الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ: ذِكْرِ أخلاقِ مَنْ يَقرَأُ عَلَى المُقرِئ
مَنْ كَانَ يَقْرَأُ عَلَى غَيْرِهِ، وَيَتَلَقَّنُ، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْسِنَ الأَدَبَ فِي جُلُوسِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيَتَوَاضَعَ فِي جُلُوسِهِ، وَيَكُونَ مُقْبِلًا عَلَيْهِ، فَإِنْ ضَجِرَ عَلَيْهِ احْتَمَلَهُ، وَإِنْ زَجَرَه احْتَمَلَهُ، وَرَفَقَ بِهِ، وَاعْتَقَدَ لَهُ الْهَيْبَةَ، وَالاسْتِحِياَءَ مِنْهُ.
وَأُحِبُّ أَنْ يَتَلَقَّنَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَضْبِطَهُ - هُوَ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ - إِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لا يَحْتَمِلُ فِي التَّلْقِينِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسٍ خَمْسٍ فَلا يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لا يَحْتَمِلُ أَنْ يَتَلَقَّنَ إِلا ثَلاثَ آيَاتٍ، لَمْ يَسْأَلْ أَنْ يُلَقِّنَهُ خَمْسًا، فَإِنْ لَقَّنَهُ الأُسْتَاذُ ثَلاثًا لَمْ يَزِدْهُ عَلَيْهَا، وَعَلِمَ هُوَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَحْتَمِل خَمْسًا سَأَلَهُ أَنْ يَزِيدَهُ عَلَى أَرْفَق مَا يَكُونُ، فَإِنْ أبَى لَمْ يُؤْذِهِ بِالطَّلَبِ، وَصَبَرَ عَلَى مُرَادِ الأُسْتَاذِ مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ هَذَا الْفِعْلُ مِنْهُ دَاعِيَةً لِلزِّيَادَةِ له مِمَّنْ يُلَقِّنُهُ - إِنْ شَاءَ اللهُ -.
وَلا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُضْجِرَ مَنْ يُلَقِّنه فَيَزْهَدَ فِيهِ، وَإِذَا لَقَّنَهُ شَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، وَدَعَا لَهُ، وَعَظَّمَ قَدْرَهُ. وَلا يَجْفُو عَلَيْهِ إِنْ جَفَا عَلَيْهِ، وَيكرِمُ مَنْ يُلَقِّنهُ إذا كَانَ هُوَ لَمْ يُكْرِمْهُ، وَتَسْتَحِي مِنْهُ إِنْ كَانَ
هُوَ لَمْ يَسْتَح مِنْكَ. تُلْزِمُ أَنْتَ نَفْسَكَ وَاجِبَ حَقِّهِ عَلَيْكَ، فَبِالْحَرِيِّ أَنْ يَعْرِفَ حَقَّكَ؛ لأَنَّ أَهْلَ الْقُرْآنِ أَهْلُ خَيْرٍ وَتَيَقُّظٍ وَأَدَبٍ، يَعْرِفُونَ الْحَقَّ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. فَإِنْ غَفَلَ عَنْ وَاجِبِ حَقِّكَ؛ فَلا تَغْفَلْ أَنْتَ عَنْ وَاجِبِ حَقِّهِ؛ فَإِنَّ اللهَ عز وجل قَدْ أَمَرَكَ أَنْ تَعْرِفَ حَقَّ الْعَالِمِ، وَأَمَرَكَ بِطَاعَةِ الْعُلَمَاءِ، وَكَذَا أَمَرَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم.
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا
…
» (1)، قَالَ أَحْمَدُ:«يَعْنِي: يَعْرِفُ حَقَّهُ»
…
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: «لَوْ رَفَقْتُ بِابْنِ عَبَّاسٍ لأَصَبْتُ مِنْهُ عِلْمًا» (2).
عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ الله عز وجل: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي
(1) أخرجه أحمد (5/ 323).
وصححه الحاكم (1/ 122) ، وحسنه الألباني في الصحيحة (2196).
وفي الباب عن ابن عباس، وابن عمرو، وأنس، وجابر، وأبي هريرة، وأبي أمامة رضي الله عنهم. راجع: المجمع (8/ 14).
(2)
إسناده صحيح.
أخرجه الدارمي (426، 587).
الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النِّسَاءُ: 59]، قَالَ:«الْفُقَهَاءُ وَالْعُلَمَاءُ» (1)
…
ثُمَّ يَنْبَغِي لِمَنْ لَقَّنَهُ الأُسْتَاذُ أَلَّا يُجَاوِزَ مَا لَقَّنَهُ، إِذَا كَانَ مِمَّنْ قَدْ أَحَبَّ أَنْ يَتَلَقَّنَ عَلَيْهِ.
وَإِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ غَيْرِهِ لَمْ يَتَلَقَّنْ مِنْهُ إِلَّا مَا لَقَّنَهُ الأُسْتَاذُ - أَعْنَي بِحَرْفٍ غَيْرِ الْحَرْفِ الَّذِي قد تَلَقَّنَهُ مِنَ الأُسْتَاذِ -؛ فَإِنَّهُ أَعْوَدُ عَلَيْه، وَأَصَحُّ لِقِرَاءَتِهِ، وَقَدْ قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«اقْرَؤوا كَمَا عُلِّمْتُمْ» (2)
…
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: مَنْ قَنَعَ بِتَلْقِينِ الأُسْتَاذِ وَلَمْ يُجَاوِزْهُ؛ فَبِالْحَرِيِّ أَنْ يُوَاظِبَ عَلَيْهِ، وَأَحَبَّ ذَلِكَ مِنْهُ، فإذا رَآهُ قَدْ تَلَقَّنَ مَا لَمْ يُلَقِّنْهُ زَهِدَ فِي تَلْقِينِهِ، وَثَقُلَ عَلَيْهِ، وَلَمْ تُحْمَدْ عَوَاقِبهُ.
(1) إسناده ضعيف.
أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (3/ 292) من طريق المصنف.
لكنه صح عن مجاهد رحمه الله من غير هذا الطريق.
فقد أخرجه سعيد (653، 656) ، وعبد الرزاق في التفسير (1/ 166) ، وابن جرير في جامع البيان (8/ 500) من طرق عن مجاهد من قوله، أسانيد بعضها صحيح.
(2)
أخرجه أحمد (1/ 419، 421، 452) ، وصححه ابن حبان (746، 747) ، والحاكم (2/ 223 - 224) ، والذهبي، وأحمد شاكر في التعليق على المسند (832) ، والألباني في الصحيحة (1522).
وَأُحِبُّ لَهُ إِذَا قَرَأَ عَلَيْهِ أَلَّا يَقْطَعَ حَتَّى يَكُونَ الأُسْتَاذُ هُوَ الَّذِي يَقْطَعُ عَلَيْهِ، فَإِنْ بَدَتْ لَهُ حَاجَةٌ، وَقَدْ كَانَ الأُسْتَاذُ مُرَادُهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ مِائَةَ آيَةٍ، فَاخْتَارَ هُوَ أَنْ يَقْطَعَ الْقِرَاءَةَ فِي خَمْسِينَ آيَةً، فَلْيُخْبِرْهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِعُذْرِهِ، حَتَّى يَكُونَ الأُسْتَاذُ هُوَ الَّذِي يَقْطَعُ عَلَيْهِ.
وَيَنْبَغِي له أَنْ يُقْبِلَ عَلَى مَنْ يُلَقِّنُهُ أَوْ يَأْخُذ عَلَيْهِ، وَلا يُقْبِلْ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ شُغِلَ الأُسْتَاذُ عَنْهُ بِكَلامٍ لا بُدَّ لَهُ منه فِي الْوَقْتِ مِنْ كَلامِهِ؛ قَطَعَ الْقِرَاءَةَ حَتَّى يَعُودَ إِلَى الاسْتِمَاعِ إِلَيْهِ.
وَأُحِبُّ إِذَا انْقَضَتْ قِرَاءَتُهُ عَلَى الأُسْتَاذِ، وَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْصَرِفَ انْصَرَفَ وَعَلَيْهِ الْوَقَارُ، ودَرَسَ فِي طَرِيقِهِ مَا قَدْ تَلَقَّن.
وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ ليأخذ عَلَى غَيْرِهِ فَعَلَ. وَإِنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِالْحَضْرةِ مَنْ يَأْخُذُ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ يَرْكَعَ، فَيَكْتَسِبَ خَيرًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَاكِرًا للهِ تعالى، شَاكِرًا لَهُ عَلَى مَا عَلَّمَهُ مِنْ كِتَابِهِ، وَإِمَّا جَالِسٌ يَحْبِسُ نَفْسَهُ فِي الْمَسْجِدِ، يَكْرَهُ الْخُرُوجَ مِنْهُ خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى مَا لا يَحِلُّ، أَوْ مُعَاشَرَةِ مَنْ لَمْ تَحْسُنْ مُعَاشَرَتُهُ فَجَلَس فِي الْمَسْجِدِ، فَحُكْمُهُ
أَنْ يَأْخُذَ على نَفْسه فِي جُلُوسِهِ فِي الْمَسْجِدِ: ألَّا يَخُوضَ فِيمَا لا يَعْنِيهِ، وَيَحْذَر الْوَقِيعَةَ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ، وَيَحْذَر أَنْ يَخُوضَ فِي حَدِيثِ الدُّنْيَا، وَفُضُولِ الْكَلامِ؛ فَإِنَّهُ رُبَّمَا اسْتَرَاحَتْ النُّفُوسُ إِلَى مَا ذَكَرْتُ، مِمَّا لا يَعُودُ نَفْعُهُ، وَلَهُ عَاقِبَةٌ لا تُحْمَدُ.
وَيَسْتَعْمِلُ مِنَ الأَخْلاقِ الشَّرِيفَةِ فِي حُضُورِهِ، وَانْصِرَافِهِ مَا يُشْبِهُ أَهْلَ الْقُرْآنِ.
وَاللهُ عز وجل الْمُوَفِّقُ لِذَلِكَ.
* * *