المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: نمو الحاجة إلى تفسير غريب القرآن - معاجم معاني ألفاظ القرآن الكريم

[فوزي الهابط]

الفصل: ‌المبحث الثالث: نمو الحاجة إلى تفسير غريب القرآن

‌المبحث الثالث: نمو الحاجة إلى تفسير غريب القرآن

كان العرب المسلمون، في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يلجأون إليه، للسؤال عما غمض عليهم.

فقد ورد: أنه صلى الله عليه وسلم كان يرد على التساؤلات، التي كانت تدور حول ألفاظ القرآن الكريم، وغيرها.

ومن ذلك: ماروي من أنه سئل صلى الله عليه وسلم عن تفسير قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (يونس: 26) .

فقال - فيما يرويه عنه أنس رضي الله عنه: "للذين أحسنوا العمل في الدنيا: لهم الحُسنَى، وهي الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله تعالى"((1) .

ولم تكن أسئلتهم له صلى الله عليه وسلم حول غريب القرآن الكريم كثيرة، لأنهم كانوا يعرفون أكثر ما يقوله، حيث كان اللسان العربي، ما يزال صحيحاً، محروساً، لا يتداخله الخلل، ولا يتطرق إليه الزلل (2) .

وبعد لحاق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى: كان الناس يتجهون إلى أهل العلم باللغة، من كبار الصحابة رضي الله عنهم فيسألونهم عما غمض عليهم في كتاب الله تعالى.

وكان أهل العلم هؤلاء: يؤدون عمل المعاجم (3) ، التي لم تكن قد ابتكرت عربياً بعد، حيث كانوا يجيبون الناس إجابات، مستوحاة مما يحفظون

(1) تفسير القرطبي: 8/306، وانظر: تفسير القرآن العظيم - لابن كثير - تح. سامي السلامة: 4/263 - نشر: دار طيبة للنشر بالرياض: 1418هـ /1997م.

(2)

انظر: النهاية في غريب الحديث: 1/4.

(3)

انظر: الصحاح ومدارس المعجمات العربية - أحمد عبد الغفور عطار: ص 40.

ص: 15

من شعر، أو يعون من نثر، حيث كان الشعر - المحفوظ رواية - يعد ديوان العرب، الذي يراجعونه، حين يخفى عليهم معنى، أو لفظ في القرآن الكريم.

ابن عباس يقوم بدور المعجم المفسر.

وقد كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (3 ق. هـ-68هـ) - بما وهبه الله من العلم -: أبرز من قام بهذا الدور، في صدر الإسلام، بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.

ولذلك: كان يجلس في فناء الكعبة، ليسأله الناس عما غمض عليهم، في كتاب الله تعالى (1) .

وأشهر المسائل التي رد عليها: هي مسائل نافع بن الأزرق - التي سبق الحديث عنها - والتي بلغت: مائة وتسعين مسألة (2) ، أجاب عنها رضي الله عنه مفسراً، ومستشهداً على ما يقوله - في تفسيرها - بالأشعار!!

ولا عجب في ذلك! فقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: "اللهم فقّهه في الدين، وعلّمه التأْوِيل"(3) .

وقال عنه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "نِعم ترجمان القرآن: ابن عباس"(4)

(1) انظر: الإتقان: 2/6.

(2)

في: معجم المعاجم - لأحمد الشرقاوي: ص 5، 6- ط2 دار الغرب الإسلامي: 1993م - أنها نيّف وثمانون مسألة، وما ذكرته: حسب رواية الإتقان: 2/55-88.

(3)

انظر: فتح الباري - لابن حجر العسقلاني - حقق أصولها وأجازها الشيخ عبد العزيز بن باز: 1/229 - نشر: دار الفكر ببيروت 1416هـ / 1996م – وفي سير أعلام النبلاء – للذهبي – تح. محمد نعيم العرقسوسي، ومأمون صاغرجي: 3/337- نشر مؤسسة الرسالة ببيروت – ط2 – 1402/1982- برواية: (اللهم علمه التأويل وفقهه في الدين) .

(4)

انظر: سير أعلام النبلاء: 3/347، والبداية والنهاية - لابن كثير - تح. محمد عبد العزيز النجار: 8/323 - نشر مكتبة الأصمعي بالرياض.

