المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌القاعدة الأولى القاعدة الأولى التى قام عليها اعتقاد السلف الصالح فى - مختصر القواعد السلفية في الصفات الربانية

[محمود عبد الرازق رضواني]

الفصل: ‌ ‌القاعدة الأولى القاعدة الأولى التى قام عليها اعتقاد السلف الصالح فى

‌القاعدة الأولى

القاعدة الأولى التى قام عليها اعتقاد السلف الصالح فى التعرف على أوصاف اللَّه عز وجل هى توحيده وإفراده عمن سواه، فهم يتميزون عن سائر الناس بهذه الصفة صفة التوحيد، سواء كان ذلك فى إيمانهم بربوبية اللَّه تعالى وإفراده بالخلق والأمر، كما قال فى سورة الأعراف:{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّه رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) } أو كان فى عبادتهم له سبحانه وتعالى كما قال فى سورة البينة: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) } فلا يخضعون عن محبة ورغبة لأحد إلا لله، ولا يشركون معه سواه فى العبادة، أو كان فى إيمانهم بما أثبته اللَّه لنفسه من أنواع الكمالات فى الأسماء والصفات.

فالتوحيد يقصد به فى باب الصفات إفراد اللَّه سبحانه وتعالى بذاته وصفاته وأفعاله عن الأقيسة والقواعد والقوانين التى تحكم ذوات المخلوقين وصفاتهم وأفعالهم والدليل على ذلك من القرآن قوله تعالى فى سورة الشورى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (11) } فبين سبحانه انفراده عن كل شئ من أوصاف المخلوقين بجميع ما ثبت له من أوصاف الكمال والجمال والجلال، وعلو شأنه فيها فى كل حال وقال تعالى فى أول سورة الإخلاص:{قُلْ هُوَ اللَّه أَحَدٌ (1) } وقال فى نهايتها مبينا معنى الأحدية: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) } أى أن الأحد هو المنفرد بأوصاف الكمال الذى لا مثيل له فنحكم علي كيفية أوصافه من خلاله، ولا يستوى مع سائر الخلق فيسرى عليه قانون أو قياس أو قواعد تحكمه كما تحكمهم، لأنه المتصف بالتوحيد المنفرد عن أحكام العبيد،

ص: 7

وقال تعالى فى سورة مريم: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) } أى هل تعلم له شبيها مناظرا يدانيه أو يساويه أو يرقى إلى سمو ذاته وصفاته وأفعاله، وعلى ذلك فلا يمكن بحال من الأحوال أن نخضع أوصاف اللَّه لما يحكم أوصاف البشر من قوانين.

فمن البلاهة العقلية أن نطبق قوانين الجاذبية الأرضية على استواء اللَّه على عرشه أو على حملة العرش أو على نزوله إلى السماء الدنيا فى الثلث الأخير من الليل، لأن ذلك ينطبق على الكائنات الأرضية ولا ينطبق على رب البرية، فهو منفرد متوحد عن قوانين البشر بذاته وصفاته وأفعاله، ومعلوم أننا لم نر اللَّه ولم نر له مثيلا أو شبيها أو نظيرا، والشئ لا يعرف إلا برؤيته أو برؤية نظيره، فكيف نقول كما قالت الجهمية والمعتزلة والأشعرية (1) : لو كان اللَّه على العرش لكان محمولا.

ولذلك فإن السلف الصالح فرقوا بين النصوص التى تدل على المخلوق والنصوص

(1) انظر التعريف بهذه الطوائف فى نهاية الكتاب.

ص: 8

التى تدل على الخالق فالنصوص التى تدل على المخلوق تليق به، وظاهرها مراد فى حقه معلومة المعنى لورودها فى القرآن والسنة باللغة العربية وكذلك معلومة الكيفية، لأننا نراها بالحوس البصرية، أو نرى نظيرها فنحكم عليها بالتشابه أو المثلية أما النصوص القرآنية والنبوية التى تدل على الخالق فهى معلومة المعنى أيضا لأن اللَّه عز وجل خاطبنا باللغة العربية لا باللغة الأعجمية، فلا يمكن القول إن كلام اللَّه بلا معنى، أو يشبه كلام الأعاجم والألغاز التى لا تفهم أما الكيفية الغيبية للصفات الإلهية التى دلت عليها هذه النصوص، فهى كيفية حقيقية معلومة لله تليق به، لكنها مجهولة لنا لا نعلمها لأننا ما رأينا اللَّه، فقال نبينا صلى الله عليه وسلم:(تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عز وجل حَتَّى يَمُوتَ)(1) وما رأينا لكيفيته سبحانه وتعالى نظيرا نحكم عليها من خلاله، إذ يقول اللَّه تعالى فى سورة الشورى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (11) } .

والمسلم العاقل يعلم يقينا أن الفرق كبير بين مخلوقات الدنيا ومخلوقات الآخرة، وأن اللَّه سبحانه وتعالى أخبرنا عما فى الجنة من المخلوقات من المطاعم والملابس والمناكح والمساكن، وأخبر أن فيها لبنا وعسلا وخمرا ولحما وماءا وحريرا وذهبا وفضة وفاكهة وقصورا، وهذه المخلوقات الغيبية تتوافق فى الأسماء فقط مع المخلوقات التى فى الدنيا من المطاعم والملابس والمناكح والمساكن، وليست مماثلة لها أبدا، بل بينهما من الفرق ما لا يعلمه إلا اللَّه تعالى، فالخالق سبحانه وتعالى فى ذاته وصفاته أعظم فرقا وأسمى توحيدا وتميزا من ذات المخلوق وصفاته.

وإذا كانت العقول قاصرة عن إدراك الروح التى فينا أو التعرف على شكلها على الرغم من كونها داخل أبداننا، لأننا لم نرها أو نرى لها نظيرا، فاللَّه تعالى أولى أن نعجز عن تكييف ذاته وصافته، وإذا كان النافى لصفات الروح جاحدا معطلا لها،

(1) صحيح، أخرجه مسلم فى كتاب الفتن وأشراط الساعة برقم (2931) .

ص: 9