الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
375 -
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ الْجِنِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ انْهَ أُمَّتَكَ أَنْ يَسْتَنْجُوا بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثَةٍ أَوْ حُمَمَةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ لَنَا فِيهَا رِزْقًا. فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
375 -
(وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ الْجِنِّ عَلَى النَّبِيِّ) : وَفِي نُسْخَةٍ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ انْهَ) : بِسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْهَاءِ أَمْرٌ مِنْ نَهَى يَنْهَى (أُمَّتَكَ أَنْ يَسْتَنْجُوا) : مِنَ الِاسْتِنْجَاءِ (بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثَةٍ) : تَقَدَّمَ وَجْهُهُمَا (أَوْ حُمَمَةٍ) : بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ: فَحْمٌ يَصِيرُ نَارًا. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ الْحُمَمُ: الْفَحْمُ وَمَا احْتَرَقَ مِنَ الْخَشَبِ أَوِ الْعِظَامِ وَنَحْوِهِمَا، وَالِاسْتِنْجَاءُ بِهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِأَنَّهُ جُعِلَ رِزْقًا لِلْجِنِّ فَلَا يَجُوزُ إِفْسَادُهُ كَذَا نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ وَقَوْلُهُ: رِزْقًا لِلْجِنِّ أَيِ انْتِفَاعًا لَهُمْ بِالطَّبْخِ وَالدِّفَاءِ وَالْإِضَاءَةِ (فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَنَا) : أَيْ: وَلِدَوَابِّنَا (فِيهَا رِزْقًا. فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) وَسَكَتَ عَلَيْهِ، قَالَهُ مِيرَكُ.
[بَابُ السِّوَاكِ]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
376 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ، وَبِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
[3]
بَابُ السِّوَاكِ
قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: السِّوَاكُ يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ، وَعَلَى الْعُودِ الَّذِي يُسْتَاكُ بِهِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: السِّوَاكُ بِالْكَسْرِ وَالْمِسْوَاكُ مَا يُدَلَّكُ بِهِ الْأَسْنَانُ مِنَ الْعِيدَانِ يُقَالُ: سَاكَ فَاهُ يُسَوِّكُهُ إِذَا دَلَّكَهُ بِالسِّوَاكِ فَإِذَا لَمْ يُذْكَرِ الْفَمُ يُقَالُ اسْتَاكَ اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: السِّوَاكُ بِالْكَسْرِ اسْمٌ لِلِاسْتِيَاكِ، وَلِلْعُودِ الَّذِي يُسْتَاكُ بِهِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوِ الثَّانِي، وَالْمُرَادُ وَاسْتِعْمَالُهُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، وَفِي إِفْرَادِ هَذَا الْبَابِ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ السِّوَاكَ لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْوُضُوءِ الْمُتَّصِلِ بِهِ وَإِشَارَةٌ إِلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ السِّوَاكِ عَلَى الْوُضُوءِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ قُبَيْلَ الْمَضْمَضَةِ.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ السِّوَاكُ مِنَ الْأَشْجَارِ الْمُرَّةِ فِي غِلَظِ الْخِنْصَرِ وَطُولِ الشِّبْرِ، وَأَنْ يَكُونَ الِاسْتِيَاكُ عَرْضًا لَا طُولًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَاكَ طُولًا وَعَرْضًا فَإِنِ اقْتُصِرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَعَرْضًا وَأَنْ يَكُونَ حَالَ الْمَضْمَضَةِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، وَقِيلَ: قَبْلَ الْوُضُوءِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ سِوَاكٌ أَوْ كَانَ مَقْلُوعَ الْأَسْنَانِ اسْتَاكَ بِأُصْبُعِ يَمِينِهِ لِمَا فِي الْمُحِيطِ. قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: " التَّشْوِيصُ بِالْمِسْبَحَةِ وَالْإِبْهَامِ سِوَاكٌ " وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «يُجْزِئُ مِنَ السِّوَاكِ الْأَصَابِعُ» وَتُكُلِّمَ فِيهِ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! الرَّجُلُ يَذْهَبُ فُوهُ يَسْتَاكُ؟ قَالَ: " نَعَمْ " قُلْتُ: كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: " يُدْخِلُ أُصْبُعَهُ فِي فِيهِ» " قَالَ النَّوَوِيُّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْتَاكَ بِعُودٍ مِنْ أَرَاكٍ، وَبِمَا يُزِيلُ التَّغَيُّرَ مِنَ الْخِرْقَةِ الْخَشِنَةِ وَالْأُصْبُعِ إِنْ لَمْ تَكُنْ لَيِّنَةً وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ مِنْ فَمِهِ عَرْضًا وَلَا يَسْتَاكُ طُولًا لِئَلَّا يُدْمِيَ لَحْمَ أَسْنَانِهِ، فَإِنْ خَالَفَ صَحَّ مَعَ كَرَاهَةٍ. قِيلَ: عَرْضًا حَالٌ مِنَ الْفَمِ كَذَا فِي شَرْحِ الْإِمَامِ الرَّافِعِيِّ، نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
376 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي: يُقَالُ: شَقَّ عَلَيْهِ أَيْ ثَقُلَ أَوْ حَمَّلَهُ مِنَ الْأَمْرِ الشَّدِيدِ مَا يَشُقُّ وَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى: لَوْلَا خَشْيَةُ وُقُوعِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ " لَأَمَرْتُهُمْ ": أَيْ: وُجُوبًا " بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ ": أَيْ: لَفَرَضْتُ عَلَيْهِمْ تَأْخِيرَهُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ، فَإِنَّ هَذَا التَّأْخِيرَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ أَوْ بِالسِّوَاكِ ": أَيْ: بِفَرْضِيَّتِهِ " عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ: أَيْ: وُضُوئِهَا لِمَا رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَالْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا فِي كِتَابِ الصَّوْمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ» " وَلِخَبَرِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ: " «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ
طَهُورٍ» " فَتَبَيَّنَ مَوْضِعُ السِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَالشَّافِعِيَّةُ يَجْمَعُونَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِالسِّوَاكِ فِي ابْتِدَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ الْوُضُوءِ وَالطَّهُورِ بَيَانٌ لِلْمَوَاضِعِ الَّتِي يَتَأَكَّدُ اسْتِعْمَالُ السِّوَاكِ فِيهَا، أَمَّا أَصْلُ اسْتِحْبَابِهِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِوَقْتٍ وَلَا سَبَبٍ، بِاعْتِبَارِ بَعْضِ الْأَسْبَابِ يَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ كَتَغَيُّرِ الْفَمِ بِالْأَكْلِ أَوْ بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ وَنَحْوِهِمَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْهُ عُلَمَاؤُنَا مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ نَفْسِهَا لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ جِرَاحَةِ اللِّثَةِ وَخُرُوجِ الدَّمِ وَهُوَ نَاقِضٌ عِنْدَنَا، فَرُبَّمَا يُفْضِي إِلَى جُرْحٍ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام اسْتَاكَ عِنْدَ قِيَامِهِ إِلَى الصَّلَاةِ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» " عَلَى كُلِّ وُضُوءٍ " بِدَلِيلِ رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ: «لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءِ» ، " أَوِ التَّقْدِيرُ: لَوْلَا وُجُودُ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ لَأَمَرْتُهُمْ بِهِ، لَكِنِّي لَمْ آمُرْ بِهِ لِأَجْلِ وُجُودِهَا كَمَا قِيلَ مِثْلُ هَذَا فِي الْقَرِينَةِ السَّابِقَةِ فَيَكُونُ الْقَرِينَتَانِ عَلَى طَبَقٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ إِنَّهُ عُرِفَ سُنِّيَّةُ السِّوَاكِ لِلْوُضُوءِ وَاسْتِحْبَابُ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى، وَهَذَا الْوَجْهُ بِالْقَبُولِ أَحْرَى، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنَ الصُّوفِيَّةِ فِي نَصَائِحِهِ الْعِبَادِيَّةِ: وَمِنْهَا مُدَاوَمَةُ السِّوَاكِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الصَّلَاةِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ أَوْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَرَوَى أَحْمَدُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ: "«صَلَاةٌ بِسِوَاكٍ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةً بِغَيْرِ سِوَاكٍ» " وَالْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ أَوِ الْمُصَاحَبَةِ، وَحَقِيقَتُهُمَا فِيمَا اتَّصَلَ حِسًّا أَوْ عُرْفًا، وَكَذَا حَقِيقَةُ كَلِمَةِ مَعَ وَعِنْدَ، وَالنُّصُوصُ مَحْمُولَةٌ عَلَى ظَوَاهِرِهَا إِذْ أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ هَهُنَا فَلَا مَسَاغَ إِذًا عَلَى الْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ، أَوْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ، كَيْفَ وَقَدْ ذُكِرَ السِّوَاكُ عِنْدَ نَفْسِ الصَّلَاةِ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفُرُوعِ الْمُعْتَبَرَةِ. قَالَ فِي التَّتَارَخَانِيَّةِ نَقْلًا عَنِ التَّتِمَّةِ: وَيُسْتَحَبُّ السِّوَاكُ عِنْدَنَا عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَوُضُوءٍ، وَكُلِّ شَيْءٍ يُغَيِّرُ الْفَمَ، وَعِنْدَ الْيَقَظَةِ اهـ.
