الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الرسالة الثالثة للشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ والشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري]
الرسالة الثالثة من إملاء الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ والشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بعث محمداً بالهدى ودين الحق على حين فترة من الرسل فهدى به إلى أقوم المناهج، وأوضح السبل، فشرع الشرائع وبين الأحكام، ولم يقبضه إليه حتى تم شرعه وكمل، فمن أراد الله سعادته اكتفى بهديه عن سائر الشرائع والنحل، ومن قضى عليه بالشقاء صدف عن ذلك وعدل، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي قائلها يوم العرض من كل كرب ووجل، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل الخلق وخاتم الرسل،
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين حازوا قصب سبق الفضائل بالعلم والعمل.
أما بعد فإن الله سبحانه وتعالى لما منَّ على بادية نجد في آخر هذا الزمان بالِإقبال على تعلم دين الِإسلام والعمل به، وكثر ذلك فيهم وانتشر، ورأى الشيطان منهم قوة في ذلك وحرصاً على الخير يئس منهم أن يردهم على حالهم الأولى التي انتقلوا منها، فأخذ في فتح أبواب من أبواب الشر حسنها لهم وزينها، وجعلها لهم في قالب القوة والصلابة في الدين، وأن من أخذ بها فهو المتمسك بملة إبراهيم ومن تركها فقد ترك ملة إبراهيم، وهذا هو المعهود من كيد اللعين، كما أشار إلى ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان فإنه ذكر أن الشيطان لعنه الله يشم قلب العبد فإذا رأى فيه كسلًا سعى في رده عن
الدين بالكلية، وإن رآى فيه قوة سعى في حمله على مجاوزة الحد والزيادة على ما شرعه الله ورسوله، وإذا أخبر بالأمر المشروع قال له الشيطان ما يكفيك هذا فإن الواجب عليك شيء غير هذا. هذا معنى كلامه - رحمه الله تعالى -.
إذا علم هذا فمن الأمور التي أدخل على الأخوان - وفقهم الله - أنه غلظ أمر الأعراب عندهم حتى صار منهم من يعتقد كفرهم مطلقا، ومنهم من يرى جهادهم حتى يلتزموا سكنى القرى. والجواب عن هذا أن تعلم أيها المنصف الذي مراده الحق أن الواجب علينا وعلى جميع المسلمين رد ما تنازعنا فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله ولا يرد ذلك إلى محض الجهل والهوى، أو استحسان العقل والأقيسة الفاسدة، ونحن نطالب من قال ذلك بدليل من كتاب الله
وسنة رسوله أو نقل عن الخلفاء الراشدين، والصحابة المهديين، أو من تبعهم من أئمة الدين، فإن كان اعتمادهم فيما توهموه من إلزام البادية بالسكنى في القرى على مطلق وجوب الهجرة فنعرفك عن حقيقة الهجرة الواجبة بالشرع المطهر فنقول:
الهجرة تجب من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام على من لم يقدر على إظهار دينه، فإن كان المحل الذي فيه الأعراب تظهر فيه شعائر الشرك وتفعل فيه المحرمات وتترك فيه الواجبات، فإن الهجرة تجب من ذلك المحل إلى بلاد تظهر فيها شعائر الإسلام سواء كان ذلك في بادية أو حاضرة.
وأما البادية الذين هم في ولاية إِمام المسلمين وهم مع ذلك ملتزمون شرائع الإسلام من الإتيان بأركان الإسلام الخمسة وترك الشرك والكفر ولا
يظهر فيهم شيء من نواقض الِإسلام، فلا تجب عليهم الهجرة إلى القرى ولا يجوز إلزامهم بذلك، ومن ألزمهم بذلك ورآه دينا فقد شرع في الدين ما لم يأذن به الله قال تعالى {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21] وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد - وفي رواية - من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد» أي من أحدث في ديننا وشرعنا زيادة لم نشرعها، فمن قال قولا أو عمل عملا لم يشرعه الله ورسوله فهو مردود عليه كائناً من كان. وقال تعالى {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [النحل: 116]
ومن نسب إلزام بادية المسلمين بسكنى القرى إلى دين الله ورسوله فقد افترى وضل، نعم تستحب
الهجرة في حقهم والحالة هذه لما يترتب على ذلك من حضور الجمع والأعياد وغير ذلك من غير إكراه على ذلك. فافهموا حكم الهجرة ومن تجب عليه، وقولوا بعلم ودعوا الجهل والهوى واستحسانات العقول، وإن أردتم الدليل على ما قلناه فانظروا إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه وأصحابه وحالهم مع أعرابهم الموجودين في عصر النبوة وما بعده، فإنهم لم يلزموهم بسكنى القرى، فإن كان عند أحد دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم فليوجدناه ونقبله على الرأس والعين.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة الطويل الذي رواه مسلم في صحيحه في أعراب المسلمين فإنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على سرية أو جيش إلى قوله «ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى
دار المهاجرين فإن أبوا فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجرى عليهم حكم الله» الحديث. فدل الحديث على أنه قد كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أعراب ولم يلزمهم بالهجرة.
وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى - في الهدي النبوي في أواخر الوفود (فصل في قدوم وفد بني عبس) : وقدم عليه بنو عبس فقالوا: يا رسول الله قدم علينا قراؤنا فأخبرونا أنه لا إسلام لمن لا هجرة له ولنا أموال ومواش وهي معايشنا، فإن كان لا إسلام لمن لا هجرة له فلا خير في أموالنا ومواشينا بعناها وهاجرنا عن آخرنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اتقوا الله حيث كنتم فلن يلتكم من أعمالكم شيئا» انتهى.
نعم يجب على ولي الأمر إلزام الأعراب بشرائع الإسلام وكفهم عن المحرمات من الشرك وغيره كغيرهم من المسلمين، وأما إطلاق الكفر على
الأعراب بالعموم فالدليل على منعه قوله تعالى {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 99] الآية.
فإذا علمت أنها لا تجب الهجرة على من كان في بادية المسلمين تبين لك أنه لا يجوز هجر من قدم على الحاضرة منهم إلا من عرف منهم بالمجاهرة بالمعاصي والإعلان بها، وهذا ليس خاصا بالأعراب فإن المجاهر بالمعاصي يشرع هجره سواء كان ذلك من أهل البادية أو الحاضرة إذا كان فيه مصلحة راجحة ولم يترتب عليه مفسدة لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
ومن الأمور التي أوقعها الشيطان أن الإنسان إذا كان قد هاجر وسكن في قرية من قرى المسلمين واتخذ ماشية من إبل أو غنم واعتاش بها هو وعائلته وخرج لرعيها ومن نيته الرجوع إلى ذلك المحل
الذي خرج منه هجر عن السلام في زعم هذا الجاهل أن خروجه مع إبله وغنمه معصية، وهذا جهل وضلال، فإن فعله ذلك مباح فلا يجوز هجره والِإنكار عليه والحالة هذه، وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم نعم من إبل وغنم يجعل فيها رعاة يرعونها، وقال الفضل بن العباس: زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بادية لنا، وأما من هاجر ثم رجع إلى البادية منتقلا عن دار هجرته فإنه عاص ومرتكب كبيرة إذا لم يكن من نيته الرجوع.
فمن كان مقصوده اتباع الحق وطلب الهدى وسعه ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومن كان مقصوده الهوى والتعمق والتكلف والتضييق على نفسه وعلى غيره من غير دليل شرعي فهو شبيه بمن انحرف عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل البدع والضلال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «إن قوما شددوا
على أنفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات» وذلك حين سأل نفر من أصحابه عن عبادته صلى الله عليه وسلم فكأنهم تقالّوها فقال أحدهم: أما أنا فلا آكل اللحم، وقال الآخر: أنا لا أتزوج النساء، وقال: الآخر أنا أصوم ولا أفطر وأصلي ولا أنام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«أما أنا فأصوم وأفطر وأصلي وأنام، وآكل اللحم وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» ولما قام أبو إسرائيل في الشمس أمره أن يستظل.
ومن المعلوم أن مقصود هؤلاء النفر الحرص على الخير وطلب الزيادة في العبادة فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الزيادة على المشروع ضرر على صاحبها وسبب لخروجه عن الصراط المستقيم ومضاهاته للمغضوب عليهم والضالين.
