الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى كل المسألة من مضايق المسائل ومن عضلها، والترجيح بين النصوص فيها يحتاج إلى شيءٍ من الإمعان والفهم والإفهام أيضاً؛ لأن المسألة مشتبكة تحتاج إلى مزيد بسط، على كلٍ المسألة تحتاج إلى مرجحٍ خارجي، يعني من نظر إلى أدلة ذوات الأسباب وجدها لا تنهض لمعارضة الأوقات، ومن نظر إلى فعل أو الأمر بذوات الأسباب في أوقات النهي وجدها يمكن تخصيص أحاديث النهي بها، وعرفنا أن مذهب الجمهور الحنفية والمالكية والحنابلة كلهم يمنعون من الصلوات عموماً، اللهم إلا الفرائض في هذه الأوقات المذكورة، وعلى كلٍ الأوقات متفاوتة، فأوقات النهي المضيقة ينبغي أن لا يفعل فيها شيء من التطوعات، أوقات النهي الموسعة بعد صلاة الصبح، أو بعد طلوع الصبح إلى طلوع الشمس هذا موسع، جاء فيه قضاء ركعتي الفجر وهي نافلة، وبعد صلاة العصر صلى النبي عليه الصلاة والسلام راتبة الظهر حينما فاتته؛ لكنه ورد ما يدل على اختصاصه بهذا، وعلى كلٍ من صلى في الأوقات الموسعة لا ينكر عليه ومعه أصل، ومن جلس فمعه كذلك، أحاديث النهي ما زالت قائمة، أما في الأوقات المضيقة فالمرجح أنه لا يفعل فيها شيء من ذوات الأسباب ولا غيرها، اللهم إلا قضاء الفوائت من الفرائض.
الآن عندنا في هذا اليوم سنن النسائي والترمذي إن أمكن، وغداً -إن شاء الله تعالى- نكمل الكلام على سنن ابن ماجه والموطأ؛ لأن الخلاف قائم في السادس هل هو ابن ماجه أو الموطأ أو الدارمي؟ فلذلك نرجيء الكلام على السادس غداً -إن شاء الله تعالى-، وسوف يكون الحضور -إن شاء الله تعالى- غداً من بعد صلاة العصر مباشرة، تكون صلاة العصر هنا ويمتد الدرس إلى أن ينتهي -إن شاء الله تعالى- على أني قبيل الغروب بنصف ساعة أو أكثر لا يمكن أن أرتبط به مع أحد، فينهى الدرس قبل الخامسة والنصف -إن شاء الله تعالى-.
سنن النسائي وشروحه:
نبدأ بسنن النسائي وتحديد المراد به، سنن الإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي الحافظ المتوفى سنة ثلاث وثلاثمائة أحد السنن المشهورة، وأحد الكتب الستة بلا نزاع بين أهل العلم؛ لكن الخلاف في المراد بالسنن عند الإطلاق، إذا أطلق السنن فهل المراد به الكبرى أو الصغرى؟ إذا قيل: رواه النسائي وأطلق هل ينصرف الذهن إلى الكبرى أو الصغرى؟ منهم من قال: أن المراد الكبرى، إذا قيل: رواه النسائي فالحديث في الكبرى، وإذا قيل: هذا الكتاب في رجال النسائي فالمراد به الكبرى أيضاً، وبهذا قال ابن الملقن، وقال صاحب عون المعبود في آخر الجزء الرابع عشر قال:"ثم أعلم أن قول المنذري في مختصره وقول المزي في الأطراف الحديث أخرجه النسائي فالمراد به السنن الكبرى، وليس المراد به الصغرى التي هي مروج الآن في الأقطار"، يقول:"وهذه الصغرى المروجة مختصرة من السنن الكبرى، وهي لا توجد إلا قليلاً"، يعني الكبرى، لا شك أن الذي راج ودرج واشتهر بين الناس هي الكبرى مسماة بالمجتبى، يقول:"فالحديث الذي قال فيه المنذري والمزي أخرجه النسائي، وما وجدته في السنن الصغرى، فاعلم أنه في الكبرى، ولا