المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌ما الذي نريده من أولادنا

للحياة فمن ثم لا شك أن يحدث تفاوت بين المنهج التربوي الإسلامي في أهدافه أولاً ثم في وسائله فليس كل ما يصلح للغرب يصلح في المجتمعات الإسلامية.

من مظاهر الخلل أن بعض الناس ينظرون للتربية على أنها توفير الطعام والملابس، يقول: أنا أطعم أولادي أحسن الطعام وألبسهم أحسن الملابس إلى آخره، فهذه تربية الدواجن والبهائم، العلف فقط هذه تربية البهائم كأنك بتربي قط مثلاً، لكن تربية إنسان مكرم يكون عبدًا لله سبحانه وتعالى لا تقتصر على أن توفر الطعام والمؤن والعلف؛ لأنه ليس دابة، هذا إنسان مكرم بل هو المستقبل بعينه.

هناك التربية القاسية المتسلطة: فيها نوع من العنف والجفاء والشدة يقول: من أجل أن يطلع راجل إنه ينظر لابنه بعينيه فالولد يرتجف فالناس تحسن أن هذا ولد مؤدب أبوه ينظر إليه بعينيه هكذا على طول يضع وجهه في الأرض إلى آخره.

‌ما الذي نريده من أولادنا

؟!

هذا شيء مهم جدًا ينبغي أن نلتفت إليه فيه على الجهة الأخرى التدليل المفرط هذا أيضًا إفساد للأولاد التدليل الزائد عن الحد الحماية الزائدة هذا أيضًا يتناقض مع الهدف من المنهج التربوي.

هناك من مظاهر الاعتزاز {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)} الزخرف: 23 [الزخرف:23] يعتبر جزء من هويته التراث الذي خلفه آبائه بما أن أبي رباني بطريقة معينة فحتمًا لا بد أن تكون هذه الطريقة هي الصحيحة، وإن هذه الطريقة يضفى عليها نوع من القداسة وأنها غير قابلة للنقاش مع أن الحقيقة خلاف ذلك.

من الخلل الموجود يسلم زمام التربية للأميين. والأميون ممكن أن يكونوا خادمات معلمات غير تربويات.

ص: 10

أذكر وأنا الصغير كان أحد المدرسين قال لنا مرة «أخلاقك هذه لك أنت ما يهمني هو مستواك في مادتي، إنما الأخلاق هذه تخصك أنت» تسمع مدرسين آخرين طبعًا كلامًا متناقضًا تمامًا مع هذا؛ فنفس المعلمين يحتاجون لتعليم وفاقد الشيء لا يعطيه ولذلك يقعون في مشاكل وخيمة.

الإعلام يعتبر من العوامل التي تؤثر على موضوع أو مسار قضية التربية.

إنسانية الطفل حين يولد طفل هذا ككائن إنساني كان متميز جدًا؛ ولذلك نجد فترة الحضانة بالنسبة للطفل البشري هي أعلى فترة حضانة في الوجود -سنتين- التي هي الرضاعة بخلاف أي كائن آخر معظم الكائنات الأخرى الموضوع ينتهي بسرعة وينتهي في الآخر بالاستقلال يعني الطائر حتى فترة معينة يلقنه أبوه في فمه بالطعام -العصفور أو شيء كهذا- ثم يعلمه الطيران ثم يبقى «لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» (1)؛ ففترة الحضانة البشرية لخطورة هذا الكائن تحتاج تهيئة أكثر وعناية أكثر.

فالإنسان حينما يولد {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} (2) والإنسان لا يعلم شيئًا لكن هو مزود بالاستعدادات. الاستعداد، الذكاء، السمع، البصر، التفكير، وهكذا؛ فهو حينما يولد لا يوجد لديه أكثر من استعدادات والتربية هي التي تمنحها مقومات الإنسانية من الفكر واللغة والمشاعر ومعايير الخطأ والصواب.

والولد البشري لا يصبح إنسانًا إلا إذا رباه إنسان مثله {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} (3) فالوضع الطبيعي إن ابن الإنسان لا يصبح إنسانًا إلا إذا رباه إنسان طبعًا سنضطر نستعمل مثال مشهور جدًا في عالم الأطفال وهو «طرزان» أليس كذلك! إنه لما تربى في وسط الحيوانات

(1) سنن الترمذي من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه (صححه الألباني).

