الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يؤدي ذلك إلى لبس كبير" (1) .
كتب السيرة المختصة:
وهذا القسم من مصادر السيرة النبوية مر بالمراحل التالية:
(أ) وهي مرحلة أولية من مراحل الاهتمام بالسيرة النبوية عن طريق الرواية الشفهية، ثم عن طريق التدوين الأولي للسيرة.
(ب) وهي مرحلة تالية من مراحل التأليف والتدوين في كتب خاصة، ومختصة بالسيرة النبوية، ومن أجل ذلك لابد أن نقف على كل مرحلة لنرى مدى الاهتمام بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
القسم الأول:
مرحلة اهتمام الصحابة وبعض التابعين بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. لقد عاش صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كنف الرسول، فتأدبوا بآدابه، وتخلقوا بأخلاقه، وعايشوه في جميع أمور حياته القولية والفعلية، وشاركوه في بعوثه وسراياه، وغزواته، وعرفوا عن قرب منه سيرته الذاتية في أزواجه، وذراريه، ومسكنه، وملبسه، ومأكله، وفراشه، وفي نومه، وفي صلاته وعبادته، ونظافته وكل شؤون حياته، لذلك " فالصحابة على علم دقيق وواسع بالسيرة؛ لأنهم عاشوا أحداثها، وشاركوا فيها، وكانت محبتهم لرسول الله وتعلقهم به، ورغبتهم في اتباعه، وأخذهم بسنته في الأحكام، سبباً في ذيوع أخبار السيرة، ومذكراتهم فيها، وحفظهم لها
…
فقد اشتهر عدد من الصحابة باهتمامهم
(1) أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة، ج1/ص50
الكبير بموضوع السيرة " (1) . ونذكر منهم على سبيل المثال (لا الحصر) :
1-
عبد الله بن عباس، رضي الله عنه، فكان يروي للناس معازي الرسول صلى الله عليه وسلم (2) .
2-
عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنه، " الذي كان من أبرز الصحابة اهتماماً بتدوين أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم حتى إنه كان يكتب كل ما يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم "(3) .
3-
البراء بن عازب، رضي الله عنه، فقد أملى في مجلسه العلمي شيئاً كثيراً من مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاصة فيما يتعلق بالهجرة النبوية، وبعض الغزوات، كغزوة بدر وأحد، والخندق، والحديبية، وفتح مكة، وحنين (4) .
هؤلاء الثلاثة هم الذين ورد ذكرهم من حيث الاهتمام بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وإملاؤها على تلاميذهم، وأتباعهم، والناس كافة، فحفظوا لنا شطرا كبيرا ومهما من أخبار السيرة النبوية.
أما جيل التابعين، فقد برز منهم عدد غير قليل في الاهتمام بأحداث السيرة، ونذكر منهم على سبيل المثال (لا الحصر) .
1-
عروة بن الزبير (ت 93هـ) ، أحد الفقهاء السبعة المشهورين في المدينة، وقد اهتم بأخبار السيرة النبوية اهتماماً كبيراً، وكان كثير الحديث، وقد نقل عنه الطبري في كتابه (تاريخ الرسل والملوك) . وابن حجر في كتابه (فتح الباري) .
(1) المرجع السابق، ج1 /ص53.
(2)
ابن سعد: الطبقات، ج1 / ص368.
(3)
محمد بن صامل السلمي: منهج كتابة التاريخ الإسلامي، ص295.
(4)
محمد مصطفى الأعظمي: مغازي رسول الله لعروة بن الزبير ص 25-26.
وقد امتدحه ابن كثير بقوله «كان عروة فقيهاً عالماً حافظاً ثبتاً حجة عالماً بالسير، وهو أول من صنف في المغازي " (1) .
ومنهجه في كتابه (المغازي)، يتمثل فيما يلي:"الاستشهاد بالآيات القرآنية، ويستعمل الأشعار لكن بقلة، ويهتم كثيراً بالأنساب وله عناية بإيراد الوثائق والكتب التي كتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أنه قليل الاستعمال للأسانيد"(2) .
2-
عامر بن شراحيل الشعبي (ت103هـ) . وهو محدث ثقة، ألف كتاب (المغازي)، وكان يحدث الناس من خلاله وقد مر على مجلسه عبد الله ابن عمر فقال:" قد شهدت القوم فهو أحفظ لها وأعلم بها "(3) . وكان ينقل أخبار سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بكل صدق وأمانة، فقد وصف بأنه محدث ثقة (4) .
3-
أبان بن عثمان بن عفان، رضي الله عنه (ت105هـ) . تولى ولاية المدينة المنورة مدة سبع سنوات في خلافة عبد الملك بن مروان وقد اهتم بأخبار غزواته وسراياه وقد أخذ عنه المغيرة بن عبد الرحمن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أبان بن عثمان يعلمها للناس ويأمرهم بتعليمها (5) .
4-
شرحبيل بن سعد المدني (ت123هـ) ، وهو محدث، صدوق قال ابن عيينة:"لم يكن أحد أعلم بالمغازي والبدريين منه"(6) ، ولم تصرح
(1) ابن كثير: البداية والنهاية، ج9/ص101.
(2)
محمد بن صامل السلمي: منهج كتابة التاريخ، ص298.
(3)
ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج5/ص67.
(4)
محمد بن صامل السلمي، منهج كتابة التاريخ، ص296.
(5)
ابن سعد: الطبقات الكبرى، ح5/ص210.
(6)
ابن حجر: تهذيب التهذيب، ح4/ص321.
المصادر بأن شرحبيل قد ألف في السيرة ولكنه احتفظ بقوائم فيها أسماء أهل بدر، وأسماء المهاجرين الأوائل (1) .
5-
محمد بن مسلم بن شهاب الزهري (ت124هـ) ، وهو من كبار المحدِّثين الذين اهتموا بالمغازي وبسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ثقة، "وهو أول من استخدم طريقة جمع الأسانيد ليكتمل السياق وتتصل الأحداث دون أن تقطعها الأسانيد"(2) ، وتعد كتاباته أول كتابات في السيرة (3)"وهي من أوثق السير وأهمها، ويعتمد عليه ابن إسحاق كثيرا في السيرة"(4) .
6-
عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري (ت129هـ) ، تربى في بيت علم وأدب، فجده كان من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووالده من العلماء الأفذاذ، وهو نقل عن جده ووالده، "فكان راوياً للعلم، وله علم بالمغازي والسير، كان يجلس في مسجد دمشق، ويعلم الناس بالمغازي، وكان من المصادر المهمة التي اعتمد عليها ابن إسحاق والواقدي"(5) .
7-
موسى بن عقبة (ت140هـ) ، له كتاب في (المغازي) يقع في مجلد مختصر، ويعده العلماء من أصح كتب المغازي (6) وهو محدث ثقة،
(1) محمد بن صامل السلمي: منهج كتابة التاريخ، ص299.
(2)
أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة، ج1/ص55.
(3)
الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد. ج12/ص230.
(4)
سعد المرصفي: مناهج المؤلفين في السيرة النبوية، ص46.
(5)
المرجع السابق.
(6)
الذهبي: سير أعلام النبلاء، ح6/ص 115-117.
يعد من تلاميذ الزهري، لذلك فقد استفاد منه فائدة كبيرة (1) .
8-
سليمان بن طرخان التيمي (ت143هـ) ، يعد من علماء الجرح والتعديل، وهو محدث، ثقة من التابعين له كتاب"السيرة الصحيحة" وهو مفقود إلا بعض أجزائه (2) .
9-
محمد بن إسحاق (ت151هـ) ، أصله فارسي، تربى وتلقى العلم في المدينة المنورة، ويعد من أعلم الناس بالمغازي، "لكن مروياته لاترقى إلى درجة الصحيح، بل الحسن بشرط أن يصرح بالتحديث لأنه مدلس "(3) ، وقد ذكر أكرم العمري في شأن حجية ابن إسحاق ما ورد عن ابن عدي قوله"وقد فتشت أحاديثه، فلم أجد في أحاديثه ما يتهيأ أن يقطع عليه بالضعيف، وربما أخطأ، أو وهم، كما يخطئ غيره، ولم يتخلف في الرواية عنه الثقات والأئمة وهو لا بأس به"(4) .
وقد ألف ابن إسحاق كتاباً في السيرة النبوية اشتمل على "حياة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وشيء من أخبار الجاهلية، ثم سيرته صلى الله عليه وسلم بعد البعثة حتى الهجرة، ثم حياته في المدينة، ومغازيه، وبعوثه حتى وفاته"(5) ، وكتابه في السيرة النبوية مفقود، إلا أن ابن هشام قام بتهذيب ذلك الكتاب، محافظاً على النصوص التي أوردها ابن إسحاق.
(1) أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة، ج1/ص 55-56.
(2)
المرجع السابق، 1/56.
(3)
أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة. 1/56.
(4)
المرجع السابق، (1/ 56) .
(5)
محمد بن صامل السلمي: منهج كتابة التاريخ الإسلامي، ص348.
ومنهج ابن إسحاق يقوم في جملته على"إيراد الأخبار بالأسانيد التي وصلته، وهذه الأسانيد منها الموصول، ومنها المنقطع والمنفصل، في حين أن بعض الأخبار يوردها بدون إسناد، ويظهر هذا على نحو واضح في القسم الأول من السيرة"(1)، ويمكن الاطلاع على ذلك في كتابه فتجده يقول: حدثني بعض أهل مكة
…
إلخ.
ولأن الكتاب لازال مفقوداً (2) فلن نسترسل في الحديث عنه ونكتفي بهذه الإلماحه.
