الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
390 -
وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَلَأَخَّرْتُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ. قَالَ: فَكَانَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ يَشْهَدُ الصَّلَوَاتِ فِي الْمَسْجِدِ وَسِوَاكُهُ عَلَى أُذُنِهِ مَوْضِعَ الْقَلَمِ مِنْ أُذُنِ الْكَاتِبِ لَا يَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ إِلَّا اسْتَنَّ، ثُمَّ رَدَّهُ إِلَى مَوْضِعِهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ:«وَلَأَخَّرْتُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ» . (وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
390 -
(وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ الطِّيبِيُّ: وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: رَوَى عَمُّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ الْقُرَشِيُّ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ الْمَشْهُورِينَ بِالْفِقْهِ فِي الْمَدِينَةِ فِي قَوْلٍ، وَمِنْ مَشَاهِيرِ التَّابِعِينَ وَأَعْلَامِهِمْ، وَهُوَ كَثِيرُ الْحَدِيثِ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ عُمَرَ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَغَيْرَهُمْ، وَرَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ وَالشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُمْ مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَلَهُ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ سَنَةً (عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ) : نَزَلَ الْكُوفَةَ رَوَى عَنْهُ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَسْمَائِهِ (قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ» : أَيْ: لَوْلَا خَوْفُ الْمَشَقَّةِ وَتَوَقُّعُهَا عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ ": أَيْ: وُجُوبًا "«بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» ": أَيْ: طَهَارَتُهَا أَوْ إِرَادَتُهَا " وَلَأَخَّرْتُ ": أَيْ دَائِمًا " صَلَاةَ الْعِشَاءِ ": أَوْ حَكَمْتُ بِتَأْخِيرِهَا وُجُوبًا " إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ ": بِضَمِّ اللَّامِ وَيُسَكَّنُ " قَالَ: أَيْ: أَبُو سَلَمَةَ (فَكَانَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ) أَيْ: رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ يَشْهَدُ الصَّلَوَاتِ) : أَيِ: الْخَمْسَ (فِي الْمَسْجِدِ) : أَيْ: يَحْضُرُهَا لِلْجَمَاعَةِ (وَسِوَاكُهُ عَلَى أُذُنِهِ) بِضَمِّ الذَّالِ وَيُسَكَّنُ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ ( «مَوْضِعَ الْقَلَمِ مِنْ أُذُنِ الْكَاتِبِ، لَا يَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ إِلَّا اسْتَنَّ» ) : أَيِ: اسْتَاكَ لِلصَّلَاةِ أَخْذًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَقَدِ انْفَرَدَ بِهِ فَلَا يَصْلُحُ حُجَّةً، أَوِ اسْتَاكَ لِطَهَارَتِهَا (ثُمَّ) : أَيْ بَعْدَ الصَّلَاةِ (رَدَّهُ) : أَيِ: السِّوَاكَ (إِلَى مَوْضِعِهِ) . أَيْ: مِنَ الْأُذُنِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَحِكْمَتُهُ أَنَّ وَضْعَهُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ يُسَهِّلُ تَنَاوُلَهُ وَيُذَكِّرُ صَاحِبَهُ لَهُ فَيُسَنُّ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنَ التَّكَلُّفِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْحَرَجِ، وَرِوَايَةُ:" «كَانَ مَحَلُّ السِّوَاكِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ مَحَلَّ الْقَلَمِ» " مَحْمُولٌ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا عَلَى بَعْضِهِمُ الصَّادِقِ عَلَى وَاحِدٍ فَلَا يُفِيدُ السُّنِّيَّةَ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ إِلَّا أَنَّهُ) أَيْ: أَبَا دَاوُدَ (لَمْ يَذْكُرْ: " «وَلَأَخَّرْتُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ» " وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ لَهُ إِسْنَادَانِ. أَحَدُهُمَا صَحِيحٌ وَالْآخَرُ حَسَنٌ اهـ. أَوْ حَسَنٌ لُغَةً، أَوْ حَسَنٌ عِنْدَ بَعْضٍ صَحِيحٌ عِنْدَ بَعْضٍ، أَوْ حَسَنٌ لِذَاتِهِ صَحِيحٌ لِغَيْرِهِ.
[بَابُ سُنَنِ الْوُضُوءِ]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
391 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ. مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
(4)
بَابُ سُنَنِ الْوُضُوءِ
قَالَ الطِّيبِيُّ: لَمْ يُرِدْ بِالسُّنَنِ سُنَنَ الْوُضُوءِ فَقَطْ، بَلْ أَرَادَ بِالسُّنَنِ الْأَقْوَالَ أَوِ الْأَفْعَالَ أَوِ التَّقْرِيرَاتِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ سُنَّةً أَوْ فَرْضًا، كَمَا يُقَالُ جَاءَ فِي السُّنَّةِ كَذَا أَيْ: فِي الْحَدِيثِ اهـ. وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ حَمْلَ سُنَنِ الْوُضُوءِ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى بَعِيدٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ الْعُنْوَانُ عَلَى التَّغْلِيبِ. وَقِيلَ: السِّوَاكُ مِنَ السُّنَنِ أَيْضًا فَكَأَنَّهُ ذُكِرَ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ لِزِيَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِهِ، وَقِيلَ: هُوَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْوُضُوءِ، وَوَرَدَ بِأَنَّ غَسْلَ الْيَدِ لِلْمُسْتَيْقِظِ أَيْضًا غَيْرُ خَاصٍّ عَلَى مَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَكَذَا التَّيَامُنُ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ شَيْءٍ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ أَنْ يَكُونَ مُخْتَصًّا بِهِ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
391 -
