى عليه وسلم كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو اجذم وفي رواية كل امر ذى بال لا يبدأ فيه بحمد الله اقطع لان الابتداء بها ابتداء بحمد الله وبذكر الله او لان الابتداء محمول على العرفي الذي يعتبر ممتدا الى الشروع لا الحقيقى فجملة البسملة والحمدلة بل والصلاة وما يتبعها مبتدأ بها عرفا لما يقصد

ص: 188

ذكره بعدها وثم فوائد شريفة وابحاث لطيفة اودعتها في حواشي شرح المنار للحصكفي والاله بمعنى المألوه من اله بالفتح بمعنى عبد وقد صار علما بالغلبة على المعبود بحق وهو الله تعالى (الوارث) اى الباقي بعد فناء خلقه (الرحمن) كالله مختص بواجب الوجود لم يطلقا على غيره وما نقل من اطلاقه على غيره فتعنت (مقدر) اسم فاعل من قدر بمعنى قسم واطلاق ذلك عليه تعالى من المصنف كغيره من المصنفين فى مثل ذلك جار على مذهب القاضى ابى بكر وحجة الاسلام الغزالي والامام الرازي أنه يجوز اطلاق اللفظ عليه تعالى اذا صح اتصافه بمعناه ولم يوهم نقصا وان لم يرد به سمع والا فالمرجح وهو قول الاشعرى ان الاسماء توقيفية (الميراث) مفعال مشتق من الارث واصله موراث وهو مصدر ورث ورثا وارثا بقلبها همزة لغة الاصل وعرفا اسم لما يستحه الوارث من مورثه (للانسان) البشر ويقال للمرأة ايضا انسان وبالهاء قاموس ولا يخفى ما اشتمل عليه البيت من براعة الاستهلال (والحمد) اي جنسه او كل فرد منه او المعهود وهو الحمد القديم الذي جهد به نفسه تعالى وهو لغة الوصف بالجميل على الجميل الاختيارى على وجه التعظيم والاختياري الصادر بالاختيار وقيل الصادر عن المختار واللام فى قوله (الله) للاختصاص وقيل للتعليل وقيل للتقوية وقوله (على التوفيق) تعليل لانشاء الحمد مثلها في قوله تعالى (ولتكبروا الله على ما هداكم) اى لتوفيقه ايانا وهو لغة التسديد واصطلاحا كما في تعريفات السيد قدس سره جعل الله تعالى فعل عباده موافقا لما يحبه ويرضاه (الى صراط) هو السبيل الواضح (الحق) يأتى لمعان منها أنه من اسمائه تعالى والقرآن وضده الباطل كما فى القاموس (والتصديق) المراد به هنا اليقين الذي هو حقيقة الايمان و هو عبارة عن الاعتقاد الجازم المطابق للواقع (ثم الصلاة) هي في الاصل الانعطاف الجسماني لانها مأخوذة من الصلوين ثم استعملت في الرجة والدعاء لما فيها من التعطف المعنوى ولذا عديت بعلى كما في عطف عليه فلا حاجة الى تضمين الدعاء معنى النزول واردف الصلاة بقوله (والسلام) الذى هو اسم من التسليم بمعنى التحية عملا بالآية الكريمة وخروجا من كراهة الاقتصار عند البعض (سرمدا) اى دائما (على نبئ) بالهمزة من النبأ بمعنى الخبر وبدونه من النبوة بمعنى الارتفاع وهو والرسول قيل متراد فان وقيل بينهما عموم وجهى والمشهوران النبى انسان اوحى اليه بشرع وان لم يؤمر بتبليغه والرسول امر به (قد اتانا) اي جاءنا (بالهدى) اى الرشاد والدلالة قاموس (محمد) بدل من نبي اشهر اسمائه الشريفة صلى الله تعالى عليه وسلم قيل وهى الف قال بعضهم

ص: 189

اشتق له من الحمد اسمان احد مما يفيد المبالغة بالمحمودية وهو محمد ولذا اشتهر به وخص به كلمة التوحيد والآخر المبالغة فى الحامدية وهو احمد (من ورث) ممن قبله من الانبياء (العاوما) والحكم لانهم لا يورثون المال كما في الحديث نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ولذا قال المفسرون حكاية في قوله تعالى (يرثنى ويرث من آل يعقوب) المراد وراثة العلم والحكمة والعلم صفة يتجلى بها المدرك لمن قامت به انجلاء تاما والالف فى العلوما الاطلاق (وكان) صلى الله تعالى عليه وسلم (برا) اي محسنا (بالورى) كافة الخلق (رحيما) كثير الرحمة وفيه تلميح إلى آية (لقد جاءكم رسول من انفسكم)(واله) جاء بمعنى الاهل وبمعنى الاتباع وعلى الثانى فذكر الصحب بعده تخصيص بعد تعميم نشرفهم (والصحب) جمع صاحب كما ذكره غير واحد وقيل اسم جمع وهو لغة من بينك وبينه مواصلة وعند المحدثين من لقى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مؤمنا ولو لحظة ومات على ذلك وعند الاصوليين وطالت صحبته (والانصار) جمع ناصر او نصير من نصر بمعنى اعان وهم عبارة عمن آواه ونصره صلى الله تعالى عليه وسلم من اهل المدينة سمى به الأوس والخزرج بعد نزول القرآن بذلك (اهل النقى) هو اجتناب ما نهى الله تعالى عنه (ونخبة) بالضم المختار من كل شئ جمعه نخب كرتبة ورتب (الاخيار) جمع خير مخففا ومشددا والاول فى الجمال والحسن والثانى في الدين والصلاح وهو الانسب هنا (ما قسم الميراث) اى مدة قسم الميراث بين الورثة والمراد بقوله بالتحقيق ما قابل التقريب (وقدم) عطف على قسم (الجد) في الميراث (على) الاخ (الشقيق) فيه اشارة الى ان هذه الارجوزة على مذهب الامام الاعظم حيث يقدم الجد على الشقيق ولا يشرك بينهما عنده خلافا لهما وللشافعي رضى الله تعالى عنهم كما سيجئ واعلم ان الادباء في ابتداء التأليف سبع طرق ثلاثة واجبة عرفا التسمية والتحميد والتصلية وقد تقدمت واربعة جائزة ذكر باعث التأليف وتسمية الكتاب ومدح الفن المؤلف فيدو ذكر كيفية وقوع المؤلف اجمالا وقد اخذ فيها فقال (وبعد) هو من الظروف المبنية على الضم منصوبة بفعل محذوف اى اقول (ان العلم) ولا حاجة الى دعوى ان الواو عوض عن اما كما فى الشرح وان اشتهر ذلك اما اولا فلعدم الفاء المطلوبة لاما واما ثانيا فلعدم المناسبة المصححة للتعويض لان اما شرطية والواو عاطفة كما حققه حسن جلى فى حواشى التلويح (بحر) تشبيه بليغ اطلقه عليه لاتساعه وعمقه (فائض) اسم فاعل من فاض الماء بمعنى كثر (ونصفه) اى العام وهو مبتدأ وقوله (كما

ص: 190

اتى) اى ورد صفة لمصدر محذوف او حال منه وقوله (الفرائض) خبر المبتدأ اى اقول نصف العلم الفرائض قولا مماثلا لما ورد فى الحديث الشريف من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم تعلموا الفرائض وعلموها الناس فانها نصف العلم والفرائض جمع فريضة من الفرض يأتى لغة لمعان منها البيان والقطع والتقدير واصطلاحا نصيب مقدر للوارث شرعا والنسبة اليه فرضي وفرائضى اما على تقدير نقله وجعله علما على الفن او على تقدير جعله جاريا مجرى الاعلام ان لم يسلم نقله وخطئ من ادعى ان ذلك خطأ ثم اختلف فى معنى الحديث الشريف وأولوه بوجوه اقربها ان للانسان حالتين حالة حياة وحالة موت وفى الفرائض معظم الاحكام المتعلقة بالموت (وانه لفضله) اى شرفه وعلوه (يرام) اى يقصد (قد اعتنى) لما ورد من فضله (فى نظمه) كما اعتنوا فيه بإفراده بالتأليف (الاعلام) جمع علم ما ينصب ويهتدى به فى الطريق ويطلق على سيد القوم قاموس (من) بيانية (فقهاء) مذهب الامام (مالك) بن انس امام دار الهجرة (و) من فقهاء مذهب الامام القرشي محمد بن ادريس (الشافعي و) من فقهاء مذهب الامام الورع الا كمل (احمد بن حنبل يا سامعى ولم اجد) من وجد بمعنى رأى (منطومة) مأخوذة من نظمت اللؤلؤ بمعنى الفته وجمعته في سلك (لطيفة) من لطف ككرم لطفا ولطافة بمعنى صغر ودق والمعنى انه اعتنى فى نظمه فقهاء الائمة الثلاثة ولم أر من نظم فى هذا الفن (في مذهب) اى ما ذهب اليه (المولى) اى السيد النعمان قلت هو ابن ثابت ابن زوطى بن ماه وقيل بن ثابت بن النعمان بن المرزبان حكاهما ابن خلكان ولا تخالف لاحتمال ان لكل من جديد اسمين او اسما ولقبا وكان الامام يكنى (بابى حنيفة) وهو احد التابعين لانه ادرك نحو عشرين من الصحابة رضى الله تعالى عنهم واختلف في سماعه منهم قلت قال ابن خلكان عن اسماعيل حفيد الامام الاعظم ولد جدى سنة ثمان وذهب ثابت الى على بن ابى طالب رضى الله تعالى عنه وهو صغير فدعى له بالبركة فيه وفي ذريته ونحن نرجو ان يكون الله تعالى قد استجاب لعلي رضى الله تعالى عنه فينا والنعمان بن المرزبان هو الذي أهدى لعلي الفالوذج في يوم مهرجان فقال على مهرجونا كل يوم هكذا انتهى كذا ذكره شيخ مشايخنا اسماعيل الجراحي في تراجم الأئمة الاربعة فما فى الشرح غير سديد ومناقبه شهيرة وفضائله كثيرة قد افردها الأئمة بالتأليف واودعوها في قالب الترصيف ثم ان عدم وجدانه ذلك لا يقتضى

ص: 191

عدم الوجود والا فقد قال السيد الشريف فى اوائل شرح السراجية بعد كلام هكذا ذكره الامام رضى الدين في نظم فرائضه ثم رأيت منظومة لابن الشحنه شرحها شيخ مشايخنا الساغاني (فمن) لى اى اعترض والفاء تفريعية (في نظمه ارجوزة) بضم الهمزة افعولة من الرجز البحر المشهور (بديعة) صفة ارجوزة والبديع فعيل بمعنى المبتدع اسم فاعل او مفعول قاموس اى مبتدعة مخترعة لما قصدته والاسناد مجاز او ناظمها اخترعها على غير مثال سابق (مفيدة وجيزة) يقال كلام وجيز اي خفيف مقتصد والايجاز اقلال اللفظ مع توسع المعنى وكذا الاختصار وقيل اعم لان الاختصار يكون فى حذف الجمل فقط (على اصول) جمع اصل وهو ما بيتنى عليه (ذلك الهمام) المذكور سابقا بمعنى عظيم الهمة امامنا بدل مما قبله وهو ما اتم به من رئيس وغيره جمعه كواحده الاعظم افعل تفضيل من العظم بالكسر خلاف الصغر (فى الانام) كسحاب وتمد الهمزة الخلق او الجن والانس او جميع ما على وجه الأرض قاموس (جامعة) حال من ارجوزة لوصفها بما بعدها وهو اسم فاعل من الجمع وهو تاليف المفرق (عقود) جمع عقد بالكسر القلادة من الجوهر (در) جمع درة بالضم وهى اللؤلؤة الكبيرة ويجمع ايضا على درر كغرفة وغرف (المنتقى) لغة المجتمع والمراد به هنا المتن المنسوب للعلامة ابراهيم الحلبي المسمى بملتقى الابحر (حاوية) اى جامعة (لكل معنى ملتقى) مختار وفيه اشارة الى شرحه المنسوب للشيخ علاء الدين الحصكفي المسمى بالدر المنتقى (فعند ذا) أى عنده فقد منظومة لطيفة فى هذا الفن على اصول الامام الاعظم رحمه الله تعالى (شرعت فى المقصود) من منظومة وجيزة موصوفة بانها (في نظمها كالجوهر المنضود) اى المجعول بعضه على بعض (ومقصدى) بذلك (رياضة) يقال راض المهر رياضا ذلله والذل بالضم ويكسر ضد الصعوبة قاموس اى تذليل (القريحة) هي اول ما يستنبط من البئر والمراد بها هنا الطبع لاستنباطه المسائل (والحفظ) هو الوعى عن ظهر قلب (من فروعه)(الصحيحة مع انني في هذه الصناعة) ككتابه لغة الحرفة وعرفا علم يتعلق بكيفية العمل (معترف بقلة البضاعة) هي لغة طائفة من مالك تبعثها للتجارة صحاح والمراد بها هنا المسائل (وبعدما تمت بحمد الله وفاض بحر) الفضل من الاهى سميتها قلائد) جمع قلادة التي في العنق والفها زائدة تقلب فى الجمع همزة كقائل وبائع (المنظوم في منتقى) اى مختار (فرائض)(العلوم) من اضافة الخاص الى العام (ابياتها) جمع بيت مما يكون من الشعر بالكسر واما ما يكون من الشعر بالفتح والحجر فجمعه بيوت والبيت بمعنى

ص: 192

الشرف جمعه بيوتات كما فى مختصر القاموس للشاهمنى من المئين بكسر الميم وبعضهم يضمها جمع مائة اصلها مائ كحمل وقيل مائة كسدرة حذفت لامها وعوض منها الهاء (اربع سوى ثلاث) من الابيات (بعد خمس) منها (تتبع) وسوغ حذف التاء من العددين عدم ذكر المميز كما في واتبعه لست من شوال (واسال الله) سبحانه وتعالى (جزيل) بمعنى كثير (المغفرة) من غفر بمعنى غطى (يوم الحساب) للخلق جميعا في قدر نصف يوم من ايام الدنيا كما في الدر المنثور (في عراص) جمع عرصة ويجمع ايضا على عرصات واعراص قال في النهاية كل موضع واسع لا بناء فيه والمراد هنا دار (الاخرة) ولا يخفى ما اشتملت عليه الخطبة من انواع البديع فلذا تركنا بيانه (مقدمة) حدا الفرائض علم باصول فقه وحساب تعرف حق كل من التركة * وموضوعه التركات من حيث تعلق الحقوق بها وقسمتها شرعا * واستمداده من الكتاب والسنة فى ارث ام الام بشهادت المغيرة وابن سلمة واجماع الامة فى ارث ام الاب باجتهاد عمر رضى الله تعالى عنه الداخل في عموم الاجماع فليس ذلك قياسا اذ لا مدخل له هنا قالوا لانه لا مساغ له فى المقادير ابتداء فيستند حكمه الى التوفيق وهو يؤخذ من الثلاثة دون الرابع لانه مظهر لا مثبت * وللشارح هنا كلام لا يخفى ما فيه على من له في الاصول ادنى المام وغايته ايصال الحقوق لاربابها وقيل الاقتدار على تعيين السهام لذويها على وجه صحيح * واركانه ثلاثة وارث ومورث وحق موروث * وشروطه ثلاثة ايضا موت مورث حقيقة او حكما كمفقود او تقديرا كجنين فيه غرة ووجود وارثه عند موته حيا حقيقة او تقديرا كالحمل والعلم بجهة ارثه قرابة او زوجية او ولاء وهذا يختص بالقضاء * واما اسبابه وموانعه فستأتي في المنظومة وهل ارث الحى من الحى او من الميت المعتمد الثانى والثمرة فى المطولات ثم اعلم ان الحقوق المتعلقة بالتركة هنا نجسة بالاستقراء لان الحق اما للميت او عليه اولا والاول التجهيز والثانى اما ان يتعلق بالذمة وهو الدين المطلق اولا وهو المتعلق بالعين والثالث اما اختيارى وهو الوصية او اضطرارى وهو الميراث لكن اخرج ابن الكمال منها المتعلق بالعين كالرهن لان الكلام فيما هو ثابت بعد الموت وهذا قبله على انه لا يعد تركه كما سيأتي وقد شرع في بيان تلك الحقوق فقال (ومن يمت فالبدأ) مصدر بدأ مبتدأ وقوله (فى احواله) لغو متعلق به وان كان مصدرا محلى بال لتوسعهم في الظروف وقوله (بواجب التجهيز) مستقر خبر وهو من اضافة الصفة الى الموصوف وقوله (من امواله) مستقر صفة او حال من واجب او لغو متعلق به

ص: 193

أو بالتجهيز والجملة الاسمية المقرونة بالفاء جواب الشرط والمعنى ان من مات يبدأ وجوبا بتجهيزه وهو فعل ما يحتاج إليه الميت من حين موته إلى دفنه من كل ماله ان كان والا فعلى من تلزم نفقته فإن لم يكن أو عجز ففى بيت المال فإن لم يكن فعلى المسلمين وذا من غير إسراف ولا تقتير ككفن السنة كما بين في محله أو قدر ما يلبسه فى حياته وهذا إذا لم يوص بذلك فلو اوصى تعتبر الزيادة على كفن المثل من الثلث وكذا لو تبرع الورثة به أو اجنبي فلا بأس بالزيادة من حيث القيمة لا العدد وفي الضرورة بما تيسر وهل للغرماء المنع من كفن المثل قولان والصحيح نعم وتقديم تجهيزه من امواله على قضاء دينه إنما هو حال كونها (خالية عن كل حق واجب) أي ثابت للغير (معلق بعينها ياصاحبي) أى بعين تلك الأموال وذلك (كالرهن) أى العين للميت المرهونة عند غيره وليس له سواها (و) المبيع (المحبوس في قبض الثمن) إذا مات المشترى عاجزا عن ادائه والمقبوض ببيع فاسد قبل فسخه (ومثله) العبد (الرقيق من جنى) فى حياة مولاه (المحن) على غيره وكذا المجهول مهرا ولا مال له سواه * قلت ومثله المأون إذا لحقه الديون ثم مات المولى عنه وكذا فى الدار المستأجرة فإنه إذا اعطى الاجرة اولا ثم مات الآجر صارت الدار رهنا بالاجرة كما ذكره السيد فهذه الحقوق مقدمة على التجهيز المقدم على غيره لان تعلق حق الغير بها سابق على الموت مانع لتعلق حق الميت بها لكنه ممتد إلى ما بعد الموت لا انه حدث به بخلاف بقية الحقوق على أنهم صرحوا بأن ما تعلق به حق الغير لا يسمى تركة وبه تبين وجه عدها أربعة كما مر (كذاك من له النفاق) ككتاب جمع نفقة (يلزم) أى يجب عليه (تجهيزه) اى من ذكر (من ماله) اى مال الميت بعد موت من ذكر (يقدم) على ما يأتى وذلك (كزوجه قضى) باسكان الياء للضرورة (عليها) أى ماتت (قبله) ولو بلحظة سواء كانت (غنية أو لا) وعليه الفتوى فما قيل لو غنية ففى مالها بالاجماع فيه مافيه (و) ك (مولود له) مات قبله (ثم) بعد التجهيز (اقض) أى ادفهما هنا بمعنى بخلافه في العبادة (منها) أي التركة وهو ما بقى بعد التجهيز (دينه للتخلق) اى الذى له مطالب من جهة العباد (خلاف دين واجب للحق) كدين زكاة وكفارة وفدية وغيرها من الواجبة له تعالى فانها تسقط بالموت عندنا إلا ان يتبرع الورثة أو يوصى بها فتنفذ من الثلث وتسميته دينا مجاز باعتبار ما كان لسقوطه بالموت لا الآن. * ثم اعلم ان صاحب الدين إن كان واحدا يدفع له ما بقى بعد التجهيز فان وفى فيها والا ان شاء عفا أو تركه لدار الجزاء وان جماعة فان بعضهم أولى كدين الصحة حقيقة

ص: 194

أو حكما كما إذا وجب في مرض موته أو ثبات بمشاهدة القاضي أو الشهود فإنه يقدم على دين المرض الثابت بإقراره فيه وان استووا يقسم بينهم على حسب حقوقهم على الوجه الآتى آخر المنظومة ثم إذا اجتمع دين الله تعالى الموصى به مع دين العبد ولا وفاء قدم دين العبد لأنه تعالى هو الغنى ونحن الفقراء (ثم) بعد التجهيز وقضاء الدين (الذي) مبتدأ خبره قوله الآتي ينفذ (اوصى به) لاجنبي مسلم أو كافر مطلقة كانت كثلث ماله أو ربعه أو مقيدة بعين كثلث دراهمه أو ربع غنمه على الصحيح خلافا لمن قال المطلقة فى معنى الميراث لشيوعها في التركة فيكون شريكا للورثة لا يتقدم عليهم وكذا ما اوصى به من حق الله تعالى (ينفذ من ثلث ما يبقى) بعد تجهيزه وديونه (ومنه) اى من الثلث (يؤخذ) ثم هذا ليس بتقديم في الحقيقة على الورثة بل هو تشريك لهم فما يبقى من التجهيز والدين بخلافهما كما افصح به الزيلعي والتنفيذ من الثلث فقط لوله وارث والا فتنفذ من الكل كما سيجيء وكذا لو كان واجاز كما قال (الا اذا اجازه الوارث) وهم كبار فلو فهم صغير صح في حقهم فقط كما لو اجاز البعض) (وكان) ما لوصي به (كلا) أي مستغرقا لماله يصح ذلك و (ينتفى الميراث) اى لا يبقى لهم من الارث شئ وكذا لو اوصى للوارث أو للقاتل وقد اجازوا على ما مر وبعد الاجازة ليس لهم المنع لأن المجاز له بتملكه من قبل الموصى عندنا خلافا للشافعي ولا عبرة بالاجازة قبل موت المورث لانها اسقاط قبل وجود السبب * واعلم انه اذا اجتمع الوصايا عن فروض وتبرعات وضاق الثلث عنها قدم الفرض وان اخره الموصى وان تساوت قدم ما بدأ به تنوير وغيره وعن الثاني يقدم الحج ثم الزكاة مطلقا وروى عنه عكسه لانها حق الفقير ويقدمان على الكفارات والنذر على الاضحية ثم استشعر سؤالا في قوله تعالى (من بعد وصية يوصى بها أو دين) حيث قدمت عليه ذكرا مع انها مؤخرة عنه فاشار إلى جوابه بقوله (وقدمت فى المتحف) مثلث الميم ماجمع فيه صحائف القرآن (المحيط) لقوله تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شيء) وكل من بلغ اقصى شيء واحصى علمه فقد احاط به قاموس (لانها مظنة) بكسر الظاء موضع يظن فيه وجود شيء (التفريط) يقال فرط فى الأمر فرطا قصر به وضعه وهنا لما اشبهت الميراث في كونها مأخوذة بلا عوض بشق اخراجها على الورثة فكانت مظنة للتفريط فيها بخلاف الدين فان نفوسهم مطمئنة إلى ادائه فقدم ذكرها حشا على ادائها معه وانما اتى فيها باومع ان الارث مؤخر عنهما لا عن احدهما لانه اذا تأخر عنهما منفردين ففي الاجتماع أولى بخلاف الواو لا يهامها التأخر حالة الاجتماع

ص: 195

فقط (ثم) الاصوب ثمة بالتاء للوزن أى بعد جميع ما مر (باقي ماله فيقسم ما بين وارث) إن كانوا متعددين ولو واحدا غير أحد الزوجين أو احدهما وقد اوصى له الآخر بما زاد على حصته فالكل له وان لم يوجد شيء من الحقوق يبدأ بالقسمة (كما سيعلم) من بيانها وكيفيتها واما بيان الورثة تفصيلا فسيأتي واجالا ذكره بقوله (وهم ثلاث فرق) أي اصناف (عظام) بالجر صفة فرق (ذى الفرض) اى السهم المقدر (والتعصيب) وهو من يأخذ ما ابقته الفرائض (والارحام) وهم أقرباء للميت ليسوا اصحاب سهام ولا عصبات يرثون عند فقد العصبة كما سيجى مفصلا (وسبب) استحقاق (الارث ثلاث) بالاستقراء والمراد احدها (تحسب هى النكاح) الصحيح ولو بلا وطئ ولا خلوة اجماعا فلا توارث بفاسد ولا باطل اجماعا (والولاء) بالفتح والمد وقصره هنا للوزن وهو لغة النصرة والمحبة وعرفا قرابة حكمية حاصلة من عتق أو موالاة كما في الدرر (والنسب) هو القرابة بالرحم وهى الابوة والامومة والبنوة والاخوة والعمومة والخؤلة وهو الأصل في الميراث وغيره محمول عليه لكن اخره للقافية وهذه الثلاثة متفق عليها وزاد الشافعية والمالكية رابعا وهو بيت المال فيرث عند الشافعية ان انتظم وعند المالكية مطلقا (قلت) واما عندنا فيوضع فيه على انه مال ضائع ثم ان المستحقين للتركة عشرة اصناف ذكرها مفصلة بقوله (وقدم الفروض) اى ذويها الاثنى عشر على العصبة النسبية (ثم العصبة) النسبية بترتيبهم الآتي (فثم) الفاء فيه زائدة كما في قول زهير

ارانى اذا اصبحت اصبحت ذا هوى

فثم اذا امسيت امسيت غاديا

اى ثم بعد العصبة قدم (مولى العتق عالى المرتبة) ولو انثى او خنثى وهو العصبة السببية وتعبيره بمولى العتق اولى من تعبير غيره بالمعتق لعدم شموله من عتق عليه قريبه بملكه له اذلا اعتاق فيه ولا يقال انه يرثه بالقرابة لانه وانتم في العصبة لا يتم في ذى الرحم لتقدم الولاء على الرد المقدم على ارث ذى الرحم ولا فى جميع صور الفرض لأنه قد يرث بعض به والبعض بطريق الولاء كبنت اشترت اباها ولا وارث سواها (وبعد هذا) اى مولى العتق يقدم (العاصب المذكر من معتق) حال من العاصب اى عصبة المعتق الذكر (لا مطلقا) تأكيد للتقييد بالذكر لانه ليس للنساء من الولاء الا ما اعتقن كما يأتى (قد حرروا) ذلك وبينوه قال في الشرح بقى اذا كان لمعتقه معتق وفقد معتقه وعصبته يبدأ بمعتق معتقه كما هو المنصوص عليه في بحث العصبة ثم بعصبته لا بالرد كما هو ظاهر كلامهم ثمة وسنذكره ويأتى

ص: 196

في المجمع على توريثهم ما يؤيده ولم أر من نبه عليه ههنا (والرد) على ذوي الفروض النسبية (بعده) اى بعد من ذكر (على) قدر (السهام) متعلق بالرد (مقدم على ذوى الارحام وهذا مذهبنا كاحمد وعند زيد رضى الله تعالى عنه لارد وبه اخذ مالك والشافعي لكن افتى متأخروا الشافعية كقولنا اذا لم ينتظم وقيدنا بالنسبية لاخراج الزوجين وعند عثمان رضى الله تعالى عنه يرد عليهما وبه أخذ بعض مشايخنا وسيأتى تحقيقه (ثم) يقدم (ذووا الارحام) وانما اخروا عن الرد لقوة قرابة ذويه وتقديم العصبة السببية بالنص على خلاف القياس وعند مالك والشافعي لا ميراث لهم لكن افتى به متأخروا الشافعية إذا لم ينتظم بيت المال نظير مامر (ثم بعدهم) اى بعد فقدهم يقدم (مولى الموالاة) وهو من قال لآخر انت مولاي ترثنى إذا مت وتعقل عنى إذا جنيت وقال الآخر قبلت وشروطه الخمسة مبسوطة في محلها (فحقق قصدهم) أى مقصودهم (ثم الذي له أقر بالنسب بحيث لم يثبت) اعلم ان الاقرار على نوعين احدهما اقرار على نفس المقر نسبا أو مالا او غيرهما والثانى على غيره فالأول صحيح لازم كاقراره بالاب بشرط تصديقه وكونه ممن يولد مثله لمثله وعدم كونه معروف النسب من غيره وكذا الاقرار بالام كما فى عامة كتب المذهب وهو الحق بشرط ما تقدم وكاقراره بالابن غير انه اذا كان صغيرا او غير عاقل او مملوكا فلا حاجة لتصديقه وكاقراره بالزوجة والمولى بشرط عدم مولى عتاقة معروفة والاقرار فى الصحة والمرض سواء والمرأة كالرجل في جميع ذلك الا اذا اقرت بالولد لا يقبل على زوجها عند الامام مالم يصدقها او تشهد المقابلة فيقبل اجماعا والثانى كان يقول هذا اخي او عمى او ابن ابنى او جدى او جدتى فهو غير صحيح في حق ذلك الغير اذفيه حمل النسب عليه ويصح في حق نفسه حتى تلزمه الاحكام من النفقة والحضانة والارث ولكنه مؤخر عن العصبة السببية لانه وصية معنى ويشترط لارثه كما قال الفنارى ان يكون المقر له مجهول النسب وان لا يكون للمقر وارث معروف ممن يستحق كل المال وان يموت المقر مصرا على اقراره فاذا توفرت هذه الشروط استحق ارثه ولا يثبت نسبه لما مر فهو كالاقرار بالمال قلت قال في سكب الانهر وقولنا اذا مات المقر على اقراره احتراز عما اذا انكر او رجع ومات على ذلك فان اقراره باطل وصح رجوعه لانه وصية معنى ولا شئ للمقر له من تركته قال في شرح السراجية المسمى بالمنهاج وهذا اذا لم يصدق المقر عليه اقراره قبل رجوعه او لم يقر بمثل اقراره اما اذا صدق اقراره قبل رجوعه او اقر بمثل اقراره فلا ينفع المقر رجوعه عن

ص: 197

اقراره لان نسب المقر له قد ثبت من المقر عليه ومن ضرورة ثبوت نسبه ارثه من المقر بتصديق المقر عليه او باقراره لا باقرار المقر فيكون اقرار المقر وعدمه سواء فلا ينفعه رجوعه انتهى. قلت قوله لان نسب المقر له قد ثبت من المقر عليه الخ محمول على ثبوت النسب حقيقة فيكون من جملة الورثة المعروفين فيشاركهم لا مما نحن فيه كما لا يخفى فتدبر انتهى اى فهو مما دخل تحت (والا) يكن بحيث لم ثبت بل كان ثابتا (لوجب توريثة) مقدما (ضرورة وزاجا) الالف للاطلاق (وارث من اقر عندنا) متعلق باقر قلت وبما قررنا ظهر لك فساد ما في الشرح من زيادته في الشروط على ما فى الفنارى قوله او يصدقه المقر له قبل رجوعه عن الاقرار انتهى مستشهدا بقول الدر المختار في كتاب الاقرار ثم للمقران يرجع عن اقراره لانه وصية من وجه اى وان صدقه المقر له لكن في شروح السراجية ان بالتصديق يثبت النسب فلا ينفع الرجوع انتهى وفساده من وجهين * الاول ان قوله المقر له صوابه المقر عليه كما في فرائض المنح وان كانت العبارة في كتاب الاقرار منها كما فى الدر المختار وكذا فى الدر المنتقى * والثانى انه صار من جملة الورثة المعروفين فلا معنى لزيادته شرطا رابعا لانه ليس مما البحث فيه كما علمت فافهم * ثم ذكر بعض صور ما يثبت به نسبه ويزاحم به الورثة بقوله (كما اذا اقر مثله) اي مثل اقراره (المقر عليه) بان اقر مثلا ان زيدا اخي فهو اقرار على ابيه بانه ابنه فلا يثبت نسبه مجرد ذلك فاذا اقر الاب ببنوته (او صدقه) بان زيدا اخوه ثبت نسبه حقيقة وشارك الورثة (يا حبر) بالكسر ويفتح العالم والصالح جمعة احبار وحبور قاموس ومثله ما اذا شهد مع المقر رجل آخر و كذا لو اقر الورثة وهم من اهله او صدقوه كما يؤخذ من كلامهم (وبعده) اى بعد من ذكر يأخذ ما بقى عنهم (الموصى له بكله) اى كل المال (أو بعضه و) لكن (فاق) اى جاوز ما اوصي به له (ثلث اصله) اى اصل المال فلو ماتت عن زوج واوصت لاجنبى بنصف مالها كان للاجنبي الثلث وللزوج النصف الباقى بعده والنصف الآخر بين الاجنبي ايضا وبين بيت المال فخرجها من ستة ولو اوصت بنصف مالها لزوجها كان له الكل نصفه ارثا ونصفه وصية خانية "1" قال العلا آن ومفاده صحة الوصية للوارث حيث لا مزاحم انتهى وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا ميراث للموصى له بالكل كالمقر له بنسب على الغير سيد (وبعد) فقد جميع (ما مر وعز) أى لم يوجد

"1" قوله العلا آن هما علاء الدين الطرابلسى صاحب سكب الانهر شرح فرائص ملتقى الابحر وعلاء الدين الحصكفى شارح الملتقى منه

ص: 198

(الموضع) من مستحق المال بارث او وصية او غيرهما من اسباب الاستحقاق (في بيت مال المسلمين يوضع) وذلك (على سبيل الفييء) عندنا وهو كما في المغرب ما نيل الكفار كخراج (لا الارث) خلافا للشافعي ان انتظم كما مر وهو عنده مقدم من على ذوى الارحام والرد (كما فصيح عنه وحكاء العلماء) لانه مال لا مالك له فاشيه الركاز واللقطة ألا يرى ان مال ذمى لا وارث له يوضع فيه مع عدم ارث المسلم من الكافر وانه يستوى فيما صرف منه الذكر والانثى والقريب والبعيد والرجل وولده وبيت المال ما يوضع فى يد امين ليصرف فى مصالح المسلمين ونوعوه الى اربعة لا يجوز خلطها * بيت للخمس والركاز والعشور * وبيت للخراج والجزية ما يؤخذ من تاجر الكفار وبيت للزكاة وبيت للقطة * ونقل في الشرح نظمها مع مصارفها لابن العز شارح الهداية وبهذا تمت الاصناف العشرة وبعضهم زاد المقر له بولاء العتاقة وقياس الاقرار بسبب على الغير تأخيره عن ذوى الارحام قلت وعن مولى الموالاة ايضا والظاهر انه متأخر عن المقر له بالنسب تامل وزاد ايضا عصبة مولى الموالاة قال الشارح وارث الاول يستلزم ارث عصبته فتنتهى الى ثلاثة عشر

(فصل في موانع الإرث)

(موانع الميراث) جمع مانع على انه صفة ما لا يعقل كطوالع وشواهق فلا حاجة الى جعله جمع مانعة كما قيل وهو لغة الحائل واصطلاحا ما ينتفى لاجله الحكم عن شخص لمعنى فيه بعد قيام سببه ويسمى محروما فخرج ما انتفى لمعنى فى غيره فانه محجوب أو لعدم قيام السبب كالاجنبي والمراد بالمانع ههنا المانع عن الوارثية لا المورثية وان كان بعضها كاختلاف الدين مانعا عنهما (عدت) اى عدها الاكثرون (اربعة وزاد بعض) اربعة (في مثلها وجمعه) اى ما يمنع فجعله ثمانية (والحق ان المنع) ثابت (فى الحقيقة لو احد كما ترى من خمسة) بالاستقراء الشرعى واما الدور الحكمى الذى عده الشافعية مانعا وهو ان يلزم من التوريث عدمه كاقرار اخ حائز بابن للميت فيثبت نسبه ولا يرث عندهم لانه لوورث لحجب الاخ فلا يكون الاخ وارثا حائزا فلا يقبل اقراره بالابن فلا يثبت نسبه فلا يرث لان اثبات ارثه يؤدى الى نفيه وما ادى اثباته الى نفيه انتفى من اصله وهذا الصحيح عندهم والظاهر انه غير مانع عندنا فان ظاهر كلام علمائنا صحة اقرار هذا الاخ بالابن ويثبت نسبه في حق نفسه فقط فيرث الابن دونه لانه اقرار بالنسب على الغير فيصح في حق نفسه كما مر مبسوطا * قلت وقد رأيت المسألة منقولة في فتاوى العلامة قاسم ولله الحمد * وقال محمد في الاملا ولو كانت

ص: 199

للرجل عمة او مولى نعمة فاقرت العمة او مولى النعمة باخ للميت من ابيه او امه او بعم او بابن عم اخذ المقر له الميراث كله لان الوارث المعروف اقربائه مقدم عليه فى استحقاق ماله واقراره حجة على نفسه انتهى فلما لم يكن في هذا دور عندنا لم يذكر فى الموانع وذكره في بابه انتهى كلامه وما زاد عليها فتسميته مانعا مجاز كما قال (وفى سواها المنع لما اطلقوا خصوه بالمجاز فيما حققوا) لان انتفاء الارث فيه ليس لذاته بل لانتفاء احد شيئين اما الشرط او السبب كما ستحققه ولما كان انتفاء السبب وانتفاء الشرط ووجود المانع مشتركة في اقتضائها انتفاء الميراث تجوزوا في عدها موانع لذلك (فالأول) من الموانع الخمسة الحقيقية (الرق) وهو لغة الضعف وعرفا عجز حكمى قائم بالانسان بمعنى ان الرقيق عاجز عما يقدر عليه الحر من الشهادة والولاية والملك مطلقا فلوورث لوقع لسيده الاجنبي فلا يرث (ولو مبعضا) اى سواء كان رقه كاملا كالقن وكذا المكاتب فان الرق فيه كامل وانما النقصان فى ملكه واذا اجزأ عن الكفارة دون المدبر ونحوه فافهم او ناقصا كالمدبر وام الولد والمبعض وهذا (عند الامام) الاعظم ووافقه مالك رحمهما الله تعالى وقالا هو كحر مديون فيورث ويرث ويحجب بناء على ان العتق يوجب زوال الملك عنده وهو منجز وعندهما زوال الرق وهو غير منجز ولا خلاف في عدم تجزى العتق والرق كابين فى محله (فهو) اى قول الامام فى المبعض (قول مرتضى) وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يرث بل يورث وعند احمد رحمه الله تعالى يرث ويورث ويحجب بقدر ما فيه من الحرية (والثانى) من الموانع وسقطت الياء للضرورة (قتل) بغير حق من عاقل بالغ (موجب) في أصله (للقود) والاثم دون الكفارة وهو العمد (او موجب) جرى على الغالب اذ الحكم فيما استحب فيه الكفارة كذلك كمن ضرب امرأة فالقت جنينا ميتا ففيه الغرة وتستحب الكفارة مع انه يحرم الارث منه (كفارة للصمد) تعالى والدية ايضا دون القود سواء وجب الاثم ايضا كشبه العمد اولا كالخطأ وماجرى مجراه فيحرم عن الميراث في الصور كلها، وأما ما كان موجبه الدية دون القصاص والكفارة وهو القتل بالتسبب دون المباشرة كحافر البئر في غير ملكه او كان بحق كقتله مورثه قصاصا او حدا او دفعا عن نفسه او كان القاتل صبيا او مجنونا فلا حرمان عندنا * وقيدنا بقولنا فى اصله ليدخل فيه مالم يثبت به القصاص والكفارة لعارض كمن قتل فرعه عمدا فسقوطه لحرمة الابوة ولذا وجبت الدية في ماله ولو وجبت باصل القتل لكانت على العاقلة كالخطأ * ثم عند الشافعي رحمه الله تعالى

ص: 200

لا يرث القاتل مطلقا بحق اولا مباشرة اولا ولو بشهادة او تزكية لشاهد بالقتل * وعند احمد رحمه الله تعالى كل قتل مضمون بقود اودية او كفارة يحرم الارث ومالا فلا وعند مالك رحمه الله تعالى قاتل الخطأ يرث من المال دون الدية * ولو مات القاتل قبل المقتول ورثه المقتول اجماعا (والثالث) من الموانع الخمسة (اختلاف دين) هو والملة متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار فلا فرق في التعبير به أو بها (ظهرا) صفة اختلاف اى المعتبر الاختلاف فيما ظهر لنا عند الموت لا فى الحقيقة (كفرا واسلاما) تمييز ومعطوف عليه (كما تقررا) فلا يرث الكافر من المسلم اجماعا وكذا عكسه خلافا لمعاذ ومعاوية رضى الله تعالى عنهما وبه اخذ الحسن ومحمد بن الحنفية وهو القياس لان مبنى الميراث على الولاية والمسلم من اهلها وعند احمد اذا اسلم قبل القسمة يرث ترغيبا له فى الاسلام وكذا يرث من عتيقه الكافر واعلم ان الكفار يتوارثون فيما بينهم على تفصيل يأتى نظما وان اختلف تحلهم عندنا لان الكفر كله ملة واحدة خلافا لما لك واحمد وهذا ان لم تختلف الدار كما قال (والرابع) من الموانع (اختلاف دار الكفر ما بينهم) اى الكفار فلا يؤثر فى حق المسلمين فلو مات تاجر او اسير ثمه وكان مسلما ورثه من في دارنا واعلم ان الاختلاف اقسام ثلاثة حقيقة وحكما كحربي في دارهم مع ذمى في دار ناو حكما فقط كحربيين من دارين مختلفين كهندي ورومى وكمستأمنين من دارين في دارنا في الصورتين والا فلو فى دارهم فالاختلاف حقيقة وحكما فافهم وكمستأمن على شرف العود مع ذمى فى دارنا وحقيقة فقط كمستأمن في دارنا مع حربى فى دارهم من دار واحدة والمانع الاختلاف حكما سواء وجد معه الاختلاف حقيقة اولا فلذا قال (حكما تراه يجرى) ثم اختلاف الدار باختلاف النعة اى العسكر واختلاف الملك لاختلاف العصمة فيما بينهم فلو كان فى دار ملك ذو جيش وفى اخرى مثله وكان لو ظفر احدهما بواحد من عسكر الآخر قتله اختلف الداران (والخامس) من الموانع (الردة فى الانسان) وهي لغة الرجوع مطلقا وعرفا الرجوع عن دين الاسلام والشرط فى صحتها صدورها (من عاقل طوعا عن الايمان) متعلق بالردة فلا تصح ردة مجنون ومعتوه وموسوس وسكران ومكره وصى لا يعقل واما العاقل فتصح منه كاسلامه فلا يرث ابويه الكافرين ولا يرث المرتد احدا اجماعا مثله اولا وتورث عندنا اكسابه مطلقا عندهما كالمرتدة واكساب اسلامه فقط عنده خلافا لمالك والشافعي رحمهما الله تعالى والحكم بلحوق المرتد بدار الحرب كونه فيعتق مدبره ويحل دينه ويقسم ماله بين ورثته المسلمين (وليس هذا)

ص: 201

المانع (لاختلاف الدين) المتقدم (لانه) اى المرتد (ليس له من دين) لانه لا يقر على ما انتقل اليه وايضا او كان المانع ذلك لما ورثه المسلم والظاهر ان مثله الزنديق وهو على ما في فتح القدير من لا يتدين بدين * واستشكل ارث المسلم منه بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم لا يرث المسلم الكافر * واجيب بان المراد كافر له ملة أو يقال محمول على الكافر الاصلى لئلا يتضمن مخالفة الاجماع على قسم ماله بين ورثته المسلمين (قلت) ولا يخفى ما فى دعوى الاجماع او يقال ان ارث المسلم منه مستند الى حال اسلامه بناء على قول الامام ولذا خصه بكسب الاسلام وعلى قولهما لما أجبر على العود اعتبر حكم الاسلام فيها ينتفع به وارثه فكان ثوريث المسلم من المسلم كما اشار اليه السيد وغيره (فهذه) الموانع الخمس (قد انتفى الارث) عمن قامت فيه بعد قيام سببه ولذا سمى محروما (بها) اى بسببها (لذاتها حقيقة و) اما (غيرها) مما سيأتي فانتفى به الارث (لانتفاء الشرط فيه او) لانتفاء (سبب) ولذا سمى مانعا مجازا كما مر (لا انه لذاته الارث) مفعول مقدم لقوله (حجب) اى منع (وهو) اى غيرها بناء (على ما ذكروا ثلاثة) بل اربعة احدها (نبوة) بتقديم النون فانها (مانعة وراثه) وهل هي مانعة عن الوارثية والموروثية جميعا او عن الموروثية فقط ذهب الشافعية الى الثانى للحديث نحن معاشر الانبياء لا نورث * واضطرب كلام ائمتنا ففى الاشباه عن التتمة كل انسان يرث ويورث الا الانبياء عليهم الصلاة والسلام لا يرثون ولا يورثون وما قيل من انه عليه الصلاة والسلام ورث خديجة لم يصح وانما وهبت مالها له في صحتها انتهى ونقله عنه فى معين المفتى والدر المنتقى وكلام ابن الكمال وسكب الأنهر يشعر بانهم يرثون فليحرر والجمهور على انه عام في سائر الانبياء عليهم الصلاة والسلام بدليل الحديث وحكمته ان لا يتمنى احد موتهم فيهلك ولتكون صدقة بعد موتهم وحكمة عدم ارثهم ان ما تركه الميت هو ما فضل عن حاجته ففيه نوع خسة على أنه ربما يشبه الصدقة ومقامهم عليهم السلام اعلا من ذلك وهذا أولى بما فى الشرح فافهم ثم ظاهره ان المنع هنا لانتفاء الشرط وهو اما عدم وجود الوارث بصفة الوارثية كما اقتضاه الحديث واما عدم موت المورث بناء على ان الأنبياء احياء في قبورهم كما ورد في الحديث وعلى الاول ما الفرق بينه وبين القاتل (واقول) هو وجود المانع في القاتل نفسه بخلافه هنا فانه في المورث نفسه فلم يتحقق المانع المعتبر في الوارث والثاني قال الشارح فيه ما فيه (قلت) لعل وجهه ان المعتبر الموت ظاهرا او اقتضاؤه أن يكون الشهيد كذلك لحياته بدليل الآية وقد يقال ذاك فى من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا

ص: 202

ولعله احدث رياء او قصد غنيمة فلم يتحقق ذلك بخلاف الانبياء فتدبروا ما جعله لانتفاء السبب فبعيد جدا ثانيها (جهالة التاريخ فى) موت (الاموات) بان لم يعلم السابق (كزمرة) اى جماعة (هدمى) ماتوا بهدم وكذا بفرق او حرق فلا يرث بعضهم من بعض اذا كان بينهم قرابة (كما قد يأتي) في بابه وذلك لا لوجود مانع بل لانتفاء الشرط وهو وجود الوارث حيا عند موت المورث لعدم العلم بذلك ومثله ما اذا ماتوا معا (و) ثالثها (الجهل في الوراث) مع حياتهم ففيه انتفاء الشرط المار آنفا لانه كونهم حكما كما في المفقود ومانعيته بمعنى التوقف الى ظهور الحال لا المنع بالكلية (وهو صور خمس غدت مبسوطة) في المجتبى وغيره (او اكثر) الأولى (منها اذا ما ارضعت) المرأة (مع طلقها طفلا) لغيرها وماتت (ولم تعلمه بعد موتها) فكل منهما لا يرثها * الثانية وضع ولده في مسجد ليلا فندم فرجع لرفعه فوجد ولدين والتبس ومات فكل منها لا يرثه وتوضع تركته في بيت المال ونفقتهما منه * الثالثة ولد كل من حرة وامة ولدا ليلا والتبسا * الرابعة له ابن من حرة وابن من امة لانسان ارضعتهما ظئر والتبسا فهما حران وفى الصورتين سعى كل فى نصف قيمته لمولى الامة ولا يرثان * الخامسة اشتبه ولد مسلم وولد نصرانى عند الظئر وكبرا فهما مسلمان ومن ابويهما لا يرثان قال في الدر زاد فى المنية إلا ان يصطلحا فلهما ان يأخذا الميراث بينهما (وهذه) الموانع المجاية (المفقود فيها الاول) في قوله فلانتفاء الشرط فيه او السبب (اعنى به الشرط الذى لا يجهل) كما بيناه واما ما فقد فيه السبب فذكره بعضهم فى اللعان وهو المانع الرابع واشار اليه بقوله (وقد يزاد) على الثلاثة (مانع اللعان تجوزا فيه) ايضا (لفقد الثاني) في البيت السابق وهو السبب الذى هو النسب من ابيه فالمنفى باللعان لا يرث من ابيه لان اللعان قطع النسب الذي هو السبب.

(فصل في بيان معرفة مستحقى الميراث المجمع على توريثهم)

لما كان موضوع هذا الفن التركات وقسمتها بين مستحقيها ومر ما يتعلق بها مع ما يمنع الارث شرع في بيان المستحقين فقال (بالاتفاق ورثوا) فرضا وتعصيبا او بهما (من الذكر) عدل عن التعبير بالرجال ليشمل الصبيان كذا قال (عشرة) بالاختصار وبالبسط خمسة عشر الاول (منهم ابو الميت) بالتخفيف قيل هو والمشدد بمعنى وقيل المشدد من سيموت والمخفف من مات (اشتهر) تكلمة والثاني (جده اى الميت (الصحيح) وهو من لا يدخل في نسبته الى الميت انثى كما يأتي

ص: 203

نظما (حتى ان علا) اى سواء كان ابا الاب بلا واسطة او بها كابي ابى الاب وابيه وهكذا بخلاف من ادلى بانثى كابى الام وابى ام الاب وهذان من اعلا النسب (و) الثالث (الابن و) الرابع (ابنه ومهما نزلا) اى سفل والالف للاطلاق سواء كان بدرجة او درجات بشرط ان يكون نزوله بمحض الذكور ايضا فخرج ابن البنت وابن بنت الابن وهذان من اسفل النسب وما بقى من حاشيته (والاخ) مفعول قوله (اطلق) امر من الاطلاق اى الخامس الاخ مطلقا سواء كان من ابوين ابو اب او ام (و) السادس (ابنه) وان نزل لا مطلقا بل ان كان (من غير ام) سواء كان من ابوين او اب فقط (ومثله) فى التقييد بكونه من غير ام وهو السابع (عم) عصبة (كذلك) فى التقييد وهو الثامن (ابن عم) وان بعد وسواء فى ذلك عمومة الميت او عمومة ابيه او جده وان علا (فهؤلاء) الثمانية (يرثون بالنسب) واما التاسع وهو (الزوج مع) العاشر وهو (مولى العتاق) بالفتح من مصادر عتق فانهما يرثان (بالسبب) وكذا عصبة المعتق وانظر لم لم يعدوه صريحا هنا كما صرحوا بابن الاخ وابن العم مع انهم عدوه مع المستحقين وارثا مستقلا كما مر واعترض على عدهم الذكور عشرة بابن ابن الابن ان كان المراد به ابنه حقيقة زادت الاقسام بقولهم وان سفل لانه ابن ابن مجازا وكذا الكلام في الجد وان كان المراد مجازا كان الاخصر ان يقولوا الابن وان سفل والاب وان علا * واجيب بانهم قصدوا التنبيه على اخراج ابن البنت وابى الام أي وان بعدتا (قلت) وقد يجاب بناء على مذهبنا بان لا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز ويكون في قولهم وان سفل وان علا استخدام فافهم (وفي) هي هنا بمعنى من كقوله

وهل يعمن من كان احدث عهده * ثلاثين شهرا في ثلاثة احوال

اى من ثلاثة احوال كما فى المغنى اى وورثوا بالاتفاق من (النسا) بالقصر للضرورة فرضا او تعصيبا بالغير او مع الغير (سبعا) بالاختصار وبالبسط عشرا (ف) الاولى (ام) والثانية (بنت) صلبية (و) الثالثة (جدة) لام أو لاب سواء ادلت من الاب بذكر واحد بنفسها او بمحض الاناث اتفاقا أو ادلت بوارث ولو كان في نسبتها اكثر من ذكرين خلافا لمالك واحد او بذكرين فقط بنفسها او بمحض الاناث وان علت خلافا لمالك وكان الاولى اولا الضرورة تقديم الجدة على البنت لينتظم من كان من اعلا النسبت ومن كان من اسفله (و) الرابعة (بنت ابن) بقطع الهمزة للضرورة وان نزل ابوها بحيث لا يتوسط بينها وبين الميت انثي والا فهي من ذوى الارحام كما سيجئ والخامسة (اخت) مطلقا لابوين أو لاب أو لام

ص: 204

وهي من حاشيته وهؤلاء الخمس يرثن بالنسب (و) السادسة (زوجة ايضا) أتى بالتاء وان كان الافصح تركها لانه اولى فى لفرائض للتمييز (و) السابعة (مولاة النعم) اى العتق ولو بعتق المعتق وان بعدت وشمل من عتق عليها بالملك وهاتان بالسبب (تتمة) لا يتصور اجتماع الزوجين الا فى خنثى الملفوف في الكفن ادعى رجل انه زوجته وادعت امرأة انه زوجها فاذا هو خنثى واقاما البينة فللزوج النصف وللزوجة الربع كذا ذكره غير واحد من الحنفية والشافعية قال في الدر المنتقى لكن المنقول عندنا ان البينة للمرأة لكونها اكثر اثباتا كما في التأثر خانية والاصح عند الشافعية عكسه لزيادة العلم كما في شرح الترتيب (وكلهم) اى المجمع على توريثهم من الرجال والنساء السبعة عشر بل الخمسة والعشرين كما يظهر من خلال تقريرنا كلام الناظر (صنفان يا بحر الكرم) صنف ذو فرض وصنف ذو عصبة بنفسه وبغيره ومع غيره وشرع في بيانهما مع بيان الفروض مقدما الصنف الاول لتقدمهم ميراثا فقال

(فصل في بيان الفروض ومستحقيها)

(ذووا الفروض) هى والسهام هنا بمعنى (من لهم سهام قدرها) اى عينها (المهيمن العلام) خرج مالم يقدر منها كسهام العصبات وذوى الارحام (في محكم الكتاب) اى الكتاب المحكم اى غير المنسوخ او المتقن الذى لا يتطرق اليه خلل قال تعالى (كتاب احكمت آياته) ومثله ما ثبت بالاجماع لرجوعه اليه كما يأتي (وهي) اى السهام المذكورة (ستة لا سابع) بالرفع (لها بذاك) أو في الكتاب العزيز (البتة) من البت الى القطع والفها وصلية خلافا لبعضهم (وهذه) السهام المقدرة (نوعان) الاول النصف والربع والثمن والثانى الثلثان والثلث والسدس وعبروا عنها بعبارات كثيرة منها النصف ونصفه وربعه والثلثان ونصفهما وربعهما (لكن عبرا في ضبطها بما تراه اخصرا) وهو (الربع والثلث وتضيفهما) أى النصف والثلثان (كذاك تنصيف لكل منهما) اى الثمن والسدس واخصريته في النثر بان يقال الربع والثلث وضعف كل ونصفه (وثلث ما يبقى) فرضا (لام) بعد فرض احد الزوجين فى العمريتين وهما زوج وابوان او وجة وابوان (ثبتا) كونه فرضا لها (بحجة الاجماع) الاضافة بيانية (فيما قداتي) لا بالكتاب ومثله السبع إلى العشر فى باب العول فلا يرد نقضا على حصرها في الستة (و) قد يقال (ليس هذا) اى ثلث الباقى (خارجا عما ذكر من الفروض) الستة المذكورة في الكتاب العزيز (وهو) أى عدم خروجه (امر معلوم (مشتهر لانه مآله) اى رجوعه (فى الشرع حقيقة) ونفس الأمر (السدس)

ص: 205

فيما لو كان مع الابوين زوج (او للربع) فيما لو كان معهما زوجة فلا يرد نقضا ولا ينبغى حينئذ عد كثير له فرضا سابعا ثم شرع في بيان عدد ذويها مترجما للستة على الترتيب فقال (من يرث النصف) مثلث النون ويقال نصيف بالياء مع فتح النون (والنصف فرض خمسة) اشخاص فلذا اتى بالتاء على انه إذا لم يذكر التمييز جاز الأمر ان كما نبه عليه بعض شراح الكافية فلا حاجة إلى ما فى الشرح من ادعاء التغليب (للبنت) الصلبية منفردة (ثم) بعد فقدها (لبنت الابن ثم) بعد فقدهما (الاخت للابوين ثم بعد) فقد (ها) للاخت (لاب عند انفراد هن) بالاسكان من غير تشديد للضرورة اى استحقاق النصف عند انفراد الاربعة المذكورات عمن له دخل فى التعصيب احترازا عما اذا كان مع احداهن من يعصبها كالاخ فلا يفرض لها معه كما يأتى ولا يقال الاخت مع البنت تأخذ النصف مع انفرادها عمن يعصبها لانها لا تأخذه فرضا بل عصوبة معها (و) النصف (للزوج وجب) ايضا لا مطلقا بل (مع فقد فرع وارث في الشرع) ولو انثى واحترز بوارث عن المحروم بقتل ونحوه فانه كالعدم واما ولد البنت فلم يخرج به عندنا لتوريثنا ذوى الارحام بل خرج بقوله (كذاك) مع فقد (فرع ابن و) فقد (فرع الفرع) اى فقد فرع الابن المذكور فاللام للعهد فلا يشمل الانثى فيخرج ولدها كالمحروم فلا يحجبان الزوج (من يرث الربع والثمن) قوله (والربع فرض اثنين) مبتدأ وخبر الاول (للزوج اذا ما) صلة (وجد الفرع) الوارث الولد أو ولد الابن وان سفل (عليه) اى على الربع متعلق بقوله (استحوذا) الزوج اى استولى جواب اذا (كذاك) وهو الثاني (للزوجة ان كان فقد) الفرع المذكور (وان) وصلية (تعددن) اى الزوجات (و) لها اولهن (ثمن ان وجد) الفرع المذكور (و) لكن (ارثه شرط) كما قلنا في الاحكام الثلاث بخلاف غير الوارث كما مر ثم لا يشترط كونه من كل الزوجين بل من احدهما (وان كان الولد) اظهر في مقام الاضمار للضرورة (من غيرها او غيره كما ورد) فى الاية حيث اضيف للميت منهما فشمل ما اذا كان من الاخر او من غيره * لا يقال مقابلة الجمع بالجمع تقتضى انقسام الاحاد على الاحاد فيكون لكل امرأة ربع او ثمن * لانا نقول قد يترك ذلك لمانع وهو هنا لزوم حرمان بقية الورثة وهو منتف بالاجماع * أو نقول المستحقة للفرض واحدة منهن لمقابلة الجمع بالجمع فيقتضى مقابلة الفرد بالفرد ويزاحمها البقية لعدم الأولوية (من يرث الثلثين والثلثان فرض) اربعة لكل (من تعددا) ثنتين فاكثر (ممن له نصف حواه) حالة كونه

ص: 206

(مفردا) وحاصله ان من اخذ النصف منفردا اخذ الثلثين متعددا وهو البنت وبنت الابن والاخت الشقيقة والتي لاب فمن تعدد منهن ففرضه الثلثان عند فقد عاصب وحاجب (وبعضهم) وهو صاحب المجمع استثنى ممن له النصف الزوج و (زاد عليه) اى على ما ذكر الناظم (فذكر فيه سوى زوج) اى قال ممن فرضه النصف الا الزوج وتبعه على ذلك صاحب التنوير (وفي هذا) الذى ذكره (نظر) لانه خارج لعدم تعدده فاستثناؤه يكون مستدركا * فان قيل قد يتعد فيما لو ادعى رجلان فاكثر نكاح ميتة وبرهنا ولم تكن في بيت واحد منهما ولا دخل فيقتسمون النصف * قلت ليس هذا تعددا حقيقة لان الزوج واحد منهما وانما شرك لعدم العلم به دفعا للترجيح بلا مرجح ولذا لم يعطيا إلا نصيب زوج واحد (من يرث الثلث والثلث فرض اثنين) من الورثة اشار إلى الاول منهما بقوله (لاثنين غدا) اى الثلث (من) صفة لاثنين الثانى اى انه لمن تعدد من (ولد لامه) اى الميت اثنين (فصاعدا) اى فذهب عددهن إلى حالة الصعود على الاثنين وهو منصوب على الحال من العدد ولا يستعمل الا بالفاء او ثم وهؤلاء متساوون في الاستحقاق للثلث متعددين وللسدس منفردين ذكورهم كاناثهم لآية الكلالة * قلت وقد اختلف فى معنى الكلالة على اقوال ستة اصحها من لا ولد له ولا والد وفى القسمة ايضًا متعددين كما قال (فيقسم الثلث عليهم مطلقا) ذكورا كانوا او اناثًا بلا تفاضل فيقسم (لذكر) و (انثى سواء) اى قسما متساويا (حققا) فعل امر مؤكد بالنون المبدلة الفا والى الثانى بقوله (كذا) أى يفرض الثلث ايضا (لام) للميت (عند فقد الفرع) اى فرع الميت الوارث ولدا او ولد ابن وان سفل كما مر (و) لها الثلث ايضًا عند فقد (اثنين من اخوته) الذكور و (لا) يشترط فقد (الجمع) من الاخوة خلافا لابن عباس رضى الله تعالى عنهما حيث قال لا يردها عن الثلث إلا ثلاثة (و) عند فقد ثنتين من (الاخوات مطلقا) اى سواء كان الاثنان من الاخوة او الاخوات لابوين او لاب او لام وارثين او محجوبين او مختلفين ذكرين او اثنيين او خنثيين او مختلفين لكن يخص الاطلاق هنا بما عدا الاختلاف والحجب لئلا يتكرر قوله (او مختلف) حقه التثنية لكن اعتبر ان الاثنين عدد ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة (ولو بحجب منعا كما عرف)(تنبيه) يزاد على من يفرض له الثلث الجد عند ابي يوسف ومحمد والائمة الثلاثة في بعض احواله مع الاخوة وذلك فيما اذا كان معه من الاخوة لغير ام اكثر من مثليه ولم يكن معهم صاحب فرض وستعرفه في الحجب

ص: 207

ان شاء الله تعالى (تتمة) يتصور فى اجتماع الاثنين من الاخوة او الاخوات خمسة واربعون صورة لأنهما اما ان يتحدا نوعا اولا وعلى كل فاما ان يتحدا نسبة اولا

(1)

فالاول ثمانية عشر والثانى سبعة وعشرون اوضحها الشارح وجعلها في جدول غير المنبر المشهور ولكن الاشارة تغنى الذكي عن طويل العبارة فتدبر * واعلم ان فرض الثلث للام هنا من جميع التركة وقد تاخذه من بعضها كما اشرنا اليه فيما مر وقد ذكره هنا بقوله (وبعد فرض واحد) اى احد (الزوجين فثلث) أى فلها ثلث (ما ابقاه) احد الزوجين وذلك في مسئلتين في زوج أو زوجة (مع ابوين) فيه تغليب اى اب وام بخلاف الجد لو كان مكان الاب في المسئلتين فهى على الاصل من اخذ الام ثلث الجميع خلافا لابي يوسف وهذا قول عامة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وتقدم ان هذا ليس فرضا غير الستة

(2)

لانه فى الحقيقة سدس فى مسئلة الزوج وربع في مسئلة الزوجة لكن استحب العلماء التعبير بثلث الباقي قادبا مع القرآن من قوله فلامه الثلث والمسئلتان تلقبان بالعمريتين فيهما بذلك وتابعه عامة الصحابة والائمة الاربعة رضي الله عنهم اجمعين وبالغراوين اشهرتهما تشبيها بالكوكب الاغر وبالغريبتين لانفرادهما عن الاصل (من يرث السدس والسدس فرض سبعة) من الورثة الاول (للواحد من ولد لام) مطلقا (ولو خنثى) ولما لم يذكر هذا في الملتقى بل اقتصر على قوله

(1)

قوله فالاول اعنى ما اذا اتحدا نوعا سواء اتحدا نسبة اولا والثاني هو اختلافها نوعا كذلك وبيانها اما ان يكونا اخوين او اختين او خنثيين او مختلفين فالثلاثة المتحدون اما لابوين او لاب او لام او احدهما لابوين والآخر لاب او لام او احدهما لاب والآخر لام فهذه ثمانية عشر من ضرب ثلاثة في ستة والمختلفون اخ واخت اخ وخنثى اخت وخنثى والاول من كل ان كان لابوين فالآخر اما لابوين او لاب او لام وكذا لو كان لاب او ام فهى سبعة وعشرون من ضرب تسعة في ثلاثة اهـ منه

(2)

قوله لانه فى الحقيقة الخ بيانه انه لو ماتت امرأة عن زوج وابوين فللام السدس لأن للزوج النصف ومخرجه من اثنين يبقى واحد ثلثه للام فتضرب مخرج الكسر وهو ثلاثة فى اصل المسئلة وهو اثنان تبلغ ستة ومنها تصح للزوج النصف ثلاثة وللام ثلث ما يبقى وهو واحد وللاب اثنان ولو مات رجل عن زوجة وابوين فللام الربع لان للزوجة الربع ومخرجه من اربعة يبقى ثلاثة للام ثلثها وهو واحد وللاب الباقي وهو اثنان فصح ان لها في المسئلة الأولى السدس وفى الثانية الربع حقيقة اهـ منه.