وَقَالَ الْفَاضِلُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهَمَّامِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَيُسْتَحَبُّ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: اصْفِرَارِ السِّنِّ، وَتَغَيُّرِ الرَّائِحَةِ، وَالْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ، وَالْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ، وَعِنْدَ الْوُضُوءِ اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ مِنْ تَصْرِيحِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الصَّلَاةِ مُعَلًّا بِأَنَّهُ قَدْ يُخْرِجُ الدَّمَ فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ لَيْسَ لَهُ وَجْهٌ، نَعَمْ مَنْ يَخَافُ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعْمِلْ بِالرِّفْقِ عَلَى نَفْسِ الْأَسْنَانِ وَاللِّسَانِ دُونَ اللِّثَةِ، وَذَلِكَ لَا يَخْفَى. قَالَ الْقَاضِي: لَوْلَا تَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الشَّيْءِ لِثُبُوتِ غَيْرِهِ، وَالْحَقِيقَةُ أَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ لَوْ وَلَا، وَلَوْ تَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الشَّيْءِ لِانْتِفَاءِ غَيْرِهِ، فَتَدُلُّ هُنَا مَثَلًا عَلَى انْتِفَاءِ الْأَمْرِ لِانْتِفَاءِ نَفْيِ الْمَشَقَّةِ وَانْتِفَاءِ النَّفْيِ بِثُبُوتِ النَّفْيِ، فَيَكُونُ الْأَمْرُ مُنْتَفِيًا لِثُبُوتِ الْمَشَقَّةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَنْدُوبَ لَيْسَ بِمَأْمُورٍ لِانْتِفَاءِ الْأَمْرِ مَعَ ثُبُوتِ النَّدْبِيَّةِ، وَأَيْضًا جُعِلَ الْأَمْرُ ثَقِيلًا وَشَاقًّا عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْوُجُوبِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
377 -
وَعَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ رضي الله عنه قَالَ: «سَأَلْتُ عَائِشَةَ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَبْدَأُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَتْ: بِالسِّوَاكِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
377 -
(وَعَنْ شُرَيْحِ) : مُخَضْرَمٌ ثِقَةٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (ابْنِ هَانِئٍ) : بِالْهَمْزِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هُوَ أَبُو الْمِقْدَامِ الْحَارِثِيُّ أَدْرَكَ زَمَنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «وَكَنَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاهُ هَانِئَ بْنَ يَزِيدَ وَقَالَ أَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ» ، وَشُرَيْحٌ مِنْ جُمْلَةِ أَصْحَابِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ابْنُهُ الْمِقْدَامُ اهـ. وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ تَابِعِيٌّ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ فِي مَتْنِ مَنَارِ الْأُصُولِ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا التَّابِعِيُّ فَإِنْ ظَهَرَتْ فَتْوَاهُ فِي زَمَانِ الصَّحَابَةِ كَشُرَيْحٍ كَانَ مِثْلَهُمْ عِنْدَ الْبَعْضِ اهـ. فَعَدَّ الْمُصَنِّفُ أَبَاهُ فِي الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ مِنَ الْمُخَضْرَمِينَ كَمَا فَعَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مِنْ أَجِلَّاءِ التَّابِعِينَ وَالْمُجْتَهِدِينَ. (قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ بِأَيِّ شَيْءٍ) ؟ أَيْ: مِنَ الْأَفْعَالِ ( «كَانَ يَبْدَأُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَتْ: بِالسِّوَاكِ» ) : أَيْ: يَبْدَأُ بِهِ، وَفِي السِّوَاكِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا إِزَالَةُ التَّغَيُّرِ الْحَاصِلِ بِالسُّكُوتِ قَالَ الطِّيبِيُّ: إِذِ الْغَالِبُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَا يَتَكَلَّمُ فِي الطَّرِيقِ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الطَّرِيقَ مِنَ الْمَسْجِدِ إِلَى حُجْرَتِهِ رَيْبٌ، فَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي النَّظَافَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْفَوَائِدِ، فَإِنَّهُ قِيلَ فِيهِ سَبْعُونَ فَائِدَةً أَدْنَاهَا أَنْ يَذْكُرَ الشَّهَادَةَ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَفِي الْأَفْيُونِ سَبْعُونَ مَضِرَّةً أَقَلُّهَا نِسْيَانُ الشَّهَادَةِ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ، ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ حَجَرٍ قَالَ: فَيَتَأَكَّدُ لِكُلِّ مَنْ دَخَلَ مَنْزِلَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالسِّوَاكِ فَإِنَّهُ أَزْيَدُ فِي طِيبِ فَمِهِ، وَأَدْعَى لِمُعَاشَرَةِ أَهْلِهِ، وَأَذْهَبُ بِمَا عَسَاهُ حَدَثَ بِفَمِهِ مِنْ تَغَيُّرٍ كَرِيهٍ، سِيَّمَا إِذَا طَالَ سُكُوتُهُ، وَهَذَا أَوْلَى
مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: إِنَّمَا فَعَلَ عليه الصلاة والسلام ذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَتَكَلَّمُ فِي طَرِيقٍ، وَالْفَمُ يَتَغَيَّرُ بِالسُّكُوتِ فَيَسْتَاكُ لِيُزِيلَهُ وَهُوَ تَعْلِيمٌ لِأُمَّتِهِ، فَمَنْ سَكَتَ ثُمَّ أَرَادَ التَّكَلُّمَ مَعَ صَاحِبِهِ يَسْتَاكُ لِذَلِكَ لِئَلَّا يَتَأَذَّى مِنْ رَائِحَةِ فَمِهِ اهـ.
