المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌القاعدة الثانية القاعدة الثانية التى قام عليها اعتقاد السلف الصالح هى - مختصر القواعد السلفية في الصفات الربانية

[محمود عبد الرازق رضواني]

الفصل: ‌ ‌القاعدة الثانية القاعدة الثانية التى قام عليها اعتقاد السلف الصالح هى

‌القاعدة الثانية

القاعدة الثانية التى قام عليها اعتقاد السلف الصالح هى إثبات الصفات على مراد اللَّه ورسولهصلى الله عليه وسلم فاللَّه سبحانه وتعالى بعد أن بدأ بالتوحيد أولا فى قوله تعالى فى سورة الشورى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (11) } اتبع ذلك باثبات الصفات التى تليق به فقال: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (11) } فالتوحيد يستلزم إثبات الصفات، وهذا هو المناسب للفطرة السليمة، والعقول المستقيمة.

وبيان ذلك أن المتوحد المنفرد عن غيره لابد أن ينفرد بشئ يتميز به ويكون هو الوحيد المتصف به أما الذى لا يتميز بشئ عن غيره ولا يوصف بوصف يلفت الأنظار إليه، فهذا لا يكون منفردا ولا متوحدا ولا متميزا عن غيره فمثلا لو قلت: فلان لا نظير له سيقال لك فى ماذا؟ تقول: فى علمه أو فى حكمته أو فى غناه أو فى ملكه أو فى استوائه أو فى أى صفة تذكرها، فلا بد من ذكر الوصف الذى يتميز به، لكن من العبث أن يقال لك: فلان لا نظير له فى ماذا؟ فتقول: فى لا شئ، أو تقول لا صفة له أصلا، فاللَّه وله المثل الأعلى أثبت لنفسه أوصاف الكمال التى انفرد بها دون غيره ونفى عن نفسه أوصاف النقص ليثبت توحده فى ذاته وصفاته، فأثبت لنفسه الوحدانية فى استوائه فقال فى سورة طه:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) } فاستواؤه له كيفية تليق به لا نعلمها ولا مثيل ولا شبيه له فيها، وأثبت الوحدانية فى كلامه فقال فى سورة النساء:{وَكَلَّمَ اللَّه مُوسَى تَكْلِيمًا (164) } فكلامه بكيفية تليق به ليس كمثله شئ فيها ولا علم لنا بها، فمداركنا وإن استوعبت معنى كلامه فإنها لا تستوعب كيفية أداء لكلام، وأثبت لنفسه يدين لا مثيل ولا شبيه له فيهما فقال تعالى فى سورة ص:{قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالِينَ (75) }

ص: 15

وكذا الحال فى سائر الصفات، كما أن طريقة السلف فى إثبات الصفات تعتمد على أمرين:

1-

النفى المجمل لصفات النقص والإثبات المفصل لصفات الكمال: فاللَّه سبحانه وتعالى نفى عن نفسه كل صفات النقص إجمالا لا تفصيلا فقال تعالى فى النفى فى سورة الشورى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (11) } وفى سورة الإخلاص: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) } وقد أثبت اللَّه لنفسه صفات الكمال تفصيلا، فقال تعالى فى سورة الحديد:{هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) } وغير ذلك من الآيات التى عدد اللَّه فيها أسماءه وأوصافه مثبتا لها ولكمالها وجلالها ومفصلا فى ذلك، واعلم أن طريقة السلف فى الإثبات والنفى عكس طريقة المعتزله الأشعرية تماما، فإنهم يجملون فى الإثبات ويفصلون فى النفى فمثال الإجمال فى الإثبات ما فعله أهل الاعتزال حين أثبتوا وجود ذات الله فقط ونفوا عنه الصفات، ومثال التفصيل فى النفى عندهم قولهم فى مدح اللَّه: ليس بجسم ولا شبح ولا صورة ولالحم ولا دم ولا بذى لون ولاطعم ولا رائحة ولا مجسة ولا بذى حرارة ولا رطوبة ولا يبوسة ولا طول ولا عرض ولاعمق ولا.. ولا

إلخ، وهذا يماثل قول الأحمق فى مدح الأمير: لست بزبال ولا كناس ولا خادم ولا متسول ولا.. ولا

إلخ

ص: 16

وكان يكفيه أن يقول: ليس لك نظير فيما رأت عيناى، كما كان يكفيهم أن يقولوا فى مدح اللَّه كما قال اللَّه تعالى عن نفسه فى سورة الشورى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (11) } لكنهم لا يرغبون فى إثبات أى صفة لله، فإن سألتهم: من تعبدون؟ قالوا: نعبد من لا صفة له، قيل: من لا صفة له يكون معدوما بلا وجود، ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: المعطل يعبد عدما، كما أن هذه الطريقة فى الحقيقة طريقة ذم لا مدح، فالنفوس مفطورة على أن تمدح بالإجمال فى النفى والتفصيل فى الإثبات وليس العكس فتدبر!!

ص: 17

2-

طريقة السلف فى نفى النقص عن اللَّه النفى المتضمن لإثبات كمال الضد: فإذا قال اللَّه سبحانه تعالى فى سورة البقرة: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ (255) } علمنا أن نفى السنة والنوم يتضمن كمال الضد وهو إثبات الكمال فى حياته سبحانه وقيوميته، وقوله تعالى فى سورة الكهف:{وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) } فيه نفى الظلم عن اللَّه المتضمن لكمال الضد وهو منتهى العدل وهكذا فى سائر ما ورد فى الكتاب والسنة، وكل نفى لا يستلزم ثبوتا لم يصف اللَّه به نفسه، ولذا فإن طريقة الخلف من المعتزلة والأشعرية فى نفى صفات النقص عن اللَّه هى بذاتها عين النقص لأنهم إذا قالوا: اللَّه ليس بجسم وتساءل العاقلاء؟ ماذا يكون إذا لم يكن جسما؟ هل يكون عرضا؟ قالوا: ولا عرضا فماذا يكون إذا لم يكن عرضا؟ هل يكون شبحا؟ قالوا: ولا شبحا، ولا صورة ولالحم ولا دم ولا بذى لون ولاطعم ولا رائحة ولا مجسة ولا بذى حرارة ولا رطوبة ولا يبوسة ولا طول ولا عرض ولاعمق، فيقال لهم: إن اللَّه إذا نفى عن نفسه وصفا أثبت كمال ضده، فماذا أثبتم بهذا النفى غير كلام فارغ من المدح؟

ص: 18