ص: 208

ذكرا او انثى قال (زد) اى زده على الاصل لذكرهم اياه في هذا المحل ثم الخنثى وان كان كغيره في بقية الفروض الستة لكنهم نصوا عليه هنا فقط كانه لما فصل في الآية الولد بقوله اخ او اخت كان مظنة توهم خروجه بخلاف ما مر لذكره بلفظ الولد العام الثانى ما اشار اليه بقوله (كذا لام) وتستحقه في حالتين الاولى (مع وجود الولد) الوارث مطلقا (او) وجود (فرعه) اى الولد وان سفل كذلك (و) الثانية (مع وجود العدد) اثنين فصاعدا لما تقرر ان اقل الجمع هنا اثنان (من اخوة او اخوات) للميت (مطلقا) اى سواء اتحد المتعددان فى النسبة او فى النوع او اختلفا فيهما سواء كانا وارثين او محجوبين او مختلفين كما مر لا محرومين هما او احدهما وانما حجبها ولد الابن كابيه دون ولد الاخ كابيه لاطلاق الولد عليه مجازا شائعا بل قبل حقيقة بخلاف اطلاق الاخ على ولده (فرع) لو ولد ولدان متلاصقان تاما الخلقة قال بعض الشافية هما كالاثنين في جميع الاحكام من حجب وارث وقصاص وغيرها قال في سكب الانهر واليه اذهب ولم اجدها فيا عندى من كتب المذهب (و) الثالث (لاب مع فرعه) اى ولد الميت مطلقا ولوخنثى او ولد ابنه وان سفل كذلك (تحققا) هذا الحكم وثبت الرابع الجد كما قال (عند فقد الاب فاعط) بلا همزة للضرورة (الجدا مع فرعه) الوارث وان سفل (ايضًا ولا تعدا) بحذف احدى التائين والالف فيه وفي الجدا للاطلاق ثم الجد صحيح وفاسد والمراد الأول كما قال (اعنى به الصحيح) ولا يكون الا واحدا لانه من جهة الاب والاقرب يسقط الا بعد كما سقط الاقرب بالاب بخلاف الفاسد فانه يتعدد والصحيح هو (من لا يدخل ما بينه و) بين (الميت) بالتخفيف (نثى) كما نقلوا وهو اب الاب وابوه وان علا بمحض الذكور الخامس ممن يرث السدس الجدة كما قال (كذاك فاعط) بدون همزة للضرورة ولو حذف الفاء هنا وفيما مر لكان اولى (الجدة الصحيحة) واحدة كانت او اكثر اذا كن متحاذيات في الدرجة وانما تعطاه (من بعد فقد الام) لسقوطها بها كما ياتي في الحجب (خذ توضيحه) اى هذا الحكم المفهوم ثم بين الصحيحة بقوله (وهى التي من) والموصول الثاني تأكيد للأول والاحسن ان يقول وهذه من (ليس) يدخل (في نسبتها للميت جد فاسد) كام الام وان علت وام الاب وان علا بخلاف ام ابي الام فهى فاسدة (فانتبها) الالف بدل من نون التوكيد الخفيفة ثم اقسامها عندنا كالشافعية ثلاثة المدلية بمحض الاناث وبمحض الذكور وبمحض الاناث الامحض الذكور كام ام الاب بخلاف العكس كما مر السادس بنت الابن كما قال

ص: 209

(كذا لبنت ابن وان تعددت) اجماعا (ولو) كانت المتعددة (من ابنين) والجار متعلق باتت (فصاعدا اتت وذاك) اى ثبوت السدس لها (مع وجود)(بنت) الميت (واحدة) لا اكثر (من صلبه) فتأخذه تكلمة للثلثين ورمز بقوله (فافهم فروع القاعدة) الى انه يقاس على ذلك كل بنت ابن نازلة فاكثر مع بنت ابن واحدة اعلا منها (و) السابع (الاخت من أب)(ولو تعددت) وذلك (مع) الاخت الشقيقة (التي من ابوين) قد (اتحدت) اى كانت واحدة والتقييد هنا وفيما سبق بالواحدة ليخرج ما لو كانت بنت الابن مع بنتين او الاخت لأب مع شقيقتين فان كلا منهما تسقط مالم تعصب كما سيأتى وبه تم اصحاب الفرائض وذكر فذلكة لما مر بقوله (فجملة الذين حاوزا الفرضا) بطريق البسط (ثلاثة)(جاءت وعشر ايضا) جمع بين الحائزين فيما اذا حذف المميز كما مر (وذا من الاناث تسع فى العدد) الام والجدتان والزوجة والاخت لام وذوات النصف الاربع (واربع من الذكور قد ورد) الاب والجد والاخ لام والزوج وبالاختصار عشرة ست من النسوة البنت وبنت الابن والام والجدة مطلقا والزوجة والاخت لابوين او لاحدهما والاربعة الذكور المذكور وباقى الذكور الوارثين عصبات * ثم لما انتهى الكلام على الصنف الاول وهو ذووا الفروض شرع فى بيان الصنف الثاني فقال

(باب العصبات)

جمع عصبة وهى عاصب يستوى فيهما المفرد المذكر وغيره وهى لغة بنوا الرجل وقرابته لابيه لانهم عصبوا به اى احاطوا او لتقوى بعضهم ببعض من العصب وهي المنع ومنه عصابة الرأس واصطلاحا ما سيذكره الناظم ثم العصبة قسمان نسبية وسببية والاولى انواع بالنفس وبالغير ومع الغير لانه ان لم يحتج في عصوبة الغير فهو بالنفس وان احتاج فان شاركه الغير فيها فهو بالغير والا فمع الغير والحق انه عرف بالاستقراء وقدمت النسبية لقوتها واقواها الاول فلذا بدأ به فقال (وعاصب) منسوب (للميت) اى العصبة (بالنفس) هو (ذكر) خرج الانثي اذ لا تكون الا عصبة بالغير او مع الغير واما المعتقة وكذا المعتق فليست عصبتهما بنسية والتعريف لها لقوله (وليس) داخلا (في نسبته) الى الميت (انثى اشتهر) سواء دخل فيها ذكر او لا كالابن الصلبي فخرج ابناء الام فانهم من ذوى الفروض وابو الام وابن البنت فانهما من ذوى الارحام (واوردوا) على هذا التعريف انه غير جامع لشموله (اخا لام واب) فانه يدخل في نسبته الى الميت انثى مع انه عصبة بنفسه (ودفعه) اى هذا الا يراد بتحرير المراد اى

ص: 210

لا يدخل (انثى فقط فى النسب) كابن البنت والاخ ليس كذلك وفيه ما لا يخفى ولا سيما في التعاريف وقد اجيب عنه باجوبة آخر لا تخلو من نظر فلذا عدل بعضهم عن التعريف إلى العدو قال فى الكفاية * وليس يخلو حده من نقد * فينبغي تعريفه بالعد * ثم بين حكم العصبة بنفسه بقوله (فما) الفاء فصيحة وما مفعول مقدم لحارز و (بقى من الفروض) صلة ماو (حارز) خبر لمبتدأ محذوف اى اذا عرفت العاصب بنفسه فهو حارز اى آخذ ما بقى من الفروض عند وجود اصحابها (وكله) اى كل المال مفعول مقدم لحائز المعطوف بهذه الواو على حارز (بالانفراد) عن ذوى الفروض واحدا كان او اكثر (حائز) والمعنى كما فى اصله الملتقى انه يأخذ جميع ما ابقته الفرائض وعند الانفراد يجوز جميع المال وما اشبه هذا البيت بالالغاز فلو قال

يأخذ ما ابقى ذوو السهام

وبانفراده الجميع حامي

لاتضح الحال * واعلم انهم جعلوا العصبة بالنفس النسبية اربعة اصناف جزء الميت واصله وجزء ابيه وجزء جده وبعضهم ذكرها بالعدد وجمع بينهما فقال (اصنافهم) اى العصبة النسبية بقرينة المقام والتعريف (اربعة كما اشتهر) حال كونهم (من نسب) صرح به وان كان ما رجع اليه الضمير مقيدا به لدفع التوهم عن قوله (وعدهم اثنا عشر) بقطع الهمزة حيث عدهم البعض اربعة عشر لانه اراد مطلق العصبة لذكره المعتق والمعتقة وقدوهم العلآن فعدا النسبية بما ذكر * ثم شرع في بيانهم مقدما الاقرب فالاقرب فقال (فجزءه) الذي هو الصنف الاول وهو مبتدأ و (اقربهم) نعت او خبره وجملة (يقدم) الخبر او خبر بعد خبر وفى هذا الصنف من الانثى عشر اثنان (الابن ثم) بعده (ابن ابن) وان سفل والهمزة فيهما مقطوعة للضرورة (يعلم) على الترتيب فكل واحد يحجب من بعده وكذا بقية الاصناف (ثم قدم) بعد جزئه (اصله) الذى هو الصنف الثاني فلا يرث مع الاول بالتعصيب بل بالفرض كما مر ويأتي وفيه ايضا اثنان مرتبان كما قال (وهو) اى اصله (الاب وبعده) اي بعد فقده يقدم (الجد الصحيح العاصب) خرج الفاسد فانه من ذوى الأرحام (وبعده) اى بعد تقدم اصله او بعد الجد يقدم الصنف الثالث وهو (اخوته جزء الاب) للميت وفيه اربعة مرتبون فيقدم منهم الاخ (من ابوين فا) بعده الاخ من (اب في النسب ثم بنوهم) اى بنوا الاخوة (مثلهم) بالنصب او الرفع (قد جعلوا) فيقدم ابن الاخ الشقيق على ابن الاخ لاب (وهكذا) فى الحكم المار (ابناؤهم)

ص: 211

اى ابناء الاخوة و (ان سفلوا) مثلث الفاء والفتح اشهر لانه من السفول ضد العلو وقيل الضم خطأ لانه من السفالة اى الدناءة وما افاده من تقديم الجد على الاخوة هو مذهب الخليفة الاقدم وعليه امامنا الاعظم وهو المختار للفتوى خلافا لهما وللشافعي كما ياتى فى الحجب (ثم) بعد الاخوة وبينهم (اعط) بدون همز (جزء جده) الذى هو الصنف الرابع وفيه اربعة مرتبون ايضا فاعط (الاعماما) بالف الاطلاق (من ابوين ثم) بعدهم الاعمام من (اب) بسكون الباء للضرورة (تسامى) والاولى ابدال ثم بالفاء (وبعدهم) اعط (ابناءهم)(كذلك) فتقدم من لابوين على من لاب (وان) وصلية (دنوا) اى نزلوا فترتيب هذا الصنف وعدده (كما مضى هنالك) فى الصنف قبله وبهذا ثم ذكر الاصناف الاربعة والعدد الاثنا عشر * واعلم انهم اردوا بالجد هنا اصل الاب مطلقا اى وان علا فالمراد بجزئه العمومة المطلقة وفروعها ليتم الانحصار المذكور الا ان الناظم تابع الاصل اعنى الملتقى بتنويع هذا الصنف لزيادة الايضاح واراد بالجد ابا الاب فقط ليصح قوله (وبعد ذاة) اعط (جزء جد الوالد اعنى به) اي بالجزء (عم ابيه) اى ابى الميت (الماجد) صفة لاب (وهو) اربعة مرتبون ايضا كما مر فيقدم (الذى من ابوين ثم) الذى من (اب ثم ابنه) اى ابن عم الاب كذلك فيقدم من لابوين ثم من لاب (وان تدانا في النسب) وانت خبير حيث كان الامر كذلك انه ينبغي عدهم خمسة اصناف وزيادة العدد ولا ينفعه الاعتذار المار اللهم الا ان يقال لما جمعتهم صفة العمومية ولو مجازا عدوا صنفا واحدا فليتأمل واعلم انه يعتبر او لاقرب الدرجة وثانيا قوة القرابة فعند وجود الاولى لا عبرة للثانية فان ابن الاخ للاب اولى بالميراث من ابن ابن الاخ لابوين وعند عدمه يرجح بها كما قال (وبعد ترجيح بقرب)(الدرجة) يرجح (بقوة القرابة) اى تعدد الجهة (اسلك منهجه) وفرع عليه بقوله (فمن يكن لابوين يمنع) عن الارث (من) كان (لاب) لكن هذا لا يتصور في الصنفين الاولين بخلاف الترجيح بقرب الدرجة فإنه يعم الكل والحاصل انه اذا اجتمع عاصبان فمن جهته مقدمة قدم وان بعد كابن ابن اخ لغير ام وعم فان اتحدت قدم القريب درجة على البعيد فان اتحدت قدم القوى وهو ذو القرابتين على الضعيف وهذا معنى قول الجعبرى

فبالجهة التقديم ثم بقربه

وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا

(وهم اذا ما اجتمعوا) اى إذا اجتمع جماعة من العصبة (في رتبة) اى درجة

ص: 212

(واحدة) كابن اخ وعشرة بنى اخ اخر (فيقسم على) هؤلاء باعتبار (الرؤس لا) باعتبار (الاصول الاسهم) نائب فاعل يقسم فالمال بينهم في المثال على احد عشر سهما لا على سهمين باعتبار اصولهم (تذييل) من الورثة من يرث بجهتى فرض وتعصيب كابني عم احدهما اخ لام يأخذ السدس بالفرض والباقي بينهما بالعصوبة ومنهم بفرض وتعصيب معا بجهة واحدة وهو الاب اتفاقا والجد على الصحيح وقد يجتمع جهتا تعصيب كابن هو معتق وجهتا فرض وذلك في المجوس كما سيأتى نظما ولما فرغ من النوع الاول من العصبة شرع في الثاني فقال (العصبة بغيره) سيأتى الكلام على معنى الباء وذلك اربع من النساء البنت وبنت الابن والاخت لغير ام يجمعهن قوله (من فرضه النصف) عند الانفراد (او الثلثان) عند الاجتماع كما مر فمن كان كذلك فهو عصبة ولكن (تعصيبه بالغير فى ذا الشان) واحترز عمن ليست ذات فرض كما يصرح به وعن الزوج اذ لا ياخذ الثلثين في حالة ما وعبر بالغير دون الاخ ليشمل ابن العم (وذاك) الغير الذي يصرن به عصبة مصور (بانضمام شخص)(معه) ذكر الضمير مراعاة للفظ من (عصبة بالنفس) صفة شخص وبه خرج العصبة مع الغير (لا سهم له) احتراز عن الاب والجد اذ لا يعصبان من ذكر ثم بين ذلك بقوله (وهو) اى الشخص (اخ لجمعهن ثبتا) الالف للاطلاق اى الاخ يعصب كلا من الاربعة فيعصب البنت الصلبية ولو متعددة اذا كان ابنا للميت فى درجتها والاخت الشقيقة ولو متعددة اذا كان شقيقا لا لاب بل بفرض لها معه اجماعا والتي لاب ولو متعددة اذا كان لاب عندنا وعليه الشافعي قد تعصب ايضا بالجد شقيقة او لاب كما سيجيء وبنت الابن ولو تعددت ولا تختص به كما قال (وغيره) اى الاخ (لبنت ابن) بقطع الهمزة ضرورة (قداتى) فتصير عصبة به وبابن عمها لو فى درجتها مطلقا وبابن ابن اسفل منها سواء كان ابن اخيها او ابن عمها ان لم يكن لها شيء من الثلثين فالحاصل ان كلا من البنت والاختين يعصبهن الاخ فقط عندنا وبنت الابن يعصبها ابن ابن هو اخ او ابنه او ابن عم وبما تقرر علم ان ابن الابن يعصب من مثله ومن فوقه ممن لم تكن ذات سهم فاذا كان في الدرجة الثانية عصب اخته وبنت عمه في درجته ولو فى الثالثة عصبهما وعصب عمته وبنت عم ابيه وهكذا كلما نزل زاد وبهذا ظهر ان قول بعضهم اربعة من الذكور يعصبون اخوانهم الابن وابنه والاخ لابوين او لاب تقريب كقوله اربعة من الذكور لا يعصبون اخواتهم ابن الاخ والعم وابن العم وابن المعتق لان كلا من الاب والجد لا يعصب اخته

ص: 213

ايضا وما نقله فى الشرح من الجواب بان ذلك لا يدل على الحصر فيه نظر لانه في معرض التقسيم ومثله يفيد الحصر كما ذكروا وفي تسمية من يعصب من فوقه بابن الابن تسامح قد تباعد عنه الناظم مشيرا الى بعض ما قررنا فقال (فابن ابن بعد ابن) اى فى الدرجة الثالثة والهمزة فى الثلاثة مقطوعة (عصبا) الالف للاطلاق (من مثله) فى الدرجة وهى الثالثة كمن مات عن بنتين وبنت ابن ابن وابن ابن ابن آخر بهذه

الصورة ميت

بنت بنت ابن ابن

ابن ابن

بنت ابن

(او فوق ذاك نسبا) بالاولى لانه اذا ورث من فى درجته معه بالتعصيب فمن فوقه اولى لاقر بيته الى الميت منه فيعصب عمته كما لو مات عن بنتين وبنت ابن وابن ابن هذا الابن ويعصب بنت عم ابيه بهذه الصورة

ميت

بنت بنت ابن

ابن - بنت

ابن

ثم صرح بما فهم معاصر من ان من لا فرض لها لا تصير عصبة باخيها فقال (وكل من ليست) من الاناث (بذات فرض) بحال بان تكون من ذوى الارحام واخوها عصبة (كعمة) مع اخيها ابى الميت او عمه لابوين او لاب (او بنت عم) مع اخيها لابوين او لاب (فاقض بانها بالاخ) المذكور (لا تصير ذات اعتصاب) به فالمال كله للاب او العم او ابنه دونها (قاله الجمهور) لورود. النص فى البنات مع البنين والاخوات مع الاخوة على خلاف القياس وكذا الاخت او بنت الاخ لا تصير عصبة بابن الاخ ولما كان في كلام بعضهم ما يوهم خلاف ذلك نبه عليه بقوله (وفي كلام البعض) وهو صاحب المجمع وصاحب التنوير (شيء او هما) الالف للاطلاق (خلاف ما قلناه خلى) بكسر الخاء منادى (فاعلما) الالف منقلبة عن نون التوكيد وذلك حيث قالا واذا استكمل البنات والاخوات لابوين فرضهن سقط بنات الابن والاخوات لاب الا بتعصيب ابن ابن او اخ مواز او نازل انتهى اى مساو او سافل فحينئذ

ص: 214

يعصبهن ويكون الباقى للذكر كالانثيين كذا فى المنح قال في الدر. فى اطلاقه نظر ظاهر لتصريحهم بان ابن الاخ لا يعصب اخته قال في الرحيبه

وليس ابن الاخ بالمعصب

من مثله او فوقه في النسب

انتهى (وبعضهم) من شراح السراجية (قد جاء بالعجيب) حيث صرح بان الاخت لاب المحجوبة لها الباقى مع ابن اخ عصبة (وقاسه ايضا على) مسئلة (التشبيب) الآتية فى الحجب وهى ما ذكر فيها البنات مختلفات الدرجة لأنها بدقتها وحسنها تحميل الاذان الى استماعها فشبهت بتشبب الشاعر القصيدة بذكر اوصاف النساء فيها لتحسينها (وقال فيه) اي فيما ذكره (عز) اي قل (تصريح) من العلماء (بها) ولما كان ذلك مخالفا لما صرحوا به اذ ليست ذات فرض وقاسها على غيرها مع امتناعه فى هذا الفن كما مر وصفه بكونه عجيبا وقال (وذاك سهو ظاهر فانتبها) اصله انتبهن قلت وقد يجاب عن المجمع والتنوير بان قولهما مواز ونازل صفة ابن ابن فقط يدل عليه ان الاخ لا يصح وصفه بالنزول لما مر انه لا يطلق على ابن الاخ انه اخ فتنبه ولما انتهى الكلام على النوع الثانى شرع فى الثالث فقال (العصبة مع غيره) والفرق بين الباء ومع ان الباء الالصاق فتفيد المشاركة في حكم العصوبة بخلاف مع فانها للمقارنة ولو بلا مشاركة كقوله تعالى (وجعلنا معه اخاه هرون وزيرا) وقيل الباء للسببية ومع شرطية فالاخ ونحوه سبب العصوبة بخلاف البنت اذ من ليس عصبة لا يعصب غيره بل الشارع جعل وجودها شرطا فدخلت كل صلة فيما يناسب لها (والاخت) ولو متعددة (مع بنت) الصلب واحدة ايضا فاكثر (و) كذا مع (بنت الابن) وان سفلت كذلك وكذا مع بنت وبنت ابن (ذات اعتصاب مع غير) لقول الفرضيين اجعلوا الاخوات مع البنات عصبة وقيل هو حديث والمراد من الجمعين هنا الجنس واذا عبر الناظم بالمفرد والمراد بالاخت التي لغير ام ولذا قال (اعنى) اى اقصد بالاخت التي تصير عصبة مع الغير (من) تكون (للابوين او اب) واشار بقوله مرتبا الى انهما لا يجمعان بل التي لابوين يحجب من لاب ثم عمم ذلك بقوله (ذوى الابوين) من العصبات (مطلقا) ذكرا كان او انثي (قد حجبا) الالف للاطلاق اى منع من الميراث من لاب وحذف المفعول لدلالة ما قبله عليه والحاصل كما فى اصله ان ذا الابوين من العصبات مطلقا مقدم على ذى الأب حتى وان الاخت لابوين اذا صارت عصبة مع البنت او بنت الابن تحجب الاخ لاب انتهى اى تمنعه من الباقى بعد النصف وتاخذه الشقيقة دونه وان

ص: 215

كان عصبة بنفسه لقوة قرابتها بإدلائها الى الميت بجهتى الاب والام بخلافه وعليه الجمهور لقول على رضى الله تعالى عنه قضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ان اعيان بنى الام يتوارثون دون بنى العلات رواه الترمذي وابن ماجه وعلامة الذكور في الحديث تدل على ترجيحهم دون الاناث لانها وان تناولت الاناث عند الاختلاف لم تتناول المتفردات لكن الحقن بهم بدلالة المساواة في قوة القرابة (تنبيهان) الاول لو كان مع البنت اخت ومعها اخ يساويها ورثت معه تعصيبا بالغير فيكون لها نصف ما لاخيها لا مع الغير حتى يكون الباقى بينهما سوية الان تعصيبها بالبنت ضرورة لعدم التمكن من حظ نصيب البنت بالعول بسبب فرض الاخت ويعسر اسقاطها ولا حاجب بخلاف تعصيبها بالاخ * الثاني العصوبة قد تؤثر في اصل الاستحقاق كبنت ابن وابن ابن مع بنتين اذلولا عصوبتها لسقطت وقد تؤثر في النقصان كبنت وابن وقد توثر فى الحرمان كبنت ابن وابن ابن مع بنت وزوج وابوين وقد لا توثر شيئا كبنت وبنت ابن وابن ابن ولا يتصور تأثيرها بالزيادة فتنبه واعلم ان الاخوة ثلاثة اصناف بنو الاعيان وهم الاخوة والاخوات لابوين وبنوا العلات وهم هم لاب وبنو الاخياف وهم هم لام (عصبة ولد الملاعنة وولد الزنا) هى من العصبة النسبية لكن ذكرها في ذيلها بترجمة على حدة لأنها من جهة الام فقط (وعاصب اللعان) اى عصبة الولد الذي وقع بسببه اللعان (مولى الام) فقط فيرث امه وترثه دون الاب كشخص لا اب ولا قرابة له من جهة والمراد بالمولى ما يعم المعتق والعصبة ليعم ما لو كانت الام حرة الاصل كما بسطه العلامة قاسم (كذاك اولاد الزنا فى الحكم) المار فلو ترك احدهما بنتا وانا فللبنت النصف وللام السدس والباقي يرد عليهما ولا شيء للاب كان لم يكن لكن يفترقان في مسئلة واحدة وهى ان ولد الزنا يرث من توأمه ميراث اخ لام وولد الملاعنة ميراث اخ لابوين كما فى الاختيار وعليه اقتصروا هنا وقد جزم في الدر المختار آخر باب اللعان بان ولد الملاعنة يرث من توامه ميراث اخ لام ايضا وعبارة البحر هناك وفى شهادات الجامع ولدت توامين فنفاهم ومات احدهما عن امه واخيه واخ منها فالسدس لها والثلث لهما والباقى يرد كاولاد العاهرة لانقطاع النسب وفيها اختلاف يعرف في موضعه انتهى ولم ار من نبه على هذا في هذا المحل وظاهر اقتصارهم على الاول ان عليه المعول فتأمل ثم رأيت في فرائض شرح الهداية المسمى معراج الدراية قال أنهما عندنا وعند الشافعي واحد والجمهور كالاخوين لام وقال مالك كالاخوين لاب ثم ذكر الدليل والتفاريع فراجعه واما الولد

ص: 216

المشترك نسبه من الامة بإن كانت بين اثنين فاتت بولد فادعياه معا فهو بينهما يرث من كل ميراث ابن كامل ويرثانه ميراث اب واحد و اقرباء كل منهما ينسبون اليه بجهة ابوة كاملة ويشارك بعضهم بعضا في ميراثه فكانهم اقرباء اب واحد وان مات احدهما فهو للباقى منهما يرث منه ميراث اب كامل قاله العلا آن ووقع هنا في نسخ الاصل سوى ما كتب عليه العلائ الطرابلسي ما نصه والاب مع البنت صاحب فرض وتعصيب والمناسب ذكره فى العصبة بنفسه ولكن تعرض له الناظم هنا تبعا له وترجه بقوله (تنبيه) لانه علم مما مر فقال (ذو الفرض والتعصيب قل) لمن اراد معرفته هو (اب وجد) فان كلا منهما يكون صاحب فرض وتعصيب فيرث بهما تعصيبا وذلك (مع بنته) اى الميت (او بنت ابنه) بقطع الهمزة (ورد) ذلك فى النص فالفرض في الآية والتعصيب بحديث الحقوا والحاصل ان للاب والجد ثلاثة احوال الفرض المطلق وهو السدس مع ولد او ولد ابن والتعصيب المطلق عند عدمهما والاثنان فى مسئلتنا ولما فرغ من العصبة النسبية شرع فى السببية فقال (عصبة مولى العتاقة وهى اخر العصبات) وانما كانت كذلك لكون الاولى حقيقية والثانية حكمية وفيه تنبيه على تقدمها على ذوى الارحام ايضا (مولى العتاق) عدل عن التعبير بالاعتاق ليشمل عتق القريب عليه كما مر (اخر فى العصبة) اى جنسها وليس ذلك خاصا بالذكور بل (كذلك الانثى لها ذي المرتبة) ثم المعتق يرث من معتقه سواء اعتقه لوجه الله تعالى او الشيطان او بشرط ان لا ولاء عليه او يجعل او كتابة او استيلاد او تدبير كما لو دبره فارتد ولحق وقضى به يعتق المدير وكذا ام الولد لانه صار ميتا حكما فاذا جاء السيد مسلما فالولاء له وقد شمل قوله مولى العتاق عصبه المعتق لكن ربما بتوهم عدم شموله فلذا صرح به تبعا للاصل فقال (عاصبه) اى عصبة مولى العتاقة (من بعد) اى له الولاء من بعده (فى الترتيب كما مضى بالنفس في التعصيب) اى على الترتيب الماضى فى التعصيب بالنفس وفيه اعمال المصدر المعرف المؤخر ويقر به كون الظرف مما يكفيه رائحة الفعل والحاصل انه ان لم يكن مولى العتاقة موجودا فالولاء بعده لاقرب عصبته النسبية اعنى الذكور على الترتيب المذكور فى العصبة بنفسه فجزؤه وان سفل اولى بميراث العتيق من اصله وان علا ثم اصله وان علا ثم جزء ابيه ثم جزء جده يقدم ذو الابوين على ذى الاب كما مر في النسبية ولا ولاء للاناث من ورثة المعتق فليس فى السببية عصبة بغيره ولا مع غيره كما افصح به بقوله (ولم يجئ بالغير) متعلق بقوله (من معصب كذا ولا) من عصبة

ص: 217

(مع غيره في) التعصيب (السببي) فالعصبة السببية عصبة بالنفس فقط بخلاف النسبية فانها ثلاثة اصناف كما مر ثم ذكر ثلاث فروع تبعا للاصل فقال (فالميت) بالتخفيف (ان) كان عتيقا لآخر و (خلف ابن) بقطع الهمزة للضرورة (المعتق) وخلف (ايضا ابا المولى) المعتق (كريم الخلق) ولم يترك عصبة نسبية ولا صاحب فرض (فالمال) كله عند ابي حنيفة ومحمد وكذا الشافعي رضى الله تعالى عنهم (للابن) بسبب (قرب النسب) فكما لا يكون الاب مع الابن عصبة فكذا لا يرث بالولاء معه (وخالف) الامام (الثاني) وهو ابو يوسف فحكم (بسدس) من المال (للاب) وما بقى للابن كما فى العصبة النسبية واعترض بإن السدس هناك بالفرضية ولا فرضية فى الولاء (و) الفرع الثانى (او مكان) ظرف ليلفى محذوفا دل عليه مفسره الآتى لان لو مما يجب ان يليها الفعل (الاب جد) صحيح (يلفى) اى يوجد فالمال كله (للابن يعطى) عصوبة ولا شيء المجد اتفاقا وهو معنى قوله (ما رأينا خلفا) وهذه من المسائل التى ليس الجد فيها كالاب اتفاقا (و) الثالث (لو) ترك العتيق (مع الجد) اى جد المولى (اخا للمولى) ايضا (فالجد بالمال) المتروك (جميعا اولى)(من اخى المولى على الترتيب المتقدم وهذا عند الامام (وخالفا) اى الصاحبان (فيه فقالا) يستوى الجد والاخ فى الولاء و (يقسم) المال (عليهما) نصفين (واصله) اى هذا الخلاف (سيعلم) في باب الحجب من ان الاخ هل يرث مع الجد فعنده الجد يسقط الاخ خلافا لهما واما بنت المعتق فلا شيء لها فى ظاهر الرواية وافتى بعضهم بدفعه لها لكن لا بطريق الارث بل لكونها اقرب الناس اليه بل ولذى ارحامه بل وللولد رضاعا كما يرد على الزوجين في زماننا كما في القنية والزيلعي عن النهاية والاشباه واقره في المنح وسكب الأنهر قال في الدر المنتقى ولم ار في زماننا من افتى بهذا ولا من قضى به وعلى القول به فينبغى جوازه ديانة فليحرر وليتدبر (تنبيه) قال في السراجية ومن ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه ويكون ولاؤه له ذكره تتميما لمباحث العصبة السببية وحاصل ما ذكروا في بيانه ان القرابة الحقيقية ثلاثة قريبة ومتوسطة وبعيدة فالاولى قرابة ذى رحم محرم من الولاء اصلية كالابوة والجدودة او فرعية كالبنوة فمن ملك احدا من اهلها عتق عليه اتفاقا بلا توقف على اعتاقه خلافا للظاهرية والثانية قرابة ذى رحم محرم غير الولاء وهم الاخوة والاخوات وبنوهم وان سفلوا والاعمام والعمات والاخوال والخالات دون اولادهم وحكمها العتق عليه ايضا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى والثالثة قرابة ذى رحم غير محرم كاولاد الاعمام والاخوال

ص: 218

وحكمها عدم العتق عليه اتفاقا والمراد بغير المحرم اى بسبب الرحم فلاينا في محرمية بسبب آخر كالرضاع والمصاهرة هذه (تتمة) لبحث العصبة وقد مر ما فيها مما مر لكن اعادها تبعا للاصل للتنبيه على مسئلة خلافية (و) ذلك انه قد مر انه (يأخذ العاصب) بنفسه (مهما فضلا) الالف للاطلاق (عن كل ذى فرض) من النسبية والسببية (وان لم يبق) عنهم شيء سقط و (لا) شيء له ولو كان شقيقا مع اخوة لام عندنا وذلك (كمرأة ماتت عن الزوج وام) او جدة (واخوة لها) اى للمرأة الميتة (اشقا) بالقصر للضرورة والتعدد في الاشقاء غير لازم في التصوير بل كونه ذكرا كما سيأتى (و) اخوة (لام) فيه ايطا وهو معيب واصل المسئلة عندنا من ستة (فالنصف) اى نصف المال وهو ثلاثة يعطى (للزوج ويعطى ثلثه) وهو اثنان (لاخوة للام و) تعطى (هي) اى الام او الجدة (سدسه) وهو واحد فقد استغرقت الفروض التركة (و) حينئذ (لم يكن للاخوة الاشقا) العصبة (من ذلك الميراث قطعا حقا) ولا يشاركون الاخوة للام فى الثلث والصواب فى حقا الرفع لانه اسم يكن ولو حذف قطعا وقال حق حقا لصح ونصب الثاني ح على المفعولية المطلقة (وهكذا تقسم كل التركة) بفتح التاء وكسر الراء ويجوز سكونها مع فتح التاء وكسرها وهذا عندنا وهو قول ابي بكر وعمر او لا وعلى وابن عباس وغيرهم رضى الله تعالى عنهم وقال عثمان وزيد ابن ثابت رضي الله تعالى عنهما اولاد الابوين يشاركون اولاد الام في الثلث ويقسم بينهم سوية وهو قول عمر آخرا لما قال له احد الاشقاء يا امير المؤمنين السنا ولد ام واحدة وروى هب ان ابانا كان جارا او حجرا ملقى في اليم فقال صدقت وشرك بينهم وقال ذلك على ما قضينا يومئذ وهذا على ما نقضى اليوم وهذا يفيد ان الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد وبه قال مالك والشافعى ايضا (وهذه المسئلة) تسمى عند هؤلاء (المشركة) بفتح الراء اى المشرك فيها على الحذف والايصال توسعا وجوز بعضهم الكسر مجازا عقليا وتسمى ايضا الحمارية والحجرية واليمية لما مر وانما صور المسئلة بتعدد الاخوة للام اذ لو كان واحدا لفضل سدس للعصبة وكون الشقيق ذكرا اذ لو كان انثى لفرض لها النصف وعالت او كان بدله اخ لاب لسقط بالاجماع ولم تكن مشركة (باب الحجب) اتى به بعد بيان الوارثين منذى فرض وعصبة لان منهم من يحجب بالكلية او عن سهم مقدر الى اقل منه وهو لغة المنع واصطلاحا منع من يتأهل للارث بإخرهما كان له لولاه فخرج الكافر والقاتل وشمل كلا نوعى الحجب لان ائمتنا اصطلحوا على تسمية ما كان المنع المدنى فى نفسه ككونه

ص: 219

رقيقا او قاتلا محروما وما كان لمعنى فى غيره محجوبا وقسموا الحجب الى حجب حرمان وهو منع شخص معين عن الارث بالكلية لوجود شخص اخر وحجب نقصان وهو حجبه من فرض مقدر الى فرض اقل منه لوجود اخر ثم اعلم ان الاول (و) هو (الحجب بالحرمان قالوا منتف في حق ستة) ثلاثة من الذكور وثلاثة من الاناث (فحقق) ما قالوه (واعرف) وهم (الاب والابن) كذا بخط الناظم بالواو والصواب ابدالها بثم ليستقيم الوزن (والزوجان والام والبنت) والا خصر الابوان والولدان والزوجان فهولاء لاء لا يحجبون حرمانا اجماعا بحال ولذا ابد الانتفاء بقوله (مدى الازمان) نعم يحرمون بالقتل ونحوه كما مر وان الثاني (و) هو (الحجب نقصانا تراه اختصا) الالف للاطلاق (بخمسة) ليسوا من العصبات اذ لا وجود له بينهم لان ما ياخذه العاصب من الباقى او الكل حقه ابتداء لا بطريق النقص بمزاحة مساويه في الدرجة (جاءت) هذه الخمسة (فخذها نصا) حال من فاعل جاءت اي منصوصة وما بينهما اعتراض او تمييز نسبة او حال من المفعول احدها (الام) كذا بخط الناظم والصواب طرح ال وهذه تحجب من الثلث الى السدس بالولد او ولد الابن او العدد من الاخوة والاخوات (و) ثانيها (بنت ابن) تحجب بالصليبية من النصف الى السدس (و) ثالثها (اخت لاب) تحجب بالتي لابوين كالتي قبلها (و) رابعها (الزوج) من النصف الى الربع (و) خامسها (الزوجة ذات الحسب) من الربع الى الثمن بالولد او ولد الابن فيها كما مر مفصلا وبيان هذا النوع الثانى من زيادات الناظم عن الاصل (و) اعلم ايضا ان ماعدا الستة المنتفى فيهم الحجب عصبة كان او ذا فرض (يحجب الا بعد) منهم (كابن الابن باقرب) منه نسبا ونونه للضرورة (كابن رفيع الشأن) بالهمزة وكالاخ وابن الاخ والعم وابن العم (كذاك ذو القرابة الواحدة) كالاخ لاب يحجب (بذى القرابتين) وهو الاخ لابوين وكالعم لاب بالعم لابوين (حكم) اى بحكم (القوة) فى القرابة عند التساوى فى الدرجة وفيه اشارة الى انه عند عدم التساوى لا اعتبار لها بل يعتبر قرب لدرجة كما (مر)"وكل من يدلى" من الادلاء وهو لغة ارسال الدلو فى البئر استعير للارسال مطلقا اي يرسل قرابته الى الميت بسبب او بلصقة (بشخص) فانه يحجب به و (لا يرث) ذلك المدلى (مع) وجود (ذلك الشخص) المدلى به سواء كان عصبة كابن ابن مع ابن او صاحبي فرض كام ام مع ام او مختلفين كام اب معه (وهذا) الحكم "ان

ص: 220

ورث) ذلك الشخص المدلى به وهذا الشرط من زياداته على الاصل اذ لو كان محروما لم يمنع بل هو كالمعدوم (الا) الاخوة والاخوات (فروع الام) فانهم (يدلون بها) الى الميت (وياخذون الارث فرضا معها) قيل لعدم استحقاقها جميع التركة بجهة واحدة

(3)

ويرد عليه الجدة مع الام فانها كذلك بل العلة عدم اتحاد السبب اذ ارث الام بالاموة واولادها بالاخوة لانه يشترط لحجب المدلى اتحاد الجهة او استحقاق الواسطة كل التركة فتحجب الجدة بالام للاول والاخت بالاب للثانى والجدبه لهما وقد انتفيا فيما نحن فيه ولما فرغ من بيان نوعى الحجب شرع في بيان من يجرى فيه ذلك فقال (فصل في حجب الاخوة) قدمهم على غيرهم لفضلهم ذكورة (وتحجب الاخوة) ذكورا كانوا او اناثا لابوين او لاب او لام (بالابناء) بالمد (وفرعهم) الذكور (ايضا وبالاباء) اجماعا (كذاك) تحجب (بالجد الصحيح يروى) ذلك عن الصديق وغيره من الصحابة والتابعين رضوان الله تعالى عليهم اجمعين وهذا الحكم (على الصحيح) من الأقوال (وعليه المفتوى) خلافاتهما حيث قالا من كان من الاخوة لام يحجب به (ومن يكن) منهم (لغير ام) بان كان لابوين او لاب (قاسما) بالف الاطلاق الجد (ابا الاب) باشباع حركة الباء الموحدة من الثانى للضرورة واو نكره كان اصوب (وان علا عندهما) وهو مذهب زيد ابن ثابت رضي الله تعالى عنه وبه اخذ زفر والحسن والأئمة الثلاثة ولما كان قول الامام هو المفتى به عندنا لم يتعرض لبيان المقاسمة على قولهما ولنذكره باختصار تبعا للأصل * فنقول الجد مع الاخوة حين المقاسمة كاخ واحد فيها ان لم تنقصه المقاسمة معهم عن مقدار الثلث عند عدم ذى الفرض وعن مقدار السدس عند وجوده وله فى الاولى افضل الأمرين من المقاسمة ومن ثلث جميع المال. وضابطه انه ان معه دون مثليه فالمقاسمة خير له او مثلاه فسيان او اكثر فالثلث خير له "وصور" الأول خمس فقط جد واخ * او اخت

او اختار * او ثلاث اخوات * او اخ واخت والثانى ثلاثة جد واخوات او اربع اخوات او اخ واختان والثالث لا ينحصر وله فى الثانية بعد اعطاء ذى الفرض فرضه من اقل مخارجه خير امور ثلاثة المقاسمة كزوج وجد واخ للزوج النصف والباقى بين الجد والاخ لانه خير له ثلث الباقى كجدة وجد واخوين واخت الجدة السدس والجد ثلث الباقى لانه خير له من سدس الكل والمقاسمة وسدس الجميع لجدة وبنت وجدوا خوين الجدة،

(3)

قوله بجهة واحدة قيد به لئلا يرد انها تأخذ الجميع اذا انفردت عن ذى فرض وعصبة لانها تستحق بعضه بالفرض وبعضه بالرد منه.

ص: 221

السدس وللبنت النصف وللمجد السدس لأنه خير له واعلم انه يعد ولد الاب على الجد فى القسمة اضرارا له فاذا اخذ الجد نصيبه كان الباقى لمن كان لابوين للذكر كالانثيين ويخرج ولد الاب خائبا من البين ومثله كثيرة كجد واخ لابوين واخ لاب استوى الثلث والمقاسمة للجد الثلث والباقى للشقيق ويمضى الاخ لاب خائبا ولو بدله اخت لاب فهى من خمسة المجد خمسان والباقى للشقيق وتخرج الاخت خائبة الا اذا كان فى المسئلة شقيقة واختان لاب مثلا فللجد سهمان وللشقيقة سهمان ونصف والباقى لاولاد الاب ولوكان فى هذه المسئلة اخت واحدة لاب تعد على الجد ولم يبق لها شيء ثم اعلم ان زيدا رضى الله تعالى عنه لم يفرض للاخت مع الجد ابدا الا فى الا كدرية وهى زوج وجد وام واخت لابوين او لاب اصلها من ستة وتعول لتسعة ثم يضم نصيب الجد الى نصيب الاخت يبلغ اربعة تقسم على ثلاثة للذكر كالانثيين اذ المقاسمة ح خير له فتضرب عدد رؤس المنكسر عليهم وهو ثلاثة في تسعة تبلغ سبعة وعشرين ومنها تصح للزوج ثلاثة في ثلاثة بتسعة وللام ستة والمجد مع الاخت اثنا عشر تقسم على ثلاثة للجد ثمانية وللاخت اربعة ولو مكان الاخت اخ سقط ولا اكدرية وكذا لو كان في المسئلة اختان لعدم العول ويبقى لهما سهم وسميت اكدرية لانها كدرت على زيد رضى الله تعالى عنه مذهبه من ثلاثة وجوه العول والفرض للاخت وجمع الفرضين وهى من المتشابة التي يعايابها فيقال ورثة اربعة اخذ احدهم

(1)

ثلث المال والثانى ثلث الباقي والثالث ثلث ما يبقى والرابع الباقي او يقال اخذ احدهم جزأ

(2)

من المال والثاني نصف ذلك الجزء والثالث نصف الجزئين والرابع نصف الاجزاء وفي المحيط وغيره قال مشايخنا لولا هذه المسئلة الكان اصح الاقاويل بعد قول ابى بكر قول زيد رضى الله تعالى عنهما وقد قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما الا يتقى الله زيد يجعل ابن الابن ابنا ولا يجعل ابا الاب با فلذا كان الفتوى على قول الامام الاعظم كما هو قول الخليفة الاقدم من غير تردد فى ذلك فافهم وكذا في السراجية

(1)

قوله اخذ احدهم ثلث المال هو الزوج اذله ثلاثة من تسعة والثاني وهو الام له اثنان وهو ثلث الباقى الذى هو الستة والثالث وهو الاخت له ثلث الباقى والرابع الجد له ما يبقى منه.

(2)

قوله اخذ احدهم جزأ وهو الجد اذله بعد الضرب او التصحيح ثمانية والثاني الاخت تأخذ نصف الثمانية والثالث الام لها ستة وهى نصف الجزئين والرابع الزوج له نصف الاجزاء الثلاثة وذلك تسعة منه.

ص: 222

وان قال مصنفها في شرحها كالمبسوط والمجتبى ان الفتوى على قوله ولما ذكر الخلاف فى حجب الأخوة لغير ام ذكر من يحجب به ولد الام اجماعا زيادة على الاصل فقال (واخوة للام) ذكورا كانوا او اناثا (محجوبونا) الالف فيه وفى الضرب للاطلاق (بستة) الفار (بالاب والبنينا) وان سفلوا (كذاك) يحجبون (بالبنت وبنت الابن والجد بالاجماع فيهم) اى فى الاخوة لام او الستة المذكورين (اعنى) اى اقصد الاجماع فيهم (حجب بنات الابن وتعصيبهن) وحاصل حكمهن انه اذا استكملت بنات الصلب الثنثين سقط بنات الابن الا ان يكون في درجتهن او اسفل منهن غلام فيعصب من كانت بحذائه وكذا من فوقه ان لم تكن ويسقط من دونه فى الدرجة وهذا معنى قوله (ثم البنات الثلثين) مفعول حوت (ان حوت فبنت ابن الميت) بقطع همزة ابن وبتحفيف الياء (قطعا سقطت) فلا شيء لها لانه لم يبق معهما شيء من حق البنات (الا اذا ما كان) معها (فى حذائها) اى فى درجتها (ابن) يعنى ابن ابن سواء كان اخاها او ابن عمها كبنتين وبنت ابن وابن ابنه او ابن غيره فالباقي عن البنتين بين البنت والابن (او) كان معها (ابن ابن دونها) اى اسفل منها بدرجة او اكثر وهذا الشطر الثانى مختل وزنا بعيد معنى فالوجه ابداله بقولنا غلام او اسفل من ورائها (فانه) والحالة هذه (من معه) مفعول لقوله (يعصب و) من (فوقه) معطوف على معه اى ويعصب من فوقه لما مر ان بنت الابن تصير عصبة بابن في درجتها مطلقا سواء كان اخاها او ابن عمها وسواء استكملت البنات الثلثين اولا وعند بعض المتأخرين لا يعصب من فوقه (و) اما من كانت (دون ذاك) الابن فانها (تحجب) به (والشرط) مبتدأ (في من) كانت (فوقه في الحكم) المذكور (بان ترى) خبر والباء زائدة الى الشرط في تعصيب الابن من فوقه كونها (ليست بذات سهم) فانها تأخذ سهما ولا تصير به عصبة تابعة لمن هو اسفل منها مثاله بنتان وبنت ابن وابن ابن ابن فالباقي عن البنتين بينهما للذكر مثل حظ الانثيين عند الجمهور ويختص به الذكر على القول المار ولو كانت بنت واحدة والمسألة بحالها اختص به ولم يعصب بنت الابن اتفاقا واعلم ان اولاد ابن الابن مع اولاد الابن كاولاد الابن مع اولاد الصلب فيأتي فيهما ما تقدم وهكذا حكم كل درجة نازلة مع درجة عالية ثم اعلم انهم ذكروا هنا مسائل مع تصحيحها وتقسيمها وسموها تشبيبا كما مر وجهه ونشير الى نبذة من ذلك فنقول او ترك ثلاث بنات ابن بعضهن اسفل من بعض وثلاث بنات ابن ابن آخر كذلك وثلاث بنات ابن ابن ابن آخر

ص: 223

كذلك بهذه الصورة ميت

ممم صورة

فالعليا من الفريق الاول لا يوازيها احد فلها النصف لقيامها مقام بنت الصلب والوسطى من الفريق الاول توازيها العليا من الثاني فيكون لهما السدس تكملة الثلثين ولا شيء للسفليات الا ان يكون مع واحدة منهن غلام فيعصبها ومن يحاذيها ومن فوقهما ممن لا تكون صاحبة فرض وتسقط السفليات وبيان ذلك مستوفى مذكور فى الشرح وشروح السراجيه (حجب الاخوات لاب وتعصيبهن) عقبه لبنات الابن لابن حكمهن مثلهن فى انه اذا استكمل الاخوات لابوين الثلثين سقط الاخوات لاب كما قال (والاخوات) لابوين (كالبنات) الصلبيات هذا اجمال فصله بقوله (ان اتت) حق التعبيراتين وكذا اخذت المعطوف عليه حقه اخذن بنون النسوة (وفرضهن الثلثين) بدل مما قبله الذي هو مفعول لقوله (اخذت) وقوله (فتسقط) جواب الشرط وصح قرنه بالفاء لكونه مضارعا مثبتا والحاصل ان استكملت الاخوات الثلثين تسقط الاخوات (اللاى اتين من اب) لان حقهن فى الثلثين ولم يبق منه شيء (الا اذا ما كان) معهن (من معصب) لهن فيكون الباقى بينهم للذكر كالانثيين (وهو) اى المعصب المذكور (اخ لهن لاب) لا يعصبهن غيره كالاخوات لابوين بشرط ان يكون (ساوا هنا) في الدرجة (كما) يعلم مما (مضى) فى بحث العصبة بالغير (لا نازل عنهما) الألف فيه كالتي قبله للاطلاق (فليس ابن الاخ فى التعصيب) لمن معه في الدرجة من اخت او بنت عمه او لمن فوقه (كابن ابن) بقطع الهمزة في الثلاث (جاء فى) مسئلة (التشييب) السابقة حيث عصب من معه مطلقا ومن فوقه واعاد ذلك للرد على من قاسه عليهما كما مر مبسوطا (حجب الجدات) آخر من لطول الكلام عليهن (وكل جدة) صحيحة من جهة الام او الاب (بام) للميت تحجب اجماعا (و) الجدات (الابوات) خاصة دون الاميات (يسقطهن من الاب) ايضا كما

ص: 224

يسقطن بالام وهذا عندنا كالمالكية والشافعية واحدى الروايتين عن أحد والمشهور عنه ارثهن معه خلاف فالما في شرح ابن الكمال ثم الصواب في انشاد البيت هكذا

وكل جدة بام احجب

والابوبات احجبن بالاب

(كذلك الجد) اى يسقط الابوبات به ولكن اذا كن من قبله فلذا قال (سوى ام الاب) فانها لا تسقط به (وان علت رتبتها في النسب) كام ام الاب وهكذا بل ترث معه والاصل انهاهنا معنيين اتحاد السبب والادلاء ولكل منهما تاثير في الحجب فبنات الابن تحجب بالصليبيتين لاتحاد السبب اعنى البنتية مع عدم الادلاء والجدة المدلية بالاب تحجب به لوجود الادلاء فقط وبالام لاتحاد السبب فقط والتي من قبل الام ترث مع الاب لانعدام المعنيين وتحجب بالام لوجودهما واعلم ان الجد ترث معه واحدة ابويه وهى ام الاب او من فوقها كام ام الاب واذا بعد بدرجتين كابى ابى الاب ترث معه ابوبتان احدهما ام ابى الاب او من فوقها كام ابى الاب والثانية ام ام الاب او من فوقها كام ام ام الاب بهذه الصورة

ممم صورة

واما الاب فلا يرث معه الا واحدة من قبل الام لان الابوبات يحجبين به والجدات الصحيحات من قبلها لا يزيدون على واحدة ابدا بل ما زاد عليها من قبل الاب ثم الجدات على ضربين متحاذيات فى الدرجة ومتفاوتات اما الاول فطريق معرفة الوارثات، منهن ان تذكر بمقدار العدد الذي تريده لفظة ام ثم تبدل الام الاخيرة من طرف الميت ابا في كل مرتبة الى ان يبقى ام واحدة فلوسئات عن اربع جدات وارثات مثلا فنقول ام ام ام ام ام ام ام ام اب ام ام اب اب ام اب اب اب فالثلاثة ابوبات والواحدة امية والتصور ذلك بهذه الصورة ميت

ممم صورة

ص: 225

اب ام اب ام اب ام

اب ام اب ام اب ام اب ام

ففى هذا المثال ثمان جدات متحاذيات الاربعة التي ذكرناهن وارثات وقد ميزناهن بالاحمر والاربعة لا وتمام ذلك فى المطلولات واما المتفاوتات فقد نبه على حكمهن بقوله (بكل) جدة (قربى) منهن سواء كانت من قبل الام او الاب (كل) مفعول مقدم اى كل جدة (بعدى) مطلقا ايضا (فاحجب) متعلق الظرف قبله (وارثة) كانت القربي (اولا) وارثة بل محجوبة فانها تحجب البعدى وذلك كمن مات عن ابو (ام للاب) وام ام للام فان ام الاب وان (به) اي بالاب (غدت محجوبة فى الحكم) لا دلائها به فانها (حاجبة لام ام الام) لانها اقرب منها وهو الصحيح عندنا كالحنابلة وعليه المتون وقيل لا تحجبها بل لها السدس وهو رواية عن الامام واعلم ان الجدودة لا تتاتي في الدرجة الاولى وانما فيها اب وام ولكل منهما اب وام وان الوارث من الجدات في كل درجة بقدر العدد المسمى بتلك الدرجة ويسقط من عداهن فالوارث في الرابعة اربع وفي الخامسة خمس وهكذا وطريق معرفة المراتب ان تأخذ لكل جدة درجتين كتضعيف بيوت الشطريج فللجدة الاولى الواقعة في الدرجة الثانية ثنتان ام ام الميت وام ابيه وللثانية اربعة جدتا ابيه وجدتا امه وللثالثة ثمانية وهكذا كما مر تصويره (وان تجد يا صاح جدتين) صحيحتين في درجة واحدة لكن (احدهما ذات) قرابة واحدة كام ام الاب فقط والثانية ذات (قرابتين) كام ام الام وهى ايضا ام ابى الاب بان زوجت امراة ابن ابنها بينت بنتها فولد بينهما ولد فهذه المرأة جدته لابويه وصورة المسئلة ميت

ممم صورة

(فالمال بينهما على) اعتبار (الابدان) والجهات اى يكون (مقسما) والصواب في انشاد البيت هكذا فليقسم المال على الابدان بينهما (بالنصف عند الثاني) الامام ابي يوسف رحمه الله تعالى و به قال مالك والشافعي وبه (ذات جهتين ذات جهة) جزم فى الكنز فكان هو الراجح كما فى الدر المنتقى وان اقتضى صنيع

ص: 226

الاصل خلافه ولذا خالفه الناظم وعند محمد رحمه الله تعالى اثلاثا باعتبار الجهات وهو قول زفر وانما عزاء للثانى فقط لما ذكر السيد قدس سره قال السرخسى لا رواية عن ابى حنيفة رحمه الله تعالى فى صورة تعدد قرابة احدى الجدتين انتهى لكن صرح فى المجمع وتبعه في التنوير بان ابا حنيفة رحمه الله تعالى مع ابى يوسف فلذا قال (ايضا) كما نقل عن ابى يوسف نقل (عن الامام) ابي حنيفة رحمه الله تعالى (باسميرى نروى) ذلك النقل عنه ايضا (عن) صاحبي المجمع والتنوير) ثم التقييد بذات قرابتين اتفاقى لا مكانها في ثلاث فاكثر كان زوجت تلك المرأة السابقة ذلك الولد ايضا بنت بنت بنت اخرى لها فولد بينهما ولد فهى ام ام ام امه وام ام ام ابيه وام ابى ابى ابيه وتكون الثانية ام ام ابى الاب بهذه الصورة

ممم صورة

ذات ثلاث جهات

ذات جهة

والسدس بينهما نصفان عند الثاني او ارباعا عند الثالث (حكم المحروم والمحجوب) فى انهما هل يحجبان ام لا وذكر المحروم لانه يحجب نقصانا عند ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وهو كما مر من منع من الارث لمعنى في نفسه بان قام به احد الموانع الخمسة التى هى القتل والرق واختلاف الدين والدار والردة (واعلم بان القول فى المحروم بالقتل) مباشرة (ونحوه) مما مر (فكالمعدوم) يعنى حكمه كالمعدوم فى انه لا يحجب غيره مطلقا لا حرمانا ولا نقصانا ولو اقرب من غيره لعدم الاهلية وهو قول عامة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم اجمعين وعجز البيت مختل وزنا وفيه ادخال الفا فى الخبر وصوابه ان يقال بالقتل او سواه كالمعدوم (وليس) المحروم (كالمحجوب) متعلق بمحذوف حال من فاعل قوله (حاجبا) وهو خبر ليس والاظهر ان يقول وليس كالمحروم محجوب لان حكم المحروم علم فالمعنى ان المحجوب ليس كالمحروم فيما قد علمته بل يحجب غيره (كما لو كان جدة) قربى فانها تحجب بالاب مثلا وتحجب البعدى كام ام الام (كما تقدما)

ص: 227

في قوله بكل قربى البيتين وهذه) الجدة (حاجبة) عجبا (حرمانا وقد يكون) المحجوب (حاجبا نقصانا كاخوة) او اخوات مطلقا فانهم (بالاب محجوبونا) الالف للاطلاق (و) مع ذلك (هم لثلث الام) لو كانت معهم (حاجبونا) الالف للاطلاق ايضا اى يحجبونها منه الى السدس فقد حجب المحجوب بقسمى الحجب بخلاف المحروم عند الجمهور (باب العول) هو ضد الرد كما يأتي فالمسائل اقسام ثلاثة عادله وعاذله ومايله اي منقسمه بلا كسر او بالرد او بالعول وهو لغة الارتفاع والغلبة والميل واصطلاحا زيادة السهام على مخرج الفريضة كما قال (وان تجد زيادة في المسئلة) ناشئة (من السهام) اى سهام الفريضة على مخرج الفريضة المسمى باصل المسئلة (فهي قطعا عائلة) اى مرتفعة الى عدد اكثر من المخرج ليدخل النقض على كل منهم بقدر فريضة كنقض ارباب الديون بالمحاصة (وسبعة مخارج الاصول) اى اصول المسائل المأخوذة من مخارج الفروض الستة المقدرة انحصرت فى سبعة لان مخارج الفرائض المذكورة خس وهى اثنان وثلاثة وأربعة وستة وثمانية لان مخرج الثلث والثلثين واحد والاختلاط بين النوعين يقتضى مخارج ثلاثة وهى ستة واثنا عشر واربعة وعشرون لكن الستة من تلك الخمسة يبقى اثنان فالمجموع سبعة ثم هذه السبعة (اربعة) منها (ليست بذات عول) بالاستقراء (وهى الاثنان والثلاثة التالية) مختل وزنا وصوابه اثنان مع ثلاثة هي تالية (ورابع وضعفها) اى ضعف الاربع (الثمانية) بدل (وما بقى) من السبعة (يعول وهو) ثلاثة (اثنا عشر وضعفها) اربعة وعشرون (و) نصفها (سنة) واحترز بقوله (كما اشتهر) عن زيادة بعضهم اصلين آخرين بناء على قول زيد رضى الله تعالى عنه وهما ثمانية عشر وستة وثلاثون وزيادة بعضهم على العائلة رابعا وهو ثلاثة قال انها تعول لاربعة كما ستعرفه فستة قدمها لانها اول المراتب العائلة (تعول بالاستقرار) اربع عولات متوالية (لعشرة) اللام بمعنى الى كقوله تعالى كل يجرى لاجل مسمى والغاية داخلة (شفعا اتت) تلك الاعداد الزائدة على السنة التي تضمنها قوله لعشرة (ووترا) فهما منصوبان على الحال من فاعل انت او المعنى انت او المعنى اتت الستة فى الارتفاع الى العشرة حال كونها شفعا ووترا اى سبعة وثمانية وتسعة وعشرة وحاصله انها تعول باجزائها الاربع التي لا كسر فيها وهى السدس والثلث والثلثان والنصف فتعول لسبعة كزوج وشقيقتين ولثمانية كهؤلاء وام ولتسعة كهؤلاء واخ لام ولعشرة كهولاء واخ آخر لام (وضعفها) اى الستة وهو الاثنا عشر يعول (لسبعة وعشرة) اى الى سبعة عشر على توالى

