الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاجتهاد والتقليد
1-
الاجتهاد
الاجتهاد في اللغة: بذل المجهود واستفراغ الوسع في فعل من الأفعال ولا يستعمل إلا فيما فيه مشقة يقال اجتهد في حمل الصخرة ولا يقال اجتهد في حمل العصا أو النواة مثلا، والجهد بالفتح المشقة والطاقة وبالضم الطاقة فقط ومنه قوله تعالى:{والذين لا يجدون إلا جهدهم} .
وفي الاصطلاح: بذل الوسع في النظر في الأدلة للحصول على القطع أو الظن بحكم شرعي.
حكمه والأصل فيه
حكم الاجتهاد فرض كفاية، والأصل فيه قوله تعالى:{وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكماً وعلماً} .
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران" الحديث. وقوله النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: "الحمد لله الذي وفق رسول الله لما يرضى رسول الله" حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنه يجتهد حيث لا كتاب ولا سنة.
باب الاجتهاد مفتوح دائماً
لا يجوز خلو الزمان من مجتهد قائم لله بحجته يبين للناس ما نزل إليهم خلافاً لمن قال بإغلاق باب الاجتهاد، ويدل للقول الحق قوله فيها:"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة " فإنه فيها أخبر في هذا الحديث باستمرار وجود القائمين بالحق إلى انتهاء الدنيا.
شروط المجتهد
1-
أن يكون عالماً بوجود الرب وما يجب له سبحانه من صفات الكمال وما يمتنع عليه من صفات النقص والعيب وأن يكون مصدقاً بالرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به المشرع ليكون فيما يسنده من الأقوال والأحكام محققاً.
2-
أن يكون عالماً بنصوص الكتاب والسنة التي لها تعلق بما يجتهد فيه من الأحكام وإن لم يكن حافظاً لها.
3-
أن يكون عالماً بمسائل الإِجماع والخلاف لئلا يعمل ويفتى بخلاف ما وقع الإِجماع عليه.
4-
أن يكون عالماً بالناسخ لئلا يعمل ويفتى بالمنسوخ.
5-
أن يكون عارفاً بما يصلح للاحتجاج به من الأحاديث وما لا يصلح.
6-
أن يكون عالماً بالقدر اللازم لفهم الكلام من اللغة والنحو.
7-
أن يكون على علم بأصول الفقه لأن هذا الفن هو الدعامة التي يعتمد عليها الاجتهاد.
أقسام المجتهدين ومنزلة كل قسم
والمجتهدون على أقسام:
1-
المجتهد المطلق: وهو الذي توفرت فيه شروط الاجتهاد المتقدمة فيتمسك بالدليل حيث كان، فهذا القسم من المجتهدين هم الذين يسوغ لهم
الإفتاء ويسوغ استفتاؤهم ويتأدى بهم فرض الاجتهاد وهم الذين قال فيهم علي رضي الله عنه: لن تخلو الأرض من قائم لله بحجته.
2-
مجتهد المذهب: وهو العالم المتبحر بمذهب من ائتم به المتمكن من تخريج ما لم ينص عليه إمامه على منصوصه، فإذا نزلت به مثلا نازلة ولم يعرف لإِمامه فيها نصا أمكنه الاجتهاد فيها على مقتضى المذهب وتخريجها على أصوله.
3-
مجتهد الفتوى والترجيح: وهو أقل درجة من سابقه لأنه قصر اجتهاده على ما صح عن إمامه ولم يتمكن من تخريج غير المنصوص، وإذا كان لإِمامه في مسألة قولان فأكثر اجتهد في ترجيح أحدها، ففتاوى القسم الأول- كما قال ابن القيم رحمه الله من جنس توقيعات الملوك وفتاوى القسم الثاني من جنس توقيعات نوابهم وفتاوى القسم الثالث من جنس توقيعات نواب نوابهم.
المصيب واحد من المجتهدين
الحق في قول واحد من المجتهدين المختلفين ومن عداه مخطئ لكن المخطئ في الفروع التي ليس فيها دليل قطعي معذور غير آثم بل له أجر على اجتهاده، وهذا هو القول الحق خلافاً لمن قال إن كل مجتهد مصيب.
