الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان من مثلها بما نشاهده من المخلوقات جاهلا ممثلا لها بغير شكلها، وهى مع ذلك موجودة لها أوصاف حقيقية، فالخالق سبحانه وتعالى أولى أن يكون النافى لصفاته جاحدا معطلا ومن قاسه بخلقه جاهلا به ممثلا، وهو سبحانه وتعالى له الكمال فى الذات والأسماء والصفات.
محذورات القاعدة الأولى
من الأمور الهامة التى ينبغى الحذر منها صيانة للقاعدة الأولى، حتى لا ينهدم التوحيد فى قلب المسلم أو تشوبه شائبة، أن يحذر من نوعين من القياس حرمهما اللَّه على من استخدمهما فى حقه، وقد وقع فيهما أهل الضلال من الممثلة والمشبهة، الذين جسدوا فى أذهانهم صورا للمخلوقات وزعموا أن أوصاف اللَّه التى وردت بها النصوص فى الكتاب والسنة على هذه الكيفية، وقد استخدم الممثل النوع الأول من القياس، والنوع الثانى استخدمه المشبه وأحيانا يطلق عليه المكيف.
- النوع الأول: قياس التمثيل وهو إلحاق فرع بأصل فى حكم جامع لعلة، فالممثل جعل صفة الإنسان التى لا يعرف غيرها أصلا، وجعل صفة اللَّه التى دلت عليها النصوص فرعا، ثم طابق الفرع على الأصل وحكم بينهما بالتماثل، ولو سئل عن السبب فى هذا التمثيل؟ لقال: لأن اللَّه له أوصاف والإنسان له أوصاف، فهذا يوجب التماثل، ومن أجل ذلك حكمت بأن استواء اللَّه على العرش يماثل استواء الإنسان، ووجه اللَّه يماثل وجه الإنسان، ويد اللَّه تماثل يد الإنسان، وهكذا فى سائر أوصاف اللَّه وأوصاف الإنسان، قيل له: قد علم العقلاء أن ذلك باطل لا يتوافق مع العقل السليم، فلو قيل: طائر كبير وفيل كبير، فهل صورة الطائر كصورة الفيل لأنهما اشتركا فى لفظ كبير،
وإذا كانت أوصاف البشر مختلفة، فهناك فرق كبير بين عرش بلقيس وعرش سليمان، ووجه يوسف عليه السلام ووجه غيره من بنى الإنسان، فإن الفرق أعظم وأكبر من باب أولى بين أوصاف الخالق سبحانه وتعالى وأوصاف المخلوق وسيقر المسلم فى خشوع وخضوع أن استواء اللَّه ليس كاستواء البشر ووجه اللَّه ليس كوجه البشر، وأوصاف اللَّه ليست كأوصاف البشر، وأن اللَّه ليس كمثله شئ فى ذاته وصفاته وأفعاله، وهذه طريقة الموحدين.
…
أما الممثل لأوصاف اللَّه بأوصاف البشر فهو ظالم لنفسه، متقول على ربه ما ليس له به علم، فهو فى الحقيقة تخيل فى ذهنه أن صفة اللَّه الواردة فى نصوص الكتاب والسنة هى كصورة إنسان من البشر، وعظمها له الشيطان فعبدها على أنها المقصود عند ذكره لأوصاف اللَّه، وهو فى الحقيقة إنما يعبد صنما، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية فى وصف حال الممثل: الممثل يعبد صنما.
- النوع الثانى: قياس الشمول وهو القانون الشامل أو الأحكام العامة التى تطبق على جميع الأفراد أو كما عرفوه بأنه قياس كلى على جزئ، فالمكيف أو المشبه الذى يستخدم قياس الشمول جعل الكيفية التى تحكم أوصاف الإنسان قانونا يحكم به على أوصاف الرحمن كقوله: لو كان اللَّه متصفا بالكلام لكان له فم ولسان، لأنه لم ير المتكلم فى أحكام الدنيا إلا على هذه الكيفية، وكقوله: لو كان على العرش لكان محمولا فطبق قانون الجاذبية الأرضية على كيفية استواء الخالق كما يطبقها على استواء الإنسان أو حمله للأشياء، ومعلوم أن صاحب الفطرة السليمة يأبى أن يقال مثل هذا فى أوصاف اللَّه، بل يعلم أن هذه الأحكام ربما لا تطبق على الإنسان خارج نطاق الجاذبية الأرضية، مثل أماكن انعدام الوزن أو المحطات الفضائية، أو ربما يسمع صوتا من غير فم أو لسان كما
يرى المسجل يعيد الصوت ويكرره كأنه إنسان، وإذا قيل: لا يدخل قاعة الاختبار فى الكلية إلا طلاب السنة النهائية، علم العقلاء أن ذلك لا ينطبق على الأساتذة المراقبين أو القائمين على النواحى الإدارية، وإذا قيل: لا يدخل المصنع إلا العاملون، علمنا أن ذلك لا ينطبق على صاحب المصنع ومن رافقه وهكذا يعلم العقلاء بالفطرة أن القوانين التى تحكم أوصاف البشر لا تنطبق على رب البشر، وأن اللَّه ليس كمثله شئ فى ذاته وصفاته وأفعاله، وعلى ذلك يلزم الاحتراز من استخدام هذين النوعين من القياس فى حق اللَّه، قياس التمثيل وقياس الشمول لأن النتيجة المترتبة على استخدام الممثل لقياس التمثيل واستخدام المكيف المشبه لقياس الشمول هى:
1-
تعطيل العلم الصحيح بأوصاف الحق التى وردت فى نصوص الكتاب والسنة تحت ستار التمثيل والتشبيه، ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: كل ممثل معطل.
2-
الافتراء على اللَّه سبحانه وتعالى حيث ادعى فى وصف اللَّه ما لا علم له به، وزعم أن أوصاف اللَّه تشبه أوصاف البشر، وهى فى الحقيقة ليست كذلك وقد حرم اللَّه عز وجل ذلك فقال فى سورة الأعراف:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّه مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّه مَا لا تَعْلَمُونَ (33) } وقال فى سورة الإسراء: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا (36) } .