ص: 228

الافراد (وترا) عولا (ثلاثا قد غدت مشتهرة) فتقول لثلاثة عشر كزوجة وشقيقتين وام ولخمسة عشر كهؤلاء واخ لام ولسبعة عشر كهؤلاء واخ آخر لام وحاصله انها تحول بزيادة نصف سدسها وبربعها وبسدسها وربعها (وضعف ضعفها) اى الستة وهو الاربعة والعشرون (يعول) عولة (واحدة) الى سبعة وعشرين فقط عند الجمهور بزيادة ثمنها كما قال (وهذه بالثمن جاءت زائدة) كما فى المسئلة المنبرية وهى امرأة وابوان وبنتان سميت بذلك لان عليا رضي الله تعالى عنه كان على منبر الكوفة يقول الحمد لله الذى يحكم بالحق قطعا ويجزى كل نفس بما تسعى واليه المآب والرجعى فسئل عنها حينئذ فقال من رويتها والمرأة صار ثمنها تسعا ومضى فى خطبته فتعجبوا من فطنته وعند ابن مسعود رضى الله تعالى عنه تعول بسدسها ايضا الى احدى وثلاثين بناء على ما مر من ان المحروم عنده يحجب نقصانا كزوجة وام وشقيقتين واختين لام وابن محروم فعنده للزوجة الثمن ثلاثة وللام اربعة وللشقيقتين سنة عشر وللاختين لام ثمانية وتسمى ثلاثينية ابن مسعود وعندنا اصلها من اثنى عشر وتعول السبعة عشر * مهمة * العول زيادة فى السهام نقصان من الانصبا وطريق معرفة مقدار ما ينقص العول من نصيب كل وارث ان تنسب سهام العول الى مجموع اصل المسئلة بعولها فما كان اسم النسبة فهو القدر الذى نقص من نصيبه فلو عالت الستة لسبعة مثلا كزوج وشقيقتين فالمول بسهم زائد فانسبه الى السبعة يكون سبعا وذلك مقدار ما نقص فالعول من نصيب كل وارث قبل العول فكان للزوج قبله نصف كامل نقص فيه العول سبعة فصار له نصف الا نصف سبع وذلك ثلاثة اسباع وكان للاختين ثلثان كاملان فنقص سبعا فصار لهما ثلثان الا سبع الثلثين وذلك اربعة اربعة اسباع وان نسبت السهم الزائد الى الاصل قبل العول كان الزائد قدر ما نقص الحول من نصيب كل بعد العول فيكون فى هذه الصورة سدسا لان الزائد سهم ونسبته الى الاصل قبل العول وهو ستة سدس فينقص من نصف الزوج بعد العول وهو ثلاثة اسباع قدر سدسها وهو نصف سبع وينقص من ثلثى الاختين بعد العول وهما اربعة اسباع قدر سدسها وهو ثلثا سبع وقس على ذلك (باب الرد) هو لغة الرجوع والصرف واصطلاحا صرف الباقى عن الفروض او استحقاق عصبة غير مستفرق على ذوى الفروض النسبية بقدر فروضهم عند عدم عصبة مستغرق فخرج بالنسبية احد الزوجين وشمل الحد ما لو كان العاصب مستحقا لبعض الباقى كزوجة وبنت ومعتق الثلث فان الباقى من الفروض وهو ثلاثة يستحق منه المعتق سهما بقدر

ص: 229

عتقه ويرد السهمان على البنت فقط ولما علم انه ضد العول استغنى به عن ذلك تبعا لاصله فقال (اعلم بان الرد ضد الحول) لانهما لا يجتمعان ويمكن ارتفاعهما بان تكون عادلة وقدم ان العول زيادة فى السهام فكان ضده (للقص) هنا (فى السهام فافهم قولى) والرد قول عامة الصحابة وبه اخذ اصحابنا واحد وقال زيد ابن ثابت رضى الله تعالى عنه الفاضل لبيت المال وبه اخذ مالك وكذا الشافعي لكن افتى متأخروا مذهبه بالرد ان لم ينتظم كما مر واذا علمت ذلك (فما بقى) بسكون الباء ضرورة (على ذوى السهام بقدرها) اى بحسب النسبة بين السهام حال من فاعل قوله (يرد) وقوله (فى الانام) متعلق به كالذي قبله فيعطى لذى النصف نصف ما يقسم بالرد ولدى الربع ربعه وهكذا (وشروطه) اى الرد (ان لا يكون) مع ذوى الفروض (احد عصبة باخذه) اى الباقى جميعه (ينفرد) بخلاف المنفرد يأخذ بعضه فلا ينفى الرد كما مر ثم ان الرد انما يستحق بالرحم والزوجان ليسا بذوى رحم فلذا استثناهما بقوله واثنتين من اهل الفروض اثنين حال كون استثنائهما منهم (في) حكم (الرد اعنى بهما) اى الاثنين (الزوجين) وقيل يرد عليهما الفساد بيت المال وظاهر هذا التعليل مع ما قدمناه في عصبة المعتق من ان ذلك لا بطريق الارث انه عند عدم وارث غيرهما ونسبة غير واحد الرد عليهما الى عثمان رضى الله تعالى عنه وجزم في الاختيار بانه وهم من الراوى بل الذي صح عنه الرد على الزوج فقط وتأويله انه كان ابن عم فاعطاه الباقى بالعصوبة (ثم) اعلم ان (المسائل) بسكون اللام للضرورة اى مسائل الرد (ههنا) اى فى هذا الباب (اقسام اربعة فحفظها يرام) اى يقصد وذلك لان المردود عليه اما صنف واحد او اكثر وعلى كل اما ان يكون معه من لا يرد عليه اولا نبه على الاول بقوله (ان كان اهل الرد) فى المسئلة (جنسا واحدا) ممن يرد عليه ليس معه غيره كالاخوات والبنات (فاقسم على الرؤس) اى فالمسئلة تقسم من عدد رؤسهم بالغا ما بلغ لتماثل فرضهم ورؤسهم فلو ترك جدتين فهى من اثنين لكل نصف كما فى العصبات وهذا (لو تعددا) اى المردود عليه والالف للاطلاق اذ لو كان واحدا كام فقط فالكل لها بلا قسم وعلى الثانى بقوله (وان يكن) اهل الرد (جنسين او ثلاثة) هذا اولى من قول الاصل جنسين او اكثر اذ لا يتصور اجتماع اكثر من ثلاثة اجناس ممن يرد عليه غير واحد لانها حينئذ اما عادلة او عائلة (فاقسم على سهامهم) اى الاهل (ميراثه) جمع وافرد مراعاة للمعنى واللفظ اى اجمل اصل المسئلة من مجموع سهامهم المأخوذة

ص: 230

من مخرج المسئلة قطعا للتكرار * وح (فان تجد فروضها) اى المسئلة بقرينة المقام (سدسين) كجدة واخت لام مثلا (فالمخرج اجعله من) عدد سهامهما اعنى (الاثنين) بقطع الهمزة الثانية لان اصلها من ستة ولهما منها سهمان فرضا فيجعلان اصلا وتقسم التركة بالنصف لما مر وتجعل من ثلاثة لو كان فيها سدس وثلث كولد الام معها ومن اربعة لو نصف وسدس كبنت وبنت ابن ومن خمسة لو ثلثان وسدس كبنتين وام او نصف وسدسان كبنت وبنت ابن وام او نصف وثلث كشقيقة وام وكل هذه الاصول من ستة ثم هذا العمل ان استقامت والا فتصح المسئلة مع قياس ما سيأتي كما لو ترك بنتا وثلاث بنات ابن فلبنات الابن سهم واحد لا يستقيم عليهن فاضرب عدد رؤسهن فى اصل المسئلة وهى اربعة تصير اثنى عشر للبنت تسعة ولهن ثلاثة منقسمة عليهن وعلى الثالث بقوله (وان يكن مع اول القسمين) اى مع من يرد عليه من الجنس الواحد (من ليس اهل الرد كالزوجين) الكاف استقصائية (فالفرض حقا من اقل المخرج) اى مخرج من لا يرد عليه (يعطى له) اى لمن لا يرد عليه (واحفظ بديع المنهج) ذكره تكملة (ثم الذي بقى) بسكون الباء المثناة (عليهم) اى على اهل الجنس الواحد (قسما) الالف للاطلاق (على) عدد (الرؤس) او رؤسهم (مثل ما قد علما) فيما مر من انه يقسم جميع المال على عدد رؤسهم اذا انفردوا ثم لا يخلو اما ان يستقيم ذلك الباقى على عدد رؤسهم اولا (فان يكن قد استقام فيها) ونعمت اى فلا احتياج الى الضرب كزوج وثلاث بنات اصلها من اثنى عشر لاختلاط الربع بالثلثين واقل مخارج من لا يرد عليه اربعة يعطى واحدا يبقى ثلاثة منقسمة على عدد رؤس البنات احفظ وخذ (هذا والا) اى وان لا يستقيم ذلك الباقى على عدد رؤس من يرد عليه بان انكسر عليهم (فكن له منتبها) لاحتياجه الى الضرب على قياس التصحيح الآتى ولا يخلو امان يوافق عدد رؤسهم او يباين (ان وافق) الباقى (الرؤس) اى رؤس من يرد عليه (فاضرب وفقها) اى وفق رؤسهم (في مخرج) كائن (للفرض) اى فرض من لا يرد عليه (وارع حقها) وما حصل تصح منه المسئلة (كالزوج مع ست من الولدان اعنى) بهم (البنات) اصلها من اثنى عشر لما مر وهى ردية الى الاربعة لانها اقل مخارج فرض الزوج و (وفقها اثنان) لانك اذا اعطيته واحدا من الاربعة بقى ثلاثة بينها وبين رؤس البنات الست موافقة بالثلث وهو اثنان اذ لا عبرة بالمداخلة كما ستعرفه فاضرب ذلك الوفق فى الاربعة تبلغ ثمانية للزوج منها اثنان وللبنات ستة واما اذا باين فقد

ص: 231

بينه بقوله (ثم الرؤس) اى رؤس من يرد عليه (كلها في المخرج) اى مخرج فرض من لا يرد عليه (ان بابن) ذلك الباقى للرؤس (اضربها) اى الرؤس (بغير حرج كالزوج مع خمس من البنات) اصلها كما سبق من اثنى عشر ردها الى اربعة واعط الزوج ربعها يبقى ثلاثة لا تستقيم على البنات الخمس ولا توافق بل تباين فاضرب كل عدد رؤسهن فى الاربعة مخرج الزوج وح (تصح) المسئلة (من عشرين بينات) اي واضحات لانها الحاصلة من ذلك الضرب وقد كان للزوج واحد ضربناه فى الخمسة المضروبة كان خمسة تدفع له وكان للبنات ثلاثة ضربناها فى الخمسة حصل خمسة عشر لكل ثلاثة وعلى الرابع بقوله (وان يكن مع آخر النوعين) وهو النوع الثانى (من ليس اهل الرد) وتقدم ان المراد بالنوع الثانى ما اجتمع فيه جنسان او ثلاثة ممن يرد عليه والمراد هنا عين ما تقدم كما قال (فى الجنسين او الثلاث) اجناس (لا كما قد ذكرا بعضهم) كالسيد وغيره من الشراح والعلائى الامام فى سكب الانهر حيث قصروه على (الجنسين ليس اكثرا) بطريق ذكر الكل وارادة البعض وادعوا انه لا توجد مسئلة فيها اربع طوائف وهى ردية زاد العلائى الحصكفى قوله انه قد خفى على كثير حتى الباقانى حيث صرح بالاكثر وهو سهو ظاهر ولكن لا يدركه الا من هو في هذا الفن ماهر الحمد لله تعالى على نعمائه فقد بلغت في هذا العلم الغاية من البداية الى النهاية انتهى وليس كما قالوا بل يكون مع ثلاثة كما سيأتي ودعوى السيد لاستقراء ممنوعة لا يقال مرادهم لا يوجد مسئلة فيها اربعة طوائف اى ممن يرد عليه لانا نقول ينافي ذلك حصرهم اجتماع من يرد عليه فى الجنسين ومنع ما زاد عليهما فدل على ان مرادهم بالاربع المختلط من الفريقين فالصواب ما ذكره الناظم تبعا للباقانى (وقوله) مبتدأ اى قول البعض والمراد به الحصكفى (عن ذاك) الذي قاله الباقانى (سهو ظاهر) مقول القول (سهو) خبر المبتدأ (تراه ظاهرايا هر) لانه غير واقع كما ستعرفه ثم انصح بجواب الشرط بقوله (فاقسم جميع ما بقى) من مخرج فرض من لا يرد عليه (فى) مثله (الرد على مهام الكل اهل الرد) وفي كلامه ابطال اذ اللفظان بمعنى واحد وذلك كزوجة واربع جدات وست اخوات لام اصلها من اثنى عشر ومخرج من لا يرد عليه اربعة يعطى ربعها للزوجة يبقى ثلاثة ومسئلة من يرد عليه ثلاثة عدد السهام وهى مستقيمة عليها فللاخوات سهمان وللجدات سهم لكن نصيب كل منهما منكسر على آحاده فتصحيح بالاصول الآتية من ثمانية واربعين ثم (هذا) التقسيم من غير ضرب (ان استقام)

ص: 232

الباقى على من مسئلة من يرد عليه واما (ان لم يستقم فيضرب الجميع) اى جميع مسئلته التي هي سهامه (مثل ما علم فى مخرج) فرض (الذي عليه لم يرد) فما بلغ تصح منه فروض الفريقين مثاله فى الجنسين ما بينه بقوله (كست جدات توالت فى العدد مع اربع وافت من الزوجات وزمرة تسع من البنات) اصلها من اربعة وعشرين ومخرج الزوجات ثمانية لهن منها واحد يبقى سبعة ومسئلة من يرد عليهن هنا من خمسة عدد سهامهن لوجود التثين والسدس فيها والسبعة لا تستقيم على خمسة بل تباين فتضرب فى المخرج فتبلغ اربعين ومنها تصح مسئلة الفريقين ومثاله في ثلاثة اجناس مما اجتمع فيه اربع طوائف وهي ردية ما استخرجه الناظم بفكره الثاقب موافقا لما افصح به صاحب المنتهى من الحنابلة ما لو ترك زوجة وبنتا وبنت ابن واما اوجدة اصلها من اربعة وعشرين ومخرج فرض الزوجة ثمانية وتصح من اربعين فاجر فيها ما مر (فصل في معرفة نصيب كل فريق) اى فى طريق معرفة اخراج حظ كل واحد من اهل الرد وغيره من المبلغ الذى هو مخرج فرض الفريقين بل وحظ كل جنس من اجناس من يرد عليه وعبر عن المستحق بالفريق وقد يعبرون عنه بالجنس وبالصنف وبالفرقة وبالحيز وكذا بالرؤس كثيرا وبيان طريق المعرفة المذكورة ان تضرب سهم من لا يرد عليه في مسئلة من برد عليه في بلغ نصيب من لا يرد عليه وتضرب سهام من يرد عليه وهي المسماة بالمسئلة كما ستعرفه فيما بقى من مخرج من لا يرد عليه فما بلغ نصيب من يرد عليه وقد اشار الى ذلك بقوله (ممنوع رد) مبتدأ ومضاف اليه (سهمه) بالنصب مفعول مقدم لاضرب (فى اسهم من كان اهل الرد) متعلق بقوله (فاضرب) وهو الخبر (وافهم) يعنى من منع من الرد عليه يضرب سهمه المأخوذ من اقل مخارج فرضه فى كل سهام من يرد عليه فما حصل فهو نصيب من لا يرد عليه ففى مثال النظم السابق يضرب سهم الزوجات وهو واحد من ثمانية في سهام الجدات والبنات وهى خمسة يخرج خمسة هى حظهن وتعبيره بسهم مفردا اولى من تعبير الاصل وغيره بالسهام لانه ابدا لا يكون الا واحدا ثم ان مجموع اسهم من يرد عليه يسمونها مسئلة لكونها ردية اليها وقد نبه على ذلك زيادة على الاصل فقال (وسمها) اى سم سهام من يرد عليه وهى المضروب فيها (مسئلة يا رجل) وذلك (لقولهم) فى بيان ما مر وان كان من يرد عليه جنسين او ثلاثة فالمسئلة (من السهام تجعل) فسموها مسئلة ثم اخذ فى بيان نصيب من يرد عليه بعد بيان نصيب من لا يرد عليه فقال (وهذه) مبتدأ اى هذه المسئلة المذكورة

ص: 233

(فيما بقى) بسكون الباء والظرف متعلق بقوله (الضرب) وهو مبتدا ثان وجملة (ورد) خبره والجملة خبر المبتدأ الأول والعائد محذوف أي فيها وحاصل المعنى اضرب مسئلة من يرد عليه وهى هنا الخمسه فيما بقى (من مخرج) فرض (الذي عليه لم يرد) وهو سبعة تكن خمسة وثلاثين فهى حظ البنات والجدات في مثالنا (وحظ كل فرقة) من اجناس من يرد عليه (تماما) حال من فاعل (بان) أي ظهر (بذا) الضرب المذكور (وفرضه استقاما) بان تضرب ما لكل من السهام أيضا فللجدات من الخمسة واحد اضربه في السبعة يكن سبعة وللبنات أربعة اضربها في السبعة يكن ثمانية وعشرين فقد ظهر نصيب كل جنس واستقام عليه (لكنه منكسر كما نرى على الرؤس) أي على احاد كل جنس (فابغ) امر من بغى يبغى أي اطلب (نجا) أي طريقا (أخرى) غير ما مر (في الضرب) متعلق بابغ (للتصحيح) متعلق بالضرب (كالمنقول) تكملة بلا فائدة (كما يجئ) في باب التصحيح (بسبعة الأصول) وبيان ذلك في صورتنا انه كان للزوجات من الأربعين خمسة وعددهن أربعة وبينهما مباينة وللجدات سبعة وهن سنة كذلك وللبنات ثمانية وعشرين وهن تسعة كذلك فاجتمع من الرؤس أربعة وستة وتسعة وبين الاولين موافقة بالنصف يضرب نصف أحدهما في كامل الآخر يبلغ اثنى عشر وبينها وبين التسعة موافقة بالثلث يضرب ثلث أحدهما في كامل الآخر يبلغ ستة وثلاثين وهو جزء السهم فتضربه في الأربعين يبلغ الفا واربعمائة واربعين ومنها تصح فكل من له شئ من الأربعين يضرب في جزء السهم فما خرج فهو نصيبه وعليه فقس {باب توريث ذوي الارحام} مشروع في بيان الفرقة الثالثة من الوارثين وفي اقتحام لفظ التوريث هنا إشارة إلى ان المختار عندنا توريثهم ولم يذكره في الفروض والعصبات لعدم الخلاف فيه وعليه اجماع الخلفاء الأربعة وبه قال أكثر الصحابة رضى الله تعالى عنهم قال في الدر المنتقى ذكر الخصاف انه متى اجتمع الخلفاء الأربعة على شيء كان حجة لا يسع تركه انتهى وهو قول امامنا واحد خلافا لزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه حيث قدم بيت المال وبه قال مالك والشافعي والفتوى عليه عند اصحابه إذا انتظم واعلم ان القائلين بتوريثهم على ثلاث فرق فرقة تسمى أهل القرابة منهم أبو حنيفة واصحابه سموا به لتقديمهم الاقرب فالاقرب وفرقة تسمى أهل التنزيل لتنزيلهم كل فرع منزلة أصله واليه ذهب أحد والفتوى عليه عند الشافعية إذا لم ينتظم وفرقة تسمى أهل الرحم لأنهم علقوا الميراث بأصل الرحم وسووا بين القريب والبعيد والذكر والانثى فلو ترك بنت بنت وبنت بنت ابن فعند أهل

ص: 234

القرابة الأولى اولى لقربها كما سيجئ وعند أهل الرحم هما سواء وعند أهل التنزيل يقسم ارباعا فرضا وردا ثلاثة ارباعه لبنت البنت وربعه للاخرى كأنه ترك بنتا وبنت ابن (ذو الرحم) لغة القريب مطلقا وشرعا (القريب باذا الفهم و) الحال انه (ليس عاصبا ولا ذا سهم) احتراز عن ذوى الفروض والعصبات فهو قسم ثالث وقدمنا عن القنية وغيرها انه يعطى في زماننا لذوى ارحام المعتق (فاحكم له بالارث قطعا واقضى) عطف مرادف وذلك (مع فقد عاصب و) فقد (أهل الفرض) من النسب كالام والبنت لان الرد عليهم مقدم على ارثه لا السبب كالزوجين فلذا قال (الامع) أحد (الزوجين) فإنه يأخذ الباقي بعد فرضهما لعدم الرد عليهما (وهو) أي ذو الرحم حكمه انه (إذا انفرد) ولم يوجد معه وارث غيره كبنت بنت اواخ أو عمة أو خال أو أبي أم (يحوى جميع المال) لعدم المزاحم (هكذا ورد) وصدر البيت خارج عن بحر المنظومة وقد غيرت البيت بقولى

إلا مع الزوجين هكذا ورد * والمال كله له إذا انفرد

(ورتب الارحام) أي ذوى الارحام في الارث (ك) ترتيب (العصوبة) فيقدم جزؤه ثم اصله ثم جزء ابويه ثم جزء جديه وجدتيه كما سيجئ فبنت بنت بنت وإن سفلت أولى من أبي الام مع انه اقرب درجة خلافا لما في الاختيار فإنه وإن قدمه ليس بالمختار (و) عند اجتماع عدد من صنف (رجح الاقرب عالى الرتبة) منه أي صنف كان واحجب به الابعد من ذلك الصنف كبنت بنت وبنت بنت بنت كالعصبات (وبعد ذا) أي بعد الترجيح بقرب الدرجة يرجحون (بقوة القرابة) فذو القرابتين كبنت اخ لابوين اولى من ذى قرابة واحدة كبنت اخ لاب لقوة قرابتها (فلا تحد) أي تمل (عن منهج الإصابة ثم) يرجحون (بكون الأصل بعد القوة قل وارثا) خبر الكون المضاف إلى اسمه وما بينهما اعتراض والاصل ثم يرجحون بكون الأصل وارثا قل بذلك بعد الترجيح بالقوة أي قوة القرابة وذلك (عند اتحاد الجهة) المدلى بها (بيانه إذا استووا في درجة وقوة وجهة ممتزجة) المزج الخلط (ففرغ وارث رفيع الكعب) كناية عن علو الرتبة (مقدم) لان له (زيادة في القرب) باعتبار قرب أصله كبنت بنت ابن وبنت بنت بنت بنت وكبنت ابن اخ لاب وبنت بنت اخ لاب فالكل للاولى فيهما لأنها ولد عصبة وارث فإن لم يستووا في الدرجة قدم الاقرب وإن ادلى الابعد بوارث كبنت بنت بنت وبنت بنت بنت ابن وكخالة وبنت عم فالمال كله الأولى (وإن تكن جهاته) المدلى بها (مختلفة) وذلك (بان اتى من

ص: 235

جهتين فاعرفه) بحذف نون التوكيد الحقيقة ضرورة (فنسبته) أي منسوب أو ذو نسبة (الأب) وذلك (مثل) صوابه ليستقيم الوزن كمثل (العمة يعطى لها الثلثان) بسكون اللام (عند القسمة ونسبة الام مثل) صوابه أيضا كمثل (الخالة فالثلث تعطى باذكى الفطنه) والحاصل ان القسمة هنا باعتبار المدلى به وهو الأب في العمة والام في الخالة بخلافها عند اتحاد الجهة فانها باعتبار الابدان ولو اعتبر الابدان هنا لقسم المال بين عمة وخالة نصفين وبين عمة وعشرة اخوال على أحد وعشرين سهما (واعتبر الترجيح) المذكور اولا (في) كل (صنف ورد عند اجتماعهم كما) يعتبر ذلك (لو انفرد) كما مر ثم صرح بمفهوم قوله ففرع وارث مقدم بقوله (وعند الاستواء في الحالات) اعنى (في القرب والقوة والجهات) أي الجهة وجمعها باعتبار الفروع وقوله في القرب إلى آخره بدل من الحالات أي عند الاستواء فيما ذكر ولم يكن فيهم ولد وارث أو كان كلهم ولد كلهم ولد وارث فالقسمة باعتبار الابدان فإن ذكورا أو اناثا فعلى السواء (و) ان (اختلط الوارث كان للذكر كالانثيين هكذا قد اشتهر)(فصل في اعتبار الابدان) أي ابدان الفروع وهو البنوة والبنات المتساوون في الدرجة (واعتبر) في القسمة بين ذوى الارحام (الابدان في فروعهم إذا اتى الوفاق في اصولهم) أي ان اتفقت الأصول (في صفة التأنيث والذكورة) كابن بنت وبنت بنت فالمال بينهما للذكر كالانثيين (بالاتفاق هذه مذكورة كذا يراعى الحكم في الابدان) أي يعتبر ابدان الفروع المتساوون في القرب والقوة والجهة (في صورة الخلاف) أي اختلاف صفة الأصول المدلى بهم (عند الثاني) الامام أبي يوسف في قوله الاخير والحاصل انه لا يعتبر الأصول اصلا (و) اما (عند محمد فتؤخذ الصفة) مختل وزنا بزيادة الواو فيه مع ما فيه من زيادة الفاء في فتؤخذ والأولى انشاده هكذا اما محمد فيأخذ الصفة أي صفة الذكورة والانوثة اولا (من الأصول بابديع المعرفة كذا من الفروع يؤخذ العود) ثانيا بان تجعل الأصول متعددة ان كانت فروعها متعددة عند القسمة (وقوله) أي قول محمد هذا (مرجح ومعتمد) كما سيأتي (واقسم) على قول محمد (على اول بطن وقعا) الالف للإطلاق (فيه اختلاف) بين الأصول (كن له متبعا) فلو ترك بنت ابن بنت وابن بنت بنت بهذه الصورة

ميت

بنت

بنت

ابن

بنت

ص: 236

بنت

ابن

فعند أبي يوسف المال بين الفريقين اثلاثا باعتبار ابدانهم وعند محمد يقسم بين الاصلين في البطن الثاني اثلاثا لان الاختلاف وقع هناك (ثم اجعل) عند محمد (الذكور فيه جيزا) أي طائفة أخرى على حدة (كذا الاناث وحدهن ميزا) أي اجعلهن طائفة على حدة بعد القسمة على الذكور والاناث فاجمع ما اصاب الذكور وما اصاب الاناث (واقسم علم اول بطن) من اولادهم (يختلف نصيب كل فرقة) منهما (كما عرف) ثم تجعل الذكور طائفة والاناث طائفة وهكذا يعمل إلى ان ينتهى (ان كان هذا الاختلاف قد وقع في البطن بعد البطن فهو المتبع) احفظ (هذا والا) أي وإن لم يكن الاختلاف واقعا بعد ذلك فادفع حصة كل أصل ذكرا كان او انثي إلى فرعه للذكر كالانثيين وهذا معنى قوله (كل أصل حظه لفرعه ادفعه وراع حفظه) فلو ترك ابنى بنت بنت بنت و بنتى بنت ابن بنت و بنت ابن بنت بنت بهذه الصورة

ميت

بنت

بنت

بنت

بنت

ابن

بنت

بنت

بنت

ابن

ابني

بنتي

بنت

فعند أبي يوسف يقسم بين الفروع اسباعا باعتبار أبدانهم كأنه ترك ابنين وثلاث بنات وعند محمد يقسم على اعلا الخلاف اعنى في البطن الثاني اسباعا باعتبار عدد الفروع في الأصول لان الابن بابنين واحدى البنتين ببنتين ثم تجعل الذكور في البطن المذكور طائفة على حدة والاناث طائفة أخرى فيعطى أربعة اسباع المال نصيب الابن لبنتى بنته وثلاثة اسباعه نصيب البنتين لولديهما في الدرجة الثالثة إنصافا لان البنت بنتين فتساوى الابن وح يكون نصف ثلثة الاسباع للبنت في الدرجة الرابعة نصيب ابيها والنصف الآخر للابنين فيها نصيب امهما وتصح من ثمانية وعشرين لان أصل المسئلة من سبعة وانكسر نصيب البنتين عند التقسيم على ولديهما مناصفة فيضرب مخرج النصف في المسئلة يحصل أربعة عشر فمنها للبنين في الدرجة الرابعة ثمانية نصيب جدهما وللبنت فيها ثلاثة نصيب ابيها وللابنين فيها ثلاثة نصيب امهما لكنها لا تستقيم عليهما نضربنا عدد رؤسهما في أربعة عشر حصل ثمانية وعشرون لكنها تصح بضرب ما لكل في الاثنين (وقول)

ص: 237

الصواب إسقاط الواو فيصح الوزن (محمد عليه الفتوى وهو عند الامام) أبي حنيفة (أيضا يروى) كما روى عنه قول أبي يوسف قال في السراجية وقول محمد اشهر الروايتين عنه في جميع ذوى الارحام وفى الدر المنتقى وعليه الفتوى وإن صحح في المختلف والمبسوط قول أبي يوسف لكونه ايسر على المفتى (فصل في ترتيبهم) أي ترتيب ذوى الارحام واعلم انهم أربعة اصناف بالاستقراء جزء الميت واصله وجزء ابويه وجزء جديه أو جدتيه فالاول اربع طوائف اولاد البنات واولاد بنات الابن ذكورا او اناثا والثانى اربع أيضا الاجداد الفاسدون والجدات الفاسدات من طرف الأب أو الام والثالث عشرة اولاد الاخوات لابوين أو لاب او لام ذكورا أو اناثا وبنات الاخوة كذلك وبنو الاخوة لام والرابع عشرة أيضا العمات لابوين أو لاب أو لام والاخوال والخالات كذلك والاعمام لام فالمجموع ثمانية وعشرون فهؤلاء كل من بدلى بهم مما لا نهاية له من ذوى الارحام وقيل الاصناف خمسة باعتبار اولاد الرابع وقيل ستة باعتبار جهة عمومة ابوى الميت وخؤلتهما واولادهم وباعتبار جهة عمومة ابوى ابويه وخؤلتهما واولادهم وسيشير الناظم إليها تبعا للاصل وقد روى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في ترتيبهم روايتان مشهورتان وقد مشى الناظم تبع اللاصل على المختار للفتوى فقال (واعلم بان جزءه) وإن سفل وهم النصف الأول فالمراد به جزء خاص فلذا قال (كالفرع من بنته) وعبر بالفرع ليشمل الذكر والانثى (مقدم) في استحقاق الارث على غيره (في الشرح) لقوتهم إذ قرابة الولاد اقرب من غيرها (ثم) بعد جزئه يقدم الصنف الثاني (الأصول)(منبت الأولاد) هم (فواسد الجدات والاجداد) من اضافة الصفة إلى الموصوف وفواسد جمع فاسدة ففيه تغليب الاناث على الذكور وتقدم انهم كل جد ادلى بانثى وكل جدة ادلت بذكر بين انثيين وخرج الصحيح والصحيحة فانهما من ذوى الفروض {تنبيه} اولاهم اقربهم من أي جهة كان والمدلى يوارث هنا عند الاستواء في القرب ليس بأولى في الاصح ثم ان كانوا من جهة واحدة فالقسمة باعتبار الابدان وإن من جهتين فلقرابة الأب ضعف قرابة الام كابي أم اب وأبي أبي أم للأول الثلثان وللثانى الثلث (ثم) بعد أصله يقدم الصنف الثالث وهو (الذي لابويه ينتمى) أي ينتسب وتعبيره بالتثنية اولى من تعبير الأصل بالافراد لعدم شمول اولاد الاخت لام وليس المراد من ينتمى لكل منهما معا بل ما يشمل ذلك والانتما لاحدهما مفردا (اعني به اولاد اخت) مطلقا (فاعلم) أي لابوين او احدهما ذكورا

ص: 238

أو اناثا (كذا بنوا إخوته من أم) خرج بنوا الاخوة من ابوين او اب لانهم عصبات واما بنات الاخوة من أم فهم داخلون في قوله (واطلق) بحذف الهمزة للضرورة (بنات اخوة في الحكم) أي وكذا بنات الاخوة مطلقا كما مر وإن سفل الكل ولم يقل فرع اخوة لئلا يدخل بنوا الاخوة لابوين أو لأب فانهم عصبات أيضا (ثم) بعد جزء ابويه (اعط) الصنف الرابع (جزء جده وجدته اعنى به اخواله مع خالته كذاك عمات) و (بنات العم) وقد اسقط العاطف للضرورة سواء كانوا كلهم (من ابوين أو اب أو أم و) كذا (عمه) لكن (من امه لا مطلقا) وقد اسقط العاطف فخرج ما إذا كان من ابوين أو اب (لان ذاك عاصب محققا) نصب على الخال وزاد على الأصل قوله أو جدته ليشمل العمات اخوات الأب من امه وكذا الاخوال والخالات اخوة الام من امها فإن العمات ينتسبن إلى جدته من قبل أبيه ومن بعدهن إليها من قبل امه كالعم لام فالاقتصار على الجد قاصر (تنبيه) قدم ان العمومة والخولة جنسان وأن جهة الأولى الثلثين وللثانية الثلث بقى ما إذا كان أحدهما ذا قرابتين لا يحجب ذا القرابة الواحدة من الجنس الآخر وإذا اجتمع الجنسان من جهتين فالثلثان لقرابة الام والثلث لقرابة الام ثم ما اصاب قرابة الأب ثلثاه لقرابة أبيه وثلثه لقرابة امه وما اصابه قرابة الام كذلك وتمامه في الشرح (وبعد ذا) أي جزء جده اوجدته الذي هو الرابع اعط (اولادهم وحكمهم) انه (مقدم كما مضى) اعتراض بين الخبر المقدم ومبتدائه المؤخر وهو (اقربهم) أي الحكم فيهم كالحكم في الصنف الأول اعنى اولاهم بالميراث اقربهم إلى الميت من جهة الأب أو الام اتحدت الجهة اولا فبنت العمرة لابوين اولى من بنت ابن العم لابوين ومن ابن ابن الخالة وبنت الخالة لابوين اولى من بنت ابن الخال لابوين و من ابن ابن العمة وإن استووا قربا واتحدت الجهة قدم الاقوى قرابة كبنت عم لابوين اولى من بنت عم لاب ومن لاب اولى ممن لام وإن استووا قربا وقرابة فولد العصبة اولى كبنت عم وابن عمة كلاهما لابوين أو لاب المال لبنت العم واواحدهما لابوين والاخر لاب فهو للاقوى قرابة في ظاهر الرواية وبه يفتى لانه ترجيح لمعنى في الذات فهو اولى من الترجيح بالادلاء بوارث لانه لمعنى في غيره وبعضهم رجح به فقدم بنت العم مطلقا (هذا هو المختار والمفتى به اعنى بذا) من قولى هذا (ترتيبهم) المذكور وهو تقديم الصنف الأول وإن نزل ثم الثاني وإن علا ثم الثالث ثم الرابع كترتيب العصبات (فانتبه) وروى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى تقديم الثاني على الأول (وبعدهم) أي بعد ما مر من الصنف الخامس

ص: 239

الذي زاده بعضهم صنف سادس أيضا وهو جزء أبيه اوامه وهم (عمات أم أو) عمات (اب أيضا وخالات) لهما (انت في النسب) وكذا (خالاها) أي الابوين (و) جزء جد ابيه او امه وهم (عم والد لام) فقط (كذاك عم الام مطلقا) أي لاب أو لام اولهما (يؤم) مضارع أم بمعنى قصد (و) جزء هم وهم (بنت عم الأبوين قد اتى وفرع عم الام أيضا ثبتا) وقيل هؤلاء من النصف الخامس ثم إذا انفرد واحد منهم استحق كل المال لعدم المزاحم وإن اجتمعوا واتحدت قرابتهم فالاقوى اولى ذكرا كان اوانثى وإن اختلطوا واستوت القرابة فللذكر كالانثنيين وإن اختلفت بان كان بعضهم من جانب الأب والاخر من جانب الام فلا اعتبار لقوة لقرابة ولا للتولد من العصبة في ظاهر الرواية لكن لقرابة الأب الثلثان ولقرابة الام الثلث كما في السراجية ثم إذا لم يوجد هذا الصنف من ابوى الميت ينتقل الحكم بعينه إلى اولادهم فإن لم يوجدوا أيضا ينتقل إلى عمومة ابوى الميت وخؤلتهما ثم إلى اولادهم ثم إلى عمومة ابوى ابويه وخؤلتهما ثم إلى اولادهم وهكذا كما في العصبات (و) اعلم انهم لخطر هذا الباب (فرعوا) أي اكثروا من فروع (مسائل الارحام وبسطوا) فيها (خلاف كل امام) لاسيما شراح السراجية (لكننى أوجزت في المقال) فاقتصرت على مذهب الامام محمد رحمه الله تعالى واوضحته غاية الإيضاح (لذكرى) القول (الصحيح في) أي من (الأقوال) والله تعالى اعلم {فصل في الغرقى والهدمى} جمع غريق وهديم بمعنى المفعول فيهما (ونحوهم) كالقتلى والحرقى وطائفة تفرقوا في بلاد بعيدة ولم يعلم موت السابق منهم وافصح بحكمهم فقال (جماعة) من الاقارب (بالهدم أو بالفرق ماتوا ولم يعلم بموت السابق) منهم كان غرقوا معا في البحر أو احترقوا بنار او انهدم عليهم جدار أو قتلوا في معركة أو ماتوا في الغربة أو نحو ذلك فيجعلون كأنهم ماتوا معا وح (فالارث قطعا ينفي ما بينهم) لعدم تحقق حياة كل منهم عند موت الآخر كما مر في شروط الارث (واقسم على الاحياء) من ورثتهم (جمعا مالهم) أي اقسم مال كل واحد على سائر ورثته الاحياء وهذا لمعتمد المختار للفتوى عند اصحابنا وعليه عامة الصحابة والمنصوص عليه عند مالك والشافعي رحمهما الله تعالى وقال على وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما في إحدى الروايتين يتوارثون أو مما ورث كل من مال صاحبه وبه قال أحمد ما لم يدع ورثة كل ميت تأخر مورثهم ولا بينة أو تتعارض البينتان فيحلف كل على دعوى صاحبه ولا توارث بينهما كالمذهب الأول ثم لهؤلاء أحوال خمسة ان يعلم التلاحق ولا يعلم عين السابق أو يعلم موتهم

ص: 240

معا اولا بعلم شيء والحكم في هذه الثلاثة ما مر تيسيرا للامر الرابع ان يعلم موت السابق ولا يلتبس فيرث اللاحق منه كما قال (فإن يكن يعلم عين السابق فارثه من بعده للاحق) الخامس ان يعلم السابق ثم يلتبس واليه اشار بقوله (وإن يكن من بعد علم اشكلا الأمر) باثبات الهمزة (فاقسم ارثه) أي ارث كل على نحو ما مر (وقيل لا) يقسم كله (بل) يعطى كل واحد اليقين و (يوقف المشكوك فيه ابدا فيظهر الأمر أو الصلح بدا) أي أو يصطلحوا (وصاحب المختار عنه) أي عن هذا القيل (افصحا) في شرحه عليه المسمى بالاختيار حيث قال وإن علم موت أحدهما اولا ولا يدرى ايهما هو اعطى كل واحد اليقين ووقف المشكوك) حتى يتبين أو يصطلحوا انتهى (وغيره) كشارح المجمع وصاحب المنح وصاحب السراجية في شرحها وتبعه بعض شراحها (أيضا به قد صرحا ورده) أي هذا القيل (بعضهم) وهو العلائى الامام في سكب الانهر شرح فرائض الأصل فقال ليس ذلك بصحيح وقد نسب مقالهم) أي ماقاله صاحب المجمع وغيره (للشافعي ذى الحسب) ثم قال ولا يساعده عندنا رواية ولا دراية قال في المبسوط وكذلك إذا علم ان أحدهما مات لولا ولا يدرى ايهما هو تحقق التعارض بينهما فيجعل كأنهما ماتا معا ونقل نحوه عن المحيط قال وقال في الارفاد لو مات أحدهما قبل الآخر واشكل السابق جعلا كأنهما ماتا معا فمال كل واحد لورثته الاحياء ولايرث بعض الاموات من بعض هذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى انتهى وقد حاول العلائي الحصكفى الجمع بان مفاد ما في الارفاد ان مذهبهما بخلافه فليحمل كلام المجمع وغيره عليه فليتأمل انتهى ونظر فيه في الشرح بأنه انما يتم ان أو كانت الإشارة إلى ما لو اشكل وإنما المتبادر انها راجعة إلى قوله ولا يرث بعض الاموات الخ لان فيه خلافا كما علت انتهى ولا يخفى انه غير المتبادر * واقول ههنا بحث وهو ان الكلام فيما لو علم عين السابق ثم التبس وكلام الاختيار فيما لو علم سبق أحدهما ولم يعلم عينه وهو الحالة الأولى من الخمسة وهى التي في المبسوط أيضا فجعل الناظم محل النزاع هو الخامسة تبعا لسكب الأمر غير ظاهر بل الظاهر انه الأولى من الأحوال الخمسة اللهم الان يقال قوله ان علم موت أحدهما أي بعينه وقوله ولا يدرى جملة مستأنفة أو حال مقدرة فيفيد ان الجهل حصل في المستقبل بعد العلم بعينه ولا يخفى بعد فتأمل هذا {فصل في ذى القرابتين} فهو خبر لمبتدأ محذوف والمراد بها جهتا الفرض والتعصيب أو جهتا أحدهما وافصح بالاول بقوله (ولو بشخص جهتان اجتمعا فرض وتعصيب) بدل من قوله جهتان الواقع فاعلا لفعل محذوف مفسر بالفعل

ص: 241

المذكور أو خبر لمبتدأ محذوف (معا فاستمعا) الالف مبدلة من النون الخفيفة وذلك) كاثنين من ابناء عم عصبة ثانيهما اخ لام فانسبه) أصله فانسبنه حذفت نون التوكيد للضرورة أي بين سبب نسبته هذه بان تقول هو رجل نكح عمه امه فولدت ابنا فيرث بالقرابتين ان لم يوجد حاجب واصل المسئلة من ستة وتصح من اثنى عشر (فالسدس) هو اثنان يعطى للذى هو اخ لام (ثم) يقسم الباقى بينهما نصفين (نصف ما بقى يعطى له) أيضا (عصوبة فحقق) والنصف الآخر للآخر ولو كان ذلك الآخر زوجا فله النصف وللاول السدس والباقى بينهما ولو معهما ثالث هو ابن عم فقط فالباقى بينهم سوية وهذا قول الجمهور فلو كان معهم. بنت سقط فرض ابن الام وفى معايات الوهبانية * ومن تركت ابناء عم ثلثة * فمن ارثها الثلثين أحرز الأصغر * واجاب الشرنبلالي بقوله مفيد الارث كانت بنت عم * لكلهم تزوجها الصغير * فحاز النصف من ميت بفرض *وبالتعصيب سهما لا يبير. ومما يبقى اغلوطة ثلاثة بنى عم احدهم زوج والاخر اخ لام وثلاثة اخوة متفرقين وأم فالصواب في الجواب للزوج النصف وللام السدس وللاخوين لام الثلث ولا شيء للعصبة وهم من الابوين أو لاب وابن العم الذي ليس باخ وتصح من اصلها وهو ستة وهى عند الشافعية المشركة وبالثاني بقوله (وقد يكون) أي يوجد (جهتا تعصيب) كابن هو ابن ابن عم بان تنكح ابن عمها وكابن هو معتق (و) قد يكون (جهتا فرض بلا تكذيب وذاك) النوع الثاني (في المجوس يأتى ربما لكونهم يناكحون المحرما) كما إذا تزوج بنته فولدت بنتا فهما بنتان لهما الثلثان والباقى للعصبة وسقط اعتبار الزوجية ولو ماتت الزوجة عن بنتها فلها النصف بالبنتية والنصف بعصبة الاختيه ويتصور أيضا في المسلمين بوطئ الشبهة فالارث بكلا الجهتين لا باقواهما خلافا للمالكية واكثر الشافعية (فصل في المجوس) في بيان توريثهم بالقرابتين وعدمه بالانكحة الفاسدة واعرابه كما مر وبين الثاني بقوله (وينتفى بباطل النكاح) أي بالنكاح الباطل عندنا الذي لا يقرون عليه بعد الإسلام المستحل عندهم بخلاف ما يقرون عليه بعده كالنكاح بغير شهود ونحوه (ارث المجوس) فيما (بينهم يا صاح) لبطلان النكاح في نفسه بخلاف القرابة فإنها ثابتة فلو نكح بنته ثم ماتت ورثها بالبنتية لا الزوجية وكذا لو مات هو عنها ورثته بالابوة وبين الأول بقوله (وإن به قرابتان اجتمعا) بحيث لو انفردتا في شخصين ورثا بهما شرعا يرث بهما جميعا عندنا تحقق وجود هما (كبنته من امه) فلو ماتت الام (لم تمنعا) الالف

ص: 242

للإطلاق أي لن تمنع البنت (من ارثها من امها الثنين لأنها) بنتها وبنت ابنها فهي (في الحكم كالشخصين) فتاخذ السدس مع النصف تكملة الثلثين لان كلا من القرابتين علة صالحة لاستحقاق الارث كابني عم أحدهما اخ لام كما مر واحترزنا بالحيثية المذكورة عما إذا لم يمكن الجمع بين القرابتين في الارث فيرث بأحدهما كما بينه بقوله (وإن تكن محجوبة) عجب حرمان لا نقصان (أحدهما) أي إحدى القرابتين (باختها) أي بالقرابة الأخرى (ورث) بسكون المثلثة للضرورة أو هو امر وحذفت الفاء ضرورة وعن الأخفش والمبرد في أحد قوليه جواز حذفها اختيارا (بها) أي باختها التي هي الحاجبة فقط (لا بهما) ولا بالمحجوبة اجماعا (كناكح لامه ياخل) أي كمجوسي نكح امه اومسلم وطئها بشبهة ثم (جاءت) الام (بطفل) فهى جدته أم أبيه فإذا (مات عنها) ابنها (الطفل) ترث بامومة فقط إذ الام تحجب الجدة ولو مات الأب عن الولد فقط وكان بنتا فهى بنته واخته لامه فالارث بالبنتية فقط لان ولد الام محجوب بها (فصل في الحمل) أكثر مدته سنتان عندنا وثلث عند ليث بن سعد واربع: عند الشافعي وسبع عند الزهرى واقلها ستة اشهر اتفاقا (واوقفوا) في الوترك امرأة حاملة (نصيب ابن) بقطع الهمزة (واحد) لانه الغالب (للحمل أو) نصيب (بنت) واحدة ايهما كان أكثر كما افاده بقوله (بحكم الزائد) وهذا رواية عن أبي يوسف رحمه الله تعالى وعليه الفتوى وروى عن الامام أربعة وعن محمد اثنين ويؤخذ منهم كفيل احتياطا إذ ربما تلد أكثر فلو ترك ابوين وبنتا وزوجة حبلى فالمسئلة من أربعة وعشرين ان فرض ذكرا وتعول لسبعة وعشرين ان فرض انثى لان للبنتين الثلثين فيقدر ذكرا وهذا على كون الحمل من الميت والا فمثله كثيرة كما لو ترك زوجا واما حبلى فللزوج النصف وللام الثلث وللحمل ان قدر ذكرا السدس لانه عصبة فيقدر انثي ليفرض له النصف وتعول الثمانية كما لا يخفى ثم هذا ان شارك الورثة أو حجهم نقصانا فلو حرمانا يوقف الكل كما قال (ويوقف الجميع) أي جميع التركة (للبنات) أي إلى الوضع (يحجبه الوارث بالحرمان) وكذا في فتاوى سمرقند لو الولادة قريبة والقرب مفوض لراى الحاكم ولو لم يعلم ان ما في البطن حمل أو لا لم يوقف فإن ولدت تستأنف القسمة كما في الواقعات ولو ادعت الحمل عرضت على ثقة أو امراة حتى يمس جنبها فإن ظهر علامة حمل وقف والا قسم وإن ولدت ميتا لا يرث إلا إذا اخرج بضرب كما مر اول الكتاب (وإن يكن اكثره حيا خرج) من امه وعلمت حياته ولو بتنفس

ص: 243

أو تحريك عين أو شفة (ومات) حال خروجه (فالميراث يعطى لا حرج) ويورث عنه ويصلى عليه اعتبارا للاكثر عندنا بخلاف ما لو خرج الاقل فمات وإذا خرج مستقيما بإن خرج الرأس اولا فالمعتبر الصدر فإن خرج كله ورث والا فلا ولو منكوسا فالسرة سراجية وما في شرحها لمصنفها وتبعه غيره من انه لو ولدته لستة اشهر فصاعدا يرث ما لم يجاوز السنتين مخالف لكتب الفروع المعتمدة كالهداية ونحوها إذ مفاده ان تمام السنتين كالاقل وليس كذلك فتنبه وهذا لو الحمل من الميت والا فيرث لو لستة اشهر أو اقل مذ مات والا لا ثم هذا فيمن ورث بكل تقدير (ولو على تقديره انثى ورث وذكرا لو قدروه لا يرث) كزوج واخت لابوين وحمل من أبيه فلو انثى لها السدس تكملة الثلثين وتعول لسبعة ولو ذكرا لا ترث (فهل على تقدير ارث) أي على فرضه انثي (يوقف نصيبه) أم لا (و) كذا (عكس هذا) المذكور (يعرف) أي لو كان يرث بتقدير ذكورته ولا يرث بتقدير انوثته كم وزوجة اخ لاب حامل فهل يقدر ذكرا ويوقف حفظه وهو الجميع هنا أم لا (قال) عمدة المتأخرين محمد (العلائي) لحصكفى (شارح التنوير) احترز به عن العلائي الطرابلسى شيخ مشايخ الأول (لم اره) مسطورا (في الكتب) أي كتب أئمتنا (نابميرى وينبغى فيه) بحثا (بان يقدرا) الالف للإطلاق (للاحتياط وارثا بلامرا) ويوقف نصيبه كما صرح به الشافية لئلا تبطل القسمة لوجاء وارثا (فصل في المفقود) لم يذكره في الأصل هنا وكذا ما بعده من المرتد والاسير والخنثى لذكره اياها اثناء الكتاب تبعا للمتون وهو لغة من فقدت الشيء اضللته أو طلبته فلم تجده واصطلاحا غائب لم يدر احى أم ميت ولا يرث منه أحد ولا تنكح زوجته ولا يقسم ماله ولا تنسخ اجازته قبل ان يعرف حاله وينصب القاضي من يحفظ ماله ما يخاف فساده وحكمه في حق غيره ما بينه بقوله (واحكم على المفقود حكم الحمل في وقف نصيبه) صوابه سهمه ليستقيم الوزن (بقول فصل) أي فاصل أو مفصول أي إلى ان يثبت موته ببينة أو يمضى مدة يحكم فيها بموته وهي مدة موت اقرانه في بلده في ظاهر الرواية وقدرها في الكنز بتسعين سنة من مولده قال الزيلعي وعليه الفتوى ثم قال المختار تفويضه إلى رأى الأمم انتهى وهو الصحيح عند الشافعية وفصل أحمد رحمه الله تعالى ان غلب على سفره السلامة كسفر تجارة ينتظر إلى تمام تسعين سنة والا كما لو انكسرت سفينة أو فقد من بين اهله فالى اربع سنين ثم يقسم ماله واعلم أنه لو مع المفقود من يحجب به حرمانا لم يعط شيئا ولو نقصانا اعطى المتيقن ووقف الباقى كالحمل والا اعطى كل نصيبه

ص: 244

فلو ترك بنتين وابنا مفقودا وابن ابن فالابنتين النصف لتيقنه ويوقف النصف الآخر (فإن بدا) أي ظهر من قبل أي قبل موت اقرانه (حيا فله) ما وقف له (وإن قضى بموته) قيد به لانه امر محتمل فما لم ينضم إليه القضا لا يكون حجة (اقسم ماله) كما لو مات في بيته (ما بين وارث له) وقت الحكم كأنه مات ح وهذا في حق ماله واما في حق غيره فيحكم بموته من حين فقده (و) حينئذ (ما وقف) له (يرد للوارث) أي لوارث مورثة (حسبما عرف) في محله (فصل في المرتد) أي الراجع عن دين الإسلام والعياذ بالله تعالى (وكسب) مفعول مقدم لا وقف (مرتد من الأموال) أي ما اكتسبه حال الردة (كماله) المكتسب حال الإسلام (اوقف بيت المال) لانه يزول ملكه عنه زوالا موقوفا (فإن يتب) عن ردته (يدفع له) ذلك الموقوف جميعه (أو قتلا) بألف الاطلاق أي وإن قتل على ردته (أو لحقا) باشباع حركة القاف للضرورة أي أو لحق بدار الحرب وحكم بلحاقه) أو مات (على ردته فكسب ردته فقط (فياء جعلا) بعد قضاء دين ردته واما كسب إسلامه فهوارث لوارث المسلم بعد قضاء دين إسلامه وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقالا ما اكتسبه مطلقا لورثته المسلمين ككسب المرتدة فإنه لورثتها اتفاقا حتى الزوج أو مريضة وماتت في العدة وعند الشافية والمالكية ماله مطلقا في والمراد بالوارث من كان وارثه حال موته في الاصح ولا يرث المرتد ولا المرتدة احدا مطلقا اجماعا إلا إذا ارتد أهل ناحية باجمعهم لصيرورتها دار حرب {فصل في أسير} اردفه للمرتد يجامع ان كلا من الارتداد والاسير عارض أو لانه يأخذ حكمه في بعض الأحوال كما قال (والارث اضحى في الاسير المسلم كغيره) أي كارث غيره (من الانام) في دار الإسلام (فاعلم) وهذا (ما لم يفارق دينه) فإن فارقه (فحكمه اتى كمرتد) كحكم المرتد المتقدم لانه مرتد حقيقة (فيتوى) كيرضى بمعنى يهلك أي يسقط (سهمه) لومات مورثه (وإن جهلت) انت (في الغياب) بالفتح من غاب أي خفى واحتجب (حاله بان لم يعلم ردته ولا إسلامه ولا موته ولا حياته (اوقف كمفقود نصيبا ناله) إلى ان يثبت موته حقيقة أو حكما {فصل في الخنثى} أي المشكل اخره لندرته وهو لغة من الحنث بفتح وسكون اللين والتكسر ومنه المخنث والجمع خناثى كحبالي واصطلاحا من له الآلتان وتوقفا في من ليس له شيء منهما واختلف النقل عن محمد فقيل في حكم الانثى وقيل هو والخنثى المشكل سواء (وارث خنثى مشكل) صفة الخنثى وهو من لم يترجح شيء من ذكورته وانوثته لعدم المرجح قيل وذلك انما

ص: 245

يتصور قبل البلوغ (في الحكم يبنى على الاقل يا ذا الفهم) أي اقل نصيبي الذكورة والانوثة فيعامل بالاضر ويقسم بين الورثة ولا يوقف شيء عليه (فلو أبوه) أي أبو الخنثى مات و (خلف ابنا معه) يعطى (سهمان للابن) الواضح (وسهم قل له) بناء على تقديره انثى لكونه اضر إذ لو قدر ذكرا كان لكل النصف وهذا ان لم تساو النصيبان والا فلا يختلف كبنت وشقيق مشكل وكاولاد أم احدهم خنثى ولم ينفرد وحده أو يكن معه أحد الزوجين والا فليس مشكلا في ارثه (هذا) المذكور من معاملته بالاضر (هو الصحيح والمفتى به) عندنا وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى واصحابه وقول عامة الصحابة رضى الله تعالى عنهم سراجيه وقول بعض الشافعيه (وفيه خلف قد ورى) عن العلماء (فانتبه) فعند الشعبى استاذ أبي حنيفة له نصف النصيبين ونص القدورى وصاحب الهداية وغيرهما على انه قول الامامين أيضا واكثر شراح السراجية على ان محمدا مع الامام ونقله في المشكاة عن السرخسى وهو قول مالك وكذا أحمد ان لم يرج اتضاحه بان بلغ مشكلا وعند الشافعية يعامل بالاضر في حقه وحق غيره ويوقف الباقى ثم هذا بناء على ارثه بكل تقدير (و) اما (ان تقدره بانثي) فهو (يحجب وإن) تقدره (خلا ما ارثه قد اوجبوا فامنعه ميراثا وقدر) ذلك الخنثى (انثى) لكونه أضر (كعمه) أي كما لو مات ميت عن عم (و) عن (فرع بنت خنثى) فيقدر ذلك الفرع انثى (و) يكون (الارث كله لذاك العم) لكونه عصبة وذاك من ذوى الارحام (وعكس هذا مثله في الحكم) وكذا الحكم لو قدر انثى ورث ولو ذكرا لا كزوج وشقيقة وخنثى لاب فلو قدر انثى له السدس وعالت إلى سبعة فيقدر ذكرا ولا يرث لانه عصبة وتمام احكامه وما يزول به اشكاله مبين في كتب الفروع وذكر في الشرح نبذة من ذلك والله تعالى اعلم {باب المناسخة} مفاعلة من النسخ بمعنى النقل ونحوه واصطلاحا نقل سهام الورثة قبل القسمة إلى من يخلفهم باستحقاق الارث سميت بذلك لان كل قسمة لما قبلها منسوخة بما بعدها واعلم ان سلوك العمل في هذا الباب صعب المدرك لا يتيقنه إلا الماهر في الفرائض والحساب وقد شرح في بيانه فقال (وإن يمت شخص من الوارث من قبل قسم ذلك الميراث) الذي هو تركة الميت الأول صار نصيبه منه ميرانا لورثته فإذا اردت معرفة نصيبه وقسمته على ورثته (فصحح) المسئلة (الأولى) على ورثة الميت الأول بالطريق الآتي في حساب الفرائض واحفظ نصيب الثاني منها ثم صحح (كذاك الثانية) على ورثة الميت الثاني (اعنى بها) أي بالثانية (المسئلة) وقوله

ص: 246

(الموافية) تكملة ثم انظر بين نصيبه من المسئلة الأولى وبين مسئله ثلاثة أحوال اما ان يكون بينهما مماثلة أو موافقة أو مباينة (فإن يكن نصيبه استقاما) بسبب المماثلة (اعنى على) مسئلة (وارثه) فهو على تقدير مضاف وقوله (تماما) أي بلا كسر تميم (فلا ترم ضربا) لكونها صحت مما صحت منه الأولى كما لو مات عن ابن وبنت فهى من ثلاثة ثم الابن عن ولدين فهى من اثنين مثل نصيبه من الأولى (وإن لم ينقسم) نصيبه من الأولى على مسئلة (فالضرب محتاج له كما علم) وحينئذ (فإن تجد نصيبه موافقا) بجزء ما (مسئلة الوارث منه حققا فالوقف من تصحيح تلك) المسئلة (اللاحقة قد جاء مضروبا بكل) تصحيح (السابقة) فالحاصل مخرج المسئلتين كما إذا ترك ابنين وبنتين ثم مات أحد الابنين في بنت وزوجة وعمن في المسئلة فالاولى من ستة والثانية أصلها من ثمانية وتصح اثنين وثلاثين ونصيب الثاني من الأول اثنان وبينه وبين مسئلته موافقة بالنصف فاضرب وفقها وهو ستة عشر في التصحيح الأول وهو ستة تبلغ ستة وتسعون ومنها تصبح المسئلتان (وإن يكن) ما بين نصيه ومسئلته (تباين علانيه فنضرب الأولى بكل الثانية) المعروف في الضرب العكس فالأولى ان يقول فالضرب في الأولى لكل الثانية فالحاصل مخرج المسئلتين كام شقيقة واخ لاب ثم ماتت الشقيقة عن ابنين وبنت فالمسئلة الأولى من ستة والثانية من خمسة ونصيب الشقيقة من الأولى ثلاثة لا تستقيم على خمسة ولا توافق فاضرب كل مسئلتها في كل المسئلة الأولى فتصير ثلاثين وهو مخرج المسئلتين ويسمى جامعة كما قال (وما اتى من حاصل في الذهن جامعة سمى بهذا الفن) لأنها تجمع انصباء ورثة الميت الأولى والثاني ومن سماها جزء السهم فقد وهم لان المعروف في اصطلاحهم انه اسم للمضروب في الأولى وهو الثانية أو وفقها كما سيجئ (واضرب) ان اردت معرفة نصيب كل وارث في المسئلة الأولى من ذلك التصحيح (سهام وارث من) ميت (سابق يا صاح في تصحيح ذاك اللاحق) أي في كله أو في وفقه كما قال (في وفقه ان وافقت في العدا وكله ان باينت في القصد و) كذا (وارث الميت)(الثاني اتى) ما ذكر (في حقه) أيضا فتضرب سهام ورثته لكن (في كل ما في يده) عند المباينة (أو وفقه) عند الموافقة (فما اتي) أي ما خرج (بالضرب) المذكور (في الحالين) أي في ضرب سهام ورثة الأول وضرب سهام ورثة الثاني فهو (نصيب كل) أي كل فريق (جاء في) المسئلتين (الثنتين) لان تركة الميت الثاني بعض مسئلة الميت الأول فإذا ضرب جميع فريضة الأولى في الثانية صار كل من الأولى مضروبا وباقى جميع الثانية ضرورة