(2)

النحل: 78.

(3)

الإسراء: 24.

ص: 11

هل خرج إنسانًا عنده الاستعداد لكن صار يصرخ كالحيوانات مجرد تقريب للفكرة؛ فهو لا يكون إنسانًا إلا إذا رباه إنسان.

وكما قلنا إن الخطوط العريضة في شخصية الطفل تُرسم في السنوات الست الأولى من عمره وهو يولد لكن أول ثلاث سنوات هذه مرحلة ولادة ثانية لهذا الإنسان الفترة التي نغفل عنها تمامًا ولا نعطيها أي قدر من الاهتمام، لا شك أن مهمة الأسرة التربوية في ظروفنا الراهنة تقابلها تحديات جسام بالذات الآن في عصر العولمة؛ لأن العولمة أصبحت تهمش سلطان كثير من المؤسسات التربوية، همشت الأسرة، المدرسة، المجتمع؛ لأن العولمة بتشجع على التمرد على الأعراف وتوسع جدًا دائرة الخيارات الشخصية ودائرة الحرية الفردية باعتبارها وليدة العالم الرأسمالي الذي يقوم على الفَرْدَانية المحور الفرد نفسه أن يستوفي احتياجاته واختياراته.

وإذا نظرنا للأمة الإسلامية فالثروة العظمى التي تملكها الأمة الإسلامية لا تتمثل للأسف طبعًا في التقدم العلمي التقني ولا في الثروات المادية في المقام الأول، بل هي أعظم ثروة تملكها الأمة الإسلامية هي في أمرين

أولاً: المنهج الرباني الذي كرمها الله سبحانه وتعالى به.

ثانيًا: العنصر البشري المتعاظم؛ فالمسلمون كموارد بشرية يملكون أو يمثلون تقريبًا خمس أو ربع سكان العالم كموارد بشرية هذه جناحًا آخر من الثروة الإسلامية التي يعمل لها أعدائها ألف حساب، ومع وجود هذه التحديات إلا أن الأسرة تعتبر أهم مؤسسة تربوية على الإطلاق رغم المزاحمة والمنافسة لكن لا تزال الأسرة المحضن الأول التي تحضن الطفل في المرحلة الأولى هي مرحلة الطفولة الباكرة التي هي أخطر سنوات عمره.

الأسرة هي الحصن الأخير الذي لا يزال لأهله نوع من السيطرة عليه وإذا كانت البشرية تتقدم في التقنية لكن تقدم الأخلاقيات والسلوكيات إما أنه بطيء وإما أنه معدوم.

ص: 12

فالتقدم التقني المدهش خاصة في مجال الاتصالات أصبحت بيئة مفتوحة لكنها بيئة ملوثة، هذا ترك أثرًا سلبيًا على البيئات التربوية التقليدية.

حينما نتناول قضية التربية بالنسبة للمنهج الإسلامي هناك محور في غاية الأهمية في قضية التربية والإسلام يعطيه مقامًا عظيمًا جدًا حتى إذا كان الهدف من الخلق هو العبادة {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} (1)، فهذه العبادة لخصها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ» (2){وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} (3)؛ فأي هدف تريد أن تحققه فالدعاء يحتل أقوى أسلحة المؤمن.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم «أَبْخَلُ النَّاسِ مَنْ بَخَلَ بِالْسَلَامِ وَأَعْجَزُ الْنَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ الدُّعاَءِ» (4) أبخل الناس من بخل بالسلام يعني إلقاء السلام فيه ثواب عظيم جدًا بل إن إلقاء السلام سنة والإجابة واجبة لكن هذه من الاستثناءات التي يكون فيها ثواب السنة أعظم من ثواب الواجب أن تبدأ بالسلام فيكون لك الثواب العظيم ومع ذلك واحد يبخل بالسلام فهو أبخل لأنه لا يكلفه شيئًا مع أنه سينال به ثوابًا عظيمًا.

كذلك أعجز الناس من عجز عن الدعاء، الدعاء عبادة من أسهل العبادات قلب يدعو موافقًا باللسان بصدق وإخلاص والله سبحانه وتعالى تكفل بإجابة هذا الدعاء هو سبب من أهم الأسباب الارتباط بالله سبحانه وتعالى والاتصال بالله عن طريق الدعاء من أعظم أسباب تحقيق الآمال ولذلك نجد أن الأنبياء مع أن الأنبياء حُمِّلوا المنهج التربوي وإنما رباهم الله سبحانه وتعالى بالوحي وحسن التنشئة

(1) الذاريات: 56.