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ» ": التَّقَيُّدُ بِهِ لِأَنَّ تَوَهُّمَ نَجَاسَةِ الْيَدِ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ مِنَ الْمُسْتَيْقِظِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، وَلِذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إِنَّ هَذَا الْغَسْلَ سُنَّةً فِي غَيْرِ الْمُسْتَيْقِظِ أَيْضًا لِأَنَّ عِلَّةَ الْغَسْلِ وَهِيَ احْتِمَالُ أَنَّهُ مَسَّ بِيَدِهِ أَعْرَاقَ بَدَنِهِ وَأَوْسَاخَهُ مَوْجُودَةٌ فِي الْمُتَنَبِّهِ أَيْضًا. قُلْتُ: بَلِ الْمُتَنَبِّهُ يَفْهَمُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ مَوْجُودَةٌ فِيهِ مَعَ زِيَادَةِ احْتِمَالَاتٍ أُخَرَ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: فَإِنْ تَيَقَّنَ طَهَارَةَ يَدِهِ وَإِنْ نَامَ
كَرَاهَةَ لِانْتِفَاءِ تَوَهُّمِ التَّنَجُّسِ فَمُعَارَضَةٌ بِالنَّصِّ " «فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ» ": أَيْ مَثَلًا كَمَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ أَوْ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهَا، فَإِنَّهَا مَعَ كَوْنِهَا آلَةً إِذَا كَانَتْ مَمْنُوعَةً فَغَيْرُهَا أَوْلَى، فَهَذَا هُوَ الْأَوْلَى " فِي الْإِنَاءِ: أَيْ إِنَاءِ الْمَاءِ وَفِي مَعْنَاهُ كُلُّ مَائِعٍ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَاءَ الْإِنَاءِ لَمْ يَكُنْ إِلَّا قَلِيلًا فَلَا يُحْتَاجُ تَقْيِيدُهُ بِالْقَلِيلِ، كَمَا تَوَهَّمَ ابْنُ حَجَرٍ، وَفِي نُسْخَةٍ بِزِيَادَةِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ. قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: بِالتَّأْكِيدِ فِي مُسْلِمٍ وَبِدُونِ التَّأْكِيدِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ. قَالَ ابْنُ الْهَمَّامِ: الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِغَيْرِ نُونِ التَّأْكِيدِ، وَأَمَّا بِهَا فَفِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ وَلَفْظُهُ:«فَلَا يَغْمِسَنَّ يَدَهُ فِي طَهُورِهِ حَتَّى يُفْرِغَ عَلَيْهَا ثَلَاثًا» " حَتَّى يَغْسِلَهَا " أَيْ: إِلَى رُسْغِهَا " ثَلَاثًا ": قَالَ السَّيِّدُ: لَفْظُ ثَلَاثًا مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ فَقَوْلُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مَحَلُّ بَحْثٍ اهـ. وَالنَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ بِدَلِيلِ الْعِلَّةِ، فَيَكُونُ الْغَسْلُ ثَلَاثًا سُنَّةً، وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِنَا حَيْثُ قَيَّدُوا تَطْهِيرَ النَّجَاسَةِ الْغَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ بِغَسْلِهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَمَّا حَكَمَ الشَّرْعُ فِي النَّجَاسَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ بِالتَّثْلِيثِ فَالْمُتَحَقِّقَةُ أَوْلَى بِذَلِكَ " فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي: تَعْلِيلٌ أَيْ: لَا يَعْلَمُ " «أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» " رَوَى النَّوَوِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْحِجَارَةِ وَبِلَادُهُمْ حَارَةٌ، فَإِذَا نَامُوا عَرِقُوا، فَلَا يُؤَمَنُ أَنْ تَطُوفَ يَدُهُ عَلَى مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ أَوْ عَلَى بَثْرَةٍ أَوْ قَمْلَةٍ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْغَمْسِ قَبْلَ غَسْلِ الْيَدِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، لَكِنَّ الْجَمَاهِيرَ عَلَى أَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ فَلَوْ غَمَسَ لَمْ يُفْسِدِ الْمَاءَ وَلَمْ يَأْثَمِ الْغَامِسُ، وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: هَذَا فِي حَقِّ مَنْ بَاتَ مُسْتَنْجِيًا بِالْأَحْجَارِ مُعْرَوْرِيًا، وَمَنْ بَاتَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَفِي أَمْرِهِ سَعَةٌ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَيْضًا غَسْلُهَا لِأَنَّ السُّنَّةَ إِذَا وَرَدَتْ لِمَعْنًى لَمْ تَكُنْ لِتَزُولَ بِزَوَالِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَسْلَ الْيَدَيْنِ بِالْأَمْرِ الْمَوْهُومِ وَمَا عُلِّقَ بِالْمَوْهُومِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا، فَأَصْلُ الْمَاءِ وَالْيَدَيْنِ عَلَى الطَّهَارَةِ، فَحَمَلَ الْأَكْثَرُونَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى الِاحْتِيَاطِ، وَذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إِلَى الظَّاهِرِ، وَأَوْجَبَا الْغَسْلَ وَحَكَمَا بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ كَذَا نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ. وَقَالَ الشَّمَنِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَدَاوُدَ: إِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ غَسْلُ الْيَدَيْنِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَلَنَا: أَنَّ النَّوْمَ إِنْ كَانَ حَدَثًا فَهُوَ كَالْبَوْلِ، وَإِنْ كَانَ سَبَبًا لِلْحَدَثِ فَهُوَ كَالْمُبَاشَرَةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ غَسْلَ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إِدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ عِنْدَهُمْ، وَأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام عَلَّلَ الْغَسْلَ بِتَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ، وَتَوَهُّمُهَا لَا يُوجِبُهُ، فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى السُّنَّةِ وَعَدَمِ الْوُجُوبِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
392 -
وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ فِي خَيْشُومِهِ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ".