وقد أورد أكرم العمري مجموعة من أسماء العلماء والفقهاء الذين كان لهم النصيب الأكبر في إيضاح سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وهذه الفئة السابق ذكرها لم نجد لمؤلفاتهم ذكراً إلا من خلال التراجم والسير الخاصة بهم، وهي في غالب الأمر مفقودة، ومن أولئك نذكر ما يلي:
1/ أبو معشر السندي (ت171هـ) ، له كتاب المغازي (3) .
2/ عبد الله بن محمد بن أبي بكر المدني (176هـ) صنف في المغازي (4) .
3/ يحيى بن سعيد الأموي (ت194هـ) صنف في المغازي (5) .
4/ الوليد بن مسلم الدمشقي (ت196هـ)(6) .
(1) المرجع السابق، ص350.
(2)
وجد من الكتاب قطعة حققها محمد حميد الله بعنوان (المبتدأ والمبعث والمغازي) وقد طبعت في الرباط 1396هـ. وحققها أيضاً سهيل زكار بعنوان (السيرة النبوية لابن إسحاق برواية يونس بن بكير) وطبعت في دار الفكر بدمشق.
(3)
الخطيب: تاريخ بغداد، 13/427.أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة، 1/60.
(4)
المرجع السابق، 1/ 60.
(5)
المرجع السابق، 1/ 60.
(6)
المرجع السابق، 1/60.
5/ يونس بن بكير (ت199هـ) أحد رواة سيرة ابن إسحاق (1) .
6/ محمد بن عائذ الدمشقي (234هـ) ، صنف في المغازي (2) .
7/ علي بن محمد المدائني (ت235هـ) ، صنف موضوعًا في السيرة (3) .
8/ صالح بن إسحاق الجرمي النحوي (ت235هـ) له "كتاب في السيرة عجيب"(4) .
9/ إسماعيل بن جميع (ت277هـ) له كتاب "أخبار النبي ومغازيه وسراياه"(5) .
10/ سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي (ت249هـ) صنف في المغازي (6) .
11/ أحمد بن الحارث الخراز (ت258هـ) له كتاب "مغازي النبي وسراياه وأزواجه"(7) .
12/ عبد الملك بن محمد الرقاشي (ت276هـ) له كتاب "المغازي"(8) .
13/ إبراهيم بن إسماعيل العنبري (ت280هـ) له كتاب "المغازي"(9) .
(1) ابن حجر: الإصابه، ج1/ص242.
(2)
الذهبي: سير أعلام النبلاء،11/6.
(3)
المصدر السابق، ج10ص400. أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة. 1/64.
(4)
الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد. 9/314.
(5)
أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة. 1/64.
(6)
الذهبي: سير أعلام النبلاء. 9/139.
(7)
أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة. 1/64.
(8)
المرجع السابق،1/64.
(9)
المرجع السابق، 1/64.
14/ إسماعيل بن إسحاق القاضي (ت282هـ) له كتاب "المغازي"(1) .
ثم هناك مجموعة أخرى من التابعين وأتباعهم ذكرتهم المصادر في ثنايا المعلومات باهتمامهم بالسيرة وبأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء لم تصرح المصادر بتأليفهم في السيرة بل أشارت إلى عنايتهم، واهتمامهم بالتحديث بها. ونذكر منهم معتمدين على ما أورده أكرم العمري في ذلك (2) .
1-
عكرمة مولى ابن عباس (ت107هـ) .
2-
أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي (ت127هـ) .
3-
يعقوب بن عتبة بن المغيرة (ت128هـ) .
4-
داود بن الحسين الأموي (ت135هـ) .
5-
عبد الرحمن بن عبد العزيز الحنيفي (ت162هـ) .
6-
محمد بن صالح بن دينار (ت168هـ) .
7-
عبد الله بن جعفر المخرمي المدني (ت170هـ) .
وبذلك نقف على نهاية المرحلة الأولى من مراحل تدوين السيرة والاهتمام بها في عهد الصحابة، والتابعين ومن تبعهم من تلاميذهم وغيرهم، وقد أكدت جل المصادر أن مؤلفات هؤلاء العلماء الذين سبق ذكرهم يعد معظمها أو كلها مفقوداً، إلا ما ندر من بعض الأجزاء الصغيرة، أو الوريقات المبعثرة في بعض كتب من ألف في السيرة أو في كتب التاريخ العام.
وهذه المرحلة السابق ذكرها، تميز علماؤها بأمرين هما،:(العدالة، والضبط) ، وهما شرطان عند العلماء لتوثيق الرواة، وإن كانوا قد وثقوا عند
(1) المرجع السابق، 1/64.
(2)
السيرة النبوية الصحيحة. 1/ 64-65.
المحدثين رغم دقة شروطهم في التوثيق، ورغم نظرتهم لهم بأنهم محدثون مادتهم الأحاديث، وليسوا إخباريين مادتهم الأخبار، والنقاد يتشددون في مادة الحديث كثيراً، ويتساهلون في قبول الأخبار، فإن هذا التوثيق يعطي كتاباتهم في السيرة قيمة علمية كبيرة.
لقد حفظ الله تعالى سيرة نبيه صلى الله عليه وسلم من الضياع والتحريف، والمبالغة والتهويل، بأن هيأ لها جهابذة المحدثين ليعنوا بها، ويدونوا أصولها الأولى، قبل أن تتناولها أقلام المؤرخين، والقصاصين. وهذه ميزة لمصادر السيرة لم تتوافر لغيرها من كتب التاريخ والأخبار وتبرز هذه الميزة لكون المحدثين ثقات مأمونين في الرواية، لكونهم علماء لهم مناهج واضحة في نقد الروايات سنداً ومتناً، ولهم أسلوب يتسم بالجدية والبعد عن الحشو والمبالغة (1) حقاً لقد كانت المرحلة الأولى من مراحل الاهتمام بالسيرة النبوية، مرحلة التأسيس العلمي الأصيل لمصادر وأوعية معلومات السيرة النبوية، واتسمت هذه المرحلة بالرواية الشفهية، وبث أخبار السيرة عن طريق التلقي في الكتاتيب أو في المساجد أو في المجالس العلمية. ثم تلت هذه المرحلة مرحلة التأليف المبكر في السيرة، والتي فقدت أغلب مؤلفاتها، ولكن جاءت مرحلة تالية حفظت لنا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
القسم الثاني:
مرحلة التأليف في السيرة النبوية، وهذه المرحلة تنقسم إلى قسمين كبيرين ومهمين، هما:
(1) أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة. ج1/ص65.
أ - مرحلة التأليف المباشر.
ب - مرحلة التأليف غير المباشر، (أو التأليف الثانوي) . وبعون الله وتوفيقه نبدأ بالحديث عن مرحلة التأليف المباشر.
أ. مرحلة التأليف المباشر: ونقصد بذلك أن مؤلفات من سنذكرهم وصلت إلينا مباشرة، وكانت مباشرتها في السيرة النبوية، ولم تتناول تلك المؤلفات أي موضوعات أخرى سوى مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم وأخباره في جميع أمور حياته الخاصة والعامة، وسوف نذكر تلك المؤلفات على النحو التالي مع التأكيد أن السرد القادم ليس حصراً، وإنما هو مجرد أمثلة لواقع التأليف في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم:
ـ كتاب "المغازي" لمحمد بن عمر الواقدي (ت207هـ) .
ولد بالمدينة المنورة، وطلب العلم في الحجاز والشام والعراق، وعاش في كنف الدولة العباسية في عصرها الأول، وتولى منصب القضاء في عهد الخليفة هارون الرشيد، وكذا في عهد الخليفة المأمون، كان من العلماء المرموقين، ألف ما يربو على ثلاثين كتاباً في التاريخ والحوادث (1) ، وقد انتقده غير واحد في منهجيته في تأليف كتبه، فقال عنه الذهبي "جمع فأوعى، وخلط الغث بالسمين، والخرز بالورد الثمين، فاطرحوه لذلك، ومع هذا فلا يستغنى عنه في المغازي وأيام الصحابة وأخبارهم....وقد تقرر أن الواقدي ضعيف، يحتاج إليه في الغزوات والتاريخ، ونورد آثاره من غير احتجاج
…
" (2) .
(1) ابن النديم: الفهرست، ص111.
(2)
الذهبي: سير أعلام النبلاء، 9/454-469.
وقال ابن كثير: "الواقدي عنده زيادات حسنة، وتاريخ محرر غالبا؛ فإنه من أئمة هذا الشأن الكبار، وهو صدوق في نفسه مكثار"(1) ، وقال عنه ابن سيد الناس، "إن سعة العلم مظنة لكثرة الإغراب، وكثرة الإغراب مظنة للتهمة، والواقدي غير مدفوع عن سعة العلم، فكثرت غرائبه"(2) .
أما كتاب الواقدي في السيرة النبوية فقد أسماه "المغازي"(3) فهو مصدر أساس في السيرة النبوية، تحدث الواقدي في كتابه هذا عن غزوات الرسول وسراياه، يذكر تاريخ معظم الغزوات والسرايا، واسم قائدها، والوجهة التي ذهبت إليها، وذكر ذلك بقوله في كتابه"فكانت مغازي النبي صلى الله عليه وسلم التي غزاها بنفسه سبعاً وعشرين غزوة، وقاتل في تسع ثم ساقها، وكانت السرايا سبعاً وأربعين سرية"(4) .
أما منهجه في كتابه، فإنه"يذكر أحياناً الأسانيد مجموعة في أول كل غزوة أو سرية، وأحياناً لا يذكرها اعتماداً على ما ذكره في أول الكتاب، ويكتفي بقوله: قالوا"(5) ، ومن منهجه أيضاً عنايته واهتمامه"بالضبط التاريخي للوقائع والغزوات، كما أنه يعتني بذكر الرجال الذين لهم إسهامات معينة في الغزوة من إنفاق وبذل، أو مشورة ورأي، أو موقف بطولي، ويذكر الأسرى، والشهداء من المسلمين، والقتلى من الكفار ويرتبهم حسب
(1) ابن كثير: البداية والنهاية، 3/234.
