الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسلم قال: [إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا](1)
وبعد استعراض هذه الأحاديث المباركة العظيمة هل يبقي شك في أهمية الأخلاق ومكانتها في هذا الدين العظيم، فصاحب الخلق الحسن له من المزايا التي اختص بها عند الله وعند رسوله صلي الله عليه وسلم حتي في معاملة الكفار إننا مأمورون بإظهار الأخلاق السمحة التي هي روح الإسلام وجوهره، فالله جل في علاه لما بعث موسي وهارون عليهما السلام إلي فرعون الذي طغي وادعي الربوبية أمرهما بقوله تعالي:{فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشي} (2)
نبذة من أخلاق النبي صلي الله عليه وسلم
لقد تعمدت أن أذكر شيئا من سيرة النبي المصطفي والرسول المجتبي حتي يتجلي لنا هدي نبينا صلي الله عليه وسلم في هذا الجانب العظيم والله جل وعلا يقول: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} (3) ويصفه جل وعلا في آية عظيمة في كتابه العزيز: {وإنك لعلي خلق عظيم} .
ومن هنا يظهر لنا هذا الخلق العظيم الذي في حياة النبي صلي الله عليه وسلم. فلقد كان صلي الله عليه وسلم يمتاز بفصاحة اللسان وبلاغة القول
(1) رواه الترمذي وقال حديث حسن
(2)
طه [44]
(3)
الأحزاب [21]
وأوتي جوامع الكلم وخص ببدائع الحكم، يخاطب كل قبيلة بلسانها ويحاورها بلغتها، فلم يكن فاحشا ولامتفحشا ولابذيئا في لسانه ولا في قوله. وكان الحلم والاحتمال والعفو عند المقدرة صفات أدبه الله بها، فلم يزد مع كثرة الأذي إلا صبرا وعلي إسراف الجاهل إلا حلما. قالت عائشة رضي الله عنها:[ما خير رسول الله صلي الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منها، وما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها](1)
وكان من صفاته الجود والكرم علي ما لايقدر قدره وكان يعطي عطاء من لا يخاف الفقر أبدا، وكان من الشجاعة والنجدة والبأس بالمكان الذي لايجهل فكان أشجع الناس. قال علي رضي الله عنه[كنا إذا حمي البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلي الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلي العدو منه](2)
وكان أشد الناس حياء وإغضاء. قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: [كان أشد حياء من العذراء في خدرها. وإذا كره شيئا عرف في وجهه.](3) وكان لا يثبت نظره في وجه أحد، خافض الطرف، نظره إلي الأرض أطول من نظره إلي السماء، يغضي حياء ويغضي من مهابته، فلا يكلم إلا حين يبتسم. وكان أعدل الناس وأعفهم وأصدقهم لهجة وأعظمهم أمانة، وكان يسمي قبل نبوته بالأمين. وكان أشد الناس
(1). رواه البخاري
(2)
الشفاء للقاضي عياض ورواه أصحاب الصحيح والسنن
(3)
رواه البخاري
تواضعا وأبعدهم عن الكبر. يمنع عن القيام له كما يقومون للملوك وكان يعود المساكين ويجالس الفقراء، ويجيب دعوة العبد ويجلس في أصحابه كأحدهم. قالت عائشة رضي الله عنها[كان يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل بيده كما يعمل أحدكم في بيته وكان بشرا من البشر يفلي ثوبه، ويحلب شاته ويخدم نفسه](1)
34
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
وكان أوفي الناس بالعهود وأوصلهم للرحم وأعظمهم شفقة ورحمة بالناس، أحسن الناس عشرة وأدبا وأبسط الناس خلقا، أبعد الناس من سوء الأخلاق، لم يكن فاحشا ولامتفحشا ولا لعانا ولاصخابا في الأسواق ولايجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح وكان لايدع أحدا يمشي خلفه، وكان لايترفع علي عبيده وإمائه في مأكل ولا ملبس. وكان يحب المساكين ويجالسهم ويشهد جنائزهم ولا يحقر فقيرا لفقره، ولايعظم غنيا لغناه، وكان متواصل الأحزان دائم الفكر. ليست له راحة ولا يتكلم في غير حاجة. يعظم النعمة وإن دقت ويتكلم بجوامع الكلم، فصل لافضول فيه ولا تقصير. إذا غضب أعرض وأشاح وإذا فرح غض طرفه.
جل ضحكه التبسم ويفتر عن مثل حب الغمام. يتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس، أفضلهم عنده أعمهم نصيحة وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة. وكان دائم البِشْر، سهل الخلق، لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ لا يذم أحدا ولا يعيره ولايطلب عورته.
(1) مشكاة المصابيح [2/ 521]