الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ بَعْدَهُ فِي التَّرْغِيبِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَفَضِيلَتِهِ
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَّامٍ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ قِبَلَهُ، وَقِيلَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لَأَنْظُرَ. فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَاذِبٍ. وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ؛ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، ثنا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ، إِذَا عَمِلْتُ بِهِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَقَالَ:«أَفْشِ السَّلَامَ، وَأَطْعِمِ الطَّعَامَ، وَصَلِّ وَالنَّاسُ نِيَامٌ؛ تَدْخُلِ الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى بُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا، وَظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا» ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِمَنْ قَالَ طَيِّبَ الْكَلَامِ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَفْشَى السَّلَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ» وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، وَلَفْظُهُ:«إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا يَرَى مَنْ فِي ظَاهِرِهَا مَنْ فِي بَاطِنِهَا، وَيَرَى مَنْ فِي بَاطِنِهَا مَنْ فِي ظَاهِرِهَا» ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَنْ؟ قَالَ:«لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ، وَأَفْشَى السَّلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَبَاتَ لِلَّهِ قَائِمًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ» وَفِيهِ لِابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه وَلَفْظُهُ: «وَبَاتَ قَانِتًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ» وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: الدَّرَجَاتُ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ، وَالصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، وَالْكَفَّارَاتُ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي السَّبَرَاتِ، وَنَقْلُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَوَاتِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، ثنا سُفْيَانُ، ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ كَدِيرٍ الضَّبِّيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ؟ قَالَ: «قُلِ الْعَدْلَ، وَقَدِّمَ الْفَضْلَ» . قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟. قَالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «انْظُرْ بَعِيرًا مِنْ إِبِلِكَ، وَسِقَاءً يُسْقَى عَلَيْهِ الْمَاءُ، وَانْظُرْ إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ لَا يَجِدُونَ الْمَاءَ إِلَّا غِبًّا، فَلَعَلَّهُ إِنْ لَا يَنْفِقُ بَعِيرُكَ وَلَا يَنْخَرِقُ سِقَاؤُكَ حَتَّى تَجِبَ لَكَ الْجَنَّةُ»
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، ثنا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثنا بَكْرُ بْنُ خُنَيْسٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيِّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ بِلَالٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ. وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ وَمَنْهَاةٌ عَنِ الْإِثْمِ وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الْجَسَدِ» وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، وَلَفْظُهُ:«عَلَيْكُمْ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَلَوْ رَكْعَةً وَاحِدَةً» وَفِي رِوَايَةٍ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَرَغَّبَ فِيهَا حَتَّى قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَلَوْ رَكْعَةً وَاحِدَةً»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا أَنْ نَقُومَ مِنَ اللَّيْلِ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَأَنْ نَجْعَلَ آخِرَ ذَلِكَ وِتْرًا "
حَدَّثَنَا أَبُو قُدَامَةَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ اللَّجْلَاجِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَائِشٍ الْحَضْرَمِيُّ،
⦗ص: 56⦘
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «رَأَيْتُ رَبِّيَ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ» ، فَقَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى يَا مُحَمَّدُ؟ قُلْتُ: «أَنْتَ أَعْلَمُ يَا رَبِّ» ، فَوَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَوَجَدَ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ. قَالَ:«فَعَلِمْتُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» . قَالَ: " ثُمَّ تَلَا {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}. ثُمَّ قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى يَا مُحَمَّدُ؟ قُلْتُ: فِي الْكَفَّارَاتِ وَالدَّرَجَاتِ. قَالَ: وَمَا هُنَّ؟ قُلْتُ: الْمَشْيُ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسَاجِدِ لِانْتِظَارِ الصَّلَوَاتِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ. فَقَالَ اللَّهُ: مَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَعِشْ بِخَيْرٍ وَيَمُتْ بِخَيْرٍ وَيَكُنْ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ". قَالَ: " وَمِنَ الدَّرَجَاتِ إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَطَيِّبُ الْكَلَامِ، وَأَنْ تَقُومَ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ. قَالَ: قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الطَّيِّبَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينَ، وَأَنْ تَتُوبَ عَلَيَّ، وَتَغْفِرَ لِي، وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَعَلَّمُوهُنَّ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُنَّ لَحَقٌّ» وَفِي الْبَابِ عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه، وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنهم قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ رحمه الله: هَذَا حَدِيثٌ قَدِ اضْطَرَبَتِ الرُّوَاةُ فِي إِسْنَادِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَيْسَ يَثْبُتُ إِسْنَادُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ:{مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [ص: 69]. قَالَ: قَوْلُهُ: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] فَهَذِهِ كَانَتِ الْخُصُومَةَ وَعَنِ الْحَسَنِ رحمه الله قَالَ: اخْتَصَمُوا إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا لِلَّذِي خَلَقَهُ بِيَدِهِ وَعَنْ قَتَادَةَ رحمه الله قَالَ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ كَانَ خُصُومَتُهُمْ فِي شَأْنِ آدَمَ عليه السلام حِينَ قَالَ: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مِنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة: 30]. يَعْنِي اخْتِصَامَ الْمَلَإِ الْأَعْلَى. قَالَ: فَهَذَا التَّأْوِيلُ أَشْبَهُ مِمَّا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ، رَجُلٌ قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي، وَالْقَوْمُ يَصُفُّونَ فِي الصَّلَاةِ وَالْقَوْمُ يَصُفُّونَ فِي الْقِتَالِ» وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: أَنَّ اللَّهَ يَضْحَكُ إِلَى رَجُلَيْنِ، رَجُلٍ قَامَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ مِنْ فِرَاشِهِ وَدِثَارِهِ وَلِحَافِهِ مِنْ بَيْنَ أَهْلِهِ وَجِيرَانِهِ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: مَا حَمَلَ عَبْدِي عَلَى مَا صَنَعَ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا، رَجَاءَ مَا عِنْدَكَ وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدَكَ، قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أَعْطَيْتُهُ مَا رَجَا وَأَمَّنْتُهُ مِمَّا يَخَافُ. قَالَ: وَرَجُلٌ لَقِيَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ الْعَدُوَّ فَفَرَّ أَصْحَابُهُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَاتَلَ الْعَدُوَّ حَتَّى قُتِلَ، يَقُولُ اللَّهُ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا، فَرَّ أَصْحَابُهُ فَرَجَعَ هُوَ وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، رَهْبَةً مِنِّي وَرَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي. وَفِي رِوَايَةٍ: فَعَلِمَ مَا عَلَيْهِ فِي الْفِرَارِ وَمَا لَهُ فِي الرُّجُوعِ. وَعَنْ عَمْرٍو الْبِكَالِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَبْشِرُوا وَاعْمَلُوا، فَإِنَّ فِيكُمْ ثَلَاثَةَ أَعْمَالٍ لَيْسَ عَمَلٌ إِلَّا وَهُوَ يُوجِبُ لِأَهْلِهِ الْجَنَّةَ: رَجُلٌ يَقُومُ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ مِنْ دِفْئِهِ وَفِرَاشِهِ إِلَى الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: مَا حَمَلَ عَبْدِي عَلَى مَا صَنَعَ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَنْتَ أَعْلَمُ. فَيَقُولُ: إِنِّي أَعْلَمُ وَلَكِنْ أَخْبِرُونِي. فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا رَجَّيْتَهُ شَيْئًا فَرَجًا وَخَوَّفْتَهُ شَيْئًا فَخَافَهُ. فَيَقُولُ: فَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَعْطَيْتُهُ مَا رَجَا وَأَمَّنْتُهُ مِمَّا خَافَ
حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى، ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، ثنا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ. فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ» وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُقْبَةِ بْنِ عَامِرٍ
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَلَّافُ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحْرِمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ»
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، حَدَّثَنِي ثَابِتُ بْنُ مُوسَى، ثنا شَرِيكٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ» وَقِيلَ لِلْحَسَنِ رحمه الله: مَا بَالُ الْمُتَهَجِّدِينَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وُجُوهًا؟ قَالَ: لِأَنَّهُمْ خَلَوْا بِالرَّحْمَنِ فَأَلْبَسَهُمْ مِنْ نُورِهِ نُورًا
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الْعَيْنُ، ثنا أَبُو حَفْصٍ التِّنِّيسِيُّ عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ بِاللَّيْلِ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ، قَالَا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُدَامَةَ الْجُمَحِيُّ، ثني إِسْحَاقُ بْنُ بَكْرِ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ لِلْمُنَافِقِينَ عَلَامَاتٍ يُعْرَفُونَ بِهَا تَحَيَّتُهُمْ لَعْنَةٌ، وَطَعَامُهُمْ نُهْبَةٌ وَغَنِيمَتُهُمْ غُلُولٌ، لَا يَقْرَبُونَ الْمَسَاجِدَ إِلَّا هَجْرًا، وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا دَبْرًا مُسْتَكْبِرِينَ لَا يَأْلَفُونَ وَلَا يُؤْلَفُونَ خُشُبٌ بِاللَّيْلِ صُخُبٌ بِالنَّهَارِ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُبَارَكٍ، ثنا بَزِيعٌ أَبُو الْخَلِيلِ، ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَذِيبُوا طَعَامَكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ وَلَا تَنَامُوا عَلَيْهِ فَتَقْسُوَ لَهُ قُلُوبُكُمْ» وَعَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ قَيِّمٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُومُ عَلَيْهِمْ إِذَا أَفْطَرُوا فَيَقُولُ: لَا تَأْكُلُوا كَثِيرًا فَإِنَّكُمْ إِنْ أَكَلْتُمْ كَثِيرًا نِمْتُمْ كَثِيرًا، وَإِنْ نِمْتُمْ كَثِيرًا صَلَّيْتُمْ قَلِيلًا وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ رحمه الله: قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عليهما السلام لِابْنِهَا سُلَيْمَانَ عليه السلام: يَا بُنَيَّ، لَا تُكْثِرِ النَّوْمَ فَيُفْقِرَكَ يَوْمَ تَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ، وَلَا تُكْثِرِ الْجِمَاعَ فَيُفْقِرُكَ يَوْمَ تَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى قُوَّتِهِمْ. وَرَأَى مَعْقِلُ بْنُ حَبِيبٍ رحمه الله قَوْمًا يَأْكُلُونَ كَثِيرًا فَقَالَ: مَا نَرَى أَصْحَابَنَا يُرِيدُونَ يُصَلُّونَ اللَّيْلَةَ. وَعَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيُدْخِلُ خَلْقًا مِنْ خَلْقِهِ الْجَنَّةَ فَيَعْطِيهِمْ فِيهَا حَتَّى يَثْمَلُوا وَفَوْقَهُمْ نَاسٌ فِي الدَّرَجَاتِ الْعُلَى، فَإِذَا نَظَرُوا إِلَيْهِمْ عَرَفُوهُمْ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا
⦗ص: 60⦘
كَانُوا مَعَنَا فِي الدُّنْيَا وَكُنَّا مَعَهُمْ فَبِمَ فَضَّلْتَهُمْ عَلَيْنَا؟ فَيَقُولُ اللَّهُ: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ إِنَّهُمْ كَانُوا يَجُوعُونَ حِينَ تَشْبَعُونَ وَيَظْمَئُونَ حِينَ تَرْوُونَ وَيَقُومُونَ حِينَ تَنَامُونَ وَيَشْخَصُونَ حِينَ تَخْفِضُونَ. وَعَنْ وُهَيْبِ بْنِ الْوَرْدِ رحمه الله قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ إِبْلِيسَ تَبَدَّى لِيَحْيَى عليه السلام بْنُ زَكَرِيَّا عليه السلام، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَنْصَحَكَ قَالَ: كَذَبْتَ أَنْتَ لَا تَنْصَحُنِي وَلَكِنْ أَخْبِرْنِي عَنْ بَنِي آدَمَ، قَالَ هُمْ عِنْدَنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ. أَمَّا صِنْفٌ مِنْهُمْ فَهُمْ أَشَدُّ الْأَصْنَافِ عَلَيْنَا نُقْبِلُ عَلَيْهِ حَتَّى نَفْتِنَهُ وَنَسْتَمْكِنَ مِنْهُ ثُمَّ يَفْزَعُ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ، فَيُفْسِدُ عَلَيْنَا كُلَّ شَيْءٍ أَدْرَكْنَا مِنْهُ، ثُمَّ نَعُودُ لَهُ فَيَعُودُ، فَلَا نَحْنُ نَيْئَسُ مِنْهُ وَلَا نَحْنُ نُدْرِكُ مِنْهُ حَاجَتَنَا. وَأَمَّا الصِّنْفُ الْآخَرُ فَهُمْ فِي أَيْدِينَا بِمَنْزِلَةِ الْأُكْرَةِ فِي أَيْدِي صِبْيَانِكُمْ نَتَلَقَّفُهُمْ كَيْفَ شِئْنَا قَدْ كَفَوْنَا أَنْفُسَهُمْ. وَأَمَّا الصِّنْفُ الْآخَرُ فَهُمْ مِثْلُكَ مَعْصُومُونَ لَا نَقْدِرُ مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ. فَقَالَ لَهُ يَحْيَى عَلَى ذَلِكَ: هَلْ قَدَرْتَ مِنِّي عَلَى شَيْءٍ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّكَ قَدِمْتَ طَعَامًا تَأْكُلُهُ فَلَمْ أَزَلْ أُشَهِّيهِ إِلَيْكَ حَتَّى أَكَلْتَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا تُرِيدُ، فَنِمْتَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَلَمْ تَقُمْ إِلَى الصَّلَاةِ كَمَا كُنْتَ تَقُومُ إِلَيْهَا. فَقَالَ لَهُ يَحْيَى عليه السلام: لَا جَرَمَ لَا شَبِعْتُ مِنْ طَعَامٍ أَبَدًا حَتَّى أَمُوتَ. فَقَالَ لَهُ الْخَبِيثُ: لَا جَرَمَ لَا نَصَحْتُ آدَمِيًّا بَعْدَكَ. وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَوْفٍ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ رحمه الله، وَأَبِي عُجَيْلٍ رحمه الله، وَزَارَهُمَا الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: حَدِّثْ أَبَا يَزِيدَ مَا سَمِعْتَ مِنَ كَعْبٍ. فَقَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ كَعْبٍ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ بَيْنَ بُرْدَيْ حِبَرَةٍ فَإِذَا هُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه لِكَعْبٍ رضي الله عنه: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ أَشْيَاءٍ أَجِدُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ. فَسَأَلَهُ عَنْ إِدْرِيسَ عليه السلام وَرَفْعِ مَكَانِهِ، فَقَالَ: إِنَّ إِدْرِيسَ كَانَ رَجُلًا خَيَّاطًا وَكَانَ يَتَكَسَّبُ، فَيُجْزِئُ كَسْبُهُ فَيَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَكَانَ لَا يَنَامُ اللَّيْلَ، وَلَا يُفْطِرُ النَّهَارَ، وَلَا يَفْتُرُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَأَتَاهُ إِسْرَافِيلُ فَبَشَّرَهُ. وَقَالَ هَلْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَ: وَدِدْتُ أَنْ أَعْلَمَ مَتَى أَجْلِي؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُ ذَلِكَ فَصَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا مَلَكُ الْمَوْتِ عليه السلام، فَسَأَلَهُ مَتَى أَجَلُهُ؟ فَنَظَرَ مَلَكُ الْمَوْتِ فِي الْكِتَابِ فَوَجَدَهُ لَمْ تَبْقَ مِنْ أَجَلِهِ إِلَّا سِتُّ سَاعَاتٍ أَوْ سَبْعٌ. وَقَالَ: أُمِرْتُ أَنْ أَقْبِضَ رُوحَهُ هَهُنَا فَقَبَضَ رُوحَهُ فِي السَّمَاءِ، فَذَلِكَ رَفْعُ مَكَانِهِ
حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو: سَمِعَ عَمْرُو بْنُ أُوَيْسٍ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ» وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى دَاوُدُ لَيْلَةً فَلَمَّا أَصْبَحَ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ سُرُورًا فَنَادَتْهُ ضِفْدَعٌ: يَا دَاوُدُ، كُنْتُ أَدْأَبُ مِنْكَ قَدْ أَغْفَيْتَ إِغْفَاءَةً وَفِي رِوَايَةٍ: لَا تَعْجَبْ بِنَفْسِكَ فَقَدْ رَأَيْتُكَ الْبَارِحَةَ حِينَ خَفَقْتَ بِرَأْسِكَ، وَمَحْلُوفَةً إِنِّي لَمْ أَزَلْ أَذْكُرُ اللَّهَ مُنْذُ غَرَبَتْ حَتَّى طَلَعَتْ وَعَنْ وُهَيْبِ بْنِ الْوَرْدِ رحمه الله، بَلَغَنَا أَنَّ دَاوُدَ عليه السلام كَانَ قَدْ جَعَلَ اللَّيْلَ كُلَّهُ نَوْبًا عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ لَا تَمُرُّ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا وَفِي بَيْتِهِ مُصَلٍّ لِلَّهِ وَذَاكِرٌ. فَلَمَّا كَانَ نَوْبَةُ دَاوُدَ، قَامَ يُصَلِّي وَبَيْنَ يَدَيْهِ غَدِيرٌ، وَكَانَ أُعْجِبَ بِمَا هُوَ فِيهِ وَأَهْلُ بَيْتِهِ مِمَّا فُضِّلُوا بِهِ مِنَ الْعِبَادَةِ فَأَنْطَقَ اللَّهُ ضِفْدَعًا مِنَ الْمَاءِ فَنَادَتْهُ: يَا دَاوُدُ، كَأَنَّكَ أُعْجِبْتَ بِمَا أَنْتَ فِيهِ وَأَهْلُ بَيْتِكَ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّكَ، فَوَالَّذِي أَكْرَمَكَ بِالنُّبُوَّةِ إِنِّي لَقَائِمَةٌ لِلَّهِ مُنْذُ خَلَقَنِي عَلَى رِجْلٍ مَا اسْتَرَاحَتْ أَوْدَاجِي مِنْ تَسْبِيحِهِ إِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ، فَمَا الَّذِي يُعْجِبُكَ مِنْ نَفْسِكِ وَأَهْلِ بَيْتِكَ؟ قَالَ: فَتَصَاغَرَتْ إِلَى دَاوُدَ نَفْسُهُ. وَكَانَ الْعَبَّاسُ رضي الله عنه جَارَ عُمَرَ رضي الله عنه، وَكَانَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ عُمَرَ رضي الله عنه قَطُّ نَهَارُهُ صَائِمٌ وَفِي حَاجَاتِ النَّاسِ، وَلْيَلُهُ قَائِمٌ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ عُمَرُ رضي الله عنه سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يُرِيَنِيهِ. فَمَكَثْتُ سَنَةً ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ مُقْبِلًا مِنَ السُّوقِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ. فَقُلْتُ: كَيْفَ أَنْتَ وَمَاذَا وَجَدْتَ؟ فَقَالَ: الْآنَ فَرَغْتُ مِنَ الْحِسَابِ وَإِنْ كَادَ عَرْشِي لَيَهْوِي لَوْلَا أَنِّي وَجَدْتُ رَبًّا رَحِيمًا