ومما أدخل الشيطان على بعض المتدينين اتهام علماء المسلمين بالمداهنة وسوء الظن بهم وعدم الأخذ عنهم، وهذا سبب لحرمان العلم النافع، والعلماء هم ورثة الأنبياء في كل زمان ومكان فلا يتلقى العلم إلا عنهم فمن زهد في الأخذ عنهم ولم يقبل ما نقلوه فقد زهد في ميراث سيد المرسلين واعَتاض عنه بأقوال الجهلة الخابطين الذين لا دراية لهم بأحكام الشريعة، والعلماء هم الأمناء على دين الله فواجب على كل مكلف أخذ الدين عن أهله كما قال بعض السلف: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم. فأما من تعلق بظواهر ألفاظ من كلام العلماء المحققين ولم يعرضها على العلماء بل يعتمد على فهمه وربما قال حجتنا مجموعة التوحيد أو كلام العالم الفلاني وهو لا يعرف مقصوده بذلك الكلام فإن هذا جهل وضلال.
ومن المعلوم أن أعظم الكلام وأصحه كتاب الله العزيز، فلو قال إنسان ما نقبل إلا القرآن وتعلق بظاهر لفظ لا يعرف معناه أو أوله على غير تأويله فقد ضاهى الخوارج المارقين. فإذا كان هذا حال من اكتفى بالقرآن عن السنة فكيف بمن تعلق بألفاظ الكتب وهو لا يعرف معناها ولا ما يراد بألفاظها، والكتب أيضا فيها من الأحاديث الصحيح والضعيف، والمطلق والمقيد والعام والخاص، والناسخ والمنسوخ، فإذا لم يأخذ العلم عن العلماء النقاد الذين هم للحديث بمنزلة الصيارفة للذهب والفضة خبط خبط عشواء وتاه في وادي جهالة عمياء.
وقد قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى - في كتاب أصول الإيمان: (باب قبض العلم) ثم
ذكر حديث زياد بن لبيد قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فقال «ذلك عند أوان ذهاب العلم) قلت: يا رسول الله وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ فقال (ثكلتك أمك يا زياد إن كنت لأراك من أفقه رجل في المدينة، أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرأون التوراة والإنجيل ولا يعملون بشيء مما فيهما؟» رواه أحمد وابن ماجه، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: عليكم بالعلم قبل أن يقبض وقبضه ذهاب أهله، عليكم بالعلم فإن أحدكم ما يدري متى يفتقر إليه أو يفتقر إلى ما عنده، وستجدون أقواما يزعمون أنهم يدعون إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم، عليكم بالعلم وإياكم والبدع والتنطع والتعمق، وعليكم بالعتيق، رواه الدارمي بنحوه.
وفي الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بموت العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوساً جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» انتهى.
إذا عرف هذا تبين أن الذي يدعي أنه يستغني بمجموعة التوحيد عن الأخذ عن علماء المسلمين مخطئ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن سبب قبض العلم موت العلماء فإذا ذهب العلماء واتخذ الناس رءوساً جهالا وسألوهم وأخذوا بفتواهم ضلوا وأضلوا عياذاً بالله.
ومما أدخل الشيطان أيضا إساءة الظن بولي الأمر وعدم الطاعة له فإن هذا من أعظم المعاصي وهو من دين الجاهلية الذين لا يرون السمع والطاعة دينا. بل
كل منهم يستبد برأيه، وقد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة في وجوب السمع والطاعة لولي الأمر في العسر واليسر والمنشط والمكره حتى قال صلى الله عليه وسلم «اسمع وأطع وإن أخذ مالك وضرب ظهرك» فتحرم معصيته والاعتراض عليه في ولايته وفي معاملته وفي معاقدته ومعاهدته لأنه نائب المسلمين والناظر في مصالحهم، ونظره لهم خير من نظرهم لأنفسهم، لأن بولايته يستقيم نظام الدين، وتتفق كلمة المسلمين، لا سيما وقد منّ الله عليكم بإمام ولايته ولاية دينية، وقد بذل النصح لعامة رعيته من المسلمين خصوصاً المتدينين بالإحسان إليهم ونفعهم وبناء مساجدهم وبث الدعاة فيهم والِإغضاء عن زلاتهم وجهالاتهم، ووجود هذا في آخر هذا الزمان من أعظم ما أنعم الله به على أهل هذه الجزيرة فيجب عليهم شكر هذه النعمة ومراعاتها والقيام بنصرته والنصح له باطنا وظاهرا، فلا يجوز لأحد الافتيات
عليهِ ولا المضي في شيء من الأمور إلا بإذنه (1) ومن افتات عليه فقد سعى في شق عصا المسلمين وفارق جماعتهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «من عصى الأمير فقد عصاني ومن عصاني فقد عصا الله» والمراد بالأمير في هذا الحديث من ولاه الله أمر المسلمين وهو الِإمام الأعظم (2) وقال ابن رجب - رحمه الله تعالى - في شرح الأربعين له: وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معاشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن الناس
(1) يعني الأمور العامة المنوطة بالإمام وعماله من سياسية وقضائية وقصاص كإقامة الحدود وسائر العقوبات التعزيرية فليس لأحد من أفراد الناس أن يعاقب أحداً على ذنب ارتكبه بضرب ولا بسب بل العقاب حق الإمام أو نائبه.
