الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابٌ: في حُسنِ الصوتِ بالقُرآنِ
…
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» (1).
عن صالح بن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» ، مَا مَعْنَاهُ؟ قَالَ:«التَّزْيِينُ أَنْ يُحَسِّنَهُ» (2)
…
يَنْبَغِي لِمَنْ رَزَقَهُ اللهُ حُسْنَ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ أن يَعْلَمَ أَنَّ اللهَ قَدْ خَصَّهُ بِخَيْر عَظِيمٍ، فَلْيَعْرِفْ قَدْرَ مَا خَصَّهُ اللهُ بِهِ، وَلْيَقْرَأْهُ للهِ، لا لِلْمَخْلُوقِينَ، وَلِيَحْذَر مِنَ الْمَيْلِ إِلَى أَنْ يُسْتَمَعَ
(1) علَّقه البخاري في صحيحه (13/ 528 مع الفتح) ، ووصله أبو داود
…
(1468) ، والنسائي في المجتبى (1015) ، وابن ماجه (1342)
وصححه العقيلي (4/ 1244) ، وابن خزيمة (1551) ، وأبو عوانة
…
(3911) ، وابن حبان (749) ، والحاكم (1/ 571) ، وابن كثير في تفسيره (1/ 62) ، والألباني في الصحيحة (772) ، وقد أطال الحاكم في إيراد شواهد هذا الحديث في المستدرك (1/ 571 - 575).
وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف، وابن عباس، وابن مسعود، وأبي هريرة، وعائشة رضي الله عنهم.
(2)
ذكره صالح بن أحمد في مسائل أحمد (287) ، وعنه الخلال في الأمر بالمعروف (ص 102).
مِنْهُ لِيَحْظَى بِهِ عِنْدَ السَّامِعِينَ؛ رَغْبَةً فِي الدُّنْيَا، وَالْمَيْلِ إِلَى الثَّنَاءِ، وَالْجَاهِ عِنْدَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، وَالصَّلاةِ بالْمُلُوكِ دُونَ الصَّلاةِ بِعَوَامِّ النَّاسِ. فَمَنْ مَالَتْ نَفْسُهُ إَلَى مَا نَهَيْتُهُ عَنْهُ خِفْتُ أَنْ يَكُونَ حُسْنُ صَوْتِهِ فِتْنَةً عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُ حُسْنُ صَوْتِهِ إِذَا خَشِيَ اللهَ عز وجل فِي السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ، وَكَانَ مُرَادُهُ أَنْ يُسْتَمَعَ مِنْهُ الْقُرْآنُ لِيَنْتَبِهَ أَهْلُ الْغَفْلَةِ عَنْ غَفْلَتِهِمْ، فَيَرْغَبُوا فِيمَا رَغَّبَهُمْ اللهُ عز وجل، وَيَنْتَهُوا عما نَهَاهُمْ عنه. فَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ انْتَفَعَ بِحُسْنِ صَوْتِهِ، وَانْتَفَعَ بِهِ النَّاسُ
…
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ مَنْ إِذَا سَمِعْتَهُ يَقْرَأُ أُرِيتَ أَنَّهُ يَخْشَى الله» (1).
وقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: وَأَكْرَهُ الْقِرَاءَةَ بِالأَلْحَانِ وَالأَصْوَاتِ الْمَعْمُولَةِ الْمُطْرِبَةِ؛ فَإِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، مِثْلِ: يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَالأَصْمَعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل،
(1) إسناده ضعيف.
أخرجه ابن المبارك في الزهد (114) عن الزهري مُعْضَلًا.
وفي الباب عن ابن عباس، وابن عمر، وجابر، وأبي هريرة، وعائشة رضي الله عنهم.
وبها قوَّاه الألباني مرفوعًا في الصحيحة (1583).
وَأبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَغَيْرِ وَاحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، ويَأْمُرُونَ الْقَارِئَ إِذَا قَرَأَ أَنْ يَتَحَزَّنَ، وَيَتَبَاكَى، وَيَخْشَعَ بِقَلْبِهِ
…
فَأُحِبُّ لِمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ أن يَتَبَاكَى
…
وَيَخْشَعَ قَلْبُهُ، فَيَتَفَكَّرُ فِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ
…
ألَمْ تسمع إِلَى مَا نَعَتَ اللهُ عز وجل مَنْ هُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَأَخْبَرَ بِفَضْلِهِمْ، فَقَالَ عز وجل:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 23] الآية، ثُمَّ ذَمَّ قَوْمًا اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ، فَلَمْ تَخْشَعْ لَهُ قُلُوبُهُمْ، فَقَالَ عز وجل:{أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61)} [النجم] يَعْنِي: لاهِينَ.
ثُمَّ يَنْبَغِي لِمَنْ قَرَأَ القرآن أنْ يُرَتِّلَ القرآن ترتيلًا كَمَا قَالَ اللهُ عز وجل: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)} [المزمل].
قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: «بَيِّنه تَبْيِينًا» .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إِذَا رَتَّلَهُ وَبَيَّنَهُ انْتَفَعَ بِهِ مَنْ يَسْمَعُهُ مِنْهُ، وَانْتَفَعَ هُوَ بِذَلِكَ؛ لأَنَّهُ قَرَأَهُ كَمَا أُمِر؛ قَالَ اللهُ عز وجل: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى
النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسراء: 106]، يقال:«عَلَى تُؤَدَةٍ»
…
عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللهِ عز وجل: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} ، قَالَ:«عَلَى تُؤَدَة» (1).
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رحمه الله: وَالْقَلِيلُ مِنَ الدَّرْسِ لِلْقُرْآنِ مَعَ الْفِكْرِ فِيهِ، وَتَدَبُّرِهِ أَحَبُّ إلِيَّ مِنْ قِرَاءَةِ الْكَثِيرِ مِنَ الْقُرْآنِ بِغَيْرِ تَدَبُّرٍ، وَلا تَفَكُّرٍ فِيهِ، وظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَالسُّنَّةُ، وَقَوْلُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ قَالَ: «قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي سَرِيعُ الْقِرَاءَةِ، إِنِّي أَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي ثَلاثٍ، قَالَ: لَأَنْ أَقْرَأَ الْبَقَرَةَ فِي لَيْلَةٍ، فَأَتَدَبَّرهَا، وَأُرَتِّلهَا أحبُّ إِلَيَّ مِنْ أَن أَقْرَأَ كَمَا تَقُولُ» (2).
عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ قَالَ: «سُئِلَ مُجَاهِدٌ عَنْ رَجُلٍ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، وَرَجُلٍ قَرَأَ الْبَقَرَةَ قِرَاءَتُهُمَا وَاحِدَةٌ، وَرَكُوعُهُمَا،
(1) إسناده صحيح.
أخرجه عبد الرزاق في التفسير (2/ 319) ، وابن جرير في جامع البيان (23/ 680 - ط. التركي).
(2)
إسناده صحيح.
أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (212، 213) ، وسعيد بن منصور في التفسير (159، 161) ، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 396).
وَسُجُودُهُمَا، وجلوسهما، أيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ قَالَ: الَّذِي قَرَأَ الْبَقَرَةَ، ثُمَّ قَرَأَ:{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسراء:
…
106] (1).
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: جَمِيعُ مَا قُلْتُهُ يَنْبَغِي لأَهْلِ الْقُرْآنِ أَنْ يَتَخَلَّقُوا بِجَمِيعِ مَا حَثَثْتُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ جَمِيل الأَخْلاقِ، وَيَنْزَجِرُوا عَمَّا كَرهْتُهُ لَهُمْ مِنْ دَنَاءَةِ الأَخْلاقِ.
وَاللهُ المُوَفِّقُ لَنَا وَلَهُمْ إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ.
والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
تم جميع الكتاب
* * *
(1) إسناده صحيح.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 521، 10/ 526) ، وأبو عبيد في فضائل القرآن (216) ، والطبري في جامع البيان (15/ 116 - ط التركي)، كلهم من طريق سفيان عن عبيد به.