(2)
ابن سيد الناس: عيون الأثر، 1/ 26.
(3)
قام بتحقيق هذا الكتاب المستشرق، مارسدن جونس، ونشره في ثلاثة مجلدات.
(4)
الواقدي: المغازي، 1/ 7.
(5)
محمد بن صامل السلمي: منهج كتابة التاريخ الإسلامي، ص 358.
قبائلهم" (1) ، وقد انفرد الواقدي عن ابن إسحاق الذي سبق في التأليف في المغازي، بروايات في وصف سير المعارك العسكرية، وفي وصف السرايا، وبعض الحوادث الجانبية (2) .
وكذلك خالف الواقدي ابن إسحاق في الابتعاد عن طريقة المحدثين، وعدم الالتزام بالأسانيد، وألفاظ الرواة، وساق المغازي في نسق واحد مترابط الأحداث في أسلوب قصصي واضح العبارة مما ييسر حفظها على عامة الناس (3) .
وقد ذكر الخطيب البغدادي بأن الواقدي يركب الأسانيد (4) ، ومن هنا يتضح سبب اتهام المحدثين النقاد له بالكذب والوضع، وحكمهم عليه بأنه متروك (5) ، فمغازي الواقدي من المصادر الأساسية في دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
ـ كتاب "السيرة النبوية" لأبي محمد، عبد الله بن هشام الحميري المعافري (ت218هـ) .
نشأ ابن هشام في البصرة، ثم رحل إلى مصر (6) ، ويعد من أعلام النحو واللغة، وله من الكتب «شرح ما وقع في أشعار السيرة من الغريب» ، وكتاب «أنساب حمير وملوكها» (7) ، والكتاب الذي اشتهر به هو كتاب
(1) المرجع السابق، ص 359.
(2)
المرجع السابق، ص 359.
(3)
المرجع السابق، ص 360.
(4)
الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 3/13.
(5)
أكرم العمري، السيرة النبوية الصحيحة، 1/61-62.
(6)
ابن هشام، السيرة النبوية (مقدمة التحقيق) ص 17.
(7)
الذهبي: سير أعلام النبلاء، 1/ 429.
"السيرة النبوية"، وهو تنقيح وتهذيب، وتصويب لكتاب (المغازي) لابن إسحاق."حيث حذف ابن هشام كثيراً من الإسرائيليات والأشعار المنتحلة، وأضاف معلومات في اللغة والأنساب
…
ومعظم المؤلفات بعده أخذت منه. والحق أن الصورة التي تعطيها مغازيه عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم تقترب إلى حدٍ كبير مما أوردته كتب الحديث الصحيحة مما يعطي سيرته توثيقاً كبيراً" (1) ، ويقع الكتاب في أربعة أجزاء، يبدأ في ذكر نسب الرسول صلى الله عليه وسلم، وينتهي بمرثية حسان بن ثابت في الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد توافر على تحقيقه مجموعة من الباحثين، والذي يقع بين أيدينا من الكتاب الطبعة الثانية1375هـ/1955م.
ولقد نالت السيرة النبوية لابن هشام -التي هي في الأصل كتاب المغازي لابن إسحاق -عناية بعض العلماء، فتناولوها بالشرح والتعليق ونذكر منهم:
السهيلي، عبد الرحمن بن عبد الله، أبو القاسم (ت581هـ) نشأ في الأندلس، ورحل إلى مراكش، وشرح السيرة النبوية لابن هشام في كتاب أسماه «الروض الأنف» (2) .
أما الشخصية الثانية التي تناولت سيرة ابن هشام فهو: أبو ذر الخشني واسمه: مصعب بن محمد المعروف بابن أبي الركب، الجياني، نسبة إلى بلدة واسعة بالأندلس (المتوفى سنة604هـ) له كتاب مطبوع أسماه" شرح غريب سيرة ابن إسحاق"(3) . واللافت للنظر أن الذين اهتموا بسيرة ابن هشام هما من علماء الأندلس.
(1) أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة، 1/66.
(2)
ابن هشام: السيرة النبوية (مقدمة التحقيق) ص19.
(3)
المصدر السابق،ص 20-21.
-كتاب "أزواج النبي صلى الله عليه وسلم " لمحمد بن الحسن بن زَبَالة (ت199هـ)(1) ، رواية، الزبير بن بكار (2)(ت256هـ) .
وابن زَبَالة من أهل المدينة المنورة، ذو باع طويل في حفظ الأخبار ووصف الأماكن والديار، اعتمد عليه السمهودي في تأليف كتابه "وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى"(3) ، وخاصة فيما يتعلق بخطط المدينة المنورة.
أما كتاب ابن زبالة هذا الذي يعدُّ من مصادر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو يتحدث عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (4) وهو كتاب صغير الحجم وردنا من طريق رواية الزبير بن بكار عن طريق مجموعة من الأسانيد، ذكرها محقق الكتاب (5) وقد عرض ابن زبالة في كتابه هذا لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم بدءاً من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وقد أفاض المؤلف في الحديث عنها، وكذا أفاض في حديثه عن قصة زواج عائشة بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنها، واستمر المؤلف في سرد قصة زواج كل زوجة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حتى
(1)
يلاحظ أن هذا المصدر جاء خلاف ما جرى عليه تنظيم هذا البحث من حيث السياق التاريخي لسرد المصادر الوارد ذكرها والسبب في ذلك يعود لكون كتاب ابن زَبَالة (الأصل) مفقود واعتمدنا رواية الزبير بن بكار المتوفى 256هـ، وهذا يأتي ضمن السياق التاريخي للبحث، باعتبار أن الزبير بن بكار هو الذي أخرج الكتاب إلى النور، ومن هنا اعتمدنا تاريخ وفاته وهو الأصل في السياق التاريخي.
(2)
الزبير بن بكار القرشي الأسدي (172-256هـ) ، هو أحد كبار الأدباء والإخباريين والنسابين، له كتاب"جمهرة نسب قريش وأخبارها" وله بعض المؤلفات الأخرى. انظر: ابن زبالة: أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، مقدمة التحقيق، ص.30
(3) المصدر السابق، ص 16.
(4)
قام بتحقيقه، الأستاذ/ د. أكرم العمري، ونشرته الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة 1401هـ/1981م.
(5)
المصدر السابق، ص27/28.
آخر امرأة ذكرها وهي مارية القبطية، وختم ابن زبالة كتابه بموضوع «ما جاء فيما أوتي النبي صلى الله عليه وسلم من القوة في الجماع» (1) .
والملاحظ على هذا الكتاب كثرة الأسانيد، وقلة المعلومات، فكان يوثق معلوماته بهذه الأسانيد، وقد أفاض في الشرح في زواج أمهات المؤمنين (خديجة وعائشة، وميمونة بنت الحارث) ، والكتاب يعول عليه في دراسة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أقدم كتاب وصل إلينا عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
ـ كتاب "تركة النبي صلى الله عليه وسلم والسبل التي وجهها فيها"(2) . ألفه، حماد بن إسحاق بن إسماعيل (ت 267هـ) . وهذا العالم ينتمي إلى أسرة علمية عاشت في العراق «وقد اشتهر العديد من رجالات هذا البيت بالعلم وجلالة القدر والسؤدد في الدين والدنيا» (3) . فقد تولى القضاء في مدينة بغداد، وحدث بها، وألف مجموعة من الكتب، فقدت ما عدا هذا الكتاب الذي بين أيدينا، ومن كتبه المفقودة (كتاب المهادنة، كتاب الرد على الشافعي)(4) . وكانت علاقاته جيدة مع دار الخلافة، ما عدا الخليفة المهتدي العباسي الذي جرى بينهما خلاف لم تذكره المصادر، إذ جرت عليه محنة، وضُرب بالسياط.
أما كتاب "تركة النبي صلى الله عليه وسلم " فهو من أجلِّ مصادر السيرة النبوية، اعتمد المؤلف في تأليفه على ثمانية وعشرين شيخاً أغلبهم من مشاهير العلماء
(1) المصدر السابق، ص 86.
(2)
حققه، د/أكرم العمري، طبعة بيروت، الطبعة الأولى 1404هـ/1984م.
(3)
حماد بن إسحاق، تركة النبي صلى الله عليه وسلم (مقدمة التحقيق) ، ص 6.
(4)
الذهبي، سير إعلام النبلاء، 1/ 456.
من أئمة الحديث، والكتاب في جملته صغير الحجم، لكنه عظيم الفائدة فهو يتحدث عن خيل الرسول صلى الله عليه وسلم، ودوابه، وسلاحه، وكسوته، وسريره، ومنائحه ولقاحه وخدمته. وعندما تقرأ هذه الموضوعات تجد فيها الزهد والتواضع، وعدم حب الدنيا ومظاهرها فكان يسأل ربه الكفاف، وأخذ البلغة من الدنيا، والزهد فيما فوق ذلك رغبة في توفير نعيم الآخرة، وإيثاراً لما يبقى على ما يفنى (1) .
"ولو كان العوز وضيق ذات اليد سبب زهده، لتغير حاله عندما جاء الله بالغنى، ولكنه آثر الزهد وخشونة العيش، وقلة الطعام لنفسه وآل بيته؛ تجافياً، وترفعاً، وإيثاراً وكراهة للشبع"(2) .
وقد اعتمد في تأليفه كتابه هذا على أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استفاد أيضا من كتاب (المغازي) للواقدي، وحماد بن إسحاق لم يأخذ الحديث عن الواقدي؛ لأنه متروك في ذلك، ولكن أخذ عنه بعض المعلومات في الأخبار، وكذا المعلومات التي لم يجدها عند المحدثين" فروايات الواقدي تتناول ما اتخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الملابس والإبل والغنم والخيل والسراج، وما يشبه ذلك مما يتساهل في روايته
…
وقد اعتمد حماد بصورة أساسية على الواقدي في هذا القسم من كتابه" (3) .
