المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مناقشة المتكلمين بمقتضى قواعدهم] - محاضرات الشنقيطي

[محمد الأمين الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌المسألة الأولى: وهي التوحيد

- ‌المسألة الثانية: التي هي الوعظ

- ‌المسألة الثالثة: التي هي الفرق بين العمل الصالح وغيره

- ‌المسألة الرابعة: التي هي تحكيم غير الشرع الكريم:

- ‌المسألة الخامسة: التي هي أحوال الاجتماع

- ‌المسألة السادسة: التي مسألة الاقتصاد:

- ‌المسألة السابعة: التي هي السياسة

- ‌المسألة الثامنة: التي هي تسليط الكفار على المسلمين:

- ‌المسألة التاسعة: التي هي مسألة ضَعفِ المسلمين

- ‌المسألة العاشرة: التي هي مشكلة اختلاف القلوب

- ‌اعلم أولًا أن المصالح التي عليها مدار التشريع السماوي ثلاث:

- ‌ المصلحة بالإضافة إلى شهادة الشرع ثلاثة أقسام:

- ‌المنهج" في اللغة العربية

- ‌والإسلام في الإصطلاح الشرعي

- ‌و"التشريع" هو وضع الشرع

- ‌أما الاعتقاد فقد دلَّ استقراء القرآن أنه في حق الله تعالى ثلاثة أنواع:

- ‌ والأركان الكبار التي بُني عليها التشريع السماوي خمس وهي:

- ‌اعلم أن طريق تشريع الله دينه لخلقه فيها من الحِكَم والأسرار من جهات شتى ما لا يحيط بعلمه إلا الله جل وعلا وحده

- ‌[الكلام على الصفات السلبية عند المتكلمين]

- ‌[الكلام عن الصفات السبع]

- ‌[الصفات الجامعة]

- ‌[الصفات التي اختلف فيها المتكلمون]

- ‌[مناقشة المتكلمين بمقتضى قواعدهم]

- ‌[مقارنة بين ما سموه مذهب السلف ومذهب الخلف]

- ‌تعريف العنوان:

- ‌أما الأول منها: وهو التشريع

- ‌المُثُل العليا في أخلاق العاملين

- ‌النوع الثالث في جزاء العاملين

- ‌ تسألون فيه عن حكم الشرع في اختلاط الجنسين في الدراسة الجامعية

- ‌والجواب عما سألتم عنه وفقنا الله وإياكم:

- ‌أما القرآن العظيم

- ‌وأما أدلة السنة:

- ‌فاعلموا أن سدَّ الذريعة الموصلة إلى فاحشة الزنا واجب بإِجماع المسلمين

- ‌قال السيوطي في "الإتقان

- ‌قال الشيخ رحمه الله في شرحها:

الفصل: ‌[مناقشة المتكلمين بمقتضى قواعدهم]

للأذهان السليمة أن الخالق ينافي المخلوق في ذاته وسائر صفاته؟! لا والله لا يعارض في هذا إلا مكابر!

[مناقشة المتكلمين بمقتضى قواعدهم]

ثم بعد هذا البحث الذي ذكرنا نحب أن نذكر كلمة قصيرة لجماعة قرءوا في المنطق والكلام، وظنوا نفي بعض الصفات من أدلة كلامية، كالذي يقول مثلًا: لو كان مستويًا على العرش -والفرض أنَّ العرش مخلوق- لكان مشابهًا للحوادث، لكنه غير مشابه للحوادث، يُنتج: فهو غير مستو على العرش. هذه النتيجة الباطلة تضاد سبع آيات من المحكم المنزل. ولكن الآن نقول في مثل هذا على طريق المناظرة والجدل المعروف عند المتكلمين، نقول: هذا قياس استثنائي مركب من شرطية متصلة لزومية واسْتُثْنِي فيه نقيض التالي فأنتج منه نقيض المقدم، حسب ما يراه مقيم هذا الدليل.