(2)

سنن أبي داود من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما (صححه الألباني).

(3)

غافر: 60.

(4)

رواه ابن حبان موقوفًا على أبي هريرة رضي الله عنه (صححه الألباني).

ص: 13

والإنبات الحسن لكن مع ذلك نفس الأنبياء كانوا يستعينون بسلاح الدعاء {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} (1){وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} (2){رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} (3).

مريم لما مدحها الله، مدحها بماذا {وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} (4) هذا ثناء على التربية الباكرة الحسنة فمن الأسلحة المهمة جدًا في قضية التربية الاستعانة بالدعاء وبالذات الدعاء المذكور في القرآن الكريم أو في السنة النبوية؛ لأن هذا السلاح من أقوى الأسلحة التي اختص بها المسلمون فهذا مجال واسع إذا أردنا أن نستقصي أنواع الأدعية في القرآن والسنة المتعلقة بالذرية وصلاح الذرية نجد من ذلك كثرة كاثرة.

هذا الإنسان كائن متميز هو عبارة عن روح وإرادة حرة كما أنه يحمل خصائص وراثية ذهنية ونفسية يرثها عن أبويه يعيش في بيئة ذات معطيات محددة تؤثر فيه ويمر بأحداث حياتية خاصة به.

المقصود من هذا كله خصائص الإنسان في هذه الصورة نريد أن نصل إلى إن كل واحد من الناشئة أشبه بحالة خاصة أو بمخطوطة فريدة متميزة عن غيرها وهذه نقطة مهمة جدًا في التربية إن كل إنسان له كيانه القائم به، صحيح هو مكون من روح من إرادة مكون من جينات تحمل خصائص وراثية يرثها عن أسلافه إلا أنه أيضًا يوجد في بيئة تتفاعل تؤثر فيها وتؤثر فيه فيكتسب من خلال الاحتكاك بهذه البيئة المعيشة فيها أشياء بجانب التجارب الشخصية التي يمر بها هو نفسيًا تشكله؛ فمن ثم مثل ما الإنسان له بصمة في الإبهام وبصمة الصوت وبصمة العين التي تميزه عن غيره فكل إنسان نفسيًا أيضًا له

(1) آل عمران: 38.

(2)

الأحقاف: 15.

(3)

الفرقان: 74.

(4)

آل عمران: 37.

ص: 14

نوع من التفرد بصمة الشخصية يقول أنا مستعد للموافقة على ذلك والقاعدة في الآباء أنهم يحبون أولادهم ويضحون من أجلهم.

لكنني أضيف لا يكفي أن نحب إنما ينبغي أن نتساءل كيف نحب، وفيما بعد إن شاء الله سنقف وقفة عن التربية بالحب يقول لا يكفي أن نحب إنما ينبغي أن نتسائل كيف نحب لا يكفي أن نضحي إنما ينبغي أن نتسائل كيف نضحي ولماذا في النهاية نضحي؟

بعبارة أخرى يجب أن نتسائل عن نوعية حبنا فهناك «حب يُحيي وحب يميت» .

هناك مثل يقول «ومن الحب ما قتل» هناك حب يحيي وهناك حب يميت يقتل، هناك حب يحرر ويطلق وحب يكبل ويخنق، فما هو نوع حبنا كلنا ولا شك نود أن نحب أولادنا الحب الصحيح الحب الذي يحييهم وينميهم ويحررهم ويسعدهم، لكن علم النفس الحديث كشف لنا أن هناك دوافع لا شعورية إلى حد نابعة من كوامن أنفسنا متأصلة أحيانًا في رواسب طفولتنا وآثار تربيتنا كثيرًا ما تختلط بالحب الوالدي لتحوله لدرجات متفاوتة عن غايته الأصيلة.

