الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلا بد من قرينة لفظية، أو خالية تعين المراد، فإذا قال: ملكتك بضع أمتي بكذا فهو نكاح، فيشترط له شروط النكاح، وإذا قال: ملكتك منافعها شهرا بكذا فهو إجارة، وإذا أطلق فهو عارية، وإذا قال: ملكتكها بكذا فهو بيع، وإذا قال: ملكتكها بعد موتي فهو وصية، وإذا قال: ملكتكها الآن بلا عوض فهو هبة، ولا بد في كل واحد منها من شروطه؛ لترتيب الأحكام عليه، ولم نر أحدا من الفقهاء استعمل لفظ التمليك في معنى خاص، بحيث إذا أطلق انصرف إليه، أو بحيث يكون له أحكام خارجة عن أحكام العقود المذكورة ونحوها.
فإذا قال: ملكتك رقبة هذه الدار، وأراد إنشاء التمليك في الحال على معنى خارج عن البيع أو الهبة أو نحوهما لا يصح التمليك، بل إن أراد البيع فلا بد من ذكر الثمن، وإن أراد الهبة فلا بد من التسليم، ولذا قال في آخر جامع الفصولين: إنه لو قال: ملكه تمليكا صحيحا، ولم يذكر أنه بعوض أو بدونه لا تصح الدعوى.
ونقله أيضا في محاضر الخيرية، وبه أفتى في الحامدية، نعم غلب استعمال لفظ التمليك في عرف أهل زماننا في الهبة، فإذا أطلق ولم توجد قرينة صارفة له عن الهبة حمل عليها بقرينة العرف، فحيث أريد به الهبة فلا بد من شروطها، ولا تتم بدون تسليم.
وعليه يحمل ما نقلتموه عن الخيرية والتمرتاشية والرحيمية، وما نقلتموه عن السيد الحموي: من أن التمليك غير الهبة، فذاك بالنظر إلى أصل الوضع إذ لا شك أن التمليك أعم من لفظ الهبة، والأعم غير الأخص، ومن ادعى أن التمليك يفيد الملك من غير أن يكون بيعا ولا هبة مثلا، فلا بد له من نقل صريح، ولم نر من ذكره، ومن عثر عليه في كلامهم، فليفده لنا وله الأجر الجزيل. هذا غاية ما وصل إليه فهم هذا الحقير الذليل، وفوق كل ذي علم عليم، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
(وسئلت في محرم الحرام سنة أربعين ومائتين وألف): في رجل طلق زوجته المدخول بها ثلاثا في الحيض
، بأن قال لها: روحي طالقة ثلاثا، فهل لا يقع غير طلقة واحدة، كما نص على ذلك العلامة ابن كمال باشا في فتاواه، نقلا عن كتاب السير، وكمال الفقهاء؟ أم يقع عليه الطلاق الثلاث؟ وإذا قلتم: إنه لا يقع عليه إلا واحدة، أفتكون رجعية أم بائنة؟ أفيدوا الجواب، ولكم الثواب من الملك الوهاب.
(فأجبت): بما صورته الحمد لله تعالى، يقع عليه الطلاق الثلاث، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، كما نطق به القرآن الكريم من غير تفرقة بين كونها حائضا أو غيرها، ودلت عليه الأخبار والآثار، وصرحت به كتب مذاهب الأئمة الأربعة الأخيار، وانعقد عليه الإجماع بعد صدر من الصدر الأول، ولم يقل بخلافه الآن إلا من لا يعول على قوله ولا يقبل، ففي الخلاصة، وكثير من كتب علمائنا التي لا تعد لو قضى القاضي فيمن (1)
(1)(35) رسائل ابن عابدين
طلق امرأته ثلاثا جملة بأنها واحدة، أو بأن لا يقع شيء لا ينفذ، (وفي الزيلعي وغيره في كتاب القضاء: أن القضاء بمثل ذلك لا ينفذ بتنفيذ قاض آخر، ولو رفع إلى ألف حاكم ونفذه؛ لأن القضاء وقع باطلا؛ لمخالفته الكتاب والسنة والإجماع فلا يعود صحيحا بالتنفيذ انتهى.
وقال المحقق الكمال ابن الهمام: وقول بعض الحنابلة بهذا المذهب باطل إلى أن قال: فما بعد الحق إلا الضلال، وقال الخطيب الشربيني من الشافعية، وحكى عن الحجاج بن أرطاه، وطائفة من الشيعة والظاهرية أنه لا يقع منها، أي: الثلاثة إلا واحدة، واختاره من المتأخرين من لا يعبأ به، واقتدى به من أضله الله تعالى انتهى.
نقله في الفتاوى الخيرية، وأفتى ببطلان القول به أيضا. وقال في البحر في أول كتاب الطلاق: ولا حاجة إلا الاشتغال بالأدلة على رد قول من أنكر وقوع الثلاث جملة؛ لأنه مخالف للإجماع كما حكاه في المعراج، ولذا قالوا: لو حكم حاكم بأن الثلاث بفم واحد واحدة لم ينفذ حكمه؛ لأنه لا يسوغ فيه الاجتهاد؛ لأنه خلاف لا اختلاف.
وفي جامع الفصولين طلقها وهي حبلى أو حائض، أو طلقها قبل الدخول، أو أكثر من الواحدة، فحكم ببطلانه قاض، كما هو مذهب البعض لا ينفذ، وكذا لو حكم ببطلان طلاق من طلقها ثلاثا بكلمة واحدة، أو في طهر جامعها فيه لا ينفذ، انتهى إلى هنا كلام البحر.
(وقد صرح أيضا ببطلان الحكم في هذه المسائل في البحر في كتاب القضاء، وكذا في النهر والمنح والأشباه والنظائر والبزازية، وغيرها من كتب المذهب المعتبرة المتداولة المحررة، وأوضحها وأفصحها وأبينها وأصرحها عبارة الإمام الأجل، الذي أذعن لفضله أهل الوفاق والخلاف: القاضي أبو بكر الخصاف في كتابه " أدب القضا"، وشارحه الإمام حسام الدين عمر بن عبد العزيز، وذلك حيث قال في الباب الثاني والأربعين: قال -يعني الإمام الخصاف-: وكذلك رجل طلق امرأته ثلاثا، وهي حبلى، أو حائض، أو قبل أن يدخل بها، فقضى قاض بإبطال ذلك، أو أبطل بعضه، فرفع إلى قاض آخر لا يرى ذلك؛ فإنه يبطل قضاء القاضي بذلك، وينفذ على الزوج ما كان منه؛ لأن على قول أهل الزيغ إذا وقع الثلاث وهي حبلى، أو في حالة الحيض، أو في طهر جامعها فيه لا يقع أصلا.
وعلى قول الحسن البصري: إذا وقع الثلاث تقع واحدة، لكن كلا القولين باطل؛ لأنه مخالف لكتاب الله تعالى، قال الله تعالى:{فإن طلقها فلا تحل له من بعد} . الآية، من غير فصل، والمراد منه الطلقة الثالثة. فمن قال: بأنه لا يقع شيء، أو تقع واحدة فقد أثبت الحل للزوج الأول بدون الزوج الثاني، وهو مخالف للكتاب، فإذا قضى القاضي لا ينفذ، فإذا رفع إلى قاض آخر له كان أن يبطله انتهى.
وبهذه النقول الصريحة