(2)
ومثله نوابه وعماله.
لا يصلحهم إلا إمام برّ أو فاجرٌ. إن كان فاجراً عبد المؤمن فيه ربه وحمل الفاجر فيها إلى أجله. وقال الحسن في الأمراء: يلون من أمورنا خمساً: الجمعة والجماعة والعيد والثغور والحدود، والله ما يستقيم الدين إلا بهم وإن جاروا وظلموا، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم والله لغيظ، وإن فرقتهم لكفر. وخرج الخلال في كتاب الإمارة من حديث أبي أمامة قال: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه حين صلوا العشاء (أن احشدوا فإن لي إليكم حاجة) فلما فرغوا من صلاة الصبح قال: (هل حشدتم كما أمرتم؟) قالوا: نعم، قال (اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، هل عقلتم هذه؟) ثلاثا، قلنا: نعم، قال (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، هل عقلتم هذه؟) ثلاثا، قلنا: نعم، قال (اسمعوا وأطيعوا، هل عقلتم هذه؟) ثلاثا، قلنا: نعم
قال: فكنا نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيتكلم كلاماً طويلًا ثم نظرنا في كلامه فإذا هو قد جمع الأمر كله» ، انتهى.
ومن الأمور التي أدخلها الشيطان في المسلمين لينال بها مقصوده من إغوائهم واختلاف كلمتهم وتفرفهم ما حملهم عليه من التهاجر على غير سبب يوجب ذلك. بل بمجرد الرأي المخالف لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا ينافي ما عقده الله بين المسلمين من الإخوة الإسلامية التي توجب التواصل والتواد والتراحم والتعاطف كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد (1) الواحد» وقال النبي صلى الله عليه وسلم
(1) تتمته (إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه أحمد ومسلم عن النعمان بن بشير. وفي رواية (المؤمنون كرجل واحد إن اشتكى رأسه اشتكى كله، وإن اشتكى عينه اشتكى كله) .
«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» (1) وقال الله تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]- إلى قوله - {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103] وقال {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46] الآية، وقال صلى الله عليه وسلم «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم» الحديث.
وقد تقدم أن هجر أهل المعاصي يشرع إذا كانت المصلحة بذلك راجحة على مفسدته، فإذا لم تكن فيه مصلحة راجحة لم يشرع لما يترتب على ذلك من المفاسد كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - والهجر إنما شرع تأديباً وتعزيراً بترك السلام عليه وعدم تكليمه حتى ينزجر عن معصيته وأما
(1) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي موسى رضي الله عنه.
ضربه وتعنيفه فلا أصل له في الشرع، ومن نسب إلى الشيخ الإمام عبد اللطيف - رحمه الله تعالى - أنه يضرب كل من سافر إلى بلاد المشركين فقد افترى والناقل لذلك يطالب بصحة ما نقل عنه وإن صح من ذلك شيء فهو محمول على بعض المنتسبين الذين يقتدي بهم ويغتر بهم الجهال.
والله المسئول المرجو الإجابة أن ينصر دينه ويعلي كلمته وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على عبده ورسوله محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال ذلك وأملاه الراجيان لعفو الله ومغفرته محمد ابن عبد اللطيف بن عبد الرحمن وعبد الله بن عبد العزيز العنقري - سامحهما الله تعالى -.