تتحير لعدم وجدانه فإن كل حديثٍ هو موجود في الصغرى يوجد في السنن الكبرى لا محالة من غير عكس" على أنه قد يوجد -وهذا نادر- في السنن الصغرى ما لا يوجد في الكبرى، ويقول المزي في كثيرٍ من المواضع:"وأخرجه النسائي في التفسير وليس في الصغرى تفسير"، والله أعلم، وفي تدريب الراوي للسيوطي تنبيهات:"الثالث سنن النسائي الذي هو أحد الكتب الستة أو الخمسة هي الصغرى دون الكبرى" صرح بذلك التاج السبكي قال: "وهي التي يخرجون عليها الأطراف والرجال" وإن كان شيخه المزي ضمّ إليها الكبرى، وصرح ابن الملقن بأنها الكبرى وفيه نظر، يقول:"ورأيت بخط الحافظ أبي الفضل العراقي أن النسائي لما صنّف الكبرى أهداها لأمير الرملة فقال له: أكل ما فيها صحيح؟ فقال: لا، فقال: ميّز لي الصحيح من غيره فصنّف له الصغرى" هذه القصة مشتهرة عند أهل العلم مما يدل على أن النسائي هو الذي تولى اختصار السنن بنفسه، ومنهم من يقول: أن الذي اختصر السنن هو تلميذه ابن السني، ويدعمون ذلك بأنه
يوجد في الصغرى أحياناً قال ابن السني: قال أبو عبد الرحمن، وهذا ليس بحجة، فإن كتب المتقدمين تذكر فيها أسماء الرواة عن أصحابها، المسند كله من أوله إلى آخره عدا الزوائد حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي، الأم قال الربيع: قال الشافعي، الموطأ: حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا مالك .. الخ.
المقصود أن هذه ليست بحجة قاطعة في أن الكتاب من اختصار ابن السني، ولو ذكر اسمه فإن طريقة المتقدمين في التأليف تختلف عن طريقة المتأخرين، يذكر الراوي في أصل الكتاب، كما ذكرنا عن الموطأ والمسند والأم وغيرهم، ومن جهل طرائق ومناهجهم في التصنيف أقدم على ما لم تحمد عقباه، حتى صنف بعضهم (إصلاح أشنع خطأ في تاريخ التشريع الإسلامي الأم ليست للإمام الشافعي) وما يدري أن نسبة الأم للإمام الشافعي استفاضت واشتهرت استفاضةً أكثر من استفاضة نسبته إلى أبيه.
على كلٍ لجهل هذا القائل بطرائق المتقدمين في تصنيفهم قال هذا الكلام، وألف في ذلك رسالة، وعلى كل حال الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- تصرف في المسند تصرفاً غير مرضي، فحذف أوائل الإسناد، حذف عبد الله وحذف الإمام أحمد فمباشرة حدثنا فلان يعني شيخ الإمام أحمد، وهذا تصرف، لا شك أنه تصرف غير مرضي وإن كان من الشيخ أحمد شاكر على جلالته وإمامته رحمه الله، التصرف في كتب الآخرين غير مرضي عند أهل العلم حتى قالوا: أنه إذا وجد الخطأ في الكتاب، الخطأ الذي لا يحتمل الصواب لا يجوز تغييره، ولا تصويبه، بل يروى على الخطأ؛ لكن ينبه على الصواب في الحاشية أو أثناء قراءة الكتاب، يقول:"وفي كشف الظنون .. ذكر القصة السابقة، القصة السابقة قصة أمير الرملة معروف أنها تكلم فيها كثير من أهل العلم وعلى رأسهم الذهبي -رحمه الله تعالى- في ترجمة النسائي من السير، في كشف الظنون ذكر القصة السابقة فلخص النسائي السنن الصغرى منها، وترك كل حديث أورده في الكبرى مما تكلم في إسناده بالتعليل وسماه المجتبى، وهو أحد الكتب الستة".