ونحن نقول: إنه تقرر عند عامة النظار أن القياس الاستثنائي المركب من شرطية متصلة لزومية يتوجَّه عليه القدح من ثلاث جهات:

1 -

يتوجه عليه من جهةِ استثنائيته.

2 -

ويتوجه عليه من جهةِ شرطيته إذا كان الربط بين المقدم والتالي ليس بصحيح.

3 -

ويتوجه عليه القدح من جهتهما معًا. وهذه القضية الكاذبة الشرطية، فالربط بين مقدمها وتاليها كاذب كذبًا بحتًا، ولذا جاءت نتيجتها مخالفة لسبع آيات.

ص: 114

وإيضاحه أن نقول: قولكم: "لو كان مستويًا على العرش لكان مشابهًا للحوادث"، هذا الربط بين "لو" و"لي" كاذبٌ كاذبٌ كاذبٌ، بل هو مستوٍ على عرشه -كما قال- من غير مشابهة للحوادث، كما أن سائر صفاته واقعة كما قال، من غير مشابهة للخلق ولا يلزم من استوائه على عرشه -كما قال- أن يشبه شيئًا من المخلوقين في صفاتهم ألبتة. بل استواؤه صفة من صفاته، وجميع صفاته منزهة عن مشابهة الخلق، كما أن ذاته منزهة عن مشابهة ذوات الخلق. ويطَّرِدُ هذا في مثل هذا.

وعلى كل حال فالجواب عن شيء واحد من هذا يطرد في الكل.

وآخر ما نختتم به هذه المقالة أنا نوصيكم وأنفسنا بتقوى الله وأن تلتزموا بثلاث آيات من كتاب الله:

الأولى: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ} [الشورى / 11] فتنزهوا رب السموات والأرض عن مشابهة الخلق.

الثانية: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فتؤمنوا بصفات الكمال والجلال الثابتة في الكتاب والسنة على أساس التنزيه، كما جاء:{وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} بعد: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ} .

النقطة الثالثة: أن تقطعوا أطماعكم عن إدراك حقيقة الكيفية؛ لأن إدراك حقيقة الكيفية مستحيل. وهذا نص الله عليه في سورة طه حيث قال: {يَعْلَمُ مَا بَينَ أَيدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)} فقوله: {يُحِيطُونَ بِهِ} فعل مضارع، والفعل الصناعي الذي يسمى بالفعل المضارع وفعل الأمر والفعل الماضي ينحلُّ عند النحويين عن "مصدر"

ص: 115

و"زمن" كما قال ابن مالك في "الخلاصة":

المصدر اسمُ ما سوى الزمانِ من

مدلولي الفعل كأَمْن مِن أَمِن

وقد حرر علماء البلاغة في مبحث الاستعارة التبعية، أنه ينحل عن (مصدر، وزمن، ونسبة) فالمصدر كامن في مفهومه إجماعًا، فـ {يُحِيطُونَ} تكمن في جوفها (الإحاطة) فيتسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل، فيكون مثلًا يُبْنَى معه على الفتح، فيصير المعنى: لا إحاطةَ علمٍ برب السموات والأرض. فينفي جنس أنواع الإحاطة عن كيفيتها. فالإحاطة المسندة للعلم منفية عن رب العالمين.

فلا يشكل عليكم بعد هذا صفة نزول ولا مجيء، ولا صفة يد ولا أصابع، ولا عَجَب ولا ضحك، لأن هذه الصفات كلها من باب واحد. فما وصف الله به نفسه منها فهو حق، وهو لائق بكماله وجلاله، لا يشبه شيئًا من صفات المخلوقين. وما وُصِف به المخلوقون منها فهو حق مناسب لعجزهم وفنائهم وافتقارهم. وهذا الكلام الكثير أوضحه الله في كلمتين:{لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} ليس كمثله شيء تنزيه بلا تعطيل. وهو السممع البصير إيمان بلا تمثيل. فيجب من أول الآية {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ} التنزيه الكامل الذي ليس فيه تعطيل، ويلزم من قوله:{وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} الإيمان بجميع الصفات الذي ليس فيه تمثيل. فأول الآية تنزيه، وآخرها إيمان. ومن عمل بالتنزيه الذي في {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ} والإيمان الذي في قوله:{وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} وقطع النظر عن إدراك الكُنْه

ص: 116

والحقيقة

(1)

المنصوص في قوله {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)} [طه / 110] خرج سالمًا.