وَمِمَّا يَرُدُّ ذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَنَا جَعَلُوا التَّأْكِيدَ لِلدَّاخِلِ الْمَنْزِلَ غَيْرَ التَّأْكِيدِ لِلسُّكُوتِ فَجَعَلُوهُمَا سَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَوَّلِ غَيْرُ السُّكُوتِ وَهُوَ مَا قَدَّمْتُهُ فَتَأَمَّلْهُ. قُلْتُ: وَكَذَا صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِهِ. قَالَ ابْنُ الْهَمَّامِ: الْحَقُّ أَنَّ السِّوَاكَ مِنْ مُسْتَحَبَّاتِ الْوُضُوءِ أَيْ: لَا مِنْ سُنَنِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ، وَيُسْتَحَبُّ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: اصْفِرَارِ السِّنِّ، وَتَغَيُّرِ الرَّائِحَةِ، وَالْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ، وَالْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ، وَعِنْدَ الْوُضُوءِ، وَالِاسْتِقْرَاءُ يُفِيدُ غَيْرَهَا. وَمِنْهَا أَوَّلُ مَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى مُحَافَظَتِهِ عَلَى السِّوَاكِ اسْتِيَاكُهُ السِّوَاكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ وَفَاتِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
378 -
وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ لِلتَّهَجُّدِ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
378 -
(وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ لِلتَّهَجُّدِ» ) : مِنَ الْهُجُودِ وَهُوَ النَّوْمُ يُقَالُ: هَجَّدْتُهُ فَتَهَجَّدَ أَيْ: أَزَلْتُ هُجُودَهُ ; فَالتَّهَجُّدُ التَّيَقُّظُ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ (مِنَ اللَّيْلِ) : تَبْعِيضِيَّةٌ مَفْعُولُ التَّهَجُّدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ} [الإسراء: 79] أَيْ: عَلَيْكَ بَعْضُ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ ( «يَشُوصُ» ) : بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةً (فَاهُ) : أَيْ: يُدَلِّكُ أَسْنَانَهُ وَيُنَقِّيهَا (بِالسِّوَاكِ) : وَأَصْلُ الشَّوْصِ الْغَسْلُ، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَسْتَاكَ مِنْ سُفْلٍ إِلَى عُلُوٍّ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
379 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ) - يَعْنِي الِاسْتِنْجَاءَ - قَالَ الرَّاوِي: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
379 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ» ": أَيْ: عَشْرُ خِصَالٍ مِنْ سُنَّةِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ أُمِرْنَا أَنْ نَقْتَدِيَ بِهِمْ، فَكَأَنَّا فُطِرْنَا عَلَيْهَا كَذَا نُقِلَ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَهَذِهِ هِيَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} [البقرة: 124] . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ السُّنَّةُ الَّتِي فُطِرَ إِبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم عَلَى التَّدَيُّنِ بِهَا، أَوْ فُطِرَ النَّاسُ عَلَيْهَا وَرُكِّبَ فِي عُقُولِهِمُ اسْتِحْسَانُهَا، وَهَذَا أَظْهَرُ أَوْ مِنْ تَوَابِعِ الدِّينِ، وَالْفِطْرَةُ الدِّينُ، وَالْمُضَافُ مَحْذُوفٌ، قِيلَ: وَهَذَا أَوْجَهُ، قَالَ تَعَالَى:{فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] أَيْ: دِينُ اللَّهِ الَّذِي اخْتَارَهُ لِأَوَّلِ مَفْطُورٍ مِنَ الْبَشَرِ، وَقِيلَ: أَيْ مِنْ سُنَّةِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ أُمِرَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّبَاعِهِمْ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ - أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 90 - 123] وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ " قَصُّ الشَّارِبِ ": قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَيُسَنُّ إِحْفَاؤُهُ حَتَّى تَبْدُوَ حُمْرَةُ الشَّفَةِ الْعُلْيَا، وَلَا يُحْفِيهِ مِنْ أَصْلِهِ، وَالْأَمْرُ بِإِحْفَائِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَخُرِّجَ بِقَصِّهِ حَلْقُهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَقِيلَ حَرَامٌ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ، وَقِيلَ سُنَّةٌ لِرِوَايَةٍ بِهِ حُمِلَتْ عَلَى الْإِحْفَاءِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ " وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ ". قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: أَيْ تَوْفِيرُهَا يُقَالُ: عَفَا النَّبْتُ إِذَا كَثُرَ وَأَعْفَوْتُهُ أَنَا وَأَعْفَيْتُهُ لُغَتَانِ، وَقَصُّ اللِّحْيَةِ مِنْ صُنْعِ الْأَعَاجِمِ وَهُوَ الْيَوْمَ شِعَارُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَالْإِفْرِنْجِ وَالْهُنُودِ، وَمَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الدِّينِ مِنَ الطَّائِفَةِ الْقَلَنْدَرِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْ أَطْرَافِ اللِّحْيَةِ طُولِهَا أَوْ عَرْضِهَا لِلتَّنَاسُبِ فَحَسَنٌ، لَكِنَّ الْمُخْتَارَ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا إِذَا نَبَتَتِ اللِّحْيَةُ لِلْمَرْأَةِ فَيُسْتَحَبُّ لَهَا حَلْقُهَا " وَالسِّوَاكُ " قِيلَ: لَا يُسَنُّ فِي الْمَسْجِدِ إِذَا خُشِيَ تَطَايُرُ شَيْءٍ مِنَ الرِّيقِ أَوْ نَحْوِهِ إِلَيْهِ، ثُمَّ السِّوَاكُ سُنَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَقَالَ دَاوُدُ: وَاجِبٌ، وَزَادَ إِسْحَاقُ فَقَالَ: إِنْ تَرَكَهُ عَامِدًا بَطُلَتْ صَلَاتُهُ " وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ ": وَهُوَ كَالْمَضْمَصَةِ الْآتِيَةِ سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ فَرْضَانِ فِي الْغُسْلِ عِنْدَنَا وَسُنَّتَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ بِوُجُوبِهِمَا " وَقَصُّ الْأَظْفَارِ ": أَيْ: تَقْلِيمُهَا وَتَحْصُلُ سُنِّيَّتُهَا بِأَيِّ كَيْفِيَّةٍ كَانَتْ، وَأَوْلَاهَا أَنْ يَبْدَأَ فِي الْيَدَيْنِ بِمِسْبَحَةِ الْيُمْنَى ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ الْبِنْصَرِ ثُمَّ الْخِنْصَرِ ثُمَّ الْإِبْهَامِ، ثُمَّ خِنْصَرِ الْيَدِ الْيُسْرَى ثُمَّ بِنْصَرِهَا ثُمَّ وُسْطَاهَا ثُمَّ مِسْبَحَتِهَا ثُمَّ إِبْهَامِهَا وَفِي الرِّجْلَيْنِ بِخِنْصَرِ الْيُمْنَى وَيَخْتِمُ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى " وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ " بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ أَيِ الْعُقَدُ الَّتِي عَلَى ظَهْرِ مَفَاصِلِ الْأَصَابِعِ، وَالَّذِي فِي بَوَاطِنِهَا رَوَاجِبُ بِالْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ، كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: الْبَرَاجِمُ مَفَاصِلُ الْأَصَابِعِ اللَّاتِي بَيْنَ الْأَسَاجِعِ، وَالرَّوَاجِبُ وَالرَّوَاجِي الْمَفَاصِلُ الَّتِي تَلِي الْأَنَامِلَ وَبَعْدَهَا الْبَرَاجِمُ وَبَعْدَهَا