يمهد هنا لقضية أن هذه الرواسب الكامنة فينا تأثير التربية وغيرها ورواسب الطفولة الجذور التي تكون في الطفولة هي التي تجعل الواحد أحيانًا يحول الطفل بدل أن يكون غاية يستعمله كوسيلة، هذا الذي يمهد إليه يقول نحن نعلم أن أولادنا مجموعة متناقضات تحيرنا أحيانًا خاصة في مرحلة المراهقة، ولكننا من جهتنا لا نخلو من هذا التناقض الذي نشكو منه عند أولادنا وقد نعي أحيانًا بعض مظاهره فمن منا لم يختبر مثلاً أنه يود أحيانًا لو يهب أولاده حياته وأغلى ما لديه.

الحالة الثانية لما يغضب يضيق بهم ويتبرم لأقل إزعاج يلحقه منهم أو لأية هفوة ارتكبوها تارة يمنحهم بسخاء ولهفة وقته وجهوده وما ملكت يداه ونفس الأب في مرحلة أخرى في ظروف أخرى يمن عليهم ما ضحى من أجلهم وما صنعه من أجلهم في سياق المنّ، أليس هناك تناقض؟!

ص: 15

فنفس التناقض يشتكي منهم فيه نقع نحن في هذا التناقض تارة يعتبرهم قرة عينيه وفورًا يعتبرهم عبئًا عليه تارة يتلقى برحابة صدر ما يصدر عنهم من مشاغبة وطيش وفورًا يحاسبهم بلا رحمة على كل شارة وواردة.

هذه كلها ليست سوى مظهر لتناقض أعمق كامن في صميم حبنا لوالدينا تناقض لا نعيه في كثير من الأحوال، ولكنه يحدد سلوكنا وتصرفاتنا وإذا شئنا أن نحدده قلنا إنه تناقض بين موقفين أحدهما يعتبر أولادنا وسيلة والآخر يعتبرهم غاية.

هذان الموقفان سوف أتوسع الآن في وصفهما، وقبل الشروع بذلك أود أن أوضح أن التناقض بينهما قائم لا محالة في كل حب والدي، إلا أن حدته تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال؛ ولذا فالفئات التي سوف أصفها كنماذج عن المواقف الوالدية ليست تصنيفًا للوالدين بقدر ما هي تمييز للنزعات المختلفة المتضاربة التي تتنازع قلب كل والد وكل والدة.

لا جدوى من الارتياع أمام هذا التناقض يعني لا يفاجأ أحد حينما ينتبه لأن فعلاً فيه تناقض في تصرفاته أحيانًا كموقف والدي من الأبناء المهم هو أن ننتبه إلى قدر الإمكان إلى وجوده فينا أول شيء يكون عندنا بصيرة جذور هذه المواقف ومن أين أتت، فعندما يكون عندنا بصيرة فإن هذا سيساعدنا إلى إيجاد النزعة السليمة والموقف الوالدي السليم ألا وهي -أي النزعة السليمة- تلك التي تعتبر الولد غاية بحد ذاته على التغلب على النزعة المنحرفة التي تعتبره وسيلة.

يبدأ يفصل في الناس الذين يتصرفون على أنه وسيلة: كثيرًا ما نحن مجربون بأن نعتبر أولادنا بصورة لا شعورية إلى حد ما وسائل لتتميم مقاصدنا وتحقيق ما نصبو إليه ذاتيًا -يعني يسحق شخصية الولد وهو الذي يفرض عليه مواقفه واختياراته-.

هذا الكلام قد يبدو غريبًا لأن الحب الوالدي هو تحديدًا حب شريف متفان، لكن علم النفس الحديث علمنا أن ندقق في أصالة حبنا وتفانينا التي كثيرًا ما تشوبها نزعات أنانية قد لا نفطن تمامًا إليها

ص: 16

لكنها تئول إلى تجريد الولد من فرادته كشخص إنساني؛ لأنه يتصور أنه ملكه وينسى أن له بصمته وشخصيته وكيانه وأن وظيفة التربية أن تساعده على الاستقلال على حد قول الأب المربي الفاهم لما يقول لابنه المراهق «كن رجلاً ولا تتبع خطواتي» خليك راجل لا تمشي ورائي ووراء خطوات رجلي تقلدني، كن رجلاً هذه هي الرجولة ولا تتبع خطواتي.

يقول هذه النزعات الأنانية قد لا نفطن تمامًا إليها لكنها تئول إلى تجريد الولد من فرادته؛ -فرادته أي التفرد- وتفرده، كشخص إنساني وتحويله إلى شيء ندعي امتلاكه -شيء نملكه-.

