الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ ذِكْرِ الْوِتْرِ بِثَلَاثٍ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، أَنَّ عُمَرَ، «لَمَّا دَفَنَ أَبَا بَكْرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ أَوْتَرَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، وَأَوْتَرَ مَعَهُ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ:«لَمْ يُسَلِّمْ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ» وَقِيلَ لِلْحَسَنِ: إِنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الْوِتْرِ، فَقَالَ: كَانَ عُمَرُ أَفْقَهَ مِنَ ابْنِ عُمَرَ، كَانَ يَنْهَضُ فِي الثَّالِثَةِ بِالتَّكْبِيرِ وَعَنْهُ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ «كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ مِثْلَ الْمَغْرِبِ لَا يُسَلِّمُ بَيْنَهُنَّ» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: وَقَدْ رَوَيْنَا فِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ خِلَافَ هَذَا أَنَّهُمْ سَلَّمُوا فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الْوِتْرِ وَعَنِ ابْنِ عَوْنٍ، أَنَّهُ سَأَلَ الْحَسَنَ، أَيُسَلِّمُ الرَّجُلُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الْوِتْرِ فَقَالَ:«نَعَمْ» فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَثْبَتُ مِمَّا خَالَفَهَا وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ،:«صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وِتْرُ النَّهَارِ، وَوِتْرُ اللَّيْلِ كَوِتْرِ النَّهَارِ» وَعَنْ ثَابِتٍ: بِتُّ عِنْدَ أَنَسٍ، فَقَامَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، وَكَانَ يُسَلِّمُ فِي كُلِّ مَثْنَى، فَلَمَّا كَانَ آخِرُ صَلَاتِهِ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ مِثْلَ الْمَغْرِبِ، لَمْ يُسَلِّمْ بَيْنَهُنَّ وَعَنْ أَنَسٍ:«الْوِتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ» وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةَ، «لِلَّيْلِ وِتْرٌ، وِلِلَّنَهَارِ وِتْرٌ، فَوِتْرُ النَّهَارِ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ، وَوِتْرُ اللَّيْلِ مِثْلُهُ» وَعَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو بِمَعْنَاهُ وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ رُسْتُمَ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ، وَمُحَمَّدًا، وَقَتَادَةَ، وَبَكْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيَّ، وَمُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ، وَإِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، يَقُولُونَ:«الْوِتْرُ ثَلَاثٌ»
⦗ص: 295⦘
وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: «كَانَ أَصْحَابُ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ لَا يُسَلِّمُونَ فِي الْوِتْرِ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ» وَعَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ: «كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يَقْعُدُ بَيْنَهُنَّ» وَعَنْ عَطَاءٍ، أَنَّهُ:«كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهِنَّ وَلَا يَتَشَهَّدُ إِلَّا فِي أُخْرَاهِنَّ» وَقَالَ حَمَّادٌ، كَانَ أَيُّوبُ، يُصَلِّي بِنَا فِي رَمَضَانَ، فَكَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يَجْلِسُ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَحْيَانًا بالشَيْءِ يُبْقِي عَلَيْهِ مِنَ السُّورَةِ، وَيَقْرَأُ فِي الْآخِرَةِ بِالسُّورَةِ، وَأَحْيَانًا يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَكَانَ لَا يَدَعُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ، لَا يُجَاوِزُهَا " قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنِ الْوِتْرَ بِوَاحِدَةٍ، وَبِثَلَاثٍ، وَبِخَمْسٍ وَسَبْعٍ وَتِسْعٍ، كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ حَسَنٌ عَلَى مَا رُوِّينَا مِنَ الْأَخْبَارِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَالَّذِي نَخْتَارُ مَا وَصَفْنَا مِنْ قَبْلُ. قَالَ: فَإِنْ صَلَّى رَجُلٌ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ بَعْدَهَا بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُصَلِّي قَبْلَهَا شَيْئًا، فَالَّذِي نَخْتَارُهُ لَهُ وَنَسْتَحِبُّهُ أَنْ يُقَدِّمَ قَبْلَهَا رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ، فَإِنْ هُوَ لَمْ يَفْعَلْ وَأَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ جَازَ ذَلِكَ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عِلْيَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ، وَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ، وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ الشَّالَنْجِيُّ، سَأَلْتُ أَحْمَدَ، عَنِ الْوِتْرِ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ:«إِنْ كَانَ قَبْلَهَا تَطَوُّعٌ فَلَا بَأْسَ» قُلْتُ: مَا مَعْنَى قَوْلُكَ: إِنْ كَانَ قَبْلَهَا تَطَوُّعٌ؟ أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُصَلِّيَ تَطَوُّعًا، تَأْمُرُهُ بِذَلِكَ؟، قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِنْ أَخَذَ بِفِعْلِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِ «وَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ» لَا بَأْسَ أَنْ يُوتِرَ بِرَكْعَةٍ وَمَا زَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ. وَبِهِ قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ «يُجْزِئُ الْوِتْرُ بِرَكْعَةٍ»
حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ:«كَانَ يُوتِرُ بَعْدَ الْعَتَمَةِ بِوَاحِدَةٍ» . قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ "، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالَّذِي أَخْتَارُ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ يُصَلِّي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةٍ يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ قَالَ الْمُزَنِيُّ، "، وَأَنْكَرَ عَلَى مَالِكٍ قَوْلَهُ: لَا أُحِبُّ أَنْ يُوتَرَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، وَيُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الْوِتْرِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ مَنْ سَلَّمَ مِنَ اثْنَتَيْنِ فَقَدْ فَصَلَهُمَا مِمَّا بَعْدَهُمَا، وَأَنْكَرَ عَلَى الْكُوفِيِّ الْوِتْرَ بِثَلَاثٍ كَالْمَغْرِبِ " قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: وَزَعَمَ النُّعْمَانُ أَنَّ الْوِتْرَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ، فَمَنْ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ فَوِتْرُهُ فَاسِدٌ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْوِتْرَ فَيُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يُسَلِّمُ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ، فَإِنْ سَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَطَلَ وِتْرُهُ، وَزَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُوتِرَ عَلَى دَابَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْوِتْرَ عِنْدَهُ فَرِيضَةٌ، وَزَعَمَ أَنَّهُ مَنْ نَسِيَ الْوِتْرَ فَذَكَرَهُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا فَيُوتِرَ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفَ الصَّلَاةَ، وَقَوْلُهُ هَذَا خِلَافٌ لِلْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ، وَخِلَافٌ لِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَإِنَّمَا أَتَى مِنْ قِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ بِالْأَخْبَارِ، وَقِلَّةِ مُجَالَسَتِهِ لِلْعُلَمَاءِ "
سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، يَقُولُ: قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله يَتِيمًا فِي الْحَدِيثِ»
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ النَّسَوِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ: " يَقُولُ لِهَؤُلَاءِ،
أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: لَيْسَ لَهُمْ بَصَرٌ بشَيْءٍ مِنَ الْحَدِيثِ، مَا هُوَ إِلَّا الْجُرْأَةُ " قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: فَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مَنْ يَتَعَصَّبُ لَهُ لِيُمَوِّهَ عَلَى أَهْلِ الْغَبَاوَةِ وَالْجَهْلِ بِالْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ» فَزَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ: «زَادَكُمْ صَلَاةً» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ فَرِيضَةٌ. فَيُقَالَ لَهُ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ، وَلَوْ ثَبَتَ مَا كَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا ادَّعَيْتَ، وَذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاةَ أَنْوَاعٌ، مِنْهَا فَرِيضَةٌ مَكْتُوبَةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَهِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَمِنْهَا سُنَّةٌ لَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ، وَلَكِنَّهَا نَافِلَةٌ مَأْمُورٌ بِهَا، مُرَغَّبٌ فِيهَا، يُسْتَحَبُّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا، وَيُكْرَهُ تَرْكُهَا، مِنْهَا الْوِتْرُ وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَمِنْهَا نَافِلَةٌ مُسْتَحَبَّةٌ وَلَيْسَتْ بِسُنَّةٍ، وَلَكِنَّهَا تَطَوُّعٌ، مَنْ عَمِلَ بِهَا أُثِيبَ عَلَيْهَا، وَمَنْ تَرَكَهَا لَمْ يُكْرَهْ لَهُ تَرْكُهَا، فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً» ، وَ «إِنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ» إِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ، فَإِنَّمَا يَعْنِي: زَادَكُمْ وَأَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ مَفْرُوضَةٍ وَلَا مَكْتُوبَةٍ. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَا الْأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ الْمُوَظَّفَاتِ عَلَى الْعِبَادِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ هِيَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَتَطَوُّعٌ، ثُمَّ اتِّفَاقُ الْأُمَّةِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ هِيَ خَمْسٌ لَا أَكْثَرُ. وَدَلِيلٌ آخِرٌ، وَهُوَ وِتْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِثَلَاثٍ، وَبِخَمْسٍ، وَسَبْعٍ، وَأَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ الْوِتْرُ فَرْضًا لَكَانَ مُوَقَّتًا مَعْرُوفًا عَدَدُهُ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ فِيهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ، كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الْمَفْرُوضَاتِ، وَأَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَوْتَرُوا وِتْرًا مُخْتَلِفًا فِي الْعَدَدِ، وَكَرِهَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الْوِتْرَ بِثَلَاثٍ بِلَا تَسْلِيمٍ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كَرَاهَةَ أَنْ يُشَبِّهُوا التَّطَوُّعَ بِالْفَرِيضَةِ. وَدَلِيلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْتَرَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، قَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ، وَفَعَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ،
وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ تُصَلَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَفِي ذَلِكَ بَيَانٌ أَنَّ الْوِتْرَ تَطَوُّعٌ ولَيْسَ بِفَرْضٍ، وَدَلِيلٌ رَابِعٌ: هُوَ أَنَّ الْوِتْرَ يَعْمَلُ بِهِ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، فَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَمَا خَفِيَ وُجُوبُهُ عَلَى الْعَامَّةِ، كَمَا لَمْ يَخْفَ وُجُوبُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَلَنَقَلُوا عِلْمَ ذَلِكَ، كَمَا نَقَلُوا عِلْمَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ أَنَّهَا مَفْرُوضَاتٌ، وَقَدْ تَوَارَثُوا عِلْمَ ذَلِكَ بِنَقْلِهِ قَرْنًا عَنْ قَرْنٍ، مِنْ لَدُنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَتَنَازَعُونَ، فَلَوْ كَانَ الْوِتْرُ فَرْضًا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، لَتَوَارَثُوا عِلْمَهُ، وَنَقْلَهُ قَرْنًا عَنْ قَرْنٍ كَذَلِكَ. كَيْفَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْوِتْرُ تَطَوَّعٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ. مِنْهُمْ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُ عَلِيٍّ يَجْهَلُ فَرِيضَةَ صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، حَتَّى يَجْحَدَ فَرْضَهَا، فَيَزْعُمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَتْمٍ، مَنْ ظَنِّ هَذَا بِعَلِيٍّ فَقَدْ أَسَاءَ بِهِ الظَّنَّ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الصَّحَابَةِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ، قَدْ رُوِيَ عَنْهُمْ مُفَسَّرًا أَنَّ الْوِتْرَ تَطَوَّعٌ "
عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، سَأَلْتُ نَافِعًا، أَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَقَالَ:«نَعَمْ، هَلْ لِلْوِتْرِ فَضِيلَةٌ عَلَى سَائِرِ التَّطَوُّعِ» وَعَنْ وَاصِلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، «فَمَا أَوْتَرَ فِي سَفَرٍ قَطُّ» وَسُئِلَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الْوِتْرِ وَاجِبٌ هُوَ؟، فَقَالَ:«لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ تَسْأَلْنِي» قَالَ: فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ ضَعَفَةِ أَهْلِ الرَّأْيِ: الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ فَرْضٌ أَنَّ فِي حَدِيثِ حَجَّاجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ بِالْوِتْرِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وَجِبْرِيلُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِالْفَرْضِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا خَبَرٌ غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَخْبَارِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى مَا قُلْتَ، قَدْ كَانَ جِبْرِيلُ يَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِآيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ، أَمَرَهُ فِيهَا بِأُمُورٍ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْعَمَلَ بِهَا تَطَوُّعٌ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ فِيمَا جَاءَهُ بِهِ مِنَ
⦗ص: 299⦘
الْقُرْآنِ أُمُورٌ الْعَمَلُ بِهَا تَطَوَّعٌ، فَمَا جَاءَهُ بِهِ مِمَّا لَيْسَ بِقُرْآنٍ فَهُوَ أَحْرَى أَنْ يَجُوزَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُ تَطَوُّعًا، ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق: 40]، فَاتَّفَقَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّهُمَا الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور: 49]، فَقَالُوا: هُمَا الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ التَّسْبِيحُ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَطَوَّعٌ عَنْ مُجَاهِدٍ، {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق: 40] قَالَ عَلِيٌّ: «الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «التَّسْبِيحُ بَعْدَ الصَّلَاةِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «التَّسْبِيحُ فِي أَدْبَارِ الصَّلَاةِ» وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ " لَمَّا نَزَلَتْ: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74]، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ» وَلَمَّا نَزَلَتْ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ التَّسْبِيحَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ تَطَوُّعٌ، فَإِذَا كَانَ مَا نَزَلَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا، فَمَا لَمْ يَنْزِلْ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ أَحْرَى أَنْ يَجُوزَ أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا " وَعَنْ سُفْيَانَ: " الْوِتْرُ لَيْسَ بِفَرِيضَةٍ، وَلَكِنَّهُ سُنَّةٌ، إِنْ شِئْتَ أَوْتَرْتَ بِرَكْعَةٍ، وَإِنْ شِئْتَ بِثَلَاثٍ، وَإِنْ شِئْتَ بِخَمْسٍ، وَإِنْ شِئْتَ بِسَبْعٍ، وَإِنْ شِئْتَ بِتِسْعٍ، وَإِنْ شِئْتَ بِإِحْدَى عَشْرَةَ، لَا تُسَلِّمُ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ. وَعَنْ رَبِيعَةَ:«لَا أَرَى عَلَيْكَ قَضَاءَ الْوِتْرِ إِذَا نَسِيتَهُ، وَمَا نَعْلَمُ الْوِتْرَ إِلَّا رَكْعَةً، وَإِنْ صَلَّيْتَ بَعْدَ الْعَتَمَةِ رَكْعَتَيْنِ فَعَلَيْكَ الْوِتْرُ، وَإِنْ لَمْ تُصَلِّ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ شَيْئًا فَلَا وِتْرَ عَلَيْكَ إِلَّا أَنْ تُصَلِّيَ، وَذَلِكَ لِلْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمُسَافِرِ الَّذِي لَا يُوتِرُ وَلَا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاتِهِ» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: يَذْهَبُ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ رَبِيعَةَ إِلَى أَنَّ الْوِتْرَ إِنَّمَا جُعِلَ لِيُوتِرَ الرَّجُلُ بِهِ صَلَاتَهُ بِاللَّيْلِ، وَلَا يَتْرُكُهَا شَفْعًا، لَيْسَ لَهُ مَعْنًى غَيْرُهُ، فَإِذَا فَاتَتْهُ صَلَاةُ اللَّيْلِ، بِأَنْ نَامَ أَوْ شُغِلَ عَنْهَا، لَمْ يَقْضِ الْوِتْرَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي جُعِلَ لَهُ الْوِتْرُ قَدْ فَاتَهُ، إِذْ فَاتَهُ قِيَامُ اللَّيْلِ، فَلَا وَجْهَ لِقَضَائِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَيُحْتَجُّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا نَامَ مِنَ اللَّيْلِ مِنْ وَجَعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَمْ يُصَلِّ بِاللَّيْلِ، صَلَّى بِالنَّهَارِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَلَمْ يَجِئْ عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى الْوِتْرَ،
⦗ص: 300⦘
وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا جَعَلَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ أَوْكَدَ مِنَ الْوِتْرِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا نَامَ عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَضَى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ، وَلَمْ نَجِدْ عَنْهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ قَضَى الْوِتْرَ. قَالَ: وَزَعَمَ النُّعْمَانُ فِي كِتَابِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى الْوِتْرَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي نَامَ عَنِ الْفَجْرِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَزَعَمَ أَنَّهُ أَوْتَرَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، ثُمَّ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ، وَهَذَا لَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ. وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ لِلنُّعْمَانِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الْوِتْرَ لَا يَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ وَلَا بِأَكْثَرَ، بِأَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ بِثَلَاثٍ جَائِزٌ حَسَنٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْوِتْرِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ وَأَكْثَرَ، فَأَخَذَ بِمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَتَرَكَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَذَلِكَ مِنْ قِلَّةِ مَعْرِفَةِ الْمُحْتَجِّ بِهَذَا بِالْأَخْبَارِ وَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ. وَقَدْ رُوِيَ فِي كَرَاهَةِ الْوِتْرِ بِثَلَاثَةِ أَخْبَارٍ، بَعْضُهَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَبَعْضُهَا عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالتَّابِعِينَ، مِنْهَا
مَا: حَدَّثَنَا طَاهِرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ طَارِقٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ تَشَبَّهُوا الْمَغْرِبَ، وَلَكِنْ أَوْتِرُوا بِخَمْسٍ أَوْ بِسَبْعٍ، أَوْ بِتِسْعٍ، أَوْ بِإِحْدَى عَشْرَةَ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ» وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، " الْوِتْرُ سَبْعٌ أَوْ خَمْسٌ، لَا نُحِبُّ ثَلَاثًا بَتْرًا. وَفِي رِوَايَةٍ: إِنِّي لَأَكْرَهُ، أَنْ تَكُونَ ثَلَاثًا بَتْرًا، وَلَكِنْ سَبْعٌ أَوْ خَمْسٌ وَعَنْ عَائِشَةَ، " الْوِتْرُ سَبْعٌ أَوْ خَمْسٌ، وَإِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ ثَلَاثًا بَتْرًا، وَفِي لَفْظٍ: أَدْنَى الْوِتْرِ خَمْسٌ " وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ، عَنِ الْوِتْرِ بِثَلَاثٍ، فَكَرِهَ الثَّلَاثَ وَقَالَ:«لَا تُشَبِّهِ التَّطَوُّعَ بِالْفَرِيضَةِ، أَوْتِرْ بِرَكْعَةٍ أَوْ خَمْسٍ أَوْ بِسَبْعٍ»