الْأَسَاجِعُ كَذَا نَقَلَهُ الْأَبْهَرِيُّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ غَسْلُ جَمِيعِ عُقَدِهَا مِنْ مَفَاصِلِهَا وَمَعَاطِفِهَا " وَنَتْفُ الْإِبِطِ " بِالسُّكُونِ وَيُكْسَرُ أَيْ: قَلْعُ شَعْرِهِ بِحَذْفِ الْمُضَافِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ حَلْقَهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، وَقِيلَ: النَّتْفُ أَفْضَلُ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ " وَحَلْقُ الْعَانَةِ " قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: لَوْ أَزَالَ شَعْرَهَا بِغَيْرِ الْحَلْقِ لَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ، وَفِيهِ أَنَّ إِزَالَتَهُ قَدْ تَكُونُ بِالنَّوْرَةِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام اسْتَعْمَلَ النَّوْرَةَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي رِسَالَتِهِ، نَعَمْ لَوْ أَزَالَهَا بِالْمِقَصِّ مَثَلًا لَا يَكُونُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: وَلَا يُتْرَكُ حَلْقُ الْعَانَةِ وَنَتْفُ الْإِبِطِ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَالْأَظْفَارِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: «وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لَا تُتْرَكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَلَوْ لِلْمَرْأَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ الْإِطْلَاقُ، بَلْ حَدِيثُ: وَتَسْتَحِدَّ الْمَغِيبَةُ ظَاهِرٌ فِيهِ، لَكِنْ قَيَّدَهُ كَثِيرُونَ بِالرَّجُلِ، وَقَالُوا الْأَوْلَى لِلْمَرْأَةِ النَّتْفُ لِأَنَّهُ أَنْظَفُ وَأَبْعَدُ لِنَفْرَةِ الْحَلِيلِ مِنْ بَقَايَا أَثَرِ الْحَلْقِ، وَلِأَنَّ شَهْوَةَ الْمَرْأَةِ أَضْعَافُ شَهْوَةِ الرَّجُلِ إِذْ جَاءَ أَنَّ لَهَا تِسْعًا وَتِسْعِينَ جُزْءًا مِنْهَا وَلِلرَّجُلِ جُزْءٌ وَاحِدٌ وَالنَّتْفُ يُضْعِفُهَا وَالْحَلْقُ يُقَوِّيهَا فَأُمِرَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا هُوَ الْأَنْسَبُ بِهِ " وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ ": بِالْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ انْتِقَاصُ الْبَوْلِ بِالْمَاءِ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي غَسْلِ الْمَذَاكِيرِ وَقَطْعُهُ لِيَرْتَدَّ الْبَوْلُ بِرَدْعِ الْمَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَغْسِلْ لَنَزَلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَشَيْءٌ فَيَعْسُرُ الِاسْتِبْرَاءُ وَالِاسْتِنْجَاءُ، فَالْمَاءُ عَلَى الْأَوَّلِ الْمُسْتَنْجَى بِهِ، وَعَلَى الثَّانِي الْبَوْلُ فَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَاءُ الْمَغْسُولُ بِهِ، فَالْإِضَافَةُ إِلَى الْفَاعِلِ أَيْ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ الْبَوْلَ، وَانْتَقَصَ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ وَاللُّزُومُ أَكْثَرُ، وَقِيلَ: هُوَ تَصْحِيفٌ، وَالصَّحِيحُ وَانْتِفَاضٌ بِالْفَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ أَيْضًا وَهُوَ الِانْتِضَاحُ بِالْمَاءِ عَلَى الذَّكَرِ، وَهَذَا أَقْرَبُ لِأَنَّ فِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ: وَالِانْتِضَاحُ وَلَمْ يَذْكُرِ انْتِقَاصَ الْمَاءِ قَالَهُ زَيْنُ الْعَرَبِ نَقَلَهُ السَّيِّدُ (يَعْنِي الِاسْتِنْجَاءَ) وَهُنَا تَفْسِيرُ الرَّاوِي قِيلَ: هُوَ وَكِيعٌ، وَالتَّفْسِيرُ السَّابِقُ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ (قَالَ الرَّاوِي) : ذَكَرَ الْأَبْهَرِيُّ أَنَّ مُسْلِمًا وَأَصْحَابَ السُّنَنِ ذَكَرُوا أَنَّ مُصْعَبًا هُوَ الَّذِي نَسِيَ الْعَاشِرَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: إِنَّ الَّذِي نَسِيَهَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَقَالَ إِلَّا أَنْ يُحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مُصْعَبًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي عَنْهُ (وَنَسِيتُ) : وَفِي نُسْخَةٍ: بِالتَّشْدِيدِ وَالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ) : أَيِ الْعَاشِرَةُ (الْمَضْمَضَةُ) قَالَ الطِّيبِيُّ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ وَنَسِيتُ مُؤَوَّلٌ بِاسْمِ أَتَذَكَّرُ أَيْ: لَمْ أَتَذَكَّرِ الْعَاشِرَةَ فِيمَا أَظُنُّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَضْمَضَةً. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ضُمِّنَ نَسِيَ مَعْنَى النَّفْيِ لِأَنَّ التَّرْكَ مَوْجُودٌ فِي ضِمْنِ كُلٍّ أَيْ: لَمْ أَتَذَكَّرْ شَيْئًا يَتِمُّ الْخِصَالُ بِهِ عَشْرَةً إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَضْمَضَةً اهـ. وَهُوَ تَوْضِيحُ كَلَامِ الطِّيبِيِّ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: لِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ يُذْكَرَانِ مَعًا (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
(وَفِي رِوَايَةٍ: الْخِتَانُ) : وَهُوَ قَطْعُ الْجِلْدَةِ الزَّائِدَةِ مِنَ الذَّكَرِ (بَدَلَ) : بِالنَّصْبِ (إِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ) : بِرَفْعِ " إِعْفَاءُ " عَلَى الْحِكَايَةِ، وَقِيلَ بِالْجَرِّ عَلَى الْإِضَافَةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي بَعْضِهَا خِلَافٌ فِي وُجُوبِهِ كَالْخِتَانِ وَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَلَا يَمْنَعُ اقْتِرَانُ الْوَاجِبِ بِغَيْرِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ} [الأنعام: 141] فَإِنَّ الْإِيتَاءَ وَاجِبٌ وَالْأَكْلَ مُبَاحٌ، فَالْخِتَانُ وَاجِبٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَكَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَسُنَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، فَالتَّقْلِيمُ سُنَّةٌ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِمِسْبَحَةِ يَدِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ الْبِنْصَرِ ثُمَّ الْخِنْصَرِ، ثُمَّ خِنْصَرِ الْيُسْرَى إِلَى إِبْهَامِهَا ثُمَّ بِخِنْصَرِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى فَيُتِمُّ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى، وَنَتْفُ الْإِبِطِ سُنَّةٌ، وَيَحْصُلُ أَيْضًا بِالْحَلْقِ وَالنَّوْرَةِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ سُنَّةٌ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَيْمَنِ وَلَوْ وَلَّى غَيْرَهُ بِقَصِّهِ جَازَ مِنْ غَيْرِ هَتْكِ مُرُوءَةٍ وَلَا حُرْمَةٍ بِخِلَافِ الْإِبِطِ وَالْعَانَةِ. قُلْتُ: فِي الْإِبِطِ نَظَرٌ ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ حَجَرٍ قَالَ: وَالْأَوْلَى فِيهِ أَنْ لَا يُفَوِّضَهُ لِغَيْرِهِ اهـ.
