المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

في آخر الجامع ذكر الترمذي كتاب العلل، المعروف بالعلل الجامعة - مقارنة بين شروح كتب السنة الستة - جـ ٤

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: في آخر الجامع ذكر الترمذي كتاب العلل، المعروف بالعلل الجامعة

في آخر الجامع ذكر الترمذي كتاب العلل، المعروف بالعلل الجامعة وهو مختصر جداً، فيه فوائد جمة، وفيه نفائس، وله أيضاً كتاب العلل الكبير، كتاب مستقل طبع ترتيبه في مجلدين، وعلى كلٍ كتاب العلل الصغير علل الجامع محل عناية، جميع من شرح جامع الترمذي، ومن أنفس شروحه وإن كان سابق على أوانه شرح الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-، وأفرد لأنه لم يوجد غيره، وإلا فالأصل هو تابع لشرح الترمذي للحافظ ابن رجب وهو أعجوبة من أعاجيب الدهر، يعني نقل عنه بعض النقول التي تدل على إمامة هذا الرجل، ويقال: أنه أعظم من شرحه للبخاري وأنفس، وشرحه للعلل، علل الجامع تدل على رسوخ خدمه -رحمه الله تعالى-، قال بعضهم -يعني في سنن الترمذي-:"هو كافٍ للمجتهد، ومغنٍ للمقلد"، وقال أبو إسماعيل الهروي:"هو عندي أنفع من الصحيحين؛ لأن كل أحدٍ يصل إلى الفائدة منه، وهما لا يصل إليها منهما إلا العالم المتبحر".

ولأهمية هذا الجامع اعتني به من قبل العلماء فشرحوه، فممن شرحه ابن العربي في ‌

(عارضة الأحوذي)

، وابن سيد الناس في (النفح الشذي) وتكملته للحافظ العراقي ولابنه وللسخاوي على ما سيأتي الحديث عنه -إن شاء الله تعالى-، ابن الملقن شرح زوائده على الصحيحين وأبي داود، ابن رجب شرحه أيضاً شرحاً لكنه مع الأسف الشديد مفقود كله، سوى شرح العلل، من شروحه المختصرة شرح للسيوطي سماه (قوت المغتذي) وحاشية لأبي الحسن السندي، ومن شروحه أيضاً وهو شرح نفيس لمعاصر المسمى بـ (تحفة الأحوذي) للمباركفوري، يأتي الحديث عنها -إن شاء الله تعالى- كلها.

(عارضة الأحوذي):

فـ (عارضة الأحوذي) مؤلفه أبو بكر محمد بن عبد الله الأشبيلي المعروف بابن العربي المالكي، المتوفى سنة ستٍ وأربعين وخمسمائة.

ص: 18

عارضة الأحوذي ما معنى العارضة؟ وما معنى الأحوذي؟ يقول ابن خلكان في ترجمة ابن العربي: "العارضة: القدرة على الكلام، يقال: فلان شديد العارضة إذا كان ذا قدرةٍ على الكلام، والأحوذي: الخفيف الشيء لحذقه، وقال الأصمعي: الأحوذي المشمر في الأمور، القاهر لها، الذي لا يشذ عليه منها شيء" ابن العربي ألف هذا الكتاب إجابةً لطلب طائفةٍ من الطلبة، عرضوا عليه الرغبة الصادقة في صرف الهمة إلى شرح هذا الكتاب، يقول:"فصادفوا مني تباعداً عن أمثال هذا، وفي علم علام الغيوب أني أحرص الناس على أن تكون أوقاتي مستغرقةً في باب العلم"، يقول: أنا حريص على العلم وطلبه ونشره إقراءً وتأليفاً؛ لكن صادفوا مني تباعداً لكثرة المشاغل، يشتغل بالقضاء وغيره .. إلى أن قال -بعد أن ألحّوا عليه فأجاب طلبهم-:"فخذوها عارضةً من أحوذي، علم كتاب الترمذي، وقد كانت همتي، طمحت إلى استيفاء كلامه بالبيان، والإحصاء لجميع علومه بالشرح والبرهان؛ إلا أنني رأيت القواطع أعظم، والهمم أقصر عنها، والخطوبة أقرب منها، فتوقفتُ مدةً إلى أن تيسرت مندة الطلبة واغتنمتها" على كلٍ الطبعة هذه محرفة، مشحونة، مملوءة بالأخطاء، لا تكاد تستقيم لك صفحة كاملة بدون تحريف وخطأ وتصحيف، ولذلكم تسمعون من مقدمته أشياء أنا أصلحت كثيراً منها، ويكفي في بيان ما فيها من أخطاء أن الطابع طلب من الشيخ -أولاً الطبعة من ستين أو خمسة وستين سنة، ما هي جديدة، هذه مصورة- طلب من الشيخ أحمد شاكر نسخته من الترمذي، -هذا برهان على كثرة أخطاء هذه الطبعة وعدم الاعتماد على طابعها أو ناشرها- طلب نسخة الشيخ أحمد من جامع الترمذي والشيخ معلق على نسخته ومخرج بعض الأحاديث، نقلوا بعض تعاليق الشيخ أحمد شاكر في صلب المتن، متن الترمذي، فمثلاً يقول:"وأبو هريرة اختلف في اسمه فقالوا: عبد شمس" الشيخ أحمد شاكر قال: "اختلف على نحو ثلاثين قولاً" أدخلوها في كلام الترمذي، "اختلف على نحو ثلاثين قولاً في اسمه .. الخ" فهؤلاء استعاروا نسخة الشيخ، وأيضاً فيه بعض التخاريج، في بعض الأحاديث:"رواه أبو داود" أدخلوها، فهذا دليل على جهلهم، وضعف عنايتهم في الطباعة، والتحريف والأسقاط شيء يفوق الخيال، ولذا لو

