الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يحتاج إليه الخلق في الدنيا ولا في الآخرة إلا أوضحه وبيَّنه كائنًا ما كان، وسنضرب لذلك المثل ببيان عشر مسائل عظام عليها مدار الدنيا من المسائل التي تهم العالم في الدارين، وفي البعض تنبيه لطيف على الكل.
الأولى: التوحيد، الثانية: الوعظ، الثالثة: الفرق بين العمل الصالح وغيره، الرابعة: تحكيم غير الشرع الكريم، الخامسة: أحوال الاجتماع بين المجتمع، السادسة: الاقتصاد، السابعة: السياسة، الثامنة: مشكلة تسليط الكفار على المسلمين، التاسعة: مشكلة ضعف المسلمين عن مقاومة الكفار في العَدَدِ والعُدَدِ، العاشرة: مشكلة اختلاف القلوب بين المجتمع. ونوضح علاج تلك المشاكل من القرآن، وهذه إشارة خاطفة إلى بيان جميع ذلك بالقرآن تنبيهًا به على غيره.
المسألة الأولى: وهي التوحيد
.
فقد عُلِم باستقراء القرآن أنه منقسم إلى ثلاثة أقسام:
النوع الأول: توحيده جل وعلا في ربوبيته وهذا النوع من التوحيد جُبلَتْ عليه فطرُ العقلاء، قال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف / 87]، الآية، وقال:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ} إلى قوله: {أَفَلَا تَتَّقُونَ (31)} [يونس / 31]، والآيات بنَحْوِ ذلك كثيرة.
وإنكار فرعون لهذا النوع في قوله: {قَال فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ
الْعَالمِينَ (23)} [الشعراء / 23] = مكابرةٌ وتجاهل، بدليل قوله:{قَال لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} [الإسراء / 102] الآية، وقوله:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل / 14]، ولهذا كان القرآن ينزل بتقرير هذا النوع من التوحيد بصيغة استفهام التقرير، كقوله:{أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} [إبراهيم / 10]، وقوله:{قُلْ أَغَيرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيءٍ} [الأنعام / 164] وقوله: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ} [الرعد / 16] ونحو ذلك لأنهم يقرون به.
وهذا النوع من التوحيد لم ينفع الكفار لأنهم لم يوحدوه جل وعلا في عبادته، كما قال:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)} [يوسف / 106]، {مَا نَعْبُدُهُمْ إلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر / 3]، {وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ} [يونس / 18] الآية.
النوع الثاني: توحيده جل وعلا في عبادته، وهو الذي وَقَعت فيه جميع المعاركِ بين الرسلِ والأمم، وهو الذي أُرْسلَت الرسل لتحقيقه، وحاصلُه هو معنى لا إله إلا الله، فهو مبنيٌّ على أصلين: هما النَّفيُ والإثبات من: (لا إله إلا الله) فمعنى النفي منها: خلع جميع أنواع المعبودات غير الله تعالى في جميع أنواع العبادة كائنة ما كانت، ومعنى الإثبات منها: هو إفراده جل وعلا وحده بجميع أنواع العبادة على الوجه الذي شرع أن يُعبدَ به، وجُلُّ القرآن في هذا النوع:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل / 36]، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلا نُوحِي إِلَيهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)}
[الأنبياء / 25]، {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة / 256]، الآية، {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)} [الزخرف / 45]، {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108)} [الأنبياء / 108]، والآيات في هذا كثيرة جدًّا.
النوع الثالث: هو توحيده جل وعلا في أسمائه وصفاته، وهذا النوع من التوحيد ينبني على أصلين كما بينه جل وعلا.
الأول: هو تنزيهه تعالى عن مشابهة صفات الحوادث.
الثاني: هو الإيمان بكل ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم حقيقة لا مجازًا، على الوجه اللائق بكماله وجلاله، ومعلومٌ أنه لا يصفُ اللَّهَ أعلمُ بالله من الله ولا يصفُ اللهَ أعلمُ بالله من رسولِ الله، والله يقول عن نفسه:{أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة / 140].
ويقول عن رسوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَى (4)} [النجم / 3 - 4]، فقد بين تعالى نفي المماثلة عنه بقوله:{لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ} [الشورى / 11]، وبيَّن إثبات الصِّفات له على الحقيقة بقوله:{وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} فأول الآية يقضي بعدم التعطيل، فيتضح من الآية أن الواجب إثبات الصفات حقيقة من غير تمثيل، ونفي المماثلة من غير تعطيل. وبَيَّنَ عجز الخلق عن الإحاطة به جل وعلا قال:{يَعْلَمُ مَا بَينَ أَيدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110} [طه / 110].