ص: 247

لقيام الضرب بالطرفين (ومن تراه وارث) الميتين (الاثنين فاجمع له النصيب) الحاصل (في الضربين) المارين فيما لو كانت اثنين وهذا من زياداته على الأصل (والمبلغ) بالنصب مفعول لفعل محذوف يفسره ما بعده أي اجعل المبلغ (الثاني) وهو الذي صحت منه الأولى والثانية المسمى بالجامعة يجعل (مكان) التصحيح (الأول لثالث قد مات منهم فاجعل وثالث التصحيح) أي والتصحيح الثالث (في البيان فاحفظه واجعله مكان) التصحيح (الثاني) وتمم العمل كما مر بان تأخذ سهام الميت الثالث من الجامعة وتقسمها على مسئلته فإن انقسمت فيها والا فاضرب وفق الثالثة المعتبرة ثانية أو كلها في كل الجامعة واعتبر الحاصل من ذلك كمسئلة واحدة واقسمه على الورثة في المسئلتين يحصل المطلوب (وهكذا فافعل بموت الرابع) فاجعل له مسئلة واجعل المبلغ الثالث مكان الثاني والرابع مكان الثالث وحد نصيبه واقسمه على مسئلته على نحو ما مر (بل) بموت (خامس أو سادس أو سابع) وهلم جرا وهذا التعدد متصور بوجهين ان يموت ورثة الأول متعاقبة أو يموت وارث ثم وارثه والحكم فيها واحد هذا (والاحسن الاضبط عند العمل) في قسمة المناسخات (للماهر السامى) في صناعة الحساب ما تلقاه امام المتأخرين أحمد بن الهايم من استاذه أبي الحسن الجلاوى رحمهما الله تعالى وهو (طريق الجدول وذ) الطريق (من الصناعة السنية) أي العالية في فن الحساب (وفيه اضحى راحة كلية) على الحساب لقلة الغلط وامن الشطط وطريقه بالاختصار ان تكتب الورثة واحدا تحت واحد وتخط فوق كل واحد وتحت الاخير خطا مستقيما إلى جهة يسارك ثم تخط من اول الخطوط وآخرها إلى انتهائها وبعد تصحيح المسئلة تضع نصيب كل وارث بارائه وتضع العدد الذي صحت منه المسئلة في دائرة كالقبة وانزل بخط مع اخر الانصباء ثم اكتب ما بعد الخط بإزاء الميت الثاني مات وإن ورثه أحد من الأولى فاكتب اسمه بازائه وإن معه من غيرها أو اختص غيرهم بارثه فانزل بخطوط تحت الجدول متصلة به على عدد ذلك الغير وخط من اعلى الجدول إلى اخيرهم خطا واكتب اسماءهم في البيوت بحيث يكون كل واحد من الجميع تحت واحد في الجدول الذي فيه الميت فوقه أو تحته ثم صحح الثانية واكتب نصيب كل بازائه كما فعلت في الأولى فيحدث جدول رابع ثم انظر بين نصيب الميت من الأولى ومسئلته فإن انقسم فانقل صحيح الأولى إلى جدول خامس واجمله مكان الجامعة والا فاضرب وفق الثانية اوكلها في تصحيح الأولى واكتب ما حرج وهو الجامعة في جدول خامس ثم اثبت الوفق المذكور أو الكل فوق تصحيح الأولى

ص: 248

ووفق نصيب الميت أو كله فوق مسئلته على القبة فمن له من الأولى يضرب فيما فوقها ومن الثانية كذلك واثبت نصيب كل بازائه ومن له منهما يضرب فيما فوقهما ويجمع ويكتب بازائه ثم يجمع ذلك ويقابل به المصحح فإن خرج صحيحا فيها والا فيعاد الحساب ثم ان مات ثالث أو رابع تفعل في الجدول كما علمت* واعلم ان للميتين الأولين خمسة جداول واحد لورثة الأول وواحد لسهامهم وثالث لورثة الثاني والرابع لسهامهم وخامس الجامعة ثم لكل ميت ثلاثة جداول فإذا اردت معرفة الجداول كلها في مسئلة من المناسخات فاضرب عدد الاموات في ثلاثة ابدا واطرح من الحاصل واحدا ابدا فالباقي عدد الجداول فلو كانوا أربعة فاضرب عددهم في ثلاثة يخرج اثنا عشر اطرح واحدا يبقى أحد عشر هي عددها وليس جدول القيراط بداخل في ذلك لانه امر زائد على التصحيح وقد سموا ذلك بقلم الشباك وبقلم المنبر وقد أطال في سكب أنهر في ذلك وذكر صورة لم يذكر فيها مثال الاستقامة فلنذكر صورة السراجية لاشتمالها على الموافقة والمباينة أيضا وهى زوج وبنت وأم ثم مات الزوج عن امرأة وابوين ثم ماتت البنت عن ابنين وبنت وجدة ثم ماتت الجدة عن زوج واخوين * واعلم ان الأولى في هذه الصورة ردية وإن البنت فيها يتعين ان تكون من غير الزوج وقد رسمها في الشرح وحرر قيراطها بهذه الصوره

ممم صورة

ص: 249

{باب مخارج الفروض} آخره مع التصحيح عن المناسخات تبعا للاصل والانسب تقديمهما عليها كما فعل في السراجية والمخارج جمع مخرج وهو اقل عدد يمكن ان يؤخذ منه كل فرض بانفراده صحيحا فالواحد ليس بعدد عند جمهور العلماء والحساب لا النحاة وللعدد خواص منها ماساوى نصف مجموع حاشيتيه القريبتين أو البعيدتين كالخمسة حاشيتاها القريبتان أربعة وستة والبعيدتان كالثلاثة والسبعة ومجموع كل عشرة ونصفه خمسة (ثم الفروض) المذكورة في القرآن (ستة) كما مر حال كونها متنوعة (نوعين مقسومة بينهما) أي بين النوعين (نصفين) ثلاثة نوع وثلاثة نوع آخر بالاستقراء (فالنصف) لو حذف الفاء واتى به منكرا لاستقام الوزن (ونصفه) وهو الرابع (ونصف النصف) أي نصف النصف المذكور ثانيا وهو الثمن (ثلاثة) من الستة (نوع) خبر ثان أي نوع اول من النوعين (بديع الوصف) وهذا على التنصيف للبداة بالاكثر الأكبر وإن بدات بالاقل الأصغر يكون على التضعيف فتقول الثمن وضعفه وضعف ضعفه ولهم فيه عبارات مختلفة مر بعضها في صدر الكتاب (ثانيهما) أي النوعين (الثلثان في البيان والثلث والسدس) وهذا على التنصيف وهو المراد بقوله (على النقصان) والانحصار في النوعين بالاستقراء عند الجمهور ووجهه انهم بحثوا عن اقل جزء من الفروض المذكورة في الكتاب فوجدوا الثمن ومخرجه من ثمانية ومخرج النصف والربع موجود فيها بلا كسر فجعلوا الثلاثة المتناسبة نوعا واحدا ثم اقل جزء من الثمن السدس ومخرجه ستة ومخرج الثلثين والثلث موجود فيها بلا كسر فجعلوها نوعا آخر وبعضهم جعل الكل نوعا واحدا ثم شرع في بيان المخارج على ترتيب اللف فقال (فالنصف) الذي هو فرض خمسة يخرج (من اثنين) بقطع الهمزة (وافا فاسمعه) تقدم الكلام في نظيره (والربع مخرجه) الصواب في الوزن ان يقول ومخرج الربع أي الذي هو فرض اثنين (اتى من أربعة ومخرج الثمن من ثمانية لواحد يعرض وهو) الزوجة المكنى عنها بقوله (الجارية والثلثان) الذي هو فرض أربعة (الثلث) بحذف العاطف وهو فرض اثنين (من ثلاثة ومخرج السدس) الذي هو فرض سبعة (اتى من ستة و) اعلم ان الأصل في ذلك ان تقول (مخرج الكسور من سميها) من الاعداد أي ما يناسبها في المعنى ويشاركها في أصول الحروف (كالثلث) مخرجه (من ثلاثة) فإن الثلاثة سمى الثلث وكذا السدس من ستة لان اصلها سدسه ابدلت السين تاء وادغمت الدال فيها ولذا تصغر على سديسة وتجمع على اسداس وكذا مخرج الكسر المكرر

ص: 250

مخرج مفرده كالثلثين والسدسين (فانتبها) لذلك (و) لكن (استثن فرض النصف) أي فرضا هو النصف (يا سميرى من ذاك اعنى) بالمشار إليه (عدة الكسور) فإنه ليس مثلها لان من اثنين وليس ذلك سمياله والا لقيل ثنى بضم فسكون فإذا جاء في مسئلة النصف فهي من اثنين أو الرابع فمن أربعة وهكذا وهذا عند الانفراد واما عند الاختلاط فلا يخلو اما ان يختلط كل نوع بنوعه أو أحد النوع بالنوع الآخر فإن كان الأول فمخرج الاقل منه يكون مخرجا للكل لان ما كان مخرجا لجزء يكون مخرجا لضعفه ولضعف ضعفه كالستة مخرج للسدس ولضعفه الثلث وضعف ضعفه الثلثين وكالثمانية مخرج للثمن ولضعفه الربع ولضعف ضعفه النصف كما ان مخرج الربع مخرج للنصف ومخرج الثلث مخرج للثلثين لما تقرر ان مخارج الكسور إذا تداخلت اكتفى بمخرج اقلها لان مخرج الاكثر اقل من مخرج الاقل ومتداخل به فيكتفى به لخروج الكل منه وإن كان الثاني فحكمه ما بينه بقوله (والنصف أو بتأني) بتحريك الياء للضرورة والجار متعلق بيخلط والاضافة إلى قوله (النوعين) على معنى من أي بكل النوع الثاني كمسئلة أم الفروج زوج وشقيقتين وأم واخوة منها (أو بعضه) أي بعض النوع الثاني كواحد منه أو اثنين كزوج وشقيقتين أو وأم (يخلط) فالمخرج (في الحالين) أي حالى الاختلاط بالكل وبالبعض من ستة يجى (والربع اشتهر) انه إذا اختلط أيضا بالنوع الثاني (كلا وبعضا) أي بكله أو ببعضه كزوجه وأم وشقيقتين فقط أو مع اختين لام (جاء من اثنى عشر) بقطع الهمزة للضرورة لتركبها من ضرب اثنين في ستة أو ثلاثة في أربعة (والثمن) إذا اختلط بالنوع الثاني فالمخرج يأتي من عشرين (بعد الأربعة) أي من أربعة وعشرين لان مخرج اقل جزء من الثاني هو الستة وبينهما وبين الثمانية موافقة بالنصف فيضرب نصف أحدهما في كل الآخر (لكنه) أي اختلاط الثمن بالثانى (بالبعض) منه وهو الثلثان والسدس دون الثلث (خصص واتبعه) كزوجة وبنتين وأم أو زوجة وبنتين أو زوجة وابن وأم (و) اما (كله) أي النوع الثاني فلا يتصور اختلاط الثمن به نعم (يأتي براى البعض) وهو ابن مسعود رضى الله تعالى عنه بناء على ان المحروم عنده يحجب حجب نقصان كابن كافر وزوجة وشقيقين وأم واخوة منها فالابن يحجب الزوجة عنده إلى الثمن (وفى الوصايا باختلاط ناقص) كان ترك ابنا واوصى لزيد بثمن ماله ولعمرو يسدسه ولهند بثلثه ولبكر بثلثيه واجازه الابن فاصلها من أربعة وعشرين وتحول إلى واحد وثلاثين لزيد الثمن ثلاثة ولعمرو

ص: 251

أربعة ولهند ثمانية ولبكر ستة عشر هذا واعلم ان الاختلاط (صوره) أي جميع ما يتصور منه (بالقسمة العقلية خمسون بعد سبعة وفية) منها سبعة وعشرون موجودة شرعا تسمى منتجة وثلاثون عقلية فقط تسمى عقيمة وبيان ذلك ان النوع الأول ثلاثة والاختلاط منه أربعة نصف وربع أو نصف وثمن أو ربع وثمن أو الكل المجموع سبعة والثاني كذلك فالحاصل من اختلاط النوع الأول بالثاني تسعة واربعون من ضرب سبعة في سبعة واختلاط كل نوع بعضه ببعض أربعة يكن ثمانية يبلغ مجموعها ما ذكر لكن لا وجود شرعا لثلاثين منها إذ لا يتصور اجتماع الثمن والثلث على قول الجمهور كما مر ولا اجتماع النصف والربع مع الثلثين ولا اجتماع النصف والثمن مع الثاني أو بعضه إلا السدس ولا اجتماع الربع والثمن فقط أو مع كل الثاني أو بعضه ولا اجتماع كل الأول فقط أو مع كل الثاني أو بعضه فسقط بالاول اربع وكذا بالثانى وبالثالث ست وبالرابع ثمان وكذا بالخامس فالمجموع ثلاثون (و) قد علم بما تقرر أنه (ليس في مسئلة) واحدة (تجتمع من الفروض) المذكورة (خمسة تتبع) بل لا تكون إلا أربعة فاقل كما انصح به الشراح والمراد بدون الكسر فلا يرد انه قد تجتمع خمسة كزوج وأم وشقيقة واخت لاب واختين لام فهى من ستة وتعول لعشرة (ومن يقل) كصاحب سكب الأنهر (في) تصوير (جمعها) انها قد (تزيد) منتهية (ستة) فروض كهؤلاء وزوجة بان يكون الميت خنثى وادعيا الزوجية فإنه يثبت لكل فرضه (فقوله مردود) وكذا جوابه عنه بأنه نادر لا حكم له لما مر ان الاصح عدم ارثهما لتقدم بينة المرأة {باب التصحيح} يطلق اصطلاحا بالاشتراك اللفظى على أخذ السهام من اقل عدد يمكن على وجه لا يقع الكسر على أحد من المستحقين ورثة كانوا أو غرماء وعلى المخرج المصحح وهو ذلك العدد واعلم أنه (يحتاج في التصحيح للمسائل) بالمعنى الأول (من الأصول سبعة يا سائلى ثلاثة من ذاك) وهى الاستقامة والموافقة والمباينة (بين الاسهم) المأخوذة من مخارجها (وبين اعداد الرؤس) من المستحقين (فاعلم واربع منها اتت مفصلة) وهى التماثل والتداخل والتوافق والتباين (بين الرؤس والرؤس فاجعله) ثم أخذ في بيان السبعة مقدما الثلاثة الأول فقال (اولها سهام كل طائفه) من المستحقين (لو قسمت على الرؤس) بلا كسر (فاعرفه) كابوين واربع بنات (فالضرب لا تحتاجه) لاستقامة السهام على الرؤس (والثانية) من تلك السبعة ان تكون (طائفة واحدة موافية وانكسرت) أي ان تكون السهام منكسرة على طائفة واحدة فقط (و)

ص: 252

لكن لم يكن بين سهامهم ورؤسهم موافقة بل (باينت سهامهم عددهم) أي عدد رؤسهم (فاضربه) أي عدد رؤسهم وهو المنكسر عليه ويسمى جزء السهم (في أصل لهم) أي في أصل المسئلة أو اصولها ان عالت فالحاصل من الضرب التصحيح كزوج وخمس اخوات اصلها من ستة وتعول لسبعة للزوج النصف ثلاثة وللاخوات الثلثان أربعة لا تستقيم ولا توافق فاضرب رؤسهم في سبعة يبلغ خمسة وثلاثين ومنا تصح (ثالثها ان) انكسرت السهام على طائفة واحدة لكن (وافقت) سهامهم رؤسهم (في مسئلة) أي في مسئلتهم (فالوفق فاضربه) لو قال فالضرب للوفق (بأصل المسئلة) لكان اولى أي فاضرب وفق عددهم في أصل المسئلة يبلغ التصحيح كأمراة وستة اخوة فالباقى ثلاثة توافق الستة بالثلث اثنين فاضربهما في الأربعة تبلغ ثمانية فمنها تصح * واعلم انه إذا كان المنكسر عليهم ذكورا واناثا بسط كل ذكر انثيين واعتبر عدد روس الاناث كما مر في العصبات مثاله زوج وابن وثلاث بنات اصلها من أربعة فيجعل رؤس الأولاد خمسة والباقى وهو ثلاثه لا يستقيم عليهم فاضرب عدد رؤسهم في أصل المسئلة تصير عشرين ومنها تصح وانه إذا انكسر على فريق واحد كان لكل منهم بعد التصحيح سهام كل ذلك الفريق قبله في المباينة أو وفقها في الموافقة ولكل سهم جزء السهم (رابعها) أي السبعة وهو اول الأربعة التي بين الرؤس والرؤس (بان يكون انكسرا نصيب جنسين اتى) أي ان يكون الكسر على طائفتين (أو أكثر أو ما ثلث اعدادهم) أي أحد الجنسين المنكسر عليهم (رؤسهم) أي رؤس الجنس الآخر أي وتماثلت اعداد رؤسهم كاثنين و اثنين وثلاثة وثلاثة (في واحد) متعلق باضرب من (الاعداد فاضرب اصلهم) أي أصل مسئلتهم وقد جعل المضروب فيه مضروبا فإن الحكم ان تضرب أحد الاعداد المتماثلة في أصل المسئلة فيحصل ماتصح منه على جميع الفرق كثلاث بنات وثلاثة اعمام فتكتفى باحد المتماثلين فاضرب ثلاثة في أصل المسئلة تكن تسعة منها تصح ثم بين المراد من قوله لو أكثر بقوله (والانكسار في صنوف تظهر غايته أربعة) خلافا لمالك رحمه الله تعالى فعنده غايته ثلاثة (لا أكثر) أي لا يكون الانكسار على أكثر من أربعة طوائف بالاستقراء العام (خامسها) أي الأصول السبعة وهو ثانى الأربعة (الاعداد في التداخل) أي ان يكون بعض اعداد رؤس من انكسر عليهم سهامهم من طائفتين أو أكثر متداخلا في البعض كثلاثة واثنى عشر (اكثرها) مفعول مقدم (فاضرب بأصل العمل) أي فاضرب أكثر تلك الاعداد في أصل المسئلة يبلغ التصحيح كاربع زوجات وثلاث

ص: 253

جدات واثنى عشر عما فالثلاثة والأربعة متداخلة في الاثني عشر الذي هو أكثر فضربناه في أصل المسئلة وهو أيضا اثنا عشر بلغ مائة وأربعة واربعين فمنها تصحح ولو التداخل في بعضها يكتفى فيه بالاكثر ثم ينظر بينه وبين غير المتداخلة في التوافق والتباين (سادسها) وهو ثالث الأربعة (أن كان بعض العدد) من رؤس من انكسرت عليهم سهامهم من فرقتين أو أكثر (وافق) كذا في الأصل وصوابه قد وافق بزيادة قد ليصح الوزن (البعض) الآخر (بجزء مفرد) ايا كان (ووفقه) أي وفق أحد الاعداد (اضربه بكل) العدد (الثاني والخارج) بعد الضرب (اضربه بلا تواني) أي بطئ (في وفق) عدد (ثالث موافق اتى) أي أنه اتى موافقا فاضرب الخارج في وفقه (و) اضربه في (كله أن لم يوافق يافتي) بان باينه (واضرب جميع ما اتى من ذلك) العمل (في العدد الرابع قل كذلك) أي في وفقه أن وافق المبلغ الثاني أو في جميعه أن باين (ثم اضرب الحاصل) بعد تمام ضرب الرؤس بعضها في بعض أو في وفقها المسمى ذلك الحاصل (جزء السهم في اصلهم) أي أصل من ألتهم يبلغ التصحيح (وافهم بديع النظم) وذلك كاربع زوجات وخمس عشرة جدة وثمان عشرة بنتا وستة اعمام اصلها من أربعة وعشرين للزوجات الثمن وهو ثلاثة لا يستقيم عليهن بل يباين فحفظنا عددهن وللجدات السدس بينهما مباينة فحفظنا عددهن وللبنات الثلثان وبينهما موافقة بالنصف فاخذنا نصف رؤسهن وللاعمام الباقي وبينهما مباينة فحفظنا عددهم فالمحفوظ أربعة وستة وتسعة وخمسة عشر وبين الأربعة والستة موافقة بالنصف فضربنا نصف أحدهما في كل الآخر بلغ اثنى عشر وهو موافق للتسعة بالثلث فضربنا ثلث أحدهما في كل الآخر بلغ ستة وثلاثين وبينهما وبين خمسة عشر موافقة بالثلث أيضا فتضربها في خمسة ثلث خمسة عشر يبلغ مائة وثمانين هي جزء السهم فيضرب في أصل المسئلة أربعة وعشرين يبلغ أربعة آلاف وثلاثمائة وعشرين ومنها تصح فمن له شئ من الأصل اخذه مطروبا في جزء المهم (سابعها تباين الاعداد) أي أن تكون اعداد من انكر عليهم من طائفتين أو أكثر متباينة (فاضرب جميع النوع والأفراد) أي ضرب جميع النوع أي افراده (في ثان نوع) بحذف الياء للضرورة (ثم كل الخارج في) جميع (الثالث اضربه بغير حرج والمبلغ الثاني بكل الرابع يا صاح فاضربه بلا منازع ثم اضرب المجموع) المسمى (جزء السهم كما مضى في أصل هذا الحكم) أي في أصل المسئلة فما كان فهو التصحيح وذلك كامراتين وعشر بنات وست جدات وسبعة اعمام فجزء السهم هنا مائتان

ص: 254

وعشرة لتوافق رؤس البنات والجدات لسهامهم بالنصف فاضربها في أصل المسئلة وهو هنا أربعة وعشرون يحصل التصحيح وذلك خمسة الآف واربعون ومنها تستقيم (و) اعلم أنه (أن انت في العول من مسائل) من زائدة في الأثبات ومسائل فاعل انت أي أن كانت المسئلة عائلة أي زائدة على المخرج كما علمته في العول (فضربك الأصل مع العول اجعل) أي اجمل ما تضرب فيه جزء السهم الأصل مع العول كما مثلنا به في ثانى الأصول. فإن قلت ينبغي أن تكون الأصول ثمانية أربعة بين السهام والرؤس وأربعة بين الرؤس والرؤس. قلت لما لم تعتبر المداخلة بين اعداد الرؤس والسهام اعتبرت سبعة لدخول بعض صور المداخلة في الاستقامة وبعضها في الموافقة. واعلم أن الموافقة لا تتأتى في كل صنف من الأصناف الأربعة التي يقع الكسر عليها لان منها الزوجات ولهن الربع أو الثمن ثلاثة من اثنى عشر أو أربعة وعشرين فإن كن ثلاثا فسهامهن منقسمة عليهن كما لو كانت واحدة وإن كن ثنتين أو اربعا فمباينة فثبت عدم موافقتهن فسقطت هذه من الحالات الخمس (فصل في معرفة التماثل والتداخل والتوافق والتباين بين العددين) كان حقه أن يذكر في باب التصحيح يتوفق التصحيح عليه لكن لما كان من محض مسائل الحساب أخرجه عنه ووجه الخصر في الأربعة أن العددين اما أن يتساويا اولا الأول التماثل والثانى اما أن يفنى الأقل الأكثر اولا الأول التداخل والثانى اما أن يفنيهما عدد ثالث اولا الأول التوافق والثانى التباين وقد بين ذلك بقوله (والعدد الذي يساوى) العدد (الاخر كمية) أي من جهة الكمية (مماثل كما ترى) تصويره بقوله (كاثنين والأثنين) بقطع همزة الثاني ضرورة وحاصله أن تماثل العددين عبارة عن كون أحدهما مساويا للآخر في الكمية كما مثل وكاربعة وأربعة وهكذا على التساوى (والتداخل) بين العددين أن يكون كخمسة مع عشرة يا كامل) وكثلاثة مع تسعة (ونوعوا) في طريق معرفته (تفسيره) انواعا متنوعة (و) الذي (اشتهرا منها) أنه) الذي يفنى الأقل) منهما (الأكثر) بمعنى أنه إذا طرح مقدار الأقل من الأكثر مرتين أو مرات افنى الأكثر فانك إذا طرحت الخمسة من العشرة مرتين لم يبق منها شيء وكذا إذا طرحت الثلاثة من التسعة ثلاث مرات ومن الطرق أن تقسم العدد الأكثر منهما على العدد الأقل فينقسم قسمة صحيحة بلا كسر فإذا قسمت العشرة على خمسة قسمين صحت بلا كسر أو التسعة على الثلاثة ثلاثة اقسام فكذلك ومنها أن تزيد على الأقل مثله أو امثاله فيساوى الأكثر (وما) أي

ص: 255

والعددان اللذان لا يفنى اقلهما الأكثر بل (فنى) بسكون الياء أي فنى ذالك العدادن وافرد الضمير مراعاة للفظ ما (بثالث التعداد) أي بعدد ثالث وهو مخرج جزء الوفق الذي اتفقا فيه من الاثنين إلى العشرة بالاستقراء (فاجعله من توافق الاعداد) وذلك (كتسعة مع ستة) فإنه (يفنيهما ثلاثة) فيكون (بالثلث جا) بدون همز (وفقهما) أي هما متوافقان بالثلث قال في الملتقى وتوافقهما بان تنقص الأقل من الأكثر من الجانبين حتى توافقا في مقدار فإن توافقا في أحد فهما متباينان وإن في أكثر فهما متوافقان فإن كان اثنين فهما متوافقان بالنصف وإن ثلاثة فبالثلث وإن أربعة فبالربع وهكذا إلى العشرة انتهى لما مر أن مخرج كل كسر سميه إلا النصف وتسمى هذه الكسور المنطقة وإن اتفقا فيما ورآها سمى اصم وكانت النسبة إليه بلفظ الجزئية منه لا غير كتابه عليه بقوله (وإن فنى بثالث اصم) كاحد عشر أو ثلاثة عشر مثلا (فوفقه) ذلك العدد وينسب إليه (بالجزء) أي بلفظ الجزئية (ياذا الفهم) فالأول كاثنين وعشرين مع ثلاثة وثلاثين والنسبة إليه جزء من أحد عشر جزء من الواحد والثانى كاربعة وثلاثين مع واحد وخمسين ونسبته جزء من سبعة عشر جزأ من واحد واعتبر هذا الأصل في غيره (وبعد هذا رابع الاقسام تباين) أي تباين العددين (وافاك في الختام) وهو ما لا يفنيهما عدد ولا يفتى أحدهما الآخر وذلك (كسبعة) او خمسة (مع الثلاث تقصد وليس ذا يفنيه إلا الواحد) والواحد ليس بعدد كما علمته وطريق معرفته عامر عن الملتقى وبيانه إذا نقصت الثلاث من السبعة يقى أربعة وإذا اسقطت الأربعة من السبعة بقى ثلاثة وإذا نقصت الثلاثة من الأربعة بقى واحد وكذا إذا نقصت الثلاثة من الخمسة بقى اثنان وإذا اسقطت الاثنين من الخمسة مرتين بقى واحد فهما متباينان بخلاف إسقاط الستة من العشرة مثلا اذ يبقى أربعة وبطرحها من الستة يبقى اثنان فبينهما موافقة بالنصف قال في الشرح وإنما زدنا ولا يفنى أحدهما الآخر تبعا لابن الكمال لئلا ينتقض الحد بالاثنين مع الأربعة فأنه لا يعدهما ثالث مع أنهما متداخلان ولما بين التصحيح والنسب بين نصيب كل فريق فقال (في معرفة حظ كل فريق والواحد منهم) أي فصل في معرفة نصيب كل فريق من الورثة ونصيب كل واحد من الفريق وأشار إلى الأول بقوله (وإن ترد) بعد تصحيح المسئلة (نصيب كل طائفة) كالزوجات والبنات والجدات (من ذلك التصحيح فورا تعرفه) أي أن تعرف نصيب كل من ذلك العدد الذي استقام على الكل (فهمه) أي

ص: 256

سهم ذلك الفريق (المعروف أصل الحكم) أي المعروف من أصل مسئلته (كذلك فاضربه بجزء السهم) وهو الذي ضربته في أصل تلك المسئلة قبل التصحيح (فما اتى) أي خرج (بالضرب) المذكور (من مقدار) بيان لما (نصيبه هذا بحكم البارى) تعالى وتوضيحه كخمس بنات وثلاث جدات وعمين فهى من ستة للبنات أربعة وللجدات واحد وللعمين الباقى واحد وبين السهام والرؤس مباينة وكذا بين الرؤس والرؤس فاضرب عدد البنات في رؤس الجدات والحاصل خمسة عشر في عدد العمين تصير ثلاثين هي جزء السهم اضربه في أصل المسئلة تصير مائة وثمانين منها تصح فإن اردت نصيب البنات من ذلك فاضرب نصيبهن أربعة في جزء السهم يحصل مائة وعشرون هي حظهن وهكذا الجدات والعمان والى الثاني بقوله (وهكذا نصيب كل مفرد) من أصل المسئلة (أن رمته اضربه بذاك العدد) الذي ضربته في أصل تلك المسئلة وذلك بإن تقسم ما كان لكل فريق من أصل المسئلة على عدد رؤسهم ثم اضرب الخارج من القسمة صحيحا أو منكسرا فيما ضربته في أصل المسئلة فالحاصل نصيب كل فرد من ذلك الفريق ففى مسئلتنا لو اردت نصيب كل فرد من البنات فاقسم الأربعة التي لهن من أصل المسئلة على عددهن يخرج خمسة اخماس اضربها في ثلاثين تصير أربعة اخماس ثلاثين يعنى أربعة وعشرين فهي نصيب كل منهن من مائة وعشرين وهكذا في الجدات والعمين ويسمى هذا الوجه قسمة النصيب وثم وجوه آخر منها ما سموه طريق النسبة واليه أشار بقوله (وإن تشأ فانسب سهام الجنس من أصل مسئلة لهم للرأس) أي انسب سهام كل فريق من الورثة من أصل المسئلة إلى عدد رؤسهم مفردا (ثم اعط) باسقاط الهمزة للضرورة (منهم كل فرد يوجد) من أي افراد ذلك الفريق (من ذلك المضروب شيئا يقصد) حالة كون ذلك الشيء المعطى (بمثل تلك النسبة المذكورة وافهم معاني) باسكان الياء (احرف مسطورة) ففى مسئلتنا إذا نسبت الأربعة سهام البنات من أصل المسئلة إلى الخمسة عددهن وجدتها أربعة اخماس فاعط كل واحدة بمثل تلك النسبة من الضرب وذلك أربعة اخماس ثلاثين اعنى أربعة وعشرين وقس الباقى وجعل في السراجية هذا الوجه هو الاوضح لعدم الاحتياج إلى الضرب والقسمة حتى قيل من ملك النسبة ملك الحساب لكن ربما كانت النسبة اعسر فيكون الأول ايسر ثم لما بين النصيب ذكر طريق القسمة فقال (في قسمة التركة بين الوارث) وهي في الاصطلاح حل المقسوم إلى اجزاء متساوية عدتها كعدة الحاد المقسوم عليه وهي الثمرة المقصود

ص: 257

بالذات وما مر من التصحيح ولو الحقه وسيلة إليها وهى اما أن تكون بين كل واحدة أو بين كل فريق فطريق الأولى ما افصح به بقوله (وإن اردت قسمة التركة ما بين وارث عدت مشتركة فبين تصحيح وقدر المال) الذي هو التركة (ثلاثة جائت من الأحوال) وهى الاستقامة والموافقة والمباينة (فإن يكن تماثل بينهما) أي بين التصحيح والتركة (فظاهر فلا ترم ضربهما) ومثاله ظاهر (وإن يكن توافق) بينهما (قد وجدا) بجزء ما (فاضرب سهام كل شخص قصدا من ذلك التصحيح) متعلق بسهام (في وفق) متعلق باضرب (اتى من قدر هذا المال) أي اضرب سهام كل وارث من التصحيح في وفق التركة (واقسم يا فتى ما جاء مجموعا) بالضرب (على وفق ورد من ذلك التصحيح) أي اقسمه على وفق التصحيح (لا) على (كل العدد والخارج الذي اتى من ذلك) العمل اعنى القسمة (نصيب) خبر عن الخارج (من قصدته هنالك) مثله زوج واخوان لام وشقيقتان اصلها من ستة وتعول إلى تسعة والتركة ستون دينارا وبينهما موافقة بالثلث فللزوج التسعة ثلاثة اضربها في عشرين وفق التركة يكن ستين فاقسمها على الثلاثة وفق التصحيح يخرج عشرون هي له من التركة ولاحد الاخوين سهم اضربه في الوفق يكن عشرين اقسمها على الثلاثة يخرج ستة وثلثان هي له ولاخيه مثله وهكذا العمل في الشقيقتين (وفى جميع المال) أي التركة (فاضرب ابدا تلك السهام) أي سهام كل الوارث من التصحيح (لو تباين بدا) بينهما (والحاصل) بالضرب (اقسمه على) جميع (التصحيح) فاهو نصيب ذلك الوارث من التركة كما افاده بقوله (واجن ثمار الكسر والصحيح من روض ذاك الخارج المسطور واجعله) أي الخارج (حظة الوارث المذكور) ومثاله زوج وأم وشقيقة اصلها من ستة وتعول الثمانية والتركة خمسة وعشرون دينارا فبين التصحيح والتركة مباينة فاضرب الثلاثة التي للزوج في كل التركة تبلغ خمسة وسبعين اقسمها على التصحيح وهو ثمانية يخرج تسعة وثلاثة اثمان هي نصيبه وللاخت مثلها وهكذا العمل في سهمى الام وما ذكره الناظم تبعا للاصل من القسمة بطريق الضرب هو اشهر اوجه خمسة ومنها طريق النسبة وهو اعمها لجريانه فيما لا يقسم كالحيوان والعقار وبيانه أن تنسب ما لكل وارث من التصحيح إليه وتأخذ له من التركة بمثل تلك النسبة ففي مسئلنا انسب ثلاثة الزوج إلى الثمانية تكن ثلاثة أثمان فخذها له من التركة ومثلها للاخت وهكذا تفعل في الام ومتى كان بين المسئلة والتركة اشتراك بجزء فالاخصر رد كل منهما إلى وفقه والعمل كما مر وطريق الثانية ما افصح به

ص: 258

بقوله (وهكذا نصيب كل صنف) أي فريق (أن رمته) أي قصدت معرفته (فاعمل بهذا الوصف) السابق غير انك تنظر هنا بين أصل المسئلة والتركة توافق ونحوه على ما مر من النسب الا ربع فلو ترك ثلاث جدات وبنات واعمام فهى من ستة وتصح من ثمانية عشر فلو التركة عشرة دنانير كان بينهما موافقة بالنصف فرد كلا منهما إلى نصفه واضرب ما للبنات وهو أربعة في الخمسة وفق التركة يحصل عشرون اقسمها على الثلاثة وفق المسئلة يخرج ستة وثلثان هي نصيب البنات وللجدات سهم اضربه في خمسة واقسم على ثلاثة يخرج دينار وثلثان وللاعمام كذلك ولو التركة سبعة دنانير كان بينهما مباينة فاضرب ما لكل فريق في كل التركة واقسم على كل المسئلة يخرج المطلوب هذا واختبار صحة القسمة في جميع ما مر أن تجمع الانصباء من الصحاح والكسور وتقابل المجموع بالتركة فإن ساواها فالعمل صحيح ولا فخطأ ولم يذكر ما إذا كان في التركة كسر وله طرق احسنها أن تبسط الصحيح والكسر من جنس الكسر فلو كان نصفا بسطت الجميع بان تضرب الجميع في مخرج الكسر وتريد بسطه وتعتبر الحاصل كالصحيح وتبقى السهام صحيحة بحالها وتعمل في القسمة بما مر ثم تقسم ما يخرج لكل وارث على مخرج ذلك الكسر الذي ضربت فيه التركة فالا لخارج المطلوب ثم شرع في قسمة التركة بين ارباب الديون فقال (في قسمتها) أي فصل في قسمة التركة المستغرقة (بين الغرماء) وتسمى القسمة بالمخاصمة (وإن تكن ضاقت عن الديون) التي تعدد اصحابها (اموال ميت) بالتخفيف (في الورى مديون فاقسم جميع المال) أي التركة (بين الغرما) على الوجه الاتى وذلك (من بعد تجهيز) له او لمن تجب عليه نفقته (كما تقدما) اما أن لم تضق التركة بإن كانت تفى أو تزيد أخذ كل حقه تماما بلا قسمة وكذا أو نقصت واتحد صاحب الدين أخذ الباقى بعد التجهيز وما بقى ففي ذمة المديون ان شاء عفا عنه أو تركه إلى الآخر وبين كيفية القسمة بقوله (واجعل جميع الدين) في الاعتبار (كالتصحيح) في مسئلة الورثة (من بعد جمع الكسر) أن اشتمل على كسر (و) جمع (الصحيح وكالسهام) لكل وارث (كل دين) لشخص (يجعل وهكذا) كالارث جاء العمل المعرفة نصيب كل غريم كالعمل السابق في القسمة بين الورثة فانظر بين مجموع الديون وبقية التركة فإن توافقا كما لو ترك اثنى عشر دينارا وعليه ثمانية عشر لزيد أربعة ولبكر ديناران ولعمرو أثنا عشر دينارا فالموافقه بالسدس فاضرب دين كل شخص الوفق واقسم الحاصل على وفق مجموع الديون يخرج لزيد ديناران وثلثان ولبكر دينار وثلث ولعمرو

ص: 259

ثمانية وإن تباينا كما لو فرضنا التركة في مسئلتنا أحد عشر فاضرب دين كل في كل التركة واقسم الحاصل على مجموع الديون يخرج نصيب كل ثم شرع في مسئلة التخارج فقال (في التخارج) هو لغة تفاعل من الخروج وصطلاحا صلح على إخراج بعض الورثة أو الغرماء بشيء معين له من التركة وهو حائز إذا تراضوا عليه واصله صلح عثمان لامراة عبد الرحمن بن عوف رضى الله تعالى عنهما عن ربع منها على ثلاثة وثمانين الف دينار بحضرة الصحابة فكان اجماعا وبين طريقه بقوله (وإن يعن صالح بعض الغرما عن حقه بأخذ شئ) من التركة (علما أو وارث) مبتدأ (عن ارثه قد سالما) أي صالح خبره (فاطرح) بعد تصحيح المسئلة على تقدير وجوده (نصيب كل شخص منهما من ذلك) متعلق باطرح (التصحيح) أن كان الصالح وارثا (و) اطرحه من (الديون) إن كان المصالح من أربابها (وما يفي) بسكون الياء المثناة (من تركة) بسكون الراء (المديون على) قدر (سهام من بقى) من التصحيح والياء ساكنة أيضا (فيقسم أو) على (قدر دين من تبقى منهم) أي من الغرماء الخروج المصالح منهم كما لا يخفى (مثاله زوج وأم وعم) مسئلتهم (من ستة فالثلث) اثنان (تعطى) أي تعطاه (الام والنصف) ثلاثة (حق الزوج ثم) الواحد (الباقي للعم وهو السدس باتفاق في الزوج لو على) ما في ذمته من (الصدق فاطرح من التصحيح) سهامه اعنى (نصفا) يبقى ثلاثة اسهم ثم اقسم باقى التركة وهو ما عدا المهر على سهام الام والعم كما هي اثلاثا بقدر سهامهما من الستة قبل التخارج (ما نحا) أي معطيا (سهما لداك العم والسهام للام وهو الحق في البيان واجعل كان الزوج باق حكما) في حق الام والعم (وليس كالمعدوم حقق فهما كيلا يصير الفرض) الذي هو (ثلث الام سهما) يصير (باقى المال) وهو سهمان (فروض العم لان ثلث المال باتفاق نصيبهما لا ثلث هذا الباقى) والحاصل أنه لو جعل المصالح كان لم يكن لزم أن يقع الخطأ في بعض المواد كما في مسئلتنا إذ يلزم أن يكون للام سهم وللعم سهمان وهو خلاف الإجماع كما افتح به السيد وغيره (وهو) أي ما مر من البيان في المسئلة المذكورة (الصواب الحق في الانام فأنه مزلة الاقدام وقدسهى فيه ذوو الاخيار كصاحب المجمع و) صاحب (المختار فجعلوا) في مسئلتان (سهمين فرض العم وثلث باقى المال سهم الام) وهو خلاف الإجماع كما علمت وإنما قلنا في بعض المواد إذ لو كان مكان العماب لا يتغير فرض الام بفرض وجود الزوج أو عدمه لكنه يفرض وجوده طردا للبيان هذا وقد جرت عادة أهل الفن بإيراد

ص: 260

المسائل الملقبات ومسائل المعاياة في اخر كتبهم لتشحيذ الأذهان حذفناها خوف الاطالة وقد تقدم بعضها في محالها كالفراوين والاكدرية وغيرهما فمن رام الزيادة فعليه بالمطولات وبعدما أنهى الكلام على ما يتعلق بالفن ختمه بما بدا به فقال (والحمد للاله) تقدم الكلام عليه في صدر الكتاب (ذى الانعام على جزيل) أي كثير (الفضل) من اضافة الصفة إلى الموصوف (والختام) عطف على جزيل وفي القاموس ختمة ختما وختاما طبعه والشيء ختما بلغ اخره ومقتضاه أنه لم يجئ مصدر الثاني على ختام خلافا لما يوهمه كلام الشرح فالظاهر كونه بمعنى الاختتام أو مصدرا بمعنى الفاعل أي خاتمة الكتاب (جدا) مفعول مطلق ووصفه بقوله (يفوق نفحة) إلى رائحة (الازهار وطلعة) عطف على نفحة (البدور والاقمار) في القاموس القمر يكون في الليلة الثالثة والبدر والقمر الممتلى (وافضل الصلاة والتسليم على نبي الرحمة الرحيم خير الورى) أي الخاق أو اكثرهم خيرا وهو ضد الشر (من ايد) أي قوى (الاسلاما) باللسان والسنان (وبين الحلال والحرما) اكمل بيان (محمد سر) أي أصل (الوجود) أي الموجودات (المصطفى) أي المختار على الخلق (وخاتم) أي اخر (الرسل الكرام) جمع كريم ضد اللئيم (الشرفا) جمع شريف من الشرف وهو العلو والمجد (و) على (إله البدور في افق الهدى و) على (صحبه نجوم أهل الاهتدا) فيه تلميح إلى حديث اصحابي كالنجوم ولا يخفى ما في كلامه من الاستعارة (كذا على احزابه) جمع حزب وهو جند الرجل واصحابه الذين على رايه والطائفة من الناس (الأنصار) جمع ناصر غلب على طائفة من اصحابه عليه الصلاة والسلام (والتابعين) جمع تابع وهو من سمع من صحابي فأكثر (صفوة) أي خلص (الاخيار) جمع خير بالتشديد (ما راق) أي صفا (نظم الحمد كالجماني) أي كصفا اللؤلؤ واحده جمانه (لربنا) متعلق بالحمد (من عابد الرحمن) اسم الناظم وادخال الالف في عبد غير مخرج للكلمة عن أصل معناها واستعمله الناس كثيرا قاله السيوطي (وقال) عطف على راق (بعد الشكر في الختام) للمنظومة (ارخ) امر من التاريخ بالهمز وهو أن يأتي المتكلم بلفظ إذا عدت حروفه بحساب الجمل بلغت عدد السنين التي يريدها من الهجرة مقدما عليه بلا فصل ما يدل على ذلك مما اشتق من لفظ التاريخ كارخ وتاريخه ونحوه والشائع اعتبار الحروف المرسومة وقد يعتبرون المنطوقة وقول الناظم هنا (لها) أي المنظومة (لآلى النظام) أراد به سنة الف ومائة وتسعة عشر كما صرح به في شرحه وهو مختل على الطريقتين إذ لفظ لألى جمع لؤلؤة مشتمل على

ص: 261

لام فهمزة فالف فهمزة فإن اعتبر الملفوظ زاد واحد أو المرسوم زاد اكثر إذ رسم لآلى بياء في الآخر تحت الهمزة. وهذا اخر ما اردنا ايراده على هذه المنظومة رحم الله تعالى ناظمها ونفع قارئها امين والحمد لله وحده وصلى الله على من لا نبي بعده وكان الفراغ من تسويد هذه الوريقات نهار الثلاثا الخامس والعشرين من ذي القعدة الحرام سنة الف ومأتين وستة وعشرين من الاعوام على يد الفقير مؤلفها محمد امين بن عمر عابدين عنى عنه وعن والديه وعن مشايخه ومن له حق عليه آمين.

ص: 262

إجابة الغوث ببيان حال النقباء والنجباء والأبدال والأوتاد والغوث

تأليف جناب حضرت شيخنا

شيخ الطريقة والحقيقة سيدى

العارف بربه تعالى الشيخ

محمد افندي عابدين

عفا الله عنه

ص: 263

بسم لله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي شرف هذه الأمة المحمدية بأنواع التشريف. وشرع لها شرعا رصينا وحكما مبينا وكلفها باسهل تكليف * وجعل منها عبادا عبادا بادروا إلى امتثال أوامره واجتناب نواهيه. حتى اماتوا انفسهم واغرقوها في بحار حياة التوحيد والتنزيه * وجعل منها أوتادا ونقباء واقطابا * وابدالا واخيارا واوتادا وانجابا * فرحم بهم عباده الضعفا * والبس بعضهم جلباب الستر والخفا وجردهم عن الكدورات البشريه، واغرقهم في بحار الاحديه. واشهدهم اسرار اسمائه وصفاته. وجعل قلوبهم مشكاة لاشعة تجلياته. والصلاة والسلام على من الكل مقتبس من نبراس انواره * وملتمس من فيض عرفانه واسراره ومغترف من بحار شرعه وهداه. ومقتطف من ثمار جوده وجدواه وعلى آله واصحابه الذين لهم الغاية القصوى في هذا الشأن * والخبول المضمرة بين الفرسان في السابق إلى هذا الميدان (وبعد) فيقول اسير وصمة ذنبه. وارجى عفو ربه. محمد امين. المكنى بابن عابدين غفر الله ذنوبه. وستر عيوبه * قد كنت جمعت رسالة بسؤال بعض الاعيان. عن امر القطب الذي يكون في كل زمان واوان. وعن الابدال والنقباء والنجبا وعدتهم على طريق البيان * وبادرت إلى ذلك بعد طلب الاذن من حضرتهم العليه. وقراءة الفاتحة إلى ارواحهم الزكيه عسى الله أن ينفعنا بنفحة من نفحاتهم. ويعيد علينا من عظيم بركاتهم وجمعت ما وقفت عليه من كلام الأئمة المعتبرين. ووفقت للاطلاع عليه من كتب الساده المعمرين (ورتبت) ماجعته على أربعة ابواب وخامة (وسميت) ذلك باجابة الغوث * ببيان حال النقبا والنجبا والابدال والاوتاد والغوث. وكتبت له نسخة وارسلتها إليه ثم رأيت أشياء تناسب المقام ويستحسن ذكرها ذووا الافهام. احببت الحاقها الاستشفاء العليل. وربما حصل بعض تغيير وتبديل. ولكن ابقيت التسمية والترتيب. وسألت المعونة من القريب المجيب (الباب الأول) في بيان الاقطاب والابدال والاوتاد والنجبا والنقبا وبيان صفتهم وعددهم ومساكنهم (فالاقطاب) جمع قطب وزان قفل وهو في اصطلاحهم الخليفة الباطن وهو سيد أهل زمانه سمى قطبا الجمعه الجميع المقامات والاحوال ودورانها عليه مأخوذ من قطب الرحى الحديدة التي تدور عليها * وفى شرح تائية سيدى الشيخ شرف الدين عمر بن الفارض لسيدى الشيخ عبد الرزاق القاشاني القطب

ص: 264

في اصطلاح القوم اكمل إنسان متمكن في مقام الفردية تدور عليه أحوال الخلق وهو اما قطب بالنسبة إلى ما في عالم الشهادة من المخلوقات يستخلف بدلا عنه عند موته من اقرب الابدال منه فح يقوم مقامه بدل هو اكمل الابدال، واما قطب بالنسبة إلى جميع المخلوقات في عالمى الغيب والشهادة ولا يستخلف بدلا من الابدال ولا يقوم مقامه أحد من الخلائق وهو قطب الاقطاب المتعاقبة في عالم الشهادة لا يسبقه قطب ولا يخلفه آخر وهو الروح المصطفوي صلى الله تعالى عليه وسلم المخاطب بقول لولاك لولاك لما خلقت الافلاك انتهى يعنى لا يخلقه غيره في هذا المقام الكامل وإن خلفه فيما دونه كالخلفاء الراشدين ولا ينافي ما سيأتي. وفى بعض كتب العارف بالله تعالى سيدى محى الدين بن عربي قال أعلم انهم قد يتوسعون في اطلاق لفظ القطب فيسمون كل من دار عليه مقام من المقامات قطبا وانفرد به في زمانه على ابناء جنسه وقد يسمي رجل البلد قطب ذلك البلد وشيخ الجماعة قطب تلك الجماعة ولكن الاقطاب المصطلح على أن يكون لهم هذا الاسم مطلقا من غير اضافة لا يكون إلا واحدا وهو الغوث أيضا وهو سيد الجماعة في زمانه ومنهم من يكون ظاهر الحكم ويحوز الخلافة الظاهرة كما حاز الخلافة الباطنة كابي بكر وعمر وعثمان وعلى رضوان الله تعالى عليهم. ومنهم من يحوز الخلافة الباطنة فقط كأكثر الاقطاب وفي الفتاوى الحديثية لابن حجر رجال الغيب سموا بذلك لعدم معرفة أكثر الناس لهم رأسهم القطب الغوث الفرد الجامع جعله الله دائرا في الآفاق الأربعة اركان الدنيا كدوران الفلك في افق السماء وقد ستر الله تعالى احواله عن الخاصة والعامة غيره عليه غير أنه يرى عالما كجاهل وابله كفطن وتاركا كآخذ قريبا بعيدا سهلا عسرا آمنا حذرا ومكانته من الأولياء كالنقطة من الدائرة التي هي مركزها به يقع صلاح العالم انتهى وفى المعدن العدنى في اويس القرني للمنلا على القارى قال واما قطب الابدال في زمانه عليه الصلاة والسلام فالذي في ظنى أنه اويس القرني انتهى وفى شرح منظومة الخصائص النبوية لشيخ مشايخنا الشهاب أحمد المنبنى قال وذهب التونسى من الصوفية إلى أن اول من تقطب بعده صلى الله تعالى عليه وسلم ابنته فاطمة ولم ار له في ذلك سلفا واما اول من تقطب بعد عصر الصحابة فعمر بن عبد العزيز وإذا مات القطب خلفه أحد الامامين لانهما بمنزلة الوزيرين أحدهما مقصور على مشاهدة عالم الملكوت والآخر على عالم الملك والامام الذي نظره في عالم الملكوت اعلا مقاما من الآخر انتهى (والابدال) بفتح الهمزة جمع بدل سموا بذلك لما سيأتي في الحديث كلما مات رجل ابدل الله مكانه رجلا

ص: 265

أو لأنهم ابدلوا اخلاقهم السيئة ورضوا انفسهم حتى صارت محاسن اخلاقهم حلية اعمالهم أو لأنهم خلف عن الانبياء كما سيأتي في كلام أبي الدرداء رضى الله تعالى عنه أو لما نقله الشهاب المنبنى عن العارف ابن عربى قال وإذا رحل البدل عن موضع ترك بدله فيه حقيقة روحانية تجتمع إليها ارواح أهل ذلك الموطن الذي رحل عنه هذا الولى فإن ظهر شوق من اناس ذلك الموطن شديد لهذا الشخص تجدت لهم تلك الحقيقة الروحانية التي تركها بدله فكلمتهم وكلموها وهو غائب عنها وقد يكون هذا من غير البدل لكن الفرق أن البدل يرحل ويعلم أنه ترك غيره وغير البدل لا يعرف ذلك وإن تركه انتهى وفي شرح التائية للقاشاني المراد بالابدال طائفة من أهل المحبة والكشف والمشاهدة والحضور يدعون الناس إلى التوحيد والاسلام الله تعالى بوجودهم العباد والبلاد ويدفع عن الناس بهم البلاء والفساد كما جاء في الحديث النبوى حكاية عن الله تعالى أنه قال (إذا كان الغالب على عبدى الاشتغال بى جعلت همه ولذته في ذكرى فإذا جعلت همه ولذته في ذكرى عشقني وعشقته ورفعت الحجاب فيما بيني وبينه لا يسهو إذا سهى الناس أولئك كلامهم كلام الانبياء واولئك هم الابدال حقا أولئك الذين إذا اردت باهل الأرض عقوبة أو عذابا ذكرتهم فيه فصرفته بهم عنهم) والابدال اربعون رجلا لكل واحد منهم درجة مخصوصة ينطبق اول درجاتهم على اخر درجات الصالحين واخرها على اول درجة القطب كلامات واحد منهم ابدل الله تعالى مكانه احدا يدانيه ممن تحته وظهر التبدل في كل من هو أدنى درجة منه فح يدخل في اول درجاتهم واحد من الصالحين وينخرط في سلك الابدال ولا يزال عددهم كاملا حتى إذا جاء امر الساعة قبضوا جميعا كما جاء في الخبر انتهى وفى كتاب احياء علوم الدين للامام حجة الإسلام الغزالي نفعنا الله تعالى به من كتاب ذم الكبر والعجب قال أبو الدرداء رضى الله تعالى عنه أن الله تعالى عبادا يقال لهم الابدال خلف من الانبياء هم اوتاد الأرض فلما انقضت النبوة ابدل الله تعالى مكانهم قوما من امة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم لم يفصلوا الناس بكثرة صوم ولا صلاة ولا حسن حلية ولكن بصدق الورع وحسن النية وسلامة الصدر لجميع المسلمين والنصيحة لهم ابتغاء مرضاة الله تعالى بعير تخين وتواضع في غير مذلة وهم قوم اصطفاهم الله تعالى واستخلصهم لنفسه وهم اربعون صديقا ثلاثون رجلا قلوبهم على مثل يقين إبراهيم خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام لا يموت الرجل حتى يكون الله تعالى قد انشأ من يخلفه. واعلم يا اخى انهم

ص: 266

لا يلعنون شيأ ولا يؤذونه ولا يحقرونه ولا يتطاولون عليه ولا يحسدون احدا ولا يحرصون على الدنيا هم اطيب الناس خيرا وألينهم عريكة واسخاهم نفسا علامتهم السخاء وسجيتهم البشاشة وصفتهم السلامة ليسوا اليوم في خشية وغدا في غفلة ولكن مداومون على حالهم الظاهر وهم فيما بينهم وبين ربهم لا تدركهم الرياح العواصف ولا الخيلى المجراة قلوبهم تصمد ارتياحا إلى الله تعالى واشتياقا إليه وقدما في استباق الخيرات {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} قال الراوى قلت يا أبا الدرداء ما سمعت بصفة اشد على من هذه الصفة فكيف لى أن ابلغها فقال ما بينك وبين أن تكون في اوسعها إلا أن تبغض الدنيا فانك إذا ابغضت الدنيا اقبلت على حب الآخرة وبقدر حبك للآخرة تزهد في الدنيا وبقدر ذلك تبصر ما ينفعك فإذا علم الله تعالى من عبد حسن الطلب افرغ عليه السداد واكتنفه بالعصمة واعلم يا ابن اخى أن ذلك في كتاب الله تعالى المنزل {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} قال يحيى بن كثير فنظرنا في ذلك فما تلذذ المتلذذون بمثل حب الله تعالى وابتغاء مرضاته انتهى (فائدة) قال العارف ابن عربي في كتابه حلية الابدال اخبرنى صاحب لى قال بينا انا ليلة في مصلاى قد أكملت وردى وجعلت رأسى بين ركبتى اذكر الله تعالى إذا حسست بشخص قد نفض مصلاي من تحتى وبسط عوضا منه حصير أو قال صل عليه وباب بيتي على مغلق قد اخلنى منه فزع فقال لى من يانس بالله تعالى لم يجزع ثم اننى الهمت الصوت فقلت ياسيدى بماذا تصير الابدال ابدالا فقال بالاربعة التي ذكرها أبو طالب في القوت الصمت والعزلة والجوع والسهر ثم انصرف ولا اعرف كيف دخل ولا كيف خرج وبابى مغلق انتهى قال العارف ابن عربي هذا رجل من الابدال اسمه معاذ بن اشرس والأربعة المذكورة هي عماد هذا الطريق الاسنى وقوائمه ومن لا قدم له فيها ولا رسوخ فهو تايه عن طريق الله تعالى وفي ذلك.