⦗ص: 62⦘
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ رحمه الله قَالَ: قُمْتُ لَيْلَةً عِنْدَ الْمَقَامِ، فَقُلْتُ: لَا يَغْلِبُنِي اللَّيْلَةَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي فَغَمَزَنِي فَأَبَيْتُ أَنْ أَلْتَفِتَ إِلَيْهِ. ثُمَّ غَمَزَنِي فَالْتَفَتُّ فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. فَتَأَخَّرْتُ عَنْهُ، فَقَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ وَعَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَخْرُجُ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسْجِدِ لِيُصَلِّيَ تَطَوُّعًا، وَكَانَ النَّاسُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ حَتَّى كَانَ شَبِيبٌ الْحَرُورِيُّ. فَقَالَ: بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: لَوْ جَعَلْنَا عَلَيْنَا عَقِبًا يَحْرُسُ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنَّا عَشَرَةٌ، فَكُنْتُ فِي أَوَّلِ مَنْ حَرَسَهُ، فَجَلَسْنَا مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ قَرِيبًا فَخَرَجَ فَأَلْقَى دِرَّتَهُ. ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَلَمَّا فَرَغَ أَتَانَا فَقَالَ: مَا يُجْلِسُكُمْ؟ قُلْنَا: جَلَسْنَا نَحْرُسُكَ لَا يُصِيبُكَ إِنْسَانٌ. فَقَالَ: أَمِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ؟ قُلْنَا: نَحْنُ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ أَنْ نَحْرُسَكَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ. قَالَ: فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ حَتَّى يُقْضَى فِي السَّمَاءِ، وَإِنَّ عَلَيَّ مِنَ اللَّهِ لَجُنَّةً حَصِينَةً، فَإِذَا جَاءَ أَجَلِي كُشِفَتْ عَنِّي وَإِنَّهُ لَا يَجِدُ عَبْدٌ طَعْمَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا رَأَى الرُّؤْيَا فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَأَيْتُ فِيَ النَّوْمَ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِيرِ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ، فَقَالَا لِي: لَنْ تَرْعَ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ رضي الله عنها فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ» قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه بَعْدَهُ لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رحمه الله قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: «مَا آسِي عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا عَلَى ظَمَأِ الْهَوَاجِرِ وَمُكَابَدَةِ اللَّيْلِ، وَإِنِّي لَمْ أُقَاتِلْ هَذِهِ الْفِئَةَ الْبَاغِيَةَ الَّتِي نَزَلَتْ بِنَا، يَعْنِي الْحَجَّاجَ» ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: " لَوْلَا ثَلَاثٌ: لَوْلَا أَنْ أُسَافِرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ أُعَفِّرَ جَبْهَتِي فِي التُّرَابِ سَاجِدًا أَوْ أُجَالِسَ قَوْمًا يَلْتَقِطُونَ طَيِّبَ الْقَوْلِ كَمَا يَلْتَقِطُونَ طَيِّبَ التَّمْرِ لَسَرَّنِي أَنْ أَكُونَ لَحِقْتُ بِاللَّهِ،
⦗ص: 63⦘
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: «فَضْلُ صَلَاةِ اللَّيْلِ عَلَى صَلَاةِ النَّهَارِ كَفَضْلِ صَدَقَةِ السِّرِّ عَلَى صَدَقَةِ الْعَلَانِيَةِ» ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رضي الله عنه:«رَكْعَةٌ بِاللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ عَشْرٍ بِالنَّهَارِ» ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه:«شَرَفُ الرَّجُلِ قِيَامُهُ بِاللَّيْلِ وَغِنَاهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ» ، وَرُوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا وَعَنِ الْحَسَنِ رحمه الله وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ رحمه الله:«قِيَامُ اللَّيْلِ يَشْرُفُ بِهِ الْوَضِيعُ وَيَعِزُّ بِهِ الذَّلِيلُ، وَصِيَامُ النَّهَارِ يَقْطَعُ عَنْ صَاحِبِهِ الشَّهَوَاتِ وَلَيْسَ لِلْمُؤْمِنِينَ رَاحَةٌ دُونَ دُخُولِ الْجَنَّةِ» ، وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رحمه الله:«لَوْ بَاتَ رَجُلٌ يُعْطِي الْقِيَانَ الْبِيضَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى الصَّبَاحِ وَبَاتَ رَجُلٌ يَذْكُرُ اللَّهَ أَوْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ لَرَأَيْتَ أَنَّ ذَاكِرَ اللَّهِ أَفْضَلُ» ، وَسُمِعَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَهُوَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ:«اللَّهُمَّ إِنَّكَ آتَيْتَ عَمْرًا مَالًا فَإِنْ كَانَ أَحَبَّ إِلَيْكَ أَنْ تَسْلُبَ عَمْرًا مَالَهُ وَلَا تُعَذِّبُهُ بِالنَّارِ فَاسْلُبْهُ مَالَهُ، وَإِنَّكَ آتَيْتَ عَمْرًا وَلَداً فَإِنْ كَانَ أَحَبَّ إِلَيْكَ أَنْ تَثْكِلَ عَمْرًا وَلَدَهُ وَلَا تُعَذِّبُهُ بِالنَّارِ فَأَثْكِلْهُ وَلَدَهُ، وَإِنَّكَ آتَيْتَ عَمْرًا سُلْطَانًا فَإِنْ كَانَ أَحَبَّ إِلَيْكَ أَنْ تَنْزِعَ مِنْهُ سُلْطَانُهُ وَلَا تُعَذِّبُهُ بِالنَّارِ فَانْزِعْ مِنْهُ سُلْطَانَهُ» ، وَعَنِ الْحَسَنِ، كَانَ يُقَالُ:" مَا عَمِلَ النَّاسُ مِنْ عَمَلٍ أَثْبَتَ فِي خَيْرٍ مِنْ صَلَاةٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وَمَا فِي الْأَرْضِ شَيْءٌ أَجْهَدُ لِلنَّاسِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَالصَّدَقَةِ، قِيلَ: فَأَيْنَ الْوَرَعُ؟ وَقَالَ: ذَاكَ مِلَاكُ الْأَمْرِ "، وَكَانَ الْحَسَنُ رحمه الله قَائِمًا يُصَلِّي فَإِذَا أُعْيِيَ صَلَّى قَاعِدًا فَإِذَا فَتَرَ صَلَّى مُضْطَجِعًا، وَعَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ رحمه الله: قَرَأْتُ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عليهما السلام قَالَ: كَلِّمُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَكَلِّمُوا النَّاسَ قَلِيلًا قَالُوا: يَا رَوْحُ اللَّهِ وَكَيْفَ نُكَلِّمُ اللَّهَ كَثِيرًا؟ قَالَ: اخْلُوا بِمُنَاجَاتِهِ وَاخْلُوا بِدُعَائِهِ، وَعَنِ الْحَسَنِ رحمه الله يَرْفَعْهُ:«لِلْمُصَلِّي ثَلَاثُ خِصَالٍ يَتَنَاثَرُ الْبِرُّ مِنْ عَنَانِ السَّمَاءِ إِلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ وَتَحُفُّ بِهِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ لَدُنْ قَدَمَيْهِ إِلَى عَنَانِ السَّمَاءِ وَيُنَادِيهِ مُنَادٍ لَوْ يَعْلَمُ الْمُصَلِّي مَنْ يُنَاجِي مَا انْفَتَلَ» ،
⦗ص: 64⦘
وَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَامِلِ الْبَصْرَةِ أَنْ يُزَوِّجَ عَامِرَ بْنَ عَبْدِ قَيْسٍ رحمه الله مِنْ صَالِحِ نِسَاءِ قَوْمِهِ وَيُصْدِقَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَلَمْ يَدَعْهُ حَتَّى زَوَّجَهُ، فَجُهِّزَتْ ثُمَّ ذَهَبَ بِعَامِرٍ حَتَّى أُدْخِلَ عَلَيْهَا. فَقَامَ إِلَى مُصَلَّاهُ، لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا حَتَّى إِذْ رَأَى تبَاشيِرَ الصُّبْحِ، قَالَ: يَا هَذِهِ ضَعِي خِمَارُكِ. فَلَمَّا وَضَعَتْ خِمَارَهَا قَالَ: اعْتَدِّي. ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرِينَ لِمَ أَمَرْتُكِ أَنْ تَضَعِي خِمَارَكِ؟ لِئَلَّا يُؤْخَذُ مِنْكِ شَيْءٌ أَعْطَيْتُ، وَقَالَ عَامِرٌ رحمه الله:" مَا رَأَيْتُ مِثْلَ الْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا، وَلَا رَأَيْتُ مِثْلَ النَّارِ نَامَ هَارِبُهَا، وَكَانَ إِذَا جَاءَ اللَّيْلُ قَالَ: أَذْهَبَ حَرُّ النَّارِ النَّوْمَ. فَمَا يَنَامُ حَتَّى يُصْبِحَ، وَإِذَا جَاءَ النَّهَارُ قَالَ: أَذْهَبَ حَرُّ النَّارِ النَّوْمَ. فَمَا يَنَامُ حَتَّى يُمْسِيَ. فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ قَالَ: مَنْ خَافَ أَدْلَجَ. وَيَقُولُ عِنْدَ الصَّبَاحِ: يَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى "، وَكَانَتْ مُعَاذَةُ الْعَدَوِيَّةُ رَحِمَهَا اللَّهُ إِذَا جَاءَ اللَّيْلُ تَقُولُ:" هَذِهِ لَيْلَتِي الَّتِي أَمُوتُ فِيهَا: فَمَا تَنَامُ حَتَّى تُصْبِحَ، وَإِذَا جَاءَ النَّهَارُ قَالَتْ: هَذَا يَوْمِي الَّذِي أَمُوتُ فِيهِ. فَمَا تَنَامُ حَتَّى تُمْسِيَ، وَإِذَا جَاءَ الشِّتَاءُ لَبِسَتِ الثِّيَابَ الرِّقَاقَ حَتَّى يَمْنَعَهَا الْبَرْدُ مِنَ النَّوْمِ "، وَقَالَ عَامِرٌ رحمه الله:" وَجَدْتُ عَيْشَ النَّاسِ فِي أَرْبَعَ: فِي النِّسَاءِ وَاللِّبَاسِ وَالنَّوْمِ وَالطَّعَامِ. فَأَمَّا النِّسَاءُ فَوَاللَّهِ مَا أُبَالِي أَرَأَيْتُ امْرَأَةً أَمْ رَأَيْتُ جِدَارًا. وَأَمَّا اللِّبَاسُ فَمَا أُبَالِي مَا وَارَيْتُ بِهِ عَوْرَتِي صُوفٌ أَوْ غَيْرُهُ. وَأَمَّا النَّوْمُ وَالطَّعَامُ فَغَلَبَانِي أَنْ لَا أُصِيبُ مِنْهُمَا وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَأَضُرَّنَّ بِهِمَا جَهْدِي "، قَالَ الْحَسَنُ رحمه الله: فَأَضَرَّ بِهِمَا جَهْدَهُ حَتَّى مَاتَ. وَصَحِبَهُ رَجُلٌ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَلَمْ يَرَهُ يَنَامُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها:«كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهُ لِيفٌ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: " كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَاقًا وَاحِدًا. فَبَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ ثَنَتْ عَبَاءَةً، فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ نَفْسُهُ. فَقَالَ:«مَا صَنَعْتِ؟» قَالَتْ: ثَنَيْتُهَا. قَالَ: «فَلَا تَعُودِي»
وَعَنِ الْحَسَنِ رحمه الله أَنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لِيَعِيشَ خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ سَنَةً عُمْرَهُ كُلَّهُ مَا طُوِيَ لَهُ ثَوْبٌ قَطُّ، وَلَا أَمَرَ فِي أَهْلِهِ بِصَنْعَةِ طَعَامٍ قَطُّ، وَلَا جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ شَيْئًا قَطُّ، قَالَ: وَاحْتُضِرَ رَجُلٌ مِنَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فَبَكَى وَاشْتَدَّ بُكَاؤُهُ. فَقَالُوا لَهُ: رَحِمَكَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَفُوٌّ وَإِنَّهُ غَفُورٌ. فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ بَعْدِي شَيْئًا أَبْكِي عَلَيْهِ إِلَّا ثَلَاثَ خِصَالٍ: ظَمَأَ هَاجِرَةٍ فِي يَوْمٍ بَعِيدٍ مَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، أَوْ لَيْلَةً يَبِيتُ الرَّجُلُ يُرَاوِحُ مَا بَيْنَ جَبْهَتِهِ وَقَدَمَيْهِ، أَوْ غَدْوَةً أَوْ رَوْحَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ " وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ رحمه الله قَالَ: قَرَأْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ: أَيُّهَا الصِّدِّيقُونَ، افْرَحُوا بِي وَتَنَعَّمُوا بِذِكْرِي " وَخَرَجَ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمَ فِي غَزَاةٍ وَأَرْسَلَ غُلَامَهُ يَحْتَشُّ وَرَبَطَ فَرَسَهُ، قَامَ يُصَلِّي، فَجَاءَ الْغُلَامُ، قَالَ: يَا رَبِيعُ أَيْنَ الْفَرَسُ؟ قَالَ: سُرِقَتْ يَا يَسَارُ. قَالَ: تُسْرَقُ وَأَنْتَ تَنْظُرُ إِلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ يَا يَسَارُ، إِنِّي كُنْتُ أُنَاجِي رَبِّي فَلَمْ يَكُنْ يَشْغَلُنِي عَنْ مُنَاجَاةِ رَبِّي شَيْءٌ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ غَنِيًّا فَاهْدِهِ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنِهِ. وَقَالَتْ أُمُّ غَزْوَانَ لَهُ: أَمَا لِفِرَاشِكَ عَلَيْكَ حَقٌّ أَمَا لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقٌّ؟ قَالَ: يَا أُمَّاهُ إِنَّمَا أَطْلُبُ رَاحَتَهَا أُبَادِرُ طَيَّ صَحِيفَتِي. وَقَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا يَرَانِي ضَاحِكًا حَتَّى أَعْلَمَ أَيَّ الدَّارَيْنِ دَارِي " قَالَ الْحَسَنُ رحمه الله: عَزَمَ فَفَعَلَ فَوَاللَّهِ مَا رُئِيَ ضَاحِكًا حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ وَكَانَ هَمَّامٌ رحمه الله لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشِهِ يُصَلِّي حَتَّى يَنْعَسَ فِي مَسْجِدِهِ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي لَيْلَهُ كُلَّهُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: رحمه الله، كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ يُوَاصِلُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا حَتَّى نَعُودَهُ وَبَلَغَ ذَلِكَ الْحَجَّاجَ فَحَبَسَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فِي بَيْتٍ ثُمَّ فَتَحَ عَنْهُ فَوَجَدَهُ قَائِمًا يُصَلِّي، فَقَالَ: اذْهَبْ فَأَنْتَ رَاهِبُ الْعَرَبِ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رحمه الله: بِتُّ عِنْدَ الْحَجَّاجِ بْنِ فَرَافِصَةَ رحمه الله إِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً، فَلَا أَكَلَ وَلَا شَرِبَ وَلَا نَامَ.
وَكَانَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ لَا يُطْفِئُ سِرَاجَهُ بِاللَّيْلِ. فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: إِنَّ هَذَا السِّرَاجَ يَضْرِبُنَا إِلَى الصَّبَاحِ. فَقَالَ: وَيْحَكِ إِنَّكِ إِذَا أَطْفَيْتِيهِ ذَكَرْتُ ظُلْمَةَ الْقَبْرِ فَلَمْ أَتَقَارَّ وَكَانَ مَمْلُوكٌ تَقُولُ لَهُ مَوْلَاتُهُ: أَلَا تَدَعُنَا نَنَامُ؟ فَيَقُولُ: إِنَّمَا لَكِ نَهَارِي وَلَيْسَ لَكِ لَيْلِي، إِنِّي إِذَا ذَكَرْتُ النَّارَ طَارَ نَوْمِي، وَإِنِّي إِذَا ذَكَرْتُ الْجَنَّةَ طَالَ حُزْنِي. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ رحمه الله:" لَنْ يَبْرَحَ الْمُتَهَجِّدُونَ مِنْ عَرْصَةِ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُؤْتُوا بِنَجَائِبَ مِنَ اللُّؤْلُؤِ قَدْ نُفِخَ فِيهَا الرُّوحُ. فَيُقَالُ لَهُمُ: انْطَلِقُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ رُكْبَانًا، فَيَرْكَبُونَهَا فَتَطِيرُ بِهِمْ مُتَعَالِيَةً وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ، يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهِمْ إِلَى مَسَاكِنِهِمْ مِنَ الْجَنَّةِ " وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ رحمه الله: بَلَغَنِي أَنَّهُ «مَنْ أَطَالَ قِيَامَ اللَّيْلِ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ رحمه الله: بَلَغَنِي أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِلتَّهَجُّدِ نَادَاهُ مَلَكَانِ: طُوبَاكَ سَلَكْتَ مِنْهَاجَ الْعَابِدِينَ قَبْلَكَ " وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ رحمه الله: بَلَغَنِي أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ اللَّيْلَ لِلصَّلَاةِ تَنَاثَرَ عَلَيْهِ الْبِرُّ مِنْ عَنَانِ السَّمَاءِ إِلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ، وَهَبَطَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ لِتَسْتَمْتِعَ لِقِرَاءَتِهِ، وَاسْتَمَعَ لَهُ عُمَّارُ دَارِهِ وَسُكَّانُ الْهَوَاءِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَجَلَسَ لِلدُّعَاءِ أَحَاطَتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ تُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِهِ، فَإِنْ هُوَ اضْطَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ نُودِيَ: نَمْ قَرِيرَ الْعَيْنِ مَسْرُورًا نَمْ خَيْرَ نَائِمٍ عَلَى خَيْرِ عَمَلٍ "
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثنا هِشَامُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثنا بَكْرُ بْنُ خُنَيْسٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْطَأَةَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِعَبْدٍ فِي شَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يُصَلِّيهِمَا، وَإِنَّ الْبِرَّ لَيُذَرُّ فَوْقَ رَأْسِ الْعَبْدِ مَا دَامَ فِي صَلَاتِهِ وَمَا تَقَرَّبَ الْعِبَادُ إِلَى اللَّهِ بِمِثْلِ مَا خَرَجَ مِنْهُ، يَعْنِي الْقُرْآنَ»
⦗ص: 67⦘
وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: كَانَ يُقَالُ: «قِيَامُ اللَّيْلِ مَحْيَاةٌ لِلْبَدَنِ، وَنُورٌ فِي الْقَلْبِ، وَضِيَاءٌ فِي الْبَصَرِ، وَقُوَّةٌ فِي الْجَوَارِحِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ مُتَهَجِّدًا أَصْبَحَ فَرِحًا يَجِدُ لِذَلِكَ فَرَحًا فِي قَلْبِهِ. وَإِذَا غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ عَنْ حِزْبِهِ أَصْبَحَ حَزِينًا مُنْكَسِرَ الْقَلْبِ كَأَنَّهُ قَدْ فَقَدَ شَيْئًا وَقَدْ فَقَدَ أَعْظَمَ الْأُمُورِ لَهُ نَفْعًا» . وَقَالَ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ: «بِطُولِ التَّهَجُّدِ تَقَرُّ عُيُونُ الْعَابِدِينَ وَبِطُولِ الظَّمَأِ تَفْرَحُ قُلُوبُهُمْ عِنْدَ لِقَاءِ اللَّهِ» . وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُوَيْدٍ: كَانُوا يَرَوْنَ السِّيَاحَةَ صِيَامَ النَّهَارِ وَقِيَامَ اللَّيْلِ ". وَكَانَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ رحمه الله عَامَّةَ دَهْرِهِ يُصَلِّي الْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ وَقْتُ صَلَاةٍ إِلَّا وَهُوَ يُصَلِّي، وَكَانَ يُسَبِّحُ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ وَيَصُومُ الدَّهْرَ. وَانْصَرَفَ النَّاسُ يَوْمَ عِيدٍ مِنَ الْجِبَانِ فَأَصَابَهُمْ مَطَرٌ. فَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ فَتَغَاصُّوا فِيهِ. وَإِذَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ رحمه الله قَائِمٌ يُصَلِّي انْهَدَمَ بَيْتُهُ، فَضَرَبَ فِيهِ خَيْمَةً فَكَانَ فِيهَا حَتَّى مَاتَ. وَطُوِيَ فِرَاشُهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَمْ يَضَعْ جَنْبَهُ بِالْأَرْضِ عِشْرِينَ سَنَةً، وَكَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ، وَكَانَ يَطْلُبُ الْحَدِيثَ بِالْكُوفَةِ، وَقَدِمَ عَلَى الْأَعْمَشِ رحمه الله فَخَرَجَ فِي سَاعَةٍ كَانَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ يُصَلِّي فِيهَا، فَأَقْبَلَ عَلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى الْأَعْمَشِ، وَصَلَّى بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ مَرَّةً فَقَرَأَ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ حَتَّى أَتَى عَلَى قَوْلِهِ {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الملك: 27] جَعَلَ يُرَدِّدُهَا إِلَى الْفَجْرِ، وَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ جَارِيَةٌ مِنْ جِيرَانِهِ لِأُمِّهَا: يَا أُمَّاهُ مَا فَعَلَ الْمِشْجَبُ الَّذِي كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ السَّطْحِ؟ تَظُنُّ أَنَّ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ رحمه الله كَانَ الْمِشْجَبَ. وَكَانَ مُعْتَمِرٌ رحمه الله يُصَلِّي الْغَدَاةَ بِوُضُوءِ الْعَتَمَةِ، وَكَانَ لِأَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ رحمه الله سَوْطٌ يُعَلِّقُهُ فِي مَسْجِدِهِ فَإِذَا كَانَ السَّحَرُ وَنَعَسَ أَوْ مَلَّ أَخَذَ السَّوْطَ وَضَرَبَ بِهِ سَاقَيْهِ ثُمَّ قَالَ: لَأَنْتِ أَوْلَى بِالضَّرِبِ مِنْ شِرَارِ الدَّوَابِّ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ رحمه الله: إِنَّ الْعَيْنَ إِذَا عَوَّدْتَهَا النَّوْمَ اعْتَادَتْ، وَإِذَا عَوَّدْتَهَا السَّهَرَ اعْتَادَتْ.
⦗ص: 68⦘
وَكَانَ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ رحمه الله يُصَلِّي الْعَتَمَةَ ثُمَّ يُحَوِّلُ نَعْلَيْهِ عَنْ مَقَامِهِ فَيَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ فَيَجِيءُ الْقَوْمُ غُدْوَةً فَإِذَا هُوَ مَكَانَهُ. وَكَانَ مَنْصُورُ بْنُ زَاذَانَ رحمه الله خَفِيفَ الْقِرَاءَةِ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي صَلَاةِ الضُّحَى، وَيَخْتِمُ الْقُرْآنَ بَيْنَ الْأُولَى وَالْعَصْرِ، وَيَخْتِمُ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ. وَكَانَ يُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ. وَقَالَتْ أُمُّ وَلَدِهِ: كَانَ يَقُومُ هَذَا اللَّيْلَ فَلَا يَضَعُ جَنْبَهُ وَمَا كَانَ يَأْتِينِي إِلَّا كَمَا يَأْتِي الْعُصْفُورُ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى مُصَلَّاهُ فَلَا يَنَامُ هَذَا اللَّيْلَ. وَقَالَ شُمَيْطٌ:«اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَحَبَّ سَاعَاتِنَا إِلَيْكَ سَاعَاتِ ذِكْرِكَ وَعِبَادَتِكَ، وَاجْعَلْ أَبْغَضَ سَاعَاتِنَا إِلَيْكَ سَاعَاتِ أَكْلِنَا وَشُرْبِنَا وَنَوْمِنَا» وَقَالَ عَبْثَرٌ أَبُو زُبَيْدٍ رحمه الله: اخْتَفَى عِنْدِي مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ الْحَارِثِيُّ مِنْ يَعْقُوبَ بْنِ دَاوُدَ فِي هَذِهِ الْعَلِيَّةِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَمَا رَأَيْتُهُ نَائِمًا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا. قَالَ: وَكَانَ يَجِيئُنِي نِصْفَ النَّهَارِ فِي الْقَائِلَةِ فَأَقُولُ لَهُ: أَمَا تَقِيلُ؟ فَيَقُولُ: أَكْرَهُ أَنْ أُعْطِيَ عَيْنِي سُؤْلَهَا فِي النَّوْمِ. وَتَرَكَ مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ رحمه الله النَّوْمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَتَيْنِ إِلَّا الْقَيْلُولَةَ ثُمَّ تَرَكَ الْقَيْلُولَةَ أَيْضًا، وَكَانَ يُصَلِّي مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى آخِرِهِ. وَكَانَ دَاؤُدُ الطَّائِيُّ رحمه الله صَاحِبَ فِكْرَةٍ. وَقَالَ رَجُلٌ لِدَاؤُدَ: عِظْنِي. قَالَ: " لَا يَرَاكَ اللَّهُ حَيْثُ نَهَاكَ وَلَا يَفْقِدُكَ عِنْدَ مَا أَمَرَكَ بِهِ. وَقَالَ: فِرَّ مِنَ النَّاسِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ مُفَارِقًا لِلْجَمَاعَةِ. وَقَالَ: ارْضَ بِالْيَسِيرِ مَعَ سَلَامَةِ الدِّينِ كَمَا رَضِيَ قَوْمٌ بِالْكَثِيرِ مَعَ خَرَابِ دِينِهِمْ. وَقَالَ: اجْعَلِ الدَّهْرَ يَوْمًا وَاحِدًا صُمْتَهُ عَنْ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا وَآخِرَ فِطْرِكَ مِنْهُ الْمَوْتَ. وَكَانَ هُوَ هَكَذَا. كَانَ يَدْخُلُ الرُّطَبُ فَلَا يَعْلَمُ بِهِ وَالْعِنَبُ فَلَا يَعْلَمُ بِهِ صَائِمًا أَبَدًا. كِسَرٌ يَابِسَةٌ يَبُلُّهَا فَيَأْكُلُهَا. وَأَشْرَفَ عَلَيْهِ جَارٌ لَهُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَإِذَا فِي يَدِهِ رَغِيفَانِ يَابِسَانِ، وَهُوَ يَقُولُ لِنَفْسِهِ: تَأْكُلِينَ تَأْكُلِينَ فَكَأَنَّهَا أَبَتْ فَأَلْقَاهُمَا، وَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ، فَأَشْرَفَ عَلَيْهِ مِنَ الْقَابِلَةِ وَفِي يَدِهِ الرَّغِيفَانِ فَجَعَلَ يَقُولُ: تَأْكُلِينَ. ثُمَّ أَكَلَ ". وَقِيلَ لِأُمِّ الدَّرْدَاءِ: أَلَا تَعْجَبِينَ مِنَ الرَّجُلِ الْكَبِيرِ السَّقِيمِ لَا يَكَادُ يُرَى إِلَّا وَهُوَ يُصَلِّي، وَالرَّجُلُ الشَّابُّ الْقَوِيُّ لَا يَكَادُ أَنْ يُتِمَّ الْفَرِيضَةَ؟ فَقَالَتْ:«كُلٌّ يَعْمَلُ فِي ثَوَابٍ قَدْ أُعِدَّ لَهُ» وَقَالَ وُهَيْبٌ رحمه الله: بَلَغَنِي عَنْ مُوسَى عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: يَا رَبِّ، أَخْبِرْنِي عَنْ آيَةِ رِضَاكَ عَنْ عَبْدِكَ، فَأَوْحَى إِلَيْهِ إِذَا رَأَيْتَنِي أُهَيِّئُ لَهُ طَاعَتِي وَأَصْرِفُهُ عَنْ مَعْصِيَتِي فَذَاكَ آيَةُ رِضَائِي عَنْهُ ".
⦗ص: 69⦘
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ رحمه الله: " مَا ضُرِبَ عَبْدٌ بِعُقُوبَةٍ أَعْظَمَ مِنْ قَسْوَةِ قَلْبٍ، وَقَالَ: إِنَّ لِلَّهِ عُقُوبَاتٍ فَتَعَاهَدُوهُنَّ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فِي الْقُلُوبِ وَالْأَبْدَانِ وَضَنْكٍ فِي الْمَعِيشَةِ وَوَهَنٍ فِي الْعِبَادَةِ وَسَخْطَةٍ فِي الرِّزْقِ. وَقَالَ: إِنَّ الْبَدَنَ إِذَا سَقَمَ لَمْ يَنْجَعْ فِيهِ طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ وَلَا نَوْمٌ وَلَا رَاحَةٌ. وَكَذَلِكَ الْقَلْبُ إِذَا عَلِقَهُ حُبُّ الدُّنْيَا لَمْ يَنْجَعْ فِيهِ الْمَوَاعِظُ ". وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ حَبِيبٍ رحمه الله: لَمَّا بَرَزَ الْعَدُوُّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ غَالِبٍ رحمه الله: " عَلَى مَا آسَى مِنَ الدُّنْيَا، فَوَاللَّهِ مَا فِيهَا لِلَبِيبِ جِذْلٌ. وَوَاللَّهِ لَوْلَا مَحَبَّتِي لِمُبَاشَرَةِ السَّهَرِ بِصَفْحَةِ وَجْهِي وَافْتِرَاشِ الْجَبْهَةِ لَكَ يَا سَيِّدِي وَالْمُرَاوَحَةِ بَيْنَ الْأَعْضَاءِ وَالْكَرَادِيسِ فِي ظُلَمِ اللَّيَالِي رَجَاءَ ثَوَابِكَ وَحُلُولِ رِضْوَانِكَ، لَقَدْ كُنْتُ مُتَمَنِّيًا لِفِرَاقِ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا، ثُمَّ كَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ وَتَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. فَلَمَّا دُفِنَ أَصَابُوا مِنْ قَبْرِهِ رَائِحَةَ الْمِسْكِ فَرَآهُ رَجُلٌ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، فَقَالَ: يَا أَبَا فِرَاسٍ مَاذَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: خَيْرَ الصَّنِيعِ. قَالَ: إِلَى مَا صِرْتَ؟ قَالَ: إِلَى الْجَنَّةِ. قَالَ: بِمَ. قَالَ: بِحُسْنِ الْيَقِينِ وَطُولِ التَّهَجُّدِ وَظَمَأِ الْهَوَاجِرِ. قَالَ: فِيمَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ الَّتِي تُوجَدُ مِنْ قَبْرِكَ؟ قَالَ: تِلْكَ رَائِحَةُ التِّلَاوَةِ وَالظَّمَأِ. قَالَ: أَوْصِنِي. قَالَ: بِكُلِّ خَيْرٍ أُوصِيكَ، قَالَ: أَوْصِنِي، قَالَ: اكْسَبْ لِنَفْسِكَ خَيْرًا، لَا تَخْرُجُ عَنْكَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ عَطَلًا، فَإِنِّي رَأَيْتُ الْأَبْرَارَ نَالُوا الْبِرَّ بِالْبِرِّ ".
⦗ص: 70⦘
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ غَالِبٍ رحمه الله يُصَلِّي فِي الْيَوْمِ مِائَةَ رَكْعَةٍ يَقْرَأُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ سَبْعًا وَفِي آخِرِهِ سَبْعًا. وَقَالَ سَعِيدٌ الزُّبَيْدِيُّ: «لَا يُعْجِبُنِي مِنَ الْقُرَّاءِ كُلُّ مِضْحَاكٍ أَلْقَاهُ بِالْبِشْرِ وَيَلْقَانِي بِالْعُبُوسِ يَمُنُّ عَلَيَّ بِعِبَادَتِهِ لَا أَكْثَرَ اللَّهُ فِي الْقُرَّاءِ مِثْلَ هَذَا» . وَقَالَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ: إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا يَدْفَعُونَ النَّوْمَ مَخَافَةَ أَنْ يَمُوتُوا فِي مَنَامِهِمْ. وَكَانَ طَاوُسٌ يَفْرِشُ فِرَاشَهُ، ثُمَّ يَضْطَجِعُ يَتَقَلَّى كَمَا تَتَقَلَّى الْحَبَّةُ فِي الْمِقْلَاةِ. ثُمَّ يَثِبُ فَيُدْرِجُهُ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ حَتَّىالصَّبَاحِ، وَيَقُولُ:«طَيَّرَ ذِكْرُ جَهَنَّمَ نَوْمَ الْعَابِدِينَ» وَقِيلَ لِعَفِيرَةَ الْعَابِدَةِ: إِنَّكِ لَا تَنَامِينَ بِاللَّيْلِ، فَبَكَتْ ثُمَّ قَالَتْ: رُبَّمَا اشْتَهَيْتُ أَنْ أَنَامَ فَلَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ يَنَامُ أَوْ يَقْدِرُ عَلَى النَّوْمِ مَنْ لَا يَنَامُ حَافِظَاهُ عَنْهُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا " وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رحمه الله: إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا خَمَّصُوا لَهُ الْبُطُونَ عَنْ مَطَاعِمِ الْحَرَامِ وَغَضُّوا لَهُ الْجُفُونَ عَنْ مَنَاظِرِ الْآثَامِ، وَأَهْمَلُوا لَهُ الْعُيُونَ لَمَّا اخْتَلَطَ عَلَيْهِمُ الظَّلَامُ رَجَاءَ أَنْ يُنِيرَ لَهُمْ ظُلْمَةَ قُبُورِهِمْ، إِذَا تَضَمَّنَتْهُمُ الْأَرْضُ بَيْنَ أَطْبَاقِهَا فَهُمْ فِي الدُّنْيَا مُكْتَتِبُونَ وَإِلَى الْآخِرَةِ مُتَطَلِّعُونَ، نَفَذَتْ أَبْصَارُ قُلُوبِهِمْ بِالْغَيْبِ إِلَى الْمَلَكُوتِ، فَرَأَتْ فِيهِ مَا رَجَتْ مِنْ عَظِيمِ ثَوَابِ اللَّهِ. فَازْدَادُوا بِذَلِكَ لِلَّهِ جِدًّا وَاجْتِهَادًا عِنْدَ مُعَايَنَةِ أَبْصَارِ قُلُوبِهِمْ مَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ آمَالُهُمْ. فَهُمُ الَّذِينَ لَا رَاحَةَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَهُمُ الَّذِينَ تَقَرُّ أَعْيُنُهُمْ غَدًا بِطَلْعَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ بِالدُّمُوعِ "