ــ
392 -
(وَعَنْهُ) : أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَتَوَضَّأَ» ": أَيْ: أَرَادَ الْوُضُوءَ " فَلْيَسْتَنْثِرْ: الْفَاءُ لِجَوَابِ الشَّرْطِ أَيْ: لِيَغْسِلْ دَاخِلَ أَنْفِهِ " ثَلَاثًا ": أَوِ التَّقْدِيرُ: إِذَا تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ عِنْدَ الِاسْتِنْشَاقِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: اسْتَنْثَرَ حَرَّكَ النَّثْرَةَ وَهِيَ طَرَفُ الْأَنْفِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى نَثَرْتُ الشَّيْءَ، إِذَا فَرَّقْتُهُ وَبَدَّدْتُهُ اهـ. وَقِيلَ: الِاسْتِنْثَارُ نَثْرُ مَا فِي الْأَنْفِ الْمُتَّصِلِ بِالْبَطْنِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ: " الْفَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ " يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ ": يَعْنِي: أَنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْوَسْوَسَةَ عِنْدَ النَّوْمِ لِزَوَالِ الْإِحْسَاسِ يَبِيتُ عَلَى أَقْصَى أَنْفِهِ لِيُلْقِيَ فِي دِمَاغِهِ الرُّؤْيَا الْفَاسِدَةَ، وَيَمْنَعَهُ عَنِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ، لِأَنَّ مَحَلَّهُ الدِّمَاغُ فَأَمَرَ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَغْسِلُوا دَاخِلَ أُنُوفِهِمْ لِإِزَالَةِ لَوْثِ الشَّيْطَانِ وَنَتَنِهِ مِنْهَا. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ وَالْقَاضِي: الْخَيْشُومُ أَقْصَى الْأَنْفِ الْمُتَّصِلِ بِالْبَطْنِ الْمُقَدَّمِ مِنَ الدِّمَاغِ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ الْحِسِّ الْمُشْتَرَكِ وَمُسْتَقَرُّ الْخَيَالِ، فَإِذَا نَامَ تَجْتَمِعُ الْأَخْلَاطُ وَيَيْبَسُ عَلَيْهِ الْمُخَاطُ وَيَكِلُّ الْحِسُّ وَيَتَشَوَّشُ الْفِكْرُ فَيَرَى أَضْغَاثَ أَحْلَامٍ، فَإِذَا قَامَ وَتَرَكَ الْخَيْشُومَ بِحَالِهِ اسْتَمَرَّ الْكَسَلُ وَالْكَلَالُ وَاسْتَعْصَى عَلَيْهِ النَّظَرُ الصَّحِيحُ وَعَسُرَ الْخُضُوعُ وَالْقِيَامُ بِحُقُوقِ الصَّلَاةِ. ثُمَّ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ طَرِيقِ الِاحْتِمَالِ، وَحَقُّ الْأَدَبِ فِي الْكَلِمَاتِ النَّبَوِيَّةِ أَنْ لَا يُتَكَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمْثَالِهِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ خَصَّهُ بِغَرَائِبِ الْمَعَانِي وَحَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ مَا يَقْصُرُ عَنْهُ بَاعُ غَيْرِهِ، وَرَوَى النَّوَوِيُّ عَنِ الْقَاضِي عِيَاضٍ: تُحْتَمَلُ بَيْتُوتَةُ الشَّيْطَانِ أَنْ تَكُونَ حَقِيقَةً، فَإِنَّ الْأَنْفَ أَحَدُ الْمَنَافِذِ إِلَى الْقَلْبِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْأُذُنَيْنِ غَلْقٌ، وَفِي الْحَدِيثِ: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ الْغَلْقَ وَجَاءَ الْأَمْرُ بِكَظْمِ الْفَمِ فِي التَّثَاؤُبِ مِنْ أَجْلِ عَدَمِ دُخُولِ الشَّيْطَانِ فِي الْفَمِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ مِنَ الْغُبَارِ وَرُطُوبَةِ الْخَيَاشِيمِ قَذَرٌ يُوَافِقُ الشَّيَاطِينَ، كَذَا نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ.
393 -
«وَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ؟ فَدَعَا بِوَضُوءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهَ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ» . رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالنَّسَائِيُّ. وَلِأَبِي دَاوُدَ نَحْوُهُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْجَامِعِ.
ــ
393 -
(وَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ) : أَنْصَارِيٌّ مَازِنِيٌّ مِنْ مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ قِيلَ: شَارَكَ وَحْشِيًّا فِي قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، قُتِلَ يَوْمَ الْحَرَّةِ، شَهِدَ أُحُدًا وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِي التَّهْذِيبِ رَمَى وَحْشِيٌ مُسَيْلِمَةَ بِالْحَرْبَةِ، وَقَتَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بِسَيْفِهِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ يَوْمَ الْحِرَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، وَرَوَى عَنْهُ عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ ( «كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ؟ فَدَعَا بِوَضُوءٍ» ) بِفَتْحِ الْوَاوِ: مَا يُتَوَضَّأُ بِهِ، وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ طَلَبَهُ (فَأَفْرَغَ) أَيْ: صَبَّ الْمَاءَ (عَلَى يَدَيْهِ: بِالتَّثْنِيَةِ، وَفِي الْمَصَابِيحِ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى، وَيُؤَيِّدُهُ الْإِظْهَارُ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ فِي قَوْلِهِ: (فَغَسَلَ يَدَيْهِ) أَيْ: إِلَى الرُّسْغَيْنِ (مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ) : لَيْسَ فِي الْمَصَابِيحِ تَكْرَارٌ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَجْهُ الِاحْتِيَاجِ إِلَى التَّكْرِيرِ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْأَوَّلِ يُوهِمُ التَّوْزِيعَ وَاقْتِصَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَإِلَّا فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ فَعَلَ الثَّلَاثَ وَقَالَ: " «مَنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ» " اهـ. وَلَعَلَّ حَذْفَ الْبَسْمَلَةِ وَالنِّيَّةِ لِأَنَّهُمَا مِنَ الْأَقْوَالِ دُونَ الْأَفْعَالِ أَوْ لِأَنَّهُمَا تُخْفَيَانِ، وَالسِّوَاكُ لَيْسَ مِنْ مُخْتَصَّاتِ الْوُضُوءِ ( «ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا» ) تَنَازَعَ فِيهِ الْفِعْلَانِ ( «ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ» ) : كَذَا كَرَّرَ مَرَّتَيْنِ (إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ) : بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَبِالْعَكْسِ أَيْ: مَعَهُمَا ( «ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ» ) : بَيَانٌ لِلْمَسْحِ (بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ) : تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ فَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ (بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ) : أَيْ وَضَعَ كَفَّيْهِ وَأَصَابِعَهُ عِنْدَ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ (ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا) : أَيْ: أَمَرَّهُمَا حَتَّى وَصَلَ (إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا) أَيْ: عَلَى جَنْبَيِ الرَّأْسِ ( «حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ» ) : وَهُوَ الْوَجْهُ الْمُسْتَحَبُّ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ وَسُنِّيَّةُ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ بِمَائِهِ يُعْرَفُ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ (ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ. رَوَاهُ مَالِكٌ وَالنَّسَائِيُّ) أَيْ: بِهَذَا اللَّفْظِ (وَلِأَبِي دَاوُدَ نَحْوُهُ) أَيْ: بِمَعْنَاهُ (ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْجَامِعِ) : أَيْ: جَامِعُ الْأُصُولِ وَهُوَ ابْنُ الْأَثِيرِ.
394 -
وَفِي رِوَايَةٍ: «فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ مِنْ مَاءٍ» .
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا» .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: «فَمَسَحَ رَأْسَهُ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ. وَفِي أُخْرَى لَهُ: فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ» .