وَفِي رِوَايَةٍ: " الْخِتَانُ " بَدَلَ: " إِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ ". لَمْ أَجِدْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " وَلَا فِي كِتَابِ " الْحُمَيْدِيِّ "، وَلَكِنْ ذَكَرَهَا صَاحِبُ " الْجَامِعِ " وَكَذَا الْخَطَّابِيُّ فِي " مَعَالِمِ السُّنَنِ ". وَهَذَا فِي نَتْفِهِ، وَأَمَّا حَلْقُهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ غَيْرُ التَّفْوِيضِ، وَقَدْ جَوَّزُوا حَلْقَهُ مِنْ غَيْرِ حُرْمَةٍ وَهَتْكِ مُرُوءَةٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ نَتْفَهُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُقَصَّ الشَّارِبُ حَتَّى تَبْدُوَ الشَّفَةُ وَلَا يُحْفِيهِ مِنْ أَصْلِهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام " «أَحْفُوا الشَّارِبَ» " أَحْفُوا
مَا طَالَ عَلَى الشَّفَتَيْنِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَهِيَ عُقَدُ الْأَصَابِعِ وَمَعَاطِفُهَا وَهِيَ بِفَتْحِ الْبَاءِ جَمْعُ بُرْجُمَةٍ بِضَمِّ الْبَاءِ وَالْجِيمِ سُنَّةٌ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِالْوُضُوءِ، وَيُلْحَقُ بِهَا مَا يُجَمَّعُ مِنَ الْوَسَخِ فِي مَعَاطِفِ الْأُذُنِ وَقَعْرِ الصِّمَاخِ وَمَا يَجْتَمِعُ فِي دَاخِلِ الْأَنْفِ، وَكَذَا جَمِيعُ الْوَسَخِ عَلَى الْبَدَنِ (لَمْ أَجِدْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ) : أَيِ: الَّتِي رَوَاهَا صَاحِبُ الْمَصَابِيحِ فِي كِتَابِهِ (فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَا فِي كِتَابِ الْحُمَيْدِيِّ) : أَيِ: الَّذِي هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (وَلَكِنْ ذَكَرَهَا) : أَيْ: هَذِهِ الرِّوَايَةَ (صَاحِبُ الْجَامِعِ) : أَيْ لِلْأُصُولِ وَهُوَ ابْنُ الْأَثِيرِ (وَكَذَا) : أَيْ ذَكَرَهَا (الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ) : الَّذِي شَرَحَ بِهِ سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ.
380 -
وَعَنْ أَبِي دَاوُدَ، بِرِوَايَةِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ.
ــ
380 -
(وَعَنْ أَبِي دَاوُدَ) : مُتَعَلِّقٌ بِذِكْرِهَا الْمَذْكُورِ (بِرِوَايَةِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ) أَيْ: لَا بِرِوَايَةِ عَائِشَةَ. قَالَ السَّيِّدُ: كَأَنَّهُ اعْتِرَاضٌ عَلَى مُحْيِي السُّنَّةِ حَيْثُ ذَكَرَهَا فِي الصِّحَاحِ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَا فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا وَعَدَ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ فِي مَقَاصِدِ الْبَابِ وَالْأُصُولِ، دُونَ مَا ذُكِرَ مِنَ اخْتِلَافِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَشْمَلُ الْفَائِدَةَ تَأَمَّلْ. اهـ.
الْفَصْلُ الثَّانِي
381 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِلَا إِسْنَادٍ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
381 -
(عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ» ) بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ " «مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» ": بِفَتْحِ الْمِيمِ فِيهِمَا وَقِيلَ بِكَسْرِهَا. قَالَ الْمُظْهِرُ: الْمَطْهَرَةُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ: أَيْ: مُطَهِّرٌ لِلْفَمِ وَكَذَا الْمَرْضَاةُ أَيْ مُحَصِّلٌ لِرِضَا اللَّهِ تَعَالَى، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ أَيْ مَرْضِيٌّ لِلرَّبِّ قَالَهُ الطِّيبِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا بَاقِيَيْنِ عَلَى مَصْدَرِيَّتِهِمَا أَيْ: سَبَبُ الطَّهَارَةِ وَالرِّضَا أَوْ لِلْمُبَالَغَةِ كَرَجُلٍ عَدْلٍ، وَقِيلَ: هُمَا لِلْكَثْرَةِ كَالْمَأْسَدَةِ وَالْمَأْذَبَةِ ذَكَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ أَيْ: مَظَنَّةٌ لِلطَّهَارَةِ وَالرِّضَا حَامِلَةٌ عَلَيْهِمَا وَبَاعِثَةٌ لَهُمَا كَمَا فِي حَدِيثِ: «الْوَلَدُ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ» " وَلَعَلَّ وُرُودَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْخَصْلَتَيْنِ مَعَ أَنَّ لَهُ فَوَائِدَ أُخَرَ لِأَنَّهُمَا أَفْضَلُهَا أَوْ لِكَوْنِهِمَا شَمِلَتَا غَيْرَهُمَا فَإِنَّهَا مُنْحَصِرَةٌ فِي تَحْصِيلِ الطَّهَارَةِ الظَّاهِرِيَّةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ وَالْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ فِي الدُّنْيَا، وَفِي تَكْمِيلِ رِضَا الرَّبِّ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْلَى فِي الْعُقْبَى (رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ، النَّسَائِيُّ) : بِسَنَدٍ حَسَنٍ (وَرَوَى الْبُخَارِيُّ) : أَيْ: ذَلِكَ الْحَدِيثَ عَنْهَا (فِي صَحِيحِهِ بِلَا إِسْنَادٍ) . أَيْ: تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ جَزْمٍ وَالْمُعَلَّقَاتُ الْمَجْزُومَةُ صَحِيحَةٌ قَالَهُ مِيرَكُ.
382 -
وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ: الْحَيَاءُ - وَيُرْوَى الْخِتَانُ - وَالتَّعَطُّرُ، وَالسِّوَاكُ، وَالنِّكَاحُ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
382 -
(وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَرْبَعٌ ": أَيْ: خِصَالٌ عَظِيمَةُ الْمِقْدَارِ جَلِيلَةُ الِاعْتِبَارِ " «مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ» ": أَيْ فِعْلًا وَقَوْلًا يَعْنِي الَّتِي فَعَلُوهَا وَحَثُّوا عَلَيْهَا وَفِيهِ تَغْلِيبٌ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ كَعِيسَى مَا ظَهَرَ مِنْهُ الْفِعْلُ فِي بَعْضِ الْخِصَالِ وَهُوَ النِّكَاحُ " الْحَيَاءُ " قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بَدَأَ بِهِ فَإِنَّ «الْحَيَاءَ خَيْرٌ كُلُّهُ» عَلَى مَا وَرَدَ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْبِكْرِ فِي خِدْرِهَا» اهـ. وَقَدْ أَوْرَدَ التُّورِبِشْتِيُّ مَا رَوَاهُ بِهَذَا الْمَعْنَى كَمَا سَيَأْتِي. وَفِي نُسْخَةٍ: الْحِنَّاءُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَرُوِيَ الْحِنَّاءُ بِالنُّونِ وَهُوَ إِنْ وَقَعَ فِي صَحِيحِ التِّرْمِذِيِّ تَصْحِيفٌ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي شَنِّ الْغَارَةِ عَلَى مَنْ أَظْهَرَ مَعَرَّةً بِقَوْلِهِ: فِي الْحِنَّاءِ وَعَوَارِهِ، فَإِنَّ جَمْعًا يَمَنِيِّينَ زَعَمُوا حِلَّ الْحِنَّاءِ لِلرِّجَالِ وَصَنَّفُوا فِيهِ وَقَلَّ أَدَبُهُمْ عَلَى بَقِيَّةِ عُلَمَاءِ الْمَذْهَبِ، وَخَضْبُ اللِّحْيَةِ سُنَّةٌ لَمْ تُعْرَفْ لِغَيْرِ نَبِيِّنَا فَلَا يَصِحُّ حَمْلُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ الْمُصَحَّفَةِ عَلَيْهِ اهـ. وَفِيهِ أَبْحَاثٌ لَا تَخْفَى (وَيُرْوَى الْخِتَانُ -) قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ النُّونَ سَقَطَ مِنْهُ فِي بَعْضِ نُسَخِ أَهْلِ الرِّوَايَةِ فَرُوِيَ عَلَى رَسْمِ الْخَطِّ. قَالَ الطِّيبِيُّ: اخْتَصَرَ الْمُظْهِرُ كَلَامَ التُّورِبِشْتِيِّ، وَقَالَ فِي الْحَيَاءِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ
بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ يَعْنِي بِهِ مَا يَقْتَضِي الْحَيَاءَ مِنَ الدِّينِ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالتَّنَزُّهِ عَمَّا تَأْبَاهُ الْمُرُوءَةُ وَيَذُمُّهُ الشَّرْعُ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَغَيْرِهَا، لَا الْحَيَاءُ الْجِبِلِّيُّ نَفْسُهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النَّاسِ، وَأَنَّهُ خُلُقٌ غَرِيزِيٌّ لَا يَدْخُلُ فِي جُمْلَةِ السُّنَنِ، وَثَانِيهَا الْخِتَانُ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَتَاءٍ فَوْقَهَا نُقْطَتَانِ وَهِيَ مِنْ سُنَّةِ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا سَبَقَ مِنْ لَدُنْ إِبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام إِلَى زَمَنِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرُوِيَ «أَنَّ آدَمَ وَشِيثًا وَنُوحًا وَهُودًا وَصَالِحًا وَلُوطًا وَشُعَيْبًا وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَسُلَيْمَانَ وَزَكَرِيَّا وَعِيسَى وَحَنْظَلَةَ بْنَ صَفْوَانَ نَبِيُّ أَصْحَابِ الرَّسِّ وَمُحَمَّدًا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ، وُلِدُوا مَخْتُونِينَ» ، وَثَالِثُهَا الْحِنَّاءُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ الْمُشَدَّدَةِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَلَعَلَّهَا تَصْحِيفٌ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ خِضَابُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ تَشَبُّهًا بِالنِّسَاءِ، وَأَمَّا خِضَابُ الشَّعْرِ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ إِلَى الْمُرْسَلِينَ " وَالتَّعَطُّرُ ": أَيِ التَّطَيُّبِ بِالطِّيبِ فِي الْبَدَنِ وَالثِّيَابِ، وَقَدْ وَرَدَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَطَيَّبُ بِالْمِسْكِ مِمَّا لَوْ كَانَ لِأَحَدِنَا لَكَانَ رَأْسَ مَالٍ» " وَالسِّوَاكُ " وَلَقَدْ أَكْثَرَ نَبِيُّنَا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى خَشِيَ عَلَى فَمِهِ الْحِفَاءَ وَهُوَ دَاءٌ عَظِيمٌ يَضُرُّ بِالْأَسْنَانِ وَاللِّثَةِ " وَالنِّكَاحُ " قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لَقَدْ جَمَعْتُ الْأَحَادِيثَ الَّتِي فِيهَا فِي جُزْءٍ وَسَمَّيْتُهَا: " الْإِفْصَاحُ فِي فَضَائِلِ النِّكَاحِ " فَزَادَتْ عَلَى الْمِائَةِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
383 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَرْقُدُ مِنْ لَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ فَيَسْتَيْقِظُ، إِلَّا يَتَسَوَّكُ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ.
ــ
383 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْقُدُ) : أَيْ: لَا يَنَامُ (مِنْ لَيْلٍ) أَيْ: بَعْضِ لَيْلٍ، أَوْ فِي لَيْلٍ (وَلَا نَهَارٍ) لِأَنَّ النَّوْمَ يُغَيِّرُ الْفَمَ فَيَتَأَكَّدُ السِّوَاكُ عِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ مِنْهُ إِزَالَةً لِذَلِكَ التَّغَيُّرِ، سِيَّمَا إِنْ أُرِيدَتْ مُحَادَثَةٌ أَوْ ذِكْرٌ ثَمَّةَ (فَيَسْتَيْقِظُ) : بِالرَّفْعِ، وَقِيلَ بِالنَّصْبِ أَيْ: يَسْتَنْبِهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: يَجُوزُ فِي يَسْتَيْقِظُ الرَّفْعُ لِلْعَطْفِ، وَيَكُونُ النَّفْيُ مُنْصَبًّا عَلَيْهِمَا مَعًا، وَالنَّصْبُ جَوَابًا لِلنَّفْيِ لِأَنَّ الِاسْتِيقَاظَ مَسْبُوقٌ بِالنَّوْمِ لِأَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْهُ، وَفِي إِيرَادِهَا هَكَذَا مُطْنِبًا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ دَأْبَهُ ( «إِلَّا يَتَسَوَّكُ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ» ) . يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَكْتَفِي بِذَلِكَ السِّوَاكِ عَنِ السِّوَاكِ لِلْوُضُوءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَاكُ ثَانِيًا عِنْدَ إِرَادَةِ الْوُضُوءِ أَوْ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ) وَسَنَدُهُ حَسَنٌ.
384 -
وَعَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَاكُ، فَيُعْطِينِي السِّوَاكَ لِأَغْسِلَهُ فَأَبْدَأُ بِهِ فَأَسْتَاكُ، ثُمَّ أَغْسِلُهُ وَأَدْفَعُهُ إِلَيْهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
384 -
(وَعَنْهَا) : أَيْ: عَنْ عَائِشَةَ (قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَاكُ» ) : أَيْ: يَسْتَعْمِلُ السِّوَاكَ «فَيُعْطِينِي السِّوَاكَ لِأَغْسِلَهُ» ) : لِلتَّلْيِينِ أَوْ لِلتَّنَظُّفِ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَسْلَ السِّوَاكِ مُسْتَحَبٌّ بَعْدَ الِاسْتِيَاكِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ غَسْلَ السِّوَاكِ فِي أَثْنَاءِ التَّسَوُّكِ بِهِ وَبَعْدَهُ قَبْلَ وَضْعِهِ سُنَّةٌ. وَقَالَ ابْنُ الْهَمَّامِ: يُسْتَحَبُّ فِي السِّوَاكِ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثًا بِثَلَاثِ مِيَاهٍ وَأَنْ يَكُونَ السِّوَاكُ لَيِّنًا (فَأَبْدَأُ بِهِ) : أَيْ: بِاسْتِعْمَالِهِ قَبْلَ الْغَسْلِ لِنَيْلِ الْبَرَكَةِ، وَلَا أَرْضَى أَنْ يَذْهَبَ بِالْمَاءِ مَا صَحِبَهُ السِّوَاكُ مِنْ مَاءِ أَسْنَانِهِ ( «فَأَسْتَاكُ ثُمَّ أَغْسِلُهُ» ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ قَبْلَ الْغَسْلِ أَسْتَاكُ بِهِ تَبَرُّكًا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اسْتِعْمَالَ سِوَاكِ الْغَيْرِ بِرِضَاهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، وَإِنَّمَا فَعَلَتْ ذَلِكَ لِمَا بَيْنَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ مِنَ الِانْبِسَاطِ (وَأَدْفَعُهُ إِلَيْهِ) لِيُكْمِلَ سِوَاكَهُ أَوْ لِيَحْفَظَهُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالثَّانِي غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَدَبِ عُرْفًا وَلِوُرُودِ: «كُنَّا نَعُدُّ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ» ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَأَدْفَعُهُ إِلَيْهِ وَقْتًا آخَرَ، بَلْ هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ وَدَلَالَةُ الْحَدِيثِ عَلَى غَسْلِ السِّوَاكِ فِي أَثْنَاءِ التَّسَوُّكِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ كَمَا لَا يَخْفَى (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) قَالَ مِيرَكُ: وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
385 -
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «أَرَانِي فِي الْمَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ، فَجَاءَنِي رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ، فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الْأَصْغَرَ مِنْهُمَا، فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ، فَدَفَعْتُهُ إِلَى الْأَكْبَرِ مِنْهُمَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
385 -
(عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَرَانِي ": قَالَ مِيرَكُ: وَقَعَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ يَعْنِي بِلَفْظِ الْمُتَكَلِّمِ أَيْ: أَرَى نَفْسِي، وَأَصْلُهُ رَأَيْتُ نَفْسِي وَعَدَلَ إِلَى الْمُضَارِعِ لِحِكَايَةِ الْحَالِ الْمَاضِيَةِ. قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ: وَوَهِمَ مِنْ ضَمَّهَا: لَكِنْ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ فَمَعْنَاهُ أَظُنُّ نَفْسِي قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ كَأَنَّهُ ظَنَّ الْكِرْمَانِيُّ أَنَّ الرُّؤْيَا الْمَنَامِيَّةَ يُعَبَّرُ عَنْهَا بِالظَّنِّ، وَلِذَا يُقَالُ: رَأَيْتُ كَأَنِّي أَفْعَلُ كَذَا وَنَحْوَهُ، وَلَكِنَّ هَذَا مِنْ بَعْضِ الظَّنِّ إِذْ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ فَإِنْ ثَبُتَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ فَالصَّوَابُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ مَجْهُولٌ مِنْ بَابِ الْإِرَاءَةِ بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ حَجَرٍ إِلَّا مَعْنَى الضَّمِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ " فِي الْمَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ " أَيْ: رَأَيْتُ نَفْسِي فِي الْمَنَامِ مُتَسَوِّكًا فَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ مُسْتَتِرٌ وَالثَّانِي الْبَارِزُ، وَجَازَ فِي " عَلِمْتُ " كَوْنُ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ ضَمِيرَيْ وَاحِدٍ، وَالثَّالِثُ أَتَسَوَّكُ كَذَا قِيلَ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ الضَّمِّ مِنَ الْإِرَاءَةِ دُونَ الرُّؤْيَةِ وَأَتَسَوَّكُ بِإِضْمَارِ أَنْ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ " فَجَاءَنِي رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ " أَيْ: سِنًّا " مِنَ الْآخَرِ، فَنَاوَلْتُ ") أَيْ أَعْطَيْتُ " السِّوَاكَ ": يَعْنِي: أَرَدْتُ مُنَاوَلَةَ السِّوَاكِ " الْأَصْغَرَ مِنْهُمَا ": لَعَلَّهُ لِقُرْبِهِ " فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ ": أَيْ: قَدِّمِ الْكَبِيرَ فِي السِّنِّ يَعْنِي ادْفَعْ إِلَى الْأَكْبَرِ " فَدَفَعْتُهُ إِلَى الْأَكْبَرِ مِنْهُمَا " الظَّاهِرُ أَنَّهُمَا كَانَا فِي أَحَدِ جَانِبَيْهِ أَوْ فِي يَسَارِهِ وَهُوَ الْأَنْسَبُ فَأَرَادَ تَقْدِيمَ الْأَقْرَبِ فَأُمِرَ بِتَقْدِيمِ الْأَكْبَرِ، فَلَا يُنَافِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوِ الْأَعْرَابِيِّ فِي إِيثَارِهِ بِسُؤْرِهِ عليه الصلاة والسلام مِنَ اللَّبَنِ لِكَوْنِهِ عَلَى الْيَمِينِ عَلَى الْأَشْيَاخِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَغَيْرِهِمَا، لِكَوْنِهِمْ عَلَى الْيَسَارِ بَعْدَ أَنِ اسْتَأْذَنَهُ صلى الله عليه وسلم فِي إِعْطَائِهِ لَهُمْ فَقَالَ:«لَا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا» ، وَأَطْنَبَ ابْنُ حَجَرٍ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ حَيْثُ قَالَ: وَظَاهِرُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُرَادَ الْكِبَرُ هُنَا فِي السِّنِّ لَا فِي الْعِلْمِ وَالْقَدْرِ وَوَجْهُ أَخْذِ ذَلِكَ مِنْ هَذَا أَنَّ ذَلِكَ عَلَى اعْتِبَارِ مَنْ عَلَى الْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِسِنِّهِ وَلَا لِفَضْلِهِ، نَظَرًا إِلَى أَنَّ جُلُوسَهُ بِالْيَمِينِ هُوَ الْمُرَجِّحُ لَهُ، فَكَذَا كِبَرُ السِّنِّ هَهُنَا يَكُونُ مُرَجِّحًا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ فَضْلٍ وَلَا قَدْرٍ.
فَإِنْ قُلْتَ: يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ ثَمَّةَ وُجِدَ مُرَجِّحٌ خَارِجِيٌّ أَيْضًا وَهُوَ كِبَرُ السِّنِّ فَهُوَ لِظُهُورِهِ لِكُلِّ أَحَدٍ أَحَقُّ بِالرِّعَايَةِ مِنَ الْفَضْلِ الَّذِي لَا يَظْهَرُ إِلَّا لِلْبَعْضِ اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كِبَرَ سِنِّ الصِّدِّيقِ وَفَضْلِهِ مَعًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَوِ الْأَعْرَابِيِّ أَظْهَرُ مِنَ الشَّمْسِ وَمَعَ هَذَا حَيْثُ كَانَ الْمَفْضُولُ مِنَ الْجِهَتَيْنِ عَلَى الْيَمِينِ اسْتَحَقَّ التَّقْدِيمَ، ثُمَّ قَوْلُهُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي كَوْنِهِمَا أَمَامَهُ مَدْفُوعٌ لِتَحَقُّقِ تَقَابُلِ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ حِينَئِذٍ أَيْضًا، ثُمَّ الْمَنْعُ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ فِي الْجَوَابِ فَالْعُدُولُ عَنْ سُنَنِ الْمَنْعِ إِلَى الِاضْطِرَابِ لَيْسَ مِنْ آدَابِ أُولِي الْأَلْبَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . إِلَّا أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَنَامِ قَالَهُ الْأَبْهَرِيُّ.
386 -
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «مَا جَاءَنِي جِبْرِيلُ عليه السلام قَطُّ إِلَّا أَمَرَنِي بِالسِّوَاكِ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ أُحْفِيَ مُقَدِّمَ فِيَّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
ــ
386 -
(وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَا جَاءَنِي جِبْرِيلُ عليه السلام " يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّسْلِيمُ مِنْ لَفْظِ النُّبُوَّةِ أَوْ مِنْ زِيَادَةِ الرَّاوِي تَعْظِيمًا " قَطُّ " لَعَلَّهُ مُقَيِّدٌ لِتَعْلِيمِ السُّنَنِ أَوْ قَصْدِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْكَثْرَةِ " «إِلَّا أَمَرَنِي بِالسِّوَاكِ لَقَدْ خَشِيتُ» ": جَوَابُ قَسَمٍ مُقَدَّرٍ أَيْ: وَاللَّهِ لَقَدْ خِفْتُ " أَنْ أُحْفِيَ " مِنَ الْإِحْفَاءِ " مُقَدِّمَ فِيَّ ": أَيْ: فَمِي يَعْنِي أَنِ اسْتَأْصِلَ لِثَتِي مِنْ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ السِّوَاكِ بِسَبَبِ وَصِيَّةِ جِبْرِيلَ وَكَثْرَةِ مُدَاوَمَتِي عَلَيْهِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ) قَالَ مِيرَكُ: بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا.