وفصل النزاع في هذه المسألة ما ثبت في الحديث المتفق على صحته من أن الحاكم إذا اجتهد فأصاب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجر، فإن الحديث صريح في أن الحق واحد وأن بعض المجتهدين يوافقه فيقال له مصيب مأجور أجرين على اجتهاده وإصابته، وبعض المجتهدين يخالفه فيقال له مخطئ مأجور مرة واحدة على اجتهاده، واستحقاقه الأجر لا يستلزم كونه مصيباً فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل المجتهدين قسمين قسما مصيباً وقسماً مخطئاً، ولو كان كل منهم مصيباَ- كما ذهب إليه من ذهب- لم يكن لهذا التقسيم معنى.
تجزؤ الاجتهاد
الاجتهاد يقبلِ التجزؤ والانقسام على الصحيح فيكون الرجل مجتهداً في نوع من العلم مقلداَ في غيره كمن استفرغ وسعه في علم الفرائض وأدلتها واستنباطها من الكتاب والسنة دون غيره من العلوم فيجوز له أن يفتى في النوع الذي اجتهد فيه لأنه قد عرف الحق بدليله وقد بذل جهده في معرفة الصواب، فحكمه في ذلك حكم المجتهد المطلق في سائر الأنواع، ولا يجوز له الإِفتاء فيما لم يجتهد فيه فإن القاصر في فن كالعامي فيه.
اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم
الاجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم جائز وواقع ومن أمثلة وقوعه: إذنه صلى الله عليه وسلم للمتخلفين عن غزوة تبوك قبل أن يتبين صادقهم من كاذبهم، وأسره لأسارى بدر وأخذ الفداء منهم، وأمره بترك تأبير النخل، وقوله صلى الله عليه وسلم:"لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدى"، وإرادته صلى الله عليه وسلم النزول دون ماء بدر حتى قال له الحباب بن المنذر رضي الله عنه: إن كان هذا بوحي فنعم. وإن كان الرأي والمكيدة فأنزل بالناس على الماء لتحول بينه وبين العدو. فقال صلى الله عليه وسلم: "ليس بوحي إنما هو رأى رأيته "، فرجع إلى قول الحباب رضي الله عنه.
الاجتهاد في زمن النبوة
منع قوم الاجتهاد في عصر النبوة مطلقاً وأجازه قوم مطلقاً والراجح التفريق بين من كان غائباً عنه فيه فيجوز له ومن كان حاضرا فلا يجوز له إلا بإذنه ومن أدلة ذلك: قصة معاذ رضي الله عنه وتصويب النبي صلى الله عليه وسلم له، وتفويضه فيها الحكم في بني قريظة إلى سعد بن معاذ رضي الله عنه لما نزلوا على حكمه فحكم بقتل المقاتلة وسبى الذراري، فصوبه النبيء صلى الله عليه وسلم، وتقريره صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص رضي الله عنه لما صلى بأصحابه متيمما ولم يغتسل من الجنابة لشدة البرد استناداً إلى عموم قوله تعالى:{ولا تقتلوا أنفسكم} ومن ذلك أكل الصحابة رضي الله عنهم وهم
محرمون من حمار الوحش الذي صاده أبو قتادة رضي الله عنهم فإن أكلهم منه باجتهاد منهم، ومنه تحول أهل قباء في صلاتهم إلى الكعبة إلى غير ذلك من الأدلة.
2-
التقليد
تعريفه: التقليد في اللغة: وضع الشيء في العنق مع الإحاطة به، وذلك الشيء يسمى قلادة والجمع قلائد وقد يستعمل في تفويض الأمر إلى الشخص كأن الأمر محمولة في عنقه كالقلادة.
وفي الاصطلاح: هو قبول قول من ليس قوله حجة من غير معرفة دليله.
فخرج بالقيد الأول: قبول قول النبي صلى الله عليه وسلم والأخذ بالإجماع فإن ذلك حجة بنفسه.
وخرج بالقيد الثاني: قبول قول من ليس حجة إذا بين الدليِل وأظهره فإن الأخذ بالدليل الذي أخبر به لا بقوله ويسمى ذلك اتباعاً لا تقليداَ.
