الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«تبعية الطفل هذه التي تدوم رغم تناقصها التدريجي سنين طوال ترضي لا شك في الوالدين حاجتهما إلى الشعور بأنهما مهمان، وبأن وجودهما له وزنه وتبريره. هذا أمر طبيعي -إن الطفل محتاج إلى أبويه-؛ فهذا أمر طبيعي ومشروع شرط ألا تتضخم هذه الحالة إلى حد اتخاذ الطفل مجرد مبرر لها عوضًا أن تسخر لخدمة نموه فهذه الحاجة المفروض أن تكون أنت مهم في حياة الطفل؟
نعم. لكن أنت مسخر لأن تنميه لا أن ينزلق الأهل إلى استغلال تبعية الولد لتأكيد ذواتهما على حسابه بحيث يسعيان بصورة لا شعورية إلى تخليد هذه التبعية يرغبون أن هذه التبعية تكون خالدة لآخر لحظة في الحياة (التبعية) إلى تخليد هذه التبعية عوض أن يقوم بدورهما الطبيعي.
ما الدور الطبيعي للأبوين
؟
مساعدة الولد على تجاوز فترة الالتصاق بهما والاحتياج إليهما تدريجيًا للتوصل في النهاية إلى الاستغناء عنهما يبقى مهمة الأبوين أن ينموه من أجل أن يصل في النهاية إلى الانفصال أو تعبير أدق الاستقلال ولا يصير تابعًا؛ فمشكلة أنانية الأبوين أو الحب الذي يقتل أنه يستغل هذه الحاجة في تخليد التبعية، هو يريد منه تابعًا إلى الأبد؛ فقد يراود الوالدين شعور غامض بأن ولدهما كلما نما وازداد طاقته على تدبير أمور نفسه وقوي شعوره باستقلاله الشخصي إنما يفلت من أيديهما وقد يعتريهما من جراء ذلك جزع نابع من إحساس بفقدان أهميتهما، وقد يئول ذلك إلى الحيلولة دون قبول الوالدين في قرارة نفسيهما بنمو الولد.
الولد لما يكبر وينمو سينمو غصبًا عنهم مثل ما جسمه لا تستطيع توقف نموه، كذلك عقله وشخصيته ونفسيته ونموه الاجتماعي والنفسي كله ينمو.
فهل يصلح واحد يضغط على ابنه من أجل أن يوقف طوله يكبسه هكذا ولا غصب عنه سينمو؟
فما يحصل إنه يتجه للنمو فالأب غير السوي صاحب الحب الأناني القاتل يريد أن يجعل التبعية يجزع أحيانًا ممكن في قرارة نفسه من نمو الولد بحيث يتمنيان لا شعوريًا لو يبقى طفلاً عاجزًا إلى الأبد ليبقى في كنفهما مشمولاً برعايتهما.
وقد يستجيب الولد لهذه الرغبة العميقة التي يلتقطها لا شعوريًا في أعماق نفس والديه؛ إذ تتجلى في سلوكهما تجاهه من حيث لا يدريان.
فما يحصل أنه يتوقف عن النمو في هذا المجال أو في ذاك من عالمه النفسي يبقى جسمه جسم رجل لكن نفسه نفس طفل ما زال يرضع من أمه رضاعًا نفسيًا لم يفطم والمشاكل لو تزوج.
فقد يبقى مثلاً حتى بعد بلوغه المراهقة طفلاً بعاطفته تابعًا للوالدين لا يجرؤ على القيام بأية مبادرة ولا يجسر على التطلع خارج دائرة العائلة قد يُسَرّ الأهل بوضع كهذا ويتباهون بأن ولدهم عاقل، يعتقدون أنهم نجحوا في تربيتهم له كل النجاح، معتبرين تبعيته طاعة -هذا ولد مطيع هذا ولد مؤدب-؛ لأنه مسحوق تمامًا في شخصيتهما ولا يعطي فرصة إنه ينمو ككائن متفرد متميز له خصائصه فيعتبرون تبعيته طاعة وخجله تأدبًا وبلادته هدوءًا، غير مدركين أنهم بالعكس فشلوا في مهمتهم التربوية؛ لأنهم جعلوا من ولدهم كائنًا لم تكتمل إنسانيته لم يتركوه ينمو نفسيًا وشخصيًا واجتماعيًا إلى آخره، فجعلوا من ولده كائنًا لم تكتمل إنسانيته غير قادر على شق طريقه في عالم الراشدين ومجابهة صعاب الحياة.
وقد يتأخر الولد الخاضع لمثل هذا التأثير الوالدي في دروسه لأن ذلك يعيق نموه ويرضي بالتالي رغبة والديه العميقة.
في تلك الحال يفضل الولد لا شعوريًا أن يتخلى عن نموه كي لا يفقد عطف الوالدين، لكنه في الوقت نفسه ينتقم بصورة لا واعية من الاستلام اللاحق به من جرائمهما؛ إذ يذلهما بعجزه وتقصيره، ويقلقهما بتخلفه المدرسي.
كل ذلك من شأنه أن ينبهنا إلى أن الحماية المفرطة للولد وهي شائعة في عائلتنا يبقى واحد عنده 12 سنة ولا يتركه أبوه يعبر الطريق إلا لازم يمسكه في يديه خائف عليه لا السيارات تصدمه يعني 12 سنة أو 16 سنة، ولا يزال يمسكه من يديه ويجري به، أو الذي يحصل في الامتحانات الأم التي تذهب
تقف تطلع معه في الثانوية العامة أو حتى في امتحان النقل وتقف أمام باب المدرسة منتظرة حتى يخرج إلى آخره وتجد جمهرة من الأمهات.