وكتاب تركة النبي صلى الله عليه وسلم كتاب جليل القدر عظيم المنفعة، لا يستغني عنه من أراد الاطلاع على سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
(1) حماد بن إسحاق: تركة النبي صلى الله عليه وسلم (مقدمة المحقق) ، ص14.
(2)
المصدر السابق، (مقدمة التحقيق) ، ص 24.
(3)
المصدر السابق، (مقدمة التحقيق) ، ص 24.
ـ كتاب "جوامع السيرة"، للإمام الحافظ، أبي محمد، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (ت 456هـ) . وهو ابن حزم الظاهري ولد في قرطبة بالأندلس، وفيها عاش وتربى تربية دينية فحفظ الحديث والفقه، واستنبط الأحكام من الكتاب والسنة، وكان متفنناً في علوم جمة، عاملاً بعلمه، زاهداً في الدنيا (1) ، وكان طبيباً، شاعراً له في مجال الطب والأدب عدة رسائل.
وقد ألف مجموعة كبيرة من المصنفات العلمية منها:
1-
الإيصال إلى فهم كتاب الخصال الجامعة لحمل شرائع الإسلام في الواجب والحلال والحرام والسنة والإجماع.
2-
الإحكام في أصول الأحكام.
3-
الفصل في الملل والأهواء والنحل.
4-
مراتب العلوم.
قال عنه ابن بشكوال: "كان أبو محمد أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفة مع توسعة في علم اللسان، ووفور حظه من البلاغة والشعر، والمعرفة بالسير والأخبار"(2) . وقال عنه ابن خلكان: "ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء وسرعة الحفظ، وكرم النفس والتدين"(3) .
أما كتابه"جوامع السيرة" فهو كتاب محقق، ومطبوع، وقام بتحقيقه مجموعة من الباحثين (4) . وقد اشتمل الكتاب على موضوعات في السيرة بدءاً
(1) ابن خلكان: وفيات الأعيان، ج 3، ص 325.
(2)
ابن بشكوال: الصلة، ص395.
(3)
ابن خلكان: وفيات الأعيان، ح3/ص326.
(4)
طبع في باكستان. (بدون تاريخ)
من نسبه صلى الله عليه وسلم، ومولده وحجه، وغزواته وصفاته ونسائه، وأولاده وأخلاقه، إضافة إلى الهجرة وأعماله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وتفاصيل كثيرة في سراياه وغزواته. إضافةً إلى الحديث عن إسلام بعض الوفود التي وفدت على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة، ثم انتهى حديث ابن حزم عن حجة الوداع، ثم وفاة الرسولصلى الله عليه وسلم (1) .
والمتأمل لكتاب السيرة لابن حزم يلمس أن المؤلف مال إلى الاختصار لكي يسهل على طلاب العلم الإفادة من علمه على نحو كبير، لذلك نجده جرد كتابه من ذكر الأسانيد ما عدا روايات محدودة نقلها عن ابن عبد البر، وخليفة بن الخياط، وأبي حسان الزيادي، وكذلك جرد كتابه من الأشعار والقصص (2) ، ونجده غالباً ما يرجح بين الروايات، ويحقق في تواريخ الأحداث (3) . ولقد تميز كتابه هذا بالعناية البالغة في فصلين هامين هما:
أعلام الرسول، وخلقه وشمائله؛ لأن ذلك يمثل الجانب العملي في الكمال الخلقي للرسول صلى الله عليه وسلم (4) .
وقد اشتمل كتاب "جوامع السيرة" على معلومات جيدة من كتب مختصة بالسيرة النبوية، وقد امتاز الكتاب بالدقة البالغة في تحليل النص المنقول (5) ، كما امتاز بالشرح والتحليل لغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم فعقد لها فصولاً مطولة، وأدلة بينة وواضحة.
(1) انظر فهارس كتاب جوامع السيرة لابن حزم.
(2)
ابن حزم: جوامع السيرة، (مقدمة التحقيق) ، ص13.
(3)
سعد المرصفي: مناهج المؤلفين في السيرة النبوية، ص55.
(4)
ابن حزم: جوامع السيرة، (مقدمة التحقيق) ،ص7.
(5)
المصدر السابق، ص11.
ـ كتاب "الدرر في اختصار المغازي والسير" للحافظ، يوسف بن عبد البر النمري (ت463هـ) . ولد ابن عبد البر في قرطبة من الأندلس، ونشأ وتربى في بيت علم وأدب ومعرفة، إذ كان والده من فقهاء قرطبة ومحدثيها، فقد توجَّه منذ صغره لدراسة العلوم الدينية والعربية، وتتلمذ على عدد من العلماء، وتعلم الفقه، والحديث، والتاريخ، والمغازي، والأخبار، والأنساب (1) .
بعد أن ساءت الأحوال في قرطبة شدّ به الرحيل إلى شرق الأندلس، ونزل دانية، ثم بلنسية، ثم شاطبة، واتصل بالملك المظفر بن الأفطس فأكرمه هو وابنه، وولاه ولاية القضاء في الأشبونة، وشنترين (2) .
وتتفق مصادر المعلومات بأن ابن عبد البر من علماء الأندلس الأفذاذ، وأن له عدداً من المؤلفات نذكر منها:
1-
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد.
2-
الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار.
3-
الاستيعاب.
4-
جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله.
5-
العقل والعقلاء وما جاء في أوصافهم.
6-
قبائل العرب وأنسابهم.
7-
بهجة المجالس وأنس المجالس (3) .
(1) ابن عبد البر: الدرر في اختصار المغازي والسير (مقدمة التحقيق) ص5.ابن بشكوال: الصلة، ص64.
(2)
الحميدي: جذوة المقتبس، ص344. ابن خلكان: وفيات الأعيان، ح7/ص67
(3)
ابن خلكان، وفيات الأعيان: ح7،ص 67.
أما كتابه (الدرر في اختصار المغازي والسير) ، فهو كتاب محقق ومطبوع (1)، اختص بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد اشتمل على عدة أبواب في السيرة نذكر منها:
باب في خبر مبعثه صلى الله عليه وسلم، ودعاء الرسول الناس للإسلام ذكر الهجرة إلى الحبشة، ذكر دخول بني هاشم وبني المطلب في شعب أبي طالب، ثم باب الهجرة إلى المدينة، وتحت هذا الباب سرد ابن عبد البر مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعوثه، وأفرد لها مساحة شاسعة من كتابه، تناول في ذلك جميع الغزوات والسرايا والبعوث، وإسلام القبائل ووفودها، ثم تناول حجة الوداع، وأفرد بابا خاصاً بذكر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. ويتضح من عنوان الكتاب أنه يميل إلى الاختصار في السيرة، وقد استبعد الحشو والأشعار والقصص، فاكتفى باختيار الفوائد والدرر من المعلومات المفيدة والمهمة، قال عنه الحميدي:"كان من أضبط الناس لكتبه وأفهمهم لمعاني الرواية"(2) .
وكان يندر التزامه بالأسانيد، ويختصرها في كثير من المواضع" فلا يذكر سلسلة رواتها كاملة، بل يكتفي بمثل قوله: روي عن عبادة بن الصامت، أو قال ابن شهاب الزهري
…
" (3) .
وقد اعتمد ابن عبد البر على ثلاثة مصادر رئيسة في كتابه وهي مغازي موسى بن عقبة، وسيرة ابن إسحاق، وتاريخ ابن أبي خيثمة، إضافة إلى الأحاديث النبوية الصحيحة. ونستطيع القول بأنه اعتمد على نحو مباشر على
(1) حققه شوقي ضيف، طبعة القاهرة، 1386هـ/1966م.
(2)
الحميدي: جذوة المقتبس، ص345
(3)
ابن عبد البر: الدرر في اختصار المغازي والسير، ص10، (مقدمة التحقيق) .
روايات ابن إسحاق وقد أوضح ذلك ابن عبد البر في خطبة كتابه هذا وبين بشكل واضح مصادر معلوماته في كتابه، وأصبح كتاب الدرر في اختصار المغازي والسير مرجعاً علمياً لمن جاء بعده، وبخاصة ابن حزم الذي اعتمده مصدراً أساساً في كتابه (جوامع السيرة) . كذلك ابن سيد الناس في كتابه (عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير) .
فكتاب "الدرر في اختصار المغازي والسير" كتاب جليل القدر عظيم المنفعة، ويعد مصدراً لا غنى عنه لدارسي السيرة النبوية.
ـ كتاب "الاكتفاء في مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء"، للإمام أبي الربيع سليمان بن موسى الكلاعي الأندلسي (ت634هـ) . من علماء الأندلس، ولد وعاش وتربى في مدينة بلنسية، فتعلم الحديث وعلومه إلى أن وصل إلى منزلة رفيعة في علوم الحديث (1)، وقال عنه ابن الأبَّار في ذلك:"وانتفعت به في صناعة الحديث كل الانتفاع، وأفادني مالم يفد أحداً مما كان عنده من الغرائب"(2) ، وكان أديباً وخطيباً مفوهاً ولي خطابة بلنسية، وله خط حسن وجميل، وله استبحار في الأدب والبلاغة (3) ، " والحق أن أبا الربيع الكلاعي كان نمطاً فريداً في عصره، فهو حافظ محدث وأديب متقن، وشاعر رقيق، أنيق الشارة حسن الزي"(4) ، أما مؤلفاته فقد توزعت بين علمي الحديث والأدب، ونذكر منها على سبيل المثال:
(1) الذهبي: تذكرة الحفاظ، ح4/ص209. ابن العماد: شذرات الذهب. ح3/ص164.
(2)
ابن الأبار: تكملة الصلة، ص 101.
(3)
ابن العماد: شذرات الذهب، ح3/ص 164.