ص: 16

وقال أبيّ بن كعب رضي الله عنه وكان ابن عباس عنده، فقام:"هذا يكون حَبْر هذه الأمة"(1) .

ولذلك: وُصف بأنه» الرائد الجريء، في البحث عن غريب القرآن، والتنقير عن معانيه، والاستشهاد عليه بالأشعار، والتصدّي لإجابة السائلين فيما جهلوه منه، بسعة معرفة، ورحابة صدر « (2) .

اجتهادات ابن عباس: باكورة معاجم تفسير الغريب.

ومن هنا: فإنه تُعد اجتهادات ابن عباس رضي الله عنهما التي رواها عنه أصحابه، والآخذون عنه - أول باكورة في معاجم تفسير غريب القرآن الكريم، فقد "ورد عنهم: ما يستوعب تفسير غريب القرآن، بالأسانيد الصحيحة" (3) .

ولهذه التفاسير الباكرة قيمتها اللغوية، والتفسيرية، وذلك لأنها "تقف من يدرُس القرآن، على معاني ألفاظه عند العرب، حين أوحاه الله، إلى رسوله صلى الله عليه وسلم.

فكثيراً ما تتغير قِيَم الألفاظ، وإن لم تتغير معانيها تغيُّرا أساسياً، ونحن أحوج ما نكون، إلى معرفة القِيَم التي كانت لكل لفظ من ألفاظ القرآن الكريم حين نزوله.

صحيح أن المفسرين شرحوا لنا مراقي هذه الألفاظ، ومعانيها، لكن هؤلاء المفسرين: جاءوا بعد قرون من نزول الكتاب الكريم، وبعد أن كانت قيم الألفاظ، قد ازدادت قوتها، أو نقصت!

(1) انظر: سير أعلام النبلاء: 3/347،348.

(2)

معجم المعاجم: ص 5، 6.

(3)

الإتقان: 2/ 5.

ص: 17

فلابد للباحث في كتاب الله - ليكون بحثه علمياً دقيقاً - من أن يقف على القيم الدقيقة لهذه الألفاظ حين نزولها، حتى يبلغ الغاية من الدقة المرجوّة" (1) .

وقفة مع ما أُثر عن ابن عباس في تفسير غريب القرآن

نسبت إلى ابن عباس رضي الله عنهما تفاسير عديدة، لغريب القرآن الكريم، وبَعد نظرة متأملة إلى هذا الذي نسب إليه: نجد بعضه جيداً، يُطمأن إليه، ويوثق بما قيل فيه.

وبعضه منحول إليه، ولم يصح - رواية - عنه!

ومن أصح الروايات المنسوبة إليه في تفسير الغريب القرآني:

1-

رواية علي بن أبي طلحة، الهاشمي بالولاء (ت143هـ)(2) أو صحيفته، التي دوّن فيها: مارواه عن مجاهد، أو سعيد بن جبير عن ابن عباس، والتي قال فيها الإمام أحمد بن حنبل (ت241هـ) :"بمصر صحيفة - في التفسير- رواها علي بن أبي طلحة، لو رَحَل رجل فيها إلى مصر - قاصداً - ما كان كثيراً"(3) .

وقال عنها السيوطي (4) : "إنها من أصح الطرق عن ابن عباس، وعليها اعتمد البخاري - في صحيحه - مرتباً على السور".

(1) من تقديم الدكتور محمد حسين هيكل لكتاب: معجم غريب القرآن -لمحمد فؤاد عبد الباقي: ص (د) -ط2 نشر: دار إحياء الكتب العربية بمصر.

(2)

انظر: ميزان الاعتدال في نقد الرجال - للذهبي - تح. على محمد البجاوي: 3/134 - نشر: دار المعرفة ببيروت.

(3)

انظر: الإتقان: 2/5.

(4)

انظر: المرجع السابق - نفسه.

ص: 18

وقد ذكر السيوطي محتويات هذه الصحيفة، في الإتقان (1) .

وهذه الصحيفة: لم تكن خاصة بغريب القرآن فقط، بل كان فيها تفسير تام لبعض الآيات، وفيها ذكر للناسخ والمنسوخ من الآيات، كما تعرضت لأسباب النزول (2) .

