الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الرسالة الرابعة البر والعدل إلى المشركين مقتبس من الرسالة 33 من رسائل الشيخ عبد اللطيف]
البر والعدل إلى المشركين
وكونه لا يدخل في النهي عن موالاة المعادين منهم والمحاربين (مقتبس من الرسالة 33 من رسائل الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ حسن ابن الشيخ محمد عبد الوهاب رحمهم الله أجمعين -) .
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى الأخ المحب عيسى بن إبراهيم سلك الله بي وبه صراطه المستقيم.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
وبعد فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو على نعمه. والخط وصل فسرني نبؤه عن سلامة تلك الأحوال والذوات، لا زالت سالمة من الآفات، وما أشرت إليه قد علم، وجواب مسألتك ها هو ذا
قد رسم، نسأل الله التوفيق والإصابة، وحسن القصد والإثابة، فأما قوله تعالى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8] الآية، فالذي يظهر أن هذا إخبار من الله جل ذكره لعباده المؤمنين بأنه لم ينههم عن البر والعدل والإنصاف في معاملة أي كافر كان من أهل الملل إذا لم يقاتلهم في الدين ولم يخرجهم من ديارهم، إذ العدل والإحسان والإنصاف مطلوب محبوب شرعاً، ولذا علل هذا الحكم بقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]
وأما قوله {أَنْ تَبَرُّوهُمْ} [الممتحنة: 8] فقد قال بعض المعربين أنه بدل من الموصول بدل اشتمال وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر والتقدير لا ينهاكم الله عن بر من لم يقاتل في الدين. ولو قال هذا البعض أنه بدل بداء (1) لكان
(1) كذا في الأصل.
أظهر إذ لا يظهر الاشتمال بأنواعه هنا وإلا ظهر عندي أن لا بدل مطلقاً وأن الموصول معمول للمصدر المتأخر المأخوذ من أن وما دخلت عليه، فالموصول إذاً في محل نصب بالمصدر المسبوك وتأخر العامل لا يضر - وأما على البدلية فهو في محل جر. وقوله {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8] أكد الجملة هنا لمناسبة مقتضى الحال إذ المقام مظنة لغلط الأكثر ولتوهم خلاف المراد فاقتضى التأكيد والتوفية بالأداة كما يعلم من فنّ المعاني. وقوله {فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8] الفاء سببية في قوله «دخلت النار امرأة في هرة» الحديث.
وسبب النزول ما رواه الِإمام أحمد في مسنده حدثنا أبو معاوية حدثنا هشام بن عروة عَن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أي بكر رضي الله عنها قالت: قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن أمي قدمت
وهي راغبة أفأصلها؟ قال «نعم صلي أمك» وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم. وفي بعض الطرق أنها جاءت لابنتها بهدية ضباب وأقط وسمن فأبت أسماء أن تقبل منها وتدخل البيت حتى سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية.
وأما قول ابن زيد وقتادة إنها منسوخة فلا يظهر لوجوه منها أن الجمع بينها وبين آية القتال ممكن غير متعذر ودعوى النسخ يصار إليها عند التعذر وعدم إمكان الجمع إن دل عليه دليل (ومنها) أن السنة متظاهرة بطلب الإحسان والعدل مطلقاً ولا قائل بالنسخ، لكن قد يجاب عن ابن زيد وقتادة بأن النسخ في كلامهما بمعنى التخصيص وهو متجه على اصطلاح بعض السلف ولا شك أن القتال بالسيف وتوابعه من العقوبات والغلظة في محلها مخصوص من هذا العموم.
ووجه مناسبة الآية لما قبلها من الآي أنه لما ذكر تعالى نهيه عباده المؤمنين عن اتخاذ عدوه وعدوهم أولياء يلقون إليهم بالمودة، ثم ذكر حال خليله ومن آمن معه في قولهم وبراءتهم من قومهم المشركين حتى يؤمنوا، وذكر أن لعباده المؤمنين أسوة حسنة خيف أن يتوهم أحد أو يظن أن البر والعدل داخلان في ضمن ما نهى عنه من الموالاة وأمر به من البراءة فناسب أن يدفع هذا بقوله تعالى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ} [الممتحنة: 8] الآية.
* * * *
(فتوى في مسألة السلام على الكافر)(من الرسالة 18 من رسائل العلامة الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن آل الشيخ - رحمهم الله تعالى -) وأما البداءة بالسلام فلا ينبغي أن يبدأ الكافر بالسلام بل هو تحية أهل الِإسلام، لكن إن خاف مفسدة راجحة وفوات مصلحة كذلك فلا بأس بالبداءة لا سيما من ينتسب إلى الِإسلام ولكن يخفى عليه شيء من أصوله وحقوقه، وقد كان صلى الله عليه وسلم يأتي المشركين من العرب في منازلهم أيام الموسم ويدعوهم إلى توحيد الله وترك عبادة ما سواه، وأن يقولوا لا إله إلا الله ويتلو عليهم القرآن ويبلغهم ما أمر بتبليغه مع ما هم عليه من الشرك والكفر والرد القبيح، لما في ذلك من المصلحة الراجحة على مصلحة الهجر والتباعد. والهجر إنما شرع لما فيه من المصلحة وردع
المبطل فإذا انتفى ذلك وصار فيه مفسدة راجحة فلا يشرع. ومن تأمل السيرة النبوية، والآثار السلفية، يعرف ذلك ويتحقق. وقد أمر الله بالدعوة إليه على بصيرة قال تعالى {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف: 108] (1) قال تعالى {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] والجهاد بالحجة والبيان يقدم على الجهاد بالسيف والسنان. وقد مر صلى الله عليه وسلم على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمنافقين واليهود وفيه عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين فسلم صلى الله عليه وسلم ونزل عن دابته ودعاه إلى الإسلام وذلك حين ذهب إلى سعد بن عبادة يعوده في منزله والقصة مشهورة.
(1) وبعده في الآية (أنا ومن اتبعني) فكل متبع له صلى الله عليه وسلم يجب أن تكون دعوته إلى توحيد الله ودينه على بصيرة، أي على علم وحجة.
وكثير من العلماء يبتلى بخلطة هذا الضرب من الناس لكنه يكون مباركا أينما كان داعياً إلى الله مذكراً به هادياً إليه، كما قال عن المسيحِ عليه السلام {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم: 31] أي داعيا إلى الله مذكراَ به معلماً بحقوقه. فهذه هي البركة المشار إليها ومن عدمها محقت بركة عمره وساعاته وخلطته ومجالسته.
ونسأل الله العظيم لنا ولكم علماً نافعاً، ويكون لنا لديه يوم القيامة شافعاً، أسأل الله العظيم أن يغفر زلتي، ويقبل توبتي، ويقيل عثرتي، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.