المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب ما يوجب الوضوء] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ١

[الملا على القاري]

الفصل: ‌[باب ما يوجب الوضوء]

299 -

وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ بِالسُّجُودِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، فَأَنْظُرُ إِلَى مَا بَيْنَ يَدِي فَأَعْرِفُ أُمَّتِي مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ، وَمِنْ خَلْفِي مِثْلُ ذَلِكَ، وَعَنْ يَمِينِي مِثْلُ ذَلِكَ، وَعَنْ شِمَالِي مِثْلُ ذَلِكَ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَعْرِفُ أُمَّتَكَ مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ إِلَى أُمَّتِكَ؟ قَالَ: هُمْ غُرٌّ مُحَجَّلُونَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، لَيْسَ أَحَدٌ كَذَلِكَ غَيْرَهُمْ، وَأَعْرِفُهُمْ أَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، وَأَعْرِفُهُمْ تَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ذُرِّيَّتُهُمْ» ) . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

ــ

299 -

(وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ) : بِالْهَمْزِ وَيُبَدَّلُ (بِالسُّجُودِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ رُوحَهُ أَوْ نُورَهُ (وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ) إِشَارَةً إِلَى مَقَامِ الشَّفَاعَةِ كَمَا وَرَدَ فِي قَوْلِهِ: (فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا) إِلَى قَوْلِهِ: (فَيَقُولُ لِيَ ارْفَعْ مُحَمَّدُ)(فَأَنْظُرُ) : الْفَاءُ فَصِيحَةٌ، أَوْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَنْظُرُ (إِلَى مَا بَيْنَ يَدَيَّ) : أَيْ قُدَّامِي (فَأَعْرِفُ) : أَيْ: أُمَيِّزُ لِيَسْتَقِيمَ تَعَلُّقُ مَنْ بِهِ (أُمَّتِي) : أَيِ: الَّذِينَ أَجَابُوا (مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ وَمِنْ خَلْفِي) : أَيْ: وَأَنْظُرُ مِنْ وَرَائِي (مِثْلَ ذَلِكَ) : بِالنِّصْفِ أَيْ: فَأَعْرِفُ أُمَّتِي وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ جُمْلَةٌ مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَجْمُوعِ الْجُمْلَتَيْنِ قَبْلَهَا خِلَافَ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ تَقْدِيرِنَا (وَعَنْ يَمِينِي مِثْلُ ذَلِكَ، وَعَنْ شِمَالِي مِثْلُ ذَلِكَ) يَعْنِي مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى كَثْرَتِهِمْ وَتَفَاوُتِ مَرَاتِبِهِمْ «فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ تَعْرِفُ أُمَّتَكَ مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ» ) : أَيْ: سَائِرِهِمْ (فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ) : بَيَانٌ لِلْأُمَمِ حَالٌ مِنْهُ أَيِ: الْأُمَمُ كَائِنَةٌ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ، وَلَوْ قِيلَ: هُوَ ظَرْفٌ لِـ " تَعْرِفُ " لَرَجَعَ الْمَعْنَى كَيْفَ تَعْرِفُ أُمَّتَكَ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ؟ وَلَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ مِنَ الْأُمَمِ مَعْنًى، وَإِنَّمَا خَصَّ نُوحًا مَعَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَآدَمَ وَشِيثٍ وَإِدْرِيسَ قَدْ بُعِثُوا قَبْلَهُ لِشُهْرَتِهِ أَوْ لِكَثْرَةِ أُمَّتِهِ وَإِلَى فِي قَوْلِهِ (إِلَى أُمَّتِكَ؟) : لِلِانْتِهَاءِ أَيْ: مُبْتَدِئًا مِنْ نُوحٍ مُنْتَهِيًا إِلَى أُمَّتِكَ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَكَانَ الْقِيَاسُ وَأُمَّتُكَ لِتَعَيُّنِ عَطْفِ مَا بَعْدَ بَيْنَ بِالْوَاوِ فَيُقَدَّرُ مَحْذُوفٌ بَعْدَ نُوحٍ، وَقِيلَ إِلَى لِدَلَالَةِ كُلٍّ مِنْ " بَيْنَ "" وَإِلَى " عَلَى ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ، وَالتَّقْدِيرُ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ وَغَيْرِهِ مُبْتَدِئًا ذَلِكَ مِنْ أُمَّتِهِ أَوْ زَمَنِهِ إِلَى أُمَّتِكَ أَوْ زَمَنِهِمْ (قَالَ: هُمْ غُرٌّ مُحَجَّلُونَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، لَيْسَ أَحَدٌ كَذَلِكَ) وَفِي: نُسْخَةٍ كَذَاكَ (غَيْرُهُمْ) : بِالرَّفْعِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ وَبِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْغُرَّةَ وَالتَّحْجِيلَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ أُمَّتِهِ عليه الصلاة والسلام (وَأَعْرِفُهُمْ أَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ) : وَلَعَلَّ هَذَا فِي وَقْتٍ خَاصٍّ لَهُمْ قَبْلَ إِيتَاءِ الْكُتُبِ لِلْأُمَمِ السَّالِفَةِ، أَوْ لِكُتُبِهِمْ نُورٌ زَائِدٌ عَلَى كُتُبِ غَيْرِهِمْ ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ حَجَرٍ قَالَ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِمْ إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ ذَلِكَ قَبْلَ غَيْرِهِمْ، أَوْ عَلَى صِفَةٍ لَمْ تَكُنْ لِغَيْرِهِمْ، إِذِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ وَبَقِيَّةُ الْأَحَادِيثِ الْعُمُومُ، وَأَنَّ الْفَاسِقَ يُؤْتَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ أَيْضًا، وَهُوَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ أَيْضًا، وَمَا اقْتَضَتْهُ الْآيَةُ مِنْ أَنَّ مَنْ يُؤْتَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ لَا يَصْلَى النَّارَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصْلَاهَا صُلُوَّ الْكَافِرِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى} [الليل: 15] الْآيَةَ. وَنَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ قَوْمٍ أَنَّ الْفَاسِقَ الَّذِي أُرِيدَ تَعْذِيبُهُ يُعْطَاهُ بِيَمِينِهِ أَوَّلًا قَبْلَ دُخُولِهِ النَّارَ، ثُمَّ خَالَفَهُ وَقَالَ: إِنَّمَا يُعْطَاهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا، وَرُدَّ بِأَنَّ الظَّاهِرَ الْأَوَّلَ، وَقَدْ أَخْرَجَ النَّقَّاشُ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا مَا يَقْتَضِيهِ اهـ. لَكِنَّ قَوْلَهُ: دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ أَيْضًا غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةَ مَسْكُوتَةٌ عَنْ حَالِ الْفَاسِقِ فِي إِعْطَاءِ الْكُتُبِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَفِي ثِقَلِ الْمِيزَانِ وَخِفَّتِهِ أَيْضًا، وَلَعَلَّهُ لَيَكُونُ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (وَأَعْرِفُهُمْ تَسْعَى) : بِالتَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ذُرِّيَّتُهُمْ) يَحْتَمِلُ الِاخْتِصَاصَ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ. قَالَ الطِّيبِيُّ: لَمْ يَأْتِ بِالْوَصْفَيْنِ هَذَيْنِ تَفْصِلَةً وَتَمْيِيزًا كَالْأَوَّلِ، بَلْ أَتَى بِهِمَا مَدْحًا لِأُمَّتِهِ وَابْتِهَاجًا بِمَا أُوتُوا مِنَ الْكَرَامَةِ وَالْفَضِيلَةِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ) . قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَسَنَدُهُ حَسَنٌ.

ص: 357

[بَابُ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ]

ص: 357

[1]

بَابُ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

300 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

[1]

- بَابُ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ

أَيْ: أَسْبَابُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَالْمُوجِبُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

300 -

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تُقْبَلُ) : أَيْ: قَبُولَ إِجَابَةٍ وَإِثَابَةٍ بِخِلَافِ الْمُسْبِلِ وَالْآبِقِ، فَإِنَّ صَلَاتَهُمَا لَا تُقْبَلُ أَيْضًا لَكِنَّهَا لَا تُقْبَلُ بِتَرْكِ الْإِثَابَةِ، وَتُقْبَلُ إِجَابَةً فَلَا يُرَدُّ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْقَبُولِ عَدَمَ الْجَوَازِ وَالصِّحَّةِ مَعَ أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطُ الصِّحَّةِ ( «صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ) » : أَيْ: صَارَ ذَا حَدَثٍ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ فِي أَثْنَائِهَا، وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الْمُضَافَةِ صُورَتُهَا أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَتْ (حَتَّى يَتَوَضَّأَ) : أَيْ: حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، أَوْ يَتَوَضَّأُ بِمَعْنَى يَتَطَهَّرُ فَيَشْمَلُ الْغُسْلَ وَالْوُضُوءَ وَالتَّيَمُّمَ. قَالَ الْمُظْهِرُ: الْمَعْنَى لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِلَا وُضُوءٍ إِلَّا إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ فَيَقُومُ التَّيَمُّمُ مَقَامَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ التُّرَابَ أَيْضًا يُصَلِّي الْفَرْضَ الْوَقْتِيَّ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ، ثُمَّ إِنْ مَاتَ قَبْلَ وِجْدَانِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ لَمْ يَأْثَمْ وَإِنْ وَجَدَهُمَا يَقْضِي اهـ.

وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَلَا يُصَلِّي لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ سَوَاءٌ ضَاقَ الْوَقْتُ أَوْعُدِمَ الصَّعِيدُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لِلضَّرُورَةِ وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:( «وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» ) مَدْفُوعٌ بِأَنَّ مَضْمُونَ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ صَلَاتُهُ وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ أَنْ يُصَلِّيَ بِلَا وُضُوءٍ فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ: ( «وَإِذَا نُهِيتُمْ عَنْ أَمْرٍ فَاجْتَنِبُوهُ» ) أَيْ: مُطْلَقًا. وَفِي شَرْحِ الشَّمَنِيِّ: وَالْمَحْبُوسُ الَّذِي لَا يَجِدُ طَهُورًا لَا يُصَلِّي عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ ثُمَّ يُعِيدُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ تَشْبِيهًا بِالْمُصَلِّينَ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ كَمَا فِي الصَّوْمِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْأَدَاءِ لِمَكَانِ الْحَدَثِ، فَلَا يَلْزَمُهُ التَّشَبُّهُ كَالْحَائِضِ، وَبِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ الصَّلَاةَ بِغَيْرِ الطَّهَارَةِ مُتَعَمِّدًا لَيْسَ بِكُفْرٍ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كُفْرًا لَمَا أَمَرَ أَبُو يُوسُفَ بِهِ، وَقِيلَ: كُفْرٌ كَالصَّلَاةِ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ مَعَ الثَّوْبِ النَّجِسِ عَمْدًا لِأَنَّهُ كَالْمُسْتَخِفِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ مَعَ الثَّوْبِ النَّجِسِ لَا يُكَفَّرُ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ أَدَاؤُهُ بِحَالٍ، وَلَوْ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مُتَعَمِّدًا يُكَفَّرُ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْرُمُ لِكُلِّ حَالٍ فَيَكُونُ مُسْتَخِفًّا اهـ.