هذا هو الخلل في الحماية الزائدة تربي فيه الاعتمادية وتبقيه طفلاً الحماية المفرطة للولد وهي شائعة في عائلتنا وإن كانت تتخذ لنفسها شتى المبررات، إنما ترضي عادة رغبة خفية عند الوالدين لامتلاك أولادهم وقد تلحق ضررًا بالغًا بهؤلاء؛ إذ تحول دون انطلاقهم في خط النمو وتحكم عليهم بالاتكالية وعدم الثقة بالنفس. وتنقلب في النهاية على هدف التربية البعيد.
لأن هدف التربية أساسًا مثل ما واحد يتخرج من أي جامعة في الآخر يبقى تخرج ينفصل، نفس الشيء الهدف إنك تربيه تربية سليمة ليهيئ بعد ذلك لأن يستقل في حياة الراشدين فالحماية الزائدة أنه يريد أن يظل محتفظًا به بالحماية الزائدة والتدليل الزائد عن الحد من أجل أن يفضل طفل والأم والأب يستمتعوا بهذه الملكية تحول دون انطلاقهم في خط النمو وتحكم عليهم بالاتكالية وعدم الثقة بالنفس وتنقلب في النهاية على هدف التربية البعيد، ألا وهو تمكين المُربَّى من الاستغناء تدريجيًا عن مربيه والوقوف على رجليه في معترك الحياة ومواجهة مسئولياتها.
صورة أخرى من هذه الصور التي تعتبر الولد وسيلة وليس غاية -وسيلة- قد يرى الوالدون في الولد واسطة لممارسة سطوتهم على من هو أضعف منهم، حيلة نفسية اسمها «الضابط يقهر العسكري» يقوم العسكري يروح البيت يعمل إيه مع زوجته يزيحها.
يقول: قد يرى الوالدون في الولد واسطة لممارسة سطوتهم على من هو أضعف منهم، وطبعًا الطفل فعلاً ضعيف؛ لأنه محتاج للوالدين في كل شيء، بحيث يعوضون عن شعوره بالنقص قد يكون تأصل فيهم بفعل ظروف طفولتهم وتغذية أوضاعهم الحالية من مهنية واجتماعية وغيرها.
قد يرى الوالد في سطوته على أولاده تنفيسًا عن الضيق الذي يشعر به من جراء مضايقة رب العمل له في عمله أو بسبب عجزه عن تحقيق طموحاته أو معاناته من الظلم الاجتماعي، وقد ترى الوالدة في تسلطها على أولادها تعويضًا عن التبعية التي تعيشها؛ فمن ثم أحيانًا الأب يتشبث بشراسة بتنفيذ إرادته مهما كلف الثمن وكأن القضية ليست قضية توعية الولد إلى ما فيه خير وتوجيه إرادته إلى ما يلاءم
مصلحته الحقيقية ويساعده على تحقيق ملء إنسانيته إنما القضية تحطيم إرادة الولد لتثبيت إرادة الوالدين -يلغيه تمامًا- تحطيم إرادة الولد مثل أنا قلت هكذا ولازم تبقى هكذا، طيب الموضوع الفلاني ليه؟ لأن أنا قلت هكذا؛ فالقضية أصبحت مجرد أنه يشبع حاجة في نفسه كأنها قضية صراع لا بد أن يخرج الوالدون منه منتصرين ولو لم يكونوا على حق مبررين سلطويتهم بشتى الذرائع التربوية معتبرين كل الأساليب مشروعة في سبيل تثبيتها من الضرب الموجع إلى تحقير الولد وإذلاله ومحاولة إقناعه بأنه لا يفهم شيئًا ولا ينفع شيئًا.
نتيجة موقف كهذا الخطر الكبير بأن يقود إلى أحد احتمالين:
فإما أن تتحطم شخصية الولد وقد يصبح طيلة العمر كائنًا تخيفه الحياة غير واثق من نفسه، تنقصه الشجاعة والإقدام، لا يجرؤ على تأكيد ذاته بشكل طبيعي في العلاقات البشرية، واحتلال مكانه المشروع بين الناس؛ لأنه لم يتح له أن يؤكد ذاته تجاه والديه مما يقوده إلى الفشل في كثير مما يحاول تحقيقه وإما أن يحدث تسلط الوالدين يحدث في نفس الولد فعل ثأر عنيف الولد يصبح بركان يغلي فيتستر وراء احترام ظاهري للأهل ممكن ينفس عن طريق إنه ينفس في أعمال قسوة إما مع أصدقائه أو مع الحيوانات.
هذا الذي يقدر عليهم لكن لن يقدر أن يرد على أبيه فيعمل أيضًا إزاحة للأضعف منه يضربون الحيوانات ويعذبوهم يتلذذون بتعذيبهم أو يضرب أصدقاءه لكن من داخله شعور بالقهر فيتستر الشعور بالثأر العنيف وراء احترام ظاهري للأهل إلى أن ينفجر عند المراهقة نقمة عارمة مدمرة قد تشمل ليس الأهل فحسب، بل كل رمز للسلطة أي رمز سلطة عليه يتذكر مكانه من أبيه سواء في المدرسة في شغل في أي شيء من هذا.
الحقيقة كنا نود أن نكمل هذا الموضوع بالذات لكن لا يزال هناك بقية.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم سبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
* * *