المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الرسالة الثانية للشيخ سعد بن حمد بن عتيق] - مجموعة رسائل وفتاوى في مسائل مهمة تمس إليها حاجة العصر

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌[الرسالة الثانية للشيخ سعد بن حمد بن عتيق]

[الرسالة الثانية للشيخ سعد بن حمد بن عتيق]

الرسالة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

من سعد بن حمد بن عتيق إلى من يصل إليه هذا الكتاب من إخواننا من أهل الأرطاوية والغطغط وغيرهم من عتيبة ومطير وقحطان وغيرهم من إخواننا المسلمين، نور الله قلوبنا وقلوبهم بنور العلم والإيمان، وجعلنا وإياهم من أتباع السنة والقرآن، وأعاذنا وإياهم من زيغ القلوب ونزغات الشيطان.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

وبعد فإن الله سبحانه وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، وأنزل عليه الكتاب المبين، وجعله هدى للمتقين، وشفاء ورحمة للمؤمنين،

ص: 12

وحجة على المبطلين، وضمن الرحمة والسعادة والفلاح والهدى والفوز بالجنة والنجاة من النار لمن اتبعه وعمل بما فيه، وتوعد من خالفه أو أعرض عنه أنواعاً من الوعيد. قال تعالى {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام: 155] وقال {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29] وقال تعالى {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى - وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى - قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا - قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 123 - 126] قال بعض السلف: تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة.

ومما أمر الله به في كتابه المبين، وأوحاه إلى

ص: 13

رسوله الأمين، الحث على الاجتماع على الدين، والاعتصام بحبله المتين، واتباع سبيل المؤمنين، واجتناب ما ذمه الله سبحانه من أخلاق من ذمَّهم في كتابه من أهل التفرق والاختلاف والمشاقة له ولرسوله، ومخالفة أهل الصراط المستقيم، قال تعالى {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [الشورى: 13] وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ - وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 102 - 103] وقال تعالى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ - وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ - يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 104 - 106]

ص: 14

قال بعض المفسرين: تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف وتسود وجوه أهل البدعة والاختلاف، وقد ورد في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال «إن الله يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم» .

ومن أعظم أسباب التفرق والاختلاف والعدول عن طريق الحق والإنصاف، ما وقع من كثير من الناس من الِإفتاء في دين الله بغير علم، والخوض في مسائل العلم بغير دراية ولا فهم، فإن الله تعالى قد حرم القول عليه بغير علم في أسمائه وصفاته وشرعه وأحكامه، وجعل ذلك قريناً للشرك الذي هو أعظم

ص: 15

المحرمات (1) كما قال تعالى {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] وقال تعالى {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [النحل: 116] وقال تعالى {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 144]

وهذا مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون في

(1) بل عده المحقق ابن القيم أشد من الشرك لأن الشرك كفر قاصر على صاحبه والقول على الله بغير علم كفر متعد ضرره إلى الناس " راجع تفسير الآية له في مدارج السالكين " ومن أدلة كون القول على الله تعالى بغير علم شرك قوله عز وجل (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) .

ص: 16

ومما انتحله بعض هؤلاء الجهلة المغرورين الاستخفاف بولاية المسلمين، والتساهل بمخالفة إمام المسلمين والخروج عن طاعته والافتيات عليه بالغزو وغيره، وهذا من الجهل والسعي في الأرض بالفساد بمكان، يعرف ذلك كل ذي عقل وإيمان، وقد علم بالضرورة الِإسلامية أنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، وإن الخروج عن طاعة أولي أمر المسلمين والافتيات عليه من أعظم أسباب الفساد في البلاد والعباد، والعدول عن سبيل الهدى والرشاد، وقد قيل:

تهدى الأمور بأهل الرأي إن رشدت

وإن تولت فبالأشرار تنقاد

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم

ولا صلاح إذا جهالهم سادوا

ص: 18

وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «وأنا آمركم بخمس السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الِإسلام من عنقه» وفي الحديث «ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله، ومناصحة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم» .

ومن ذلك ما وقع من غلاة هؤلاء من اتهام أهل العلم والدين ونسبتهم إلى التقصير وترك القيام بما وجب عليهم من أمر الله سبحانه وكتمان ما يعلمون من الحق. ولم يدر هؤلاء الجهلة أن اغتياب أهل العلم والدين والتفكه بأعراض المؤمنين، سم قاتل وداء دفين، وإثم واضح مبين، قال الله تعالى {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58]

ص: 19

شعرا:

أقلوا عليهم لا أبا لأبيكموا

من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا

ومن ذلك ما التزموه وألزموا به غيرهم من أعراب المسلمين من ترك سكنى البادية والتزام الحضر وإنشاء العمران والبنيان، والتشديد في أمر العمائم والعدوان على كثير من أهل الإسلام والتوحيد، بالضرب الشديد، والهجر والتهديد، إلى غير ذلك من الأمور التي خرجوا بها عن حكم العقل والعدل والإنصاف، وانتظموا بها في سلك أهل الجهل والظلم والاعتساف، وهم مع ذلك يحسبون أنهم مهتدون، ويزعمون أنهم هم المفسدون {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 12]

وهذه الأمور ونحوها يكفي في ردِّها مجرد الإشارة والتنبيه دون بسط القول فيها واستقصاء الأدلة على ردها.

ص: 20

فاتقوا الله عباد الله {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281] ولا تكونوا كالذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103] ونسأل الله تعالى أن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم، ويجنبنا موجبات غضبه وعذابه الأليم، إنه على كل شيء قدير وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 21