المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالثأين وضع إبراهيم المقام أخيرا - مقام إبراهيم - ضمن «آثار المعلمي» - جـ ١٦

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: ‌الفصل الثالثأين وضع إبراهيم المقام أخيرا

‌الفصل الثالث

أين وضع إبراهيم المقامَ أخيرًا

؟

تقدّم في الفصل السّابق من حديث عثمان رضي الله عنه: "فجعله لاصقًا بالبيت".

ومن حديث ابن عبّاس: "فكان يقوم عليه ويبني، ويُحوِّلُهُ في نواحي البيت حتى انتهى إلى وجه البيت".

وقد ظهر أنّ منشأ مزيّته وحصول الآية فيه ــ وهي أثرُ قدمَيْ إبراهيم ــ هو قيامه عليه لبناء البيت.

فالظاهر أن يكون إبراهيم أبقاه إلى جانب البيت في ذلك الموضع الظاهر ــ وهو عن يَمْنة الباب ــ لتُشاهَد الآية، ويُعرَف تعلُّقه بالبيت.

وجاء عن بعض الصحابة ــ وهو نوفل بن معاوية الدّيليّ رضي الله عنه أنّه رآه في عهد عبد المطلب ملصقًا بالبيت

(1)

. وسنده ضعيف.

ويأتي بيان أنّ ذلك في الموضع المسامت له الآن.

وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم له هناك، يصلي هو وأصحابه خلفه بدون بيان أنّ له موضعًا آخر: يدلُّ على أنّ ذلك هو موضعه الأصليّ.

ولم أجد ما يخالف هذا من السنّة والآثار الثابتة عن الصحابة، ولا ما هو صريحٌ في خلافه من أقوال التابعين.

إلاّ أنّ المحبّ الطبري قال في "القِرى"(ص 309): قال مالك في

(1)

أخرجه الفاكهي (1/ 442) والأزرقي (2/ 30).

ص: 454

"المدونة": كان المقام في عهد إبراهيم عليه السلام في مكانه اليوم، وكان أهل الجاهلية ألصقوه إلى البيت خيفة السّيل، فكان ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر رضي الله عنه، فلمّا ولي عمر رضي الله عنه ردّه بعد أن قاس موضعه بخيوط قديمة قِيسَ بها، حتّى أخَّروه، وعمر هو الذي نصب معالم الحرم بعد أن بحث عن ذلك".

هذا آخر كلامه في "المدونة" فيما نقله صاحب "التهذيب مختصر المدونة". ولم أجد أصل ذلك الكلام في مظنّته من "المدونة" المطبوعة.

ثم قال المحبُّ: "وقال الفقيه سَنَد بن عنان المالكي في كتابه المترجم بـ "الطّراز" ــ وهو شرحٌ لـ "المدونة" ــ: وروى أشهب عن مالك قال: سمعتُ من يقول من أهل العلم: إنّ إبراهيم عليه السلام أقام هذا المقام، وقد كان ملصقًا بالبيت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه وقبل ذلك، وإنّما أُلصِقَ إليه لمكان السيل؛ مخافة أن يذهب به، فلمّا ولي عمر رضي الله عنه أخرج خيوطًا كانت في خزانة الكعبة، وقد كانوا قاسوا بها ما بين موضعه وبين البيت في الجاهلية، إذ قدّموه مخافة السيل، فقاسه عمر، وأخّره إلى موضعه اليوم، قال مالك: والذي حمل عمر

".

إنّ بين سند بن عنان وبين أشهب نحو ثلاث مائة سنة. فإن صحَّ عن مالك فهذا الذي أخبره بالحكاية لم يذكر مستنده، ولا أحسبه استند إلَّا إلى حكاية مجملة وقعت له عن تحويل عمر رضي الله عنه للمقام، وما جرى بعد ذلك، فقال ما قال.

وسيأتي ــ إن شاء الله ــ تحقيق تلك القضية بما يتّضح به أن ليس فيها دلالةٌ على ما ذكر.

ص: 455

وعلى كلّ حال؛ فهذه الحكاية المنقطعة لا تصلح لمقاومة ما تقدم من الأدلة، والله المستعان.

فالذي تعطيه الأدلة: أنّ إبراهيم عليه السلام وضع المقام عند جدار الكعبة في الموضع المسامت له الآن.

* * * *

ص: 456