المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌محذورات القاعدة الثانية - مختصر القواعد السلفية في الصفات الربانية

[محمود عبد الرازق رضواني]

الفصل: ‌محذورات القاعدة الثانية

‌محذورات القاعدة الثانية

من الأمور الهامة التى ينبغى للموحد أن يحذر منها صيانة للقاعدة الثانية حتى لا يهدم إيمانه بما أثبته اللَّه لنفسه وما أثبته رسوله صلى الله عليه وسلم أن يحذر من نوعين من الضلال وهما التعطيل والتحريف المبنى على التأويل الباطل وبيان ذلك فيما يأتى:

1-

التعطيل: وهو رد النصوص الثابتة فى الكتاب والسنة ورفض محتواها وعدم التسليم لها، وسببه اعتقاد المعطل أن إثبات الصفات التى وردت فى هذه النصوص يلزم منه التمثيل والتشبيه، فالمعطل جسد صورة لربه فى ذهنه تشبه صورة الإنسان فوقع فى محذورات القاعدة الأولى فاعتقد التمثيل والتشبيه وزعم أن ظاهر النصوص دل على ذلك، فأحس بالرفض التلقائى لهذه الصورة والرغبة فى تنزيه اللَّه عنها، وبدلا من أن يعيب فهمه السيئ وظنه الآثم فى كلام اللَّه وجه العيب إلى الكتاب والسنة، وبدأ فى التحامل علي النصوص بالباطل، فادعى أولا أن ظاهرها باطل غير مراد فى كلام اللَّه عز وجل، ثم حاول محو ما دلت عليه بأى طريقة وتعطيلها عن مدلولها الذى يطابق الحقيقة، كما روى عن الجهم بن صفوان - الجد الأكبر للمعتزلة والأشعرية - فى قوله تعالى فى سورة طه:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) } قال: لو وجدت السبيل إلى

ص: 19

أن أحكها من المصحف لفعلت فالمعطل اعتقد التمثيل فى النصوص فاضطر إلى أن يعطلها، وقد علمنا من محترزات القاعدة الأولى أن الممثل عطل الصفة الحقيقيةلله، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية: كل ممثل معطل وكل معطل ممثل.

2-

التحريف: وهو التأويل بغير دليل، وهو تحريف للكلم عن مواضعه، لأن المتكلم يقصد شيئا فى كلامه يختلف عن المعنى الذى أراده المؤول، والسبب الذى دفع أهل الضلال إلى التأويل الباطل لنصوص الكتاب والسنة، أن المعطل بعد رفضه للنصوص بناء على اعتقاده فيها التمثيل والتشبيه كما سبق، أراد أن يستر جريمة التعطيل حتى لا يقال فى حقه إنه يكذب بأدلة الكتاب والسنة فأخفى جريمة التعطيل تحت شعار التأويل وادعاء البلاغة فى فهم النصوص فاستبدل المعنى المراد من النصوص بمعنى بديل لا يقصده المتكلم بها، فقال فى قوله تعالى سورة طه: {الرَّحْمَنُ عَلَى

ص: 20

الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) } الاستواء معناه الاستيلاء والقهر، وقال فى قوله تعالى سورة ص:{مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ (75) } اليد يد القدرة، وكل ذلك وأمثاله منكر من القول وتزوير فى لغة العرب، لأن العرب عند التحقيق لا تعرف أبدا الاستواء بمعنى الاستيلاء والقهر، ولا اليد فى مثل هذا السياق بالذات بمعنى القدرة، ولذلك ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن التحريف بالتأويل أقبح من التعطيل والتكييف والتمثيل لأنه ما حرف إلا لأنه عطل وما عطل إلا لأنه كيف ومثل فجمع أنواع الضلال فى هذا الباب بتأويله الباطل.

كما يجب على المسلم أن يتنبه إلى أن السلف استعملوا التأويل فى عصرهم بمعنى غير ما يعرف الآن عند الأشعرية أو علماء الكلام، فكان السلف يستعملون التأويل فى معنيين اثنين:

المعنى الأول: هو الحقيقة التى يؤول إليها الكلام أو الحقيقة المعبرة عن مدلول الكلام، وهذا المعنى هو الذى نطقت به آيات الكتاب، فلقد تكررت كلمة التأويل فى القرآن فى أكثر من عشرة مواضع كان معناها فى جميع استعمالاتها، الحقيقة التى يؤول إليها الكلام كقوله سبحانه وتعالى عن يوسف عليه السلام:{ورَفعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا (100) } ومن السنة قول عائشة أم المؤمنين رضى اللَّه عنها: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ)(1) تعنى أنه كان ينفذ فى سجوده أمر اللَّه

(1) صحيح أخرجه البخارى فى كتاب الأذان برقم (775) .

ص: 21

له فى سورة النصر: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3) } فتأويل الخبر عند السلف وقوعة، وتأويل الأمر تنفيذه.

المعنى الثانى: للتأويل فى مفهوم السلف هو التفسير والبيان ويقصدون به كشف المعنى وتوضيح مراد المتكلم، وهذا التأويل كالتفسير يحمد حقه ويرد باطله ومثاله دعاء الرسولصلى الله عليه وسلم لابن عباس رضى اللَّه عنهما:(اللَّهمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ)(2) لكن التأويل ظهر له معنى جديد اشتهر

فى عرف المتأخرين من الفقهاء ورجال الأصول بمعنى: صرف الآية عن معناها الظاهر إلى معنى آخر بدليل من الكتاب والسنة، وقد وجد الخلف من المعتزلة الأشعرية بغيتهم فى هذا التأويل واستخدموه بدليل أو بغير دليل ليضفوا الشرعية على آرائهم ويبرروا تعطيلهم لأوصاف اللَّه، فصرفوا معانى النصوص الظاهرة إلى معان ابتدعوها بغير دليل، وقاموا بلى أعناق النصوص وذبحها بصورة لا تخفى على عاقل، فقالوا فى الاستواء كما سبق: استلاء وقهر هروبا من اثبات فوقية الله على خلقه، وقالوا: معنى فى السماء أى عذابه وسلطانه، ومعنى اليدين القدرة، ومعنى الوجه الذات، ومعنى المجئ مجئ الأمر، ومعنى النزول نزول الرحمة، ومعنى الرضى إرادة الإكرام، والغضب إرادة الانتقام والقدم مثل للردع والانزجار وهكذا فى أغلب الصفات حتى تشعر من أقوالهم بأن المتبادر إلى الذهن عند قراءة الكتاب والسنة معان باطلة واعتقادات فاسدة، وأنه كان ينبغى أن يكون القرآن وكلمات النبى فى

(2) صحيح أخرجه أحمد فى المسند برقم (2274) والحاكم فى المستدرك برقم (6280) حـ3ص615.

ص: 22

الأحاديث بغير هذه الألفاظ حتى لا يتكلفوا مشقة صرف الكلام عن معناه وتأويله بغير دليل.

ص: 23