ــ
394 -
(وَفِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ) : قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: وَفِيهِ تَأَمُّلٌ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ لَمْ يُوجَدْ بِلَفْظِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَفِيهِ أَنَّ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِهِمَا أَوْ بِلَفْظِ أَحَدِهِمَا وَإِذَا كَانَ مَسُّ أَحَدِهِمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ اعْتِذَارًا عَنْ مُحْيِي السُّنَّةِ فِي الْجُمْلَةِ. فَكَيْفَ إِذَا وُجِدَ لَفْظُ أَحَدِهِمَا؟ ( «قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ: تَوَضَّأْ) : بِصِيغَةِ الْأَمْرِ لَنَا وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ) : أَيْ: نَحْوَ وُضُوئِهِ (فَدَعَا بِإِنَاءٍ) فِيهِ مَاءٌ (فَأَكْفَأَ) : فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ: كَفَأْتُ الْإِنَاءَ إِذَا كَبَبْتُهُ وَإِذَا أَمَلْتُهُ نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ، وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: قَالَ الشَّيْخُ كَفَأَ وَأَكْفَأَ بِمَعْنَى أَمَالَ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: كَفَأَهُ كَبَّهُ وَأَكْفَأَهُ أَمَالَهُ (مِنْهُ) ضَمَّنَ أَكْفَأَ مَعْنَى أَفْرَغَ وَصَبَّ فَعَدَّاهُ بِمِنْ قَالَهُ الْأَبْهَرِيُّ (عَلَى يَدَيْهِ، فَغَسَلَهُمَا) : أَيْ: إِلَى رُسْغَيْهِمَا (ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ) : أَيِ: الْيُمْنَى فِي الْإِنَاءِ (فَاسْتَخْرَجَهَا) : أَيِ: الْيَدُ مِنَ الْإِنَاءِ مَعَ الْمَاءِ قَالَ الطِّيبِيُّ: فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ بَقِيَ عَلَى طَهَارَتِهِ وَطَهُورِيَّتِهِ غَيْرَ مُسْتَعْمَلٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ نَوَى جَعْلَ الْيَدِ آلَةً لَهُ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْحَدَثِ طَهُورٌ، وَكَرِهَهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ لِأَجْلِ الْخِلَافِ، وَكَذَا الْحَالُ عِنْدَهُ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ تَحِلُّهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ. قَالَ أَبُو حَامِدٍ فِي الْإِحْيَاءِ: وَدِدْتُ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ إِلَّا بِالتَّغَيُّرِ إِذِ الْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إِلَيْهِ، وَمَثَارُ الْوَسْوَسَةِ مِنَ اشْتِرَاطِ الْقُلَّتَيْنِ، وَلِأَجْلِهِ شَقَّ عَلَى النَّاسِ ذَلِكَ: وَلَعَمْرِي إِنَّ الْحَالَ عَلَى مَا قَالَهُ، وَلَوْ كَانَ مَا ذُكِرَ شَرْطًا لَكَانَ أَعْسَرَ الْبِقَاعِ فِي الطَّهَارَةِ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ، إِذْ لَا يَكْثُرُ فِيهِمَا الْمِيَاهُ الْجَارِيَةُ وَلَا الرَّاكِدَةُ الْكَثِيرَةُ، وَمِنْ أَوَّلِ عَصْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى آخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ لَمْ يَنْقُلْ وَاقِعَةً فِي الطَّهَارَةِ وَكَيْفِيَّةِ حِفْظِ الْمَاءِ مِنَ النَّجَاسَاتِ، وَكَانَتْ أَوَانِي مِيَاهِهِمْ يَتَعَاطَاهَا الصِّبْيَانُ وَالْإِمَاءُ، وَتَوَضُّؤُ عُمَرَ رضي الله عنه بِمَاءٍ فِي جَرَّةٍ نَصْرَانِيَّةٍ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ لَمْ يُعَوِّلْ إِلَّا عَلَى عَدَمِ تَغَيُّرِ الْمَاءِ، وَكَانَ
اسْتِغْرَاقُهُمْ فِي تَطْهِيرِ الْقُلُوبِ وَتَسَاهُلُهُمْ فِي الْأَمْرِ الظَّاهِرِ ( «فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ» ) : وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: بِزِيَادَةِ التَّاءِ مَعَ فَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا أَيْضًا. قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: الْأَكْثَرُ مِنْ كَفٍّ بِغَيْرِ هَاءٍ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ كَفَّةٌ بِالتَّاءِ وَفِي نُسْخَةٍ: مِنْ غُرْفَةٍ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْمُرَادُ بِالْكِفَّةِ الْغُرْفَةُ فَاشْتُقَّ لِذَلِكَ مِنَ اسْمِ الْكَفِّ وَجُعِلَ عِبَارَةً عَنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى. قَالَ: وَلَا نَعْرِفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِلْحَاقَ هَاءِ التَّأْنِيثِ بِالْكَفِّ. قَالَ الشَّيْخُ: مُحَصِّلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: كِفَّةٌ فِعْلَةٌ لَا أَنَّهَا تَأْنِيثُ الْكَفِّ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ: قَوْلُهُ: مِنْ كَفَّةٍ هِيَ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ كَغُرْفَةٍ وَغَرْفَةٍ أَيْ: مِنْ مَلْءِ كَفَّةٍ (وَاحِدَةً، فَفَعَلَ ذَلِكَ) : أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ (ثَلَاثًا) : وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ (ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ) : أَيْ: فِي الْإِنَاءِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْجِنْسُ ( «فَاسْتَخْرَجَهَا، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا» ) : قَيْدٌ لِلْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ لَا لِلْأَخِيرِ فَقَطْ ( «ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ» ) : بِالضَّبْطَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ (مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ) : قَيْدَانِ لِلْأَفْعَالِ ( «ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا، فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ» ) : يَعْنِي: اسْتَوْعَبَ الْمَسْحَ (ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ) : ثُمَّ فِي الْمَوَاضِعِ مَعَ الْمَذْكُورَةِ لِمُجَرَّدِ الْعَطْفِ التَّعْقِيبِيِّ الْمُفِيدِ لِسُنِّيَّةِ التَّرْتِيبِ لَا لِلتَّرَاخِي الْمُنَافِي لِلتَّوَالِي الَّذِي هُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا، وَفَرْضٌ عِنْدَ مَالِكٍ (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) : ظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِمَرَّةٍ، وَيُحْتَمَلُ مَرَّتَيْنِ بِقَرِينَةِ مَا قَبْلَهُ وَيُحْتَمَلُ التَّثْلِيثُ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ دَأْبِهِ عليه الصلاة والسلام، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ ثَلَاثًا لِئَلَّا يُوهِمَ قَيْدَ الْفِعْلَيْنِ مَعًا (ثُمَّ قَالَ) : أَيْ: عَبْدُ اللَّهِ ( «هَكَذَا كَانَ وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ) : أَيْ: غَالِبًا فِي زَعْمِهِ أَوْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ.