ص: 19

تيسر طبع الكتاب من جديد، نعم أحياناً يسقط حديث كامل، وأحياناً يسقط تعليق على حديث في سطرين أو ثلاثة، والنسخة هذه موجودة فيها إصلاحات كثيرة، أما سقط الكلمة والكلمتين، وتحريف اللفظة واللفظتين الشيء الذي يفوق الوصف، ما في إلا طبعة واحدة.

يقول أيضاً في المقدمة: "اعلموا -أنار الله أفئدتكم- أن كتاب الجعفي -يعني صحيح البخاري- هو الأصل الثاني" الأصل الأول إيش؟

طالب: القرآن.

قولاً واحداً؟ يقول: "اعلموا -أنار الله أفئدتكم- أن كتاب الجعفي هو الأصل الثاني في هذا الباب، والموطأ هو الأول واللباب -لأنه مالكي ابن عربي مالكي المذهب-، يقول: "كتاب الجعفي -يعني صحيح البخاري- هو الأصل الثاني في هذا الباب، والموطأ هو الأول واللباب وعليهما بناء الجميع كالقشيري -يعني مسلم- والترمذي فما دونهما" إلى أن قال:"وليس فيهم مثل كتاب أبي عيسى حلاوة مقطع، ونفاسة منزع، وعذوبة مشرع، وفيه أربعة عشر علماً" ثم ذكرها بكلامٍ مسخه الطابع مسخاً، ثم قال:"ونحن سنورد فيه -إن شاء الله تعالى- بحسب العارضة قولاً في الإسناد والرجال والغريب، وفناً من النحو والتوحيد والأحكام والآداب، ونكتاً من الحكم وإشارات إلى المصالح، فالمنصف يرى رياضه أنيقة، ومقاطع ذات حقيقة، فمن أي فنٍ كان من العلوم وجد مقصده".

طريقة ابن العربي في الشرح يذكر طرف الإسناد، مثلاً الحديث الأول -أيضاً الطابع من أوهامه وأخطائه جعل سند ابن العربي في روايته للترمذي بين الترجمة التي وضعها الإمام الترمذي نفسه (أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور) هذا كلام الترمذي ثم بعد ذلك:(اخبرنا الشيخ أبو الفتح) كلام ابن العربي، مع أن كلام ابن العربي مفصول تحت؛ لكنه طبعها ضمن المتن،

ص: 20

في الحديث الأول: (باب لا تقبل صلاة بغير طهور مصعب بن سعد عن ابن عمر ترك أول الإسناد واقتصر على طرفه من الآخر عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)) أصح شيء في هذا الباب، ثم يقول:"إسناده" يتكلم على الإسناد بكلامٍ ما يستوعب جميع الرواة، إنما يتحدث عن بعضهم، وضمن الإسناد يخرج الحديث تخريجاً مختصراً، ثم يذكر غريب الحديث، ثم يذكر الأحكام، وتحت هذا العنوان أحكامه، يقول:"فيه مسائل" على عددها، خمس مسائل ست مسائل على حسب ما استنبط من الحديث، في مسائل: الأولى، الثانية، الثالثة، الرابعة، الخامسة .. الخ، ثم يقول:"التوحيد فيه ثمان مسائل" مع أن هذه المسائل التي في وضعت تحت هذا الحديث إنما هي تابعة للحديث الثاني، وليست تابعة للحديث الأول، فما أدري كيف تصرف في طبع هذا الكتاب؟ ومع ذلكم هو لا يلتزم بجميع هذه العناصر التي ذكرها من الإسناد والأحكام والفقه والتوحيد واللغة، أحياناً يذكر اللغة، أحياناً يذكر الإعراب عنوان؛ لكنه لا يلتزم بذلك، فقد يقتصر على عنصر واحد، الأحكام فقد مثلاً، أو اثنين، ومعروف أن ابن العربي مالكي المذهب، في الغالب يرجح مذهب مالك، وقد يخرج عنه لقوة الدليل، فمثلاً في الجزء الثاني صفحة (101) رجح الافتراش في التشهد الأول خلافاً لمذهب مالك الذي يرى التورك في التشهدين.

ص: 21