387 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: " «لَقَدْ أَكْثَرْتُ عَلَيْكُمْ فِي السِّوَاكِ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
387 -
(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَقَدْ أَكْثَرْتُ " بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ " عَلَيْكُمْ فِي السِّوَاكِ ": أَيْ: فِي شَأْنِ السِّوَاكِ وَأَمْرِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَفَائِدَةُ هَذَا الْكَلَامِ مَعَ كَوْنِهِمْ عَالِمِينَ بِهِ إِظْهَارُ الِاهْتِمَامِ بِشَأْنِهِ، وَقَوْلُهُ: أَكْثَرْتُ مَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ أَطْنَبْتُ الْكَلَامَ فِي السِّوَاكِ كَائِنًا عَلَيْكُمُ اهـ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ عَلَى صِلَةٌ لِلْإِكْثَارِ، وَالتَّقْدِيرُ أَكْثَرْتُ عَلَيْكُمُ الْأَمْرَ وَالْوَصِيَّةَ فِي حَقِّ السِّوَاكِ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: أُكْثِرْتُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي الْمَجْهُولِ) أَيْ بُولِغْتُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
388 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَنُّ وَعِنْدَهُ رَجُلَانِ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ، فَأُوحِيَ إِلَيْهِ فِي فَضْلِ السِّوَاكِ أَنْ كَبِّرْ، أَعْطِ السِّوَاكَ أَكْبَرَهُمَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
388 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَنُّ» ) : أَيْ: يَسْتَاكُ. فِي النِّهَايَةِ: الِاسْتِنَانُ اسْتِعْمَالُ السِّوَاكِ افْتِعَالٌ مِنَ الْأَسْنَانِ أَيْ يُمَرُّ عَلَيْهَا. وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: قِيلَ: مَأْخُوذٌ مِنَ السِّنِّ بِكَسْرِ السِّينِ، وَقِيلَ: مِنَ السَّنِّ بِفَتْحِهَا يُقَالُ: سَنَنْتُ الْحَدِيدَ أَيْ حَكَكْتُ الْحَجَرَ حَتَّى يَتَحَدَّدَ وَالْمِسَنُّ الْحَجَرُ الَّذِي يُحَدُّ بِهِ ( «وَعِنْدَهُ رَجُلَانِ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ» ) : أَيْ: سِنًّا أَوْ فَضْلًا وَإِنَّمَا اقْتَصَرْنَا فِي الْأَوَّلِ عَلَى قَوْلِنَا سِنًّا لِنُقَابِلَهُ بِالْأَصْغَرِ (فَأُوحِيَ إِلَيْهِ) : أَيْ: مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمِيلَ إِلَى الْآخَرِ فَيَكُونُ تَأْكِيدًا لِلْوَحْيِ الْمَنَامِي أَوْ بَعْدَ إِرَادَتِهِ لِمُقْتَضَى مَا هُوَ تَقْدِيمُ الْأَصْغَرِ فَتَكُونُ الْقَضِيَّةُ وَاحِدَةً (فِي فَضْلِ السِّوَاكِ) : أَيْ: فَضِيلَتِهِ وَزِيَادَتِهِ (أَنْ كَبِّرْ) : هُوَ الْمُوحَى بِهِ ( «أَعْطِ السِّوَاكَ أَكْبَرَهُمَا» ) . الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا تَفْسِيرٌ مِنْ أَحَدِ الرُّوَاةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَفِيهِ تَقْدِيمٌ حَقِّ الْأَكْبَرِ مِنَ الْحَاضِرِينَ فِي السَّلَامِ وَالشَّرَابِ وَالطِّيبِ وَنَحْوِهَا. قُلْتُ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ عَلَى الْيَمِينِ. قَالَ: وَفِيهِ أَنَّ اسْتِعْمَالَ سِوَاكِ الْغَيْرِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ عَلَى مَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يَتَقَذَّرُ إِلَّا أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَغْسِلَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يُعِيرَهُ: مَحَلُّ التَّقْذِرَةِ غَيْرُهُ عليه الصلاة والسلام، وَأَمَّا هُوَ فَمَحْمَلُ التَّبَرُّكِ عِنْدَ كُلِّ مُؤْمِنٍ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يُنَافِي الْغَسْلَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: ثُمَّ يُنَاوِلُهُ بَدَلَ ثُمَّ يُعِيرُهُ، هَذَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ حِكَايَةِ الْمَنَامِ وَإِلَّا يُشْكِلُ تَعَدُّدُ الْوَحْيِ فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ مَنَامَ الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)
389 -
وَعَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَفْضُلُ الصَّلَاةُ الَّتِي يُسْتَاكُ لَهَا عَلَى الصَّلَاةِ الَّتِي لَا يُسْتَاكُ لَهَا سَبْعِينَ ضِعْفًا» ". رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ.
ــ
389 -
(وَعَنْهَا) : أَيْ: عَنْ عَائِشَةَ (قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " تَفْضُلُ الصَّلَاةُ: أَيْ: تَزِيدُ فِي الْفَضِيلَةِ وَزِيَادَةِ الْمَثُوبَةِ " الَّتِي يُسْتَاكُ لَهَا ": أَيْ عِنْدَ الْوُضُوءِ "«عَلَى الصَّلَاةِ الَّتِي لَا يُسْتَاكُ لَهَا سَبْعِينَ» " مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَوْ ظَرْفٌ أَيْ: تَفْضُلُ مِقْدَارَ سَبْعِينَ. وَقَوْلُهُ " ضِعْفًا " تَمْيِيزٌ أُرِيدَ بِهِ مِثْلَ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ. فِي الْقَامُوسِ: ضِعْفُ الشَّيْءِ بِالْكَسْرِ مِثْلُهُ أَوِ الضِّعْفُ الْمِثْلُ إِلَى مَا زَادَ اهـ. وَاخْتَارَ ابْنُ حَجَرٍ الْأَخِيرَ وَالْأَظْهَرُ هُوَ الْأَوَّلُ، ثُمَّ لَا يُشْكِلُ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَنَّ «صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» ، مَعَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا، وَفَرْضُ كِفَايَةٍ أَوْ عَيْنٍ عِنْدَ غَيْرِنَا لِإِمْكَانِ أَنْ تَكُونَ دَرَجَةٌ وَاحِدَةٌ تُسَاوِي كَثِيرًا مِنَ السَّبْعِينَ، وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّ السُّنَّةَ قَدْ تَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ الْفَرْضِ كَالسَّلَامِ وَرَدِّهِ وَكَإِنْظَارِ الْمُعْسِرِ وَإِبْرَائِهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُمَا حَصَّلَا مَصْلَحَةَ الْفَرْضِ وَزِيَادَةً (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي: " شُعَبِ الْإِيمَانِ " وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَفْظُهُ: «صَلَاةٌ بِسِوَاكٍ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةً بِغَيْرِ سِوَاكٍ» كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْهَمَّامِ، وَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يُؤَيِّدُهُ مَا اخْتَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الضِّعْفَ بِمَعْنَى الْمِثْلِ إِذِ الْأَحَادِيثُ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَالْحَمْلُ عَلَى أَنَّ الضِّعْفَ هُوَ وَمِثْلُهُ ثُمَّ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِالْكَثِيرِ بَعْدَ إِعْلَامِهِ بِالْقَلِيلِ خِلَافُ الظَّاهِرِ. قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ: فِي هَذَا الْخَبَرِ شَيْءٌ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ ابْنِ شِهَابٍ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ كَذَا قَالَ وَمُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ إِنَّمَا أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الْمُتَابَعَاتِ، وَلِلْحَدِيثِ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَخْرَجَهُمَا أَبُو نُعَيْمٍ بِإِسْنَادَيْنِ جَيِّدَيْنِ حَسَنَيْنِ.