المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الرسالة الأولى في الاتباع وحظر الغلو في الدين للشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ] - مجموعة رسائل وفتاوى في مسائل مهمة تمس إليها حاجة العصر

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌[الرسالة الأولى في الاتباع وحظر الغلو في الدين للشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ]

[الرسالة الأولى في الاتباع وحظر الغلو في الدين للشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ]

مجموعة رسائل وفتاوى في مسائل مهمة تمس إليها حاجة العصر رسالة

في الاتباع وحظر الغلو في الدين

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد الله بن عبد اللطيف إلى من يراه من الإخوان، سلك الله بنا وبهم صراطه المستقيم، وثبتنا على دينه القويم، وأعاذنا من الأهواء والطرق المفضية بسالكها إلى طريق الجحيم، آمين.

سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته

أما بعد فالباعث لهذه النصيحة إقامة الحجة على المعاند، والبيان للجاهل (الذي) نيته وقصده طلب الحق ولكنه ابتلي بالوساوس والغرور.

ص: 1

تعلمون وفقنا الله وإياكم أن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق وهو ما جاء به من البرهان والنور. قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} [النساء: 174] وقال تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] وقال تعالى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] الفتنة هي الشرك (1) وفرض الله علينا الإخلاص في عبادته، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولا يقبل لأحد شيء من الأعمال إلا بالقيام بهذين الركنين: الإخلاص

(1) الفتنة في أصل اللغة المحنة والابتلاء بما يشق على النفس فعله أو تركه ومنه قوله تعالى (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) وقوله (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) وتفسر بما يقع به الفتون والإفتان من الشرك والكفر والشهوات. وقد فسرت في آية النور التي أوردها الشيخ هنا بالكفر أو بإظهاره لأنها نزلت في المنافقين.

ص: 2

والمتابعة، فالإخلاص أن يكون العمل لله. والمتابعة أن يكون متّبعاً لأمر رسوله، لأن كل عبادة حدها الشرعي ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم من غير اطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي. ليست العبادة ما درج عليه عرف الناس وما اقتضته مقاييسهم وعقولهم، لها حد يقف المؤمن والخائف من عقاب الله عنده، وهو ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» وقال «من أحدث شيئا ليس عليه أمرنا فهو رد» (1) .

وما خرج أحد عن شريعته وطريقته إلا سلك إحدى الطريقتين إما جفاء وإعراض، وإما غلو وإفراط،

(1) أي مردود عليه لا يقبل. والحديث رواه الإمام أحمد ومسلم باللفظ الأول هنا ورواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه بلفظ (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) .

ص: 3

وهذه مصائد الشيطان التي يصطاد بها بني آدم ولهذا حذر سبحانه عن الغلو. قال تعالى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [النساء: 171] وفي الآية الأخرى {لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 77] فلما من الله سبحانه على المسلمين في آخر هذه الأزمان التي اشتدت فيها غربة الدين باجتماع المسلمين ورد لهم الكرة، ولم شعثهم بإمام يدعوهم إلى دين الله وإلى طاعته بماله ونفسه ولسانه، وهدى الله بسبب ذلك من هدى من البادية وعرفهم الإسلام ورغبهم فيه ودانوا به وهي من أعظم النعم عليهم وعلى المسلمين عموماً أن هداهم لدينه وعرفهم به وأخرجهم من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإسلام وطاعة ربهم، وعرفهم دينهم

ص: 4

الذي خلقوا له وتعبدهم الله سبحانه وبحمده به وقد كانوا قبل ذلك في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، أشقى الناس في الدنيا من عاش منهم عاش شقياً، ومن مات منهم ردي في النار.