(" فِي رِوَايَةٍ: «فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهَا» أَيْ: عَلَى أَطْرَافِ الرَّأْسِ (حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ) وَهَذَا أَحْسَنُ أَنْوَاعِ الْمَسْحِ الْمُسْتَوْعَبِ (ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ) : أَيْ ثَلَاثًا.
(وَفِي رِوَايَةٍ: فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ) الْوَاوُ فِيهِمَا بِمَعْنَى الْفَاءِ لِيُفِيدَ اسْتِحْبَابَ التَّرْتِيبِ بَيْنَ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْغَيْرِ الْمَفْرُوضَةِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ: فَقَالَ الْوَاوُ هُنَا مَعْنَى ثُمَّ السَّابِقَةِ (ثَلَاثًا) قَيْدٌ لِلثَّلَاثَةِ (بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ) : بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَالرَّاءِ، وَقِيلَ: بِضَمِّهِمَا جَمْعُ غُرْفَةٍ بِمَعْنَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ مَاءٍ. قِيلَ: الْغَرْفَةُ بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ غَرَفَ أَيْ أَخْذُ الْمَاءِ بِالْكَفِّ وَبِضَمِّ الْغَيْنِ الِاسْمُ وَهُوَ الْمَاءُ الْمَغْرُوفُ، وَقِيلَ هِيَ مَلْءُ الْكَفِّ مِنَ الْمَاءِ يَعْنِي أَخَذَ غُرْفَةً وَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ بِهَا، وَكَذَا بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الثَّلَاثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَقَعَ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ.
(وَفِي أُخْرَى «فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفَّةٍ وَاحِدَةٍ» ) بِأَنْ جَعَلَ مَاءَ الْكَفِّ بَعْضَهُ فِي فَمِهِ وَبَعْضَهُ فِي أَنْفِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ أَيِ الْمَذْكُورَ مِنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ ثَلَاثًا أَيْ: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ كَفَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَفِيهِ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ، كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّتِنَا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مِنْ كَفَّةٍ تَنَازَعَ فِيهِ الْفِعْلَانِ، وَالْمَعْنَى مَضْمَضَ مِنْ كَفَّةٍ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفَّةٍ وَقَيْدُ الْوَحْدَةِ احْتِرَازٌ مِنَ التَّثْنِيَةِ (فَفَعَلَ ذَلِكَ) : أَيْ: كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مَحْمُولًا عَلَى أَكْمَلِ الْحَالَاتِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا عِنْدَ أَرْبَابِ الْكَمَالَاتِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ مَا ذَكَرُوهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: «فَمَسَحَ رَأْسَهُ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً» ) : الْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ تَثْلِيثِ مَسْحِ الرَّأْسِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) : فِيهِ وَفِي أَمْثَالِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي وُضُوئِهِ عليه الصلاة والسلام رَدٌّ عَلَى الشِّيعَةِ فِي تَجْوِيزِ مَسْحِ الرِّجْلَيْنِ.
(وَفِي أُخْرَى لَهُ) : أَيْ: لِلْبُخَارِيِّ (فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ) : كِنَايَةٌ عَنِ الِاسْتِنْشَاقِ أَوْ مِنْ لَوَازِمِهِ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَرْفَةٍ) : بِالْفَتْحِ وَيُضَمُّ (وَاحِدَةٍ) : أَيْ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثِ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمَرَّاتِ الثَّلَاثِ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَبْعُدُ تَثْلِيثُهُمَا مَعًا مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَ هُوَ وَجْهًا لِلشَّافِعِيَّةِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَإِنَّمَا أَطْنَبْنَا الْكَلَامَ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْمَصَابِيحِ بِلَفْظِهِ لَمْ يُوجَدْ إِلَّا فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَالنَّسَائِيِّ، فَأَمَّا مَعْنَاهُ فَمَا ذَكَرْتُهُ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَقِبَهُ، وَبَقِيَّةُ الرِّوَايَاتِ إِنَّمَا أَوْرَدْتُهَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَا فِي الْمَصَابِيحِ مِنْهَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: كَأَنَّهُ اعْتِرَاضٌ عَلَى الشَّيْخِ مُحْيِي السُّنَّةِ حَيْثُ أَوْرَدَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي الصِّحَاحِ، مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي أَحَدِ الصَّحِيحَيْنِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا عَزَاهُ صَاحِبُ التَّخْرِيجِ إِلَيْهِمَا حَيْثُ قَالَ: وَرَوَاهُ الْجَمَاعَةُ فِي الصِّحَاحِ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ اهـ.
وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْجَوَابَ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ نَفَى وُجُودَ لَفْظِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي أَحَدِ الصَّحِيحَيْنِ لَا مَعْنَاهُ، وَصَاحِبُ التَّخْرِيجِ أَثْبَتَ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَلِذَا قَالَ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ، بَلِ الْمُصَنِّفُ بِنَفْسِهِ أَوْرَدَ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ الدَّالَّةَ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَاعْتَذَرَ بِالْإِطْنَابِ الْمُتَضَمِّنِ لِذَلِكَ الْجَوَابِ، وَإِنْ كَانَ الِاعْتِرَاضُ وَارِدًا فِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّ الشَّرْطَ أَوَّلَ الْكِتَابِ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْحَدِيثِ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
395 -
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ:«تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً مَرَّةً لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
395 -
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً مَرَّةً» ) : نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ يَعْنِي غَسَلَ كُلَّ عُضْوٍ مَرَّةً وَاحِدَةً وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً (وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا) : أَيْ: فِي هَذَا الْوُضُوءِ أَوْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ بِاعْتِبَارِ عِلْمِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ صَحَّتِ الزِّيَادَةُ فِي رِوَايَاتٍ لَا تُحْصَى وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَإِنَّهُ أَقَلُّ الْوُضُوءِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
396 -
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
396 -
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ» ) : أَيْ: لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَيْضًا قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: هَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ فِي الْوُضُوءِ أَيْ بِالنِّسْبَةِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : وَالْأَخْصَرُ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.
