المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ خامسا: مقابلة النسخ: - مختصر أخلاق حملة القرآن

[خالد السبت]

الفصل: ‌ خامسا: مقابلة النسخ:

المُشَار إليه، ومن ثم فإن ما تقرؤه في هذا المُخْتَصَر فإنه بحروفه من كلام الآجُرِّي.

*‌

‌ خامسًا: مقابلة النسخ:

قام بِمُقابَلَة النُّسَخ الأستاذة مرام الدايل، وقد شَارَكَتْها في بعض مراحل العمل الأستاذة أمل الدويش.

وأما التخريج فقد شَارَكَها في ذلك الشيخ حسين القحطاني.

وإنما كان عملي في هذا المُخْتَصَر: الإشراف، وتحديد مواضع الحذف، واختيار النسخة الأجود تحقيقًا بعد المُقَارنة المُشار إليها، وكذا اختيار اللفظة الأقرب - في نظري - في بعض المواضع التي اختلفت فيها النسختان (1، 2)، مع مراجعة مَتْن هذا المختصر، وحواشيه وما في ضِمْنِها من التخريج والعزو.

هذا وأسأل الله أن يتقبل هذا العمل، وأن ينفع به كل من بذل فيه، أو طالعه، إنه سميع مجيب.

وكتبه: خالد بن عثمان السبت

ليلة الأحد، الخامس عشر من رمضان من عام 1435 هـ

ص: 10

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ أبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الآجُرِّيُّ رحمه الله:

أَحَقُّ مَا أَسْتَفْتِحُ بِهِ الْكَلامَ، الْحَمْدُ لِمَوْلانَا الْكَرِيْمِ، وَأَفْضَلُ الْحَمْدِ مَا حَمِدَ بِهِ الْكَرِيْمُ نَفْسَهُ، فَنَحْنُ نَحْمَدُهُ بِهِ:

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3)} [الكهف].

و{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)} [سبأ].

أَحْمَدُهُ على تواتر إحسانه وقديم نِعَمِه، حَمْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ مولاه الْكَرِيْمَ عَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، وَكَانَ فَضْلُهُ عَلَيْهِ عَظِيمًا. وَأَسْأَلُهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ، وَالشُّكْرَ عَلَى مَا تَفَضَّلَ بِهِ مِنْ نِعَمِهِ، إنَّهُ {ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)} [آل عمران].

ص: 11

وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ، وَنَبِيِّهِ، وَأَمِينِهِ عَلَى وَحْيِهِ وَعِبَادِهِ، صَلاةً تَكُونُ لَهُ رِضًا، وَلَنَا بِهَا مَغْفِرَةً، وَعَلَى آلِهِ أَجْمَعِينَ، وَسَلَّم كَثِيرًا طَيِّبًا.

أما بعد:

فَإِنِّي قَائِلٌ - وباللهِ أَثِقُ لِتَوفِيقِ الصَّوَابِ مِنَ القَولِ والعَمَل، ولَا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ -:

أَنْزَلَ اللهُ عز وجل الْقُرْآنَ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَعْلَمَهُ فَضْلَ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ، وَأَعْلَمَ خَلْقَهَ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ: أَنَّ الْقُرْآنَ عِصْمَةٌ لِمَنْ اعْتَصَمَ بِهِ، وهُدًى لِمَنِ اهْتَدَى بِهِ، وغِنًى لِمَنِ اسْتَغْنَى بِهِ، وَحِرْزٌ مِنَ النَّارِ لِمَنِ اتَّبَعَهُ، وَنُورٌ لِمَنِ اسْتَنَارَ بِهِ، وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ، وَهُدَى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِينَ.

ثُمَّ أَمَرَ اللهُ الكريم خَلْقَهُ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ، وَيَعْمَلُوا بِمُحْكَمِهِ فَيُحِلُّوا حَلالَه، وَيُحَرِّمُوا حَرَامَهُ، وَيُؤْمِنُوا بِمُتَشَابِهِهِ، وَيَعْتَبِرُوا بِأَمْثَالِهِ، ويقولوا:{آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7].

ثُمَّ وَعَدَهُمْ عَلَى تِلاوَتِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ: النَّجَاةَ مِنَ النَّارِ، وَالدُّخُولَ إِلَى الْجَنَّةِ.

ثُمَّ نَدَبَ خَلْقَهَ - إِذَا هُمْ تَلَوْا كِتَابَهُ - أَنْ يَتَدَبَّرُوهُ، وَيَتَفَكَّرُوا

ص: 12

فِيهِ بِقُلُوبِهِمْ، وَإِذَا سَمِعُوهُ مِنْ غَيْرِهِمْ أَحْسَنُوا اسْتِمَاعَهُ. ثُمَّ وَعَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ، فَلَهُ الْحَمْدُ.

ثُمَّ أَعْلَمَ خَلْقَهَ: أَنْ مَنْ تَلا الْقُرْآنَ، وَأَرَادَ بِهِ مُتَاجَرَةَ مَوْلاهُ الْكَرِيْم، فَأَنَّهُ يُرْبِحُهُ الرِّبْحَ الِّذِي لا بَعْدَهُ رِبْحٌ، وَيُعَرِّفُهُ بَرَكَةَ الْمُتَاجَرَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: جَمِيعُ مَا ذَكَرْتُهُ وَمَا سَأَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللهُ بَيَانُهُ فَي كِتَابِ اللهِ عز وجل، وَسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَمِنْ قَوْلِ صَحَابَتِهِ رضي الله عنهم، وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ، وَأَنَا أَذْكُرُ مِنْهُ مَا حَضَرَني ذِكْرُهُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، واللهُ الْمُوَفِّقُ في ذَلِكَ.

قَالَ عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)} [فاطر].

وقَالَ عز وجل: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)} [الإسراء].

وقَالَ عز وجل: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ

ص: 13

لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)} [الإسراء].

وقَالَ عز وجل: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57)} [يونس].

وَقَالَ عز وجل: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175)} [النساء].

وقال عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)} [آل عمران].

وَحَبْلُ اللهِ هُوَ الْقُرْآنُ.

وَقَالَ عز وجل: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)} [الزمر].

ص: 14

وقال عز وجل: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)} [ص].

وقال عز وجل: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113)} [طه].

ثُمَّ إنَّ اللهَ تعالى وَعَدَ لِمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى كَلامِهِ، فَأَحْسَنَ الأَدَبَ عِنْدَ اسْتِمَاعِهِ بِالاعْتِبَارِ الْجَمِيلِ وَلُزُومِ الْوَاجِبِ لاتِّبَاعِهِ، وَالْعَمَلِ بِهِ أَنْ يُبَشِّرَهُ عز وجل مِنْهُ بِكِلِّ خَيْرٍ، وَوَعَدَهُ عَلَى ذَلِكَ أَفْضَلَ الثَّوابِ، فقال عز وجل:{فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)} [الزمر]

فكلُّ كَلامِ ربِّنا حَسَنٌ لِمَنْ تَلاهُ، وَلِمَنِ اسْتَمَعَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا هَذَا - وَاللهُ أَعْلَمُ - صِفَةُ قَوْمٍ إِذَا سَمِعُوا الْقُرْآنَ يَتَّبِعُونَ مِنَ الْقُرْآنِ أَحْسَنَ مَا يَتَقَرَّبُونَ به إِلَى اللهِ عز وجل، مِمَّا دَلَّهُمْ عَلَيْهِ مَوْلاهُمُ الْكَرِيْمُ، يَطْلُبُونَ بِذَلِكَ رِضَاهُ، وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ، سَمِعُوا اللَّهَ قَالَ:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)} [الأعراف]، فَكَانَ حُسْنُ اسْتِمَاعِهِمْ يَبْعَثُهُمْ عَلَى التَّذَكُّرِ فِيمَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ، وَسَمِعُوا اللهَ عز وجل قال: {فَذَكِّرْ

ص: 15

بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)} [ق].

وَقَدْ أَخْبَرَنَا اللهُ عز وجل عَنِ الْجِنِّ في حُسْنِ اسْتِمَاعِهِمْ لِلْقُرْآنِ، وَاسْتِجَابَتِهِمْ لِمَا نَدَبَهُمْ إِلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، فَوَعَظُوهُمْ بِمَا سَمِعُوا مِنْ الْقُرْآنِ بِأَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَوْعِظَةِ.

قَالَ اللهُ عز وجل: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)} [الجن].

وقَالَ عز وجل: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31)} [الأحقاف]

وَقَدْ قَالَ اللهُ عز وجل فِي سُورَةِ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1)} [ق] مَا دَلَّنَا عَلَى عظيم مَا خَلَقَ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ عَجَائِبِ حِكْمَتِهِ فِي خَلْقِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمَوْتَ وَعَظيمَ شَأْنه، ثم ذَكَرَ النَّارَ وَعَظيمَ شَأْنها.

ص: 16

ثم ذَكَرَ الجنَّة وما أَعَدَّ فِيهَا لأَوْلِيَائِهِ، فَقَالَ عز وجل:{لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)} [ق]

ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ كله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)} [ق].

فَأَخْبَرَ - جَلَّ ذِكْرُهُ - أَنَّ الْمُسْتَمِعَ بِأُذُنَيْهِ يَنْبَغِي له أَنْ يَكُونَ مشَاهِدًا بِقَلْبِهِ مَا يَتْلُو، وَما يسمع؛ لِيَنْتَفِعَ بِتِلاوَتِهِ لِلْقُرْآنِ، وبِالاسْتِمَاعِ مِمَّنْ يَتْلُوهُ.

ثُمَّ إنَّ اللهَ عز وجل حَثَّ خَلْقَهُ عَلَى أَنْ يَتَدَبَّرُوا الْقُرْآنَ، فَقَالَ عز وجل:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)} [محمد].

وقَالَ عز وجل: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)} [النساء]

أَلا تَرَوْنَ - رَحِمَكُمُ اللهُ - إِلَى مَوْلاكُم الْكَرِيْم؛ كَيْفَ يَحُثُّ خَلْقَهَ عَلَى أَنْ يَتَدَبَّرُوا كَلامَهُ، وَمَنْ تَدَبَّرَ كَلامَهُ عَرَفَ الرَّبَّ عز وجل، وَعَرَفَ عَظِيمَ سُلْطَانِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَعَرَفَ عَظِيمَ تَفَضُّلِهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ، وَعَرَفَ مَا عَلَيْهِ مِنْ فَرْضِ عِبَادَتِهِ، فَأَلْزَمَ نَفْسَهُ الْوَاجِبَ، فَحَذِرَ مِمَّا حَذَّرَهُ مَوْلاهُ الْكَرِيْمُ، وَرَغِبَ فِيمَا رَغَّبَهُ فيه.

ص: 17

وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ عِنْدَ تِلاوَتِهِ لِلْقُرْآنِ، وَعِنْدَ اسْتِمَاعِهِ مِنْ غَيْرِهِ، كَانَ الْقُرْآنُ لَهُ شِفَاءً، فَاسْتَغْنَى بِلا مَالٍ، وَعَزَّ بِلا عَشِيرَةٍ، وأَنِسَ بِمَا يَسْتَوحِشُ مِنْهُ غَيْرُهُ، وَكَانَ هَمُّهُ عِنْدَ تِلاوَةِ السُّورَةِ إِذَا افْتَتَحَهَا: مَتَى أَتَّعِظُ بِمَا أَتْلُو؟ وَلَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ: مَتى أَخْتِمُ السُّورَةَ؟ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ: مَتى أَعْقِلُ عَنِ اللهِ الْخِطَابَ؟ مَتى أَزْدَجِرُ؟ مَتى أَعْتَبِرُ؟ لأَنَّ تِلاوَتَهُ لِلْقُرْآنِ عبادة، والعبادة لا تَكُونُ بِغَفْلَةٍ، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ لِذَلِكَ.

عَنِ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: «لا تَنْثُرُوهُ نَثْرَ الدَّقْل (1)، وَلا تَهُذُّوهُ هَذَّ الشِّعْرِ، قِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ، وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ، وَلا يَكُنْ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ» (2)

عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ عز وجل: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} [البقرة: 121]، قَالَ:«يَعْمَلُونَ بِهِ حَقَّ عَمَلِهِ» (3).

(1) الدَّقْل: رديء التمر ويابسه. ينظر: النهاية لابن الأثير (2/ 127)، م:(دقل).

(2)

وإسناده ضعيف، لكنه صحيح بمجموع طرقه كما سيأتي.

أخرجه البغوي في معالم التنزيل (4/ 490 - 491) من طريق المصنف به.

للتوسع في الكلام على طرقه وأسانيده يُرَاجع: تعليق د. سعد آل حميد على تفسير سعيد بن منصور (2/ 444 - 447).

(3)

إسناده صحيح.

أخرجه سعيد بن منصور في التفسير (211) ، وابن جرير (2/ 567 - 568) كلهم عن مجاهد.

ص: 18

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: وَقَبْلَ أَنْ أَذْكُرَ أَخْلاقَ أَهْلِ الْقُرْآنِ وَمَا يَنْبَغِي لهم أَنْ يَتَأَدَّبُوا بِهِ؛ أَذْكُرُ فَضْلَ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ، لِيَرْغَبُوا فِي تِلاوَتِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ، وَالتَّواضُعَ لِمَنْ تَعَلَّمُوا مِنْهُ أَوْ عَلَّمُوهُ.

* * *

ص: 19