قلت

يا من أراد منازل الابدال

من غير قصد منه للاعمال

لا تطمعن بها فلست من اهلها

إن لم تزاحمهم على الأحوال

واصمت بقلبك واعتزل عن كل من

يدنيك من غير الجيب الوالى

وإذا سهرت وجعت نلت مقامهم

وصحبتهم في الحل والترحال

بيت الولاية قسمت ساداتنا اركأنه

سادتنا فيه من الابدال

ما بين صمت واعتزال دائم

والجوع والسهر النزيه العالي

ص: 267

انتهى نقله الشهاب المنينى في شرح منظومة الخصائص (والاوتاد) جمع وتد بالكسر والفتح لغة قال العارف ابن عربى في بعض مؤلفاته وهؤلاء قد يعبر عنهم بالجبال كقوله تعالى (الم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا) لان حكم هؤلاء في العالم حكم الجبال في الأرض فإنه بالجبال يسكن ميل الأرض * قال الشهاب المنينى عن المناوى الاوتاد أربعة في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون احدهم يحفظ الله تعالى به المشرق والآخر المغرب والآخر الجنوب والآخر الشمال * قال ابن عربي ولكل وتدمن الاوتاد الأربعة ركن من اركان البيت ويكون على قلب نبي من الانبياء فالذى على قلب آدم له الركن الشامى والذي على قلب إبراهيم له العراقى والذي على قلب عيسى له اليمانى والذي على قلب محمد صلى الله تعالى عليه وسلم له ركن الحجر الاسود وهو لنا بحمد الله تعالى انتهى والنجباء جمع نجيب وقد يقال فيه انجاب على غير القياس لمزاوجة الابدال والاقطاب والجمع المقيس نجباء مثل كريم وكرماء قال سيدى العارف ابن عربي في بعض مؤلفاته معزيا للفتوحات ومن الأولياء النجبا وهم ثمانية في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون وهم أهل علم الصفات الثمانية السبعة المشهورة والادراك الثامن ومقامهم الكرسي لا يتعدون ولهم القدم الراسخ في علم تسيير الكواكب من جهة الكشف والاطلاع من جهة الطريقة المعلومة عند العلماء بهذا الشأن انتهى (والنقبا) جمع نقيب قال في الصحاح النقيب العريف وهو شاهد القوم وضمينهم انتهى قال العارف ابن عربي هم الذين حازوا علم الفلك التاسع والنجباء حازوا علم الثمانية الافلاك التي دونه وقال أيضا في موضع آخر ومن الأولياء رضى الله تعالى عنهم النقباء وهم اثنا عشر نقيبا في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون على عدد بروج الفلك كل نقيب عالم بخاصية برج وبما اودع الله تعالى في مقامه من الاسرار والتأثيرات وما تقطع الكواكب السيارة والثوابت فإن للثوابت حركات وقطعا في البروج لا يشعر به في الحسن لانه لا يظهر ذلك إلا في آلاف من السنين واعمال أهل الرصد تقصر عن مشاهدة ذلك، واعلم أن الله تعالى قد جعل بايدى هؤلاء النقباء علوم الشرائع المنزلة ولهم استخراج خبايا النفوس وغوائلها ومعرفة مكرها وخداعها وابليس مكشوف عندهم يعرفون منه ما لا يعرفه من نفسه انتهى وبقى الامامان وتقدم الكلام فيهما وقسم يقال له (الافراد) ذكرهم العارف ابن عربي في بعض كتبه قال ونظيرهم من الملائكة الارواح المهيمة وهم الكروبيون معتكفون في حضرة الحق تعالى لا يعرفون سواه ولا يشهدون سوى ما عرفوا منه ليس لهم

ص: 268

بذواتهم علم عند نفوسهم وهم على الحقيقة ما عرفهم سواهم مقامهم بين الصديقية والنبوة انتهى (فصل) في الكلام في عددهم وبيان مساكنهم نقل البرهان إبراهيم اللقانى في شرح منظومته الكبير المسمى بعمدة المريد الجوهرة التوحيد عن حواشى الشفا لابن التلمساني قال نقل الخطيب في تاريخ بغداد عن الكتاني ما نصه النقاء ثلاثمائة والنجباء سبعون والبدلاء اربعون والاخيار سبعة والعمد ويقال لهم الاوتاد أيضا أربعة والغوث واحد فمسكن النقباء المغرب ومسكن النجباء مصر ومسكن الابدال الشام والاخيار سياحون في الأرض والعمد في زوايا الأرض ومسكن الغوث مكة فإذا عرضت الحاجة من امر العامة ابتهل فيهما النقباء ثم النجباء ثم الابدال ثم الاخيار ثم العمد اجيب فريق اوكلهم فذاك والا ابتهل الغوث فلا تتم مسألته حتى تجاب دعوته انتهى وقال ذو النون المصرى رضى الله تعالى عنه النقباء ثلثمائة والنجباء سبعون والبدلاء اربعون والاخيار سبعة والعمد أربعة والغوث واحد وحكى أبو بكر المطوعى عمن رأى الخضر عليه السلام وتكلم معه وقال له اعلم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لما قبض بكت الأرض وقالت الهى وسيدى بقيت لا يمشى على نبي إلى يوم القيمة فأوحى الله تعالى إليها اجعل على ظهرك من هذه الأمة من قلوبهم على قلوب الانبياء عليهم الصلاة والسلام لا اخليك منهم إلى يوم القيمة قالت له وكم هؤلاء قال ثلثمائة وهم الأولياء وسبعون وهم النجباء واربعون وهم الاوتاد وعشرة وهم النقبا وسبعة وهم العرفا وثلاثة وهم المختارون وواحد وهو الغوث فإذا مات نقل من الثلاثة واحد وجعل الغوث مكانه ونقل من السبعة إلى الثلاثة ومن العشرة إلى السبعة ومن الأربعين إلى العشرة ومن السبعين إلى الأربعين ومن الثلاثمائة إلى السبعين ومن سائر الخلق إلى الثلاثمائة هكذا إلى يوم ينفخ في الصور انتهى (قلت) وفيما ذكر هنا من تعيين العدد بعض مخالفة لما مر وكأن ذلك والله تعالى اعلم أن من ذكر الأكثر بين الجميع ومن ذكر الأقل اقتصر على بيان من هم رؤساء أهل تلك الدرجة وارسخ قدما من بقيتهم فيها وكذا يقال فيما سيأتي وهو احسن مما اجاب به بعضهم من أن العدد لا مفهوم له على الاصح انتهى لان في بعضهم التقييد بانهم لا يزيدون ولا ينقصون وسيأتي غير هذا الجواب فتدبر (الباب الثاني) فيما ورد فيهم من الآثار النبوية الدالة على وجودهم وفضلهم على سائر البرية قد ذكر نبذة من ذلك العلامة ابن حجر في الفتاوى الحديثية والشهاب أحد المنيني في شرح منظومته عن الحافظ السيوطي والامام المناوى وكذا المنلا على القاري في المعدن العدني في اويس

ص: 269

القرنى فيها ما روى عن الامام على كرم الله تعالى وجهه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال لا تسبوا أهل الشام فإن فيهم الأبدال رواه الطبراني وغيره، وفي رواية عنه مرفوعا وسبوا ظلمهم (ظلمتهم). وفى أخرى لا تعموا فإن فيهم الأبدال. وفى أخرى الأبدال بالشام والنجباء بالكوفة. وفى أخرى إلا أن الاوتاد من أهل الكوفة والأبدال من أهل الشام * وفى أخرى النجاء بمصر والاخيار من أهل العراق والقطب في اليمن والأبدال بالشام وهم قليل (قلت) وقوله في هذه الرواية النجباء بمصر مع قوله في السابقة والنجباء بالكوفة يفيد انهم ليسوا مخصوصين بكونهم في أحد هذين المحلين بل تارة يكونون بالكوفة وتارة بمصر فلا منافاة والله تعالى اعلم. واخرج أحمد عنه سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول الأبدال بالشام وهم اربعون رجلا يسقى بهم الغيث وينتصر بهم على الاعداء ويصرف عن أهل الشام بهذا العذاب (قلت) وفى شرح الشهاب المنيني ولا ينافي تقييد النصرة هنا باهل الشام اطلاقها في الأحاديث الآخر لان نصرتهم لمن هم في جوارهم اتم وإن كانت اعم انتهى * واخرج ابن أبي الدنيا عنه سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن الأبدال وهم ستون رجلا فقلت يا رسول الله حلهم لى قال ليسوا بالمتنطعين ولا بالمبتدعين ولا بالمتعمقين لم ينالوا ما نالوا بكثرة صلاة ولا صيام ولا صدقة ولكن بسخاء الانفس وسلامة القلوب والنصيحة لأئمتهم. وعن أنس رضى الله تعالى عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال البدلاء اربعون رجلا اثنان وعشرون بالشام وثمانية عشر بالعراق كلامات منهم واحد ابدل الله تعالى مكانه اخر فإذا جاء الأمر قبضوا كلهم فعند ذلك تقوم الساعة رواه الحكم الترمذى. وفي رواية أيضا عنه مرفوعا أن الأبدال اربعون رجلا واربعول امرأة كلما مات رجل ابدل الله مكانه رجلا وكلما ماتت امرأة ابدل مكانها امرأة أخرجه الديلمى في مسند الفردوس وفي رواية عنه أيضا أن بدلاء امتى لم يدخلوا الجنة بكثرة صلاتهم ولا صيامهم ولكن دخلوها بسلامة صدورهم وسخاوة انفسهم أخرجه ابن عدى والخلال وزاد في خيره والنصح للمسلمين * وفى رواية أخرى بإسناد حسن عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال لن تخلو الأرض من أربعين رجلا مثل خليل الرحمن فيهم يسقون وبهم ينصرون ما مات منهم أحد الابدال الله تعالى مكانه آخر قال قتادة لسنا نشك أن الحسن منهم. وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال ما خلت الأرض من بعد نوح عليه السلام عن سبعة يرفع الله تعالى بهم عن أهل الأرض. وعن ابن عمر رضى الله تعالى عنهم

ص: 270

قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خيار أمتي في كل قرن خمسمائة والأبدال أربعون فلا الخمسمائة ينقصون ولا الأربعون كلما مات رجل ابدل الله من الخمسمائة مكانه وادخل من الأربعين مكانه قالوا يا رسول الله دلنا على اعمالهم قال يعفون عمن ظلمهم ويحسنون إلى من اساء إليهم ويتواسون فيما آتيهم الله أخرجه أبو نعيم وغيره. وفي رواية عنه مرفوعا لكل قرن من امتى سابقون رواه أبو نعيم في الحلية والحكيم الترمذى وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن الله عز وجل في الخلق ثلاثمائة قلوبهم على قلب آدم والله في الخلق اربعون قلوبهم على قلب إبراهيم والله في الخلق خمسة قلوبهم على قلب جبريل والله في الخلق ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل والله في الخلق واحد قلبه على قلب اسرافيل فإذا مات الواحد ابدل الله مكانه من الثلاثة وإذا مات من الثلاثة ابدل الله مكانه من الخمسة وإذا مات من الخمسة ابدل الله مكانه من السبعة وإذا مات من السبعة ابدل الله مكانه من الأربعين وإذا مات من الأربعين ابدل الله مكانه من الثلاثمائة وإذا مات من الثلاثمائة ابدل الله مكانه من العامة فيهم يحيي ويميت وينبت ويدفع البلاء قيل لابن مسعود كيف يحيي بهم ويميت قال لأنهم يسئلون الله تعالى اكثار الامم فيكثرون ويدعون على الجبابرة فيقصمون ويستسقون فيسقون ويسألون فينبت لهم الأرض ويدعون فيدفع بهم أنواع البلاء أخرجه ابن عساكر * قال بعضهم لم يذكر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن احدا على قلبه إذ لم يخلق الله تعالى في عالمى الخلق والامر اعز واشرف واكرم والطف من قلبه صلى الله تعالى عليه وسلم فقلوب الانبياء والملائكة والاولياء بالإضافة إلى قلبه صلى الله تعالى عليه وسلم كاضافة سائر الكواكب إلى اضاءة الشمس ولعل ذلك لانه مظهر الحق بجميع صفاته بخلاف غيره فإنه يكون مظهرا لبعض صفاته في صور تجلياته على مكنوناته (أقول) ومقتضى ذلك أن لم يرد عنه عليه الصلاة والسلام أن احدا على قلبه فتأمله مع قول العارف ابن عربي فيما تقدم في الكلام على الأوتاد من أن احدهم على قلبه صلى الله تعالى عليه وسلم ونسب ذلك المقام لنفسه وهو قدس الله سره ونفعنا به مقامه اجل من أن يوصف كما يعلم ذلك من نور الله تعالى بصيرته وطهر من داء الحسد سريرته وكأنه لما كان اجل أهل تلك الدرجة باطلاع الله تعالى بطريق الكشف وكان منهم من هو على قلب إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام وليس فوقه في العلوم والمعارف سوى نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم قال أنه على قلبه بيانا لعلو مقامه على سائر اقرانه وإن لم يكن على

ص: 271

قلبه حقيقة ومن كل وجه فتأمل والمراد بكون احدهم على قلب نبي أو ملك كما قال قدس سره في بعض كتبه انهم يتقلبون في المعارف الالهية بقلب ذلك الشخص إذ كانت واردات العلوم الالهية انما ترد على القلوب وكل علم يرد على قلب ذلك الأكبر من ملك أو رسول فإنه يرد على هذا القاب الذي هو على قلبه قال وربما يقول بعضهم فلان على قدم فلان وهو بهذا المعنى نفسه انتهى (تنبيه) قال الشهاب المنينى قد طعن ابن الجوزى في احاديث الأبدال وحكم بوضعها وتعقبه السيوطي بان خبر الأبدال صحيح وإن شئت قلت متواتر واطال ثم قال مثل هذا بالغ حد التواتر المعنوى بحيث يقطع بصحة وجود الأبدال ضرورة انتهى وقال السخاوى خبر الأبدال له طرق بالفاظ مختلفة كلها ضعيفة ثم ساق الأحاديث الواردة فيهم ثم قال وأصح مما تقدم كله خبر أحد عن علي رضى الله تعالى عنه مرفوعا البدلاء يكونون بالشام وهم اربعون رجلا كلما مات رجل ابدل الله مكانه رجلا يسقى بهم الغيث وينصر بهم على الاعداء ويصرف بهم عن أهل الشام العذاب ثم قال السنحاوى رجاله رجال الصحيح غير شريح بن عبيد وهو ثقة انتهى وقال شيخه الحافظ ابن حجر في فتاويه الأبدال وردت في عدة أخبار منها ما يصح وما لا يصح واما القطب فورد في بعض الآثار واما الغوث بالوصف المشتهر بين الصوفية فلم يثبت وفى بعض الروايات أن من علامات الأبدال أن لا يولد لهم وانهم لا يعلنون شيأ انتهى. لكن قد تقدم وسيأتي أيضا في كلام سيدنا الإمام الشافعي تفسير القطب بالغوث فدل على ثبوته وعلى أنهما شيء واحد فاعلم ذلك وكأن مراد الحافظ ابن حجر بعدم ثبوته عدم وروده في الأحاديث النبوية الصحيحة ويكفى في ثبوته شهرته واستفاضة اخباره وذكر بين أهل هذا الطريق الطاهر والله تعالى اعلم انتهى وفي الفتاوى الحديثية ذكر الحديث الاخير عن الإمام اليافعي لكن مع اختصار ومع مغايرة في اللفظ ثم قال قال الإمام اليافعي قال بعض العارفين والواحد المذكور في هذا الحديث هو القطب وهو الغوث الفرد ثم قال والحديث الذي ذكره صح فيه فوائد خفية منها أن وقد يجاب بان تلك الاعداد اصطلاح بدليل وقوع الخلاف في بعضهم كالابدال فقد يكونون في ذلك العدد نظروا إلى مراتب عبروا عنها بالابدال والنقباء والنجباء والاوتاد وغير ذلك مما مر والحديث نظر إلى مراتب أخرى والكل متفقون على وجود تلك الاعداد (ومنها) أنه يقتضى أن الملائكة افضل من الانبياء والذي دل عليه كلام أهل السنة والجماعة إلا من شذ منهم أن الانبياء افضل من جميع الملائكة (ومنها) أنه يقتضى أن ميكائيل افضل من جبرائيل والمشهور خلافه وإن

ص: 272

اسرافيل افضل منهم وهو كذلك بالنسبة لميكائيل واما بالنسبه لجبريل ففيه خلاف والادلة فيه متكافئة فقيل جبريل افضل لأنه صاحب السر المخصوص بالرسالة إلى الانبياء والرسل والقائم بخدمتهم وتربيتهم وقيل اسرافيل لأنه صاحب لسر الخلائق اجمعين اذ اللوح المحفوظ في جبهته لا يطلع عليه غيره وجبريل وغيره انما يتلقون ما فيه عنه وهو صاحب الصور القائم ملتقما له ينتظر الساعة والامر به لينفخ فيه فيموت كل شيء إلا من استثنى الله تعالى. واعلم أن هذا الحديث لم أر من خرجه من المحدثين الذين يعتمد عليهم لكن وردت أحاديث تؤيد كثيرا مما فيه ثم ساقها وقال في اثنائها ولا تخالف بين الحديثين أي حديثي أبي نعيم واحد المتقدمين في عدد الإبدال لأن البدل له اطلاقات كما يعلم من الأحاديث الآتية في تخالف علاماتهم وصفاتهم أو انهم قد يكونون في زمان أربعين وفي آخر ثلاثين لكن ينكر على هذا رواية ولا الأربعون كلما مات رجل الخ انتهى وهو مؤيد لما قلناه سابقا وذكر فيها واقعة مع بعض مشايخه لا بأس بذكرها قال ولقد وقع لى في هذا البحث غريبة مع بعض مشايخى هي أني إنما ربيت في حجور بعض أهل هذه الطائفة اعنى القوم السالمين من المحذور واللوم فوقر عندى كلامهم لأنه صادف قلبا خاليا فتمكنا فلما قرأت في العلوم الظاهرة وسنى نحو أربعة عشر سنة بقراءة مختصر أبي شجاع على شيخنا أبي عبد الله المجمع على بركته ونسكه وعلمه الشيخ محمد الجويني بالجامع الازهر بمصر المحروسة فلازمته مدة وكنت عنده فانجر الكلام يوما إلى ذكر القطب والنجباء والنقباء والأبدال وغيرهم ممن من فبادر الشيخ إلى انكار ذلك بغلظة وقال هذا كله لا حقيقة له وليس فيه شيء عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقلت له وكنت اصغر الحاضر بن معاذ الله بل هذا صدق وحق لا مرية فيه لان اولياء الله تعالى اخبروا به وحاشاهم من الكذب وممن نقل ذلك الإمام اليافعي وهو رجل جمع بين العلوم الظاهرة والباطنة فزاد انكار الشيخ واغلاظه على فلم يسعنى إلا السكوت فسكتت واضمرت أنه لا ينصرني الا شيخنا شيخ الإسلام والمسلمين وامام الفقهاء والعارفين أبو يحيى ذكريا الأنصارى وكان من عادتى أن اقود الشيخ محمد الجويني لأنه كان ضريرا واذهب انا وهو إلى شيخنا المذكور اعنى شيخ الإسلام زكريا يسلم عليه فذهبت انا والشيخ محمد الجويني إلى شيخ الإسلام فلما قربنا من محله قلت للشيخ الجويني لا باس أن اذكر لشيخ الإسلام مسئلة القطب ومن دونه وننظر ما عنده فيها فلما وصلنا إليه اقبل على الشيخ الجوينى وبالغ في اكرامه وسؤال الدعاء منه ثم دعا لى

ص: 273

بدعوات منها اللهم فقهه في الدين وكان كثيرا ما يدعو لى بذلك فلما تم الشيخ وأراد الجويني الانصراف قلت لشيخ الإسلام ياسيدى القطب والاوتاد والنجباء والابدال وغيرهم ممن يذكره الصوفية هل هم موجودون حقيقة فقال نعم والله يا ولدى فقلت له ياسيدى إن الشيخ واشرت إلى الشيخ الجويني ينكر ذلك ويبالغ في الرد على من ذكره فقال شيخ الإسلام هكذا يا شيخ محمد وكرر ذلك عليه حتى قال له الشيخ محمد يا مولانا شيخ الإسلام آمنت بذلك وصدقت به وقد تبت فقال هذا هو الظن بك يا شيخ محمد ثم قمنا ولم يعاتبنى الجويني على ما صدر منى انتهى. وفي كتاب الاجوبة المحققة الاسئلة المفرقة الشيخ مشايخنا إسماعيل العجلوني عن السيرة الحلبية وعن معاذ بن جبل رضى الله تعالى عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثلاث من كن فيه فهو من الابدال اللذين بهم قوام الدنيا وأهلها الرضاء بالله والصبر عن محارم الله والغضب في ذات الله. وفي الحلية لأبي نعيم من قال كل يوم عشر مرات اللهم اصلح أمة محمد اللهم فرج الكرب عن أمة محمد اللهم ارحم أمة محمد كتب من الابدال انتهى وقال الشبراملسى في حواشى المواهب معنى كونه من الابدال أنه مثلهم وصفا ومصاحبة بحيث يحشر معهم يوم القيامة لا ذاتا فلا ينافي أن من قال ذلك يكون منهم وإن فرض أن له أولادا كثيرة انتهى. (الباب الثالث في الكلام على بعض أحوال القطب الغوث نفعنا الله تعالى به) تقدم ما يفيد أن مسكن القطب مكة أو اليمن والظاهر أنه باعتبار بعض أوقاته أو أغلبها يؤيد هذا ما نقله الإمام العارف سيدى عبد الوهاب الشعراني عن شيخه العارف ذي الامداد الربانى سيدى على الخواص حيث قال في كتابه الجواهر والدرر قلت لشيخنا رضى الله تعالى عنه هل القطب الغوث مقيم بمكة دائما كما يقال فقال رضى الله تعالى عنه قلب القطب طواف بحضرة الحق تعالى لا يخرج من حضرته كما يطوف الناس بالبيت الحرام فهو يشهد الحق تعالى في كل جهة ومن كل جهة لا تحيز عنده للحق تعالى بوجه من الوجوه كما يستدير الناس حول الكعبة ولله تعالى المثل الأعلى إذ هو رضى الله تعالى عنه متلق عن الحق تعالى جميع ما يفيضه على الخلق من البلاء والامداد فرأسه دائما يكاد يتصدع من ثقل الواردات واما جسده فلا يختص بمكة ولا غيرها بل هو حيث شاء الله تعالى. وسمعته يقول أكمل البلاد البلد الحرام وأكمل البيوت البيت الحرام وأكمل الخلق في كل عصر القطب فالبلد نظير جسده والبيت نظير قلبه ويتفرع الامداد عنه للخلق بحسب استعدادهم وإنما كانت الامدادات أكثرها تنزل بمكة لقوله تعالى {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} لاسيما من أتاه محرما من بلاد بعيدة إذ

ص: 274

الامدادات الالهية لا تنزل على عبد إلا إذا مجرد من رؤية حسناته وصار فقيرا قال تعالى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} ولذلك وردان من حج ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه فيولد هناك ولادة جديدة وربما كانت حسنات بعض الناس كالذنوب بالنظر إلى ذلك المحل الاقدس فقلت له فهل يحيط أحد من الأولياء باخلاق القطب رضى الله تعالى عنه فقال قل من الأولياء من يعرف القطب فضلا عن أن يحيط باخلاقه بل قال بعضهم أن القطب الغوث لا يرى إلا بصورة استعداد الرآى انتهى (وقال أيضًا سألت شيخنا رضى الله تعالى عنه عن مدة القطب هل له مدة معينة إذا وليها ولى وهل يصح عزل القطب أم لا يعزل إلا بالموت فقال رضى الله تعالى عنه ذهب جماعة إلى أن مدة القطب كغيرها من الولايات يقيم فيها صاحبها ما شاء الله تعالى ثم يعزل والذي أقول به وساعده الوجود أن القطبية ليس لها مدة معينة وإذا وليها صاحبها لا يعزل إلا بالموت لأنَّه لا يصح في حقه خروج عن العدل حتى يعزل قال وإيضاح ذلك أن الفروع تابعة للأصول وقد أقام صلى الله تعالى عليه وسلم في القطبية الكبرى مدة رسالته وهى ثلث وعشرون سنة على الأصح واتفقوا على أنه ليس بعده أحد أفضل من أبي بكر الصديق رضى الله تعالى عنه وقد أقام في خلافته عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سنتين ونحو أربعة أشهر وهو أول اقطاب هذه الأمة وكذلك مدة خلافة عمر وعثمان وعلي ومن بعدهم إلى ظهور المهدى عليه السلام وهو آخر الاقطاب من الخلفاء المحمديين ثم ينزل بعده قطب وقته وخليفة الله تعالى في الأرض عيسى بن مريم عليه السلام فيقيم في الخلافة أربعين سنة كما ورد فعلم أن الحق عدم تقدير مدة القطابة بمدة معينة وإن كانت ثقيلة على صاحبها كالجبال فإن الله تعالى يعينه عليها إذ لا ينزل بلاء من السماء والأرض إلا بعد نزوله على القطب ولذلك كان من شأنه دائما تصدع الرأس حتى كأن أحدا يضربه فيها يطير ليلا ونهارا قال وبلغنا عن الشيخ أبي النجا سالم المدفون بمدينة فوه أنه أقام في القطبية أربعين يوما ثم مات وقيل أنه أقام فيها عشرة أيام وبلغنا مثل ذلك عن الشيخ أبي مدين المغربي فقلت لشيخنا فهل يشترط أن يكون القطب من أهل البيت كما قاله بعضهم فقال لا يشترط ذلك لأنها طريق وهب يعطيها الله تعالى لمن شاء فتكون في الإشراف وغيرهم انتهى {فصل} قد علمت مما ذكر أن القطب مختف عن أكثر الناس وأنه لا يطلع عليه إلا الافراد منهم وكأنه لعظم ما تحمله من الواردات وثقل أعبائها التي تعجز عنها المخلوقات وعظم ما كساه الله تعالى من الهيبة والوقار لا تكاد تطيق رؤيته الابصار، وقد أفصح

ص: 275

عن ذلك الإمام الشعرانى في كتابه المذكور حيث قال قال شيخنا رضى الله تعالى عنه وأكثر الأولياء ولا يصح لهم الاجتماع به ولا يعرفونه فضلا عن غيرهم فإن من شأنه الخفاء ولو أنه ظهر لشخص لم يستطع أن يرفع رأسه في وجهه إلا إن كان مؤهلا لذلك وقد أدخلوا شخصا على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فارعد من هيبته فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هون عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد هذا حال من رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مع أنه أكثر الخلق تواضعا والقطب بيقين نائبه في الأرض (قلت) وقد حكى السيد الشريف الشيخ شرف الدين العالم الصالح بزاوية الخطاب بمصر المحروسة قال حكى لي سيدى الشيخ عثمان الخطاب أنه لما حج معه شيخه العارف بالله تعالى سيدى الشيخ أبو بكر الدقدوسي رحمه الله تعالى سأله أن يجمعه بالقطب بمكة فقال يا عثمان لا تطيق رؤيته فقال لابد واقسم على شيخه بين زمزم والمقام وقال لا تقم من هنا حتى يحضر فصارت رأس سيدى عثمان تنقل إلى أن وصلت لحيته بين أفخاذه قهرل عليه فجاء القطب فجلس وصار يتحدث مع الشيخ أبي بكر زمانا ثم قال له القطب استوص بعثمان خيرا فإنه أن عاش صار رجلا من رجال الله تعالى فلما أراد القطب الانصراف قرأ الفاتحة وسورة لإيلاف قريش ثم عاد وانصرف فلما شيعه الشيخ أبو بكر ورجع صار يكبس رقبة سيدى عثمان زمانا حتى استطاع أن يسمع كلامه وقال يا عثمان هذا حالك من سماع كلامه فكيف لو رأيت شخصه ومن ذلك الوقت ما كان سيدى عثمان يجتمع بشخص ويفارقه حتى يقرأ الفاتحة وسورة قريش تبركا بما سمعه من هدى القطب رضى الله تعالى عنه فاعلم ذلك انتهى كلام سيدى الشعراني. وقال العلامة الشيخ محمد الشوبرى في جواب سؤال ورد عليه في هذا الشأن قال الإمام الشافعي نفعنا الله تعالى به في كتابه كفاية المعتقد في أثناء كلام نفله عن بعض العارفين وقد سترت أحوال القطب وهو الغوث عن العامة والخاصة غيرة من الحق تعالى عليه غير أنه يرى عالما كجاهل وابله كفطن تاركا اخذا قريبا بعيدة سهلا عسرا آمنا حذرا وكشف أحوال الأوتاد للخاصة وكشف أحوال الابدال للخاصة والعارفين وسترت أحوال النجبا والنقبا عن العامة خاصة وكشف بعضهم لبعض وكشف حال الصالحين للعموم والخصوص {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} انتهى (الباب الرابع) في بيان ما ينزل على القطب وكيفية تصرفه فيما يرد عليه قال سيدي عبد الوهاب الشعرانى في الجوهر والدرر قلت لشيخنا رضى الله تعالى عنه هل ينزل على القطب البلاء النازل على الخلق ثم ينتشر منه كما ينزل عليه النعم والامداد

ص: 276

أم حكم الإفاضة خاص بالنعم فقط فقال رضى الله تعالى عنه نعم ينزل عليه البلاء الخاص بأهل الأرض كلهم ثم يفيض عنه فإذا نزل عليه بلية تلقاها بالخوف والقبول ثم ينتظر ما يظهره الله تعالى في اللوح المحفوظ والاثبات الخصيصة بالإطلاق والسراح فإن ظهر له المحو والتبديل نفذ قضاء الله تعالى وإمضاء بواسطة أهل التسليك الذين هم سدنة حضرته بحيث لا يشعرون الأمر مفاضا عليهم منه رضى الله تعالى عنه فإن ظهر له الاثبات لذلك وعدم المحو دفعه إلى أقرب عدد ونسبة منه وهما الإمامان فيتحملانه ثم يدفعانه إلى أقرب نسبة منهما وهم الاوتاد الأربعة وهكذا حتى يتنازل إلى أهل دائرته جميعا فإن لم يرتفع تفرقته الافراد وغيرهم من العارفين إلى احاد عموم المؤمنين حتى يرفعه الله عز وجل بتحملهم وكثيرا ما يجد أحد في نفسه ضيقا وحرجا لا يعرف سببه وبعضهم يحصل له قلق يمنعه من النوم بالليل وبعضهم يحصل له غفلة وكثرة صمت حتى لا يستطيع النطق بحرف واحد وكل ذلك من البلاء الذي توزع عليهم ولو لم يحصل توزيع لتلاشى من نزل عليهم البلاء في طرفة عين فلذلك قال الله تعالى {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)} (الخاتمة) وحيث انجر بنا الكلام إلى ما ذكرنا من أمر القطب أعاد الله تعالى علينا من بركاته. ولمحنا بلمحة من لمحاته. وبيان شأنه العجيب وحاله الغريب. الذي هو شيء خارج عن العادة وأمر خارق لا يظهر الأعلى يد من أيده الله تعالى وأراده، فلنصرف عنان مطية البنان، ونحل عقال راحلة البيان، نحو الكلام على الكرامات، وخوارق العادات وتقدم بين يدى ذلك الكلام على الولى الذي تظهر على يديه (فنقول) قال سيدنا الإمام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيرى في الرسالة (فإن قيل) فما معنى الولى قبل محتمل أمرين أحدهما أن يكون فعيلا مبالغة من الفاعل كالعليم والقدير وغيرهما ويكون معناه من توالت طاعته من غير تخلل معصية ويجوز أن يكون فعيلا بمعنى مفعول كقتيل بمعنى مقتول وجريح بمعنى مجروح وهو الذي يتولى الحق سبحانه حفظه وحراسته على الادامة والتوالى فلا يلحق به الخذلان الذي هو قدرة العصيان ويديم توفيقه الذي هو قدرة الطاعات قال الله تعالى (وهو يتولى الصالحين) انتهى وهو يفيد اشتراط كون الولى محفوظا كما يشترط في النبي أن يكون معصوما ولكن على معنى أن الله يحفظه من تماديه في الزلل والخطأ أن وقع فيهما بإن يلهمه التوبة فيتوب منهما وإلا فهما لا يقدحان في ولايته كما صرح به في الرسالة، وفيها قيل للجنيد العارف يزنى يا أبا القاسم فاطرق مليا ثم رفع

ص: 277

رأسه وقال وكان أمر الله قدرا مقدورا، وفيها أيضًا (فإن قيل) فما الغالب على الولى في أوان صحوه (قيل) صدقه في أداء حقوقه سبحانه ثم رفقه وشفقته على الخلق في جميع أحواله ثم انبساط رحمته لكافة الخلق ثم دوام عنهم بجميل الحق وابتدائه لطلبة الإحسان من الله تعالى إليهم من غير التماس منهم وتعليق الهمة بنجاة الخلق وترك الانتقام منهم والتوقى عن استشعار حقد عليهم مع قصر اليد عن أموالهم وترك الطمع من كل وجه فيهم وقبض اللسان عن بسطه بالسوء فيهم والتصاون عن شهود مساويهم ولا يكون خصما لأحد في الدنيا والآخرة انتهى (إذا علمت) ذلك فنقول الكرامة هي ظهور أمر خارق للعادة على يد عبد ظاهر الصلاح ملتزم لمتابعة نبي من الأنبياء مقترنا بصحيح الاعتقاد والعمل الصالح غير مقارن لدعوى النبوة وبهذا يمتاز عن المعجزة وبمقارنة صحيح الاعتقاد والعمل الصالح عن الاستدراج وعن مؤكدات تكذيب الكذابين كما روى أن مسيلمة (بكسر اللام) دعا لأعور أن تصير عينه العورا صحيحة فصارت عينه الصحيحة عورا وبصق في بئر لتزداد حلاوة مائها فصار ملحا أجاجا ومسح على رأس يتيم فصار أقرع وهذا يسمى إهانة كما امتازت بكونها على يد ولى عما يسمى معونة وهي الخوارق الظاهرة على أيدى عوام المسلمين تخليصا لهم من المحن والمكاره. وبهذا ظهر أن الخوارق أربعة معجزة وكرامة وإهانة ومعونة وعليه اقتصر بعضهم. وزاد بعض المتأخرين الارهاص أي التأسيس وهو ما يكون قبل دعوى النبوة كتسليم الحجر وإظلال الغمام قبل البعثة على النبي عليه الصلاة والسلام والاستدراج وهو ما يظهر على يد ظاهر الفسق وهى طبق دعواه بلا سبب كما وقع لفرعون السحر والشعبذة وهو ما يكون بسبب كأكل الحيات وهى تلدغه ولا يتأثر لها (ثم أعلم) أن كل خارق ظهر على يد أحد من العارفين فهو ذو جهتين جهة كرامة من حيث ظهوره على يد ذلك العارف وجهة معجزة للرسول من حيث أن الذي ظهرت هذه الكرامة على يد واحد من أمته لأنَّه لا يظهر بتلك الكرامة الآتي بها ولى إلا وهو محق في ديانته وديانته هي التصديق والإقرار برسالة ذلك الرسول مع الاطاعة لأوامره ونواهيه حتى لو ادعى هذا الولى الاستقلال بنفسه وعدم المتابعة لم يكن وليا ولم يظهر ذلك على يده فالخارق بالنسبة إلى النبي لا يكون إلا معجزة سواء ظهر من قبله فقط أو من قبل احاد أمته وبالنسبة إلى الولى لا يكون إلا كرامة لخلوه عن دعوى من ظهر على يده على النبوة فالنبي لابد من علمه بكونه نبيا ومن قصده إظهار خوارق العادات ومن حكمه قطعا بموجب المعجزات بخلاف الولى قاله بعض

ص: 278

المحققين، وقد أشار إلى ذلك أيضًا الإمام القشيرى في رسالته، ثم قال وهذا أبو يزيد البسطامي سئل عن هذه المسئلة فقال مثل ما حصل للأنبياء عليهم الصلاة والسلام كثل زق فيه عسل ترشح منه قطرة فتلك القطرة مثل ما لجميع الأولياء وما في الظرف مثل ما لنبينا عليه الصلاة والسلام انتهى. وفيما مر إشارة إلى جواز كون الكرامة من جنس ما وقع معجزة للأنبياء كانفلاق البحر وانقلاب العصى حية واحياء الموتى خلافا لمن منع كونها من جنس ذلك زعما منهم أنها لا تمتاز عن المعجزة إلا بذلك وفى عمدة المريد للبرهان اللقانى قال السعد نقلا عن الإمام في رد هذه المقالات وهذه الطرق غير سديدة والمرضى عندنا تجويز جميع خوارق العادات في معرض الكرامات وإنما تمتاز عن المعجزات بخلوها عن دعوى النبوة حتى لو ادعى الولى النبوة صار عدو الله تعالى لا يستحق الكرامة بل اللعنة والاهانة انتهى. ثم نقل فيها مثله عن الإمام النووى حيث جعل ما قاله البعض غلطا وانكار اللحس وإن الصواب جريانها بقلب الاعيان ونحوه قلت ومشى عليه الإمام النسفى ونظمه شارح الوهبانية فقال:

وإثباتها في كل ما كان خارقا

عن النسفي النجم يروى وينصر

فاعلم ذلك (تتمة) قال في الرسالة واعلم أنه ليس للولى مساكنة (أي سكون) إلى الكرامة التي تظهر عليه ولا له ملاحظة وربما يكون لهم في ظهور جنسها قوة يقين وزيادة بصيرة تتحقهم أن ذلك فعل الله تعالى فيستدلون بذلك على صحة ما هم عليه من العقائد وبالجملة فالقول بجواز ظهورها على الأولياء واجب وعليه جمهور أهل المعرفة ولكثرة ما تواتر بأجناسها الاخبار والحكايات صار العلم بكونها وظهورها على الأولياء في الجملة علما قويا انتفى عنه الشكوك ومن توسط هذه الطائفة وتواتر عليه حكاياتهم وأخبارهم لم يبق له شبهة في ذلك على الجملة ومن دلائل هذه الجملة نص القرآن في قصة صاحب سليمان عليه الصلاة والسلام حيث قال {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} ولم يكن نبيا والأثر عن أمير المؤمنين عمر رضى الله تعالى عنه صحيح أنه قال يا سارية الجبل في حال خطبته في يوم الجمعة وتبليغ صوت عمر رضى الله تعالى عنه إلى سارية في ذلك الوقت حتى تحرز من مكامن العدو من الجيل في تلك الساعة، ثم قال بعد كلام ذكره ومما شهد من القرآن على إظهار الكرامات على الأولياء قوله تعالى في قصة مريم ولم تكن نبيا ولا رسولا {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا} وكان يقول أنى لك هذا فتقول مريم هو من عند الله وقوله سبحانه لمريم {وَهُزِّي إِلَيْكِ

ص: 279

بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} وكان في غير أوان الرطب، وكذلك قصة أصحاب الكهف والأعاجيب التي ظهرت عليهم من كلام الكلب معهم وغير ذلك، ومن ذلك قصة ذى القرنين وتمكينه سبحانه له مما لم يكن لغيره، ومن ذلك ما أظهر على يد الخضر من إقامة الجدار وغيره من الأعاجيب وما كان يعرقه مما خفى على موسى عليه الصلاة والسلام كل ذلك أمور ناقضة للعادة اختص الخضر بها ولم يكن نبيا بل كان وليا ثم نقل من الآثار والأخبار والحكايات العجيبة عن الاخيار من الصحابة والتابعين، والأئمة المعتبرين وأطال في ذلك جدا، مما لا يستطيع له المنكر ردا، ولو التزمنا ذكر ذلك لخرجنا عن المقصود، فسبحان الملك المعبود، الذي تفرد في الوجود بإفاضة الخير والجود. يمنح من فضله ما شاء. ويختص برحمته من يشاء نسأله سبحانه وتعالى أن يميتنا على حبهم، وإن يسقينا من رحيقهم وشربهم، وأن يعيد علينا من بركاتهم الظاهرة، وينفعنا بأنفاسهم الطاهرة ويلبسنا من حللهم الفاخرة. ويجعلنا من أشياعهم في الدنيا والآخرة أنه أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين. وصلى الله تعالى على سيدنا وسندنا محمد خير المقربين، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه وأحزابه. إلى يوم الدين نجز تحرير هذه المقالة في نهار الاربعا الثامن من شواله سنة 1224 قال سيدى المؤلف رحمه الله تعالى وقد يسر المولى ختم تهذيب هذه المقالة وتذهيب دملج هذه العجالة بتوسلات الهمت لهذا العبد الضعيف، بهؤلاء القوم ذوى المقام المنيف راجيا من الله تعالى القبول، بحرمة نبيه النبيه الرسول، وأتباعه ذوى القرب والوصول، عوالى الفروع ثوابت الأصول، فقلت، وعلى الله اتكلفت

توسل إلى الله الجليل باقطاب

وقف طارقا باب الفتوح على لباب

وبالسادة الابدال دوما ذوى النقبا

وبالسادة الاوتاد ثم بانجاب

كذلك بالاخيار والنقبا تفز

بخير على قطر السما والحصى رابي

فهم عدة للناس من كل نازل

بهم يتقى من كل ضير واوصاب

أولئك أقوام رقوا ذروة العلى

وحلوا مقاما ليس يدرى باطناب

وراضوا بما ارضاضو نفوسا وما رضوا

لها غير ذل وانكسار باعتاب

ففازوا بعز لا ينال لغيرهم

بخدمة مولى عنه ليسوا بغياب

فكن راقيا في حبهم صهوة وكن

لخود هداهم خير ساع وخطاب

وكن دائما مستمسكا لائذا بهم

ودع قول أفاك جهول ومرتاب

وقل سيدى يا من له الأمر كله

ومنه يفاض الخير من غير تطلاب

ص: 280

سألتك بالمختار سيدهم ومن

علا كل عبد ناسك لك اواب

محمد المبعوث من خير عنصر

واشرف آباء واظهر اصلاب

باكرم آل طاهرين من الردى

وارفع اتباع واشرف أصحاب

بصديقه خير الأئمة بعده

كذا عمر الفاروق ذاك ابن خطاب

بعثمان ذي النورين جامع ذكره

بحيدرة الضرغا اشجع غلاب

وبالقرني المحجوب عن أهل عصره

أويس امام الفضل من غير حجاب

باهل اجتهاد في القضايا ومن غدا

لهم تابعا للفضل والعلم طلاب

بقطب رحى هذا الزمان وحزبه

ائمة هذا الكون منحة تواب

اغثنى اغثنى يامجيب ونجنى

بهم من همومى ثم ضيقى واتعابى

وكن راجا ضعفى وغافر ذلتي

وذنبي الذي اعي الأساة واودى بى

وكن مشفعا لى يوم ليس ينافع

سوى العفو من مال وخل واتراب

ويمم مدى الازمان بي منهج التقى

بتسيير الطاف وتيسير أسباب

حقق رجائي منك واستر تفضلا

ذنوبي من العفو الجميل باثواب

كذلك اشباخي وصحي ووالدى

طرا وانصارى جميعا واحبابي

وصل وسلم يا الهي مباركا

على المصطفى خير الورى مر احقاب

وآل و أصحاب وحزب به اقتدوا

فهم خير أصحاب وآل واحزاب

ص: 281

سل الحسام الهندي لنصرة مولانا خالد النقشبندي

خاتمة المحققين رئيس العلماء المدققين السيد الشريف المرحوم السيد محمد أمين عابدين

نفعنا الله به

آمين

مرثية العلامة الملا داود البغدادي النقشبندى لسيدنا ومولانا مؤلف هذا الكتاب مكافأة عن شيخه العارف حضرت الشيخ خالد رحم الله تعالى أرواحهم آمين

ايا اماما في حلبة العلم جالا

اورث القلب فقده اوجالا

كنت بحر العلوم تقذف درا

فطما بعده الوجود وسالا

أنت شمس غربت في مغرب الار

ض ولكن انوارها تتلالا

كم حواش لكم تفوق حواشى ال

غيد حسنا ورقة وجمالا

أنت ابرزتها وكان ضمير الـ

ـكون يخفي لها فعزت منالا

وكم من رسائل أرسلت من

فكرك الصائب المجيد توالا

ان رد المختار مختار در

ابهر العقل حسنة فتعالى

جواهر قد اظهرت نثرا ونظما

فتحلى الوجود بل وتحافا

قد وشيت الطروس وشيا جليلا

من سجايا قطب الممالك حالا

بالنظم ابديته فاق عقده

لؤلئيا بل كان سحرا حلالا

في رثى شيخنا وشمس ضحانا

خالد الفضل من سمى افضالا

انا من ولده واجزيك عنه

در نظم اغلا من الدر مالا

وسيجزيك ربنا من عطاه

ماسير ضيك عاجلا وما لا

فسقى قبرك المنير املث

من غوادي الرحمى يجود أنهمالا

وصلاة على النبي وآل

وصحاب ما شات العين آلا

ص: 283

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي شرع لنا خير شريعة واعلاها، واطد دعائمها لعلمائها وقواها، واقام سوق عزائمها، وارخص سوق فسوق من باراها وكف ايدى المتمردين، والجاحدين الحاسدين، ببراهين اضاء سناها وطهرها من دنس الزور والبهتان، والافتراء والعدوان، وجى جاها واظهرها إلى العيان كالشمس وضحاها، والقمر إذا تلاها، وحتم على كل نفس باقتفاء آثارها والعمل بمقتضاها، فألهمها فجورها وتقواها قد افلح من زكاها، وقد خاب من دساها، والصلاة والسلام على خير داع إلى توحيده، واشرف قائم بارشاد عبيده، حتى بلغ من المشقة اقصاها، واوذى فصبر، وابتلى فشكر، وحاز عزا وجاها وعلى آله وأصحابه الذين حازوا ينصرته اعلى المقامات واسناها، صلاة دائمة لا تعد ولا تحد ولا تتناهى، ما جرت سفينة لانتصار، لاهل الاسرار، في بحار الأفكار، ولحج الآثار والاخبار، وكان باسم الله مجريها ومرسيها (اما بعد) فيقول افقر العباد، إلى عفو مولاه يوم التناد، محمد امين الشهير بابن عابدين، لما فسد الزمان وتعاكس وتقاعد عن الصلاح وتقاعس، لم يشتغل غالب أهله بخاصة نفسه وبما ينفعه عند افول شمسه، وحلوله في رمسه، بل صار يطيل لسانه على اشرف أهل جنسه، بمجرد وهمه وحدسه، أو بمحض الزور والبهتان، لداء الحسد والطغيان، وغفل عن كون ذلك سببا للدمار وخراب الديار، ومحق الاعمار، واعفاء الآثار، فألف بعضهم رسالة أراد ترويجها في سوق الجهالة، بين أهل البطالة، حيث حكم فيها بالزندقة والضلالة، على الإمام الشهير، والعارف الكبير، الذي ورث من العوارف والمعارف كل طريف وتالد، ولم ينكر فضله إلا الجاحد المعاند، والمكابر الحاسد، وهو الإمام الأوحد، والعالم المفرد الهمام الماجد، حضرة سيدى الشيخ خالد، الذي بذل جهده في نفع العبيد، وارشادهم إلى الدأب على كلمة التوحيد، حتى غدا قطب العارفين في سائر الآفاق، وملاذ المريدين، على الإطلاق، واشتهرت به الطريقة النقشبندية، الواضحة الجلية، في عامة البلاد الإسلامية والممالك المحمية، مع ما حاز إلى ذلك من علوم باهرة بهية، وتأليفات شائقة شهية، فلا تبدو نفائس لآلئ التحقيق، من بحار التدقيق إلا بغواص افكاره، ولا تجلى عرائس جواري الترقيق، على منصات التنميق، الا لخطاب انظاره، فإذا شاع صيته وذاع، وعم النواحى والبقاع، وتليت آيات فضائله على السنة الاصايل والبكور ونشرت

ص: 284

رايات فواضله على رماح الظهور، وظهر ظهور البدر التام معتقدا بين الخاص والعام، حتى بين أعيان الدولة المنصور، ذات المحامد المأثوره، لا زالت مؤطدة البنيان، عالية الشأن، بيمن خليفتها الاعظم وخاقانها المحمود المعظم، الذي شيد دعائم الدين، واباد جيوش الكافرين الجاهدين، وحمى ساحة الإسلام والمسلمين، بماضي عزمه ونشر ألوية الشرائع والاحكام بثواقب حزمه، ادام الله تعالى طلعته السعيدة في افق هذا الزمان كوكبا منيرا، وخلدذا الاراء السديده في باهي مملكته عضدا ووزيرا، وايد ذوى العقود الرشيدة، في بروج اوامره ونواهيه نجوما مشرقة، وعيد ذوى القوة الشديدة في مطالع غزواته وجعلهم على اعدائه شهبا محرقة، حتى تنجلى غياهب الشرك والالحاد وتضحك بالنصر والحبور ثغور البلاد والعباد، ونفعه والمسلمين بإمداد هذا الإمام، والحبر البحر الهمام، الذي شهدت ببراءة ساحته المحترمه عما رمته به الحسدة الظلمة، عامة أهل البلاد من الناس، ولا سيما من لهم إلى جنابه قرب والتماس، منهم ذو الايادى البوادى، لدى الحاضر والبادى، ومفتى الانام في دمشق الشام، السيد حسين افندى المرادي دامت فضائله غير مصروفة عن ذاته لأنَّه منتهى جوعها، وفواضله تنفجر منه انهارها لأنَّه ينبوعها، فلذا سأل الفقير بنسل فصال النضال، من جعبة فرسان المقال، وسل لوامع قواطع الاستدلال، من غمد كتائب كتب فحول الرجال، وهزر دينى الرد، على عواتق الدفع والصد، عند النزال في حومة الجدال، لينقشع عن عين العيان، عين البهتان، والضلال، ويسلم صحيح الافعال، من همز الضعف والاعتلال ويرتفع خفض المنصوب على التمييز للحال، بإبراز ضمائر الصفات والافعال، ويظهر خفى المتشابه والاجمال، بتفسير نص المحكم من الأقوال، فبادرت إلى التوجه والاقبال، على الطاعة والامتثال، لسؤاله بلا اهمال ولا امهال، فجمعت هذه الاوراق، الحلوة المذاق لدى أهل الاشواق، كي يبدو نجمها الخفاق، في اكناف أطراف الآفاق، ويسير نميرها الدفاق بما رق وراق، في حياض رياض الإطلاق، وتغنى بلا بلهاذات الاطواق، على غصون الأفكار والاحداق وتشنف مسامع المشتاق، بما عنه نطاق البيان ضاق، وتصد أهل الافترا والاختلاق، عن سوء الافعال وسيء الأخلاق، ليكونوا من الرفاق أهل الصفا والوفاق، فقلت مستعينا بعون الملك الخلاق، في سلوك مهامة هذه المشاق، وقمع المعاند والمشاق (بضم الميم)، مستمنحا من فيض الكريم الرزاق، بسط موائد التوفيق في هذا المساق، واصابة الصواب في اللحاق والسباق،

ص: 285

وتوفير الثواب في يوم العرض والتلاق (اعلم) وفقني الله تعالى وإياك، وتولى هداى وهداك، وجانا من الوقوع في شرك الاشراك، واتباك كل كاذب افاك، انى أريد أن اكشف لك الغطا، وانبهك على بعض ما وقع في تلك الرسالة من الخطا، لئلا تزل بك الخطا، إلى مهمة تضل فيه القطا (فنقول) قال ذلك الزاعم المراغم في صدر رسالته، المنبئة عن عدم تثبته لامر ديانته سئلت عن فلان الثابت إقراره بتسخير الجن واستعانته بالارواح الارضية الخبيثة ودعواه علم بعض الأمور الغيبية عن أخبار الجان له وانه ربط وقتل كثيرا من العفاريت والجان مع انه به يدعى الولاية والارشاد في الطريقة العلية النقشبندية ويصدقه بعض الناس ويعتقدانه على الحق فهل هو ولى ومرشد مصدق فيما ادعاء كما يزعم أم ساحر وما حكم قضاء القاضي بهما فيه افيدوا بالنقل الصريح الصحيح من الكتب المعتبرة في المذاهب الأربعة المعتمدة، فلما كان السؤال متعلقا برجل مشخص معين مذكور باسمه اقتضى التوقف والتفحص عن الأحوال ليتحقق عندى جميع ما في السؤال، تجنبا عن سوء الظنون واستماع كل ما يقال فشهد لدى جم غفير من الشهود العدول على تحقيق جميع ما كتب عليه في السؤال منهم الصالح الجليل المسلم صلاحيته عند أهل الحرمين وسائر البلاد الشيخ إسماعيل النقشبندى والشيخ أحد على اغا زاده الكردى السليماني والشيخ محمد الهزامر ذى الكردى السليمانى والشريف افندى الديار بكرى وغيرهم من تلامذته المتقربين إليه بل من خلفائه الارشدين يزعمه الباطل بلا انكار أحد وقائلين بان المشهور بين الفرقة الخالدية الضالة المضلة أن هذا الأمر ليس مما ينكره خالد المعهود إلى الآن بل كان يفتخر به ويعده من جملة خوارقه وعلامة ولايته بزعمه الباطل وذلك مشهود فيه عند جميع الاكراد وعامة أهل بغداد فثبت عندى صدق ما في السؤال ثبوتا شرعيا مرعيا فبادرت إلى الجواب حذرا عما في الفتاوى الخيرية ومن كتم علما الجم بلجام من نار إلى أن قال فاجبت متوكلا على الملك التواب قائلا بأنه ساحر بالإجماع أي باتفاق المحققين من علماء المذاهب الأربعة المعتمدة هذا نص كلامه ثم استدل على مرامه بنقل بعض ما قاله العلماء من المحدثين والفقهاء في احكام الزنديق والساحر والكاهن والعراف، سالكا سبيل الاعتساف متجنبا عن طرق الإنصاف، حيث نزل هذه العبارات، على ما افترى على هذا الإمام من المقالات، الذي شهد الوجدان والعيان، ببراءة ساحته من هذا الزور والبهتان، فإن الذي شاهدناه من حالته البديعة الاستقامة على نهج الشريعة، واحباء يقع المساجد والخلوات، بإقامة الاذكار والاوراد والصلوات، ولم تسمع

ص: 286

منه ولا من أحد من خلفائه ومريديه، شيئا مما يشينه في دينه ويرديه، وهذا ما شهد به جماهير العباد في عامة البلاد، وإنما كان له بعض مريدين، رآهم من العتاة المتمردين فطردهم عن ابوابه، فتكلموا في جنابه، وانحازوا إلى بعض الحاسدين ولفقوا معهم ما القته إليهم الشياطين، وتزيوا بزى الصالحين، ونقلوا كلام العلماء بصورة الناصحين، والله أعلم بالجليات والخفيات، وإنما الأعمال بالنيات

شعر

إلى ديان يوم الحشر نمضى

وعند الله تجتمع الخصوم

على أنا اجتمعنا بهذا الشخص المسمى بالشيخ إسماعيل، الذي زعم هذا الزاعم أنه شهد عنده وسماه الصالح الجليل فسألناه عما نسبه إليه صاحب تلك الرسالة، فأنكر جميع هذه المقاله، وقال أن هذا الإمام شيخى وسيدى، وساعدى وعضدي، ظالما عكفت في اعتابه، ولم ار ما يدنس ساحة جنابه، فعلمنا أن ما ذكر كذب وافتراء، بلا بين ولا مراء، وكيف يتصور ممن هو من أعظم علماء الدين، ورئيس المحققين والمدققين وقد بذل جهده في نشر رايات الشريعة، وتشييد منازلها الرفيعة وإرشاد السالكين، إلى طريق المقربين، أن يدعى لنفسه ما لا يتصور من اجهل الجاهلين، وطغاة المتمردين، الذين خلعوا من اعناقهم ربقة الدين، فإنه لو لم يكن يخش الله تعالى من ذلك، وحاشاه من سلوك هذه المسالك، لخشى أن ينحط قدره عند الانا، لعلمه أن هذا الكلام، لا يقبله هوام العوام، فإنه مما تأنفه الأسماع، وتمجه الطباع فعلم أن هذا اختلاق واختراع، تنفر منه القلوب وترتاع، نعم أخبرني الشيخ إسماعيل المذكور أنه وقع له في دار الأستاذ في بعض مجالسه الذكريه، عند اجتماع القلوب على الذكر الخفى والتوجه بالكلية انهم كانوا يسمعون أصواتا خفيه، ولا يرون اشخاصا جليه، وأن هؤلاء من مؤمنى الجن ذوى النفوس المطمئنة، جاؤا يرتعون حول رياض الذكر التي هي رياض الجنة، وانه سمع مع رفيق له أصواتا من داخل مكان مغلق، فلم ير فيه أحدا فثبت ذلك عنده وتحقق، وانه إنما أخبر ذلك الحاسد، بما رآه من هذه المشاهد، وانه اجتمع به بعض من طرده الأستاذ، وجاء به إلى ذلك الحاسد واستعان به ولاذ، قال أن هذا الرجل شهد بما اقول، فبنو تلك الفضول، على مجرد هذا المقول، ثم إن الشيخ إسماعيل المذكور كتب بخطه إليهم كتابا تبرأ فيه مما نسبوه إليه وشافهنى فيه خطابا (وصورة ما كتبه) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وكفى سلام على عباده الذين اصطفى (اما بعد) فيقول المفتقر إلى ربه الغنى

ص: 287

إسماعيل بن أحمد النقشبندى، الخالدى الزلزلوى عفى عنه، المجاور بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل التحية اشهد الله تعالى على ما في قلبي وخطي ولساني وكفى بالله شهيدا بأنى معتقد في شيخي ومرشدى حضرة مولانا ضياء الدين الشيخ خالد النقشبندى، ادام الله ظل فيوضاته واحسانه على رؤس الطالبين إلى يوم القيمة امين بأنه أعلم من رأيته واتقى واورع واكرم وازهد من في الأرض في هذا العصر واقومهم على الشريعة الغراء، والسنة النبوية الزهراء، والاخلاق الكريمة المحمدية العليا، وناهج مناهج جادة الطريقة العلية النقشبندية كثر الله تعالى اهاليها، وقدس اسرار مواليها، وممهد مسلك السلف الصالحين من العلماء والاولياء والاتقياء، وكذا اتباعه على هديه وسيرته الشريفة الطاهرة الاسنى، وكذلك اشهد الله تعالى واشهدكم بإنى متبرئ ممن توهم السحر أو الكفر والفسق أو البدعة فضلا عن الاعتقاد في حقه أو حق اتباعه الامجاد، والعياذ بالله تعالى من كل ذلك ومتبرئ ممن يعتقد فيه هذا الاعتقاد، في الدنيا والآخرة ويوم يقوم الاشهاد لاسيما من المنكر المطرود الذي اسمه عبد الوهاب نسأل الله تعالى أن يتوب عليه ويهديه إلى الصواب انتهى المقصود منه (فانظر) بعد هذا بعين الأنصاف، إلى ما ادعاه ذلك الزاعم من الاوصاف، التي تلقفها، من سفيف ذى الرأي "*" السفساف، المشهور بالعداوة والارجاف، وقد استشعر بأنه سيعترض عليه في ذلك، فأجاب عنه بما هو اظلم من الليل الحالك حيث قال، وعن الحق مال، فإن قيل أن بعض الشهود اعرض عن خالد المذكور، وتبرأ منه وحصلت العدواة بينهما فكيف تقبل شهادته على ساحريته وكافريته، قلنا الذي تحقق بل ثبت عند المسلمين والصلحاء المنصفين المتشرعين، بل عند الفقهاء العلماء المحققين العاملين، أن العداوة الثابتة بينهما ليست إلا كون خالد جنيا وكاهنا وساحرا وكافر أو من المعلوم القطعى عند أهل الحق أن هذه العدواة ليست الادينية فتقبل من عدو بسبب الدين لأنها من التدين كذا في الدر المختار وغيره، فإن قيل أن الشهادة لا تقبل بدون تقدم الدعوى، قلنا تقدم الدعوى في حقوق العباد شرط قبولها لتوقفها على مطالبتهم بخلاف حقوق الله تعالى لوجوب إقامتها على كل أحد فكل أحد خصم فكأن الدعوى موجودة كذا في الدر المختار وغيره، فالحاصل أن البينة العادلة حجة شرعية قطعية بلا خلاف

_________

"*" سفيف كامير اسم لابليس والسفساف بالفتح الردى من كل شيء والامر الحقير قاموس.

ص: 288

أحد من أهل المذاهب الأربعة وإن الفتوى على أنه إذا أخذ الساحر والزنديق المعروف الداعى قبل توبته ثم تاب لم تقبل توبته ويقتل كذا في الدر وغيره انتهى ما قاله في رسالته، المنبهة على تهوره وجهالته، حيث زعم أن هذه العداوة بينهما لكون المشهود عليه جنيا وكاهنا وساحرا وكافرا وإن هذا أمر تحقق وثبت عند المسلمين الصلحاء، والعلماء الفقهاء فانظر إلى هذا الكذب الصريح والاجتراء، والبهتان والافتراء، ولو كان له أدنى المام واذعان، لما ادعى ما يكذبه فيه المشاهدة والعيان ولكن من كان قصده الباس الحق بالباطل والصد عن سبيل الله لا يشعر بما تكلم به اوفاه، فإن هذا الداء قد حل المشركين والكفار على انكار معجزات الأنبياء الاخيار، حتى نسبوهم إلى السحر والجنون وانهم على الله يفترون، وليت شعرى، إن كان صادقا فيما ادعى من أن هذا أمر محقق ثابت عند المسلمين الصلحاء، بل عنده العلماء الفقهاء، لم (بكسر اللام وفتح الميم) توقف اولا عن التفحص من الشهود، وزكى نفسه بالتجنب عن سوء الظنون ليسود، وليصدق فيما يأتى به من الافتراء المردود، وايضا كيف قبل شهادة العدو المطرود، الذي طرده بين عامة الناس غير مجحود وهلا نسبه إلى التهمة حيث لم يشهد بذلك إلا بعد طرد استاذه له عن أبوابه، وحرصه بعد ذلك على العود إلى خدمة جنابه، واعتقاده فيه مدة سنين، بأنه امام العارفين، ومن خلص الموحدين، وقد كان بين يديه على ابلغ ما يكون من الخضوع، ولم يظهر منه هذا الطعن إلا بعد يأسه من الرجوع، فكيف تكون شهادته مقبولة، وهي بالزور والافتراء مشمولة، وقد قال العلامة ابن حجر في فتاويه الحديثية وكثير من النفوس التي يراد بها عدم التوفيق إذا رأت من استاذ شدة في التربية تنفر عنه وترميه بالقبائح والنقائص مما هو عنه برئ وليحذر الموفق من ذلك فإن النفس لا تريد إلا هلاك صاحبها فلا يطيعها في الاعتراض على شيخه وإن رآه على أدنى حال حيث امكنه أن يخرج افعاله على تأويل صحيح ومقصد مقبول شرعا ومن فتح باب التأويل للمشايخ واغضى عن احوالهم ووكل أمرهم إلى الله تعالى واعتنى بحال نفسه وجاهدها بحسب طاقته فإنه يرجى له الوصول إلى مقاصده والظفر بمراده في السر والعلانية في اسرع زمن ومن فتح باب الاعتراض على المشايخ والنظر في افعالهم والبحث عنها فإن ذلك علامة حرمانه وسوء عاقبته وانه لا يفلح انتهى، وتسميته هذه الشهادة عادلة، من جملة دعاويه الباطلة، ودعواه أن الشهادة العادلة قطعية بلا خلاف بين أهل المذاهب، من الجهل المركب الذي هو من أعظم المصائب

ص: 289

إذ لا شك أن الشهادة خبر والخبر الصادق إنما يفيد الظن دون القطع عند عامة العقلاء، إلا الخبر المتواتر وخبر المؤيد بالمعجزة من الأنبياء، كما بين في أول العقائد النسفية وغيرها من الكتب الكلامية والاصولية، وإذا كانت هذه الشهادة على الطرد والابعاد مبنية، فكيف تكون عادلة فضلا عن كونها قطعيه وايضا كيف تكون دينية، حتى تقبل بلا تقدم دعوى شرعية، فإن المرشد لا يطرد من المريدين، إلا من هو من اخوان الشياطين، وما زعمه من قبول هذه الشهادة بلا تقدم الدعوى لكونها ليست من حقوق العباد، ناشئ عن الجهل المركب أيضًا أو عن الافتراء في الاحكام الشرعية والعناد، فإن تكفير شخص معين من أعظم حقوق العباد التي لا بدلها من حكم شرعى لدى حاكم موفق ذى رأى وسداد وليت شعرى كيف يدعى ثبوت ما ذكر عنده ثبوتا شرعيا ويجعله امرا قطعيا وحكما مرعيا، مع أنه غير مأذون من قبل الإمام، أو أحد نوابه بسماع الاحكام، ولم يرض لنفسه ادعاء منصب الافتاء، حتى غصب منصب القضاء، وكيف وسعه الاقدام على الجزم بكفر من هو من اجل الموحدين، بمجرد أخبار بعض الفسقة المتمردين، أو بمجرد داء الحسد الذي يضنى الجسد، بل يفسد الدين، الم يسمع قوله تعالى {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} وقوله تعالى {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)} وما أخرجه ابن ماجه (الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) والديلمى (الحسد يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل) الم يسمع ما أخرجه البخارى عن أنس وأبي هريرة رضى الله تعالى عنهما أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال عن الله تبارك وتعالى "من اهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة" وما قاله بعض الأئمة اعلم يا أخى وفقك الله وايانا، وهداك سبيل الخير وهدانا أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك منتقصهم معلومة، ومن اطلق لسانه في العلماء بالثابت، بلاء الله قبل موته بموت القلب، فليحذر الذين يخالفون عن امره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم، الم يسمع قوله تعالى {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} وما أخرجه الشيخان عن أبي بكرة رضى الله تعالى عنه قال كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا الاشراك بالله وعقوق الوالدين" وكان متكئا فجلس فقال إلا وقول الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت، الم يسمع قوله صلى الله تعالى عليه وسلم فيما أخرجه مسلم "إذا أكفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما"

ص: 290

وفي رواية (ايما رجل قال لاخيه كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال والا رجعت عليه) قال العلامة المحقق ابن حجر الهيثمي في كتابه الأعلام بقواطع الإسلام عن الروضة قال المتولى ولو قال لمسلم يا كافر بلا تأويل كفر لأنَّه سمى الإسلام كفرا ثم قال واعتمد ذلك المتأخرون كابن الرفعة والقمولى والنشائي والاسنوى والازرعى وأبي زرعة وصاحب الأنوار بل كثير منهم جزموا به من غير عزو ولم ينفرد المتولى بذلك بل سبقه إلى ذلك ووافقه عليه جمع من أكابر الاصحاب منهم الأستاذ أبو إسحاق الاسفرائيني والحليمي والشيخ مصر المقدسي وكذا الغزالي وابن دقيق العيد، بل قضية كلام هؤلاء أنه لا فرق بين ان يؤول اولا انتهى (وقال) العلامة ابن الشحنه في شرحه على الوهبانية والمختار للفتوى في جنس هذه المسائل، أن القائل لمثل هذه المقالات إن أراد الشتم لا يعتقده كفرا لا يكفر وإن كان يعتقده كفرا فخاطبه بهذا بناء على اعتقاده أنه كافر يكفر لأنَّه لم اعتقد المسلم كافرا فقد اعتقد دين الإسلام كفرا ومن اعتقد دين الإسلام كفرا كفر والله تعالى أعلم (وفى البحر الرائق ويكفر بقوله لمسلم يا كافر عند البعض والمختار للفتوى أنه يكفر أن اعتقده كافرا لا أن أراد شتمه انتهى (فهذه) الآيات والاخبار، فيها للمتقي اعتبار، وما اقبح من اثر عليها الترهات، والتزويرات المفتريات، ومن أراد اطفاء نور أبى الله إلا أن يتمه، فقد اعمى الله بصيرته واصمه، ولم يزل هذا الإمام مبتلى بعداوة الحساد، على عادة السادة الامجاد، فيشيعون عنه الزور من الكلام، ويسعون به إلى الأمراء والحكام، فيتضاءلون عند الانام حقارة، ويزداد كوكبه إضاءة وانارة.