وقد ذكرت لكم مرارًا أني أقول: هذه الأسس الثلاثة التي ركزنا عليها البحث وهي:

1 -

تنزيه الله عن مشابهة الخلق.

2 -

والإيمان بالصفات الثابتة بالكتاب والسنة وعدم التعرض لنفيها وعدم التهجم على الله بنفي ما أثنى به على نفسه.

3 -

وقطع الطمع عن إدراك الكيفية.

لو مُتم يا إخوان وأنتم على هذا المعتقد، أترون الله يوم القيامة يقول لكم: لِمَ نزهتموني عن مشابهة الخلق، ويلومكم على ذلك؟ لا وكلا والله لا يلومكم على ذلك. أترون أنه يلومكم على أنكم آمنتم بصفاته وصدقتموه فيما أثنى به على نفسه، ويقول لكم: لم أثبتم لي ما أثبت لنفسي أو أثبته لي رسولي؟ لا والله لا يلومكم على ذلك. ولا تأتيكم عاقبة سيئة من ذلك. كذلك لا يلومكم الله يوم القيامة ويقول لكم: لِمَ قطعتم الطمعَ عن إدراك الكيفية ولِمَ تُحَدِّدوني بكيفية مدركة.

ثم إنا نقول: لو تنطع متنطع وقال: نحن لا ندرك كيفية (نزولٍ) منزهة عن نزول الخلق، ولا ندرك كيفية (يَدٍ) منزهة عن أبيدي الخلق، ولا ندرك كيفية (استواءٍ) منزهة عن استواءات الخلق، فبينوا لنا كيفية

(1)

أي: حقيقة الكنه، وهو الكيفية.

ص: 117

معقولة منزهة تدركها عقولنا.

فنقول أولًا: هذا السؤال الذي قال فيه مالك بن أنس: "والسؤال عن هذا بدعة". ولكن نجيب ونقول: أعرفتَ أيها المتنطع السائل الضال كيفية الذات المقدسة الكريمة المتصفة بصفة النزول، وصفة اليد، وصفة الاستواء، وصفة السمع والبصر والقدرة والإرادة والعلم؟ فلا بد أن يقول: لا. فنقول: معرفة كيفية الصفة متوقفة على معرفة كيفية الذات، إذ الموصوفات تختلف باختلاف ذواتها.

ونضرب مثلًا -ولله المثل الأعلى- فإن الأمثال لا تضرب لله.

ولكن الأحرويات لا مانع منها كما جاء بها القرآن. فنقول -مثلًا- كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله: لفظة (رأس) الراء والهمزة والسين، "رأس" هذه الكلمة أضفها إلى المال، وأضفها إلى الوادي، وأضفها إلى الجبل. قل: رأس المال. رأس الوادي. رأس الجبل. فانظر ما صار من الاختلاف بين هذه المعاني بحسب هذه الإضافات، وهذا في مخلوق ضعيف مسكين، فما بالك بالبون الشاسع الذي بين صفة الخالق جل وعلا وصفة المخلوق؟!

وختامًا يا إخوان نوصيكم وأنفسنا بتقوى الله وأن تتمسكوا بهذه الكلمات الثلاث:

1 -

أن تنزهوا ربكم عن مشابهة صفات الخلق.

2 -

أن تؤمنوا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم إيمانًا مبنيًّا على أساس التنزيه على نحو {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ

ص: 118