المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: غريب القرآن وبداية المعجم العربي - معاجم معاني ألفاظ القرآن الكريم

[فوزي الهابط]

الفصل: ‌المبحث الثاني: غريب القرآن وبداية المعجم العربي

‌المبحث الثاني: غريب القرآن وبداية المعجم العربي

ارتبطت بداية المعجم العربي، بغريب القرآن، ارتباطاً وثيقاً!

فقد أوجَدَتْها: الحاجة إلى تفسير ألفاظ قرآنية، خفيت على بعض العرب، الذين لم يكن لهم عهد بها! ربما لأنها لم تكن من لغة قبائلهم، فالقرآن عربي، ونزل بلغة العرب عامة، ولكن: كانت فيه ألفاظ خاصة ببعض القبائل، دون بعضها الآخر (1)، فاحتاج الأمر: إلى أن تُفَسّر هذه الألفاظ، حتى لا يظل - في القرآن - لفظ غامض، على أحد من العرب المسلمين.

فقد وردت أخبار، تداولها الرواة، حتى سُجّلت، ووصلت إلينا، وعرفنا منها: أن "الصحابة - وهم العرب العرباء، وأصحاب اللغة الفصحى، ومن نزل القرآن عليهم، وبلغتهم - توقفوا في ألفاظ، لم يعرفوا معناها، فلم يقولوا فيها شيئاً.

فـ[قد] أخرج أبو عبيد – في الفضائل – عن إبراهيم التيمي، أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه سُئل عن قوله تعالى:{وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} (عبس: 31) فقال: أي سماء تُظِلني، وأي أرض تُقِلّني، إن قلت: في كتاب الله ما لا أعلم؟!

(1) انظر: الإتقان في علوم القرآن - للسيوطي - تح. محمد أبو الفضل إبراهيم: 2/89-104 -ط3 - نشر: دار التراث بمصر.

ص: 11

وأَخرَجَ عن أنَسٍ رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ على المنبر: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} (عبس: 31) فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأبّ؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا هو الكَلَفُ يا عمر!

وأخرج - عن طريق مجاهد- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت لا أدري ما {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ} (فاطر: 1) حتى أتاني أعرابيان، يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتُها، يقول: أنا ابتدأتها.

وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جُبير، أنه سُئل عن قوله [تعالى] :{وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا} (مريم: 13) فقال: سألت عنها ابن عباس، فلم يُجِب فيها شيئاً! " (1)

وهذا - إن دل على شيء، فإنما - يدل على أن هذه الألفاظ - التي توقف أمامها، بعض كبار الصحابة رضي الله عنهم كانت غريبة على بيئتهم الحجازية، وإن لم تكن غريبة على بعض البيئات العربية الأخرى، بدليل نزولها في القرآن الكريم (2) .

ومما يؤكد هذا الأمر، ويزيده وضوحاً: تلك الرواية، التي ذكرها القرطبي (3) ، إسناداً إلى سعيد بن المسيب، الذي قال: بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر، قال: يا أيها الناس: ما تقولون في قول الله عز وجل: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} (النحل: 47) ؟ فسكت الناس، فقال شيخ من هذيل: هو لُغتنا يا أمير المؤمنين، التخوّف: التنقُّص. فقال عمر رضي الله عنه: أتعرفُ العربُ ذلك في أشعارهم؟ قال: نعم، قال شاعرنا، أبو كبير الهُذَلي - يصف ناقة تنقَّصَ السَّيْر سَنامَها، بعد تمْكه (4) واكتنازه -:

تَخَوَّف الرَّحْلُ مِنْهَا تَامِكاً قَرِدا

كما تَخوَّفَ عُودَ النَّبْعَةِ السَّفَنُ (5)

(1) الإتقان في علوم القرآن: 2/4.

(2)

انظر: "النوع السابع والثلاثون فيما وقع في القرآن بغير لغة أهل الحجاز" - الإتقان: 2/89-104.

(3)

الجامع لأحكام القرآن - تح.د. محمد إبراهيم الحفناوي: 10/116- نشر: دار الحديث بالقاهرة.

(4)

تَمك السنام: اكتنز وتجمع - القاموس المحيط (ت م ك) .

(5)

السفَن: كل ما يُنْحت به الشيء - المرجع السابق (س ف ن) .

ص: 12

فقال عمر رضي الله عنه: "يا أيها الناس: عليكم بديوانكم، شِعْر الجاهلية، فإن فيه تفسير كتابكم، ومعاني كلامكم (1) .

ورأْيُ أمير المؤمنين هذا: اتفق تماماً مع رأي حَبْر الأمة، عبد الله بن عباس رضي الله عنه الذي قال:(2)

"الشعر ديوان العرب، فإذا خفى علينا الحرف من القرآن - الذي أنزله الله بلغة العرب - رجعنا إلى ديوانها، فالتمسنا معرفة ذلك منه".

ولم يكتف بذلك، بل دل الناس، على الطريق الذي يفسر لهم ما غمض من ألفاظ القرآن الكريم، حين قال (3) :"إذا سألتموني عن غريب القرآن: فالتمسوه في الشعر، فإن الشعر ديوان العرب".

ويبدو أن هذا الرأي، كان له صدًى عند كثير من العرب، الذين يعرفون أسرار العربية، في ذلك الزمان الباكر من العصر الإسلامي.

فها هو نافع بن الأزرق (4)، ورفيقه: نَجْدة بن عُوَيمر (5) ، قد أثارهما أن ابن عباس رضي الله عنهما كان جالساً بفناء الكعبة، وحوله الناس يسألونه عن تفسير القرآن، فقال نافع لنجدة: قُم بنا إلى هذا الذي يجترئ على تفسير القرآن بما لا علم له! فقاما إليه، فقالا: إنا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله تعالى، فتفسرها لنا، وتأتينا بمصادقة من كلام العرب، فإن الله تعالى، إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين.

(1) أخرج الطبري هذا الأثر مختصراً - انظر: جامع البيان عن تأويل القرآن: 14/77 ط. الأميرية بمصر.

(2)

الإتقان: 2/55.

(3)

الإتقان: 2/55.

(4)

هو: نافع بن الأزرق بن قيس، الحنفي، الحروري، رأس الأزارقة الخوارج، وإليه نسبتهم، كان أمير قومه، وفقيههم (ت65هـ) انظر: لسان الميزان – لابن حجر العسقلاني – تح: عادل أحمد، وآخرين: 6/188 -نشر: دار الكتب العلمية ببيروت: 1416هـ /1996م.

(5)

هو: نجدة بن عامر، الحروري، الحنفي، رأس الفرقة النجدية من الخوارج (ت70هـ) انظر: المرجع السابق: ص 193.

ص: 13

فقال ابن عباس: سلاني عما بدا لكما.

فقال نافع: أخبرني عن قوله تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ} (المعارج: 37)

قال: العِزُون: حلَقُ الرِّفَاقِ.

قال: وهل تعرف العرب ذلك؟

قال: نعم، أما سمعت عبيد بن الأبرص، وهو يقول:

فجاؤوا يُهرَعون إِلَيْه حَتَّى

يكونوا حَوْلَ مِنْبَرِه عِزينا؟

إلخ ذلك من الأسئلة والإجابات، التي احتلت في الإتقان صفحات كثيرة (1) .

(1) انظر: الإتقان: 2/56-88.

ص: 14