(شعر)

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه

فالكل اعداء له وخصوم

كضرائر الحسناء قلن لوجهها

حسدا وبغضا انه لدميم

وما اجدره أن ينشد بلسان قاله

مخبرا عن حقيقة حاله

(شعر)

سبقت العالمين إلى المعالى

بصائب فكرة وعلو همة

ولاح بحكمتي نور الهدى في

ليالي بالضلالة مدلهمة

يريد الجاهلون ليطفؤه

ويأبى الله إلا أن يتمه

ولا شك أنه لا يحسد إلا أهل الفضائل

ولا يسلم إلا ذوا الرذائل

ص: 291

ولذا قال القائل

لا مات خصادك بل خلدوا

حتى يروا منك الذي يكمد

ولا خلاك الدهور من حاسد

فإن خير الناس من يحسد

(فإن قلت) قد عرفنا مزيد فضل هذا الإمام، وكثرة الثناء عليه من عامة الانام، وإن من تكلم فيه بالنسبة إليهم اقل القليل، ولكن القاعدة التي عليها التعويل، بين اهلى التفريع والتأصيل، أن الجرح مقدم على التعديل (قلت) هذا في غير من اشتهرت عدالته، وظهرت ديانته، وفى غير من علم أن التكلم فيه ناشئ عن عداوة، أو جهالة وغباوة، فقد قال الحافظ الباجي الصواب عندنا أن من ثبتت إمامته وعدالته وكثر مادحوه ومزكوه، وندر جارحوه، وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره فانا لا نلتفت إلى الجرح فيه ونعمل فيه بالعدالة وإلا فلو فتحنا هذا الباب واخذنا تقديم الجرح على إطلاقه لما سلم لنا أحد من الأئمة إذ ما من امام إلا وقد طعن فيه طاعنون، وهلك فيه هالكون، قد عقد الحافظ أبو عمر بن عبد البر في كتاب العلم بابا في حكم قول العلماء بعضهم في بعض بدأ فيه بحديث الزبير رضى الله تعالى عنه (دب إليكم داء الامم قبلكم الحسد والبغضاء) الحديث، وروى بسنده عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال اسمعوا علم العلماء ولا تصدقوا بعضهم على بعض فوالذي نفسي بيده لهم أشد تغايرا من التيوس في ذروبها وعن مالك بن دينار يؤخذ بقول العلماء والقراء في كل شيء الا قول بعضهم في بعض (وقال) الإمام المحقق الشيخ تاج الدين السبكي في طبقاته الكبرى بعد نقله لكثير من كلام الإمام ابن عبد البر محررا لهذه المسئلة أن الجارح لا يقبل منه الجرح وإن فسره في حق من غلبت طاعاته على معاصيه ومادحوه على ذاميه ومزكوه على جارحيه إذا كانت هناك قرينة يشهد العقل بان مثلها حامل على الوقيعة في الذي جرحه من تعصب مذهبي أو منافسة دنيوية كما يكون بين النظراء أو غير ذلك فنقول مثلا لا يلتفت إلى كلام ابن أبي ذيب في مالك وابن معين في الشافعي والنسائى في أحمد بن صالح لأن هؤلاء أئمة مشهورون صار الجارح منهم كالآتي بخير غريب لو صح لتوفرت الدواعى على نقله وكان القاطع قائما على كذبه فيما قاله ومما ينبغي أن يتفقد عند الجرح حال العقائد واختلافها بالنسبة إلى الجارح والمجروح فربما خالف الجارح المجروح في العقيدة فجرحه لذلك واليه أشار الرافعي بقوله وينبغي أن يكون المزكون برآء من الشحناء والعصبية في المذهب خوفا من أن يحملهم ذلك على جرح عدل أو تزكية فاسق وقد وقع هذا لكثير من

ص: 292

الأئمة جرجوا بناء على معتقدهم وهم المخطئون والمجروح مصيب واطال الكلام في هذا المقام (فإن قلت) أن ما تقدم من تسليم حضور الجان في بعض مجالس هذا الأستاذ يقوى ما نسبه إليه اعداؤه من تسخير بعض الارواح الارضية له المعدود من السحر والموصل إلى دعوى علم الغيب قلت هذا مما لا يتوهمه عاقل، فضلا عن فاضل، بل ذلك كرامة عظيمة، ومنحة جسيمة، اكرمه الله تعالى ومنحه بها ليدل على حسن عقيدته، واستقامة طريقته، فإن حضور الجن بل الاجتماع بهم أمر جائز، والجن غير الشياطين، التي يدعى السحرة تسخيرها لهم وحضور الجن والاجتماع بهم ليس من هذا القبيل المسمى سحرا وليس ذلك من دعوى علم الغيب في شيء ولنشرح لك هذا المقام، تتميما للمرام، في أربعة فصول (الفصل الأول) في بيان حقيقة الكرامة، الثاني في بيان حقيقة الجن والفرق بينهم وبين الشياطين وجواز رؤيتهم والاجتماع بهم، الثالث في بيان السحر وأقسامه وأحكامه، الرابع في بيان دعوى علم الغيب، وتتبع ذلك بخاتمة مشتملة على نقل نبذة يسيرة عن بعض العلماء الأعلام، من معاصرى هذا الإمام، الذين شهدوا له بالفضل التام وبأنه من العلماء العاملين والأولياء الكرام (الفصل الأول) في كرامة الأولياء وتعريف الولى، قال المحقق التفتازاني في شرح المقاصد الولى هو العارف بالله تعالى وصفاته المواظب على الطاعات المجتنب عن المعاصى المعرض عن الانهماك في اللذات والشهوات وكرامته ظهور أمر خارق للعادة من قبله غير مقرون بدعوى النبوة وبهذا يمتاز عن المعجزة وبمقارنة الاعتقاد والعمل الصالح والتزام متابعة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عن الاستدراج وعن مؤكدات تكذيب الكذابين كما روى أن مسيلمة دعا لأعور أن تصير عينه العورا صحيحة فصارت عينه الصحيحة عورا ويسمى هذا إهانة وقد تظهر الخوارق من قبل عوام المسلمين تخلصا لهم من المحن والمكاره وتسمى معونة فلذا قالوا أن الخوارق أنواع أربعة معجزة وكرامة ومعونة واهانة وذهب جمهور المتكلمين إلى جواز كرامة الأولياء ومنعه أكثر المعتزلة والاستاذ أبو إسحاق يميل إلى قريب من مذاهبهم كذا قال إمام الحرمين ثم المجوزون ذهب بعضهم إلى امتناع كون الكرامة بقصد واختيار من الولى وبعضهم إلى امتناع كونها على قضية الدعوى حتى لو ادعى الولى الولاية واعتضد بخوارق العادات لم يجز ولم يقع بل ربما سقط عن مرتبة الولاية، وبعضهم إلى امتناع كونها من جنس ما وقع معجزة لنبي كانفلاق البحر وانقلاب العصى واحياء الموتى قالوا وبهذه الجهات تمتاز عن المعجزات، وقال الإمام هذه الطرق ليست سديدة والرضى عندنا تجويز جملة خوارق العادات

ص: 293

في معرض الكرامات وإنما تمتاز عن المعجزات بخلوها عن دعوى النبوة حتى لو ادعى الولى النبوة صار عدوا الله تعالى لا يستحق الكرامة بل اللعنة والاهانة (ثم) ساق المحقق الادلة على جواز الكرامة وعلى وقوعها إلى ان قال وبالجملة فظهور كرامات الأولياء يكاد يلحق بظهور معجزة الانبياء وانكارها ليس بعجب من أهل البدع والاهواء. إذ لم يشاهدوا ذلك من انفسهم قط ولم يسمعوا به من رؤسائهم الذين يزعمون أنهم على شيء مع اجتهادهم في امر العبادات واجتناب السيئات * فوقعوا في اولياء الله تعالى أصحاب الكرامات "يمزقون اديمهم" ويمضغون لحومهم لا يسمونهم إلا باسم الجهلة المتصوفة، ولا يعدونهم في اعداد آحاد المبتدعة، ولم يعرفوا ان مبنى هذا الأمر على صفاء العقيدة، ونقاء السريرة. واقتفاء الطريقة واصطفاء الحقيقة. وإنما العجب من بعض فقهاء أهل السنة حيث قال فيما روى عن إبراهيم ابن ادهم انهم راوه بالبصرة يوم التروية وفى ذلك اليوم بمكة ان من اعتقد جواز ذلك يكفر. والإنصاف ما ذكره الامام النسفي حين (سئل) عما يحكى ان الكعبة تزور واحدا من الأولياء هل يجوز القول به (فقال) نقض العادة على سبيل الكرامة لاهل الولاية جائز عند أهل السنة انتهى (قال) العلامة ابن الشحنه قلت النسفى هذا هو الامام نجم الدين عمر مفتى الانس والجن رئيس الأولياء في عصره (وقد) نقل هذا عنه الامام ابن العلا في فتاواه ونقل فيها عن القاضي الامام صدر الإسلام أبي اليسر البزدوى في أصول التوحيد ان المشى من بخارى إلى مكة في ليلة واحدة من جملة الكرامات (ثم قال ابن الشحنه) وقال أبو الازد هرون ابن عبد الوهاب بن عبد الرحمن الاخيمي المصرى في كتابه المنقذ من الزلل وهو كتاب في أصول الدين اجاد فيه غاية الإجارة وبين مذهب أهل الحق احسن ابانة بعد ان ذكر الخلاف السابق والحق منع ما تحدى به نبي كاحياء الموتى وسورة من القرآن وانشقاق القمر والا خرج عن كونه دليلا وجواز (قوله وجواز عطف على منع) غيره كاشباع الخلق الكثير من الطعام القليل ولا التباس لان المعجزة تظهر على اثر دعوى الرسالة والولى لوادعى ذلك لكفر من ساعته ولم تبق كرامة فكيف تلتبس بالمعجزة انتهى. واطلق جمع من الشافعية الجواز وإن الفارق بين المعجزة والكرامة دعوى النبوة وعدمها (قلت) ويجب استثناء السورة من القرآن للقطع بعدم وجوده وبكفر مدعيه وعليه يحمل ما نقله ابن حجر في الفتاوى الحديثية عن امام الحرمين من جواز استوائهما فيما عدا التحدى ثم ذكر حكايات عن الأولياء من احياء الموتى وكلامهم معهم وانفلاق البحر وتسخير الماء وكلام الجمادات

ص: 294

والحيوانات لهم وطاعة الاشياء لهم حتى الجن وغير ذلك مما اشتهر وتواتر كما ذكره في الرسالة القشيرية (الفصل الثاني) في الجن والشياطين ورؤيتهم والاجتماع بهم قال في شرح المقاصد ظاهر الكتاب والسنة وهو قول أكثر الأمة ان الملائكة اجسام لطيفة نورانية قادرة على التشكلات باشكال مختلفة كاملة في العلم والقدرة على الافعال الشافة شأنها الطاعات. ومسكنها السموات * هم رسل الله تعالى إلى انبيائه عليهم الصلاة والسلام وامناؤه على وحيه يسبحون الليل والنهار لا يفترون لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون* والجن اجسام لطيفة هوائية تتشكل باشكال مختلفة وتظهر منها افعال عجيبة منهم المؤمن والكافر والمطيع والعاصى والشياطين اجسام نارية شأنها القاء النفس في الفساد والغواية بتذكير اسباب المعاصى واللذات وانساء منافع الطاعات وما اشبه ذلك على ما قال تعالى حكاية عن الشيطان (وما كان لى عليهم من سلطان إلا ان دعوتكم فاستجبتم لى فلا تلومونى ولوموا انفسكم) قبل تركيب الانواع الثلاثة من امتزاج العناصر الأربعة إلا ان الغالب على الشيطان عنصر النار وعلى الآخرين عنصر الهواء وذلك ان امتزاج العناصر قد لا يكون على القريب من الاعتدال بل على قدر صالح من غلبة أحدهما فإن كانت الغلبة للارضية يكون الممتزج مائلا إلى عنصر الأرض وإن كانت للمائية فالى الماء أو للهوائية فالى الهواء أو للنارية فالى النار لا يبرح ولا يفارق وليس لهذه الغلبة حد معين بل تختلف إلى مراتب بحسب أنواع الممتزجات التي تسكن هذا العنصر ولكون هذا الهواء والنار في غاية اللطافة والشفيف كانت الملائكة والجن والشياطين بحيث يدخلون المنافذ والمضايق حتى اجواف الاسنان (*) ولا يرون بحس البصر إلا إذا اكتسبوا،

(*) وفى معراج الدراية شرح الهداية اخر كتاب المفقود بعد ان ذكر حديث الذي اختطفه الجن في زمن عمر رضى الله تعالى عنه قال وفي هذا الحديث دليل لمذهب أهل السنة ان الجن يتسلطون على بنى ادم واهل الزيغ ينكرون ذلك على اختلاف بينهم فمنهم من يقول المنكر دخولهم في الادمى لان اجتماع روحين في جسد واحد لا يتحقق وقد يتصور تسلطهم على الادمى من غير ان يدخلوا فيه ومنهم من قال الجن اجسام لطيفة فلا يتصور أن يحملوا جسما كثيفا من موضع إلى موضع ولكنا أهل السنة تأخذ ما وردت به الآثار قال عليه الصلاة والسلام ان الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم وقال عليه الصلاة والسلام ان الشيطان يدخل في رأس الإنسان فيكون على قافية رأسه فتتبع الآثار ولا نشتغل بكفية ذلك انتهى. منه

ص: 295

من الممتزجات الآخر التي تغلب عليها الارضية والمائية جلابيب وغواش فيرون في ابدان كابدان الإنسان أو غيره من الحيوانات * والملائكة كثيرا ما تعاون الإنسان على أعمال يعجز هو عنها بقوته * كالغلبة على الاعداء والطيران في الهواء والمشى على الماء وتحفظه من كثير من الآفات واما الجن والشياطين فيخالطون بعض الأناسى ويعاونون على السحر والطلسمات والنيرنجات وما يشاكل ذلك انتهى وذكر قبله انه حكى مشاهدة الجن عن كثير من العقلاء وارباب المكاشفات من الأولياء انتهى (قلت) ويدل على ذلك ما صرح به الفقهاء من الخلاف المشهور في صحة النكاح بين الجن والانس حيث صححه الشافعية ومنعه الحنفية لاشتراطهم في صحة النكاح اتحاد الجنس لكن نقل في القنية ان السائل عن ذلك يصفع لحماقته كما نقله في الاشباه والنظائر ثم قال وفي يتيمة الدهر في فتاوى أهل العصر (سئل) على ابن أحمد عن التزوج بامرأة مسلمة من الجن هل يجوز إذا تصور ذلك أم يختص الجواز بالآدميين (فقال) يصفع هذا السائل لحماقته وجهله (قلت) وهذا لا يدل على حماقة السائل وإن كان لا يتصور إلا ترى ان ابا الليث ذكر في فتاواه ان الكفار لو تترسوا بنبي من الأنبياء هل يرمى فقال يسأل ذلك النبي ولا يتصور ذلك بعد رسولنا صلى الله تعالى عليه وسلم ولكن اجاب على تقدير التصور وكذا هذا وسئل عنها أبو حامد فقال لا يجوز انتهى وروى المنع عن الحسن البصرى وقتادة والحاكم وابن قتيبة واسحق بن راهويه وعقبة الاصم وتمام ذلك في الاشباه والنظائر للعلامة ابن نجيم وذكر فيها ان الجماعة تنعقد بهم وانه إذا مر الجنى بين يدى المصلى يقاتل كما يقاتل الأنسى وانه لا يجوز قتل الجنى بغير حق كالانسى وانه لو وطئ الجنى الانسبة لاغسل عليها ما لم تنزل انتهى وظاهر الاطلاق عدم وجوب الغسل عليها وأن ظهر لها بصورة ادمى واولج الحشفة لانه وإن وجدت بينهما المجانسة الصورية لكن مع تحقق المباينة المعنوية لا يجب الغسل إلا بالإنزال كما في وطئ الميتة ولذا علل به بعضهم حرمة التناكح بينهما كذا حققه العلامة ابن امير حاج في شرحه على منية المصلى ثم قال ومذهب الشافعي وجوب الغسل عند تحقق الايلاج. واستبعاد وطئ الأنسى الجنية وعكسه مع التشكل في صورة بنى ادم بعيد. وقد اشتهر الوقوع ولا شك في إلا مكان انتهى. وافاد انه مع عدم التشكل غير ممكن لما علمت ان الجن اجسام لطيفة هوائية. ولعله محمل ما مر من ان السائل عنه يصفع وكذا يحمل عليه ما نقله في الطبقات الكبرى عن حرملة انه قال سمعت الامام الشافعي رحمه الله تعالى يقول من زعم من أهل العدالة انه يرى

ص: 296

الجن ابطلنا شهادته لقوله تعالى (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) إلا ان يكون الزاعم نبيا انتهى لكن هذا ينافى ما مر عن شرح المقاصد من حكاية مشاهدتهم عن كثير من العقلاء وارباب المكاشفات فإن المتبادر ان المراد المشاهدة بدون تشكل إلا ان يكون ذلك من باب الكرامة فإن ما صح ان يكون معجزة لنبي جاز ان يكون كرامة لولى على ما مر فيه من الكلام مبسوطا وكلام الامام الشافعي رضى الله تعالى عنه في غير أصحاب الكرامات عند عدم التشكل والا فلا وجه لمنع رؤيتهم لكل أحد عند التشكل. ولذا اختلفوا في قتل الحية البيضاء التي تمشى مستوية فقيل لا تقتل لأنها من الجان لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم اقتلوا ذا الطفيتين والابتر واياكم والحية البيضاء فانها من الجن وقال الطحاوى لا بأس بقتل الكل لانه صلى الله تعالى عليه وسلم عاهد الجن ان لا يدخلوا بيوت امته ولا يظهروا انفسهم فإذا خالفوا فقد نقضوا العهد فلا حرمة لهم وقد حصل في عهده صلى الله تعالى عليه وسلم وفيمن بعده الضرر بقتل بعض الحيات من الجن فالحق ان الحل ثابت ومع ذلك فالاولى الامساك عما فيه علامة الجان لا للحرمة بل لدفع الضرر التوهم من جهتهم وقيل ينذرها فيقول خلى طريق المسلمين أو ارجى بإذن الله تعالى فإن ابت قتلها كذا في فتح القدير للمحق ابن الهمام، وقد أطال تلميذه ابن امير حاج بذلك في شرحه على المنية ثم نقل عن شرح الجامع الصغير لصدر الإسلام قال والصحيح في الجواب ان يحتاط في قتل الحيات حتى لا يقتل جنيا فانهم يؤذونه اذى كثيرا بل إذ رأى حية وشك انه جنى يقول له خل طريق المسلمين ومر فإن مر تركه فإن واحدا من اخواني وهو اكبر سنامنى قتل حية كبيرة في دار لنا بسيف فضربه الجن حتى جعلوه زمنا فكان لا تتحرك رجلاه قريبا من شهر ثم عالجناه وداويناه بارضاء الجن حتى تركوه فزال ما به. وهذا مما عاينته بعيني انتهى. ومثله ما في تيسير الوصول إلى جامع الأصول عن أبي السايب قال دخلت على أبي سعيد فوجدته يصلى فجلست انتظره فسمعت تحريكا في عراجين في ناحية البيت فالتفت فإذا حية فوثبت لاقتلها فأشار إلى ان اجلس فجلست فلما انصرف اشار إلى بيت في الدار فقال اترمى هذا البيت فقلت نعم فقال كان فيه فتى منا قريب عهد بعرس فخرجنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الخندق فكان الفتى يستأذن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بإنصاف النهار فيرجع إلى اهله فاستأذن يوما فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خذ سلاحك فانى اخشى عليك قريظه فأخذ الرجل سلاحه فأتى اهله فإذا امرأته بين البابين قائمة فاهوى إليها بالرمح ليطعنها به

ص: 297

واصابته غيرة فقالت لها كفف عليك رمحك وادخل البيت حتى تنظر ما الذي اخرجنى فدخل البيت فإذا حية عظيمة منطوية على الفراش فاهوى إليها بالرمح فانتظمها به. ثم خرج فركزه في الدار فاضطربت عليه فما ندرى ايهما كان اسرع موتا الحية أو الفتى قال فجئنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فذكرنا ذلك له وقلنا ادع الله ان يحييه فقال استغفروا لصاحبكم ثم قال ان بالمدينة جنا قد اسلموا فإذا رأيتم منهم شيئًا فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدالكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان أخرجه مسلم ومالك وأبو داود والترمذى * هذا وللعلامة ابن حجر الهيثمي كلام طويل في الجن ذكره في الفتاوى الحديثية ولنذكر نبذة منه قال. قال القاضي أبو يعلى الجن اجسام مؤلفة واشخاص ممثلة ويجوز كونها رقيقة وكثيفة خلافا لزعم المعتزلة رقتها ولذلك لا تراها وقال الباقلاني انما رآهم من رآهم لانهم اجسام مؤلفة وجئت واخرج ابن أبي الدنيا والحكيم الترمذى وأبو الشيخ وابن مردويه انه صلى الله تعالى عليه وسلم قال خلق الله الجن ثلاثة اصناف صنف حيات وعقارب وخشاش الأرض وصنف كالريح في الهواء وصنف عليهم الحساب والعقاب قال السهيلي والصنف الثالث هو الذي لا يأكل ولا يشرب ان صح ان الجن لا تأكل ولا تشرب قال القاضي أبو يعلى ولا طريق للشياطين على النقل في الصور المختلفة وكذا الملائكة إلا بان يعلمه الله تعالى قولا أو فعلا إذا اتى به نقله من صورة إلى صورة أخرى لان تصويره لنفسه محال لان انتقالها من صورة إلى أخرى انما يكون بنقض البنية وتفريق الاجزاء وإذا انتقلت بطلت الحياة واستعمال وقوع الفعل من الجملة فكيف تنتقل وعلى هذا يحمل ما جاء ان إبليس تصور في صورة سراقة وجبريل تمثل في صورة دحية * ولما ذكر عند عمر الغيلاني قال ان أحد إلا يستطيع ان يتغير عن صورته التي خلقه الله عليها ولكن لهم سحرة كسحرتكم فإذا رأيتم من ذلك شيئا فاذنوا قال القاضي أبو يعلى الجن يأكلون ويشربون ويتناكحون كالانس وظاهر العمومات ان جميعهم كذلك وهو رأى قوم ثم قال بعضهم اكلهم وشربهم شم واستراح ولا مضغ وهذا لا دليل عليه. وقال الاكثر بل مضغ وبلع واخرج ابن جريج عن وهب انهم اجناس فأما خالصهم فمنهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يموتون ولا يتوالدون ومنهم اجناس يأكلون ويشربون ويتناكحون ويموتون وهى هذه التي منها السعالى والغول واشباه ذلك * وصح عن ابن مسعود انه انطلق مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حتى إذا كان ابا على مكة فخط له خطا واجلسه فيه ثم افتح صلى الله تعالى عليه وسلم القرآن فغشيه اسودة كثيرة حالوا بينهما حتى لم يسمع صوتة ثم تفرقوا عنه كقطع السحاب وفرغ صلى الله تعالى

ص: 298

عليه وسلم مع الفجر (واخرج) أبو نعيم عن إبراهيم النخعى ان نفرا من الجن قالوا انا خارجون إلى الحج وشقتنا بعيدة ونحن منطلقون فزودنا قال لكم الرجيع وما اتيتم من عظم فلكم عليه لحم وما اتيتم عليه من الروث فهو لكم ثمر فلما ولوا قلت من هؤلاء قال جن نصيبين (واخرج) مسلم وغيره ان الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله أي حقيقة وجله على المجاز رده ابن عبد البر بأنه لا معنى لصرفه عن حقيقته الممكنة (وصح) عن الأعمش انه قال تزوج اليناجني فقلت له ما احب الطعام اليكم قال الارز قال فاتيناهم به فجعلت أرى اللقم ترفع ولا أرى احدا فقلت له افيكم من هذه الاهواء التي بيننا قال نعم قلت فما الرافضة فيكم قال شرنا وجاء عن قتادة وغيره وعن السدى ان فيهم قدرية ومرجئة ورافضة وشيعة وفي آثار واخبار أخرى ان مؤمنيهم يصلون ويصومون ويحجون ويطوفون ويقرؤن القرآن ويتعلمون العلوم ويأخذونها عن الانس وإن لم يشعروا بهم وكذا رواية الحديث (واخرج) الشيرازى ان سليمان عليه السلام اوثق شياطين في البحر وإذا كان سنة خمس وثلاثين ومائة خرجوا في صورة الناس فجالسوهم في المجالس والمساجد ونازعوهم القرآن والحديث واخرجه العقيلي وابن عدى بزيادة ان تسعة اعشارهم تذهب إلى العراق وعشرهم بالشام (واخرج) البخارى عن سفيان الثورى أخبره رجل انه كان يرى الجن كان رأى قاصا كان يقص في مسجد الخيف فتطلبه فإذا هو شيطان وجاءت اثار اخر بنحو ذلك وجاء من عدة طرق انه صلى الله تعالى عليه وسلم جئ إليه بمجنون فضرب ظهره وقال اخرج عدو الله فخرج وتفل في فم اخر وقال اخرج يا عدو الله فانى رسول الله. قال ابن تيمية وعامة ما يقوله أهل العزائم فيه شرك فليحذر (واخرج) جماعة ان ابن مسعود قرأ في اذن مصروع افحسبتم انما خلقناكم عبثا إلى اخر السورة فافاق ثم اخبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك فقال والذي نفسي بيده لو ان رجلا موقنا فرأها على جبل لزال انتهى ما في الفتاوى الحديثية ملخصا (وذكر) في موضع آخر عن شيخ الإسلام الحافظ العسقلاني في ابناء العمر عن الثورى الأنصاري المتوفى سنة إحدى وثمانمائة انه خرج عليه ثعبان مهول فقتله فاحتمل فورا من مكانه فأقام عند الجن إلى أن رفعوه لقاضيهم فادعى عليه ولى المقتول فأنكر فقال له القاضي على أي صورة كان المقتول فقال على صورة ثعبان فالتفت القاضي إلى من بجانبه فقال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول من تزيا بغير زيه فاقتلوه وامر القاضي

ص: 299

باطلاقه فرجعوا به إلى منزله انتهى ثم ذكر قصة نحوها (تنبيه) قد تحصل مما ذكرنا سابقا ولاحقا جواز رؤية الجن بعد التشكل لكل أحد وكذا بدون تشكل لمن شاء الله تعالى من عباده فضلا عن حضورهم في مجالس الذكر وسماع اصواتهم بل تصح رؤية الملائكة أيضا وارواح الانبيا فقد قال في الفتاوى الحديثية أيضا ذكر الغزالى وآخرون ان رؤية الملائكة ممكنة لأنها كرامة يكرم الله تعالى بها من يشاء من اوليائه وقد وقع ذلك الجماعة من الصحابة ولما رأى ابن عباس جبريل قال له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لن يراه خلق الاعمى إلا ان يكون نبيا ولكن يكون ذلك آخر عمرك رواه الحاكم وكذلك رأته عائشة وزيد ابن ارقم وخلق لما جاء يسأل عن لا يمان ولم يعموا لان الظاهر ان المراد من رآه منفردا به كرامة له انتهى (وقال) في موضع آخر وقد سئل هل تمكن رؤية النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في اليقظة فأجاب بقوله انكر ذلك جماعة وجوزه آخرون وهو الحق فقد اخبر بذلك من ولايتهم من الصالحين بل استدل حديث البخارى من رآنى في المنام فسيرانى في اليقطة أي بعينى رأسه وقيل بعينى قلبه واحتمال ارادة القيمة بعيد من لفظ اليقظة على انه لا فائدة في التقييد ح لان امته كلهم يرونه يوم القيمة من رآه في المنام ومن لم يره (و) في شرح ابن أبي جمرة للأحاديث التي انتقاها من البخارى ترجيح بقاء الحديث على عمومه في حياته صلى الله تعالى عليه ومماته ممن له اهلية الاتباع للسنة ولغيره قال ومن يدعى الخصوص بغير مخصص منه صلى الله تعالى عليه وسلم فقد تعسف ثم الزم المنكر ذلك بأنه غير مصدق بقوله الصادق وبانه جاهل بقدرة القادر وبانه منكر لكرامات الأولياء مع ثبوتها بدلائل السنة الواضحة ومراده بعموم ذلك وقوع رؤية اليقظة الموعود بها لمن رآه بالنوم ولو مرة واحدة تحقيقا لوعده الشريف الذي لا يخلف واكثر ما يقع ذلك للعامة قبل الموت عند الاختصار فلا تخرج روحه من جسده حتى يراه وفاء بوعده واما غيرهم فيحصل لهم ذلك قبل ذلك بقلة أو كثرة بحسب تأهلهم وتعلقهم واتباعهم للسنة إذ الاخلال بها مانع كبير (و) في صحيح مسلم عن عمران بن حصين رضى الله تعالى عنه ان الملائكة كانت تسلم عليه اكر ماله لصبره على الم البواسير فلما كواها انقطع سلام الملائكة عنه فلما ترك الكى أي برئ كما في رواية صحيحة عاد سلامهم عليه وفى رواية البيهقى كانت الملائكة تصافحه فلما كوى تنحت عنه (و) في المنقذ من الضلالة لحجة الإسلام بعد مدح الصوفية وبيان أنهم خير الخلق حتى أنهم وهم بيقضتهم يشاهدن الملائكة وارواح الانبياء ويسمعون منهم

ص: 300

اصواتا ويقتبسون منهم فوائد ثم يترقى في الحال من مشاهدة الصور والامثال إلى درجات يضيق عنها نطاق الناطق (و) قال تلميذه الامام أبو بكر بن العربي المالكي ورؤية الأنبياء والملائكة وسماع كلامهم ممكن للمؤمن كرامة وللكافر عقوبة (و) في المدخل لابن الحاج رؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم باب ضيق وقل من يقع له ذلك الامن كان على صفة عزيز وجودها في هذا الزمان بل عدمت غالبا مع أننا لا ننكر من يقع له هذا من الاكابر الذين حفظهم الله تعالى في ظواهرهم وبواطنهم قال البازرى وقد سمع من جماعة من الأولياء في زماننا وقبله انهم رأوا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقظة حيا بعد وفاته انتهى وتمام هذا البحث هناك مع بيان بعض من وقع له ذلك من الأولياء المكرمين رضى الله تعالى عنهم اجمعين (الفصل الثالث) في السحر واقسامه واحكامه قال في شرح المقاصد السحر امر خارق للعادة من نفس شريرة خبيثة بمباشرة اعمال مخصوصة يجرى فيها التعلم والتلمذ وبهذين الاعتبارين تفارق المعجزة والكرامة وبإنه لا يكون بحسب اقتراح المعترضين وبانه يختص بالازمنة أو الامكنة أو الشرائط وبانه يتصدى لمعارضته ويبذل الجهد في الإتيان بمثله وبإن صاحبه ربما يتعلق بالفسق ويتصف بالرجس في الظاهر والباطن والخزى في الدنيا والآخرة إلى غير ذلك من وجوه مفارقة (و) هو عند أهل الحق جائز عقلا

(1)

ثابت سمعا وكذا الإصابة بالعين وقالت المعتزلة بل هو مجرد اراءة ما لا حقيقة له بمنزلة الشعبذة التي سببها خفة حركات اليد واخفاء وجه الحيلة فيه انتهى (وفى) الفتاوى الحديثية واما الفرق بين الكرامة والسحر فهو ان الخارق الغير المقترن بتحدى النبوة أن ظهر على يد صالح وهو القائم بحقوق الله تعالى وحقوق خلقه فهو الكرامة أو على يد من ليس كذلك فهو السحر والاستدراج قال امام الحرمين وليس ذلك مقتضى العقل ولكنه متلقى من اجماع العلماء انتهى. وتمييز الصالح المذكور من غيره بين لا خفاء فيه إذ ليست السيماء كالسيماء ولا الأدب كالاداب وغير الصالح لو لبس (بتشديد الباء الموحدة) ما عسى ان يلبس لابد ان يرشح من نتن فعله أو قوله ما يميزه عن الصالح * ومن ثمة ناظر صوفى برهميا وللبرهمية قوة تظهر لهم خوارق ازيد الرياضات فطار البرهمي في الجو فارتفعت إليه نعل ولم تضرب رأسه وتصفعه حتى وقع على الأرض منكسا على رأسه بين يدى الشيخ والناس ينظرون ثم ذكر عن جماعات من الأولياء نحو ذلك (واما) حكم السحر

(1)

قوله جائز عقلا المراد بالجائز الممكن منه.

ص: 301

فقد قال في الاعلام بقواطع الإسلام ومن المكفرات أيضا السحر الذي فيه عبادة الشمس ونحوها فإن خلى عن ذلك كان حراما لا كفرا فهو بمجرده لا يكون كفرا ما لم ينضم إليه مكفر. ومن ثم قال الماوردى مذهب الشافعي رضى الله تعالى عنه انه لا يكفر بالسحر ولا يجب به قتله ويسأل عنه فإن اعترف عنه بما يوجب كفره به كان كافرا بمعتقده لا بسحره * وكذا لو اعتقد اباحة السحر كان كافرا باعتقاده لا بسحره فيقتل ح بما انضم إلى السحر لا بالسحر هذا مذهبنا * واطلق مالك وجماعة سواء الكفر على الساحر وإن السحر كفر وإن الساحر يقتل ولا يستتاب سواء سحر مسلما أو ذميا كالزنديق. لكن قال بعض ائمة مذهبه والصواب ان لا يقضى بهذا حتى يتبين معقول السحر إذ هو يطلق على معان مختلفة، ومذهب أحمد في الساحر اقرب إلى مذهب مالك فيه انتهى. ثم قال وقالت الحنفية ان اعتقد ان الشياطين تفعل له ما يشاء فهو كافر وإن اعتقد انه تخييل وتمويه لم يكفر وقالت الشافعية يصفه فإن وجد فيه كفرا كالتقرب للكواكب ويعتقد انها تفعل ما يلتمس منها فهو كفر وإن لم نجد فيه كفرا فإن اعتقد اباحته فهو كفر * قال الطرسوسي وهذا متفق عليه لان القرآن نطق بتحريمه انتهى (وقال) العلامة المحقق ابن الهمام في فتح القدير ويجب ان لا يعدل عن مذهب الشافعي في كفر الساحر وعدمه واما قتله فيجب ولا يستتاب إذا عرفت مزاولته لعمل السحر السعيه بالفساد في الأرض لا بمجرد عمله إذا لم يكن في اعتقاده ما يوجب كفره انتهى (وفى) مختارات النوازل لصاحب الهداية ساحر يسحر ويدعى الخلق من نفسه يكفر ويقتل لردته وساحر يسحر وهو جاحد لا يستتاب منه ويقتل إذا ثبت سحره دفعا للضرر عن الناس وساحر يسحر تجربة ولا يعتقد به لا يكفر والمراد من الساحر غير المشعوذ ولا صاحب الطلسم ولا الذي يعتقد الإسلام والسحر في نفسه حق امر كائن إلا انه لا يصلح إلا للشر والضرر بالخلق والوسيلة إلى الشر شر فيصير مذموما انتهى (وقال) قاضي خان اتخذ لعبة ليفرق بين المرء وزوجه قالوا هو مرتد ويقتل إذا كان يعتقد لها اثر ويعتقد التفريق من اللعبة لانه كافر انتهى (والحاصل) ان نفس السحر ليس كفرا عند الحنفية كالشافعية بل لا يكفر صاحبه به ما لم يقترن بمكفر (و) لذا نقل في تبيين المحارم عن امام الهدى أبي منصور الماتريدي ان القول بان السحر كفر على الاطلاق خطأ ويجب البحث عن حقيقته فإن كان في ذلك رد ما لزم في شرط الايمان فهو كفر والا فلا انتهى (نعم) يقتل حدا لاضراره بالناس كقطع الطريق وإن لم يعتقد ما يوجب

ص: 302

كفره فلو اقترن به ما يوجب كفره كاعتقاده التأثير بنفسه أو تأثير الكواكب أو الشياطين فإنه يكون كافرا فيقتل لاضراره وكفره لكن إذا تاب الساحر قبل ان يؤخذ تقبل ثوبته ولا يقتل وإن أخذ ثم تاب لم تقبل توبته ويقتل وكذا الزنديق المعروف الداعى والفتوى على هذا القول كما في البحر عن الفقيه أبي الليث (ثم) اعلم ان بعض ائمة الشافعية استشكل تكفير الساحر الذي يعتقد ان الكواكب تفعل ذلك أو ان الشياطين تقدره لا تقدرة الله تعالى بان هذا مذهب المعتزلة من استقلال الحيوانات بقدرتها لا بقدرة الله تعالى فكما لا نكفر المعتزلة بذلك لا نكفر هؤلاء (و) منهم من اجاب بان الكواكب مظنة العبادة فإذا انضم إلى ذلك اعتقاد القدرة والتأثير كان كفرا (و) اعترض بان تأثير الحيوان بالضر والنفع في العادة مشاهدة واما كون المشترى أو زخل يوجب شقاوة أو سعادة فهو حزر وتخمين انتهى (اقول) الذي يظهر لى في الجواب عن هذا الاشكال هو انا انما لم نكفر المعتزلة بذلك لانهم بنوه على شبهة دليل وإن اخطأوا فيه فقالوا إن العبد يخلق افعاله تباعدا عن نسبة الشرور والقبائح إلى الله تعالى زعما منهم خلقها قبيح فقولهم بذلك زيادة في التنزيه والتوحيد على زعمهم وكذا بقية أهل الاهواء من أهل القبلة فإن المعتمد في مذاهب الأئمة عدم تكفيرهم لنحو ما قلنا ولذا انكر سيدنا على كرم الله وجهه على من كفر الخوارج بقوله من الكفر فروا (والحاصل) ان أهل الاهولاء انما قصدوا تصحيح عقيدتهم وتنزيه ربهم تعالى بما زعموه اما الساحر الذي يعتقد تأثير الافلاك والشياطين فهو طاعن في العقائد الإسلامية كلها منكر للتوحيد باثبات التأثير والايجاد والابداع لغير الله تعالى على قواعد الحكماء والفلاسفة والطبائعين ولو سلم انه لم يقصد ذلك فليس بانيا اعتقاده على دليل شرعى ليكون شبهة له تنفى تكفيره كما نفيت التكفير عن أهل الاهواء لانه غير ساع في تصحيح العقيدة والتنزيه بل هو كما تقدم ذو نفس شريرة خبيثة ساع في الاضرار والافساد والغالب انه ليس له في الإسلام اعتقاد فلذا اطلق العلماء القول بكفره وقتله والله ولى الإرشاد والتوفيق والسداد (تنبيه) قد علم ما قررنا ان السحر لا يلزم ان يكون كفرا ما لم يقترن بمكفر من قول أو فعل أو اعتقاد (و) في حاشية الإيضاح لبيري زاده قال الشمني تعلمه وتعليمه حرام اقول مقتضى الاطلاق ولو تعلم لدفع الضرر عن المسلمين (و) في شرح الزعفراني السحر حق عندنا وجوده وتصوره واثره وفي ذخيرة الناظر تعلمه فرض لرد ساحر أهل الحرب وحرام لفرق بين المرأة وزوجها وجائز

ص: 303

ليوفق بينهما انتهى كذا في شرح ابن عبد الرزاق على الدر المختار (اقول) وقد ذكرت في حاشيتي التي سميتها رد المختار على الدر المختار ان في الاخير نظرا لما ورد في الحديث من النهي عن الدولة بوزن عنبة وهي ما يفعل ليحب المرأة إلى زوجها وقد نص قاضي خان على حرمتها وعلله ابن وهبان بأنه ضرب من السحر قال ابن الشحنة ومقتضاه انه ليس مجرد كتابه آيات بل فيه شيء زائد انتهى (وفى) الزواجر عن اقتراف الكبائر ثم السحر على اقسام اولها سحر عبدة الكواكب وهم ثلاث فرق (الأولى) الذين يزعمون ان الافلاك والكواكب واجبة الوجود لذواتها وأنها غنية عن موجود ومدبر وهى المدبرة لعالم الكون والفساد وهم الصابئية الدهرية (والثانية) القائلون بآلهية الافلاك زاعمون انها هي المؤثرة الحوادث باستدارتها وتحركها فعبدوها وعظموها واتخذوا لكل واحد منها هيكلا مخصوصا وصنما معينا واشتغلوا بخدمتها وهذا دين عبدة الاصنام والأوثان (والثانية) اثبتوا لهذه النجوم والا فلاك فاعلا مختارا أوجدها بعد العدم إلا انه تعالى اعطاها قوة غالبة نافذة في هذا العالم وفوض تدبيره إليها (النوع الثاني) سحر أصحاب أهل الاوهام والنفوس القوية أي الذين يزعمون ان الإنسان تبالغ روحه بالتصفية في القوة والتأثير إلى حيث يقدر على الايجاد والاعدام والا حياء والامانة وتغيير البنية والشكل (الثالث) الاستعانة بالارواح الارضية أي المسمى بالعزائم وتسخير الجن (الرابع) التخيلات والاخذ بالعيون (الخامس) الاعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات على النسب الهندسية مثل صورة فرس في يده بوق إذا مضت ساعة من النهار صوت البوق من غير ان يمسه أحد (السادس) الاستعانة بخواص الادوية المبلدة والمزيلة للعقل ونحوها (السابع) تعليق القلب وهوان يدعى إنسان انه يعرف الاسم الاعظم وإن الجن تطيعه وينقادون له فإذا كان السامع ضعيف العقل قليل التمييز اعتقد انه حق وتعلق قلبه بذلك وحصل في نفسه نوع من الرعب والخوف فحينئذ يتمكن الساحر من ان يفعل فيه ما شاء (و) انكر المعتزلة الانواع الثلاثة الأول قيل ولعلهم كفروا من قال بها وبوجودها (و) اما أهل السنة فجوزوا الكل وقدرة الساحر على ان يطير في الهواء وإن يقلب الإنسان جارا والحمار انسانا وغير ذلك من أنواع الشعوذة لا انهم قالوا ان الله تعالى هو الخالق لهذه الاشياء عند القاء الساحر كلماته المعينة ويدل على ذلك قوله تعالى (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) واختلف العلماء في الساحر هل يكفر اولا وليس من محل الخلاف

ص: 304

النوعان الاولان من أنواع السحر السبعة إذ لا نزاع في كفر اعتقد ان الكواكب مؤثرة لهذا العالم اوان الإنسان يصل بالتصفية إلى ان تصير نفسه مؤثرة في ايجاد جسم أو حياته أو تغيير شكل (و) أما النوع الثالث وهو ان يعتقد الساحر أنه بلغ في التصفية وقراءة الرقى وتدخين بعض الادوية إلى ان الجن تطيعه في تغيير البنية والشكل فالمعتزلة كفروه دون غيرهم (و) اما بقية انواعه فقال جماعة انها كفر مطلقا لان اليهود لما أضافوا السحر إلى سليمان صلى الله تعالى على نبينا وعليه وسلم قال تعالى تنزيها عنه (وما كفر سليمان ولكن الشياطن كفروا يعلمون الناس السحر) فظاهر هذا انهم كفروا بتعليمهم السحر لان ترتيب الحكم على الوصف المناسب يشعر بعليته وتعليم ما لا يكون كفرا لا يوجب الكفر وهذا يقتضى ان السحر على الاطلاق كفر (و) اجاب القائلون بعدم الكفر كالشافعى واصحابه بإن حكاية الحال يكفى في صدقها صورة واحدة فيحمل على سحر من اعتقد الاهية النجوم وايضا فلا نسلم ان ذلك فيه ترتيب حكم على وصنف يقتضى اشعاره بالعلية لان المعنى انهم كفروا وهم مع ذلك يعلمون السحر انتهى ما في الزواجر ملخصا (ثم) ذكره ان النوع الثالث وما بعده ان اعتقد ان فعله مباح قتل لكفر. لا تحليل المحرم المجمع على تحريمه المعلوم من الدين بالضرورة كفر وإن اعتقد انه حرام فعند الشافعي انه جناية وعند أبي حنيفة ان الساحر يقتل مطلقا لسعيه في الأرض بالفساد انتهى (وقد) ذكر هذه الاقسام العلامة المحقق المفتى أبو السعود افندى العمادي في تفسيره وفصل في النوع الثالث الذي خالف فيه المعتزلة تفصيلا حسنا وفق به بين القولين حيث قال ولعل التحقيق ان ذلك الإنسان ان كان خيرا (بتشديد الياء المثناه) متشرعا في كل ما يأتي ويذر وكان من يستعين به من الارواح الخيرة وكانت عزائمه ورقاه غير مخالفة للاحكام الشريفة الشرعية ولم يكن فيما ظهر بيده من الخوارق ضرر شرعى لاحد فليس ذلك من قبيل السحروإن كان شريرا غير متمسك بالشريعة الشريفة فظاهر ان من يستعين به من الارواح الخبيثة الشريرة لا محالة ضرورة امتناع تحقق التضام والتعاون بينهما من غير اشتراك في الخبث والشرارة فيكون كافرا قطعا انتهى (والحاصل) ان السحر حرام مطلقا بأنواعه وإن القول بأنه كفر مطلقا خطأ ما لم يتضمن اعتقادا مكفرا كما مر عن امام الهدى الماتريدى وعن فتح القدير وغيره (و) مثله ما قاله الامام القرافي من الأئمة المالكية ان السحرة يعتمدون أشياء تأبى قواعد الشرعية ان نكفرهم بها لجمع عقاقير يجعلونها

ص: 305

في الانهار والابار أو في قبور الموتى أو في باب يفتح إلى الشرق ويعتقدون ان الآثار تحدث عن تلك الأمور بخواص نفوسهم التي طبعها الله تعالى على الربط بينها وبين تلك الآثار عند صدق العزم فلا يمكننا نكفرهم بذلك لانهم جربوا ذلك فوجدوه لا يحرم عليهم لأجل خواص نفوسهم فكان ذلك كاعتقاد الاطبا عند شرب الادوية وخواص النفوس لا يمكن التكفير بها لأنها ليست من كسبهم ولا كفر بغير مكتسب واما اعتقادهم ان الكواكب تفعل ذلك بقدرة الله تعالى فهذا خطأ لأنها لا تفعل ذلك وإنما جاءت الآثار من خواص نفوسهم التي ربط الله تعالى بها تلك الآثار عند ذلك الاعتقاد والذي لا مرية في انه كفر اعتقاد ان الكواكب مستقلة بنفسها لا تحتاج إلى الله تعالى فهذا مذهب الصابئة وهو كفر صراح انتهى ملخصا (تنبيه) قد ظهر لك بما قررناه. ونقلناه عن الأئمة وحررناه بطلان ما زعمه ذلك الحاسد المعاند من اطلاقه القول بتكفير الساحر وجزمه بإن تسخير الجن والعفاريت موجب للكفر فانك قد علمت من كلام امام الهدى وغيره ان تكفير الساحر مطلقا خطأ ما لم يكن فيه رد لما لزم في شرط الايمان وح فإذا ثبت على شخص ادعاؤه تسخير الجن يسأل عن حقيقته فإن فسر ذلك بما فيه كفر من قول أو فعل أو اعتقاد تحكم بكفره والا فلا يكون كافرا إلا على قول المعتزلة كما علمته من كلام الزواجر في بيان حكم النوع الثالث من الانواع السبعة وعلمت التوفيق ومثل هذا يقال في دعوى ربط الجان والعفاريت وقتلهم فإنه ليس بكفر ما لم يقترن بمكفر وقد مر في كلام الاشباه والنظائر انه لا يجوز قتل الجنى بغير حق كالأنسي وهذا صريح في انه يمكن قتل الجنى وإن قتله بحق جائز شرعا فقول ذلك الحاسد ان ذلك موجب للكفر بلا مرية. هو كذب وفرية لانه لا يكون كفرا ما لم يقترن بمكفر كما قررناه ومن الخطأ أيضا قوله ان ذلك متضمن لا دعاء ما هو خاص بنبي الله سليمان عليه السلام للآية وفيه ادعاء الاستعلاء على الانبياء عليهم الصلاة والسلام لاسيما نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم حيث قال (ان عفريتا من الجن نقلت على البارحة ليقطع على الصلاة فامكننى الله تعالى منه فأخذته فأردت ان اربطه على سارية من سوارى المسجد حتى تنظروا إليه كلكم فذكرت دعوة اخى سليمان (رب هب لى ملكا لا ينبغي لاحد من بعدى) فرددته خاسئا) متفق عليه كذا في المشكاة قال في الفتح وفيه إشارة إلى انه صلى الله تعالى عليه وسلم يقدر على ذلك إلا انه تركه رعاية لسليمان عليه السلام ويحتمل ان تكون خصوصية سليمان استخدام الجن في جميع ما يريده لا في هذا القدر فقط

ص: 306

انتهى فإنه على الاحتمال الاخير لا يكون ربط العفريت خاصا بسليمان عليه السلام وإنما تركه صلى الله تعالى عليه وسلم تأدبا مع سليمان عليه السلام لكونه من جنس معجزته المختصه به من تسخير الشياطين له فيما يشاء وارادته عليه الصلاة والسلام أو لا لربطه ثم عدوله عن ذلك دليل على ان ذلك ممكن وانه غير مكفر وحاشاه صلى الله تعالى عليه وسلم ان يهم (بتشديد الميم) بما فيه كفر ولو نسيانا بل من اعتقد فيه ذلك فهو كافر فقول هذا الحاسد المعاند ان ادعاء ذلك مستلزم لإنكار النص الموجب للفكر اتفاقا كلام باطل يخشى عليه من الوقوع في الكفر لاستلزامه الطعن في جناب نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم نعوذ بالله من علم لا ينفع ومن حسد يعمى ويصم حتى يوقع صاحبه في مثل هذا المهيع على ان الآية فيها احتمالات ذكرها المفسرون ففى تفسير القاضي والمفتى قال رب اغفر لى وهب لى ملكا لا ينبغي لاحد من بعدى لا يتسهل له ولا يكون ليكون معجزة لى مناسبة لحالى أو لا ينبغي لاحد ان يسلبه منى بعد هذه السلبة اولا يصح لاحد من بعدى لعظمته كقولك لفلان ما ليس لاحد من الفضل والمال على ارادة وصف الملك بالعظمة لا ان لا يعطى أحد مثله فيكون منافسة انتهى زاد المفتى أبو السعود وقيل كان ملكا عظيما فخاف ان يعطى مثله أحد فلا يحافظ على حدود الله تعالى انتهى فقول من بعدى على الوجه الثاني بمعنى غيرى ممن هو في عصرى فإن سليمان عليه السلام قد كان سلب منه ملكه مرة فإنه كان ملكه في خاتمه وكانت له أم ولد اسمها امينه وكان إذا دخل عليها للطهارة اعطاها الخاتم فاعطاها يوما فتمثل لها بصورته شيطان اسمه صحر واخذ الخاتم فتختم به وجلس على كرسيه فاجتمع عليه الخلق ونقذ حكمه في كل شئ إلا فيه وفى نسائه إلى آخر القصة فمعنى الآية على هذا الوجه الدعاء بعدم سلب ملكه عنه في حياته بعد هذه السلبة ولا يخفى انه على هذا لا يمتنع وقوع مثله لغيره بعده وكذا على الوجه الثالث وهو قوله أو لا يصح لاحد من بعدى لعظمته فإن قوله من بعدى بمعنى غيرى أيضا ولكنه مطلق لا يختص بعصره وهو كناية عن عظمته سواء كان لغيره أم لا فإن الكناية لا تنافى ارادة الحقيقة وعدمها ومثله لفلان ما ليس لاحد من كذا وربما كان في الناس امثاله إذ المراد ان له حظا عظيما وسهما جسيما كما اوضحه في الكشاف ومعنى الآية على هذا الوجه الدعاء بان يهب له ملكا عظيما لا ان لا يعطى أحد مثله حتى يكون منافسة في الدنيا أي بخلا وتقديما لنفسه على من سواه شرها على الدنيا كما طعن به بعض الملحدين على سليمان عليه السلام (و)

ص: 307

الوجه الرابع الذي زاده المفتى أبو السعود هو بمعنى الوجه الأول والفرق بينهما هو أنه على الأول انما طلب ان لا يسهل لغيره مطلقا لانه انما كان من بيت النبوة والملك وكان زمن الجبارين وتفاخرهم بالملك ومعجزة كل نبي من جنس ما اشتهر في عصره كما غلب في عهد الكليم السحر فجاءهم بتلقف ما اتوا به وفى عهد المسيح الحكمة والطب فجاءهم باحياء الموتى وفى عهد خاتم الرسل صلى الله تعالى عليه وسلم الفصاحة فجاءهم بما عجزهم عن معارضة اقصر سوره فطلب سليمان ذلك لاعجاز أهل عصره ليطيعوه إلى دعوة الإيمان لا طلبا للمفاخرة بأمور الدنيا كما زعمه بعض الملحدين وعلى الوجه الرابع انما طلب عدم تسهله لغيره من عدم محافظته على حدوده لكن على هذا الوجه يتعين كون المراد من قوله من بعدى لغيرى في حياته وبعد موتى اما على الوجه الأول فلا لان اعجاز أهل عصره لا ينافي تسهل مثله لمن بعد موته نعم إذا لم يتسهل من بعد موته يكون ابلغ في الاعجاز كما في اعجاز القرآن، هذا ما ظهر لى (ثم) لا يخفى ان ملك سليمان عليه السلام الذي طلبه لم يكن خصوص ربط العفاريت بل ذلك من بعض جزئياته المشار إليه بقوله تعالى (وآخرين مقرنين في الاصفاد) ولا شك ان تصرفه في الجن والشياطين بما أراد لم يقع لغيره. واما تسخير بعض امور خاصة فهو امر ممكن ليس فيه مشاركة لسليمان عليه السلام في ملكه الذي هو اعم واشمل من ذلك بيقين ولذا أخذ نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك العفريت كما قال فامكننى الله تعالى منه فأخذته فإن اخذه له تصرف في الجن بنوع ما فلو كان ذلك مشاكة لسليمان لما اخذه. واما قوله فأردت ان اربطه الخ ففيه دليل على انه كان قادرا على ذلك كما قدمناه وانه امر ممكن جائز ولكن تركه تأديا لدعوة سليمان عليه السلام كما قال عليه الصلاة والسلام لا تفضلونى على يونس بن متى مع انه صلى الله تعالى عليه وسلم افضل الخلائق اجمعين ولو كان ذلك منازعة لسليمان في ملكه المختص به لما قصده صلى الله تعالى عليه وسلم فعلم ان وقوع ذلك جائز لا ينافي الاختصاص ما هو اعم منه إلا ترى ان حضرة مولانا السلطان اعزه الله تعالى قد اختص ما خصه الله تعالى من الملك العظيم والتصرف التام في مملكته ومع هذا لا ينافى وقوع التصرف لبعض رعيته في بعض ما حولهم الله تعالى لانهم وإن كان لهم قدرة التصرف في شيء من ذلك لكن تصرف حضرة السلطان اعم واشمل فلا ينافي اختصاصه بالتصرف في الكل. وح فلا منافاة بين ما في الآية والحديث (وقد) ظهر لك بما قررناه وحررناه ان الآية

ص: 308

لا تقتضى انه لا يمكن لاحد ان يتصرف نوع تصرف في الجان وإن من قال ان اعتقاد الجواز كفر فهو مفتر على الشرع المصان بل لو ادعى مدع ان له في الجان التصرف التام كتصرف سليمان عليه السلام. لم يجز الجزم بكفره لما علمت من ان الآية ليست نصا في اختصاص سليمان عليه السلام بذلك لما علمت من الاوجه الأربعة في تفسيرها بل يسأل عن وجه تصرفه فإن كان فيه مكفر من قول أو عمل أو اعتقاد فهو كافر بذلك والا فلا فإن ذلك قد يكون كرامة له فإن ما ساغ ان يكون معجزة لنبي ساغ كونه كرامة اولى كما قدمناه. وانظر إلى ما حكى عن الأولياء من وقائعهم مع الجن تعلم صدق ما قلنا وانظر إلى ما في بهجة القطب الرباني والهيكل الصمداني سيدى عبد (القادر الكيلاني) من انقياد الجن والطاعة ملكهم له ومن مقاتلته لعفاريتهم وشياطينهم وحرقه لهم فاز فيها ما يكفى. ومن ذلك حكاية الذي اختطفت بنته فأمره ان يذهب إلى مكان كذا ويخط دائرة في الأرض يجلس فيها ففعل فرآهم يعبرون زمرا زمرا إلى ان جاء ملكهم راكبا فرسا وبين يديه امم منهم فوقف بازاء الدائرة وقال يا أنس ما حاجتك فقال بعثنى الشيخ عبد القادر إليك فنزل من على فرسه وقبل الأرض وجلس خارج الدائرة وسأله فذكر له قصة بنته فسألهم عمن اخذها فأتى بمارد من مردة الصين وهى معه فضرب عنق المارد واخذ ابنته ثم قال اما رأيت كالليلة في امتثالك امر الشيخ قال نعم انه لينظر من داره إلى المردة منا وهم باقصى الأرض فيفرون من هيبته إلى مساكنهم وإن الله تعالى إذا أقام قطبا مكنه من الجن والانس انتهى (فإن قلت) قد مر ان من أنواع السحر ان يعتقد انه بلغ في التصفية وقراة الرقى وتدخين بعض الادوية إلى ان الجن تطيعه في تغيير البنية والشكل وإن المعتزلة قالوا بكفره وغيرهم وإن لم يقل بكفره يقول ان ذلك حرام وانه يكفر مستحله وما كان مترددا بين كونه حراما أو كفرا كيف يجوز وقوعه من احاد المؤمنين فضلا عن الأولياء (قلت) لا شك ان كلا من المعجزة والكرامة والسحر امور خارقة للعادة وإنما الفرق بينها من حيث النسبة إلى من ظهرت على يديه فإن ظهر ذلك الخارق ممن هو افضل الناس نشأة وشرفا وخلقا وخلقا وصدقا وادبا وامانة وزهادة واشفاقا ورفقا وبعدا عن الدناءة والكذب والتمويه وكان له أصحاب في غاية العلم والديانة كان ذلك الخارق معجزة مصدقة لدعواه وإن ظهر على يدى متبع لنبي مقتف لهديه مواظب على الطاعات معرض عن المخالفات يدعو إلى تصحيح العقائد وإقامة الشريعة والاذكار والعبادات كان ذلك الخارق كرامة له اكرمه الله تعالى بها لا بقرأة رقى ولا بتدخين وإن ظهر على يدى