(4)
الكلاعي: الاكتفاء. مقدمة التحقيق، ص ز.
1-
مصباح الظلم من حديث رسول الله صلى الله علي وسلم.
2-
الأربعين حديثاً.
3-
السباعيات المخرجة من أحاديث أبي علي الصدفي.
4-
الإعلام بأخبار البخاري الإمام.
5-
المسلسلات من الأحاديث والآثار والإنشادات.
6-
نكتة الأمثال ونفثه السحر الحلال.
وغير ذلك من المؤلفات التي ضاع غالبها (1) .
أما كتابه هذا "الاكتفاء في مغازي رسول الله، ومغازي الثلاثة الخلفاء"، فالكتاب محقق ومطبوع (2) ، وينقسم إلى قسمين، الأول عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا الذي يعنينا بالدراسة، والثاني عن مغازي الخلفاء الراشدين الثلاثة، أبي بكر، وعمر، وعثمان، رضي الله عنهم.
وقد اشتمل كتاب (الاكتفاء) على موضوعات عديدة ومتنوعة في السيرة النبوية، فقد بدأ بذكر نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تحدث عن الهجرة، فالسرايا، والغزوات وما صاحبها من تطورات في الميدان العسكري، والتنظيمي للدولة الإسلامية، ولا ينفرد الكتاب بموضوعات جديدة في السيرة، وإنما هو سرد تاريخي لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، استقى الكلاعي معلوماته من كتب موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق، والواقدي، والزبير بن بكار، وابن أبي خيثمة، واعتمد على نحو مباشر على كتاب ابن إسحاق، إذ قصد إلى تجريده من
(1) المصدر السابق، (مقدمة التحقيق) ،ص ط/ي.
(2)
نشر: مكتبة الخانجي القاهرة، ومكتبة الهلال بيروت 1389هـ/1970م.
اللغات وكثير من الأنساب والأشعار (1) .
وقد بين الكلاعي أسباب تأليفه لكتابه هذا في أمرين، أولهما: دافع ديني، ثم إفادة الناس بأخبار نبيِّهم صلى الله عليه وسلم حيث قال في مقدمة كتابه: "وكل ذلك يشهد أن المراد فيه بالقصد الأول وجهه الكريم
…
ثم القصد الثاني، متوفر على إيثار الرغبة في إيناس الناس بأخبار نبيهم صلى الله عليه وسلم" (2) ، فالكلاعي هنا قام بتمحيص الكتب التي استفاد منها ورتب معلوماتها واستكمل النقص وهو بذلك قام بجمع معلومات السيرة في كتابه هذا، ويتضح لنا أن الكلاعي تجنب الإسناد في رواياته للأخبار من كتب المغازي السابقة، وبالغ في دقة المعلومات والإحاطة بدقائق الأمور. فالكتاب مصدر من مصادر السيرة النبوية لا غنى عنه.
ـ كتاب "الرسالة الكاملية في السيرة النبوية"، لعلاء الدين علي بن أبي الحزم القرشي الدمشقي الشافعي ابن النفيس (ت 687هـ) . نشأ بدمشق وبها تربى وتعلم فنون العلم والمعرفة، وقد اشتهر بالذكاء المفرط، والذهن الخارق (3) ، وقد صار إماماً في الطب لا يضاهى في معرفته وإدراكه" (4) ، ويعد شيخ الطب بالديار المصرية فلم يكن على وجه الأرض مثله، ولا جاء بعد ابن سينا مثله، وقد درس الفقه في المدرسة المسرورية بالقاهرة، وكان له
(1) المصدر السابق، (مقدمة التحقيق) ، ص 5.
(2)
المصدر السابق، ص 5.
(3)
ابن العماد: شذرات الذهب، ح22، ص 401.
(4)
صالح الضويحي: اتجاهات الكتابة في السيرة النبوية خلال القرن السابع الهجري، ص 161.
مجلس في داره يحضره جمع من الناس من مختلف فئاتهم (1) أما مؤلفاته فهي كثيرة ومتنوعة، وقد احتل الطب الصدارة بين تلك المؤلفات، ونذكر منها على سبيل المثال:
1-
كتاب الشامل في الطب (2) .
2-
كتاب المهذب.
3-
كتاب شرح القانون في الطب لابن سينا.
4-
المختصر في القانون.
5-
شرح كتاب الهداية لابن سينا.
6-
وله تصانيف كثيرة في الفقه وأصوله، وفي العربية والجدل والبيان (3) .
أما كتابه في السيرة فقد أسماه" الرسالة الكاملية في السيرة النبوية"؛ إذ بنى كتابه على منهج الفلاسفة، وجعله في ثمانية فصول، تناول أغلب موضوعات السيرة النبوية، وقد بين منهجه في ذلك بقوله:"فإن قصدي في هذه الرسالة اقتصاص ما ذكره فاضل بن ناطق عن الرجل المسمى بكامل فيما يتعلق بالسيرة النبوية، والسنن الشرعية على طريق الإجمال"(4) ، وقد علق على هذا الفن من التصنيف في السيرة، صالح الضويحي بقوله" وهي من محاولات الفلاسفة تقريب معاني الشرع، وأصول الدين، كالنبوة، والوحي، والرسالة،
(1) المرجع السابق، ص161.
(2)
يحتوي على ثلاثمائة مجلدة.
(3)
ابن العماد: شذرات الذهب، 3/402. وقد وقف كتبه على البيمارستان المنصوري في القاهرة.
(4)
ابن النفيس: الرسالة الكاملية. ص4.
والشرائع إلى المفاهيم المثالية الفلسفية، وربط معاني الكمال الفلسفية بالمصطلحات الشرعية وتلبسها بها، توهيماً للعامة عند الفلاسفة وهم الأنبياء وأتباعهم" (1) .
ولا يعد هذا المصدر من المصادر الميسرة في دراسة السيرة؛ لأنه بطبعه يميل إلى فلسفة الأمور وشرحها بطريقة تصعب على المتلقي العادي، لذلك فهذا المصدر قد يهمّ طائفة دون أخرى من المتلقين نظراً لصعوبة مادته العلمية. فهو ليس كبقية المصادر التي تشرح موضوعات السيرة بطريقة بينة وواضحة ومكشوفة بدون تأويل ولا فلسفة في غالب الأحيان تضر ولا تنفع.
ـ كتاب "مختصر السيرة النبوية" لعماد الدين أحمد بن إبراهيم الواسطي (ت711هـ) ، ولد بواسط، ونشأ وتربى في أسرة علمية، اتجه إلى حفظ القرآن الكريم، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وتفقه على علماء واسط (2) ، كانت له رحلات واسعة في عدد من مدن العالم الإسلامي، فقد رحل إلى بغداد، ثم جاور بمكة المكرمة ثم رحل إلى القاهرة، ثم إلى الإسكندرية، ثم قدم إلى دمشق واستقر به المقام في دمشق حتى وفاته، " أقبل على مطالعة كتب السيرة، وكتب الحديث والسنة والآثار، وأخذ من جميع طرائقه وأحواله، وأذواقه وسلوكه، واقتفى آثار الرسول صلى الله عليه وسلم وهديه، واعتنى بأمر السنة أصولاً وفروعاً"(3) . ولعماد الدين الواسطي مجموعة من المؤلفات في علوم الدين والسيرة النبوية نذكر منها على سبيل المثال:
1-
شرح منازل السائرين (للهروي) ولم يتمه.
(1) صالح الضويحي: الاتجاهات الحديثة في كتابة السيرة. ص161.
(2)
ابن حجر: الدرر الكامنة، 1/91. ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب، 3/24.
(3)
الواسطي: مختصر السيرة، (مقدمة التحقيق) ، ص2.
2-
البلاغة والإقناع في حل شبهة مسألة السماع.
3-
مدخل الفقه واللسان.
4-
مفتاح طريق المحبين وباب الأنس برب العالمين.
5-
مختصر السيرة لابن إسحاق.
6-
مختصر دلائل النبوة للبيهقي.
7-
العقيدة الواسطية (1) .
أما كتابه "مختصر السيرة النبوية"(2) ، فقد أشار الواسطي أن هذا الكتاب هو مختصر لكتاب ابن إسحاق "مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم".
وقد ذكر الواسطي في كتابه هذا مجموعة كبيرة من الموضوعات التي تتعلق بجوانب كبيرة بالسيرة، وموضوعات أخرى ذات صلة بالسيرة النبوية، ولكنها صلة غير مباشرة كذكر المؤلف لإسلام بعض الشخصيات وبعض من قصص العرب في الجاهلية وخلاف ذلك، وقد ابتدأ الواسطي كتابه هذا بذكر نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ولادته ورضاعته، وزواجه من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وذكر أولاده، ومبعثه، ثم غزواته وبعض من أخلاقه وآدابه وشمائله صلى الله عليه سلم (3) . وبما أن الواسطي كان من علماء السلف الصالح وممن وصف بالورع والتقوى، وعزوف عن الدنيا، وهو بذلك جنَّدَ نفسه داعية إلى الله فقد انعكست هذه المفاهيم على مؤلفه هذا،
(1) انظر المصدر السابق، (مقدمة التحقيق)،ص3. ابن العماد: شذرات الذهب،3/24.
(2)
يعكف على تحقيق الكتاب مجموعة من الباحثين في جامعة أم القرى وقد انتهى الجزء الأول من الكتاب.
(3)
انظر فهارس الكتاب، ومادته العلمية.
فحاول تجريده من معظم الأشعار التي لا يرى ضرورة في بقائها في كتاب سيرة ابن إسحاق، كذلك رأى كثرة الأنساب التي طغت على معظم موضوعات الكتاب فقام بحذف معظم الأنساب، ثم اتجه إلى زيادة بعض الموضوعات الأساسية في الكتاب، وكذا ترجم لبعض الأعلام الوارد ذكرهم في السيرة، فهو كتاب مفيد، ويعد من مصادر السيرة النبوية.