397 -
وَعَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه «أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِالْمَقَاعِدِ، فَقَالَ: أَلَا أُرِيكُمْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
397 -
(وَعَنْ عُثْمَانَ) : رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِالْمَقَاعِدِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: فِي مَوَاضِعِ قُعُودِ النَّاسِ فِي الْأَسْوَاقِ وَغَيْرِهَا اهـ. وَقِيلَ: مَوَاضِعُ الْقُعُودِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: اسْمُ مَوْضِعٍ بِالْمَدِينَةِ (فَقَالَ: أَلَا) : بِالتَّنْبِيهِ أَوِ الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ ( «أُرِيكُمْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ) : أَيْ: كَيْفِيَّتَهُ وَتَصْوِيرَهُ (فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَهَذَا هُوَ الْأَكْمَلُ. قَالَ مِيرَكُ: أَيْ غَسَلَ كُلَّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ ثَلَاثَةً، وَعُمُومُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ الرَّأْسَ أَيْضًا ثَلَاثًا، لَكِنَّ الرِّوَايَاتِ الَّتِي فُصِّلَتْ فِيهَا أَعْضَاءُ الْوُضُوءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ وَقَعَ مَرَّةً تَأَمَّلْ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ طَهَّرَ كُلَّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَهَذَا يَشْمَلُ مَسْحَ الرَّأْسِ ثَلَاثًا، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ جَاءَ التَّصْرِيحُ بِتَثْلِيثِ الْمَسْحِ فِي رِوَايَةٍ اهـ.
وَهَى فِي أَبِي دَاوُدَ، لَكِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ أَنَّهَا رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِلثِّقَاتِ، وَلِذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ مَعَ كَمَالِ اعْتِنَائِهِ بِتَصْحِيحِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: اعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ فِي تَكْرَارِ الْمَسْحِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي حَدِيثَ عُثْمَانَ، وَرِوَايَةُ أَبِي أَنَسٍ عَنْ عُثْمَانَ مُطْلَقَةٌ، وَالرِّوَايَاتُ الثَّابِتَةُ عَنْهُ الْمُفَسِّرَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّكْرَارَ وَقَعَ فِيمَا عَدَا الرَّأْسِ مِنَ الْأَعْضَاءِ وَأَنَّهُ مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً اهـ كَلَامُهُ. وَلِأَنَّهُ مَسْحٌ فَلَا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَالْجَبِيرَةِ وَالْخُفِّ وَالتَّيَمُّمِ وَلِأَنَّهُ بِالتَّعَدُّدِ يَنْقَلِبُ غَسْلًا (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) قَالَ الطِّيبِيُّ:
وَإِنَّمَا تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً مَرَّةً، وَأُخْرَى مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَأُخْرَى ثَلَاثًا ثَلَاثًا تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ أَنَّ الْكُلَّ جَائِزٌ وَأَنَّ الْأَكْمَلَ أَفْضَلُ أَيْ: أَكْثَرُ ثَوَابًا وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْكَمَالِ نُقْصَانٌ وَخَطَأٌ وَظُلْمٌ وَإِسَاءَةٌ كَمَا سَنُورِدُ.
398 -
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: " «رَجَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ عَجَّلَ قَوْمٌ عِنْدَ الْعَصْرِ فَتَوَضَّئُوا وَهُمْ عُجَّالٌ فَانْتَهَيْنَا بِهِمْ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
398 -
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) بِالْوَاوِ (قَالَ: «رَجَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا» ) : أَيْ: صِرْنَا (بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: الظَّرْفُ الْأَوَّلُ خَبَرُ كَانَ وَالثَّانِي صِفَةٌ أَيْ: إِذَا كُنَّا نَازِلِينَ بِمَاءٍ كَائِنٍ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ ( «تَعَجَّلَ قَوْمٌ عِنْدَ الْعَصْرِ فَتَوَضَّئُوا وَهُمْ عُجَّالٌ» ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ جَمْعُ عَاجِلٍ كَجُهَّالٍ جَمْعُ جَاهِلٍ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ جَمْعُ عَاجِلٍ كَقِيَامٍ جَمْعُ قَائِمٍ. قَالَ الطِّيبِيُّ: تَعَجَّلَ بِمَعْنَى اسْتَعْجَلَ يَعْنِي تَطَلَّبُوا تَعْجِيلَ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْعَصْرِ فَتَوَضَّئُوا عَاجِلِينَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ اسْتَعْجَلُوا فِي السَّيْرِ وَتَقَدَّمُوا عَلَيْنَا عِنْدَ دُخُولِ الْعَصْرِ مُبَادَرَةً إِلَى الْوُضُوءِ فَتَوَضَّئُوا عَلَى الْعَجَلَةِ بِحُكْمِ ضِيقِ الْوَقْتِ مِنَ السَّفَرِ (فَانْتَهَيْنَا) : أَيْ: وَصَلْنَا (إِلَيْهِمْ وَأَعْقَابُهُمْ) : جَمْعُ عَقِبٍ (تَلُوحُ) : أَيْ: تَظْهَرُ يُبُوسَتُهَا جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَكَذَا (لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ) : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مُبَيِّنَةٌ لِتَلُوحُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " وَيْلٌ " فِي النِّهَايَةِ الْوَيْلُ الْخِزْيُ وَالْهَلَاكُ وَالْمَشَقَّةُ مِنَ الْعَذَابِ نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ. وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: جَازَ الِابْتِدَاءُ بِالنَّكِرَةِ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ فِي مَعْنَاهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ وَقِيلَ شِدَّةُ الْعَذَابِ، وَقِيلَ جَبَلٌ مِنْ قَيْحٍ وَدَمٍ وَقِيلَ كَلِمَةٌ يَقُولُهَا كُلُّ مَكْرُوبٍ وَأَصْلُهَا الْهَلَاكُ وَالْعَذَابُ، وَالْأَظْهَرُ حَمْلُهُ عَلَى الْأَصْلِ أَيْ: هَلَاكٌ عَظِيمٌ وَعِقَابٌ أَلِيمٌ " لِلْأَعْقَابِ: أَيْ: لِأَصْحَابِهَا " مِنَ النَّارِ ": قَالَ الطِّيبِيُّ: خُصَّ الْعَقِبُ بِالْعَذَابِ لِأَنَّهُ الْعُضْوُ الَّذِي لَمْ يُغْسَلْ فَالتَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ، وَقِيلَ: أَرَادَ صَاحِبَ الْعَقِبِ فَاللَّامُ لِلْعَهْدِ وَالْمُضَافُ مَحْذُوفٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَسْتَقْصُونَ عَلَى أَرْجُلِهِمْ فِي الْوُضُوءِ " أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ " بِضَمِّ الْوَاوِ أَيْ: أَتِمُّوهُ بِإِتْيَانِ جَمِيعِ فَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ أَوْ أَكْمِلُوا وَاجِبَاتِهِ، وَلَوْ ثَبَتَ فَتْحُ الْوَاوِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ أَيْ: أَوْصِلُوا مَاءَ الْوُضُوءِ إِلَى الْأَعْضَاءِ بِطَرِيقِ الِاسْتِيعَابِ وَالِاسْتِقْصَاءِ، قِيلَ: لِأَنَّهُمْ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ وَأَحْكَامِهِ، فَتَجَوَّزُوا أَيْ تَسَامَحُوا فِي غَسْلِ أَرْجُلِهِمْ لِجَهْلِهِمْ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَفِيهِ نَظَرٌ إِذِ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا وَقَعَ حِينَ الْعَجَلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيعَابِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: ظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ خِلَافًا لِلشِّيعَةِ وَقِرَاءَةُ جَرِّ (أَرْجُلِكُمْ) تُعَارِضُهَا قِرَاءَةُ نَصْبِهِ، وَحَمْلُ الْجَرِّ عَلَى الْمُجَاوَرَةِ كَمَا فِي جُحْرِ ضَبٍّ خَرِبٍ وَمَاءِ شَنٍّ بَارِدٍ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} [هود: 26] ، {وَحُورٌ عِينٌ} [الواقعة: 22] " أَوْلَى مِنْ حَمْلِ النَّصْبِ عَلَى مَحَلِّ الْمَجْرُورِ لِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِلسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ الشَّائِعَةِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَأَنَّ الْمَسْحَ لَا يُجْزِئُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ، وَقَالُوا: لَا يَجِبُ الْمَسْحُ عَلَى الْغَسْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُدَ، وَلَمْ يَثْبُتْ خِلَافُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ وَأَيْضًا كُلُّ مَنْ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَوَاضِعَ مُخْتَلِفَةٍ وَعَلَى صِفَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ مُتَّفِقُونَ عَلَى غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ اهـ. وَفَائِدَةُ الْجَرِّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ مِنْ أَنَّ الْأَرْجُلَ مَظِنَّةُ الْإِفْرَاطِ فِي الصَّبِّ عَلَيْهَا. وَقَالَ ابْنُ حَاجِبٍ: عَطْفُ الْأَرْجُلِ عَلَى الرُّءُوسِ مَعَ إِرَادَةِ كَوْنِهَا مَغْسُولَةً مِنْ بَابِ الِاسْتِغْنَاءِ بِأَحَدِ الْفِعْلَيْنِ الْمُتَنَاسِبَيْنِ عَنِ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ:
يَا لَيْتَ زَوْجَكِ قَدْ أَتَى
…
مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا
وَقَوْلِ الْآخَرِ:
عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا
نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ أَظْهَرُ إِذِ الْقِرَاءَتَانِ مُجَمَلَتَانِ فِي الْآيَةِ يُبَيِّنُهُمَا فِعْلُهُ عليه الصلاة والسلام حَيْثُ مَسَحَ حَالَ كَوْنِ الرِّجْلَيْنِ لَابِسَتَيِ الْخُفِّ، وَغَسَلَ حَالِ كَوْنِهِمَا عَارِيَتَيْنِ عَنِ الْخُفِّ مَعَ إِفَادَتِهِمَا التَّرْتِيبَ نَدْبًا أَوْ وُجُوبًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . وَأَصْلُهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ.
399 -
وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ: «إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ وَعَلَى الْخُفَّيْنِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
399 -
(وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ) : مِنْ ثَقِيفٍ أَسْلَمَ عَامَ الْخَنْدَقِ، وَأَوَّلُ مَشَاهِدِهِ الْحُدَيْبِيَةُ كَانَ أَمِيرَ الْكُوفَةِ لِمُعَاوِيَةَ وَمَاتَ بِهَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَكَذَا الْمُصَنِّفُ. (قَالَ:«إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ» ) : قِيلَ: الْبَاءُ زَائِدَةٌ، وَقِيلَ تَبْعِيضِيَّةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْبَاءُ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ الْتَصَقَ بِالرَّأْسِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: إِنْ جُعِلَتِ الْبَاءُ تَبْعِيضِيَّةً فَفِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ عَلَى وُجُوبِ مَسْحِ قَدْرِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَسْحِ، وَإِنْ جُعِلَتْ زَائِدَةً فَفِيهِ دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي التَّقْدِيرِ بِالرُّبُعِ وَهُوَ قَدْرُ النَّاصِيَةِ (وَعَلَى الْعِمَامَةِ) : قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَسَوَّى عِمَامَتَهُ بِيَدَيْهِ، فَحَسِبَ الرَّاوِي تَسْوِيَةَ الْعِمَامَةِ عِنْدَ الْمَسْحِ مَسْحًا، وَمَا رُوِيَ عَنْ ثَوْبَانَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ سِرِّيَّةً فَأَصَابَهُمُ الْبَرْدُ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ كَانَتْ مُعَصَّبَةً عَلَى الْجِرَاحِ» ، يُحْتَمَلُ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ، فَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْمَائِدَةَ آخِرُ مَا نَزَلَ مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ، فَالْأَخْذُ بِظَاهِرِ الْآيَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوْلَى اهـ.
قَالَ الْقَاضِي: اخْتَلَفُوا فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ، فَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مُطْلَقًا أَيْ لِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ، وَجَوَّزَ الثَّوْرِيُّ وَدَاوُدُ وَأَحْمَدُ رحمهم الله الِاقْتِصَارَ عَلَى مَسْحِهَا، إِلَّا أَنَّ أَحْمَدَ اعْتَبَرَ التَّعْمِيمَ عَلَى طُهْرٍ كَلُبْسِ الْخُفِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِالْمَسْحِ عَلَيْهَا لِظَاهِرِ الْآيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْإِلْصَاقِ وَالْأَحَادِيثِ الْعَاضِدَةِ إِيَّاهَا، لَكِنْ لَوْ مَسَحَ مِنْ رَأْسِهِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَسْحِ وَكَانَ يَعْسُرُ عَلَيْهِ رَفْعُهَا، وَأَمَرَّ الْيَدَ الْمُبْتَلَّةَ عَلَيْهَا بَدَلَ الِاسْتِيعَابِ كَانَ حَسَنًا كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ (وَعَلَى الْخُفَّيْنِ) : أَيْ: وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا وَهُوَ جَائِزٌ إِجْمَاعًا وَأَحَادِيثُهُ مُتَوَاتِرَةٌ مَعْنًى، فَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم ثَمَانُونَ صَحَابِيًّا. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَكَذَا الطَّبَرَانِيُّ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَسَكَتَا عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَعْقِلٍ قَالَ:«رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قِطْرِيَّةٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الْعِمَامَةِ فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَلَمْ يَنْقُضِ الْعِمَامَةَ الْقِطْرِيَّهِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الطَّاءِ ضَرْبٌ مِنَ الْبُرُودِ» ، كَذَا فِي الصِّحَاحِ. قَالَ الشَّمَنِيُّ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّاصِيَةَ وَمُقَدَّمَ الرَّأْسِ أَحَدُ جَوَانِبِهَا الْأَرْبَعَةِ، فَلَوْ كَانَ مَسْحُ الرُّبُعِ لَيْسَ بِمُجْزِئٍ لَمْ يَقْتَصِرْ عليه السلام فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ مَسْحُ مَا دُونَهُ مُجْزِئًا لَفَعَلَهُ عليه الصلاة والسلام وَلَوْ مَرَّةً فِي عُمْرِهِ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ اهـ. فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ.