ص: 309

ذى نفس شريرة خبيثة كان سحرا وهذا فرق باعتبار الظاهر وثم فرق باعتبار الباطن ونفس الأمر وهو ان السحر كالسيميا والهيميا يكون بخواص ارضية أو سماوية وكالطلسمات يكون بنقش أسماء خاصة لها تعلق بالافلاك والكواكب على زعمهم وكالعزائم والاستخدامات يكون بتلاوة أسماء خاصة تعظمها ملوك الجان مع بتخيرات وهيئات معلومة غالبها مكفرة وكل ذلك اسباب عادية جرت عادة الله تعالى بترتب مسبباتها عليها لكنها خفية لم تظهر إلا لقليل من الناس فهي في الحقيقة ليس فيها شيء خارق للعادة إلا من حيث الظاهر اما في نفس الأمر فلا لارتباطها بأسبابها الخفية كالحشائش التي يعمل منها النفط التي تحرق الحصون وكالدهن الذي من ادهن به لم يقطع فيه حديد ولا تؤثر فيه النار ونحو ذلك بخلاف المعجزة والكرامة فإنه ليس في الحشائش والادهان وغيرها ما يقدر فيه الإنسان على قطع المسافة البعيدة في زمن يسير أو على المشى على وجه الماء أو على احياء الموتى وفلق البحر ونحو ذلك مما هو معجزة أو كرامة تظهر بمجرد خلق الله تعالى بلا استعمال اسباب معدة لذلك وقدمنا اول هذا الفصل عن شرح المقاصد وجوها آخر فارقة بين السحر وغيره وكذا حكاية الصوفى مع البرهمي واما إذا ظهر ذلك الخارق على يد أحد من عوام المؤمنين فإنه يسمى معونة كما مر في الفصل الأول (فإذا علمت) ذلك ظهر لك ان ما نسبه هذا الحاسد إلى حضرة مولانا خالد كرامة له عظيمة ومنحة جسيمة اشاعها عنه الحاسد بلسانه لمن لا يعلمها ولو عقل لكان يسترها ويكتمها ولله در القائل:

وإذا أراد الله نشر فضيلة

طويت اناح لها لسان حسود

فإن مما لا يشك فيه عاقل ولا يجحده إلا المعاند الجاهل ان حضرة مولانا خالد قد ارغم الله به انف الحاسد حيث حاز اسنى المقامات في اتباع الشريعة ووصل إلى اعلا منازلها الرفيعة وشهد بذلك طلعته الوسيمه وعقيدته السليمه ودأبه على ارشاد العباد ورسوخ حبه في قلوب عامة أهل البلاد واستقامة أحوال خلفائه ومريديه وخذلان اعدائه وحاسديه وهذا اعدل شاهد عند ذوى المقامات على انه من أهل الكرامات وإن كان هو لا يدعى ذلك تواضعا. ويراه من نفسه ممتنعا. فقد سمعته مرة يقول اعوذ بالله ان اكون ممن يدعى الكرامات. بل انا من كلاب السادات ذوى المقامات. وهذا مقام ذوى العرفان من أهل الشهود والإحسان كلما علا مقام احدهم وارتفع خفض نفسه واتضع ثم الله سبحانه يرفعه ويؤيده ويشتت شمل عدوه ويبدده

ص: 310

(الفصل الرابع) في دعوى علم الغيب ذكر الحنفية في عدة من كتبهم ان من ادعى لنفسه علم الغيب كفر وفي الفتاوى الخانية سمع صوت هامة فقال يموت واحد قبل يكفر وقيل لا يكفر لان هذا انما يقال على وجه التفاؤل وكذا لو خرج إلى السفر فصاح العقعق فرجع فهو على هذا الخلاف أيضا انتهى (و) صرح صاحب الهداية في مختارات النوازل في مسئلة الهامة بان الصحيح انه لا يكفر (و) في البزازية من قال اعلم الاشياء المسروقة يكفر وكذا لو قال اخبر باخبار الجن يكفر أيضا لان الجن كالانس لا يعلمون الغيب ومن صدقه كفر لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم من أتى كاهنا فصدقه فيما قاله فقد كفر بما انزل على محمد (و) ذكر في جامع الفصولين مسئلة بالفارسية حاصلها فيما لو تزوجها بلا شهود وقال ان الله ورسوله أو الملك يشهدان انه يكفر لانه اعتقد ان الرسول أو الملك يعلم الغيب ثم استشكل ذلك بما اخبر به صلى الله تعالى عليه وسلم من المغيبات وكذا ما اخبر به عمر وغيره من السلف ثم اجاب بأنه يمكن التوفيق بان المنفى هو العلم بالاستقلال لا العلم بالاعلام أو المنفى هو المجزوم لا المظنون ويؤيده قوله تعالى (أتجعل فيها من يفسد فيها) الآية لانه غيب أخبر به الملائكة ظنا منهم أو باعلام فينبغي ان يكفر لو ادعاء مستقلا لا لو اخبر به باعلام في نومه أو يقظته في نوع من الكشف اذلا منافاة بينه وبين الآية لما مر من التوفيق والله تعالى اعلم انتهى (و) قال في الاعلام قال الرافعي عنهم أي ناقلا عن الأئمة الحنفية ولو قرأ القرآن على ضرب الدف أو القضيب أو قيل له اتعلم الغيب فقال نعم فهو كفر واختلفوا فيمن خرج لسفر فصاح العقيق فرجع هل يكفر انتهى كلام الرافعى زاد في الروضة قلت الصواب أنه لا يكفر في المسائل الثلاثة واعترض تصويبه في الثانية لتضمن قوله نعم تكذيب النص وهو قوله تعالى (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) وقوله عز وجل (عالم الغيب) فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول ولم يستثن الله تعالى غير الرسول ويجاب بان قوله ذلك لا ينافي النص ولا يتضمن تكذيبه لصدقه بكونه يعلم الغيب في قضية وهذا ليس خاصا بالرسل بل يمكن وجوده لغيرهم من الصديقين فالخواص يجوز ان يعلموا الغيب في قضية أو قضايا كما وقع لكثير منهم واشتهر والذي اختص تعالى به انما هو علم الجميع وعلم مفاتح الغيب المشار إليها بقوله تعالى (ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث) الآية وينتج من هذا التقرير ان من ادعى علم الغيب في قضية أو قضايا لا يكفر وهو محل ما في الروضة ومن ادعى علمه في سائر القضايا كفر وهو محل ما في اصلها إلا ان عبارته

ص: 311

لما كانت مطلقة تشمل هذا وغيره ساغ للنووى الاعتراض عليه فإن اطلق فلم يرد شيئًا فالوجه ما اقتضاه كلام النووى من عدم الكفر، ثم رأيت الاذرعى قال والظاهر عدم كفره عند الاطلاق انتهى (وسئل) في الفتاوى الحيثية عمن قال ان المؤمن يعلم الغيب هل يكفر للآيتين أو يستفصل لجواز العلم بجزئيات من الغيب (فأجاب) بقوله لا يطلق القول بكفره لاحتمال كلامه ومن تكلم بما يحتمل الكفر وغيره وجب استفصاله كما في الروضة وغيرها ومن ثم قال الرافعى ينبغى إذا نقل عن أحد لفظ ظاهره الكفر ان يتأمل ويمعن النظر فيه فإن احتمل ما يخرج اللفظ عن ظاهره من ارادة تخصيص أو مجاز أو نحوهما سئل اللافظ عن مراده وإن كان الأصل في الكلام الحقيقة والعموم وعدم الاضمار لان الضرورة ماسة إلى الاحتياط في هذا الأمر واللفظ محتمل فإن ذكر ما ينفى عنه الكفر مما يحتمله اللفظ ترك وإن لم يحتمل اللفظ خلاف ظاهره أو ذكر غير ما يحتمل أو لم يذكر شيئًا استتيب فإن تاب قبلت توبته والا فإن كان مدلول اللفظ كفرا يجمعا عليه حكم بردته فيقتل ان لم يتب وإن كان في محل الخلاف نظر في الراجح من الادلة ان تأهل والا أخذ بالراجح عند أكثر المحققين من أهل النظر فإن تعادل الخلاف أخذ بالاحوط وهو عدم التكفير بل الذي اميل إليه إذا اختلف بالتكفير وقف حاله وترك الأمر فيه إلى الله تعالى انتهى كلام الرافعى وقوله وإن كان في محل الخلاف الخ محله في غير قاض مقلد رفع إليه امره والا لزمه الحكم بما يقتضيه مذهبه ان انحصر الأمر فيه سواء وافق الاحتياط أم لا وما اشار إليه الرافعى من الاحتياط في اراقة الدماء ما امكن وجيه فقد قال حجة الإسلام الغزالي ترك قتل الف نفس استحقوا القتل أهون من سفك محجم من دم مسلم بغير حق ومتى استفصل فقال اردت بقولى المؤمن يعلم الغيب ان بعض الأولياء قد يعلمه الله ببعض المغيبات قبل منه ذلك لانه جائز عقلا وواقع نقلا إذ هو من جملة الكرامات الخارجة عن الحضر على ممر الاعصار فبعضهم يعلمه بخطاب. وبعضهم يعلمه بكشف حجاب وبعضهم يكشف له عن اللوح المحفوظ حتى يراه ويكفى بذلك ما اخبر به القرآن عن الخضر بناء على انه ولى وهو ما نقل عن جمهور العلماء وجميع العارفين وإن كان الاصح انه نبي وما جاء عن أبي بكر الصديق رضى الله تعالى عنه انه اخبر عن حمل امرأة انه ذكر وكان كذلك وعن عمر رضى الله تعالى عنه انه كشف له عن سارية وجيشه وهم بالعجم فقال على منبر المدينة وهو يخطب يوم الجمعة يا سارية الجبل يحذره الكمين الذي أراد استئصال المسلمين وما صح عنه صلى الله تعالى

ص: 312

عليه وسلم انه قال في حق عمر رضى الله تعالى عنه انه من المحدثين الملهمين، وفى رسالة القشيرى وعوارف السهر وردى وغيرهما من كتب القوم وغيرهم ما لا يحصى من القضايا التي فيها أخبار الأولياء بالغيبات ثم ذكر جملة من ذلك، إلى ان قال ولا ينافي الآيتان المذكورتان في السؤال لان علم الانبياء والأولياء انما هو باعلام من الله تعالى لهم وعلينا بذلك انما هو باعلامهم لنا وهذا غير علم الله تعالى الذي تفرد به وهو صفة من صفاته القديمة الازلية الدائمة الابدية المنزهة عن التغيير وسمات الحدوث والنقص المشاركة والانقسام بل هو علم واحد علم به جميع المعلومات كلياتها وجزئياتها ما كان منها وما يكون ليس بضرورى ولا كسبى ولا حادث بخلاف علم سائر الخلق. إذا تقرر ذلك فعلم الله تعالى المذكور هو الذي تمدح به واخبر في الآيتين المذكورتين بأنه لا يشاركه فيه أحد فلا يعلم الغيب إلا هو وما سواه ان علموا جزئيات منه فهو باعلامه واطلاعه لهم وح لا يطلق أنهم يعلمون الغيب إذ لا صفة لهم يقتدرون بها على الاستقلال بعلمه وايضاهم ما علموا وإنما علموا وايضا ما علموا غيبا مطلقا لان من اعلم بشيء منه يشاركه فيه الملائكة ونظراؤه ممن اطلع ثم اعلام الله تعالى الانبياء والأولياء ببعض الغيوب ممن لا يستلزم محالا بوجه فانكار وقوعه عناد ومن البداهة انه لا يؤدى إلى مشاركتهم له تعالى فيما تفرد به من العلم الذي تمدح به واتصف به في الأزل وما لا يزال وما ذكرناه في الآية صرح به النووى رحمه الله تعالى في فتاواه فقال معناها لا يعلم ذلك استقلالا وعلم احاطة بكل المعلومات إلا الله واما المعجزات والكرامات فبأعلام الله تعالى لهم علمت وكذا ما علم باجراء العادة انتهى (قلت) ومثل هذا ما ذكره العلامة المفتى أبو السعود افندي في تفسير قوله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا حيث قال والفاء لترتيب عدم الاظهار على تفرده تعالى بعلم الغيب على الاطلاق أي فلا يطلع على غيبه اطلاعا كاملا ينكشف به جلية الحال انكشافا تاما موجبا لعين اليقين احدا من خلقه إلا من ارتضى من رسول أي إلا رسولا ارتضاه لاظهاره على بعض غيوبه المتعلقة برسالته كما يعرب عنه بيان من ارتضى بالرسول تعلقهما اما لكونه من مبادى رسالته بان يكون معجزة دالة على صحتها واما لكونه من اركانها واحكامها كعامة التكاليف الشرعية التي امر بها المكلفون وكيفيات اعمالهم واجزئتها المترتبة عليها في الآخرة وما تتوقف هي عليه من أحوال الآخرة التي بيانها من وظائف الرسالة واما ما لا يتعلق بها على أحد الوجهين من الغيوب التي من جملتها وقت قيام الساعة فلا يظهر عليه احدا ابدا على ان بيان وقته محل بالحكمة التشريعية التي يدور عليها

ص: 313

فلك الرسالة وليس فيه ما يدل على نفى كرامات الأولياء المتعلقة بالكشف فإن اختصاص الغاية القاصية من مراتب الكشف بالرسل لا يستلزم عدم حصول مرتبة من تلك المراتب لغيرهم اصلا ولا يدعى أحد من الأولياء ما في رتبة الرسل عليهم السلام من الكشف الكامل الحاصل بالوحي الصريح انتهى (وحاصله) ان الله سبحانه وتعالى متفرد بعلم الغيب المطلق المتعلق بجميع المعلومات وانه انما يطلع رسله على بعض غيوبه المتعلقة بالرسالة اطلاعا جليا واضحا لا شك فيه بالوحى الصريح ولا ينافى ذلك ان يطلع بعض اوليائه على بعض ذلك اطلاعا دونه في الرتبة فمن ادعى علم بعض الحوادث الغائبة بوحى من اهله أو يكشف من ذوى الكرامات فهو صادق ودعواه جائزة لان اختص به تعالى هو الغيب المطلق على ان ما يدعيه العبد ليس غيبا حقيقة لأنه انما يكون باعلام من الله تعالى كما مر (و) كذا لو ادعاء أحد من آحاد الناس مستندا في ذلك إلى امارة نصبها تعالى على ذلك فقد قال الامام المرغيناني صاحب الهداية في كتابه مختارات النوازل واما علم النجوم فهو في نفسه حسن غير مذموم اذ هو قسمان * حسابي وانه حق وقد نطق به الكتاب قال تعالى (والشمس والقمر بحسبان) أي سيرهما بحساب * واستدلالي بسير النجوم وحركة الافلاك على الحوادث بقضاء الله تعالى وقدره وهو جائز كاستدلال الطبيب بالنبض على الصحة والمرض ولو لم يعتقد بقضاء الله تعالى أو ادعى علم الغيب لنفسه يكفر * ثم تعلم علم النجوم مقدار ما يعرف به مواقيت الصلاة والقبلة لا بأس به انتهى (و) مفهومه ان تعلم الزائد على ذلك مما يستدل به على الحوادث فيه بأس لانه مكروه لما فيه من ايقاع العامة في الشك لعدم علمهم بأنه انما علم ذلك بسبب عادة نصبه الله تعالى لذلك أو لما فيه من خوف الوقوع في اعتقاد تأثير النجوم في تلك الحوادث أو لما فيه من اظهار ما احب الله خفاءه فإنه لواحب اظهاره لنصب عليه علامة ظاهرة كما في الأمور التي جعل الله تعالى لها اسبابا ظاهرة يعلمها عامة الناس فلم يخف الله تعالى ما اخفاه منها الا لحكم باهرة فالتوصل إلى اظهاره والاطلاع عليه اخلال بتلك الحكم والله تعالى اعلم (وذكر) في الفتاوى الحديثية عن ابن الحاج المالكي فيمن قال النجوم تدل على كذا لكن بفعل الله تعالى يجرى الأمر في خلقه انه بدعة من القول منهى عنها فيؤدب ولا يكفر الا أن جعل للنجم تأثيرا فيقتل قال وظاهر كلام المارزى الجواز إلا إذا نسب ذلك لعادة اجراها الله تعالى* وقال ابن رشد (بفتح الراء والشين) ليس قول الرجل الشمس تكسف غدا بعلم الحساب كقول فلان يقدم غدا في جميع

ص: 314

الوجوه لان دعوى الكسوف ليست من علم الغيب لانه يدرك بالحساب فلا ضلال فيه ولا كفر لكن يكره الاشتغال به لأنه مما لا يعنى ولان الجاهل إذا سمع به ظن أنه من علم الغيب فيزجر فاعله ويؤدب عليه *وعن ابن الطيب ان ذلك جائز لانه مما يعلم بدقيق الحساب كالمنازل وهذا جائز تعلمه وتعليمه اجماعا فكذا الكسوف واعترض القول بتأديب قائله بانا إذا كنا نرى بالعيان صدقه واصابته كان ذلك مكابرة للحس واختلفوا في المنجم يقضى بتنجيمه فيقول انه يعلم متى يقدم فلان وما في الارحام ووقت نزول الامطار وحدوث الفتن والاهوال وما يسر الناس من الاخبار وغير ذلك من المغيبات فقال بعض المالكية انه كافر يقتل بلا استتابة وقال بعضهم يقتل بعد الاستتابة فإن تاب والا قتل وقال بعضهم يزجر ويؤدب* ووفق بعض محققهم بأنه ان كان يعتقد في النجوم أنها الفاعلة لذلك كله مستسرا بذلك فحضرته البينة أو اقر قتل بلا استتابة كالزنديق وإن معلنا به غير مسر بظهوره فهو كالمرتد فيستتاب والا قتل وإن كان مقرا بان النجوم لا تأثير لها في العالم والفاعل هو الله تعالى لكنه جعل النجوم دالة ولها امارة على ما يحدث في العالم فهذا يزجر عن اعتقاده ويؤدب عليه حتى يتوب عنه فإنه بدعة (ثم) قال في الفتاوى الحديثية وحاصل مذهبنا يعنى مذهب الشافعية في ذلك انه متى اعتقد ان لغير الله تعالى تأثيرا كفر فيستتاب فإن تاب والا قتل سواء اسر ذلك أو اظهره وكذا لو اعتقد انه يعلم الغيب المشار اليه بقوله تعالى لا يعلمها الا هو لانه مكذب للقرآن فإن خلا عن اعتقاد هذين فلا كفر بل ولا اثم ان قال علمت ذلك بواسطة القرينة والعادة الالهية أو نحو ذلك انتهى (وكذا) قال في كتابه الزواجر المنهى عنه من علم النجوم هو ما يدعيه اهلها من معرفة الحوادث الآتية في مستقبل الزمان كمجئ المطر ووقوع الثلج وهبوب الريح وتغير الاسفار ونحو ذلك يزعمون انهم يدركون ذلك الكواكب لاقترانها وافتراقها وظهورها في بعض الازمان وهذا علم استأثر الله تعالى به لا يعلمه أحد غيره فمن ادعى بذلك فهو فاسق بل ربما يؤدى به ذلك إلى الكفر فأما من يقول أن الاقتران والافتراق هو كذا جعله الله تعالى علامة بمقتضى ما اطردت به العادة الالهية على وقوع كذا وقد يتخلف فإنه لا اثم عليه بذلك وكذا الاخبار عما يدرك بطريق المشاهدة من علم النجوم الذي يعرف بها الزوال وجهة القبلة وكم مضى وكم بقى من الوقت فإنه لا اثم فيه بل هو فرض كفاية انتهى (وقد) عملات قدمناه عن مختارات النوازل ان مذهب الحنيفة في ذلك كمذهب

ص: 315

الشافعية (فقد) اتضح لك ما قررناه من جواز الاطلاع على بعض الأمور الغيبية معجزة أو كرامة أو امارة وعلامة عادية بتقدير الله تعالى اما لو ادعى ذلك من نفسه استقلالا أو بطريق أخبار الجن له بذلك زاعما عليهم الغيب أو بطريق الاستناد إلى تأثير الكواكب فهو كافر واما إذا اطلق وقال سيقع في اليوم الفلاني كذا وكذا فينبغى النظر في حال القائل فإن كان من أهل الديانة والصلاح والاستقامة يكون ذلك منه كرامة لأنه لا يخبر بذلك إلا عن صادق الالهام * أو عن كشف تام * أو عن رؤية منام* فقد وقع ذلك من ائمة الاعلام* كما مر عن الامامين أبي بكر وعمر وغيرهما وإن كان من آحاد الناس فقد مر عن عن البزازية من كتب الحنفية انه لو قال اعلم الاشياء المسروقة يكفر وكذا ما مر عنهم من لو ادعى علم الغيب نفسه يكفر * واما عند الشافعية فقد علمت ما مر من تفصيل الامام الرافعى (و) ينبغى اجراء هذا التفصيل عند الحنفية أيضا وحمل ما نقلناه عنهم على ما إذا ظهرت قرينة من حال ذلك القائل تدل على ارادة علمه ذلك من نفسه أو من أخبار الجن أو الكهنة معتقد اصدق ذلك * ففى جامع الفصولين روى الطحاوى عن اصحابنا لا يخرج الرجل من الايمان إلا جحود ما دخل فيه * ثم ما تيقن أنه ردة يحكم بها وما يشك انه ردة لا يحكم بها إذ الإسلام الثابت لا يزول بشك مع ان الإسلام يعلو وينبغي للعالم إذا رفع إليه هذا ان لا يبادر أهل الإسلام مع انه يقضى بصحة اسلام المكره انتهى (و) في الفتاوى الصغرى الكفر شيء عظيم فلا اجعل المسلم كافرا متى وجدت رواية انه لا يكفر انتهى (و) في الخلاصة وغيرها إذا كان في المسئلة وجوه توجب التكفير ووجه واحد يمنع التكفير فعلى المفتى ان يميل إلى الوجه الذي يمنع التكفير تحسينا للظن بالمسلم * زاد في البزازية إلا إذا صرح بارادة موجب الكفر فلا ينفعه التأويل ح (و) في التاتارخانية لا يكفر بالمحتمل لان الكفر نهاية في العقوبة فيستدعى نهاية في الجناية ومع الاحتمال لا نهاية انتهى كذا في البحر (و) قال بعد ذلك والذي تحرر أنه لا يفتى بكفر مسلم امكن حمل كلامه على محمل حسن أو كان في كفره اختلاف ولو رواية ضعيفة فعلى هذا فأكثر الفاظ التكفير المذكورة لا يفتى بالتكفير بها ولقد الزمت نفسى ان لا افتى بشيء منها انتهى كلامه رحمه الله تعالى (و) تمام ذلك في كتابنا تنبيه الولاة والاحكام* على احكام شاتم خير الانام * أو أحد اصحابه الكرام * عليه وعليهم الصلاة والسلام* فارجع إليه فإن فيه ما يشفى ويكفى في المرام * من جنس هذا الكلام [تنبيه] قد ظهر لك وبان * مما قررناه في هذا الشأن * ان من كان من أهل العلم والعرفان

ص: 316

واخبر عن امر حدث أو سيحدث في الزمان * مما اطلعه عليه الملك المنان * لا يحل لمسلم ذى دين وايمان * ان يتهمه بان ذلك عن أخبار الجان وبأنه ساحر وشيطان * وإن يحكم عليه بالكفر والزندقة والالحاد بمجرد داء الحسد والافتراء والعناد * فإن سهامه ترجع إليه * ودعاويه تعود عليه * ويظهر منه خبث العقيدة * وإن آراء غير سديدة * ويخشى عليه سرعة الانتقام * وسوء الختام * والعياذ بالله تعالى (ففى) الفتاوى الحديثية * سئل عن قوم من الفقهاء ينكرون على الصوفية اجمالا أو تفصيلا فهل هم معذورون أم لا فأجاب* بقوله ينبغى لكل ذى عقل ودين ان لا يقع في ورطة الانكار على هؤلاء القوم فإنه السم القاتل كما شاهد ذلك قديما وحديثا وقد قدمنا قصة ابن السقا المنكر على ولى الله تعالى فأشار له انه يموت كافرا فشوهد عند موته بعد تنصره لفتنته بنصرانية أبت منه إلا ان ينتصر مستقبل الشرق وكلما حول للقبلة يتحول إلى الشرق حتى طلعت روحه وهو كذلك وكان واحد أهل زمانه علما وذكاء وشهرة وتقدما عند الخليفة فحقت عليه الكلمة بواسطة انكاره وقوله عن ذلك الولى لا سألته مسئلة لا يقدر على جوابها (و) جاء عن المشايخ العارفين والائمة الوارثين انهم قالوا أول عقوبة المنكر على الصالحين ان يحرم بركتهم قالوا ويخشى عليه سوء الخاتمة نعوذ بالله من سوء القضاء (و) قال بعض العارفين من رأيتموه يؤذى الأولياء وينكر مواهب الاصفياء فاعلموا انه محارب الله مبعود مطرود عن قرب الله (و) قال الامام المجمع على جلالته وامامته أبو تراب النخشي رضى الله تعالى عنه إذا الف القلب الاعراض عن الله تعالى صحبته الوقيعة في اولياء الله تعالى (و) قال الامام العارف شاه أبو شجاع الكرماني ما تعبد متعبد بأكثر من التحبب إلى اولياء الله تعالى لان محبتهم دليل على محبة الله عز وجل (و) قال أبو القسم القشيرى قبول قلوب المشايخ للمريدا صدق شاهد لسعادته ومن رده قلب شيخ من الشيوخ فلا محالة يرى غب ذلك ولو بعد حين ومن خذل بترك حرمة الشيوخ فقد اظهر رقم شقاوته وذلك لا يخطى انتهى (و) يكفي في عقوبة المنكر على الأولياء قوله صلى الله تعالى عليه وسلم في الحديث الصحيح من آذى لى وليا فقد آذنته بالحرب أي اعلمته إلى محارب له ومن حارب الله تعالى لا يفلح ابدا وقد قال العلماء لم يحارب الله عاصيا إلا المنكر على الأولياء واكل الربا وكل منهما يخشى عليه خشية قريبة جدا من سوء الخاتمة إذ لا يحارب الله تعالى إلا كافر انتهى ملخصا * وقد أطال في ذلك فراجعه ان شئت (و) فيما ذكرناه كفاية المسترشدين. اعادنا الله واياهم ان نكون من المنكرين الجاحدين * وجعلنا

ص: 317

من المحبين الصادقين * لعباده الصالحين واوليائه العارفين * وحشرنا في زمرتهم يوم الدين [الخاتمة] في ترجمة هذا الامام أعلم انا لواردنا ان نستقصى ذكر من اعتقده ومن تبعه ومن اثنى عليه ومدحه * وذكر مآثره الجليلة * وصفاته الجميلة * تفصيلا أو اجمالا * لحاولنا امر امحالا * ولكنا نذكر من ذلك نبذة يسيرة لأنها سهلة شهيرة * وذكرها الامام الاوحد * والعلم المفرد * الشيخ محمد بن سليمان البغدادي الحنفى * النقشبندى في كتابه المسمى الحديقة النديه * في الطريقة النقشبندية * والبهجة الخالدية * في الباب الثاني منه حيث قال * اعلم ان شيخنا امدنا الله تعالى بمدده. وبارك في مدده. على ما ترجمه أحد الاخوان بما ملخصه * هو ابق إليها ذو الجناحين ضياء الدين حضرة مولانا الشيخ خالد الشهر زورى الأشعري عقيدة الشافعي مذهبا النقشبندى المجددى طريقة ومشربا القادرى السهوردى الكبروى الحشتى احازة ابن أحمد بن حسين العثمانى نسبا ينتهي نسبه إلى الولى الكامل ببر ميكائيل صاحب الاصابع الست المشهور بين الاكراد بشش انكشت يعني ست اصابع لان خلقة اصابعه كانت هكذا وهذا الولى معروف الانتساب إلى الخليفة الثالث منبع الحياء والإحسان ذى النورين عثمان بن عفان الاموى القرشي رضى الله تعالى عنه * العالم العلامة * والعلم الفهامة * مالك ازمة المنطوق والمفهوم * ذو اليد الطولى في العلوم * من صرف ونحو وفقه ومنطق ووضع وعروض ومناظرة وبلاغة وبديع وحكمة وكلام وأصول وحساب وهندسة واصطرلاب وهيئة وحديث وتصوف. العارف المسلك مربى المريدين. ومرشد السالكين ومحط رحال اولدين. وأمه بنتهى نسبها إلى الولى الكامل الفاطمي بير حضر المعروف النسب والحال بين الاكراد (ولد) قدس سره سنة الف ومائة وتسعين تقريبا بقصبة قره داغ من اكبر سناجق بابان وهى عن السليمانية نحو خمسة اميال تشتمل على مدارس وتكتنفها الحدائق وتنبع فيها عيون عذبة السلسال ونشأ فيها وقرأ ببعض مدارسها القرآن والمحرر للامام الرافعي في فقه الشافعية ومتن الزنجاني في الصرف وشيئا من النحو وبرع في النظم والنثر قبل بلوغ الحلم مع تدريب لنفسه على الزهد والجوع والسهر والعفة والتجريد والانقطاع على قدم أهل الضفة * ثم رحل لطلب العلم إلى النواحى الشاسعة * وقرأ فيها كثيرا من العلوم النافعية * و ورجع إلى نواحى وطنه * فقرأ فيها على العالم العامل. والتحرير الفاضل * ذى الاخلاق الحميدة* والمناقب السديدة * السيد الشيخ عبد الكريم البرزنجي رحمه الله تعالى * وعلى العالم المحقق الملا

ص: 318

صالح * وعلى العالم المحقق الملا إبراهيم البيارى * والعالم المدقق السيد الشيخ عبد الرحيم البرزنجى اخى الشيخ عبد الكريم * والعالم الفاضل الشيخ عبد الله الخرباني ثم رحل إلى نواحى كوى وحرير وقرأ شرح الجلال على تهذيب المنطق بحواشيه على العالم الزكى والتحرير الالمعي الملا عبد الرحيم الزياري المعروف بملازاده واخذ في تلك النواحى غير ذلك عن غيره (و) رجع إلى السليمانية ثانيا فقرأ فيها وفي نواحيها الشمسية والمطول والحكمة والكلام وغير ذلك وقدم بغداد فقرأ فيها مختصر المنتهى في الأصول * ورجع إلى محله الماهول. وحيث حل من المدارس. كان فيها الاتقى الأورع السابق في ميادين التحقيق كل فارس * لا يسئل عن مسئلة من العلوم الرسمية إلا ويجيب باحسن جواب * ولا يمتحن بعويصة من تحفة ابن حجر أو تفسير البيضاوى الا ويكشف عن وجوه خرائد فوائده النقاب * وهو يستفيد * ويفيد ويقرر ويحرر ويجيد * إلى انصاف وذكاء خارق * وقوة حفظ بذهن حاذق * مع تصاغره لدى الاساتذة والاقران * وتجاهله عن كثير من المسائل مع العرفان * فاشتهر خارق علمه * وطار إلى الاقطار صيت تقواه وذكائه وفهمه * إلى ان رغب بعض الأمراء في نصبه مدرسا قبل التكميل في إحدى المدارس. وإن يوظف له وظائف ويخصه بالنفائس * فلم يجبه إلى هذا المرام * زهدا فيما لديه من الحطام* قائلا انى الآن لست اهلا لهذا المقام * فرحل بعد هذا إلى سنندج (بفتح السين والنون وضم الدال المهمله) ونواحيها فقرأ فيها العلوم الحسابية والهندسيه * والاصطر لأبيه والفلكيه على العالم المدفق جغمينى عصره * وقوشجي مصره * الشيخ محمد قسيم السنندجى وكمل عليه الماده *على العاده * فرجع إلى وطنه قاضي الأوطار وصيته إلى اقصى الاقطار طار* فولى بعد الطاعون الواقع في السليمانية سنة الف ومائتين وثلاثة عشر تدريس مدرسة اجل اشياخه المتوفى بالطاعون المذكور الشيخ السيد عبد الكريم البرزنجى فشرع يدرس العلوم * وينثر المنطوق منها والمفهوم. غير راكن إلى الدنيا ولا إلى اهلها مقبلا على الله تعالى متبتلا إليه باصناف العبادة فرضها ونقلها * لا يتردد إلى الحكام * ولا يحابى احدا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتبليغ الاحكام * لا تأخذه في الله لومة لائم * وهو نافذ الكلمة محمود السيرة يأخذ بالعزائم * حتى صار محسود صنفه * عزيزا في وصفه مع الصبر على الفقر والقناعة * واستغراق الاوقات بالافادة والطاعة إلى ان جزبه سنة عشرين شوق حج بيت الله الحرام * وتوق زيارة روضة خير الانام * عليه الصلاة والسلام * فتجرد عن العلائق * وخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله

ص: 319

الصادق * فرحل هذه الرحلة الحجازيه من طريق الموصل وديار بكر والرها وحلب والشام * واجتمع بعلمائها الاعلام * وصحب في الشام ذهابا وايابا العالم الهمام شيخ القديم والحديث * ومدرس دار الحديث الشيخ محمد الكزبرى * رحمه الله تعالى * وسمع منه واخذ عنه* فخرج منها على جادة العزائم * باحسن قدم * يطعم ولا يطعم * فوصل المدينة المنورة * ومدح الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم * بقصائد فارسية بليغة محرره * ومكث فيها قدر ما يمكث الحاج * وصار جامة ذلك المسجد الوهاج * قال وكنت افتش على أحد من الصالحين * لا تبرك ببعض نصائحه * واعمل بها كل حين * فلقيت شخصا يمنيا متريضا * عالما عاملا صاحب استقامة وارتضا * فاستنصحته استنصاح الجاهل المقصر * من العالم المتبصر فنصحني بأمور منها لا تبادر في مكة بالانكار على ما ترى ظاهره يخالف الشريعة * فلما وصلت إلى الحرم المكي وانا مصمم على العمل بتلك النصيحة البديعه * بكرة يوم الجمعة إلى الحرم * لاكون كمن قدم بدنة من النعم * فجلست إلى الكعبة الشريفة اقرأ الدلائل * إذ رأيت رجلا ذا لحية سوداء عليه ذى العوام قد اسند ظهره إلى الشاذروان ووجهه إلى من غير حائل * فحدثنى نفسى ان هذا الرجل لا يتأدب مع الكعبة ولم اظهر عتبه * فقال لى يا هذا اما علمت ان حرمة المؤمن عند الله تعالى اعظم من حرمة الكعبة * فلماذا تعترض على استدبارى الكعبة وتوجهي إليك * اما سمعت نصيحة من في المدينة واكد عليك * فلم اشك انه من أكابر الأولياء وقد تسربل بامثال هذه الاطوار عن الخلق فانكببت على يديه وسألته العفو وإن يرشدني بدلالته إلى الحق * فقال لى فتوحك لا يكون في هذه الديار * وأشار بيده إلى الديار الهنديه وقال تأتيك إشارة من هنالك فيكون فتوحك في هاتيك الاقطار * فايست من تحصيل شيخ في الحرمين يرشدني إلى المرام * ورجعت بعد قضاء المناسك إلى الشام * انتهى * فاجتمع ثانيا بعلمائها * وحل في قلوبهم محل سويدائها * فأتى إلى وطنه بعد قضاء وطره بالبركات* وباشر تدريسه بزيادة على زهده الأول وعده الحسنات الأولى سيئات * إلى ان إلى السليمانية شخص هندي من مريدي شيخه الآتي وصفه * فاجتمع به واظهر احتراقه واشتياقه لمرشد كامل يسعقه * فقال الهندى ان لى شيخا كاملا * عالما عاملا * عارفا بمنازل السائرين إلى ملك الملوك خبيرا بدقائق الإرشاد والسلوك * نقشبندى الطريقة * في علم الحقيقة فسر معى حتى نرحل إلى خدمته في جهان اباد * وقد سمعت إشارة بوصول مثلك هناك إلى المراد * فرحل سنة الف ومائتين وأربعة وعشرين

ص: 320

الرحلة الهنديه من طريق الرى * يطوى بايدى العيس بساط البيد اسرع طى * فوصل طهران * وبعض بلاد ايران * والتقى مع مجتهد هم المتضلع بضبط المتون والشروح والحواشي * إسمعيل الكاشي * فجرى بينهما البحث الطويل * بمحضر من جمهور طلبة إسمعيل * فافحمه افحاما اسكته * وانطق طلبته * بان ليس لنا من دليل * ولا قيل * ثم دخل بسطام وخرقان و سمنان * ونيسابور ثم بلدة هراة من بلاد الافغان واجتمع مع علمائها فحاوروه في ميدان الأمتحان* ولما رحل عنهم ودعوه بمسير اميال * لما شاهدوا فيه من بديع الحال * ووصل قندهار وكابل ودار العلم نيشاور * فاجتمع بجم غفير من علمائها وامتحنوه بمسائل من علم الكلام وغيره ثم رحل إلى بلدة لاهور فسار منها إلى قصبة فيها العالم النحرير * والولى الكبير * اخى شيخه في الطريقة الشيخ المعمر الولى ثناء الدين النقشبندى قال فبت في تلك القصبة ليلة فرأيت في واقعة انه قد جذبنى من خدى باسنانه يجرنى إليه وانا لا انجر فلما اصبحت ولقيته قال لى من غير ان اقص الرؤيا عليه سر على بركة الله تعالى إلى خدمة اخينا الشيخ عبد الله فعرفت انه قد اعمل همته الباطنية العلية ليجذبي إليه فلم ييسر لقوة جاذبة شيخي المحول فتوحى عليه * فرحلت من تلك القصبة اقطع الانجاد والاوهاد* إلى ان وصلت إلى دار السلطنة الهنديه وهي المعروفه بجهان آباد * بمسير سنة كاملة * وقد ادركتني نفحاته واشاراته قبل وصولى بنحو أربعين مرحله * وهو اخبر قبل ذلك بعض خواص اصحابه بوفودي إلى اعتاب قبابه * انتهى * وليلة دخوله بلدة جهان اباد انشأ قصيدته العربية الطنانه من بحر الكامل يذكر فيها وقائع السفر وتخلص إلى مدح شيخه مطلعها

كملت مسافة كعبة الأمال

جدا لمن قدمن بالاكمال

وهى طويلة وله غيرها من المقاطيع العربية وفى الفارسية قصائد ومقاطيع كثيرة انسيه منها قصيدة غراء في مدح شيخه قدس سره أيضا * وبعد وصوله تجرد ثانيا عما عنده من حوائج السفر * وانفقه كله على المستحقين ممن حضر * فأخذ الطريقة العلمية النقشبنديه بعمومها وخصوصها * ومفهومها ومنصوصها * على شيخ مشايخ الديار الهنديه ووارث المعارف والاسرار المجدديه * سباح بحار التوحيد * سياح قفار التجريد * قطب الطرائق * وغوث الخلائق* ومعدن الحقائق * ومنبع الحكم والإحسان والايقان والدقائق * العالم النحرير الفاضل * والعلم المفرد الكامل * المتجرد عماوى مولاه * حضرة الشيخ عبد الله الدهلوي قدس سره واشتغل بخدمة الزاوية * مع الذكر الملقن بالمجاهدة

ص: 321

فلم يمض عليه نحو خمسة اشهر حتى صار من أهل الحضور والمشاهدة وبشره شيخه ببشارات كشفيه * وقد تحققت بالعيان * وحل منه محل إنسان العين من الإنسان * مع كثرة تصاغره بالخدم * وكسره لدواعى النفس بالرياضات الشاقة وتكليفها خطط العدم * فلم تكمل عليه السنة حتى صار الفرد العلم * والله ذو الفضل الاعظم * وشهد له شيخه عند اصحابه وفى مكاتيبه المرسلة إليه بخطه المبارك بالوصول إلى كمال الولاية * واتمام السلوك العادى مع الرسوخ والدرايه * واجازه بالارشاد وخلفه الخلافة التامة* في الطرائق الخمسه * النقشبنديه * والقادريه والسهر ورديه * والكبرويه والجشتيه * واجازه بجميع ما يحوز له روايته من حديث وتفسير وتصوف واحزاب واوراد * ثم ارسله بعد ملازمته سنة بأمر مؤكد لم يمكنه التخلف عنه إلى هذه الاقطار والبلاد ليرشد المسترشدين * ويربى السالكين * باتقن ارشاد * وشيعه بنفسه نحو أربعة اميال * ليأتى إلى اوطانه ممتثلا للأمر الواجب الأمتثال * سائرا في طريقه برا وبحرا نحو خمسين يوما لم يطعم طعاما فيه ولم يشرب الماء متغذيا مترويا بالعبادة والذكر حتى خرج من بندر مسقط إلى نواحي شيراز * ويزد * واصفهان * يعلن بالحق اينما كان وكم مرة تجمع بعض الروافض لضربه وقتله * بعد عجزهم عن ادلة عقله ونقله * فهجم عليهم بسيفه البتار * فنكصوا على اعقابهم وولوا الادبار (ثم) اتى همدان وسنندج فوصل السليمانية سنة ست وعشرين باستقبال أعيان وطنه معززا مكرما فقدم في تلك السنة بلدتنا الزوراء ليزور الأولياء* فنزل في زاوية الغوث الاعظم * سيدنا الشيخ عبد القادر الجبلى* قدس سره الأقوم * وابتدأ هناك بارشاد الناس* على احكم اساس * فمكث نحو خمسة اشهر ثم رجع إلى وطنه بشعار الصوفية الاكابر* مرشدا في علمى الباطن والظاهرا. ولما اطردت سنة الله في الذي خلوا من قبل ان جعل حساد الكل من تفرد في الفضل * هاج عليه بعض معاصريه ومواطنيه بالحسد والعداوة والبهتان * ووشوا عليه عند حاكم كردستان* بأشياء تنبو عن سماعها الاذان. وهو برئ منها بشهادة البداهة والعيان. فلم يقابل صنيعهم الشنيع * إلا بالدعاء الهم وحسن الصنيع * فلم تخب نارهم * وزاد شرهم وعوارهم * فخلاهم * وشانهم في السليمانية ورحل إلى بغداد سنة ثمانية وعشرين مرة ثانية فالف الذي تولى كبر البهتان من المنكرين رسالة عاطلة عن الصدق والصواب. ومهرها بمهور اخوانه المنكرين مشحونة بتضليل الشيخ المترجم وتكفيره ولم يخشوا مقت المنتقم شديد العقاب* وارسلها إلى والى بغداد سعيد باشا يحرضه على اهانته * واخراجه

ص: 322

من بغداد بسعايته فبصره الله تعالى بدسائسهم الناشئة عن الحسد والعناده وامر بعض العلماء بردها على وجه السداد* فانتدب له العالم النحرير * الدارج إلى رحمة الله القدير * محمد امين افندى مفتى الحملة سابقا * وكان مدرس المدرسة العلوية لاحقا بتأليف رسالة طعن باسنة ادلتها اعجازهم فولتهم الادبار ثم لا ينصرون * وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون * ومهرت بمهور علماء بغداد. وارسلت إلى المنكرين فسقلتهم بالسنة حداد. فتخبت نارهم * وانطمست آثارهم* ورجع بعد هذه الأمور إلى السليمانية محفوفا بالكمالات الاحسانية. وبالجملة انتفع به خلق كثيرون من الاكراد واهل كركوك واربل والموصل والعماديه وعينتاب وحلب والشام والمدينة المنوره ومكة المعظمة وبغداد * وهو كريم النفس حميد الاخلاق باذل الندا * حامل الاذا * حلو المفاكهة والمحاضره * رقيق الحاشيه والمسامرة * ثبت الجنان* بديع البيان طلق اللسان * لا تأخذه في الله لومة لائم * يأخذ بالاحوط والعزائم * يتكفل الارامل والايتام * شديد الحرص على نفع الإسلام (وله) من المؤلفات حاشية نفيسة لم ينسج على منها لها على الخيالى (و) حاشية الحفيدية السيالكوتيه (و) حاشية على نهاية الرملى في فقه الشافعي إلى باب الجمعة (و) حاشية على جمع الفوائد من كتب الحديث (و) رسالة عجيبة سماها العقد الجوهرى في الفرق بين كسبى الماتريدى والاشعرى (و) رسالة في الرابطة في اصطلاح السادة النقشبنديه (و) شرح لطيف على مقات الحريرى لكنه لم يكمل (و) شرح على حديث جبريل جمع فيه عقائد الإسلام إلا انه باللغة الفارسية واكثر شعره فارسي (وله) ديوان نظم بديع * ونثر يفوق ازهار الربيع * وهو الآن اعنى سنة ثلاثة وثلاثين * يدرس العلوم من حديث وأصول وتصوف ورسوم* ويربى السالكين على احسن حال واجمل منوال * وقد مدحه ادباء عصره من مريديه وغيرهم بقصائد فارسية وعربيه * ورحل إليه كثير من الاقطار الشرقية والغربية * وبابه محط رحال الافاضل * ومخيم أهل الحاجات والمسائل* لم يشغله الخلق عن الحق * ولا الجمع عن الفرق* لا زال ظله ممدودا * ولواء ترويج الشريعة والطريقة بوجوده معقودا * امين ان الذي قلت بعض من مناقبه * ما زدت الا لعلى زدت نقصانا انتهى ما كتبه في الحديقة النديه مع حذف بعض من عباراته السنيه * روما للاختصار * وعدم الاملال والاضجار * ومن أراد الزيادة على ذلك من اوصاف هذا الامام * فليرجع إلى الكتاب الذي الفه فيه الامام الهمام خاتمة البلغا * ونادرة النبغاء الاوحد السند * الشيخ عثمان سند

ص: 323

الذي سماء اصفى الموارد * في ترجمة حضرة سيدنا خالد* فإنه كتاب لم يحك ببنان البيان على منواله * ولم تنظر عين إلى مثاله * ما اشتمل عليه من الفقرات العجيبه * والقصائد الرائقة الغربيه * عارض فيه المقامات الحريريه والاشعار الحسانيه والجريريه (ثم) ان حضرة الامام المترجم قد تفضل الله تعالى به على أهل الشام وانعم * حيث جعلها محل قراره* ومحط رحاله وتسياره* ودخلها سنة ثمانية وثلاثين بخدمه وحشمه وجملة من الخلفاء والمريدين * فغصت ابوابد بالزحام وهرع إلى خدمته الخاص والعام * يتبرك بزيارته الامراء والحكام * نافذ الكلمة فيهم بلا نقض ولا إبرام* تتواد عليه المكاتبات من أعيان الدولة المنصورة * وامراء عامة الاقطار المعمورة. وهو مع ذلك لم يشتغل عن نشر العلوم الشرعيه * واشادة شعار الطريقة النقشبنديه وإرشاد السالكين * وتربية المريدين * واحياء كثير من مساجد دمشق الشام قد آلت إلى الاندراس والانهدام* بإقامة الصلوات والاوراد والاذكار وإرشاد الحلق إلى طرق السادة الابرار* حتى صار عين جلق * ويدرها المتالق* ودر تاجها * وسبب رواجها* والمشار إليه من بين اهلها والمعول عليه في دفع الملمات وحلها مالى ان اصيبت بعين الزمان * ورميت بطوارق الحدثان * بسبب الطاعون الداعي إلى الهلاك والحتف * الواقع فيها عام اثنين واربعين ومائتين والف * قلبي داعيه المجاب إلى دار المقام في ليلة الجمعة لاربع عشرة خلون من ذي القعدة الحرام * ذلك العام * بعد ما قدم بين يديه ولدين تجيبين جعلهما الله له فرطين * فكان لهما الثالث * واسرع بلحاقهما غير متأخر ولا ناكث * ودفن بسفح قاسيون المشهور * في مكان موات بعيد عن القبور * احتفره لنفسه قبل وفاته بايام * استعدادا للموت المحتوم على الانام * وكان ذلك بعد شروعي في الفصل الرابع من هذه الاوراق * قبيل وصولى إلى خاتمتها الداعية للاشواق *ولقد دخلت عليه اعزيه بولده الاخير* فوجدته يضحك بوجه مستنير * وقال لى انا أحمد الله حيث أجد في قلبي الحمد والرضا أكثر من الاسترجاع على مر القضا ثم زرته يوم الثلاثا الحادى عشر من ذى القعدة قبل الغروب من ذلك اليوم* فذكرت له انى رأيت منذ ليلتين في النوم * ان سيدنا عثمان بن عفان ميت وانا واقف اصلى عليه فقال لى انا من اولاد عثمان فكأنه يشير إلى ان هذه الرؤيا تومئ إليه ثم اخبرت انه لما صلى العشاء التفت إلى مريديه فاستخلف واوصى وفعل ما أراد واستقصى * ثم دخل إلى بيته فطعن تلك الليلة ليفوز بقسم الشهادة

ص: 324

* وينال الحسنى وزياده * فرحم الله تعالى روحه * ونور مرقده وضريحه * * ومتعه بما كان غاية متمناه * وافنى عمره في طلبه ورجاء من الفوز بلذة النظر * إلى وجهه الكريم * في دار النعيم المقيم * وجمعنا واياه تحت ظل عرشه يوم لا ظل الا ظله الوريف * في مقعد صدق ومقام منيف * انه على ما يشاء قدير * وبالاجابة جدير * صلى الله تعالى على سيدنا محمد النبي المكرم * والرسول المعظم * وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين

ص: 325

(قال سيدى المؤلف رحمه الله تعالى)

(وقلت فيه * اندبه وارثيه * واذكر بعض فضائله الجمه)

(بقصيدة جعلتها للخاتمة تتمه)

أي ركن من الشريعة مالا

فرأيناه قد امال الجبالا

مذ رزئنا باوحد العصر علما

وبهاء وبهجة وكمالا

واجتهادا وطاعة وصفاء

وسخاء وعفة ونوالا

هو بحر العلوم شرقا وغربا

ويمينا وقبلة وشمالا

فإذا عن مشكل كل عنه

كل شهم يحل عنه الشكالا

مذ تجلى سناه فينا ارانا

كل بدر وقت الكمال هلالا

وسقى أهل عصره كاس قرب

وحساهم منه الرحيف الزلالا

هو قطب عليه دارت رحى العر

فإن وهو الفريد قالا وحالا

هو شيخ السلوك من نال هديا

من سناه فقد تركي فعالا

ولعثمان ذى الحياء وذى النو

رين صح انتسابه اجلالا

وبه ازدان ديننا وطريق النـ

ـقشبندى زاد منه جمالا

ما رأينا كعلمه وتقاه

ولجدواه ما رأينا مثالا

دمت الخلق لم يكدر صفاه

جاهل رام منه شيأ محالا

كثرت حاسدوه فازداد هديا

مذ اشاعو الردى وزادوا ضلالا

ورموه بالافك ظلما وراموا

ذله مذراوه فاق خصالا

فتغاضى عن القبيح وابدى

ما به زاد رفعة وجلالا

ايظن الحسود يطفى نورا

قد أراد الاله ان يتلالا

دأبه نشر حكمة وعلوم

كم به مبعد تقرب حالا

كعداد النجوم اتباعه في

كل قطر به صفوا اعْمالا

كم له من خليفة زاد قربا

وامتطى في التقى مقاما تعالى

كم به مسجد اعبد سناه

واكتسي جماله سربالا

ولكم عال عاجرا وفقيرا

فقضى من نواله آمالا

ولكم شاد سنة قد تداعت

وشفى باللسان داء عضالا

ولكم حاز خصله قد تسامت

دونها النجم في علاء منالا

ص: 326

ومزايا إذا اردت عداد الـ

ـقل منها فلست تحصى الرمالا

قد اجاب الاله لما دعاه

ولدار النعيم رام انتقالا

فبكته العيون دمعا عزيرا

فكأن العيون اضحت ثكالا

خالد القطب ان يزل فهداه

خالد في الانام ليس مزالا

فعليه من المهيمن رحمى

كل حين على ثراه توالى

ما سرى في الضمير ذكر خفى

وارتضاه سبحانه وتعالى

تمت

(وقد شطر هذه المرثية العلامة الفاضل المنلا دواد)

(البغدادي الخالدي النقشبندى فقال)

أي ركن من الشريعة مالا

قد فدته الانام روحا ومالا

زلزل الأرض فقده ودهاها

(فرايناه قد ازال الجبالا)

(مدرزئنا باوحد العصر علما

اظم الكون من اساه وحالا

فاق كل الانام فضلا ونورا

(وبهاء وبهجة وكمالا)

(واجتهاد أو طاعة وصفاء)

وحياء وقربة ووصالا

وسجايا كالزهر حسنا وحلما

(وسخاء وعفة ونوالا)

(هو بحر العلوم شرقا وغربا)

مستفيض للعارفين سجالا

طافح للورى يعم وراء

(ويمينا وقبلة وشمالا)

(فإذا عن مشكل كل عنه)

ثاقب الفهم فالعلوم ازالا

وإذا معقد المسائل ايدى

(كل شهم يحل عنه الشكالا)

(مذ تجلى سناه فينا ارانا)

طرق العلم صحة واعتلالا

واحتقرنا سواه حتى راينا

(كل بدر وقت الكمال هلالا)

(وسقى أهل عصره كاس قرب)

من عصير الذكر الالهى استحالا

فحثاهم من فيضه وحياهم

(وحساهم منه الرحيق الزلالا)

(هو قطب عليه دارت رحى العر

فإن) خدامه سمت ابدالا

وهو غوث الانام في سائر الاز

(مان وهو الفريد قالا وحالا)

(هو شيخ السلوك من نال هديا)

بهداه ما مل يوما ومالا

بل ومن قد سرى له بعض نور

(من سناه فقد تزكى فعالا)

ص: 327

(ولعثمان ذى الحياء وذى النو

رين) تلقاه تابعا مفعالا

فهو فرع من أصله وعلى الحا

(لين صح انتسابه اجلالا)

(وبه ازدان ديننا وطريق ال)

حق ايدى تبسما وتحالا

واشاد الدين القويم وجمع ان

(نقشبندي زاد منه جمالا)

(ما رأينا كعلمه وتقاه)

ماضى الدهر بل ولا استقبالا

ما سمعنا في عصره كعلاه

(ولجدواه ما راينا مثالا)

(دمت الخلق لم يكدر صفار)

خابط وتغالا

عالم ما اشانه قط يوما

(جاهل رام منه شيأً محالا)

(كثرت حاسدوه فازداد هديا)

حين لم يلق للعداوة بالا

فهو لا زال حافظا لهداه

(مذا شاعوا الردى وزادوا ضلالا)

(ورموه بالافك ظلما وراموا)

ان ينالوا منه فعاد وبالا

زاده الله عزة حين شاؤا

(ذله مذ رأوه فاق خصالا)

(فتغاضى عن القبيح وايدى)

لجميل الصفات منه احتمالا

وحباهم من خالص الحلم عفوا

(ما به زاد رفعة وجلالا)

(ايظن الحسود يطفئ نورا)

بفم نفخه يزيد اشتعالا

ويحه كيف يطفئ نور عبد

(قد أراد الاله ان يتلالا)

(دأبه نشر حكمة وعلوم)

اصرف العمر في هداها اشتغالا

باله كامل بعلم ورشد

(كم به مبعد تقرب حالا)

(كعداد النجوم اتباعه في)

زرقات اتباعه تتوالا

اخلص الناس مذ رأوه لهذا

(كل قطر به صفوا اعمالا)

(كم له من خليفة زاد قربا)

فتراه في حضرة القدس جالا

قد ترقى من فيضه واستحقا

(وامتطى في التقى مقاما تعالا

(كم به مسجد اعيد سناه)

بعد ما كان دائرا اهمالا

فانارت ارجاؤه بعمار

(واكتسى من جماله سربالا)

(ولكم اعال عاجزا وفقيرا)

فعلاهم بفضله ما عالا

ولكم اغمر الوجود بجود

(فقضى من نواله آمالا)

(ولكم شاد سنة قد تداعت)

وهو احيا مواتها استعمالا

وهو بالحال كم اجار صريخا

(وشقى باللسان داء عضالا)

(ولكم حاز حكمة قد تسامت)

فاداست بسط اللعالى النعالا

ص: 328

ولكم رتبة ترقى إليها

(دونها النجم في علاه منالا

ومزايا إذا اردت عداد ال)

عشر اعجزت في الوجود الرجالا

وكراماته إذا شئت احصا ال

(قل منهما فلست تحصى الرمالا)

(قد اجاب الاله دعاه)

للقا ملبيا اعجالا

واشتهى ان يفوز بالقرب منه

(ولدار النعيم رام انتقالا)

(فبكته العيون دمعا غزيرا)

فاسالت مثل العيون انهمالا

فقدته وكان عين ضياهم

(فكأن العيون اضحت ثكالا)

(خالد القطب ان يزل فهداه)

مستقيم وثابت لم يزالا

فهو باق بالله بعد فناء

(خالد في الانام ليس مرالا)

(فعليه من المهمين رحمى)

كلما هبت الرياح شمالا

وغيوث الرضوان بالفضل تهمى

(كل حين على ثراه توالا)

(ما سرى في الضمير ذكر خفى)

فاستفاد الوجود منه ونالا

أو بدي ورد عامل بصلاة

(وارتضاه سبحانه وتعالى

ص: 329

الفوائد العجيبة في إعراب الكلمات الغربية

للمرحوم الشريف السيد محمد عابدين تغمده الله برحمته واسكنه فسيح جناته

ص: 329

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده * وصلى الله على من لا نبي بعده * وآله الطاهرين وصحابته اجمعين (وبعد) فيقول فقير رحمة ربه * واسير وصمة ذنبه محمد امين بن عمر عابدين قد عن لى الكلام على بعض الفاظ شاع استعمالها بين العلماء * وهي مما فى اعرابه أو معناه اشكال أو خفاء * بعبارات تحل العقال * وتوضح المقال (وسميتها الفوائد العجيبة * في اعراب الكلمات الغريبة)

(فأقول) والله المستعان * وعليه التكلان

(منها) قولهم هلم جرا فهلم بمعى تعال وهو مركب من هاء التنبيه ومن لم أي ضم نفسك الينا واستعمل استعمال البسيط يستوى فيه الواحد والجمع والتذكير والتأنيث عند الحجازيين كذا في القاموس وسبقه إلى ذكره صاحب الصحاح وتبعه السفاني فقالا تقول كان ذلك عام كذا وهلم جرا إلى اليوم انتهى ولا يخفى عدم جريان ما قاله في القاموس في مثل هذا وتوقف الجمال ابن هشام في كون هذا التركيب عربيا محضا وساق وجوه توقفه في رسالة له واجاب عن ذكره في الصحاح ونحوه وذكر ما للعلماء في اعرابه ومعناه وما يرد عليه ثم قال فلنذكر ماظهر لنا في توجيه هذا اللفظ بتقدير كونه عربيا فنقول هلم هذه هي القاصرة التي بمعنى أئت وتعال إلا ان فيها تجوزين (أحدهما) انه ليس المراد بالأتيان هنا المجئ الحسى بل الاستمرار على الشيء والمداومة عليه كما تقول امش على هذا الأمر وسر على هذا المنوال ومنه قوله تعالى (وانطلق الملأ منهم ان امشوا واصبروا على آلهتكم) المراد بالانطلاق ليس الذهاب الحسى بل انطلاق الالسنة بالكلام ولهذا اعربوا ان تفسيرية وهى انما تأتى بعد جملة فيها معنى القول كقوله تعالى (فاوحينا إليه ان اصنع الفلك) والمراد بالمشى ليس المشى على الاقدام بل الاستمرار والدوام أي دوموا على عبادة اصنامكم واحبسوا انفسكم على ذلك (الثاني) انه ليس المراد الطلب حقيقة وإنما المراد الخبر وعبر عنه بصيغة الطلب كما في قوله تعالى (ولنحمل خطاياكم فليمدد له الرحمن مدا) وجرا مصدر جره يجره إذا سحبه ولكن ليس المراد الجر الحسى بل المراد التعميم كما استعمل السحب بهذا المعنى الا ترى انه يقال هذا الحكم منسحب على كذا أي شامل له فإذا قيل كان ذلك عام كذا وهلم جرا فكأنه قيل واستمر ذلك في بقية الاعوام استمرارا أو استمر مستمرا على الحال المؤكدة وذلك ماش في جميع الصور وهذا هو الذي يفهمه الناس من هذا الكلام وبهذا التأويل ارتفع اشكال العطف فإن هلم ح خبر واشكال التزام افراد الضمير إذ فاعل هل هذه مفرد ابدا

ص: 330

كما تقول واستمر ذلك أو واستمر ما ذكرته (ومنها) قولهم ومن ثم وهى في الأصل موضوعة للمكان البعيد وإذا وقعت في عباراتهم يقولون ومن هناك أو من هنا أي من اجل ذلك كان كذا فإذا فسروها بهناك ففيه تجوز من جهة واحدة وهى استعمالها في المكان المجازى وإذا فسروها بهنا ففيه تجوزان (الأول) وكونها في القريب ولكن الجمع بين تفسيرها بهنا القريب وبين قولهم أي من اجل ذلك كما وقع للعلامة الجلال المحلى في شرحه على جمع الجوامع فيه منافاة لان ذلك من اشارات البعيد اللهم إلا ان يقال استعمل هنا في البعيد مجازا وذلك في القريب كذلك أو يقال كما قال بعضهم اشار اولا بهنا إلى قرب المشار إليه لقرب محله وما فهم منه (وثانيا) بذلك إلى بعده باعتبار ان المعنى غير مدرك حسا فكأنه بعيد) وفي شرح التسهيل للدماميني ما نصه وانظر في قول العلماء ومن ثم كان كذا هل معناه معنى هنالك أي التي للبعد أو معنى هنا التي للقرب والظاهر هو الثاني انتهى * ثم مما ينبغي التأمل في علاقة هذا المجاز وفي قرينته ويمكن ان تجعل العلاقة المشابهة فإن المعنى محل للفكر وحده إليه بملاحظته المرة بعد الأخرى كما ان المكان محل للجسم والتردد إليه باثباته المرة بعد الأخرى أو الإشارة للالفاظ فأنها محل للمعنى كما ان المكان محل المجسم والقرينة استحالة كون المعنى أو الالفاظ مكانا حقيقيا وقال بعضهم في قول ابن الحاجب ومن ثم اختلف في رحمن قوله ومن ثم الإشارة إلى المكان الاعتباري كأنه شبه الاختلاف المذكور في شرط تأثير الألف والنون انه انتفاء فعلانة أو وجود فعلى بالمكان في ان كلا منهما منشأ أمر إذا المكان منشاء النباتات والاختلاف المذكور منشأ اختلاف اخر وهو الاختلاف في صرف رحمن فجعل الاختلاف المذكور من افراد المكان ادعاء ثم شبه المكان الاعتبارى بالمكان الحقيقى لاشتراكهما في المكانية فذكر اللفظ الموضوع للمكان انتهى (ومنها) قولهم أيضا هو مصدر آض يئيض واصل آض ايض كباع تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت الفا واصل يئيض ييئض بزنة يفعل نقلت حركة الياء إلى الهمزة واما اعرابه فذكر ابن هشام في رسالة تعرض فيها للمسئلة ان جماعة توهموا ان منصوب على الحال من ضمير قال وإن التقدير وقال أيضا أي راجعا إلى القول وهذا لا يحسن تقديره إلا إذا كان هذا القول صدر من القائل بعد صدور القول السابق له وليس ذلك بشرط بل تقول قلت اليوم كذا وقلته امس أيضا وكتبت اليوم وكتبت امس أيضا قال والذي يظهر لى انه مفعول مطلق حذف عامله أو حال حذف عاملها وضاحبها أي ارجع إلى الاخبار رجوعا ولا اقتصر على ما قدمت أو اخبر راجعا فهذا هو