ـ كتاب "الزهر الباسم في سيرة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم" للحافظ علاء الدين مغلطاي بن قليج الحنفي (ت762هـ) . ولد في مصر وبها نشأ وتربى، ورحل إلى بلاد الشام، والتحق بحلق العلم ومجالس العلماء، "وقد اجتهد في طلب العلم والحرص عليه بنفسه فأكثر جداً من القراءة والسماع، وحصل من المسموعات ما يطول عدُّه، وانتقى وخرج وتفقه وأفاد، وكَتَبَ الطباق (1) ، وقرأ النسائي بنفسه
…
، واشتغل بالكتابة حتى صارت له مشاركة جيدة في فنون العلم، وأكثر جداً من جمع الكتب حتى حصَّل مكتبة ضخمة، وكتب بخطه الكثير" (2) ، وكان له اطلاع واسع بالحديث وعلومه، وكذا بالأنساب وبالأدب والشعر (3) . وقد اشتغل بالتدريس ونشر العلم في القاهرة وذلك في مدارس عديدة، وأيضا في حلقات العلم في المساجد (4) .
وقد وصف " بالحفظ، والإمامة، وسعة الاطلاع وكثرة التصانيف"(5) .
(1) كتابة الطباق عبارة عن كتابة أسماء الذين حضروا السماع على الكتاب المسموع.
(2)
مغلطاي: الزهر الباسم، (مقدمة التحقيق) ج1، ص40.
(3)
ابن حجر: الدرر الكامنة، 4/353.
(4)
المصدر السابق، 4/352.
(5)
مغلطاي: الزهر الباسم، (مقدمة التحقيق) 1/43.
وهذه الصفات جعلت له مكانة علمية متميزة، واتضح ذلك من خلال ثناء العلماء عليه وعلى فضله وكثرة إنتاجه.
أما مؤلفاته فهي كثيرة جداً اتسمت بالنقولات الكثيرة، وكثرة الاستدراك والتعقيب والتتميم، والتنوع في التأليف، ومعظم مؤلفاته مفقودة ونذكر منها:
- الأحكام مما اتفق عليه الأئمة الستة.
- الإشارة إلى سيرة المصطفى ومن بعده من خلفاء.
- الإعلام بسنته عليه الصلاة والسلام.
- الاكتفاء بتنقيح كتاب الضعفاء.
- إكمال تهذيب الكمال.
- الإمامة.
- الإيصال في اللغة.
- خصائص المصطفى عليه الصلاة والسلام.
- دلائل النبوة (1) .
أما كتابه الذي بين أيدينا فهو: "الزهر الباسم في سيرة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم" فقد حقق الجزء الأول منه في رسالة علمية بجامعة أم القرى لسنة1421هـ، وبقية الكتاب لا زالت بحاجة إلى تحقيق ونشر.
أما موضوعات الكتاب فهي تتناول سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ابتدأ كتابه هذا بحديث أول من تكلم باللغة العربية، ثم تناول طرفاً من سير بعض الرسل
(1) عن مؤلفات مغلطاي يمكن الاطلاع على مقدمة كتابه "الزهر الباسم".
والأنبياء، ثم تحدث عن أصل العرب وأنسابهم، وتحدث عن بعض الشخصيات في الجاهلية، ثم عن وقعة الفيل وما ورد فيها من أقاويل وأخبار، ثم تحدث عن بعض أعلام المسلمين، ثم بعد ذلك تحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وولادته والبشارة بنبوته ثم نسبه، ثم زواجه من خديجة رضى الله عنها، ثم هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وتحدث مغلطاي عن سرايا الرسول وغزواته وحياته الشخصية وغير ذلك من موضوعات السيرة (1) .
وقد اعتمد في تأليف كتابه هذا على سيرة ابن إسحاق وسيرة ابن هشام، وقد انتقد سيرة ابن إسحاق ووضع عليها ملاحظات وتقويمات نقدية، والملاحظ على كتاب:"الزهر الباسم" أن المؤلف يسرد في كتابه موضوعات كثيرة لا علاقة لها بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، والمتمعن في الكتاب يدرك هذا الأمر. وقد اعتنى بسرد أقوال العلماء في الحوادث التاريخية وموضوعات السيرة التي يقع فيها الخلاف، ثم بين أهمية علم النسب، ورد على من زعم أنه علم لا ينفع، ثم بين الألفاظ الغريبة واشتقاقاتها اللغوية التي وردت في السيرة (2) ، ثم إنه أورد أشعاراً كثيرة في موضوعات متعددة في السيرة، وهذا بخلاف من سبقه من علماء السيرة الذين يحاولون تجريدها من الأشعار والقصص والأخبار الغريبة. وقد اهتم كثيراً بأمر الاستدراك سواء في الحديث أو التاريخ أو النسب أو اللغة أو الشعر وخلاف ذلك، وجاء تنوع مادة الكتاب العلمية وخروجه عن السيرة النبوية نظراً لتعدد مصادر المعلومات فقد
(1) انظر فهارس الكتاب في الجزء المحقق، ج2/1094-1128.
(2)
مغلطاي: الزهر الباسم، (مقدمة التحقيق) ، ج1/ ص 90.
استوعب المؤلف أغلب المصادر الأصلية للسيرة النبوية (1) . فكتاب "الزهر الباسم في سيرة أبي القاسم" من المصادر الجيدة التي اهتمت بدراسة سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولا غنى للباحثين وطلاب العلم من الرجوع إلى الكتاب.
ـ كتاب "الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم " للحافظ أبي الفداء إسماعيل ابن كثير (774هـ) ، نشأ ابن كثير وتربى في دمشق، وتعلم العلوم الشرعية وعمره لم يتجاوز الثامنة عشرة، وتفقه على عدد من علماء عصره منهم البرهان الفزاري والكمال بن قاضي شهبة، وابن تيمية، والأصبهاني (2) ، كان كثير الاستحضار، قليل النسيان، جيد الفهم، له مشاركات في بعض النصوص الأدبية والشعرية، وقد وصف بأنه الإمام المحدث المفتي البارع، يحفظ المتون (3) ، وقال عنه ابن حبيب "إمام روى التسبيح والتهليل، وزعيم أرباب التأويل، سمع وجمع وَصَنَّفَ وأطرب الأسماع بالفتوى، وشنف وحدَّث، وأفاد، وطارت أوراق فتاويه إلى البلاد، واشتهر بالضبط والتحرير، وانتهت إليه رياسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير، وهو القائل:
تَمُرُّ بِنَا الأيَّام تَتْرَى وَإِنَّمَا
…
نُسَاقُ إلى الآجَالِ وَالْعَينُ تَنْظُرُ
فَلا عَائِدٌ ذَاكَ الشَّبابُ الَّذِي مَضَى
…
وَلا زَائِلٌ هَذَا الْمَشِيْبُ المُكَدِّرُ (4)
وقد عرف عند المفسرين بكتابه "تفسير القرآن العظيم"، وعُرِف عند
(1) المصدر السابق، ج1، ص 92.
(2)
ابن العماد: شذرات الذهب، ج3/ص 231.
(3)
ابن كثير: الفصول في سيرة الرسول. (مقدمة التحقيق) ، ص30.
(4)
ابن العماد: شذرات الذهب، 3/231.
المؤرخين بكتابه "البداية والنهاية"، أما مؤلفات ابن كثير فهي كثيرة توزعت بين الحديث والتفسير والتاريخ نذكر منها:
1-
أحكام التنبيه.
2-
تفسير القرآن العظيم.
3-
البداية والنهاية.
4-
جامع المسانيد والسنن الهادي لأقوم سنن.
5-
التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل.
6-
طبقات الشافعية.
وغير ذلك من المؤلفات التي يصعب حصرها هنا في هذه الدراسة المختصرة (1) .
أما كتابه "الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم"، فهو كتاب محقق ومنشور (2) . والمتأمل في الكتاب يجد أنه احتوى على موضوعات كثيرة ومفيدة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم منها:"ذكر نسبه صلى الله عليه وسلم، والهجرة، والجهاد، والمغازي، والبعوث، وأحواله وشمائله وخصائصه صلى الله عليه وسلم، وركز ابن كثير على خصائص الرسول وجعلها في قسمين مهمين" ويكاد ينفرد ابن كثير في كتابه هذا بذكر خصائص الرسول عن غيره من مؤلفي السيرة" (3) .
والمتأمل في كتاب ابن كثير هذا يدرك بعض السمات والخصائص التي
(1) ابن كثير: الفصول في سيرة الرسول. (مقدمة التحقيق)، ص32. ابن العماد: شذرات الذهب، ج3/231.
(2)
حققه مجموعة من الباحثين، ونشرته دار ابن كثير بدمشق وبيروت، وكذا مكتبة دار التراث بالمدينة المنورة وطبع عدة طبعات آخرها الطبعة الرابعة 1405هـ/1985م.
(3)
انظر فهارس الكتاب في الصفحات التالية:408/409/410/411/412.
اتسم بها ومنها:
1-
البعد عن السجع والمحسنات البديعية.
2-
لجأ إلى تبسيط المعلومات لكي يستفيد منه أكبر عدد ممكن من الناس مع احتفاظ الكتاب بالأسلوب العلمي الجيد.
3-
يتضح من سرد الكتاب حبه للرسول صلى الله عليه وسلم وبغضه وكراهيته الشديدة لأعداء الله ورسوله.
4-
غزارة مادته العلمية وسلاسة أسلوبه ووضوح رؤيته.
5-
حرص في كتابه هذا على إيراد الأخبار الصحيحة من الأحاديث والآثار في الغالب، ويناقش الآراء ويرد عليها، فكتابه هذا يعد خلاصة كتب وعصارة أفكار عالم محدث ومؤرخ وفقيه ومفسر.