400 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ: فِي طَهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
400 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التَّيَمُّنَ» ) : أَيِ: الْبَدْءَ بِالْأَيَامِنِ مِنَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، لَكِنَّ التَّيَمُّنَ فِي اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ هُوَ التَّبَرُّكُ بِالشَّيْءِ مِنَ الْيُمْنِ وَهُوَ الْبَرَكَةُ. فِي الْقَامُوسِ: الْيُمْنُ بِالضَّمِّ الْبَرَكَةُ، وَفِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ: الْيُمْنُ الْبَرَكَةُ وَضِدُّهُ الشُّؤْمُ وَالتَّيَمُّنُ الِابْتِدَاءُ فِي الْأَفْعَالِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى وَالرِّجْلِ الْيُمْنَى وَالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ (مَا اسْتَطَاعَ) : أَيْ: مَا أَمْكَنَهُ وَقَدَرَ عَلَيْهِ (فِي شَأْنِهِ) : أَيْ: فِي أَمْرِهِ (كُلِّهِ) : تَأْكِيدٌ وَالْمُرَادُ الْأُمُورُ الْمُكَرَّمَةُ (فِي طَهُورِهِ) : بِالضَّمِّ وَيُفْتَحُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَصْدَرُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهَا الِاسْتِنْجَاءُ وَنَدْبُ التَّيَمُّنِ فِي الطَّهُورِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بِأَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ الْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى، وَكَذَا فِي الرِّجْلَيْنِ وَفِي الْغُسْلِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ قَبْلَ الْأَيْسَرِ، وَفِي مَعْنَاهُ السِّوَاكُ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْمُصَافَحَةُ وَالْأَخْذُ وَالْعَطَاءُ وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ، وَمِنْهُ رِعَايَةُ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ فِي الْمُنَاوَلَةِ وَنَحْوِهَا (وَتَرَجُّلِهِ) : أَيِ: امْتِشَاطِهِ الشَّعْرَ مِنَ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ، وَمِثْلُهُ قَصُّ الشَّارِبِ وَحَلْقُ الرَّأْسِ وَالْعَانَةِ وَنَتْفُ الْإِبِطِ وَتَقْلِيمُ الظُّفُرِ كَذَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ. وَالْأَظْهَرُ إِدْخَالُهَا فِي الطَّهُورِ فَإِنَّهَا مِنْ بَابِ تَطْهِيرِ الْبَدَنِ كَمَا لَا يَخْفَى (وَتَنَعُّلِهِ) : أَيْ: لُبْسِ نَعْلِهِ، مِثْلُهُ لُبْسُ الْخُفِّ وَالثَّوْبِ وَالسَّرَاوِيلِ وَنَحْوِهَا. وَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُحِبُّ التَّيَاسُرَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ الَّذِي هُوَ مِنْ غَيْرِ التَّكْرِيمِ وَمَرَّ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ، وَمِنْهُ دُخُولُ الْخَلَاءِ وَالسُّوقِ وَمَحَلِّ الْمَعْصِيَةِ وَالْخُرُوجُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَالِامْتِخَاطُ وَالْبُصَاقُ وَالِاسْتِنْجَاءُ وَخَلْعُ الثَّوْبِ وَالنَّعْلِ وَنَحْوِهَا. وَفِي الْحَقِيقَةِ يَرْجِعُ هَذَا كُلُّهُ إِلَى تَكْرِيمِ الْيَمِينِ، فَفِي تَقْدِيمِ الْيَسَارِ فِي الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ إِبْقَاءٌ لِلْيَمِينِ فِي الْمَوْضِعِ الْأَشْرَفِ تِلْكَ السُّوَيْعَةَ، وَكَذَا فِي تَقْدِيمِ الْيَسَارِ حِينَ الدُّخُولِ فِي الْخَلَاءِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ قَالَ الطِّيبِيُّ: وَقَوْلُهُ: فِي طَهُورِهِ إِلَخْ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي شَأْنِهِ بِإِعَادَةِ الْعَامِلِ، وَلَعَلَّهُ عليه الصلاة والسلام إِنَّمَا بَدَأَ فِيهَا بِذِكْرِ الطَّهُورِ لِأَنَّهُ مِفْتَاحٌ لِأَبْوَابِ الطَّاعَاتِ كُلِّهَا، فَبِذِكْرِهِ يُسْتَغْنَى عَنْهَا كَمَا سَبَقَ فِي قَوْلِهِ:«الطَّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ» ، وَثَنَّى بِذِكْرِ التَّرَجُّلِ وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِالرَّأْسِ، وَثَلَّثَ بِالتَّنَعُّلِ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالرِّجْلِ لِيَشْمَلَ جَمِيعَ الْأَعْضَاءِ وَالْجَوَارِحِ، فَيَكُونُ كَبَدَلِ الْكُلِّ مِنَ الْكُلِّ اهـ. قَالَ مِيرَكُ: وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ تَأَمُّلٌ اهـ. وَالَّذِي يُظْهِرُ أَنَّ مَحَلَّ التَّأَمُّلِ إِنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ: لَعَلَّهُ عليه الصلاة والسلام إِنَّمَا بَدَأَ فَإِنَّهُ مُوهِمٌ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِهِ عليه الصلاة والسلام، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ أَصْلُ الْكَلَامِ وَالْأَبْدَالِ جَمِيعًا مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . قَالَ مِيرَكُ: لَكِنْ فِي مُسْلِمٍ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ.