الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ص 91]
المسألة الخامسة
هل يزيد المأموم في الأُولَيين من الظهر والعصر على الفاتحة
قد يستدلُّ على المنع بالأحاديث المتقدِّمة
(1)
في أوائل المسألة الرابعة.
ولفظ الحديث الأول منها: صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فلما قضى صلاته قال: "أتقرؤون والإمام يقرأ؟ " قالوا: إنا لنفعل، قال:"فلا تفعلوا إلَاّ أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه".
وقال في الثاني نحوه.
وفي الثالث: "تقرؤون خلفي؟ " قالوا: نعم، إنا لنهُذُّ هذًّا، قال:"فلا تفعلوا إلَاّ بأمِّ القرآن".
وفي الرابع: "تقرؤون القرآن إذا كنتم معي في الصلاة؟ " قالوا: نعم يا رسول الله، إنا لنهذُّ هذًّا، قال:"فلا تفعلوا إلَاّ بأم القرآن".
وفي الخامس: "هل تقرؤون إذا كنتم معي في الصلاة؟ " قلنا: نعم، قال:"فلا تفعلوا إلَاّ بأم القرآن".
وفي السادس: "تقرؤون خلفي؟ " قالوا: نعم، قال:"فلا تفعلوا إلَاّ بأم الكتاب".
ويجاب عن هذا بأنَّ في حديث عبادة: "إني لأراكم تقرؤون خلف إمامكم إذا جهر". وفي الرواية الأخرى: "هل تقرؤون إذا جهرت بالقراءة؟ "
(1)
سبق ذكر هذه الأحاديث وتخريجها.
فقال بعضنا: إنا لنصنع ذلك، قال:"فلا تفعلوا، وأنا أقول: مالي أُنازَع القرآنَ، فلا تقرؤوا بشيءٍ من القرآن إذا جهرتُ؛ إلَاّ بأمِّ القرآن". فقيَّد النهي بما إذا جهر؛ فتُحْمَل عليه تلك الأحاديث المطلقة.
فإن قيل: حديث عبادة وإن كان مقيَّدًا بما إذا جهر فهو من حيث المعنى يدلُّ أنَّ مثل ذلك ما إذا أسرَّ؛ لأنه علَّل بالمنازعة، واستثنى الفاتحة؛ معلِّلًا بأنها فرضٌ؛ كأنه يقول: تُغتفر المنازعة بالفاتحة لأنها فرض. وقد ثبت بحديث عمران أنَّ المنازعة تكون في السريِّة أيضًا، والزيادة في السرِّية ليست فرضًا على المأموم اتفاقًا؛ فيفهم من هذا المنعُ منها.
قلت: لا نسلِّم أنَّ المنازعة تكون في السرية، وإنما تلك المخالجة، وهي أخفُّ من المنازعة. وحديث عمران دليل لنا.
سلَّمنا أنهما واحد، ولكن لا نسلِّم أنَّ المنازعة كانت تحصل بمطلق القراءة خلفه صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما كانت تحصل بقراءة نفس السورة التي يقرأها بعد الفاتحة. وحديث عمران واضحٌ في ذلك؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم استدلَّ بالمخالجة على أنَّ بعض المقتدين به قرأ بسورة سبِّح اسم ربِّك الأعلى. ولو كانت المخالجة تحصل بالقراءة مطلقًا لما دلته المخالجة إلَاّ على قراءة بعضهم فقط.
ويوضِّح هذا قوله: "خالجنيها"؛ فإنه ظاهر في أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأها، وذلك الرجل يقرؤها معه؛ فتخالجاها.
[ص 92] وهكذا قوله في حديث ابن أُكيمة: "هل قرأ معي أحدٌ منكم آنفًا".
فقوله: "معي" يدلُّ أنَّ المراد: قرأ معي نفس السورة التي قرأتها. ألا ترى أنك لو قلت: قرأت سورة الكهف، وقرأ معي فلان؛ فَهِم السامع أنَّ فلانًا قرأ معك سورة الكهف عينها.
وإنما لم يُسمَّ في حديث ابن أُكيمة السورة كما سمَّاها في حديث عمران لأنَّ قصة حديث ابن أكيمة في صلاة الصبح وهي جهرية؛ فقد سمعوا قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعلموا السورة التي قرأها. فاكتفى بقوله:"هل قرأ معي أحد منكم"؛ فعُلِمَ أنه أراد نفس السورة التي قرأها هو صلى الله عليه وآله وسلم، فأجابه الذي قرأها معه بقوله: نعم، أنا يا رسول الله.
وأما في حديث عمران فكانت الصلاة سريَّة؛ فلو اقتصر على قوله: "من قرأ معي" لما علموا أيَّ سورة قرأ، وكلّ واحد منهم قد قرأ بسورة؛ فلهذا سمَّاها لهم، فتدبَّر.
فإن قلت: فمقتضى هذا الكلام أن يُمنع المأموم في السريَّة من قراءة غير الفاتحة مطلقًا؛ لأنه لا يدري لعله يقرأ السورة التي يقرأها النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ولا يُمنَع في الجهرية إلَّا من قراءة السورة التي يقرؤها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وله أن يقرأ غيرها.
قلت: إنما يأتي هذا إذا قلنا إنَّ المنازعة هي العلَّة، ولسنا نقول ذلك، وإنما العلَّة عندنا هي الإخلال باستماع القراءة لغير موجب. وإنما ذكر صلى الله عليه وآله وسلم المنازعة إعلامًا لهم بالدليل الذي استدلَّ به على أنَّ بعضهم قرأ معه.
وفي ذلك معجزة يفيدهم الاطلاعُ عليها، فإنَّ المنازعة لا تحصل لغيره
- صلى الله عليه وآله وسلم، فهي أمرٌ روحاني مختصٌّ به، بأبي هو وأمي. وذلك نظير إخباره إياهم بالمخالجة في حديث عمران.
ولو كانت العلَّة هي المنازعة للزم أن لا يمنع المقتدي بغير النبي صلى الله عليه وآله وسلم من القراءة مطلقًا؛ لأنَّ المنازعة لا تحصل لغيره صلى الله عليه وآله وسلم، والحكم يدور مع علَّته، والله أعلم.
ومن أدلتنا الحديث الصحيح
(1)
عن جابر: "قال: كنا نقرأ في الظهر والعصر خلف الإمام في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب".
وقد تقدَّم وصحَّ عن أمير المؤمنين عليٍّ أنه كان يأمر بذلك.
وصحَّ عن مجاهد قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقرأ خلف الإمام في صلاة الظهر من سورة مريم
(2)
.
وروى البيهقي
(3)
من طريق العوام بن حمزة
(4)
عن ثابت عن أنس قال
(5)
: كان يأمرنا بالقراءة خلف الإمام. [ص 93] قال: وكنت أقوم إلى جنب أنس؛ فيقرأ بفاتحة الكتاب وسورةٍ من المفصَّل، ويُسْمِعنا قراءته لنأخذ عنه.
(1)
سبق ذكره والكلام عليه.
(2)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 169).
(3)
(2/ 170).
(4)
عند البيهقي في هذا الإسناد: "العوام بن حوشب". ثم ذكر إسنادًا آخر وفيه: "العوام وهو ابن حمزة"، وقال: هذا أصح.
(5)
أي ثابت: كان أنس يأمرنا
…
، وكذا "قال" الآتي.
اعترضه التركماني
(1)
بأنَّ العوَّام بن حمزة قال فيه ابن الجوزي في كتاب "الضعفاء": قال يحيى: ليس حديثه بشيء، وقال أحمد: له أحاديث مناكير.
قلت: في "فتح المغيث"
(2)
: عن ابن القطان أنَّ ابن معين إذا قال في الراوي: "ليس بشيء" إنما يريد أنه لم يرو حديثًا كثيرًا.
وفي "تهذيب التهذيب"
(3)
عن يحيى القطان: ما أَقْربَه من مسعود بن علي، ومسعود لم يكن به بأس. وعن أحمد: له ثلاثة أحاديث مناكير. وعن ابن معين: ليِّن. وقال إسحاق بن راهويه: بصري ثقة. وعن أبي زرعة: شيخ، قيل: فكيف ترى استقامة حديثه؟ قال: لا أعلم إلَاّ خيرًا. وقال الآجريُّ عن أبي داود: ما نعرف له حديثًا منكرًا، وقال مرَّةً: ثقة. وقال النسائي: لا بأس به.
أقول: وقول أحمد "له ثلاثة أحاديث مناكير" كأنَّ الحمل فيها على من فوقه؛ بدليل قول أبي داود. فحديث الرجل لا ينزل عن درجة الحسن، والله أعلم.
(1)
(2/ 172).
(2)
(2/ 123).
(3)
(8/ 163).