من يسوغ له التقليد ومن لا يسوغ له
لا يجوز التقليد لمجتهد أداه اجتهاده إلى الظن بحكم، أو لم يجتهد بالفعل لكنه متمكن من الاجتهاد ويجوز للعامي ولمن لم يبلغ درجة الاجتهاد في علم أو في باب من العلم لأن القاصر في فن كالعامي فيه.
المفتى والمستفتى
المفتى: اسم فاعل من الإفتاء قال في القاموس: أفتاه في الأمر أبانه له والفتيا والفتوى وتفتح ما أفتى به الفقيه انتهى والمفتى يطلق على المخبر بالحق على غير جهة الإلزام به، ويطلق عند الأصوليين على المجتهد وهو:
الباذل وسعه في النظر في الأدلة ليحصل على العلم أو الظن بحكم شرعي.
والمستفتى: اسم فاعل من الاستفتاء وهو لغة: طالب الفتوى وفي الاصطلاح هو: من طلب الحكم الشرعي من المجتهد، فيدخل فيه العامي والمتعلم الذي لم يبلغ درجة الاجتهاد.
من ورد الإِفتاء مسندا إليه في الكتاب والسنة
ورد الإِفتاء في الكتاب العزيز مسنداً إلى الرب كما في قوله تعالى: {قل الله يفتيكم} وإلى القرآن كما في قوله {وما يتلى عليكم في الكتاب} أي يفتيكم.
وورد في السنة المطهرة مسنداً إلى الناس كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "والإِثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك ".
من يستفتى المقلد
المستفتى يستفتى من غلب على ظنه أنه أهل للفتوى، بما يراه من انتصابه للفتيا واحترام الناس له وأخذهم عنه، أو بخبر عدل عنه.
إذا تعدد المفتون فأيهم يستفتى المقلد
إذا كان في البلد مجتهدون فللمقلد استفتاء من شاء منهم، ولا يلزمه مراجعة الأعلم، وقيل بل يلزمه سؤال الأفضل، واستدل للأول بأن المفضول من الصحابة والتابعين كان يفتى مع وجود الفاضل مع اشتهار ذلك وتكرره ولم ينكره أحد فكان إجماعاً على جواز استفتائه مع القدرة على استفتاء الفاضل، واستدل للثاني بأن الأفضل أهدى إلى أسرار الشريعة من غيره.
آداب المفتي والمستفتي
لكل من المفتي والمستفتي آداب فمن آداب المفتي:
1-
أن يكون ذا نية حسنة فإنما الأعمال بالنيات، ومن فقد النية الحسنة لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور.
2-
أن يكون ذا حلم ووقار وسكينة فإن ذلك هو كسوة العلم وجماله، فإذا افتقدها المفتى كان علمه كالبدن العاري من اللباس.
3-
أن يستعف عما في أيدي الناس، فإنه إن أكل منهم شيئاً أكلوا من لحمه ودمه أضعافه.
4-
أن يكون على جانب كبير من معرفة الناس فإنه إذا عدم ذلك تصور له الظالم بصورة المظلوم وعكسه وراج عليه المكر والخداع والاحتيال فكان ما يفسده أكثر مما يصلحه.
5-
أن يتوجه إلى الله تعالى ويتضرع إليه ويكثر من الدعاء والاستغفار ليلهمه الصواب ويفتح له طريق السداد.
6-
أن يتحرز ما أمكنه التحرز من نسبة الحكم إلى الله تعالى وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بنص يستند عليه في ذلك.
7-
أن يستشير في فتواه من يثق بعلمه ودينه فإن عمر رضي الله عنه كان إذا نزلت به النازلة استشار من حضره من الصحابة، وربما جمعهم فشاورهم.
8-
أن يعمل بعلمه فإن العمل هو ثمرة العلم وبدون العمل يكون علم الإنسان حجة عليه.
ومن آداب المستفتي:
1-
أن يتخلق بالأخلاق الفاضلة مطلقا وبالأخص مع المفتي فلا يفعل معه ما جرت عادة العوام به كإيماء بيده في وجهه ولا يقول له مالا ينبغي كأن يقول أفتاني غيرك بكذا ولا يسأله في حالة ضجر أو هم أو غضب ونحو ذلك.
2-
أن لا يسأله عما لا يعنى ولا يكثر من الأسئلة إلى حد يسأم فيه المفتى ويمل.
هذا آخر ما يسر الله ذكره في هذه المذكرة
…
والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.