2-

مسائل نافع بن الأزرق، التي سبقت الإشارة إليها، والتي رواها: حُميد الأعرج، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد عن أبيه (3) .

وقد نشرها - محققة- د. إبراهيم السامرائي، تحت عنوان: مسائل نافع بن الأزرق، في غريب القرآن، وطبع تحقيقه في بغداد: 1969م (4) .

أما أوْهَى التفاسير، المنسوبة إلى ابن عباس رضي الله عنهما، فهو التفسير المسمى:(تنوير المقباس من تفسير ابن عباس) وهو من طريق: محمد ابن مروان (السّدّى الصغير) عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس (5) .

وقد جمعه الفيروزآبادي (محمد بن يعقوب - ت 817 هـ) صاحب القاموس المحيط (6) ، من كتب التفاسير، التي أدخل أصحابها هذا الطريق، في تفاسيرهم، كالثعلبي، والواحدي.

(1) انظر: ج 2 ص 6 - 54.

(2)

انظر: بحثا للدكتور محمد كامل حسين، نشر في مقدمة: معجم غريب القرآن - لمحمد فؤاد عبد الباقي: ص: كب إلى كه.

(3)

انظر هذه المسائل كاملة، في: الإتقان: 2/55-88.

(4)

انظر: معجم المعاجم: ص 7.

(5)

انظر: تنوير المقباس - على هامش مصحف شريف: ص 2 - نشر: دار الكتب العلمية بيروت.

(6)

طبقات المفسرين- للداوودي - تح. علي محمد عمر: 2/276- مكتبة وهبة بالقاهرة:1392هـ/1972م.

ص: 19

وهذا التفسير: لا يُعتمد عليه، ولا تصح نسبته إلى ابن عباس (1) ، لأنه - كما قال السيوطي (2)(ت911هـ) - من أوهى طرق التفسير، المروية عن ابن عباس، كما وَصَف سلسلة روايته، بأنها: سلسلة الكذب (3) .

ولعل سبب كثرة هذه الروايات المختلقة، المنسوبة إلى ابن عباس رضي الله عنهما: أن أصحابها كانوا يتقربون بروايتها، إلى الخلفاء العباسيين، أحفاد عبد الله بن عباس رضي الله عنه، كما أكثروا منها: رفعاً لقدره العلمي.

ولذلك: فقد روى عنه: ما لا يُحصى كثرة، بحيث لا تخلو آية من آيات القرآن، إلا ولابن عباس فيها قول، أو أقوال، قد يكون بعضها مناقضاً للآخر (4) !

زيادة الحاجة إلى تفسير غريب القرآن

ولما كثرت الفتوح الإسلامية، ودخل الناس في دين الله أفواجا، واختلط العرب بالعجم: امتزجت الألسنة، وتداخلت اللغات، ونشأت أجيال: تعلمت من اللسان العربي: مالابُد لها في الخطاب منه فقط، وحفظت من اللغة: ما لا غِنَى لها في المحاورة عنه، وتركت ما عدا ذلك، لعدم الحاجة إليه! وأهملته، لقلة الرغبة في الباعث عليه (5) .

(1) انظر: تفسير ابن عباس ومروياته في التفسير من كتب السنة -للدكتور عبد العزيز الحميدي: 1/27-نشر: جامعة أم القرى.

(2)

الإتقان: 4/209.

(3)

المرجع السابق - نفسه.

(4)

أحمد أمين - فجر الإسلام: ص 203 - ط 10- نشر: دار الكتاب العربي ببيروت.

(5)

النهاية في غريب الحديث - لابن الأثير: 1/5.

ص: 20

وحينئذ ظهرت حاجة المسلمين الشديدة، إلى تفسير ما لا يعرفون معناه، في كتاب الله تعالى، فاجتهد التابعون في تكميل هذا النقص، وجَدَّ من جاءوا بعدهم - في ذلك- حتى أكملوا تفسير ما يحتاج إلى تفسير، في الآيات جميعها

وكان اعتمادهم - في ذلك- على ما عُرف من لغة العرب، وأساليبهم، وما ورد - في التاريخ - من الأحداث، التي حدثت في عصر النبي صلى الله عليه وسلم (1) .

(1) ضحى الإسلام - لأحمد أمين: 2/144،145- ط8 - نشر: مكتبة النهضة المصرية.

ص: 21