المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز - مذكرة أصول الفقه - الجامعة الإسلامية

[-]

الفصل: ‌تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز

ليس من شرط البيان أن يعلمه جميع المكلفين الموجودين في وقته بل يجوز أن يكون بعضهم جاهلا به فإنه يقال بين له غير أنه لم يتبين مثال ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن عمل قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم} ، لا يتناول الأنبياء بقوله:"إنا معاشر الأنبياء لا نورث " فلا يقدح في هذا البيان أن فاطمة رضي الله عنها لم تعلم به وجاءت إلى أبي بكر تطلب ميراثها منه صلى الله عليه وسلم.

‌تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز

في تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز ثلاثة آراء

أعلم أولاً أن للناس في تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز ثلاثة آراء:

1-

منع هذا التقسيم أصلا وأنه لا مجاز لا في القرآن ولا في اللغة العربية، ومن الذاهبين إلى ذلك أبو إسحق الإِسفرائيني وقد نصر هذا القول شيخ الإِسلام ابن تيمية في كتاب الإِيمان فقال: إن تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة لم يتكلم به أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ولا أحد من الأئمة المشهورين في العلم كمالك والثوري والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي بل ولا تكلم به أئمة اللغة والنحو مثل: الخليل وسيبويه وأبي عمرو بن العلاء ونحوهم إلى- أن قال- وهذا الشافعي هو أول من جرد الكلام في أصول الفقه لم يقسم هذا التقسيم ولا تكلم بلفظ الحقيقة والمجاز.

2-

منع وجود المجاز في القرآن دون اللغة ونسبه في كتاب الإيمان إلى أبي الحسن الجزري وابن حامد من الحنابلة ومحمد بن خويزمنداد من المالكية وإلى داود بن علي الظاهري وابنه أبي بكر.

3-

وقوع المجاز في اللغة وفي القرآن وهو قول القاضي أبي يعلى وابن عقيل وأبي الخطاب وغيرهم من الحنابلة ورجحه ابن قدامة في روضة الناظر ونسبه الزركشي في كتابه البرهان في علوم القرآن إلى الجمهور وإليك كلاما موجزا يتعلق بتقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز عند من يرى ذلك التقسيم:

ص: 11

الحقيقة

الحقيقة لغة: مأخوذة من الحق بمعنى الثابت على أنه بمعنى فاعل أو المثبت على أنه بمعنى مفعول.

واصطلاحاً: اللفظ المستعمل فيما وضع له ابتداء في اصطلاح التخاطب، كلفظ أسد، في الحيوان المفترس. وشمس في الكوكب المضيء، وكلمة.. في اصطلاح التخاطب.. تبين لنا أصل تقسيمهم الحقيقة إلى ثلاثة أقسام:

1-

لغوية

... 2- عرفية

...

3- شرعية

الحقيقة اللغوية: هي اللفظ المستعمل فيما وضع له أولا في اللغة كأسد في الحيوان المفترس.

الحقيقة العرفية: وتكون عامة وخاصة.

أ- فالعرفية العامة: ما تعارف عليه عامة أهل اللغة بغلبة استعمال اللفظ في بعض مدلوله أو بتغليب المجاز على الحقيقة.

فالأول: أن يكون اللفظ قد وضع في أصل اللغة لمعنى عام ثم خصصه العرف ببعض مسمياته كلفظ "دابة" فإن أصله لكل ما دب على وجه الأرض غير أن العرف خصصه بذوات الأربع.

والثاني: أن يكون اللفظ في أصل اللغة لمعنى ثم يشتهر في عرف الاستعمال في المعنى المجازي بحيث لا يفهم من اللفظ عند إطلاقه غيره كلفظ " الغائط " فإنه في أصل الوضع للمكان المطمئن من الأرض ثم نقل عنه إلى الفضلة الخارجة من الإِنسان. وكلفظ " الراوية" فإنه في الأصل للبعير الذي يستقى عليه ثم نقل عنه إِلى المزادة.

ب- والعرفية الخاصة: ما تعارف عليه بعض الطوائف من الألفاظ التي وضعها لمعنى عندهم كتعارف أهل النحو على استعمال الرفع والنصب وأدوات الجر في معان اصطلحوا عليها: وكتعارف أهل البلاغة على المسند والمسند إليه ونحو ذلك.

الحقيقة الشرعية: هي اللفظ المستعمل فيما وضع له أولا في الشرع كالصلاة للعبادة المخصوصة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم، وكّالإيمان، للاعتقاد والقول والعمل.

المجاز

المجاز: وهو لغة مكان الجواز أو الجواز على أنه مصدر ميمي.

وفي الاصطلاح قسمان: لغوي وعقلي.

أ- فالمجاز اللغوي هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له أولا لعلاقة مع قرينة.

ص: 12

مثاله: لفظة "الأسد" في الرجل الشجاع فإنها استعملت في غير ما وضعت له أولًا إذا وضع الأول لها إنما هو في الحيوان المفترس واستعمالها في الرجل الشجاع بالوضع الثاني بسبب التجوز بها عن محلها الأول.

العلاقة والغرض منها: واشتراط العلاقة يخرج استعمال اللفظ في غير ما وضع له بطريق السهو أو الغلط كقولك: خذ هذا القلم وتشير إلى كتاب مثلًا، أو بطريق القصد ولكنِ لا مناسبة بين المعنيين كقولك: خذ هذا الكتاب أو اشتريت كتاباً تريد تفاحاَ أو ثوباً إذ لا مناسبة بين الكتاب والتفاح ولا بين الكتاب والثوب.

والغرض من العلاقة: انتقال الذهن من المعنى الأول إلى المعنىِ الثاني عن طريقها فهي كالجسر للذهن يعبر عليها كما في قولك: رأيت أسدًا يرمى، فإن جسر الانتقال من الحيوان المفترس إلى الرجل الشجاع إنما هي الشجاعة التي تربط بين المعنيين في قولك: حيوان مفترس ورجل شجاع.

أقسام العلاقة: والعلاقة إما المشابهة كمشابهة الرجل الشجاع للأسد في الشجاعة في المثال المتقدم لأنها معنى مشترك بينهما.

وإما غير المشابهة كقولهم "بث الأمير عيوناً له في المدينة" أي جواسيس. وكل مجاز علاقته المشابهة يسمى "استعارة " لأنك شبهت ثم استعرتِ لفظ المشبه به وأطلقته على المشبه وكل مجاز علاقته غير المشابهة يسمى "مجازاَ مرسلا" لأنه أرسل عن قيد المشابهة.

والعلاقات بغير المشابهة متعددة لأنها تعم كل مناسبة أو ملابسة بين المعنيين تصحح نقل اللفظ من معناه الأول إلى الثاني كالكلية والجزئية فالأولى كأن تطلق الكل وتريد الجزء كما تقول: قبضت الشرطة على اللص إذ القبض لم يحصل من جميع الشرطة وإنما حصل من بعضهم والثانية كإطلاق العين وإرادة كل الِإنسان في المثال المتقدم للجاسوس.

وكالسببية أو المسببية فالمسببية أن تطلق السبب وتريد المسبب كأن تقوله: "رعينا الغيث" والمسببية أن تطلق المسبب وتريد السبب كأن تقول: "أمطرت السماء ربيعًا".

ص: 13