الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (1) وذلك ضمانًا لحياة الجنين والطفل، فالنفقة واجبة على الأب فإن كان الأب ميتًا فعلى الورثة الأقرب فالأقرب {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} (2) يعني لو الطفل أبوه مات لن يضيع لأ الغنم بالغرم مثل ما أقاربه يرثون منه إذا مات كذلك يقومون مقامه إذا وجبت عليه حقوق فلذلك الورثة يقومون مقام الأب عند افتقاده ولذلك قال تعالى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} (3).
لن هيضيع الطفل تنقل بالغنم بالغرم، فالنفقة واجبة على الأب فإذا كان ميتًا فعلى الورثة الأقرب فالأقرب، يجب انتقاؤها بعناية يجب إن تنتقي الأم الثانية لولدك لأنها أم الثانية زوجها سيكون أبًا لابنك الذي سترضعه أبًا من الرضاعة، وهكذا، أحكام في غاية الدقة كما تعلمون، فمن ثم اهتمت الشريعة الإسلامية جدًا بانتقاء الأم التي ترضع. الأم الثانية التي هي أم من الرضاعة لأن للبن تأثيرًا في الطباع، جاءت في بعض الآثار لا تسترضعوا الحمقاء ولا العمشاء فإن اللبن يعبر كأنه يتسبب في انتقال صفات إرثيه إلى هذا الطفل، لهذا يرى الطوسي المشهري تفضيل المرضع الحرة والمسلمة ذات العفة والعقل والوضاءة، وزاد بعض الأطباء المسلمين صفات أخرى غير الدين والأخلاق مثل صغر السن سلامة الصحة الحليب الجيد، وأن يكون للمرضع ما لا يقل عن ولدين هذا فيما يتعلق بهذا الحق وهو حق الرضاعة.
حق الحضانة:
كانت الأعراف الجاهلية تعطي للأب وعصبته حق الحضانة، فجاء الإسلام يرجع الأمر إلى أصله ويرجع الحضانة من حق الأم لأنها منبع الحنان والعواطف يعني في الشريعة الإسلامية نلاحظ أيضًا الانحياز العجيب لمصلحة الطفل.
من أجل أن هكذا الناس الذين لا يفهمون قضية التربية بالذات عملية التأديب، أو العقوبة يقع منهم فساد كبير جدًا، يعني هو بيتصور إنه مطلق الحرية في التصرف كما يشاء لا يحاسبه أحد، يقول لك
(1) الطلاق: 6.
(2)
البقرة: 233.
(3)
البقرة: 233.
ابنه وأنا حر فيه يضربه يعذبه يعمل له عاهة إلى آخره، ليه لأنه لا يفهم أن هناك سلطة أعلى منه سلطة الشريعة تهذب سلوكه وتجعل العقوبة ليست انتقامًا من الطفل.
لكن الموضوع كله بيدور حول أين تكون مصلحة الطفل ففي حالة معينة قد يكون هناك طفل لا يصلحه إلا نوع من الشدة، طبعًا بشروط ليس الهدف الانتقام الطفل غير مكلف، فاحنا كل الموضوع ما الذي يحسب القرارات أن يصب في مصلحة الطفل، فكل القاعدة تدور حول مصلحته فالشريعة منحازة تمامًا إلى مصلحة الطفل، منحازة لمصلحة الطفل تمامًا لأنه لا يضمن التعبير عن نفسه، ولا يطالب بحق.
ولذلك جائت هذه الإجراءات، فالشريعة عطلت ما كان عليه الجاهلية من أن حق الحضانة يرجع للعصبة أو الأب والعصبة بتاعة الأب، فجاء الإسلام فعدل هذا الأمر وأصلحه وجعل الحضانة من حق الأم في غاية الواقعية، فينظر أين المصلحة.
فالأصل في فترة الصغر التي فيها الرضاع والعناية بنظافته وكذا وكذا بتكون الأم، فيبقى انتهاء سن الحضانة مع الأم، فإذا كبر واحتاج إلى عناية الأب به فتنتقل الحضانة إلى الأب شيء منطقي جدًا، يقول وجعلها من حق الأم لأنها منبع الحنان والعواطف فقرابتها والتصاقها بالإبن أكثر من الأب.
بل جعل الإسلام الأولية بالحضانة بعد الأم لمن له صلة أقرب للأم فمثلاً، جدته لأمه أولى بالحضانة من جدته لأبيه، وخالته أولى من عمته لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ» (1) عبرت إحدى الصحابيات أجمل تعبير عن حقها في الحضانة بعدما طلقها زوجها وأراد أن ينزع وليدها منها فقالت «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» (2) يعني ما لم تتزوجي، لأن الأم في هذه الحالة ستنشغل بواجبات الزوج فيكون على حساب الطفل.
(1) صحيح البخاري من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.
(2)
سنن أبي داود من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (حسنه الألباني).
كأن الشريعة تكافئها ما دامت تحبس نفسها على رعاية هذا الطفل، فأثبت لها حق الحضانة وأثبت لها كذا وكذا من هذه الحقوق، لكن إذا نازع حق الطفل حق آخر تلتقي الحضانة إلى من يتفرغ للعناية بالطفل.
هذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسير في المدينة بقامته المديدة وهيبته الظاهرة، يرى في ناحية من الطريق ابنه عاصمًا الذي أنجبه من امرأة أنصارية كان قد طلقها رآه يسير مع جدته لأمه فانتزعه منها بقوة بدنه وقوة شخصيته هذا ابنه، وكان مع جدته لأمه لكن العجوز التي كانت تدرك أنها تعيش في دولة لا يظلم فيها أحد، وأن الحق أكبر من عمر رضي الله عنه، لن تتركه بل أخذت تنازعه الولد وخاصمته بين يدي خليفة المسلمين أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فانتزع الصديق الطفل من يده بقوة الحق، وقال له عبارته المشهورة الخالدة المعبرة عن روح الحضارة الإسلامية ورسالة الإسلام التي جاءت رحمة للعالمين، انتزعه الصديق من عمر وأعاده إلى جدته أمه وقال له «ريحها ومسها ومسحها وريقها خير له من الشهد عندك» بهذه العبارات العاطفية الكاشفة بين الصديق رضي الله عنه العواطف الإنسانية التي يضمها قلب الأم الرؤوم، فإذا كانت الأم تغدي وليدها بما يدره جسدها من غذاء صالح لنموه، فهي بنظراتها وبشاشتها وحنانها وهزها له في المهد، وابتسامتها له في الحجر، ومناغاتها له، تقدم له غذاءًا عاطفيًا يتعاون مع الغذاء المادي في تنميته وقوته، وإن كان هذا الغذاء المادي بسيطًا فهو أفضل من الشهد عند أبيه في غياب أمه.
أيضًا كفلت الشريعة الإسلامية حق الطفل في كف الأذى عنه وتمثل ذلك في الختام وحلق الرأس وغير ذلك فمن مظاهر الاهتمام بنظافته إلى جانب حقه في التربية والتعليم والتأديب.
نكتفي بهذا القدر، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
* * *