فالواجب علينا وعليكم معرفة هذه النعمة والقيام بحق الله تعالى في ذلك وشكر نعمه عليكم ولا تكونوا كالذين {بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم: 28] قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران: 100] وقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ - وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 102 - 103]

ص: 5

إلى قوله {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ - يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ - وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 105 - 107] قال ابن عباس رضي الله عنه: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والشناعة، وقال تعالى {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [الشورى: 13] وقال تعالى {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 4]

ص: 6

والآيات في النهي عن التفرق في الدين والاختلاف كثيرة لكن القصد التنبيه على ما يلقيه الشيطان ويزينه للناس من التفرق والاختلاف. والذي قصده الله والدار الآخرة يرد ما صدر وما سمع إلى كتاب الله وسنة رسوله، قال تعالى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] ولا هنا عمل إلا بدليل وبرهان يطالب به صاحب العمل.

وقد بلغني عن بعض من غره الغرور الطعن في العلماء ورميهم بالمداهنة وأشباه هذه الأقاويل التي صدت أكثر الخلق عن دين الله وزين لهم الشيطان بسبب ذلك الطعن في الولاية بأمور حقيقتها البهتان والطعن الباطل، وقد علمتم ما جاء به صلى الله عليه وسلم وفرضه من السمع والطاعة قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]

ص: 7

ولم يستثن سبحانه برا من فاجر، ونهى صلى الله عليه وسلم عن إنكار المنكر إذا أفضى إلى الخروج عن طاعة ولي الأمر، ونهى عن قتالهم لما فيه من الفساد.

عن عبادة بن الصامت قال: «دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعنا وكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في مكرهنا ومنشطنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان» أخرجاه في الصحيحين، وقوله (وأن لا ننازع الأمر أهله) دليل على المنع من قتال الأئمة إلا أن يروا كفراً بواحاً وهو الظاهر الذي قد باح به صاحبه. فطاعة ولي الأمر وترك منازعته هي فصل النزاع بين أهل السنة وبين الخوارج والرافضة.

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «اسمع وأطع للأمير وإن ضرب ظهرك،

ص: 8

وأخذ مالك» وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية» وعن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» فذكر في هذا الحديث البيعة والطاعة فالخروج عليهم نقض للعهد والبيعة، وترك طاعتهم ترك للطاعة.

وبهذه الأحاديث وأمثالها عمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بها وعرفوا أنها من الأصول التي لا يقوم الإسلام إلا بها، وشاهدوا من يزيد بن معاوية والحجاج ومن بعدهم خلا الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز أموراً ظاهرة ليست خفية، ونهوا عن

ص: 9

الخروج عليهم والطعن فيهم، ورأوا أن الخارج عليهم خارج عن دعوة المسلمين إلى طريقة الخوارج، ولهذا لما حج ابن عمر رضي الله عنه مع الحجاج وطعن في رجله قيل له: أنبايعك على الخروج على الحجاج وعزله - وهو أمير من أمراء عبد الملك بن مروان - غلظ الإنكار عليهم وقال: لا أنزع يداً من طاعة واحتج عليهم بالحديث الذي تقدم ذكره.

فإذا فهمتم ذلك فاشكروا نعمة الله عليكم بما منَّ به من إمامة إسلام تدعوهم إليه ظاهراً أو باطناً مما سمعتم وصدقه الفعل من بذل المال والسلاح والقوة وإعانة المهاجرين لأجل دينه لا لقصد سوى ذلك، يعرف ذلك من عرفه، ولا يجحده إلا منافق مفارق بقلبه ونيته ما اعتقده المسلمون وقاموا به.

وأما الطعن على العلماء فالخطأ ما يعصم منه أحد،

ص: 10

والحق ضالة المؤمن، فمن كان عنده علم يقتضي الطعن فليبينه جهاراً ولا يخف في الله لومة لائم، حتى يعرفوا حقيقة الطعن وموجبه، واحذروا التمادي في الضلالة، والخروج عن الجماعة. فالحق عيوف، والباطل شنوف، والشيطان متكئ على شماله، يدب بين الأمة بالعداوة والشحناء، عياذاً بالله من فتنة جاهل مغرور، أو خديعة فاجر ذي دهاء وفجور، يميل به الهوى، ويزين له الشيطان طريق الغواية والردى، والله أسأل أن يُثبتنا وإياكم على دينه، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

ص: 11