6-
اعتمد ابن كثير على كتب الحديث ورجَّح ما ورد فيها صحيحا على أخبار كتب المغازي والسير، وقد تفرد بهذا النهج (1) .
7-
وقد امتاز كتاب ابن كثير بالبعد عن الحشو والاستطراد، ويلجأ إلى منطق القول والموضوعية في فهم أحداث السيرة وتدوينها.
8-
وامتاز الكتاب أيضا باشتماله على فصل للخصائص النبوية، وهو فصل يستحق أن يكون كتاباً مستقلاً بذاته (2) .
أما موارده في كتابه فقد توَزَّعَتْ بين كتب الحديث والتراجم وكتب التاريخ والسيرة النبوية، وكتب تفسير القرآن الكريم وكتب الفقه، فهو مصدر أساس من مصادر السيرة النبوية.
(1) ابن كثير: الفصول في سيرة الرسول، (مقدمة التحقيق) ،ص21-26.
(2)
المصدر السابق، ص 26
ـ كتاب "إمتاع الأسماع بما للرسول صلى الله عليه وسلم من الأبناء والأموال والحفدة والمتاع" لتقي الدين أحمد بن علي المقريزي (ت845هـ) . وقد ولد ونشأ وتربى في مدينة القاهرة، وقد نشأ نشأة صالحة، فحفظ القرآن في صغره، ثم سمع الحديث على عدد كبير من العلماء، وتفقه على المذهبين الحنفي ثم الشافعي (1) .
وهذا أهَّلَهُ لأن يكون ضليعاً في علوم الفقه، وعلوم الحديث، رحل إلى الشام وسمع من علمائها ورحل إلى الحجاز، وحج وسمع من علماء مكة المكرمة (2) .
أما أعماله الإدارية، فقد تولى عدة مناصب في دولة المماليك بمصر، ومنها: تولى رئاسة ديوان الإنشاء، ثم قاضياً، ثم إماماً للجامع الكبير الفاطمي، ثم الخطابة في جامع عمرو بن العاص، ثم مدرساً للحديث بالمدرسة المؤيدية، ثم عمل في مجال الحسبة (3) .
أما مؤلفاته فهي كثيرة جداً، فقد كان موسوعة علمية، وقد وصف بأنه "كان إماماً، بارعاً، ضابطاً، ديناً، خيراً
…
حسن الصحبة، حلو المحاضرة" (4) ، فقد صنف التصانيف المفيدة النافعة الجامعة، ونظر في عدة فنون نذكر منها:
1-
اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء.
2-
أخبار قبط مصر.
(1) السخاوي: التبر المسبوك، ص 21-22.
(2)
ابن حجر: إنباء الغمر، 9/172.
(3)
المقريزي: إمتاع الأسماع، 1/ 77، (مقدمة التحقيق) .
(4)
ابن حجر: إنباء الغمر، 9/172.
3-
الإشارة والإعلام ببناء الكعبة البيت الحرام.
4-
إغاثة الأمة بكشف الغمة.
5-
الأوزان والأكيال الشرعية.
6-
التاريخ الكبير المقفى.
7-
تجريد التوحيد المفيد.
8-
الذهب المسبوك في ذكر من حج من الخلفاء والملوك.
9-
السلوك في معرفة دول الملوك.
10-
المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار.
11-
النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم (1) .
وغير ذلك من مؤلفاته الكثيرة التي ظهرت فيها شخصيته العلمية ونظراته الشمولية، وبخاصة في كتاباته التاريخية.
أما كتابه "إمتاع الأسماع بما للرسول صلى الله عليه وسلم من الأبناء والأموال والحفدة والمتاع" فقد تضافرت الجهود العلمية على تحقيقه من قبل ثلاثة من العلماء كل واحدٍ منهم قام بجهد منفرد (2)، وقد اشتمل الجزء الأول من الكتاب على موضوعات عديدة منها: ذكر أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم ونسبه، وأسرته ونزول الوحي، وإسلام بعض الرجال والنساء، ثم تحدث عن الهجرة إلى المدينة وما قام به الرسول صلى الله عليه وسلم من أعمال في المدينة، ثم ذكر المقريزي سرايا الرسول
(1) عن مؤلفات المقريزي: انظر كتابه: إمتاع الأسماع، (مقدمة التحقيق) ، من ص95-إلى ص109
(2)
فقد حقق الجزء الأول، ونشرته الشؤون الدينية بدولة قطر، ثم حقق الكتاب في جزئه الثاني كرسالة علمية في جامعة أم القرى بمكة المكرمة 1422هـ وقد حقق كامل الكتاب، ونشرته دار الكتب العلمية في بيروت سنة 1420هـ.
وغزواته مفصلة وشاملة وعامة، وقد تخلل ذلك عرض لبعض الأحداث الداخلية للدولة الإسلامية في عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وتحدث عن الوفود التي وفدت على الرسول، وقد ختم هذا الجزء بوفاته صلى الله عليه وسلم (1) ، أما بقية معلومات الكتاب فكانت تدور حول أبناء الرسول وبناته وأبنائهم، ثم تناول سلالة آل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر أزواجه ونسب أزواجه وأهلهن وأسرهن بالكامل، ثم تناول الكتاب بعض الأمور الشخصية للرسول صلى الله عليه وسلم في ملبسه وخدامه وسلاحه وطيبه وفراشه وخلاف ذلك (2) ، والمتأمل في كتاب المقريزي هذا يدرك أنه أمام موسوعة كبرى في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد مكَّنه علمه الغزير، واطلاعه الواسع أن يؤلف كتاباً جامعاً مثل هذا، اعتمد على مصادر أساسية في تأليفه، وتنوعت مصادر معلوماته بين السابقة لعصره أي كتب السيرة والأحاديث النبوية، والمعاصرة له ومنها: كتب التاريخ بصفة عامة؛ لذلك جاء كتابه على شكل عمل موسوعي ضخم ضمن جوانب كثيرة وعديدة من حياة الرسول وسيرته الذاتية.
أما منهج المؤلف في الكتاب فهو ما يلي:
1-
الكتاب مقسم إلى عدة فصول، والفصل الواحد قد يصل إلى عشرات الصفحات، وكان يضع له عناوين جانبية ليسهل على القارئ القراءة والمتابعة.
(1) انظر فهارس الكتاب مفصلة في طبعة الشؤون الدينية بدولة قطر تحقيق محمود محمد شاكر.
(2)
انظر فهارس الجزء الذي حققه طلال العصيمي كرسالة علمية في جامعة أم القرى. وكذا انظر فهارس الكتاب الذي حققه بالكامل، محمد عبد الحميد النميسي، وقد طبع الكتاب كاملاً في طبعته الأولى 1420هـ/1999م.
2-
لا يهتم بإيراد الأسانيد إلا ما ندر، وإذا ذكر ذلك فهو يذكره مبهماً دون أن ينسبه إلى كتاب أو مصدر معلومات، مثل قوله: قال عطاء، أو قال قتادة، أو ما شابه ذلك وأحياناً يذكر قولاً مبهماً. مثل قوله: وقيل، أو وقالوا
…
إلخ.
3-
يهتم بتخريج الأحاديث، ولكن ليس على كل حال أو كل رواية.
4-
ينقل المعلومات من مصادرها دون أن يكون له فيها رأي أو نقد أو توجيه معين.
5-
ورد في كتابه الكثير من الألفاظ الغريبة، وكذا بعض أبيات الشعر.
6-
غلب على كتابه الاهتمام بالأنساب، وبخاصة فيما يتعلق بذريته ونسلهم، وأصهاره وزوجاته وحفدته وخلاف ذلك لدرجة أنه يخيل إليك وأنت تقرأ الكتاب وكأنه كتاب أنساب (1) ، فالكتاب عمل موسوعي مفيد ومهم لطلاب العلم، وبخاصة فيما يتعلق بمعلومات الجزء الثاني من الكتاب، التي تهتم بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم الشخصية.
-كتاب "المواهب اللدنية بالمنح المحمدية"، للعلامة أحمد بن محمد القسطلاني (ت923هـ) ولد ونشأ في مصر بالقاهرة، وحفظ القرآن الكريم في صغره، واتجه إلى قراءة الأحاديث النبوية الشريفة فقرأ صحيح البخاري (2) . وقد رحل إلى الحج فجاور بمكة المكرمة، وأخذ عن النجم بن فهد، ثم عاد إلى القاهرة وكان يخطب بالجامع الغمري وغيره من الجوامع، وحضر مجالس العلماء. وكل هذا أثر فيه، وجعله يتجه إلى التأليف والتصنيف فاشتهر أمره
(1) المقريزي: إمتاع الأسماع، 1/143. مقدمة التحقيق.
(2)
السخاوي: التبر المسبوك، ص 201.
في علم القرآن، والحديث والخطابة (1) . وقد وصف بأنه" كان إماماً حافظاً متقناً جليل القدر، وحسن التقرير، زينة أهل عصره، ونقاوة ذوي دهره"(2) .
أما مؤلفاته فتُجمع مصادر معلوماته على أنه صنف التصانيف المقبولة لدى عامة الناس وخاصتهم نذكر منها:
1-
تحفة السامع والقارئ بختم صحيح البخاري.
2-
مسالك الحنفاء في الصلاة على المصطفى.
3-
إرشاد الساري إلى شرح صحيح البخاري.
4-
شرح على الشاطبية.
5-
كتاب لطائف الإشارات لفنون القراءات.
6-
العقود السنية في شرح المقدمة الجزرية.
7-
الأنوار المضيئة.
8-
كتاب نفائس الأنفاس في الصحبة واللباس (3) .