هذا ما قاله نيتشه حينما كتب بشيء من التشاؤم إن الوالدين يجعلون لا إراديًا من أولادهم شيئًا على شاكلتهم ثم يسمونه تربية؛ فليس من والدة تشك في قرارة نفسها أن الولد الذي أنجبته هو ملك لها.

ساعات الأم تغذي فيه الجوانب الطفولية بحيث يُفطم من الرضاعة، لكنه لا يفطم فطامًا نفسيًا فهي تستمتع بارتباطه بها ثم لما يتزوج تحصل مشاكل؛ لأنه لم يفطم.

الحبل السري الحسي انقطع بمجرد ما ولد لكن الحبل السري النفسي امتد إلى العشرينات والثلاثينيات ويمكن أكثر من هكذا.

أحد الإسلاميين مؤلف كتاب عجيب جدًا عنوانه موجع يقول: «الرجل يبقى طفلاً إلى حين تموت أمه» -كارثة- هذا العنوان يقول الإنسان يبقى طفلاً إلى أن تموت أمه يعني لو أمه ماتت وعنده 60 سنة وما زال طفلاً أيضًا أو أربعين مثلاً حتى أقل من ذلك؛ فعملية التثبيت ساعات الأم تدعم الطفولة من أجل أنها تريد ابنها محتاج لها دائمًا؛ لأنها أنانية، هذا شعور أناني ومهمة التربية الصحيحة إنك تخرج منه شخصًا متميزًا قادرًا على أن يواجه الحياة بنفسه، لا يكون شخصية اعتمادية ونحن عندنا الاعتمادية في مجتمعنا سيئة للغاية، مع أن هذا ضد مفاهيم الإسلام الطفولة الاقتصادية عندنا تطول جدًا من أجل أن يخلص الكلية وممكن أكثر من هذا، وبالتالي تؤثر في النمو النفسي بلا شك.

ص: 17

يقول «فليس من والدة تشك في قرارة نفسها أن الولد الذي أنجبته هو ملك لها وليس من والد يحرم نفسه من حق فرض مفاهيمه وأحكامه المعيارية على ولده حتى إنهم كانوا فيما مضى يعتبرون مشروعًا أن يتحكم الآباء على هواهم بحياة أو موت الطفل المولود حديثًا» .

عند القدماء الألمان عندهم حق إنهم يقتلوا الولد هذا أوه يتركوه حي.

شوف التحكم في الملكية إلى أي مدى طبعًا موجود كان في الجاهلية في قضية الوأد أيضًا.

«وقد أثبتت آلاف الحالات المرضية التي يعالجها الأخصائيون في العلاج النفسي عند الأولاد المراهقين أو الراشدين أن هؤلاء كثيرًا ما تأذوا من حب والدي»

ساعات الذي يقتل الحب الذي يقتل كما قلنا فيه حب يحيي وفيه حب يميت يقتل؛ «فكثير من الناس الذين كان عندهم مشاكل نفسية نشأت من أن حب الوالدين لم يكن خالصًا، وأن التفاني لم يكن أصيلاً؛ لأن هذا وذاك كانا يتخذان الولد وسيلة لقضاء حاجة عند الوالدين وسد فراغ ما في وجودهم بحيث لم يتح للولد أن ينمو وفق طبيعة خاصة وأن ينطلق كشخصية مستقلة، بل اعتبر مجرد صورة للوالدين وامتدادًا لهما فضربت بحاجاته ورغباته وخصائصه عرض الحائط، كل ذلك دون أن يشعر والداه بما في موقفهما هذا من أنانية مستترة؛ لأنهما كانا يجدان له أفضل المبررات ويعتقدان عن حسن نية أنهما إنما يعملان لصالح ولدهما وخيره وبناءه» .

ثم يدلل على هذا الحب الذي يقتل أو يشل أو يقيد بمظاهر متنوعة.

«مثلاً قد نرى في أولادنا فرصة للشعور بأننا مهمون وضروريون لأن هناك من هو بحاجة ماسة إلينا فما أحوج الطفل إلى والديه؛ إذ بدونهما ليس بوسعه أن يحيا وينمو إنه منهما يستمد ما لا غنى له عنه من غذاء وحماية ودفء عاطفي وأسس المعرفة وأساليب العيش وشروط نشوء العقل ودعائم بناء الشخصية» .

ص: 18