وَالظَّاهِرُ إِنَّهُ إِذَا قُصِدَ بِهِ حُرْمَةُ الْوَقْتِ لَا يُكَفَّرُ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ اجْتِهَادِيَّةٌ وَلِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُسْتَخِفٌّ، بِخِلَافِ مَا إِذَا صَلَّى مِنْ غَيْرِ طَهَارَةٍ عَمْدًا لَا لِهَذَا الْقَصْدِ فَإِنَّهُ يُكَفَّرُ لِأَنَّهُ مُسْتَخِفٌّ بِالشَّرْعِ حِينَئِذٍ، وَلَوْ صَلَّى بِلَا طَهَارَةٍ حَيَاءً أَوْ رِيَاءً أَوْ كَسَلًا فَهَلْ يَكُونُ مُسْتَخِفًّا أَمْ لَا؟ مَحَلُّ بَحْثٍ، وَالْأَظْهَرُ فِي الْمُسْتَحْيِي أَنْ لَا يَكُونَ مُسْتَخِفًّا بِخِلَافِ الْآخَرِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ فَقَالَ: وَإِعَادَةُ الضَّمِيرِ يَتَوَضَّأُ لِلْمُحْدِثِ بِمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ التَّقْدِيرَ فَإِذَا تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ أَيْ: صَلَاةُ الْمُحْدِثِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ، وَهُنَا تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، ثُمَّ حَتَّى هُنَا إِمَّا غَائِيَّةٌ أَوْ تَعْلِيلِيَّةٌ أَوِ اسْتِثْنَائِيَّةٌ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 358

301 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ» ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

301 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ» ) : وَهُوَ بِالضَّمِّ الطُّهْرُ، وَبِالْفَتْحِ الْمَاءُ الَّذِي يُتَطَهَّرُ بِهِ نُسْخَتَانِ، وَتَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُمَا. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ: لَا تَصِحُّ إِذَا نُفِيَ الْقَبُولُ أَمَّا بِمَعْنَى نَفْيِ الصِّحَّةِ كَمَا هُنَا، وَأَمَّا بِمَعْنَى نَفْيِ الثَّوَابِ كَمَا فِي خَبَرِ:«مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَيْ مُنَجِّمًا لَمْ تُقْبَلْ صَلَاتُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا» (وَلَا صَدَقَةٌ) : أَيِ: الَّتِي هِيَ طَهَارَةُ النَّفْسِ مِنْ رَذِيلَةِ الْبُخْلِ وَقِلَّةِ الرَّحْمَةِ (مِنْ غُلُولٍ) : بِالضَّمِّ عَلَى مَا فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ أَيْ: مَالٌ حَرَامٌ، وَأَصْلُ الْغُلُولِ الْخِيَانَةُ فِي الْغَنِيمَةِ. قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: مَنْ تَصَدَّقَ بِمَالٍ حَرَامٍ وَيَرْجُو الثَّوَابَ كَفَرَ، وَوَهِمَ ابْنُ حَجَرٍ أَوْ ظَنَّ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ فَقَالَ: أَيْ كَثِيرُ الْغَلِّ أَيِ الْخِيَانَةُ فِي الْغَنِيمَةِ، وَفِيهِ أَنَّ الْمُبَالَغَةَ غَيْرُ مُرَادَةٍ، وَلِذَا قَالَ: وَالْمُرَادُ هُنَا مَنْ تَصَدَّقَ بِمَا خَانَ بِأَنْ تَصَدَّقَ مِنْ مَالٍ حَرَامٍ فَلَا يُثَابُ عَلَى التَّصَدُّقِ بِهِ، بَلْ يُعَاقَبُ إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَثَوَابُهُ لِمَالِكِهِ اهـ. وَمَحَلُّ هَذَا إِذَا كَانَ يَعْرِفُ مَالِكَهُ أَوْ وَارِثَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ.

ص: 358

302 -

«وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً، فَكُنْتُ أَسْتَحْيِي أَنْ أَسْأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِمَكَانِ ابْنَتِهِ فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

302 -

(وَعَنْ عَلِيٍّ) : رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً) : بِالتَّشْدِيدِ وَالْمَدِّ: أَيْ كَثِيرَ الْمَذْيِ بِالْمُعْجَمَةِ مِنْ أَمْذَى وَهُوَ أَرَقُّ مِنَ الْمَنِيِّ يَخْرُجُ عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ أَوِ النَّظَرِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ مَاءٌ رَقِيقٌ أَصْفَرُ يَخْرُجُ عِنْدَ الشَّهْوَةِ الضَّعِيفَةِ وَفِي حُكْمِهِ الْوَدْيُ بِالْمُهْمَلَةِ. وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ ثَخِينٌ يَخْرُجُ عَقِبَ الْبَوْلِ أَوْ عِنْدَ حَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ (فَكُنْتُ أَسْتَحْيِي أَنْ أَسَالَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم) . أَيْ: عَنْ حُكْمِ الْمَذْيِ هَلْ هُوَ نَجِسٌ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ أَمْ لَا؟ لِمَكَانِ ابْنَتِهِ) : أَيْ: فَاطِمَةُ رضي الله عنها لِكَوْنِهَا تَحْتَهُ وَالْمَذْيُ كَثِيرًا مَا يَخْرُجُ بِسَبَبِ مُلَاعَبَةِ الزَّوْجَةِ، وَكَانَ فِي السُّؤَالِ عَنْ كَثْرَتِهِ تَعْرِيضٌ بِشَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِ ابْنَتِهِ الَّتِي يَسْتَحْيِي مِنْ إِظْهَارِهَا، لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَكَادُ يُفْصِحُ بِهِ أُولُو الْأَحْلَامِ خُصُوصًا بِحَضْرَةِ الْأَكَابِرِ الْعِظَامِ وَعَلَّلَ الْحَيَاءَ بِذَلِكَ لِئَلَّا يَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنَ السُّؤَالِ وَالتَّعَلُّمِ مَذْمُومٌ (فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ) : أَيِ؟ الْتَمَسْتُ مِنْهُ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ (فَسَأَلَهُ) : أَيْ: مُبْهِمًا بِأَنْ قَالَ مَثَلًا: رَجُلٌ خَرَجَ مِنْ ذَكَرِهِ مَذْيٌ مَا الْحُكْمُ فِيهِ؟ (فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: (يَغْسِلُ ذَكَرَهُ) : لِنَجَاسَتِهِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ مَا مَسَّهُ مِنْهُ لَا غَيْرَ قِيَاسًا عَلَى نَحْوِ الْبَوْلِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: يَتَعَيَّنُ غَسْلُهُ، وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْحَجَرِ لِنُدُورِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَأَحَدُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ اهـ.

وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: إِنَّمَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِيَتَقَلَّصَ الْعُرُوقُ وَيَنْقَطِعَ الْمَذْيُ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرِ الْإِنْسَانُ بِغَسْلِ الذَّكَرِ مِنَ الْبَوْلِ فَبِالْحَرِيِّ أَنْ لَا يُؤْمَرَ بِغَسْلِهِ مِنَ الْمَذْيِ اهـ. وَقَالَ أَحْمَدُ: يَجِبُ غَسْلُ جَمِيعِ الذَّكَرِ، وَقِيلَ: يَجِبُ غَسْلُ الْأُنْثَيَيْنِ أَيْضًا لِرِوَايَةٍ، كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ (وَيَتَوَضَّأُ) قِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَتَنَزَّهُونَ عَنْهُ تَنَزُّهَهُمْ عَنِ الْبَوْلِ ظَنًّا أَنَّهُ أَخَفُّ مِنْهُ اهـ. وَهَذَا لَا يُجْدِي فِي صَرْفِ مَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ الْخَبَرِ مِنْ وُجُوبِ غَسْلِ جَمِيعِ الذَّكَرِ وَإِنْ لَمْ يَمَسَّهُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 359

303 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( «تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ» )(رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَّلُ مُحْيِي السُّنَّةِ رحمه الله هَذَا مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

ــ

303 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ» ) : أَيْ مِنْ كُلِّ مَا مَسَّتْهُ، وَهُوَ الَّذِي أَثَّرَتْ فِيهِ النَّارُ كَاللَّحْمِ وَالدِّبْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

(قَالَ الشَّيْخُ الْأَجَلُّ مُحْيِي السُّنَّةِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى) : وَفِي نُسْخَةٍ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ (هَذَا مَنْسُوخٌ) : أَيْ: قَوْلُ مَنْ حَمَلَ الْوُضُوءَ عَلَى الشَّرْعِيِّ الْوَاجِبِ وَهُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ (بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ) .

ص: 359

304 -

قَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

304 -

(قَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ الْوُضُوءُ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى اللُّغَوِيِّ أَوِ الشَّرْعِيِّ وَالْأَمْرُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. قَالَ الْقَاضِي: الْوُضُوءُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ غَسْلُ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ وَتَنْظِيفُهُ مِنَ الْوَضَاءَةِ بِمَعْنَى النَّظَافَةِ، وَالشَّرْعُ نَقَلَهَا إِلَى الْفِعْلِ الْمَخْصُوصِ، وَقَدْ جَاءَ هُنَا عَلَى أَصْلِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ وَمِنْ نَظَائِرِهِ غَسْلُ الْيَدَيْنِ لِإِزَالَةِ الزُّهُومَةِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَنَحْوِهِمَا. وَمَنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، وَزَعَمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِنَّمَا يَتَقَرَّرُ ذَلِكَ لَوْ عُلِمَ تَارِيخُهُمَا وَتَقَدُّمُ الْأَوَّلِ، لَا يُقَالُ صُحْبَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ مُتَأَخِّرَةٌ لِأَنَّ تَأَخُّرَ الصُّحْبَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِ الرِّوَايَةِ إِلَّا

ص: 359

إِذَا كَانَتْ صُحْبَةُ الْمُتَأَخِّرِ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُتَقَدِّمِ أَوْ غَيْبَتِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوِ اجْتَمَعَا. قِيلَ: وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي كِتَابِهِ بِالنَّسْخِ حَيْثُ قَالَ: وَمِمَّا يُعْرَفُ بِهِ النَّسَخُ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكَ الْوُضُوءَ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: حَمْلُ كَلَامِ الشَّارِعِ عَلَى غَسْلِ الْيَدَيْنِ بَعِيدٌ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الْمَدْلُولَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام إِنَّمَا بُعِثَ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ، وَالْوَجْهُ إِنَّ النَّسْخَ إِنَّمَا اسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِ جَابِرٍ:«كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرْكَ الْوُضُوءَ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ» .

ص: 360

305 -

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنهما، «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ (إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَتَوَضَّأْ) قَالَ: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: (نَعَمْ! فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ) قَالَ: أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: (نَعَمْ) . قَالَ: أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ؟ قَالَ (لَا» ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

305 -

(وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ) : كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْعَامِرِيُّ ابْنِ أُخْتِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، نَزَلَ الْكُوفَةَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ (أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَتَوَضَّأُ) : بِالنُّونِ، وَفِي نُسْخَةٍ: بِالْيَاءِ مَجْهُولًا وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ أَتَوَضَّأُ بِالْمُتَكَلِّمِ الْمُفْرَدِ مَعَ الِاسْتِفْهَامِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْكَازَرُونِيُّ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ: أَيُتَوَضَّأُ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَتَوَضَّأُ، وَالْكُلُّ غَيْرُ مُتَّبِعٍ رِوَايَةً مُطَابِقَةً وَإِنَّمَا الرِّوَايَةُ أَأَتَوَضَّأُ بِهَمْزَتَيْنِ لَكِنْ حُذِفَ إِحْدَاهُمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ ( «مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟» ) أَيْ: مِنْ أَكْلِهَا ( «قَالَ: إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَتَوَضَّأْ» ) . وَفِي نُسْخَةٍ: بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ ( «قَالَ: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ» ) وَفِيهِ تَأْكِيدُ الْوُضُوءِ مِنْ أَكْلِ لَحْمِ الْإِبِلِ وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ أَقْوَى دَلِيلًا وَعِنْدَ غَيْرِهِ الْمُرَادُ مِنْهُ غَسْلُ الْيَدَيْنِ وَالْفَمِ لِمَا فِي لَحْمِ الْإِبِلِ مِنْ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ وَدُسُومَةِ غَلِيظَةِ بِخِلَافِ لَحْمِ الْغَنَمِ أَوْ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ جَابِرٍ (قَالَ) : أَيِ الرَّجُلُ (أُصَلِّي) : بِحَذْفِ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ وَفِي نُسْخَةٍ بِإِثْبَاتِهِ ( «فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟» ) : جَمْعُ مَرْبِضٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَهُوَ مَوْضِعُ رُبُوضِ الْغَنَمِ وَهُوَ لِلْغَنَمِ بِمَنْزِلَةِ الِاضْطِجَاعِ لِلْإِنْسَانِ وَالْبُرُوكِ لِلْإِبِلِ وَالْجُثُومِ لِلطَّيْرِ (قَالَ (نَعَمْ) . فَلَا كَرَاهَةَ لِلصَّلَاةِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا نِفَارَ لَهَا بِحَيْثُ يُشَوَّشُ عَلَى الْمُصَلِّي الْخُشُوعُ وَالْحُضُورُ ( «قَالَ: أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ؟» ) : جَمْعُ مَبْرَكٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ (قَالَ (لَا) كَرِهَ الصَّلَاةَ فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ لِمَا لَا يُؤْمَنُ مِنْ نِفَارِهَا فَيَلْحَقُ الْمُصَلِّيَ ضَرَرٌ مِنْ صَدْمَةٍ وَغَيْرِهَا فَلَا يَكُونُ لَهُ حُضُورٌ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالْبَقَرُ كَالْغَنَمِ وَفِيهِ بَحْثٌ وَمَحَلُّ الْفَرْقِ حَيْثُ خَلَتِ الْمَرَابِضُ وَالْمَبَارِكُ عَنِ النَّجَاسَةِ وَإِلَّا فَكُرِهَتْ فِي الْمَرَابِضِ أَيْضًا لَكِنْ لِلنَّجَاسَةِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَلَفْظُهُ ( «وَتَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ وَلَا تَتَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ، وَتَوَضَّئُوا مِنْ أَلْبَانِ الْإِبِلِ وَلَا تَتَوَضَّئُوا مِنْ أَلْبَانِ الْغَنَمِ وَصَلُّوا فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ» ) .

ص: 360

306 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( «إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا، فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا. فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

306 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا» ) : أَيْ كَالْقَرْقَرَةِ بِأَنْ تَرَدَّدَ فِي بَطْنِهِ رِيحٌ (فَأُشْكِلَ) : أَيِ الْتَبَسَ (عَلَيْهِ أَخَرَجَ) : بِهَمْزَةِ اسْتِفْهَامٍ (مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا، فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ) : أَيْ لِلتَّوَضُّؤِ لِأَنَّ الْمُتَيَقَّنَ لَا يُبْطِلُهُ الشَّكُّ. قِيلَ: يُوهِمُ أَنَّ حُكْمَ غَيْرِ الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ، لَكِنْ أُشِيرَ بِهِ إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ مَكَانُهَا، فَعَلَى الْمُؤْمِنِ مُلَازَمَةُ الْجَمَاعَاتِ لِلْمَسْجِدِ (حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا) : أَيْ: صَوْتَ رِيحٍ يَخْرُجُ مِنْهُ ( «أَوْ يَجِدَ رِيحًا» ) : أَيْ: يَجِدَ رَائِحَةَ رِيحٍ خَرَجَتْ مِنْهُ، وَهَذَا مَجَازٌ عَنْ تَيَقُّنِ الْحَدَثِ

ص: 360

لِأَنَّهُمَا سَبَبُ الْعِلْمِ بِذَلِكَ، كَذَا قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ يُحِسُّ بِخُرُوجِهِ وَإِنْ لَمْ يَشُمَّهُ، وَقَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: مَعْنَاهُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ الْحَدَثَ لَا أَنَّ سَمَاعَ الصَّوْتِ أَوْ وِجْدَانَ الرِّيحِ شَرْطٌ، إِذْ قَدْ يَكُونُ أَصَمَّ فَلَا يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَقَدْ يَكُونُ أَخْشَمَ فَلَا يَجِدُ الرِّيحَ وَيَنْتَقِضُ طُهْرُهُ إِذَا تَيَقَّنَ الْحَدَثَ. قَالَ الْإِمَامُ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرِّيحَ الْخَارِجَةَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ تُوجِبُ الْوُضُوءَ، وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: خُرُوجُ الرِّيحِ مِنَ الْقُبُلِ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الشَّرْعِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ اهـ. وَتَوْجِيهُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ إِنَّهُ نَادِرٌ فَلَا يَشْمَلُهُ النَّصُّ كَذَا قِيلَ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْهَمَّامِ مِنْ أَنَّ الرِّيحَ الْخَارِجَ مِنَ الذَّكَرِ اخْتِلَاجٌ لَا رِيحٌ فَلَا يَنْقُضُ كَالرِّيحِ الْخَارِجَةِ مِنْ جِرَاحَةٍ فِي الْبَطْنِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 361

307 -

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ:«إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ، وَقَالَ (إِنَّ لَهُ دَسَمًا» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

307 -

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ» )، زَادَ مُسْلِمٌ: ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ أَيْ: غَسَلَ فَمَهُ. ذَكَرَ الْأَبْهَرِيُّ قَالَ الشَّيْخُ: وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ غَسْلُ الْيَدَيْنِ لِلتَّنْظِيفِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اسْتِحْبَابِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ وَالْأَظْهَرُ اسْتِحْبَابُهُ لَا إِلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ نَظَافَةَ الْيَدَيْنِ مِنَ النَّجَاسَةِ وَالْوَسَخِ وَاسْتِحْبَابُهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ إِلَّا أَنْ لَا يَبْقَى عَلَى الْيَدِ أَثَرُ الطَّعَامِ بِأَنْ كَانَ يَابِسًا أَوْ لَمْ يَمَسَّهُ بِهَا (وَقَالَ) صلى الله عليه وسلم ( «إِنَّ لَهُ دَسَمًا» ) : بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ زُهُومَةً. قَالَ الطِّيبِيُّ: جُمْلَةٌ اسْتِئْنَافِيَّةٌ تَعْلِيلٌ لِلتَّمَضْمُضِ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ التَّمَضْمُضَ مُنَاسِبٌ، وَقِيلَ: الْمَضْمَضَةُ بِالْمَاءِ مُسْتَحَبَّةٌ عَنْ كُلِّ مَا لَهُ دُسُومَةٌ إِذْ يَبْقَى فِي الْفَمِ بَقِيَّةٌ تَصِلُ إِلَى بَاطِنِهِ فِي الصَّلَاةِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُمَضْمَضَ مِنْ كُلِّ مَا خِيفَ مِنْهُ الْوُصُولُ إِلَى الْبَاطِنِ طَرْدًا لِلْعِلَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ السَّوِيقِ اهـ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: هَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَفِي الظُّهَيْرِيَةِ لَوْ أَكَلَ السُّكَّرَ أَوِ الْحَلْوَاءَ، ثُمَّ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ وَالْحَلَاوَةُ فِي فَمِهِ فَدَخَلَ مَعَ الرِّيقِ لَا يُفْسِدُ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَمُنَاسَبَةُ هَذَا الْحَدِيثِ لِعُنْوَانِ الْبَابِ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ مُتَمِّمَاتِ الْوُضُوءِ أَوْ مُكَمِّلَاتِهِ.

ص: 361

308 -

وَعَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الْفَتْحِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ صَنَعْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ! فَقَالَ: (عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

308 -

(وَعَنْ بُرَيْدَةَ) : أَيِ ابْنِ أَبِي الْحُصَيْبِ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِخُرَاسَانَ كَذَا فِي التَّهْذِيبِ وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ أَسْلَمِيٌّ أَسْلَمَ قَبْلَ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْهَا وَبَايَعَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَكَانَ مِنْ سَاكِنِي الْمَدِينَةِ ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى الْبَصْرَةِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا إِلَى خُرَاسَانَ غَازِيًا فَمَاتَ بِمَرْوَ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الصَّلَوَاتِ) : أَيِ الْخَمْسَ الْمَعْهُودَةَ (يَوْمَ الْفَتْحِ) : أَيْ: يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ (بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَمَسَحَ) : حَالٌ بِتَقْدِيرِ قَدْ (عَلَى خُفَّيْهِ) : فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَيْسَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِهِ مُسْتَدِلًّا بِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَنَسٍ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ. قُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالَ: يُجْزِئُ أَحَدَنَا مَا لَمْ يُحْدِثْ» . (فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَقَدْ صَنَعْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ؟ فَقَالَ: (عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ) : الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْمَذْكُورِ، وَهُوَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَعَمْدًا تَمْيِيزٌ

ص: 361

أَوْ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ فَقُدِّمَ اهْتِمَامًا لِشَرْعِيَّةِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الدِّينِ أَوِ اخْتِصَاصًا رَدًّا لِزَعْمِ مَنْ لَا يَرَى جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ قَدَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَوَاتٍ كَثِيرَةً بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ لَا تُكْرَهُ صَلَاتُهُ إِلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ الْأَخْبَثَانِ، كَذَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ، لَكِنْ رَجَعَ الضَّمِيرُ إِلَى مَجْمُوعِ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ يُوهِمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَالْحَالُ إِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ إِلَى الْجَمْعِ فَقَطْ تَجْرِيدًا عَنِ الْحَالِ فَإِنَّهُ بَيَانٌ لِلْقَضِيَّةِ الْوَاقِعَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ يُفِيدُ اسْتِمْرَارَ حُكْمِ الْمَسْحِ إِلَى آخِرِ الْإِسْلَامِ فَيَنْتَفِي تَوَهُّمُ نَسْخِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

وَلَعَلَّ الْمُنَاسَبَةَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْبَابِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا أُرِيدَ الْقِيَامُ إِلَى الصَّلَاةِ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ عَلَى مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ، وَلِذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم:( «عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ» ) وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: تَقْدِيرُ الْآيَةِ إِذَا أَرَدْتُمُ الْقِيَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ فَاغْسِلُوا إِلَخْ. وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّ وُجُوبَ الْوُضُوءِ كَانَ لِكُلِّ فَرْضٍ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ، ثُمَّ نُسِخَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَبَعِيدٌ مِنَ السِّيَاقِ وَاللِّحَاقِ، مَعَ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَيَرُدُّهُ أَيْضًا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ.

ص: 362

309 -

وَعَنْ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ رضي الله عنه «أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ - وَهِيَ مِنْ أَدْنَى خَيْبَرَ - صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَعَا بِالْأَزْوَادِ، فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ، فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِيَ، فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَكَلْنَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ، فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

ــ

309 -

(وَعَنْ سُوَيْدِ) مُصَغَّرًا (ابْنِ النُّعْمَانِ) : بِضَمِّ النُّونِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُصَنِّفُ فِي أَسْمَاءِ رِجَالِهِ إِلَّا سُوَيْدَ بْنَ قَيْسٍ وَقَالَ: يُكَنَّى أَبَا صَفْوَانَ رَوَى عَنْهُ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ وَعِدَادُهُ فِي الْكُوفِيِّينَ (إِنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ خَيْبَرَ) أَيْ: عَامَ غَزْوَةِ خَيْبَرَ وَهِيَ بَلْدَةٌ مَعْرُوفَةٌ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ (حَتَّى إِذَا كَانُوا) : أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ نَازِلِينَ (بِالصَّهْبَاءِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمَدِّ (وَهِيَ) : أَيِ: الصَّهْبَاءُ (أَدْنَى خَيْبَرَ) : أَيْ: أَسْفَلُهَا أَوْ أَقْرَبُهَا، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: مِنْ أَدْنَى خَيْبَرَ أَيِ الصَّهْبَاءِ، مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنْ خَيْبَرَ ( «صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَعَا بِالْأَزْوَادِ» ) : جَمْعُ الزَّادِ ( «فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ» ) : وَهُوَ مَا يُحْرَشُ مِنَ الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَغَيْرِهِمَا لِلزَّادِ (فَأَمَرَ بِهِ) : أَيْ: بِالسَّوِيقِ (فَثُرِيَ) : أَيْ: بُلَّ لِيَسْهُلَ أَكْلُهُ قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ بُلَّ مِنَ الثَّرَى وَهُوَ التُّرَابُ النَّدِيُّ الَّذِي تَحْتَ التُّرَابِ الظَّاهِرِ يُقَالُ: ثَرَى التُّرَابَ إِذَا رَشَّ عَلَيْهِ بِالْمَاءِ ( «فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَكَلْنَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا» ) فَتُسْتَحَبُّ الْمَضْمَضَةُ ( «ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» ) : وَإِنْ كَانَ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمُسْلِمٌ وَمَرَّ مَا فِيهِ اهـ وَقَالَ فِيمَا مَرَّ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ طَرَفٌ مِنْهُ. فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَا قَدَّمْنَاهُ فَلَيْسَ فِيهِ طَرَفٌ مِنْهُ، وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ:" وَمُسْلِمٌ " الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، حَيْثُ ذَكَرَ الْمَضْمَضَةَ فِيهِ، فَلَيْسَ هَذَا مِنَ اصْطِلَاحِ الْمُحَدِّثِينَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَيُحْتَاجُ إِلَى بَيَانٍ لِيَكُونَ حُجَّةً عَلَى الْمُؤَلِّفِ فِي تَقْصِيرِ تَتَبُّعِهُ.

ص: 362

الْفَصْلُ الثَّانِي

310 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّانِي

310 -

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا وُضُوءَ) : أَيْ: وَاجِبٌ (إِلَّا مِنْ صَوْتٍ) : أَيْ: إِلَّا مِنْ سَمَاعِ صَوْتٍ (أَوْ رِيحٍ) : أَيْ: وَجَدَ أَنَّ رَائِحَةَ رِيحٍ خَرَجَ مِنْهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: نَفَى جِنْسَ أَسْبَابِ التَّوَضُّؤِ وَاسْتَثْنَى مِنْهَا الصَّوْتَ وَالرِّيحَ. وَالنَّوَاقِضُ كَثِيرَةٌ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ فِي صُورَةٍ مَخْصُوصَةٍ يَعْنِي بِحَسَبِ السَّائِلِ فَالْمُرَادُ نَفْيُ جِنْسِ الشَّكِّ وَإِثْبَاتُ الْيَقِينِ أَيْ: لَا يَتَوَضَّأُ عَنْ شَكٍّ مَعَ سَبْقِ ظَنِّ الطَّهَارَةِ إِلَّا بِيَقِينِ الصَّوْتِ أَوْ رَائِحَةِ الرِّيحِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ) : وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا نَقَلَهُ مِيرَكُ.

ص: 363

311 -

وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: «سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمَذْيِ، فَقَالَ: (مِنَ الْمَذْيِ الْوُضُوءُ، وَمِنَ الْمَنِيِّ الْغُسْلُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

311 -

(وَعَنْ عَلِيٍّ) : رَضِيَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَنْهُ (قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم) : أَيْ بِوَاسِطَةِ الْمِقْدَادِ كَمَا تَقَدَّمَ (عَنِ الْمَذْيِ) : وَفِي نُسْخَةٍ: مِنَ الْمَذْيِ أَيْ حُكْمِهِ قَالَ مِيرَكُ: الْمَذْيُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الذَّالِ وَكَسْرِهِمَا مَعًا هُوَ الْمَاءُ الرَّقِيقُ الَّذِي يَخْرُجُ عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ وَالتَّقْبِيلِ اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ الْمَذْيُ وَالْمَذِيُّ كَغَنِيٍّ وَالْمَذِي سَاكِنَةَ الْيَاءِ مَا يَخْرُجُ مِنْكَ عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ وَالتَّقْبِيلِ اهـ. وَالْأَصَحُّ مِنَ النُّسَخِ هُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ غَيْرُ مَوْجُودٍ (فَقَالَ: ( «مِنَ الْمَذْيِ الْوُضُوءُ» ) : أَيْ: وَاجِبٌ ( «وَمِنَ الْمَنِيِّ الْغُسْلُ» ) وَهَذَا مِنْ زِيَادَةِ الْإِفَادَةِ وَنَوْعٌ مِنْ جَوَابِ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ عَلَى حَدِّ: «أَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ: (هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالْحِلُّ مِيتَتُهُ» ) وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا وَمَا مَرَّ أَنَّهُ أَمَرَ الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَ لَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي السُّؤَالِ عَنْ خُصُوصِ نَفْسِهِ وَكَثْرَةِ إِمْذَائِهِ، وَالْحَيَاءُ مِنْ هَذَا الْخُصُوصِ وَاضِحٌ فَاسْتَنَابَ فِيهِ، وَهَذَا عَنْ مُطْلَقِ حُكْمِ الْمَذْيِ، وَهَذَا لَا حَيَاءَ فِي السُّؤَالِ عَنْهُ فَبَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ وَاخْتِلَافُ سِيَاقِ الْحَدِيثَيْنِ يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ اهـ. وَبُعْدُهُ لَا يَخْفَى (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) . وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا.

ص: 363

312 -

وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّبْكِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ.

ــ

312 -

(وَعَنْهُ) : أَيْ عَنْ عَلِيٍّ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ) : أَيْ: مُجَوِّزُ الدُّخُولِ فِيهَا (الطُّهُورُ) : بِالضَّمِّ وَيُفْتَحُ أَيْ بِالْمَاءِ أَوِ التُّرَابِ، فَفَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ لَا يَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ فِي حَرَمِ الصَّلَاةِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ الْحَصْرُ بِتَعْرِيفِ جُزْأَيِ الْجُمْلَةِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا. وَاعْتَذَرَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ صِحَّتَهَا مَعَ فَقْدِهِمَا لِلضَّرُورَةِ (وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ) قَالَ الْمُظْهِرُ: سُمِّيَ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ تَحْرِيمًا لِأَنَّهُ يُحَرِّمُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَغَيْرَهُمَا عَلَى الْمُصَلِّي فَلَا يَجُوزُ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ إِلَّا بِالتَّكْبِيرِ مُقَارِنًا بِهِ النِّيَّةَ اهـ. وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَنَا وَرُكْنٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ " ثُمَّ الْمُرَادُ بِالتَّكْبِيرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] هُوَ التَّعْظِيمُ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ خُصُوصِ " اللَّهُ أَكْبَرُ " وَغَيْرِهِ مِمَّا أَفَادَهُ التَّعْظِيمُ، وَالثَّابِتُ بِبَعْضِ الْأَخْبَارِ اللَّفْظُ الْمَخْصُوصُ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ حَتَّى يُكْرَهَ لِمَنْ يُحَسِّنُهُ تَرْكُهُ كَمَا قُلْنَا فِي الْقِرَاءَةِ مَعَ الْفَاتِحَةِ وَفِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَعَ التَّعْدِيلِ كَذَا فِي الْكَافِي. قَالَ ابْنُ الْهَمَّامِ: وَهَذَا يُفِيدُ وُجُوبَهُ ظَاهِرًا وَهُوَ مُقْتَضَى الْمُوَاظَبَةِ الَّتِي لَمْ تَقْتَرِنْ بِتَرْكٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى هَذَا ( «وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» ) . التَّحْلِيلُ: جَعْلُ الشَّيْءِ الْمُحَرَّمِ حَلَالًا وَسُمِّيَ التَّسْلِيمُ بِهِ لِتَحْلِيلِ مَا كَانَ حَرَامًا عَلَى الْمُصَلِّي لِخُرُوجِهِ عَنْ

ص: 363

الصَّلَاةِ وَهُوَ وَاجِبٌ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَإِضَافَةُ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ إِلَى الصَّلَاةِ لِمُلَابَسَةٍ بَيْنَهُمَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ:) أَيْ سَبَبُ كَوْنِ الصَّلَاةِ مُحَرِّمَةً مَا لَيْسَ مِنْهَا التَّكْبِيرُ وَمُحَلِّلَةً التَّسْلِيمُ أَيْ: إِنَّهَا صَارَتْ بِهِمَا كَذَلِكَ فَهُمَا مَصْدَرُ إِنَّ مُضَافَانِ إِلَى الْفَاعِلِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ قِيلَ شُبِّهَ الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ بِالدُّخُولِ فِي حَرِيمِ الْمَلِكِ الْكَرِيمِ الْمَحْمِيِّ عَنِ الْأَغْيَارِ، وَجُعِلَ فَتْحُ بَابَ الْحَرَمِ بِالتَّطْهِيرِ عَلَى الْأَدْنَاسِ، وَجُعِلَ الِالْتِفَاتُ إِلَى الْغَيْرِ وَالِاشْتِغَالُ بِهِ تَحْلِيلًا تَنْبِيهًا عَلَى التَّكْمِيلِ بَعْدَ الْكَمَالِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ) وَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ (وَالدَّارِمِيُّ) أَيْ: رَوَى ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَلِيٍّ وَحْدَهُ.

ص: 364

313 -

وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ.

ــ

313 -

(وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ) : أَيْ: عَنْ عَلِيٍّ (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ) .

ص: 364

314 -

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( «إِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَلَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ» ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ.

ــ

314 -

(وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ) : وَفِي نُسْخَةٍ: طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَبِالْقَافِ ابْنُ الْمُنْذِرِ. قَالَ الْبَرْقِيُّ: وَبَعْضُ النَّاسِ يَرَى أَنَّهُ طَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ كَذَا فِي التَّلْقِيحِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: هُوَ عَلِيُّ بْنُ طَلْقٍ الْحَنَفِيُّ الْيَمَامِيُّ، رَوَاهُ عَنْهُ مُسْلِمُ بْنُ سَلَامٍ: هُوَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَحَدِيثُهُ فِيهِمْ. (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ) : أَيْ: خَرَجَ الرِّيحُ الَّتِي لَا صَوْتَ لَهُ مِنْ أَسْفَلِ الْإِنْسَانِ (فَلْيَتَوَضَّأْ، وَلَا تَأْتُوا النِّسَاءَ) : أَيْ: لَا تُجَامِعُوهُنَّ (فِي أَعْجَازِهِنَّ) : أَيْ: أَدْبَارِهِنَّ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: لَا أَعْرِفُ لِعَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا أَعْرِفُ هَذَا مِنْ حَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ السُّحَيْمِيِّ كَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ هَذَا رَجُلٌ آخَرُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَقَلَهُ مِيرَكُ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَخَبَرُ فَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ ضَعِيفٌ اتِّفَاقًا وَفِيهِ أَنَّهُ لَا دَخْلَ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِهَذَا الْمَرَامِ.

ص: 364

315 -

وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( «إِنَّمَا الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ، فَإِذَا نَامَتِ الْعَيْنُ اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ» ) رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ.

ــ

315 -

(وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ) : وَهُمَا صَحَابِيَّانِ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ مُعَاوِيَةَ وَتَرْجَمَتُهُ، وَأَمَّا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ الْأُمَوِيُّ الْقُرَشِيُّ، وُلِدَ قَبْلَ الْفِيلِ بِعَشْرِ سِنِينَ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ إِلَيْهِ رَايَةُ الرُّؤَسَاءِ فِي قُرَيْشٍ، أَسْلَمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَكَانَ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَشَهِدَ حُنَيْنًا وَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَنَائِمِهَا مَائَةً وَأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً فِيمَنْ أَعْطَاهُ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَفُقِئَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ الطَّائِفِ فَلَمْ يَزَلْ أَعْوَرَ إِلَى يَوْمِ الْيَرْمُوكِ فَأَصَابَ عَيْنَهُ حَجَرٌ فَعُمِيَتْ، رَوَى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّمَا الْعَيْنَانِ) : أَيِ: الْيَقَظَةُ فَهُمَا كِنَايَةٌ عَنْهَا (وِكَاءُ السَّهِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَتَخْفِيفِ الْهَاءِ. الْوِكَاءُ: مَا يُشَدُّ بِهِ الْكِيسُ وَغَيْرُهُ لِيُحْفَظَ بِهِ مَا فِيهِ عَنِ الْخُرُوجِ، وَالسَّهِ: أَيِ: الِاسْتُ أَوْ حَلْقَةُ الدُّبُرِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الدُّبُرُ، وَأَصْلُهُ سَتَةٌ فَحُذِفَتِ التَّاءُ وَلِذَا يُجْمَعُ عَلَى الِاسْتَاهِ وَيُصَغَّرُ عَلَى سُتَيْهَةٍ (فَإِذَا نَامَتِ الْعَيْنُ) : أَيْ: جِنْسُهَا (اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ) : أَيِ: انْحَلَّ قَالَ الطِّيبِيُّ: الْعَيْنَانِ كَالْوِكَاءِ لِلسَّهِ، شَبَّهَ عَيْنَ الْإِنْسَانِ وَجَوْفَهُ وَدُبُرَهُ بِقِرْبَةٍ لَهَا فَمٌ مَشْدُودٌ بِالْخَيْطِ، وَشَبَّهَ مَا يُطْلِقُهُ بِالْغَفْلَةِ عِنْدَ النَّوْمِ بِحَلِّ ذَلِكَ الْخَيْطِ مِنْ فَمِ الْقِرْبَةِ، وَفِيهِ تَصْوِيرٌ لِقُبْحِ صُدُورِ هَذِهِ الْغَفْلَةِ. قَالَ الْقَاضِي: الْمَعْنَى أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا تَيَقَّظَ أَمْسَكَ مَا فِي بَطْنِهِ فَإِذَا نَامَ زَالَ اخْتِيَارُهُ وَاسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ، فَلَعَلَّ يَخْرُجُ مِنْهُ مَا يَنْقُضُ طُهْرَهُ وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ نَقْضَ الطَّهَارَةِ بِالنَّوْمِ، وَسَائِرِ مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ لَيْسَ لِأَنْفُسِهَا بَلْ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ خُرُوجِ مَا يَنْتَقِضُ بِهِ الطُّهْرُ، وَلِذَا خُصَّ نَوْمُ مُمَكَّنِ الْمَقْعَدِ مِنَ الْأَرْضِ (رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ) .

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فِيهِ ضَعِيفٌ، وَقَالَ مِيرَكُ: لَيْسَ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ هَذَا فِي الْمَصَابِيحِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَعَلَّهُ أَوْرَدَهُ فِي بَابٍ آخَرَ.

ص: 364

316 -

وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( «وِكَاءُ السَّهِ الْعَيْنَانِ، فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحْيِي السُّنَّةِ رحمه الله: هَذَا فِي غَيْرِ الْقَاعِدِ لِمَا صَحَّ:

ــ

316 -

وَعَنْ عَلِيٍّ: رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( «وِكَاءُ السَّهِ الْعَيْنَانِ، فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) . وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَابْنُ مَاجَهْ. وَفِي سَنَدِهِ ضَعِيفٌ. وَقَالَ مِيرَكُ فِي إِسْنَادِهِ الْوَضِينُ بْنُ عَطَاءٍ وَبَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ وَفِيهِمَا مَقَالٌ. (قَالَ) : وَفِي نُسْخَةٍ: وَقَالَ (الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحْيِي السُّنَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى) : وَفِي نُسْخَةٍ: رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ (هَذَا) : أَيْ: هَذَا الْحُكْمُ (فِي غَيْرِ الْقَاعِدَةِ) : أَيْ: مِنَ النَّائِمِينَ يَعْنِي هَذَا فِيمَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا، فَأَمَّا مَنْ نَامَ قَاعِدًا مُمَكِّنًا مَقْعَدَهُ مِنَ الْأَرْضِ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَمَقْعَدُهُ مُمَكَّنٌ كَمَا كَانَ فَلَا يَبْطُلُ وُضُوءُهُ وَإِنْ طَالَ نَوْمُهُ (لِمَا صَحَّ) .

ص: 365

317 -

عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ، ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ: يَنَامُونَ بَدَلَ: «يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ» .

ــ

317 -

(عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتْنَظِرُونَ الْعِشَاءَ) : أَيْ: صَلَاتَهَا الْجَمَاعَةَ فَيَنَامُونَ أَيْ: جَالِسِينَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: حَتَّى تَخْفِقَ) : بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ: تَتَحَرَّكَ وَتَضْطَرِبَ (رُءُوسُهُمْ) : مِنَ النَّوْمِ قَالَ الطِّيبِيُّ: الْخَفْقَةُ النَّعْسَةُ الْخَفِيفَةُ، وَمَعْنَى تَخْفِقُ رُءُوسُهُمْ تَسْقُطُ أَذْقَانُهُمْ عَلَى صُدُورِهِمْ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الْخُفُوقِ وَهُوَ الِاضْطِرَابُ (ثُمَّ يُصَلُّونَ) : أَيْ: بِذَلِكَ الْوُضُوءِ (وَلَا يَتَوَضَّئُونَ) : أَيْ: وُضُوءًا جَدِيدًا. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، إِلَّا أَنَّهُ) : أَيِ: التِّرْمِذِيُّ ذَكَرَ فِيهِ) : أَيْ: فِي حَدِيثِهِ (يَنَامُونَ: أَيْ: قَاعِدِينَ (بَدَلَ يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ) : أَيْ: بَدَلُ مَجْمُوعِ قَوْلِهِ: يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، لَا بَدَلَ يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ فَقَطْ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ لِمَا فِي تَخْرِيجِ الْمَصَابِيحِ لِأَبِي إِسْحَاقَ السُّلَمِيِّ الشَّافِعِيِّ نَقْلًا عَنِ الْمُنْذِرِيِّ أَنَّهُ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ:«كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» ، فَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّ الْمُرَادَ يَنَامُونَ بَدَلَ مَجْمُوعِ قَوْلِهِ: يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ، وَأَمَّا رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ فَهِيَ مُوَافَقَةٌ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وَكَانَ الْمُصَنِّفُ ذُهِلَ عَنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا، كَذَا حَقَّقَهُ مِيرَكُ شَاهْ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

ص: 365

318 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «إِنَّ الْوُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا، فَإِنَّهُ إِذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ» ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ.

ــ

318 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (إِنَّ الْوُضُوءَ) : أَيْ: وُجُوبُهُ ( «عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا، فَإِنَّهُ إِذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ» ) : أَيْ: فَتَرَتْ وَضَعُفَتْ (مَفَاصِلُهُ: جَمْعُ مِفْصَلٍ وَهُوَ رُءُوسُ الْعِظَامِ وَالْعُرُوقِ فَلَا يَخْلُو حِينَئِذٍ عَنْ خُرُوجِ شَيْءٍ عَادَةً وَالثَّابِتُ عَادَةً كَالْمُتَيَقَّنِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ) وَقَالَ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَرَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ وَقْفَهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَقَالَ مِيرَكُ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَمْ يَرْوِهِ إِلَّا يَزِيدُ الدَّالَانِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَتَادَةَ لَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا، وَذَكَرَ ابْنُ حِبَّانَ أَنَّ يَزِيدَ الدَّالَانِيَّ كَانَ كَثِيرَ الْخَطَأِ فَاحِشَ الْوَهْمِ مُخَالِفَ الثِّقَاتِ.

ص: 365

319 -

وَعَنْ بُسْرَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( «إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ، فَلْيَتَوَضَّأْ» ) رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ.

ــ

319 -

(وَعَنْ بُسْرَةَ) : بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ بِنْتِ صَفْوَانَ صَحَابِيَّةٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: هِيَ بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ بْنِ نَوْفَلٍ الْقُرَشِيَّةُ الْأَسْدِيَةُ، وَهِيَ بِنْتُ أَخِي وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ (قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ» ) : قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَذَكَرُ غَيْرِهِ كَذَكَرِهِ لِرِوَايَةِ مَنْ مَسَّ ذَكَرًا (فَلْيَتَوَضَّأْ) : هَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الذَّكَرِ، وَلَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا كَانَ بِالْكَفِّ بِلَا حِجَابٍ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ بِبَاطِنِ الْكَفِّ كَمَا اقْتَضَتْهُ رِوَايَةُ: «إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ» ، وَالْإِفْضَاءُ الْمَسُّ بِبَاطِنِ الْكَفِّ وَهُوَ الرَّاحَةُ وَالْأَصَابِعُ اهـ. لَكِنَّ الْإِفْضَاءَ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ، بَلِ الْمَشْهُورُ مَعْنَاهُ مُطْلَقُ الْإِيصَالِ. قَالَ تَعَالَى {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21] ثُمَّ حَمَلَ الطَّحَاوِيُّ الْوُضُوءَ عَلَى غَسْلِ الْيَدِ اسْتِحْبَابًا (رَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ) . وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ بُسْرَةَ ذَكَرَهُ مِيرَكُ (وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ) .

ص: 366

320 -

وَعَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما، قَالَ:«سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ بَعْدَمَا يَتَوَضَّأُ. قَالَ: (وَهَلْ هُوَ إِلَّا بَضْعَةٌ مِنْهُ؟» ) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ نَحْوَهُ.

وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحْيِي السُّنَّةِ هَذَا مَنْسُوخٌ ; لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَسْلَمَ بَعْدَ قُدُومِ طَلْقٍ.

ــ

320 -

(وَعَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ) : يُكَنَّى أَبَا عَلِيٍّ الْحَنَفِيَّ الْيَمَانِيَّ، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا طَلْقُ بْنُ ثُمَامَةَ، رَوَى عَنْهُ ابْنُ قَيْسٍ (قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ بَعْدَمَا يَتَوَضَّأُ. قَالَ:(وَهَلْ هُوَ إِلَّا بَضْعَةٌ» ) : بِفَتْحِ الْبَاءِ، أَيْ: قِطْعَةُ لَحْمٍ (مِنْهُ) : أَيْ: مِنَ الرَّجُلِ وَفِي نُسْخَةٍ: مِنْكَ. أَيْ: فَهُوَ كَمَسِّ بَقِيَّةِ أَعْضَائِهِ فَلَا نَقْضَ بِهِ. نَقَلَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: مَا أُبَالِي أَنْفِي مَسِسْتُ أَوْ أُذُنِي أَوْ ذَكَرِي. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: مَا أُبَالِي ذَكَرِي مَسِسْتُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ أُذُنِي أَوْ أَنْفِي. وَعَنْ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ نَحْوُهُ، وَعَنْ سَعْدٍ لَمَّا سُئِلَ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْكَ نَجِسًا فَاقْطَعْهُ وَلَا بَأْسَ بِهِ. وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ مَسَّ الْفَرْجِ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَرَ عَلَيْهِ وُضُوءًا (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ) . أَيْ بِهَذَا اللَّفْظِ (وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ نَحْوَهُ) . أَيْ بِالْمَعْنَى. قَالَ ابْنُ الْهَمَّامِ: الْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْحَدِيثَيْنِ لَا يُنَزَّلُ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ لَكِنْ يَتَرَجَّحُ حَدِيثُ طَلْقٍ بِأَنَّ حَدِيثَ الرِّجَالِ أَقْوَى لِأَنَّهُمْ أَحْفَظُ لِلْعِلْمِ وَأَضْبَطُ، وَلِذَا جَعَلَ شَهَادَةَ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ اهـ. وَأَطَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي تَضْعِيفِ حَدِيثِ بُسْرَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَالَ الشَّيْخُ) : وَفِي نُسْخَةٍ بِالْوَاوِ (مُحْيِي السُّنَّةِ رحمه الله: هَذَا) : أَيْ: مَا رَوَاهُ طَلْقٌ (مَنْسُوخٌ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَسْلَمَ بَعْدَ قُدُومِ طَلْقٍ) : أَيْ: مِنَ الْيَمَنِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَذَلِكَ أَنَّ طَلْقًا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، وَذَلِكَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ، وَأَسْلَمَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَامَ خَيْبَرَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ.

ص: 366

321 -

وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( «إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى ذَكَرِهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا شَيْءٌ فَلْيَتَوَضَّأْ» ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ.

ــ

321 -

(وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ) : وَفِي نُسْخَةٍ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا أَفْضَى) : أَيْ: أَوْصَلَ (أَحْكُمُ بِيَدِهِ) : أَيْ: بِكَفِّهِ، وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ (إِلَى ذَكَرِهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) : أَيْ بَيْنَ ذَكَرِهِ وَبَيْنَ يَدِهِ (شَيْءٌ) : أَيْ: مَانِعٌ مِنَ الثِّيَابِ وَغَيْرِهِ، فَلْيَتَوَضَّأْ) قَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْحَقِّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ذَكَرَهُ مِيرَكُ (رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ) . أَيْ: بِهَذَا اللَّفْظِ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بِمَعْنَاهُ، وَابْنُ حِبَّانَ أَيْضًا كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

ص: 367

322 -

وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ بُسْرَةَ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ: لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا شَيْءٌ) .

ــ

322 -

(وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ بُسْرَةَ إِلَّا أَنَّهُ) : أَيِ النَّسَائِيُّ لَمْ يَذْكُرْ (لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا شَيْءٌ) : اعْتَرَضَ الشَّيْخُ التُّورِبِشْتِيُّ رحمه الله عَلَى الشَّيْخِ مُحْيِي السُّنَّةِ رحمه الله بِأَنَّ ادِّعَاءَ النَّسْخِ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِمَالِ، وَهُوَ خَارِجٌ عَنِ الِاحْتِيَاطِ إِلَّا إِذَا أَثْبَتَ هَذَا الْقَائِلُ أَنَّ طَلْقًا تُوَفِّي قَبْلَ إِسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ رَجَعَ إِلَى أَرْضِهِ وَلَمْ تَبْقَ لَهُ صُحْبَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمَا يَدْرِي هَذَا الْقَائِلُ أَنَّ طَلْقًا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ بَعْدَ إِسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةِ وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ كَانَ يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، وَكَانَ ابْنُ مَعِينٍ يَرَى خِلَافَ ذَلِكَ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنْ لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ لَهُمَا كَذَا نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ، وَنَقَلَ الْبَعْضُ عَنِ الْخَطَّابِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَابْنَ مَعِينٍ مَعَ بُعْدِ شَأْوَيْهِمَا وَجَلَالَةِ قَدْرِهِمَا فِي مَعْرِفَةِ الْحَدِيثِ وَرِجَالِهِ تَذَاكَرَا وَتَكَلَّمَا فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ فِي هَذَا الْبَابِ، وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِمَا أَنِ اتَّفَقَا عَلَى سُقُوطِ الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِ طَلْقٍ وَبُسْرَةَ أَيْ: لِأَنَّهُمَا تَعَارَضَا فَتَسَاقَطَا وَهَذَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنْ لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مِنْهُمَا اهـ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِذَنِ الْأَخْذُ بِالْأَحْوَطِ أَوْلَى، وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْأَخْذِ الْعَمَلُ فَلَا مُنَاقَشَةَ فِيهِ وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْحُكْمُ، بِالنَّقْضِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ الْأَحْوَطُ. وَقَالَ الْمُظْهِرُ: عَلَى تَقْدِيرِ تَعَارُضِهِمَا نَعُودُ إِلَى قَوْلِ الصَّحَابَةِ. قَالَ عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَحُذَيْفَةُ، وَعَمَّارٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ: إِنَّ الْمَسَّ لَا يُبْطِلُ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ عُمَرُ وَابْنُهُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ: بِالْبُطْلَانِ. وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ. قُلْتُ: فَتَعَارَضَ أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ أَيْضًا فَتَسَاقَطَتْ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ النَّقْضِ مَعَ أَنَّ قَوْلَ بَعْضِهِمْ بِالْبُطْلَانِ قَابِلٌ لِلْحَمْلِ عَلَى الْأَحْوَطِ فِي الْعَمَلِ، فَلَا يَكُونُ دَلِيلًا مَعَ الِاحْتِمَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَالِ، ثُمَّ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إِنْ مَسَّهُ بِشَهْوَةٍ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا.

ص: 367

323 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا بِحَالٍ إِسْنَادُ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَيْضًا إِسْنَادُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْهَا. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا مُرْسَلٌ، وَإِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ لَمْ يَسْمَعْ عَنْ عَائِشَةَ.

323 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) . قَالَ ابْنُ الْهَمَّامِ. وَرَوَى الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ الْمُلَامَسَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْآيَةِ مَعْنَاهَا الْجِمَاعُ دُونَ اللَّمْسِ بِسَائِرِ الْبَدَنِ، إِلَّا أَنَّ أَبَا دَاوُدَ ضَعَّفَهُ وَقَالَ: هُوَ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَالْمُرْسَلُ أَنْوَاعٌ: فَالْمُرْسَلُ الْمُطْلَقُ هُوَ أَنْ يَقُولَ التَّابِعِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمِنْهُ قِسْمٌ يُسَمَّى بِالْمُنْقَطِعِ وَهُوَ غَيْرُ الْأَوَّلِ، وَمِنْهُ قِسْمٌ يُسَمَّى بِالْمُعْضَلِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ

ص: 367

بَيْنَ الْمُرْسِلِ وَرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرُ مِنْ رَجُلٍ. وَقَالَ الْمُظْهِرُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْمَسُّ لَا يُبْطِلُ بِدَلِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: يُبْطِلُ بِلَمْسِ الْأَجْنَبِيَّاتِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ يُبْطِلُ بِالشَّهْوَةِ وَإِلَّا فَلَا (وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا) : أَيْ: مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَوْ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ (بِحَالٍ) : أَيْ: مِنْ أَحْوَالِ الطُّرُقِ (إِسْنَادُ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ) . قَالَ الطِّيبِيُّ: أَعْلَمُ أَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ سَمَاعَ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى، فَإِنَّهُ كَانَ تِلْمِيذَهَا (وَأَيْضًا) : أَيْ: لَا يَصِحُّ (إِسْنَادُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْهَا) . أَيْ: عَنْ عَائِشَةَ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُدُ: هَذَا مُرْسَلٌ) : أَيْ: نَوْعٌ مُرْسَلٌ وَهُوَ الْمُنْقَطِعُ لَكِنَّ الْمُرْسَلَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ (وَإِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ لَمْ يَسْمَعْ عَنْ عَائِشَةَ) . وَفِي نُسْخَةٍ: مِنْ عَائِشَةَ. قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ الْمُحَدِّثُ: هَذَا كَلَامٌ لَا يَصِحُّ بِحَالٍ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَثِيرًا مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ سَمَاعِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَسَمَاعُ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مِمَّا لَا مَجَالَ عِنْدَ عُلَمَاءِ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ لِلْمُنَاقَشَةِ فِيهِ، وَيَبْعُدُ عَنِ التِّرْمِذِيَّ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْقَوْلَ، مَعَ أَنَّ كِتَابَهُ مَمْلُوءٌ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ سَمَاعِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَالْعَجَبُ مِنَ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَعْزُوَ هَذَا الْقَوْلَ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي كِتَابِهِ كَذَلِكَ بَعْدَ إِيرَادِهِ الْحَدِيثَ، وَإِنَّمَا فِي كِتَابِهِ تَرَكَ أَصْحَابُنَا حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي هَذَا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمُ الْإِسْنَادُ بِحَالٍ، وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الْعَطَّارَ الْبَصْرِيَّ يَذْكُرُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ: ضَعَّفَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ الْقَطَّانُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ يُضَعِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ: حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ يَعْنِي رَاوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عُرْوَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ، وَقَدْ رَوَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبَّلَهَا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» ، وَهَذَا أَيْضًا لَا يَصِحُّ، وَلَا نَعْرِفُ لِإِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ سَمَاعًا عَنْ عَائِشَةَ، وَلَيْسَ يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ اهـ.

فَتَوَهَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمْ بِحَالِ الْإِسْنَادِ، إِسْنَادُ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَمَنْشَأُ هَذَا الْوَهْمِ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ عَلَّلَ الطَّرِيقَ الثَّانِيَ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ طَرِيقُ التَّيْمِيِّ عَنْ عَائِشَةَ بِعَدَمِ صِحَّةِ سَمَاعِهِ عَنْهَا بِقَوْلِهِ: وَهَذَا لَا يَصِحُّ أَيْضًا، وَلَا نَعْرِفُ لِإِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ سَمَاعًا عَنْ عَائِشَةَ، فَفَهِمَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُ أَنَّ تَضْعِيفَ الطَّرِيقِ الْأُولَى أَيْضًا مُعَلَّلٌ بِعَدَمِ سَمَاعِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَغَفَلَ عَنْ نَقْلِهِ عَنِ الْبُخَارِيِّ فَإِنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِعَدَمِ سَمَاعِ ابْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ لَا سَمَاعِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ. وَقَالَ نَجْلُهُ السَّعِيدُ مِيرَكُ شَاهْ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَا ادَّعَى بَعْضُ مُحَدِّثِي زَمَانِنَا أَنَّ عُرْوَةَ هَذَا لَيْسَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ عُرْوَةُ الْمُزَنِيُّ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ صَرَّحَ بِأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَيُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا اهـ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: عُرْوَةُ الْمَذْكُورُ هُنَا إِنْ كَانَ هُوَ الْمُزَنِيَّ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْحُفَّاظِ فَهُوَ لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَهُوَ ابْنُ أُخْتِهَا أَسْمَاءَ، وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ، فَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ لِكَوْنِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ رَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ وَهُوَ لَمْ يُدْرِكْهُ فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا.

ص: 368

324 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:«أَكَلَ رَسُوُلُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتِفًا ثُمَّ مَسَحَ بِيَدِهِ بِمِسْحٍ كَانَ تَحْتَهُ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

324 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ كَتِفًا) : بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ التَّاءِ، كَذَا ضَبَطَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَفِي الْقَامُوسِ: الْكَتِفُ كَفَرِحَ وَمِثْلٍ وَحَبْلٍ، وَالْمَعْنَى لَحْمُ كَتِفِ شَاةٍ مَشْوِيٍّ (ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ بِمِسْحٍ) : بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ: كِسَاءٍ (كَانَ تَحْتَهُ) : أَيْ: تَحْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى وَسَلَّمَ (ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى) : أَيْ: وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ لَا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) . قَالَ مِيرَكُ: وَسَكَتَ عَلَيْهِ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ (وَابْنُ مَاجَهْ) . أَيْ: وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ وَفِيهِ: أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي عَدَمِ غَسْلِ الْيَدِ مِنَ الطَّعَامِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُزَالَ مَا فِيهَا مِنْ أَثَرِهِ بِالْمَسْحِ.

ص: 368

325 -

وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ:«قَرَّبْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَنْبًا مَشْوِيًّا فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

ــ

325 -

(وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: قَرَّبْتُ) : أَيْ: جَعَلْتُ قَرِيبًا (إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَنْبًا) : أَيْ: ضِلْعًا (مَشْوِيًّا فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) أَيْ: لَا شَرْعِيًّا وَلَا لُغَوِيًّا لِبَيَانِ الْجَوَازِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَسَنَدُهُ حَسَنٌ.

ص: 369

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

326 -

عَنْ أَبِي رَافِعٍ رضي الله عنه قَالَ: «أَشْهَدُ لَقَدْ كُنْتُ أَشْوِي لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَطْنَ الشَّاةِ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

326 -

(عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَشْهَدُ) : أَيْ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ (لَقَدْ كُنْتُ أَشْوِي) : لَمَّا كَانَ فِي " أَشْهَدُ " مَعْنَى الْقَسَمِ دَخَلَ اللَّامُ فِي قَدْ جَوَابًا لَهُ، وَإِنَّمَا ضَمَّنَ الشَّهَادَةَ مَعْنَى الْقَسَمِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إِخْبَارٌ عَنْ مُوَاطَأَةِ الْقَلْبِ اللِّسَانَ وَاعْتِقَادُ ثُبُوتِ الْمُدَّعَى وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى إِثْبَاتِ هَذِهِ الدَّعْوَى فِي الْخِلَافِ فِيمَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ (لِرَسُولِ اللَّهِ) : أَيْ: لِأَكْلِهِ (صلى الله عليه وسلم بَطْنَ الشَّاةِ) : يَعْنِي الْكَبِدَ وَالطِّحَالَ وَمَا مَعَهُمَا مِنَ الْقَلْبِ وَغَيْرِهِمَا (ثُمَّ صَلَّى) : أَيْ: فَأَكَلَ ثُمَّ صَلَّى، وَكَانَ الْقِيَاسُ ثُمَّ يُصَلِّي لَكِنْ أَتَى بِهِ مَاضِيًا لِأَنَّ قَوْلَهُ: كُنْتُ أَشْوِي مَاضٍ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّهُ حِكَايَةٌ لِصُورَةِ الْحَالِ الْمَاضِيَةِ (وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 369

327 -

وَعَنْهُ، قَالَ:«أُهْدِيَتْ لَهُ شَاةٌ فَجَعَلَهَا فِي الْقِدْرِ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (مَا هَذَا يَا أَبَا رَافِعٍ؟) فَقَالَ: شَاةٌ أُهْدِيَتْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَطَبَخْتُهَا فِي الْقِدْرِ. قَالَ: (نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ يَا أَبَا رَافِعٍ!) فَنَاوَلْتُهُ الذِّرَاعَ. ثُمَّ قَالَ: (نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ الْآخَرَ) فَنَاوَلْتُهُ الذِّرَاعَ الْآخَرَ. ثُمَّ قَالَ (نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ الْآخَرَ) فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّمَا لِلشَّاةِ ذِرَاعَانِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَكَتَّ لَنَاوَلْتَنِي ذِرَاعًا فَذِرَاعًا مَا سَكَتُّ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَمَضْمَضَ فَاهُ، وَغَسَلَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِمْ، فَوَجَدَ عِنْدَهُمْ لَحْمًا بَارِدًا، فَأَكَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

ــ

327 -

(وَعَنْهُ) : أَيْ عَنْ أَبِي رَافِعٍ (قَالَ: أُهْدِيَتْ لَهُ) : أَيْ لِأَبِي رَافِعٍ (شَاةٌ) : بِرَفْعِهَا عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ، قِيلَ فِيهِ الْتِفَاتٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ نَقْلٌ بِالْمَعْنَى (فَجَعَلَهَا فِي الْقِدْرِ) : أَيْ: لِلطَّبْخِ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (مَا هَذَا) : أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ هَذَا الَّذِي فِي الْقِدْرِ (يَا أَبَا رَافِعٍ) يُقْرَأُ بِالْهَمْزَةِ وَلَا تُكْتَبُ (فَقَالَ: شَاةٌ أُهْدِيَتْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَطَبَخْتُهَا فِي الْقِدْرِ فَقَالَ: (نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتُسَكَّنُ (يَا أَبَا رَافِعٍ!) فَنَاوَلْتُهُ الذِّرَاعَ. فِي الْقَامُوسِ الذِّرَاعُ: بِالْكَسْرِ مِنْ طَرَفِ الْمِرْفَقِ إِلَى طَرَفِ الْإِصْبَعِ الْوُسْطَى وَالسَّاعِدُ، وَقَدْ يُذْكَرُ فِيهِمَا ثُمَّ قَالَ:(نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ الْآخَرَ) فَنَاوَلْتُهُ الذِّرَاعَ الْآخَرَ. ثُمَّ قَالَ: (نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ الْآخَرَ) : لِمَحَبَّتِهِ لِلذِّرَاعِ تَقْوِيَةً لِلْبَدَنِ عَلَى عِبَادَةِ مَوْلَاهُ وَلِاسْتِغْرَاقِهِ فِي الْحُضُورِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ سِوَاهُ (فَقَالَ) : أَيْ: أَبُو رَافِعٍ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِفَاتِ أَوِ التَّقْدِيرِ فَقَالَ قَائِلٌ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّمَا لِلشَّاةِ ذِرَاعَانِ) : وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ: وَكَمْ لِلشَّاةِ مِنْ ذِرَاعٍ؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا اسْتِفْهَامُ اسْتِبْعَادٍ لَا إِنْكَارٍ لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِهَذَا الْمَقَامِ (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَمَا) : بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (إِنَّكَ) : بِالْكَسْرِ (لَوْ سَكَتَّ) : أَيْ عَمَّا قُلْتَ لِي وَامْتَثَلْتَ أَدَبِي (لَنَاوَلْتَنِي ذِرَاعًا فَذِرَاعًا مَا سَكَتَّ) : أَيْ: مَا سَكَتَّ أَنْتَ وَطَلَبْتُ أَنَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ فِي فَذِرَاعًا لِلتَّعَاقُبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، وَمَا فِي مَا سَكَتَّ لِلْمُدَّةِ وَالْمَعْنَى نَاوَلْتَنِي ذِرَاعًا عَقِبَ ذِرَاعٍ إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ مَا دُمْتَ سَاكِتًا فَلَمَّا نَطَقْتَ انْقَطَعَتْ. اهـ.

وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ: مَا دَعَوْتُ أَيْ مَا طَلَبْتُ مِنَ الدَّعْوَةِ بِالْفَتْحِ، وَالْمَعْنَى مُدَّةَ دَوَامِ طَلَبِهِ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى

ص: 369

يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ، وَكَانَ يَخْلُقُ فِيهَا ذِرَاعًا بَعْدَ ذِرَاعٍ مُعْجِزَةً وَكَرَامَةً لَهُ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا مَنَعَ كَلَامُهُ مِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِأَنَّهُ شَغَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَى رَبِّهِ بِالتَّوَجُّهِ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى جَوَابِ سُؤَالِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَمَضْمَضَ فَاهُ) : أَيْ: حَرَّكَ مَاءَ فَمِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ: فَمَضْمَضَ. فِي الْقَامُوسِ: الْمَضْمَضَةُ تَحْرِيكُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ، وَتَمَضْمَضَ لِلْوُضُوءِ مَضْمَضَ (وَغَسَلَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ) : أَيْ: مَحَلَّ الدُّسُومَةِ وَالتَّلَوُّثِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ لَا عَلَى قَصْدِ التَّكْبِيرِ (ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِمْ) : أَيْ: إِلَى أَبِي رَافِعٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ (فَوَجَدَ عِنْدَهُمْ لَحْمًا بَارِدًا فَأَكَلَ) لِأَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ اللَّحْمَ وَمَا كَانَ يَجِدُهُ دَائِمًا، فَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: مَا كَانَتِ الذِّرَاعُ أَحَبَّ اللَّحْمِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَكِنَّهُ كَانَ لَا يَجِدُ اللَّحْمَ إِلَّا غِبًّا أَيْ: وَقْتًا دُونَ وَقْتٍ، وَكَانَ يُعَجِّلُ إِلَيْهَا أَيِ الذِّرَاعِ لِأَنَّهَا أَعْجَلُهَا أَيِ اللُّحُومِ نُضْجًا أَيْ طَبْخًا (ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ) : أَيْ: بَعْدَ فَرَاغِ الْمَعَاشِ تَوَجَّهَ إِلَى السَّعْيِ فِي الْمَعَادِ (فَصَلَّى: أَيْ شَكَرَ اللَّهَ (وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً) . أَيْ: لِلْوُضُوءِ وَلَا لِغَسْلِ الْفَمِ قَبْلَ الصَّلَاةِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ) . أَيْ عَنْ أَبِي رَافِعٍ.

ص: 370

328 -

وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ (ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ) إِلَى آخِرِهِ.

ــ

328 -

(وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ) : وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ، وَهُوَ مَوْلَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَابِيٌّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَسْمَائِهِ (إِلَّا أَنَّهُ) : أَيِ الدَّارِمِيُّ لَمْ يَذْكُرْ ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ) إِلَى آخِرِهِ) .

ص: 370

329 -

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: «كُنْتُ أَنَا وَأَبِي وَأَبُو طَلْحَةَ جُلُوسًا فَأَكَلْنَا لَحْمًا وَخُبْزًا، ثُمَّ دَعَوْتُ بِوَضُوءٍ، فَقَالَا: لِمَ تَتَوَضَّأُ؟ فَقُلْتُ: لِهَذَا الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْنَا. فَقَالَا: أَتَتَوَضَّأُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ؟ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

ــ

329 -

(وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأَبِي) : أَيِ ابْنُ كَعْبٍ (وَأَبُو طَلْحَةَ) : قَالَ الْمُصَنِّفُ: هُوَ أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ، وَهُوَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَ مِنَ الرُّمَاةِ الْمَذْكُورِينَ. «قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَصَوْتُ أَبِي طَلْحَةَ فِي الْجَيْشِ خَيْرٌ مِنْ فِئَةٍ» ) مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ، وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ يَرَوْنَ أَنَّهُ رَكِبَ الْبَحْرَ وَمَاتَ وَدُفِنَ فِي جَزِيرَةٍ بَعْدَ تِسْعَةِ أَيَّامٍ شَهِدَ الْعَقَبَةَ مَعَ السَّبْعِينَ، ثُمَّ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْمَشَاهِدِ، رَوَى عَنْهُ نَفَرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ. (جُلُوسًا) : أَيْ: جَالِسِينَ (فَأَكَلْنَا لَحْمًا وَخُبْزًا) : الْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ (ثُمَّ دَعَوْتُ بِوَضُوءٍ) : بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ: طَلَبْتُ مَاءَ الْوُضُوءِ (فَقَالَا) : أَيْ أَبِي وَأَبُو طَلْحَةَ (لِمَ تَتَوَضَّأُ؟ فَقُلْتُ: لِهَذَا الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْنَا) : يَعْنِي اللَّحْمَ وَالْخُبْزَ فَإِنَّهُمَا مِمَّا مَسَّتْهُمَا النَّارُ (فَقَالَا: أَتَتَوَضَّأُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ؟) : فِيهِ أَنَّ نَقْضَ الْوُضُوءِ إِنَّمَا يَكُونُ بِخَبِيثٍ يُنَافِيهِ كَالْخَارِجِ مِنَ السَّبِيلَيْنِ، وَهُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى وَفِي مَعْنَاهُ خُرُوجُ الدَّمِ وَالْقَيْحِ وَالْقَيْءِ عِنْدَنَا وَغَيْرُهُ أُلْحِقَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْقُولَ الْمَعْنَى كَالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ وَالسُّكْرِ، لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ الْخَبِيثِ، وَلِذَا قُلْنَا نَقْضُ الْوُضُوءِ بِالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَوْرِدِ (لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْهُ) : أَيْ: مِنْ مِثْلِ هَذَا الطَّعَامِ (مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ) . أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُوجِبَ مَنْفِيٌّ عَقْلًا وَنَقْلًا (رَوَاهُ أَحْمَدُ) .

ص: 370

330 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، كَانَ يَقُولُ: قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَجَسُّهَا بِيَدِهِ مِنَ الْمُلَامَسَةِ. وَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسَّهَا بِيَدِهِ، فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ. رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ.

ــ

330 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ) : رضي الله عنه (كَانَ يَقُولُ: قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ) : نُصِبَ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَجَسُّهَا: بِالْجِيمِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ أَيْ: مَسُّهَا (بِيَدِهِ مِنَ الْمُلَامَسَةِ) : أَيِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43](وَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسَّهَا بِيَدِهِ) : فَقَدْ لَامَسَ، وَمَنْ لَامَسَ (فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ) . قَالَ الطِّيبِيُّ: تَفْرِيعٌ عَلَى مَا أَصَّلَهُ مِنْ قَبْلُ أَيْ: إِذَا كَانَ التَّقْبِيلُ وَالْجَسُّ مِنَ الْمُلَامَسَةِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مَنْ قَبَّلَ أَوْ جَسَّ، وَالتَّرْتِيبُ مُفَوَّضٌ إِلَى ذِهْنِ السَّامِعِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْأَحَقَّ هُنَا الْفَاءُ لَا الْوَاوُ فِي: وَمَنْ قَبَّلَ، لَكِنَّهَا تُرِكَتِ اتِّكَالًا عَلَى ذِهْنِ السَّامِعِ وَإِدْرَاكِهِ التَّرْتِيبَ بِأَدْنَى الْتِفَاتٍ إِلَيْهِ (رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ) .

ص: 371

331 -

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ يَقُولُ: مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ الْوُضُوءُ. رَوَاهُ مَالِكٌ.

ــ

331 -

(وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ) : رضي الله عنه (كَانَ يَقُولُ: مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ) : بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ قُبْلَةٍ لِأَنَّهَا اسْمُ مَصْدَرٍ (الْوُضُوءُ) : مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ يَجِبُ مِنْهَا الْوُضُوءُ، وَفِي تَقْدِيمِ الْخَبَرِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ الْمُعَرَّفِ إِشْعَارٌ بِالْخِلَافِ وَرَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: لَيْسَ حُكْمُ التَّقْبِيلِ وَالْجَسِّ حُكْمُ سَائِرِ النَّوَاقِضِ فَرُدَّ، وَقِيلَ لَيْسَ حُكْمُهُ إِلَّا كَحُكْمِهَا فَيَكُونُ مِنْ قَصْرِ الْقَلْبِ (رَوَاهُ مَالِكٌ) .

ص: 371

332 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما. أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ الْقُبْلَةَ مِنَ اللَّمْسِ، فَتَوَضَّئُوا مِنْهَا.

ــ

332 -

(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ) : رضي الله عنه (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ الْقُبْلَةَ مِنَ اللَّمْسِ) : أَيِ: الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ (فَتَوَضَّئُوا مِنْهَا) . هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى بَعْضِ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ قَالَ بِنَقْضِ اللَّمْسِ، وَلَيْسَتْ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ إِذْ لِلرَّأْيِ فِيهِ مَجَالٌ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ - يُحْمَلَ قَوْلُهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِلِاحْتِيَاطِ، وَلِلْمُجْتَهِدِ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ مَا شَاءَ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَدَمُ النَّقْضِ بِاللَّمْسِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ عَائِشَةَ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّخْصِيصِ مَعَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَرَى تَقْلِيدَ الْمُجْتَهِدِ لِلصَّحَابِيِّ.

ص: 371

333 -

وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ تَمِيمِ الدَّارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( «الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ» ) . رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَلَا رَآهُ، وَيَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ، وَيَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ مَجْهُولَانِ.

ــ

333 -

(وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ) : هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، يُكَنَّى أَبَا حَفْصٍ الْأُمَوِيَّ الْقُرَشِيَّ، أُمُّهُ أُمُّ عَاصِمٍ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَاسْمُهَا لَيْلَى، رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَرَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ حَزْمٍ، وَلِيَ الْخِلَافَةَ بَعْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ، وَمَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَمِائَةٍ فِي رَجَبٍ بِدَيْرِ سَمْعَانَ مِنْ أَرْضِ حِمْصٍ، وَكَانَتْ مُدَّةُ وِلَايَتِهِ سَنَتَيْنِ وَخَمْسَةَ أَشْهُرٍ وَأَيَّامًا، وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ أَرْبَعُونَ سَنَةً. وَقِيلَ: لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا، وَكَانَ عَلَى صِفَةٍ مِنَ الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ وَالتُّقَى وَالْعِفَّةِ وَحُسْنِ السِّيرَةِ، لَا سِيَّمَا أَيَّامَ وِلَايَتِهِ. قِيلَ: لَمَّا أَفْضَتْ إِلَيْهِ الْخِلَافَةُ سُمِعَ مِنْ مَنْزِلِهِ بُكَاءٌ عَالٍ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: إِنَّ عُمَرَ خَيَّرَ جَوَارِيَهُ فَقَالَ: نَزَلَ بِي مَا شَغَلَنِي عَنْكُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ أُعْتِقَهُ أَعْتَقْتُ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ أُمْسِكَهُ أَمْسَكْتُ وَلَمْ يَكُنْ لِي إِلَيْهَا شَيْءٌ وَسَأَلَ عُقْبَةُ بْنُ نَافِعٍ زَوْجَتَهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ: أَلَا تُخْبِرِينِي عَنْ عُمَرَ؟ فَقَالَتْ: لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ اغْتَسَلَ مِنْ جَنَابَةٍ وَلَا مِنَ احْتِلَامٍ مُنْذُ اسْتَخْلَفَهُ

ص: 371