أما كتابه "المواهب اللدنية بالمنح المحمدية" فهو كتاب محقق ومطبوع (4) . وهو من الكتب المتخصصة في السيرة النبوية، كتاب موسوعي شامل فيه استقصاء عجيب وجيّد، وفيه إلمام واسع بأمور المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد اشتمل الكتاب على كثير من الموضوعات نذكر منها: "ذكر النسب الشريف، وقصة الفيل، وحفر زمزم، وولادة النبي صلى الله عليه وسلم، ورضاعته، وحياته قبل البعثة
(1) القسطلاني: المواهب اللدنية، (مقدمة التحقيق) ، ص12.
(2)
ابن العماد، شذرات الذهب، 4/ 123.
(3)
عن مؤلفات القسطلاني، انظر الكتاب نفسه، (مقدمة التحقيق) ، ص 12.
(4)
حققه صالح الشامي في أربعة أجزاء، وصدر عن المكتب الإسلامي في طبعته الأولى1412هـ/1991م.
ومبعث النبي، والجهر بالدعوة، والهجرة إلى المدينة، والمغازي والسرايا، ثم ذكر أسمائه الشريفة، وأولاده وأزواجه وأسرته وأمرائه وخدامه وحرسه ومواليه، وأخلاقه، ومأكله وملبسه ومشربه والوفود التي وفدت عليه، وخصائص أمتهصلى الله عليه وسلم، ومعجزاته وما خص به النبي صلى الله عليه وسلم، والإسراء والمعراج، ووجوب محبته. ثم ختم القسطلاني كتابه بدراسة عن الطب النبوي وتعبير الرؤيا" (1) . والقارئ لكتابه يدرك بأنه جمع بين أحداث السيرة النبوية والحديث عن أخلاق الرسول وخصائصه صلى الله عليه وسلم، أي الشمائل النبوية.
وكتاب المواهب اللدنية كتاب "جليل القدر، عظيم الوقع، كثير النفع ليس له نظير في بابه"(2) ، فقد أحسن المؤلف تصنيف كتابه، وأحكم أبوابه، وقد اعتمد على أربعة مصادر تقريباً في دراسة كتابه منها: كتاب الشفا للقاضي عياض، وكتاب فتح الباري لابن حجر العسقلاني، وكتاب زاد المعاد في هدى خير العباد، لابن القيم (3) . وكتاب عيون الأثر لابن سيد الناس، وغيرها من المصادر. والقسطلاني يذكر الآراء والحجج والبراهين ويرد عليها، ونظراً لأهمية الكتاب فقد قامت حوله دراسات وشروحات منها على سبيل المثال:"شرح المواهب اللدنية" لمحمد بن عبد الباقي الزرقاوي" (4) . (ت1122هـ) .
ويعد شرحه على كتاب المواهب اللدنية من كتب السيرة المتخصصة، بل يعده بعضهم من أجمعها، فقد جمع فيه أكثر الأحاديث المروية في الشمائل
(1) انظر فهارس الكتاب من ص584 إلى ص 659.
(2)
ابن العماد: شذرات الذهب، ج4/123.
(3)
القسطلاني: المواهب اللدنية، ص15، (مقدمة التحقيق) .
(4)
عالم من علماء القاهرة، عاش وتربى وتفقه بمصر، حتى أصبح من العلماء المعدودين في عصره.
المحمدية والسيرة النبوية، والصفات الشريفة (1) .
ـ كتاب "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد" للإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي (ت942هـ) ، ولد وعاش وتربى في مصر، فحفظ القرآن، واعتنى بالحديث وعلومه وقد وصف "بالعالم الصالح الزاهد"(2) ، وظف حياته كلها للعلم، فلم يتزوج النساء، واتخذ له مجلساً في جامع الغمري يلقي فيه دروسه وخاصة في السيرة النبوية، وقد وصف بأنه كثير الصيام، والقيام، حلو المنطق، مهيب النظر، يهتم كثيراً بأحوال الأيتام، ويتفقدهم، وكان لا يأخذ أموال الحكام ولا يقبل عطاياهم، ولا يأكل من طعامهم (3)، أما مؤلفاته فهي كثيرة تنوعت بين عدة فنون نذكر منها:
1-
عقود الجمان في مناقب أبي حنيفة النعمان.
2-
الجامع الوجيز الخادم للغات القرآن العزيز.
3-
الآيات الباهرة في معراج سيد أهل الدنيا والآخرة.
4-
إتحاف الراغب الولي في ترجمة الأوزاعي.
5-
عين الإصابة في معرفة الصحابة.
6-
شرح الأجرومية.
7-
مرشد السالك إلى ألفية ابن مالك.
8-
النكت على الألفية.
أما كتابه الذي بين أيدينا فهو بعنوان: "سبل الهدى والرشاد في سيرة
(1) القسطلاني: المواهب اللدنية، ص 18، (مقدمة التحقيق) .
(2)
ابن العماد، شذرات الذهب، ج4،ص250.
(3)
المصدر السابق، ج4،ص250.
خير العباد"، كتاب محقق ومطبوع (1) ، وهو كتاب ضخم خرج في اثني عشر مجلداً، وهو كتاب جليل القدر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، استقى المؤلف مادته العلمية من أكثر من ثلاثمائة كتاب كما نص على ذلك في مقدمته، وهذا عدد كبير جداً من مصادر معلوماته، ويدل على ذلك كثرة موضوعاته التي تناولت سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء من الشرح والتطويل. فكان المجلد الأول عن فضائل الرسول صلى الله عليه وسلم، وفضائل بلده الشريف ومولده، وأسمائه وكناه، وكان الثاني عن صفة جسده الشريف ومبعثه. وهكذا تناول الكتاب سراياه وغزواته وهجرته ووفوده، وصفاته المعنوية، وسيرته الذاتية مع أهله وأسرته وأقربائه. ثم تناول الكتاب جانباً من جوانب عباداته في الصلاة والصيام والطهارة، وخلاف ذلك من أبواب العبادات، وختم المؤلف كتابه بدراسة مستفيضة عن الطب النبوي وتناول فيه أموراً عديدة لم تذكر حسب علمي في كتب السيرة السابقة.
فإذا تقرر ذلك، تبيَّنَ لنا أن ما ذكرته بعض المصادر من أن مصادره بلغت ألف كتاب غير دقيق. والكتاب مليء بالاستطرادات، والخروج عن النصوص في أكثر من موضع، إلا أن ما ورد فيه من المعلومات تستدعي الوقوف عندها والإعجاب بها، والأخذ منها، فهو مصدر أساس من مصادر السيرة النبوية.
(1) قام بتحقيقه عادل أحمد عبد الموجود، والشيخ علي فهد معوض، وقد صدر الكتاب عن دار الكتب العلمية ببيروت في طبعته الأولى 1413هـ/1993م.
- كتاب "مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم " للإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب (ت1206هـ) ، ينتمي الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى أسرة آل مشرف، التي اشتهرت بالعلم (1) ، فكان جده من علماء نجد وقضاتها، وكان والده من قضاة بلده العيينة التي هي مسقط رأس الشيخ محمد، فتربى تربية دينية قوامها حفظ القرآن الكريم، ودراسة العلوم الشرعية، واللغة العربية، وشغف بحب التفسير والحديث والتوحيد، وتفقه في المذهب الحنبلي (2) ، ورحل في طلب العلم إلى أرض الحرمين، ثم إلى البصرة، والأحساء، ثم حُرَيملاء ثم استقر به المقام في الدرعية، حيث استقبله الإمام محمد بن سعود وناصره في دعوته إلى الله ومحاربة الشرك، والقضاء على البدع والخرافات، أما مؤلفاته فهي كثيرة نذكر منها:
1-
كشف الشبهات.
2-
كتاب التوحيد.
3-
كتاب مجموعة الحديث.
4-
مختصر الهدي النبوي.
5-
أربع مسائل في الأحكام العلمية (3) .
أمَّا كتابه "مختصر السيرة النبوية"، فهو مختصر لكتاب السيرة النبوية لابن هشام، والكتاب محقق ومطبوع (4) ، ويشتمل الكتاب على مقدمة عن قصص
(1) ابن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد، ج2،ص194.
(2)
ابن غنام: روضة الأفكار، ج1،ص25.
(3)
عن مؤلفاته انظر: أمين سعد: تاريخ الدولة السعودية، ج1،ص47-48.
(4)
طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض. ثم أعادت طباعته وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالرياض سنة1418هـ.
الأولين والآخرين ثم نسب الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم بعض الموضوعات المتناثرة بعضها له علاقة بالسيرة وبعضها خلاف ذلك، ثم عرض لغزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تناول تاريخ الخلافة الراشدة، وبعض سني الخلافة الأموية، ثم موجز عن تاريخ الدولة العباسية (1) .
1-
فالكتاب ليس خاصاً بالسيرة النبوية كما ورد في عنوانه وإنما امتد ليشمل موضوعات في التاريخ الإسلامي.
2-
الكتاب مختصر من سيرة ابن هشام.
3-
لم يهتم الشيخ محمد بن عبد الوهاب بإيراد السند، وإنما كان يروي الأخبار منقطعة.
4-
ورد في الكتاب بعض الأبيات الشعرية ولكنها قليلة.
5-
في الكتاب بعض الاستطراد في مسائل علمية مختلفة.
6-
لم يتحدث الكتاب عن أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا عن حياته الشخصية في ملبسه ومأكله ونومه وأسرته وخلاف ذلك.
7-
اتجه الشيخ في تأليف الكتاب إلى الترتيب التاريخي في سرد الأحداث وقد ظهر ذلك في أغلب موضوعات الكتاب.
والكتاب بصفة عامة يعد مختصراً ميسراً في السيرة النبوية، ولكن لا يحتوي كل موضوعات السيرة النبوية، وهو بذلك مصدر من مصادر السيرة فيه الفائدة المرجوة إن شاء الله تعالى.
(1) انظر فهارس الكتاب طبعة وزارة الشؤون الإسلامية.