ص: 331

الذي يستمر في جميع المواضع ومما يونسك بان العامل محذوف انك تقول عنده مال وايضا علم فلا يكون قبلها ما يصلح للعمل فيها فلابد حينئذ من التقدير واعلم انها انما تستعمل في شيئين بينهما توافق ويغنى كل منهما عن الآخر فلا يجوز جاء زيد أيضا ولا جاء زيد ومضى عمرو أيضا ولا اختصم زيد وعمرو أيضا انتهى ملخصا (ومنها) قولهم اللهم إلا ان يكون كذا و نحوه اقول أصله يا الله حذف حرف الندا وعوض عنه الميم للتعظيم والتفخيم ولا تدخل عليها يا فلا يقال يا اللهم إلا شذوذا في الشعر كما قال ابن مالك

والاكثر للهم بالتعويض

وشذيا اللهم في قريض

ثم الشائع استعمالها في الدعاء ولذا قال بعض السلف اللهم مجمع الدعاء وقال بعضهم الميم في قول اللهم فيه تسعة وتسعون اسما من أسماء الله تعالى واوضحه بعضهم بان الميم تكون علامة المجمع لانك تقول عليه للواحد وعليهم للمجمع فصارت الميم في هذا الموضع بمنزلة الواو الدالة على الجمع في قولك ضربوا وقاموا فلما كانت كذلك زيدت في اخر اسم الله تعالى لتشعر وتؤذن بان هذا الاسم قد اجتمعت فيه أسماء الله تعالى كلها فإذا قال الداعى اللهم فكأنه قال يا الله الذي له الأسماء الحسنى قال ولاستغراقه أيضا لجميع أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته لا يجوز ان يوصف لأنها قد اجتمعت فيه وهو حجة لما قال سيبويه في منعه وصفه انتهى ثم انهم قد يأتون بها قبل الاستثناء إذا كان الاستثناء نادرا غريبا كأنهم لندوره استظهروا بالله في اثبات وجوده قال بعض الفضلا وهو كثير في كلام الفصحاء كما قال المطرزى نبه على ذلك الطبي في سورة المدثر وفى الكشف بعد كلام واما نحو قولهم اللهم إلا ان يكون كذا فالغرض ان المستثنى مستعان بالله تعالى في تحقيقه تنبيها على ندرته وانه لم يأت بالاستثناء الا بعد التفويض لله تعالى انتهى وذكر العلامة المحقق صدر الشريعة في اوائل كتابه التوضيح شرح التنقيح ان الاستثناء المذكور مفرغ من اعم الظروف لان المصادر قد تقع ظروفا نحو آتيك طلوع الفجر أي وقت طلوعه واوضح ذلك العلامة بدر الدين الدمامينى في شرحه على المغنى عند الكلام على عسى عند قول المغنى ولكن يكون الاضمار في يقوم في عسى اللهم إلا ان تقدر العاملين تنازعا زيدا فقال الاستثناء في كلام المصنف مفرغ من الظرف والتقدير ولكن يكون الاضمار في يقوم لا في عسى كل وقت إلا وقت ان تقدر العاملين تنازعا ووقع التفريغ في الإيجاب لاستقامة المعنى نحو قرأت إلا يوم كذا ثم حذف الظرف بعد الاوانيب المصدر عنه كما في اجيئك يوم قدوم الحاج واللهم معترض وانظر موقعها

ص: 332

هنا فقد وقع في النهاية انها تستعمل على ثلاثة انحاء احدها ان يراد بها النداء المحض كقولك اللهم ارحمنا الثاني ان يذكره المجيب تمكينا الجواب في نفس السامع يقول لك القائل اقام زيد فتقول انت اللهم لا والثالث ان يستعمل دليلا على الندرة وقلة وقوع المذكور كقولك انا لا ازورك اللهم إذا لم تدعنى الا ترى ان وقوع الزيادة مقرونة بعدم الدعاء قليل انتهى وظاهره ان المعنى الأول والثانى لا يأتيان هنا وفي تأتى الثالث في هذا المحل نظر انتهى كلام الدماميني لعل وجه النظر ان قول ابن الأثير في النهاية الا ترى الخ يفيد انه لا بد ان يكون ما بعدها نادرا في نفسه وقد يقال لا يلزم ذلك بقرينة قوله يستعمل دليلا على الندرة الخ فأفاد انها تدل على ان ما بعدها نادر بالنظر لى ما قبلها وإن كان في نفسه غير نادر فليتأمل (ثم اعلم) ان قوله ووقع التفريغ في الإيجاب فيه نظر لان قول المغنى وكون الاضمار في يكون لا في عسى الخ معناه لا يكون الاضمار في عسى في وقت من الاوقات إلا في كذا فالوقت المقدر نكرة في سياق النفي فالاستثناء بعدها استثناء من المنفى كما في قولك لا يأتينا زيد إلا يوم كذا نعم قد يعبرون بنحو قولك هذا ضعيف إلا إذا حمل على كذا فهو استثناء مفرغ في الاثبات صورة ولكنه في المعنى نفى لان معنى ضعيف انه لا يعتمد عليه مثلا وقال في المغنى آخر الكتاب في اول الباب الثامن ما نصه السادسة وقوع الاستثناء المفرغ في الإيجاب نحو (وإن كانت لكبيرة إلا على الخاشعين ويأبى الله إلا ان يتم نوره) لما كان المعنى وانها لا تسهل إلا على الخاشعين ولا يريد الله إلا ان يتم نوره انتهى (ومنها) قولهم لابد من كذا أي لا مفارقة وقد يفسر بوجب وذلك لأن أصله في الاثبات بدا لامر فرق وتبدد تفرق وجاءت الخيل بدادا أي متفرقة فإذا نفى التفرق والمفارقة بين شيئين حصل تلازم بينهما دائما فصار أحدهما واجبا للآخرون ومن ثم فسروه بوجب وبد اسم مبنى على الفتح مع لا النافية لانه اسمها والخبر محذوف أي لنا أو نحوه وقد يصرح به وذكر الفنرى في حواشي المطول ان الجار والمجرور متعلق المننى اعنى بد على قول البغداديين حيث اجازوا لاطالع جبلا بترك تنوين الاسم المطول اجراء له مجرى المضاف والبصريون أوجبوا في مثله تنوين الاسم وجعلوا متعلق الظرف فيما بنى الاسم فيه على الفتح كما فيما نحن فيه محذوفا هو خبر المبتدأ أي لا بد ثابت لها وقوله من كذا خبر مبتدأ محذوف أي اليد المنفى من كذا وهذه الجملة الاسمية التبنية لا محل لها من الأعراب لأنها جملة مستأنفة لفظا ويجوز ان يكون من كذا متعلقا بما دل عليها لابداى لايد من كذا وقد أشار الشريف في أواخر بيان المفتاح إلى ان الظرف في مثله خبر للاحيث قال في قوله لا تلقى لاشارته ان لاشارته ليس معمولا للتلقى

ص: 333

وإلا لوجب كصبه على التشبيه بالمضاف بل هو خبر لا فتأمل وقس على ما ذكر نظائر هذا التركيب انتهى (أقول) هذا ظاهر فيما إذا قيل لا بد من كذا اما إذا قيل لابد لكذا من كذا فالخبر هو الظرف الأول إلا أن يقال من تعدد الأخبار تأمل ثم قوله ويجوز أن يكون متعلقا بما دل عليه لا بد أي لا بد من كذا فيه نظر إذ لا فرق بين هذا المقدر والمذكور فلا حاجة إلى تقدير هذا ووقع في بعض العبارات لابد وأن يكون واستعمله السعد في كتبه أيضًا وقال الفنرى أن الواو مريدة في الخبر وقال بعض المحشين هذه الواو للصوق أي لزيادة لصوق لا بالخبر انتهى وفيه بحث فإن الكون المنسبك من أن والفعل لا يصلح أن يكون خبرا هنا فإن قبل حذف الجار بعد أن وإن مطرد قلنا إذا قدر الجار يكون لغوا متعلقا بقوله بد والخبر محذوف كما مر على أن صاحب المغني لا يثبت واو اللصوق كما ذكره بعض الفضلاء ورجح أن الواو هنا زائدة وهى التي دخولها في الكلام كخروجها ورأيت في بعض الهوامش أنه روى عن أبي سعيد السيرافي في كتاب سيبويه أنه قال تجيء الواو بمعنى من فإن ثبت ذلك يكون جل الواو هنا عليه أولى من دعوى زيادتها فليراجع (ومنها) قولهم هو كذا لغة أو اصطلاحا قال ابن الحاجب أنه منصوب على المفعولية المطلقة وأنه من المصدر المؤكد لغيره صرح به في أماليه وفيه نظر من وجهين الأول أن اللغة ليست اسما للحدث والثانى أنها لو كانت مصدرا مؤكدا لغيره لكانت إنما كانت تأتى بعد الجملة فإنه لا يجوز أن يتقدم ولا يتوسط فلا يقال حقا زيد ابنى ولا زيد حقا ابنى وإن كان الزجاج يجيز ذلك (فإن قلت) هل يجوز أن يكون مفعولا لأجله أو منصوبا على نزع الخافض أو تمييزا (قلت) لا يجوز الأول لأن المنصوص على التعليل لا يكون إلا مصدرا ولا الثاني لوجهين الأول أن إسقاط الخافض سماعى واستعمال مثل هذا التركيب مستمر شائع في كلام العلماء الثاني أنهم التزموا في مثل هذه الألفاظ التنكير ولو كانت على إسقاط الخافض لبقيت على تعريفها الذي كان مع وجود الخافض كما بقى التعريف في قوله (تمرون الديار ولم تعوجوا) وأصله تمرون على الديار وبالديار ولا الثالث لأن التمييز أما تفسير للمفرد كرطل زيتا أو تفسير للنسبة كطاب زيد نفسا وهذا ليس شيئا منهما أما أنه ليس تفسيرا لمفرد فلأنه لم يتقدم منهم وضعا فيميز وإما أنه ليس تفسيرا للنسبة فلأنه لم يتقدم نسبة (فإن قلت) يمكن أنه من تمييز النسبة بأن يقدر مضاف أي تفسيرها لغة فيكون من باب أعجبني طيبه أبا (قلت) تمييز النسبة الواقعة بين المتضايفين لا تكون إلا فاعلا في المعنى ثم قد تكون مع ذلك فاعلا في الصناعة باعتبار الأصل فيكون محولا عن المضاف

ص: 334

نحو أعجبنى طيب زيدا با إذا كان المراد الثناء على أبي زيد وقد لا يكون كذلك فيكون صالحا لدخول من تحو لله دره فارسا وويحه رجلا فإن الدر بمعنى الخير وويح بمعنى الهلاك ونسبتهما إلى الرجل كنسبة الفعل إلى فاعله وتعلق التفسير بالكلمة إنما هو تعلق الفعل بالمفعول لا بالفاعل (فإن قلت) ما وجه نصبه (قلت) الظاهر أن يكون حالا على تقدير مضاف من المحدود ومضافين من المنصوب والأصل تفسيرها موضوع أهل اللغة ثم حذف المتضايفان على حد حذفيهما في قوله تعالى (فقبضت قبضة من أثر الرسول) أي أثر حافر فرس الرسول ولما أنيب الثالث عما هو الحال بالحقيقة التزم تنكيره لنيابته عن لازم التنكير ولك أن تقول الأصل موضوع اللغة بتقدير مضاف واحد ونسبة الوضع إلى اللغة مجاز وهذا أحسن الوجوه كذا حرره بعض المحققين وهو خلاصة ما ذكره ابن هشام في رسالته الموضوعة في هذه المسئلة ومن أراد الاطلاع على أزيد من ذلك فعليه بها (ومنها) قولهم هو أكثر من أن يحصى ونحو قولهم زيد أعقل من أن يكذب وهو من مشكل التراكيب فإن ظاهره تفضيل الشيء في الأكثرية على الإحصاء وتفضيل زيد في العقل على الكذب وهذا لا معنى له ونظائره كثيرة مشهورة وقل من يتنبه لإشكالها وقد جله بعضهم على أن أن المصدرية بمعنى الذي ورده في المغني في الجهة الثالثة من الباب الخامس من الكتاب بأنه لا يعرف قائل به ووجهه بتوجيهين نظر في كل منهما الدماميني في شرحه عليه ونقل عن الرضى وجها استحسنه فقال قال الرضى وأما نحو قولهم أنا أكبر من أشعر وأنت أعظم من أن تقول كذا فليس المقصود تفضيل المتكلم على الشعر والمخاطب على القول بل المراد بعدهما عن الشعر والقول وأفعل التفضيل يفيد بعد الفاضل من المفضول وتجاوزه عنه فمن في مثله ليست تفضيلية بل هي مثلها في قولك بنت منه تعلقت بأفعل التفضيل بمعنى متجاوز وباين بلا تفضيل فمعنى أنت أعز على من أن أضربك أي باين من أن أضربك من فرط عزتك على وإنما جاز ذلك لأن من التفضيلية متعلقة بأفعل التفضيل بقريب من هذا المعنى ألا ترى أنك إذا قلت زيد أفضل من عمرو فمعناه متجاوز في الفضل عن مرتبته فمن فيما تحن فيه كالتفضيلية إلا في معنى التفضيل قال ولا مزيد عليه في الحسن (ومنها) قولهم سواء كان كذا أم كذا فسواء اسم بمعنى الاستواء يوصف به كما يوصف بالمصادر ومنه قوله تعالى (إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) وهو هنا خبر والفعل بعده أعنى كان كذا الخ في تأويل المصدر مبتدأ كما صرح بمثله الزمخشري في قوله تعالى

ص: 335

{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} والتقدير كونه كذا وكونه كذا سيان * وسواء لا يثنى ولا يجمع على الصحيح ثم الجملة إما استئناف أو حال بلا واو أو اعتراض بقى هنا شبهة وهى أن أم لاحد المتعدد والتسوية إنما تكون بين المتعدد لا بين أحده فالصواب الواو بدل أم أو لفظ أم بمعنى الواو وكون أم بمعنى الواو غير معهود وقد أشار الرضى إلى تصحيح التركيب بما ملخصه أن سواء في مثله خبر مبتدأ محذوف أي الأمران سواء ثم الجملة الاسمية دالة على جواب الشرط المقدران لم تذكر الهمزة بعد سواء صريحا كما في مثالنا أو الهمزة وأم مجردتان عن معنى الاستفهام مستعملتان للشرط بمعنى أن و و بعلاقة أن أن والهمزة يستعملان فيما لم يتعين حصوله عند المتكلم وأم وأولا حد الشيئين اوالا شيأ والتقدير إن كان كذا أو كذا فالأمر أن سواء والشبهة إنما ترد إذا جعل سواء خبرا مقدما وما بعده مبتدا كذا في حواشى المطول لحسن جلبي الفنرى وما عزاه إلى الرضى ذكره الدماميني عن السيرافي أيضًا وفي حواشي الكشاف للسيد الشريف وحكى بعض المحققين عن أبى على أن الفعلين مع الحرفين في تأويل اسمين بينهما واو العطف لأن ما بعد كلمتى الاستفهام في مثل قولك قمت أم قعدت متساويان في علم المستقيم فإذا قيل سواء على أقمت أم قعدت فقد أقيمتا مع ما بعدهما مقام المستويين وهما قيامك وقعودك كما أقسم لفظ النداء مقام الاختصاص في أنا أفعل كذا أيها الرجل بجامع الاختصاص ثم ذكر ما حققه الرضى وما استدل به عليه ومنه قوله ويرشدك إلى أن سواء ساد مسد جواب الشرط لا خبر مقدم أن معنى سواء على أقمت أم قعدت ولا أبالى أقمت أم قعدت واحد في الحقيقة ولا أبالي ليس خبرا للمبتدأ بل المعنى أن قمت أم قعدت فلا أبالي بهما انتهى وقد يأتون بأو بدل أم وفي شرح القطر للعلامة الفاكهى من باب العطف لا يعطف بأو بعد همزة التسوية للتنافى بينهما لأن أو تقضى أحد الشيئين أو الأشياء والتسوية تقتضى شيئين لا أحدهما فإن لم توجد الهمزة جاز العطف بها نص عليه السيرافي في شرح الكتاب نحو سواء على قمت أو قعدت ومنه قول الفقهاء سواء كان كذا أو كذا وقرأة ابن محيصن أو لم تنذرهم وأما تخطئة المصنف لهم في ذلك فقد ناقشه فيها الدماميني انتهى وذلك حيث قال في شرحه على المغنى اعلم أن السيرافي قال في شرح الكتاب ما هذا نصه وسواء إذا دخلت بعدها ألف الاستفهام لزمت أم بعدها كقولك سواء على أقمت أم قعدت وإذا كان بعد سواء فعلان بغير استفهام كان عطف أحدهما على الآخر بأو كقولك سواء على قمت أو قعدت انتهى

ص: 336

كلامه وهو نص صريح يقتضى بصحة قول الفقهاء وغيرهم سواء كان كذا أو كذا إلى أن قال وحكى أن أبا على الفارسي قال لا يجوز أو بعد سواء فلا يقال سواء على قمت أو قعدت قال لأنه يكون المعنى سواء على أحدهما ولا يجوز قلت ولعل هذا مستند المصنف في تخطيئة الفقهاء وغيرهم في هذا التركيب وقد رد الرضى كلام الفارسي بما هو مذكور في شرحه للحاجبية فراجعه أن شئت انتهى (ومنها) قولهم في معرض الجواب ونحوه على أنا نقول فيذكرون ذلك حيث يكون ما بعدها قامعا للشبهة وأقوى مما قبلها ويسمون علاوة وترقيا على ما تشعر به على ولكن يقال على من حروف الجر فما معناها هنا وما متعلقها ويظهر المراد مما ذكره في المعنى حيث قال التاسع أي من معاني على أن تكون للاستدارك والإضراب كقولك فلان لا يدخل الجنة لسوء صنيعه على أنه لا ييأس من رحمة الله وقوله:

فوالله لا أنسى قتيلا رزئته

بجانب قوسي ما بقيت على الأرض

على أنها تعفو الكلوم وإنما

توكل بالأدنى وإن جل ما يمضى

أي على أن العادة نسيان المصائب البعيدة العهد

وقوله

بكل تداوينا فلم يشف ما بنا

على أن قرب الدار خير من البعد

ثم قال

على أن قرب الدار ليس بنافع

إذا كان من تهواه ليس بذي ود

أبطل بعلى الأولى عموم قوله لم يشف ما بنا فقال على أن فيه شفاء ما ثم أبطل بالثانية قوله على أن قرب الدار خير من البعد وتعلق على مده بما قبلها كتعاق حاشا بما قبلها عند من قال به فإنها أوصلت معناه إلى ما بعدها على وجه الإضراب والإخراج أو هي خبر لمبتدأ محذوف أي والتحقيق على كذا وهذا الوجه اختاره ابن الحاجب قال ودل على ذلك أن الجملة الأولى وقعت على غير التحقيق ثم جيء بما هو التحقيق فيها انتهى كلام المغنى.

ومنها قولهم كل فرد فرد كقول المطول معرفة كل فرد فرد من جزئيات الأحوال قال المحقق الفترى الأقرب أنه من التأكيد اللفظى وقد يجعل من قبيل وصف الشيء بنفسه قصدا إلى الكمال أو المراد كل فرد منفرد عن الآخر وحاصله معرفة كل فرد على سبيل التفضيل والانفراد دون الاقتران وقد يترك لفظ كل في مثله مع أن العموم مراد كان يقال معرفة فرد فرد والظاهر أن

ص: 337

العموم مستفاد من قرينة المقام فإن النكرة في الإثبات قد تعم ويحتمل أن يحمل على حذف المضاف وهو كل بتلك القرينة.

ومنها قولهم ولا سيما كذا قال المحقق الفترى لا لنفى الجنس وسى مثل مثل وزنا ومعنى اسمها عند الجمهور وأصله سوى اوسيو والواقع بعدها إذا كان معرفا إما مجرورًا على أنه مضاف إليه وما زائدة كما في قوله تعالى (أيما الأجلين قضيت) أو بدل من ما وهى نكرة غير موصوفة أي لا مثل شيء علم البيان * وأما مرفوع خبر مبتدأ محذوف والجملة صلة أن جعلت ما موصولة أو صفة أن جعلت موصوفة والجر أولى من هذا وفى كان ضمير ما اسمها وخبرها محذوف أي كائنا الشخص الذي هو الوجه لقلة حذف صدر الجملة الواقعة صلة أو صفة صرح به الرضى على أنه يقدم في اطراده لزوم إطلاق ما على ذات من يعقل وهم يأبونه وعلى الوجهين فحركة سى إعراب لأنه مضاف وأما منصوب على تقدير أعنى أو على أنه تمييز أن كان نكرة لأن ما بتقدير التنوين وهو كافة عن الإضافة والفتحة بنائية مثلها في لارجل وقيل على الاستثناء في الوجهين فعدم تجويز النصب إذا كان معرفة وهم من الأندلسي وعلى التقادير خبر لا محذوف عند غير الأخفش أي لا مثل علم البيان موجود من العلوم فإن التحلى بحقائقه أحق بالتقديم من التحلى بحقائق غيره وعنده ما خبر لا ويلزمه قطع سي عن الإضافة من غير عوض قيل وكون خبر لا معرفة وجوابه أنه يقدر مانكرة موصوفة وأما الجواب باحتمال أن يكون قد رجع إلى قول سيبويه في لا رجل قائم من أن ارتفاع الخبر بما كان مرتفعا به لا بلا النافية فلا يفيد فيما نحن فيه كما لا يخفى وقد يحذف منه كلمة لا تخفيفا مع أنها مرادة ولهذا لا يتفاوت المعنى كما في قوله تعالى (تفتؤ تذكر) أي لا تفتؤ لكن ذكر البلبانى في شرح تلخيص الجامع الكبير أن استعمال سيما بلالا لا نظير له في كلام العرب وقد تخفف الياء مع وجود لا وحذفها وقد يقال لا سواء مقام لا سيما * والواو التي تدخل عليها في بعض المواضع كما في قوله * ولا سيما يوما بدارة جلجل اعتراضية ذكره الرضى وقيل حالية وقيل عاطفة ثم عدها من كلمات الاستثناء لكون ما بعدها مخرجا عما قبلها من حيث اولويته بالحكم المتقدم والا فليس فيها حقيقته صرح به الرضى * وقد يحذف ما بعد لاسيما وتنقل من معناها الأصلى إلى معنى خصوصًا فيكون منصوب المحل على أنه مفعول مطلق فإذا قلت زيد شجاع ولا سيما راكبا فراكبا حال من مفعول الفعل المقدر أي وأخصه بزيادة الشجاعة خصوصًا راكبا وكذا في زيد شجاع ولا سيما وهو راكب

ص: 338

والواو التي بعده للحال وقيل عاطفة على مقدر كأنه قيل ولا سيما هو لابس السلاح وهو راكب وعدم مجئ الواو قبله ح كثير إلا أن المجئ أكثر انتهى.

ومنها قولهم فقط كقول صاحب التلخيص والفصاحة يوصف بها الأخيران فقط قال المحقق التفتازانى في المطول وقوله فقط من أسماء الأفعال بمعنى انته وكثيرًا ما يصدر بالفاء تزيينا للفظ وكأنه جزاء شرط محذوف أي إذا وصفت بها الأخيرين فقط أي فاتته عن وصف الأول بها انتهى قال بعض المحشين وقال ابن هشام في حواشى التسهيل لم يسمع منهم إلا مقرونا بالفاء وهي زائدة لازمة عندى وقال الدماميني نقلًا عن ابن السيد في نحو أخذت درهما فقط أخذت درهما فاكتفيت به فجعلها عاطفة قال وهو خير من قول التفتازاني وابن هشام بقى أنه يرد على كلام المطول أن الفاء في جواب الشرط ليس للتزيين بل من حروف المعانى ففيه منافاة ويجاب بأن الشرط المحذوف إنما يعتبر لإصلاح الفاء المذكور للتزيين وليس في المعنى داع إلا اعتبار الشرط المحذوف فذكر الفاء لتزيين اللفظ ففيه تقوية لجانب المعنى لرعاية جانب اللفظ هذا والأظهر أن قوله وكأنه توجيه ثان ثم أنه قدر أداة الشرط المحذوفة إذا وكذا وقع لغيره والحق أنه لا يحذف من أدوات الشرط إلا أن وأورد عليه ابن كمال باشا بعد أن نقل عن المغنى أنها تكون بمعنى حسب حسب كقد واسم فعل بمعنى يكفي أن المناسب للمقام جعلها بمعنى حسب وعلى تقدير جعلها اسم فعل فهى بمعنى يكفي قال فجعلها هنا اسم فعل وأنها بمعنى انته غلط مرتين (ومنها) قولهم كائنا ما كان قال بعض المحققين جعل الفارسى ما في ضربته كائنا ما كان مصدرية وكان صلتها وهما في محل رفع بكائن وكلاهما على التمام أي كائنا كونه وقبل كائن من الناقصة وكان ناقصة أيضًا وما موصولة استعملت لمن يعقل كما في لاسيما زيد وفي كائن ضمير هو اسمها وما خبرها وفى كان ضمير ما اسمها وخبرها محذوف أي كائنا الشخص الذي هو إياه ويجوز كون ما نكرة موصوفة بكان وهى تامة والتقدير لأضربنه كائنا شيئا وجد والمعنى لأضربنه كائنا بصفة الوجود من غير نظر إلى حال دون حال مفردا كان أو مركبا كلا أو جزأ ولعل هذا أولى من الذي قبله انتهى (أقول) ويخطر لي وجه آخر وهو أن ما صلة للمتوكيد وكائنا وكان تامتان والمعنى لأضربنه موجودًا وجد أي أي شخص وجد صغيرًا أو كبيرًا جليلًا أو حقيرًا * ووجه آخر وهو أن تكون ما اسما نكرة صفة لكائنا أو بدلا منه فإذا قلت لأضربن رجلًا كائنا ما كان فالمعنى لأضربن رجلًا موجودًا شخصًا وجد والمعنى على التعميم

ص: 339

كالأولي أي أي شخص وقد خرجوا على هذين الوجهين قوله تعالى (مثلا ما بعوضة) ووقع في عبارة المطول كائنا من كان أنا أو غيرى فقال الفاضل الفنرى كائنا حال ومن موصوفة في محل نصب خبرا لكائنا والعائد محذوف أي كأنه واعترض بامتناع حذف خبر كان نص عليه ابن هشام وصاحب اللباب وغيرهما وأجيب بأنه ههنا سماعي ثبت على خلاف القياس ولو قيل كان تامة وفاعله راجع إلى من لم يحتج إلى ما ذكره وأنا خبر مبتدأ محذوف أي هو أنا أو غيرى أو بدل من من كان على أن يكون من قبيل استعارة الضمير المرفوع للمنصوب كما استعير للمجرور في ما أنا كانت انتهى (ومنها) قولهم بعد اللتيا والتي قال محقق الروم حسن جلبي الفنارى اللتيا تصغير التي على خلاف القياس لأن قياس التصغير أن يضم أول المصغر وهذا أبقى على فتحته الأصلية لكنهم عوضوا عن ضم أوله بزيادة لألف في آخره كما فعلوا ذلك في نظائره من اللذيا وذيا وذياك والمعنى بعد اللحظة الصغيرة والكبيرة التي من فظاعة شأنها كيت وكيت حذفت الصلة إيهاما لقصور العبارة عن الإحاطة يوصف الأمر الذي كنى بهما عنه وفي ذلك من تفخيم أمره ما لا يخفى انتهى وأصله أن العرب تقول ذلك في الأمر الصعب الذي لا يراد فعله والتزموا عدم ذكر صلة لهما لا لفظًا ولا تقديرًا لما مر فليغز ويقال أي موصول وليس له عائد وقد نظم ذلك بعض مشايخ مشايخنا.

يا أيها النحوى ذا العرفان

ومن حوى لطائف البيان

ما اسمان موصولان مبنيان

ولم يكونا قط يوصلان

(ومنها) قولهم أولًا وبالذات قال الفنرى في حواشي المطول أولًا منصوب على الطرفية معنى قبل وهو ح منصرف لا وصفية له ولذا دخله التنوين مع أنه افعل التفضيل في الأصل بدليل الأولى والأوائل كالفضلى والأفاضل وهذا معنى ما قال في الصحاح إذا جعلته صفة لم تصرفه تقول لقيته عاما أول وإذا لم تجعله صفة صرفته تقول لقيته عاما أولًا معناه في الأول أول من هذا العام وفى الثاني قبل هذا العام والباء في الذات بمعنى في وهو معطوف على أولًا أي في ذات المعنى بلا واسطة (ومنها) قولهم وهذا الشيء لا محالة كذا وهى مصدر ميمى بمعنى التحول من حال إلى كذا بمعنى تحول إليه وخبر لا محذوف أي لا محالة موجود والجملة معترضة بين اسم أن وخبرها مفيدة تأكيد الحكم (ومنها) قولهم لا أفعله البتة وهى مصدر من البت بمعنى القطع وفي القاموس لا أفعله البتة وبتة لكل أمر لا رجعة فيه انتهى والمشهور على الألسنة أن همزتها

ص: 340

همزة قطع وبه صرح الإمام الكرماني في شرح البخارى ورده الحافظ ابن حجر في شرحه فتح البارى بما حاصله أنه لم ير أحد من أهل اللغة صرح بذلك ونازعه البدر العينى في شرحه أيضًا بأن عدم رؤيته واطلاعه على التصريح بذلك لا ينافي وجوده قلت القياس يقتضى ما قاله الحافظ فإنه من المصادر الثلاثية وهمزاتها همزة وصل ومنازعة العينى لا تثبت المدعى نعم قد يقال من حسن الظن بالإمام الكرماني أنه لا يقول ذلك من رأيه مع مخالفته لقياسه على نظائره فلوك وقوفه على ما ثبت في ذلك لما قاله وصرح بعض الفضلاء بأن المشهور كونها همزة قطع وأنه مما خالف القياس وهو يؤيد ما قاله الكرماني والله تعالى أعلم بحقيقة الحال ثم رأيت في الشرح الكبير للعلامة الدماميني على المغنى عند قوله في باب الهمزة ولو كان على الاستفهام الحقيقى لم يكن مدحا البتة ما نصه هي بمعنى القول المقطوع به قال الرضى وكان اللام فيها في الأصل للعهد أي القطعة المعلومة التي لا تعدد فيها فالتقدير هنا أجزم بهذا الأمر وهو أنه لو كان على حقيقة الاستفهام لم يكن مدحًا قطعة واحدة والمعنى أنه ليس فيه تردد بحيث أجزم به ثم يبدو لي ثم أجزم به مرة أخرى ليكون قطعتين أو أكثر بل هو قطعة واحدة لا شيء فيها للنظر فالبتة بمعنى القطعة ونصبها نصب المصادر انتهى وفى هذا إشارة ظاهرة إلى أن الهمزة همزة وصل بل كلام الرضى كالصريح في ذلك اللهم إلا أن يكون ذلك بناء على ما هو القياس فلا ينافي ما قدمناه من أن قطع همزتها مما خالف القياس ثم رأيت التصريح بذلك في تصريح الشيخ خالدا زهرى في بحث المعرفة حيث قال البتة بقطع الهمزة سماعا قاله شارح اللباب والقياس وصلها انتهى بحروفه فليتأمل (ومنها) قولهم فضلا كقولك فلان لا يملك درهما فضلا عن دينار ومعناه أنه لا يملك درهما ولا دينار أو أن عدم ملكه للدينار أولى من عدم للدرهم وكأنه قال لا يملك درهما فكيف يملك دينارًا وانتصابه على وجهين محكيين عن الفارسى أحدهما أن يكون مصدرًا بفعل محذوف وذلك الفعل نعت للنكرة والثانى أن يكون حالًا من معمول الفعل المذكور وهو درهما وإنما ساغ مجيء الحال منه مع كونه نكرة للمسوغ وهو وقوع النكرة في سياق النفى والنفى يخرج النكرة من حيز الإبهام إلى حيز العموم وضعف الوصف فإنه متى امتنع الوصف بالحال أو ضعف ساغ مجيئها من النكرة فالأول كقوله تعالى {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} فإن الجملة المقرونة بالواو لا تكون صفة خلافًا للمزمخشرى والثاني كقولهم مررت بماء

ص: 341

قعدة رجل فإن الوصف بالمصدر خارج عن القياس وإنما لم يجز الفارسي في فضلًا كونه صفة الدرهم لأنه رآه منصوبًا أبدًا سواء كان ما قبله منصوبًا أم مرفوعًا أو مخفوضا وزعم أبو حيان أن ذلك لأنه لا يوصف بالمصدر إلا إذا أريدت المبالغة لكثرة وقوع ذلك الحدث من صاحبه وليس ذلك بمراد هنا وأما القول بأنه يوصف بالمصدر على تأويله بالمشتق أو على تقدير المضاف فليس قول المحققين فهذا منتهى القول في توجيه إعراب الفارسى وأما تنزيله على المعنى المراد فعسر وقد خرج على أنه من باب قوله على لاحب لا يهتدى بمناره ولم يذكر أبو حيان سوى ذلك وقال قد يسلطون النفى على المحكوم عليه بانتفاء صفته فيقولون ما قام رجل عاقل فيقوم فإنه لا يريد إثبات منار للطريق وينفى الاهتداء عنه إنما يريد نفى المنار فتنتفى الهداية وعلى هذا خرج فما تنفعهم شفاعة الشافعين أي لا شافع لهم فتنفعهم شفاعته وعلى هذا يتخرج المثال المذكور أي لا يملك درهما فيفضل عن دينار له وإذا انتفى ملكه للدرهم كان انتفاء ملكه للدينار أولى وفيه أن فضلًا مقيد للدرهم أو معمول للمقيد على الإعرابين السابقين فلو قدر النفى مسلطا على القيد اقتضى مفهومه خلاف المرد وهو أنه يملك الدرهم ولكنه لا يملك الدينار ولما امتنع هذا تعين الحمل على الوجه المرجوح وهو تسليط النفى على المقيد وهو الدرهم فينتفي الدينار لأن الذي لا يملك الأقل لا يملك الأكثر فإن المراد بالدرهم ما يساويه من النقود لا الدرهم العرفى * والذي ظهر لى في توجيه هذا الكلام أن يقال أنه في الأصل جملتان مستقلتان ولكن الجملة الثانية دخلها حذف كثير وتغيير حصل الإشكال بسببه وتوجيه ذلك أن يكون هذا الكلام في اللفظ أو في التقدير جوابًا لمستخبر قال لا يملك فلان دينارًا أوردا على مخبر قال فلان يملك دينارًا فقيل في الجواب فلان لا يملك درهما ثم استؤنف كلام آخر ولك في تقديره وجهان أحدهما أن يقدر أخبرك بهذا زيادة عن الإخبار عن دينار استفهمت عنه أو زيادة عن دينار أخبرت بملكه له ثم حذفت جملة أخبرك بهذا وبنى معمولها وهو فضلًا كما قالوا حينئذ الآن بتقدير كان ذلك ح واسمع الآن فحذفوا الجملتين وأبقوا من كل منهما معمولها ثم حذف مجرور عن وجار الدينار وأدخلت عن الأول على الدينار كما قالوا ما رأيت رجلًا أحسن في عينه الكحل من زيد والأصل منه في عين زيد ثم حذف مجرور من وهو الضمير وجار العين وهو في ودخلت من على العين * والثانى أن يقدر فضل انتفاء الدرهم عن فلان فضلًا عن انتفاء الدينار عنه ومعنى ذلك أن يكون حالة هذا المذكور في الفقر معروفة عند الناس والفقير أنما ينفى عنه

ص: 342

في العادة ملك الأشياء الحقيرة لأملك الأموال الكثيره فوقوع نفى ملك الدرهم عنه في الوجود فاضل عن وقوع نفى الدينار عنه أي أكثر منه يقال فضل عنه وعليه بمعنى زاد وفضلا على التقدير الأول حال وعلى الثاني مصدر وهما الوجهان اللذان ذكرهما الفارسى لكن توجيه الإعرابين مخالف لما ذكر ولعل من لم يقو أنه بتجويزات العرب في كلامها يقدح فيما ذكرت بكثرة الحذف وهو كما قيل (إذا لم تكن إلا الأسنة مركبا • فلا رأى للمحتاج إلا ركوبها) وقد بينت في التوجيه أن مثل هذا الحذف والتجوز واقع في كلامهم هذا خلاصة ما ذكره ابن هشام الأنصاري في رسالته وقد قرر الإعراب والمعنى المراد السيد الشريف قدس سره في حواشي الكشاف على غير ما مر فقال هو مصدر يتوسط بين أدنى وأعلى للتنبيه ينفى الأدنى واستبعاده عن الوقوع على نفى الأعلى واستحالته أي عده محالا عرفا فيقع بعد نفى إما صريح كقولك فلان لا يعطى الدرهم فضلًا عن الدينار تريدان إعطاء الدرهم منفى ومستبعد فكيف يتصور منه إعطاء الدينار وأما ضمنى كقوله وتقاصر الهمم الخ يريد أن هممهم تقاصرت عن بلوغ أدنى عدد هذا العلم وصار منفيا مستبعدا عنهم فكيف ترقى إلى ما ذكر وهو مصدر قولك فضل عن المال كذا إذا ذهب أكثره وبقى أقله ولما اشتمل على معنى الذهاب والبقاء ومعنى الكثرة والقلة ظهر هناك توجيهان * فمنهم من نظر إلى معنى الذهاب والبقاء فقال تقدير الكلام فضل عدم إعطاء الدرهم عن إعطاء الدينار أي ذهب إعطاء الدينار بالمرة وبقى عدم إعطاء الدرهم فالباقى هو نفى الأدنى المذكور قبل فضلًا والذاهب هو نفس الأعلى المذكور بعده * وعلى هذا التوجيه يفوت شيآن من أصل الاستعمال الأول كون الباقى من جنس الذاهب إذ ليس انتفاء الأدنى من جنس الأعلى الثاني كون الباقى أقل من الذاهب إذ لا معنى لكون انتفى الأدنى أقل من جنس الأعلى (فإن قلت) يرد عليه أن المفهوم من فضلا ح أن ما بعده ذاهب منتف بتمامه وأما أنه أدخل في الانتفاء وأقوى فيه مما نفى قبله كما هو المقصود فلا (قلت) قد يفهم ذلك من كونه أعلى وأدنى لأن الأعلى أولى بالانتفاء من الأدنى ومنهم من نظر إلى القلة والكثرة فقال التقدير في المثال فضل عدم إعطاء الدرهم عن عدم إعطاء الدينار أي العدم الأول قليل بالقياس إلى العدم الثاني فإن الأول عدم ممكن مستبعد وقوعه والثانى عدم مستحيل فهو أكثر قوة وأرسخ من الأول * وعلى هذا التوجيه يفوت من أصل الاستعمال معنى الذهاب والبقاء ويلزم أن لا يكون كلمة عن صلة له بحسب معناه المراد بل بحسب أصله ويحتاج إلى تقدير النفي فيما بعد فضلًا * وههنا توجيه ثالث مبنى على اعتبار ورود

ص: 343

النفى على الأدنى بعد توسط فضلًا بينه وبين الأعلى كأنه قيل يعطى الدرهم فضلًا عن الدينار أي فضل إعطاء الدرهم عن إعطاء الدينار على معنى ذهب إعطاء الدينار وبقى من جنسه بقية هي إعطاء الدرهم ثم أورد النفى على البقية وإذا انتفى بقية الشيء كان ما عداها أقدم منها في الانتفاء ويرجع حاصل المعنى إلى أن إعطاء الدينار انتفى أولًا ثم تبعه في الانتفاء إعطاء الدرهم انتهى ملخصًا ثم ذكر بعد ما مر ما نصه قال رحمه الله تعالى لزم حذف ناصب فضلًا لجريه مجرى تتمة الأول بمنزلة لاسيما ولا محل لذلك المحذوف من الأعراب البتة ورد به على من زعم أنه حال ولا يلتبس عليك أن فاعل ذلك المحذوف هو الأدنى على الوجه الأخير ونفيه على الوجهين الأولين انتهى وعدم صحة كونه حالًا على المعنى الذي قرره ظاهر وكذا عدم كون الجملة صفة بخلاف ذلك كله على المعنى الذي قرره ابن هشام كما لا يخفى على ذوى الأفهام (ومنها) قولهم وهذا بخلاف كذا والظاهر أن الخير خلاف والباء زائدة فيه كقوله تعالى (وجزاء سيئة بمثلها) أو الخلاف اسم مصدر خالف أي وهذا ملتبس بمخالفة كذا (ومنها) قولهم وليس هذا كما زعمه فلان صوابا ونظائره ومثله قول المطول وليس كما توهمه كثير من الناس مبنيا قال محشيه الفاضل السيلكوتى أي ليس مبنيا بناء مثل ما توهمه كثير من الناس أو في موقع الحال من ضمير مبنيا أي ليس مبنيا حال كونه مماثلا لما توهمه كثير على ما قاله صاحب المغنى في قوله تعالى (كما بدأنا أول خلق نعيده) والقول بأنه خبر ليس ومبنيا بدل منه أو خبر بعد خبر تكلف (ومنها) قولهم قالوا عن آخرهم ومثله قول الكشاف وقد عجزوا عن آخرهم قال السيد الشريف قدس سره عن آخرهم صفة مصدر محذوف أي عجزا صادرا عن آخرهم وهو عبارة عن الشمول فإن العجز إذا صدر عن الآخر فقد صدر أولًا عن الأول وقيل عجزا متجاوزا عن آخرهم فيدل على شموله إياهم وتجاوزه عنهم فهو أبلغ من أن يقال عجزوا كلهم ورد بأن التجاوز بمعنى التعدى والمجاوزة يتعدى بنفسه والذي يتعدى بعن معناه العفو وقيل عجزا صادرا عن آخرهم إلى أولهم ورد بأن مقابل إلى هو من لاعن انتهى (ومنها) قولهم وناهيك بكذا كقول الكشاف وناهيك بتسوية سيبويه دلالة قاطعة قال السيد الشريف قدس سره أي حسبك وكافيك بتسويته وهو اسم فاعل من النهى كأنه ينهاك عن تطلب دليل سواه يقال زيد ناهيك من رجل أي هو ينهاك عن غيره يجده وغنائه ودلالة قاطعة نصب على التمييز من ناهيك انتهى وعليه فالباء مزيدة في الفاعل (ومنها) قوله يجوز كذا خلافًا لفلان ووجهه الجمال ابن هشام

ص: 344

في بعض مصنفاته فقال قد يقال يجوز فيه وجهان أحدهما أن يكون مصدرًا كما أن قولك يجوز كذا اتفاقا أو إجماعا بتقدير اتفقوا على ذلك اتفاقا وأجمعوا عليه إجماعًا ويشكل على هذا أن فعله المقدر إما اختلفوا أو خالفوا أو خالفت فإن كان اختلفوا أشكل عليه أمران أحدهما أن مصدر اختلف إنما هو الاختلاف لا الخلاف والثانى أن ذلك يأبى أن يقول بعده لفلان وإن كان خالفوا أو خالفت أشكل عليه أن خالف لا يتعدى باللام بل بنفسه وقد يختار هذا القسم ويجاب عن هذا الاعتراض بأن يقال قدر اللام مثلها في سقيا له أي متعلقة بمحذوف تقديره أعني له أو أرادنى له ألا ترى أنه لا يتعلق بسقيا لأن سقى يتعدى بنفسه والوجه الثاني أن يكون حالًا والتقدير أقول ذلك خلافًا لفلان أو مخالفا له وحذف القول كثير جدا حتى قال أبو على هو من باب حدث البحر ولا حرج ودل على هذا العامل أن كل حكم ذكره المصنفون فهم قائلون به وكان القول مقدر قبل كل مسئلة وهذه العلة قريبة من العلة التي ذكرها لاختصاصهم الظروف بالتوسع فيها وذلك أنهم قالوا أن الظروف منزلة من الأشياء منزلة انفسها لوقوعها فيها وأنها لا تنفك عنها والله تعالى أعلم (ومنها) قولهم في التاريخ كان كذا عام كذا قال العلامة الدماميني في أول شرحه الكبير على المغنى عند قوله وقد كنت في عام تسعة وأربعين وسبعمائة كذا ما نصه كثيرًا ما يقع هذا التركيب وهو مشكل وذلك أن المراد من قولك وقع كذا في عام أربعين هو الواقع بعد تسعة وثلاثين وتقرير الإضافة فيه باعتبار هذا المعنى غير ظاهر إذ ليست فيه إلا بمعنى اللام ضرورة أن المضاف إليه ليس جنسا للمضاف ولا ظرفا له فيكون معنى نسبة العام إلى الأربعين كونه جزأ منها كما في يد زيد وهذا لا يؤدى المعنى المقصود إذ يصدق بعام ما منها سواء كان الأخير أو غيره وهو خلاف الغرض ويمكن أن يقال قرينة الحال معينة لأن المراد الأخير وذلك لأن فائدة التاريخ ضبط الحادثة المؤرخة بتعين زمانها ولو كان المراد ما يعطيه ظاهر اللفظ من كون العام المؤرخ به واحدًا من أربعين بحيث يصدق على أي عام فرض لم يكن لتخصيص الأربعين مثلًا معنى يحصل به كمال التمييز للمقصود ولكن قرينة إرادة الضبط بتعين الوقت تقتضى أن يكون هذا العام هو مكمل مدة الأربعين أو يقال حذف مضاف لهذه القرينة والتقدير في عام آخر أربعين والإضافة بيانية أي في عام هو آخر أربعين فتأمله انتهى (أقول) يظهر لى أنه لا حاجة إلى تقدير المضاف بعد جعل الإضافة بيانية فإن الأربعين كما يطلق على مجموعها يطلق على الآخر منها وهكذا غيرها من الإعداد بدليل أنك تقول هذا واحد هذا اثنان

ص: 345

هذا ثلاثة الخ فتطلق الاثنين على الثاني والثلاثة على الثالث كما تطلق على مجموع الاثنين ومجموع الثلاثة فتأمل وهذا ما وجد بخط المرحوم سيدنا المؤلف من هذه الفوئد الحسان أسكنه الله فسيح الجنان وكان رحمه الله تعالى سودها ولم تصححا وأبقى كثيرًا من البياض في الأوراق وبين الأسطر فنقلت ما وجدته والحمد لله

وحده وصلى الله على من لا نبي بعده وعلى آله الطاهرين وصحابته أجمعين

ص: 346

بغية الناسك في أدعية المناسك

لخاتمة المحققين السيد محمد أمين الشهير بابن عابدين رحمه الله ونفعنا بعلومه آمين

ص: 347

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين * وبعد فيقول محمد أمين بن عمر عابدين هذه نبذة يسيرة فوائدها عزيزة اقتصرت فيها على أدعية المناسك سميتها بغية الناسك في أدعية المناسك سألنيها فخر الأعيان المعتبرين ومعتمد الملوك والسلاطين وكهف اللائذين ومحب الفقراء والمساكين الحاج محمد عنبر اغا حين أنعم الله عليه بنعمه الوافرة وأمده بموائد إحساناته الزاخرة ورقى منصبه المنيف وجعله خادم الحرم النبوى الشريف وقصد تكميل المرام بزيارة البيت الحرام بلغه الله مقاصده وكبت عدوه وحاسده وجعل همه مبرورًا وسعيه مشكورًا وابد نعمه عليه وأوصل إحسانه ولطفه إليه بحرمة من تشرف بخدمة قبره المعظم صلى الله تعالى عليه وسلم وقد جمعت ما ذكرته من فتح القدير ومناسك العمادي واللباب والله الهادى إلى طريق الصواب (فنقول) إذا أراد الحاج الإحرام يقول بعد صلاة ركعتين اللهم إني أريد الحج فيسره لى وتقبله منى لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك اللهم صل على سيدنا محمد اللهم إني أسئلك رضاك والجنة وأعوذ بك من غضبك والنار اللهم احرم لك شعرى وبشرى ودمى من النساء والطيب وكل شيء حرمته على المحرم ابتغي بذلك وجهك الكريم وإذا أراد دخول المسجد الحرام يستحب أن يدخل من باب السلام مقدما رجله اليمنى ويقول أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر جميع ذنوبي وافتح لى أبواب رحمتك اللهم هذا حرمك وأمنك الذي من دخله كان آمنا فاسئلك بأنك أنت الله لا آله إلا أنت الرحمن الرحيم أن تصلى على محمد صلى الله عليه وسلم وإن تحرم لحمى ودمى على النار اللهم آمنى من عذابك يوم تبعث عبادك وإذا عاين البيت يقول اللهم ارزقني النظر إلى وجهك الكريم كما رزقنى النظر إلى بيتك العظيم اللهم زد بيتك هذا تشريفا وتعظيما ومهابة وتكريما وزد من شرفه وعظمه وحجمه واعتمده تشريفا وتعظيما ومهابة وتكريما اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يرجع السلام حينا ربنا بالسلام الله أكبر لا إله إلا الله وإذا وصل إلى الحجر الأسود ترفع يديه جاعلًا باطن كفيه إلى الحجر لا إلى السماء ويقول بسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاءً بعهدك واتباعًا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده لا شيء قبله ولا شيء بعده

ص: 348

لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير آمنت بالله العظيم وكفرت بالجبت والطاغوت.

وإذا طاف بالبيت يقول في طوافه سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وإذا وصل إلى مسامتة باب الكعبة وجاوز مقام إبراهيم عليه السلام يقول اللهم أن هذا البيت بيتك وهذا الحرم حرمك، وهذا الأمن أمنك وهذا مقام العائذ بك من النار فأعذني من النار.

وإذا أتى الركن العراقى يقول اللهم إنى أعوذ بك من الشرك والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق وسوء المنقلب في المال والأهل والولد وإذا سامت ميزاب الرحمة يقول اللهم إني أسئلك إيمانًا لا يزول ويقينا لا ينفذ ومرافقة نبيك محمد صلى الله تعالى عليه وسلم اللهم اظللني تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك اللهم اسقنى بكأس نبيك محمد صلى الله تعالى عليه وسلم شربة هنيئة مريئة لا أظمأ بعدها أبدًا وإذا أتى الركن الشامي يقول اللهم اجعله حجا مبرورًا وسعيًا مشكورًا وذنبًا مغفورًا وتجارة لن تبور برحمتك يا عزيز يا غفور رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم أنك أنت الأعز الأكرم.

وإذا أتى الركن اليماني يقول اللهم إنى أعوذ بك من الكفر والفقر ومن عذاب القبر وأسئلك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

ويقول بين الركن اليمانى والحجر ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

وإذا أتى الملتزم وهو بين الحجر الأسود والباب يضع صدره وبطنه عليه وخده الأيمن ويضع يديه فوق رأسه على الحائط الشريف ويقول يا رب البيت العتيق اعتقنى واعتق رقبتي من النار وأعذني من كل سوء وقنعنى بما رزقتني وبارك لي فيما آتيتني إلهي عبدك بغناءك يرجو عفوك ومغفرتك.

وإذا صلى ركعتي الطواف. يقول اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات واغفر ذنوبى ومتعنى بما رزقتنى وبارك لي فيما أعطيتني وإذا شرب من ماء زمزم يقول اللهم إنى أسئلك رزقا واسعًا وعلمًا نافعًا وشفاءً من كل داء.

وإذا أراد السعى يعود إلى الحجر الأسود فتستلمه ويدعو عنده وعند الملتزم بدعاء سيدنا آدم عليه السلام وهو اللهم إنك تعلم سرى وعلانيتي فاقبل معذرتي وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنوبي وتعلم حاجتى فأعطني سؤلى اللهم إنى أسئلك إيمانًا يباشر

ص: 349

قلبى ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتبت لى والرضا بما قسمت لى وإذا أراد الخروج من المسجد إلى الصفا للسعى يتقدم في خروجه رجله اليسرى ويقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على رسولك محمد وعلى آل محمد وسلم اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لى أبواب رحمتك وأدخلني فيها وأعذنى من الشيطان الرجيم.

وإذا صعد على الصفا استقبل الصفا وهلل وكبر وأثنى على الله تعالى وصلى على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ولبى رافعًا بطون كفيه نحو السماء فيقول الله أكبر الله أكبر الحمد لله على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده صدق وعده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ثم يدعو بما أحب.

وإذا هبط من الصفا يقول عند هبوطه اللهم استعملني بسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وتوفني على ملته وأعذني من حضلات الفتن يا أرحم الراحمين.

وإذا وصل إلى بطن الوادى سعى وهرول حتى يجاوز الميل الأخضر ويقول في سعيه رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم أنك أنت الأعز الأكرم نجنا من النار سالمين وأدخلنا الجنة آمنين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وإذا صعد على المروة يفعل كما فعل على الصفا.

وإذا خرج إلى عرفات يوم التروية وهو الثامن من ذى الحجة يقول عند خروجه من مكة اللهم إياك أرجو وإياك أدعو وإليك أنيب فبلغني صالح أملى وأصلح لي في ذريتي وإذا دخل منى يقول اللهم هذا ما دللتنا عليه من المناسك أسئلك أن تمن علينا بجوامع الخير وبما مننت به على إبراهيم خليلك ومحمد نبيك صلى الله عليهما وسلم وبما مننت به على أوليائك وأهل طاعتك فأنا عبدك في قبضتك ناصيتي بيدك تفعل بي ما أردت جئت طالبا مرضاتك فارض عنى يا أرحم الراحمين.

وإذا توجه إلى عرفات قال اللهم إنى توجهت إليك وتوكلت عليك ووجهك أردت أسئلك أن تبارك لى في سفرى وتقضى في عرفات حاجتي وتقبل حجتى وتغفر ذنوبي وتجعلنى ممن تباهي بهم الملائكة المقربين.

وإذا قرب من عرفات ووقع بصره على جبل الرحمة يقول اللهم اغفر لى وتب على وأعطنى سؤلى ووجه لى الخير أينما توجهت سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وإذا وقف بعرفة يقف قرب الإمام مستقبل القبلة باسطا كفيه إلى السماء مستقبلا

ص: 350

بهما القبلة متضرعا إلى الله تعالى بالدعاء ويهلل ويكبر ويكثر من الدعاء ومن قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ثم يقرأ قل هو الله أحد مائة مرة ثم يقول اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد مائة مرة ويكثر من الاستغفار والتوبة ويقول اللهم لك الحمد كالذى تقول وخيرا مما نقول اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي وإليك ما بي ولك ربى تراثى اللهم إنى أعوذ بك من شر ما تجئ به الريح اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم اجعلنى ممن يكسب المال من حله وينفقه في سبيلك الذي تتقبله لا إله إلا الله يا فاطر الأرضين والسموات ضجت لك الأصوات بصنوف اللغات يسئلونك الحاجات وحاجتي أن ترحمنى في دار البلى إذا نسينى الأهل والأقربون اللهم إنك تسمع كلامي وتري مكاني وتعلم سرى وإعلانى ولا يخفى عليك شيء من شأني أنا الفقير المستغيث المستجير المعترف بذنبي أبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل وأدعوك دعاء الخائف الضرير دعاء من خضعت لك رقبته وفاضت لك عبرته إلهى أخرست عن المعاصى لساني فما لي وسيلة من عملي ولا شفيع سوى آلائك فأنت أكرم الأكرمين آلهى إني العواد إلى الذنوب وأنت السواد إلى المغفرة والجود توسلت إليك بجاه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم فاغفر لي ذنوبي وتب على وارحمنى يا أرحم الراحمين وصلى اللهم على البشير النذير السراج المنير الطيب الطاهر المبارك وآله الطيبين الطاهرين وصحبه أجمعين وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

وإذا غربت الشمس يقول اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف من فضلك وارزقنيه أبدًا ما أبقيتني واجعلنى اليوم مفلحا تجحا مرحوما مستجابًا دعائى غفورة ذنوبي واجعلنى من أكرم وفوك عليك وأعطنى أفضل ما أعطيت أحدًا من خلقك من النعمة والرضوان والتجاوز والغفران والرزق الواسع الحلال الطيب وبارك لى في جميع لأمورى وما أرجع إليه من أهلي وولدى ومالى ولا تردني خائبًا من كرمك يا أرحم الراحمين وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين وإذا أفاض من عرفات يقول اللهم إليك أفضت ومن عذابك أشفقت وإليك رغبت ومنك رهبت فاقبل نسكي وأعظم ثوابي واستجب دعائى وزدني علما وإيمانًا وسلم لى دينى واخلفنى فيما تركت وانفعنى بما علمتني يا أرحم الراحمين.

ص: 351

وإذا وقف بمزدلفة يقول اللهم رب هذا الجمع أسئلك أن ترزقنى جوامع الخير كله فإنه لا يعطى ذلك غيرك اللهم رب المشعر الحرام ورب الركن والمقام ورب الحلال والحرام ورب الخيرات العظام أسئلك أن تبلغ روح محمد أفضل الصلاة والسلام اللهم أنت خير مطلوب وخير مرغوب أسئلك أن تجعل جائزتي في هذا اليوم أن تقبل توبتى وتتجاوز عن خطيئتي وتجمع على الهدى أمري وتجعل التقوى من الدنيا همى اللهم إنى أسئلك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم وأسئلك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل وأسئلك من خير ما سألك منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم وأعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم وأسئلك ما قضيت لى من أمر أن تجعل عاقبته رشدًا اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف الشريف فارزقنيه ما أبقيتنى فإنه لا أريد إلا وجهك الكريم ولا أبتغي إلا رضاك اللهم احشرنى في زمرة المحبين المتبعين لأمرك العاملين بفرائضك التي جاء بها كتابك وحث عليها نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.

وإذا رمى الجمرات يقول بسم الله رغما للشيطان وحزبه اللهم اجعله حجا مبرورًا وذنبًا مغفورًا وسعيًا مشكورًا.

وإذا ذبح يقول عند الذبح وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا مسلمًا وما أنا من المشركين قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين اللهم تقبل منى هذا النسك واجعله قربانا لوجهك الكريم وأعظم أجرى عليه يا رب العالمين وإذا أراد الحلق يقول اللهم هذه ناصيتي بيدك فاجعل لى بكل شعرة نورا يوم القيامة اللهم بارك لي في نفسى وولدى واغفر لي ذنوبي وتقبل منى عملى.

وإذا طاف طواف الفرض يصلى ركعتي الطواف ويقول عند الفراغ اللهم لك الحمد وأنت أهله والحمد لله كثيرًا وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد اللهم كما أعنتني على تمام نسكي فلك الحمد حمدًا كثيرًا كما ينبغي لكرم وجهك وعزة سلطانك فارحم مسئلة العبد الضعيف الذليل المضطر المعترف بذنبه أسئلك أن تغفر لي ذنوبي وترجعنى إلى أهلي وقد قضيت حاجتي.

وإذا طاف طواف الوداع وفرغ يأتي زمزم ويشرب ويقول بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ويدعو بما تقدم.

وإذا أتى الملتزم يضع صدره ووجهه كما تقدم ويقول اللهم عبدك ابن عبدك ابن

ص: 352

أمتك حملتني على دابتك وسيرتني في بلادك حتى أدخلتنى حرمك وأمنك وقد رجوت بحسن ظنى أن تكون قد غفرت لى ذنبي فلك الحمد ولك الشكر اللهم احفظني من يميني ومن شمالى ومن أمامي ومن خلفى ومن فوقى ومن تحتى حتى تقدمنى أهلى فإذا أقدمتنى أهلى فاكفنى مؤنة عيالى واكفنى مؤنة خلتك أجمعين اللهم عبيدك بفنائك مسكينك بفنائك سائلك بفنائك فقيرك بفنائك.

وإذا أراد الرجوع إلى أهله يقول اللهم لك حججنا وبك آمنا وعليك توكلنا وإليك أسلمنا وإياك أردنا فاقبل نسكي واغفر ذنبي واشغلنى بطاعتك ما أبقيتني وبطاعة رسولك صلى الله عليه وسلم اللهم لا تجعله آخر العهد بيتك الحرام وإن جعلته آخر العهد فعوضى عنه رضاك مع الجنة دار السلام برحمتك يا أرحم الراحمين تائبون آيبون لربنا حامدون ولرحمته قاصدون صدق الله وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والحمد لله رب العالمين.

كتبه الفقير أبو الخير محمد بن أحمد عابدين عفا الله عنهما وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحابته أجمعين

ص: 353