المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من غرر كلامه وشعره: - من أعلام أهل السنة والجماعة عبد الله بن المبارك

[محمد بن مطر الزهراني]

الفصل: ‌من غرر كلامه وشعره:

‌من غرر كلامه وشعره:

لقد كان ابن المبارك شاعراً وأديباً، كما كان إماماً في الفقه والحديث والتفسير واللغة وغيرها من الفنون، وكان والده يحفزه على حفظ الشعر وهو صغير ويكافئه على حفظ القصيدة بدرهم، وكان ابن المبارك شاعراً مجيداً صادق اللهجة فلذلك كان لشعره وقع في النفوس، ولاسيما أنه كان مليئاً بالحكم والمواعظ والنصح.

قال الدكتور نزيه حماد:

وشعر ابن المبارك ليس بالقليل، غير أنه منثور في بطون مدونات العلم وكتب التراجم وأسفار التاريخ والأدب، ويحتاج لمن ينقب عنه في مظانه، ويعرف الناس بيواقيته ودرره ونفيس مكنوناته، وإنه لمهم حقاً باعتباره يمثل نموذجاً رفيعاً رائعاً من شعر الزهاد الأوائل والمجاهدين الحكماء من السلف الصالح، فصاحبه قد قضى عمره في الجهاد والرباط والعلم والزهد، فجاء شعره مرآة صادقة لتلك النفس الإنسانية السامية التي ارتقت في مدارج الكمال وعلت في مراتب الفضيلة ومقامات الإيمان والإحسان.

وقد وصف الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء موهبته الشعرية الصادقة بقوله: "كان ابن المبارك رحمه الله شاعراً محسناً قوالاً بالحق1 أ. هـ

ومن شعره ما يلي:

قال الذهبي: قال أحمد بن جميل المروزى: قيل لابن المبارك إن

1 مقدمة كتاب الجهاد لابن المبارك: ص 25.

ص: 36

إسماعيل بن علية قد ولي القضاء فكتب إليه:

يا جاعل العلم له بازياً

يصطاد أموال المساكين

أحتلت للدنيا ولذاتها

بحيلة تذهب بالدين

فصرت مجنوناً بها بعدما

كنت دواء للمجانين

أين رواياتك في سردها

عن ابن عون وابن سيرين

أين رواياتك فيما مضى

في ترك أبواب السلاطين

إن قلت أكرهت فماذا كذا

زل حمار العلم في الطين

لا تبع الدين بدنيا كما

يفعل ضلال الرهابين 1

- قال الكديمي: حدثنا عبدة بن عبد الرحيم قال: كنت عند فضيل بن عياض وعنده ابن المبارك، فقال قائل: إن أهلك وعيالك قد احتاجوا مجهودين، محتاجين إلى هذا المال، فاتق الله وخذ من هؤلاء القوم- يعني الحكام والأمراء- فزجره ابن المبارك وأنشأ يقول:

خذ من الجاروش وااـ

آرز والخبز الشعير

واجعلن ذاك حلالاً

تنج من حر السعير

وانأ ما استطعت هداك

الله عن دار الأمير

لا تزرها واجتنبها

إنها شر مزور

توهن الدين وتُذْ

نيك من الحوب الكبير

قبل أن تسقط يا

مغرور في حفرة بير

وأرض يا ويحك من

دنياك بالقوت اليسير

إنها دار بلاء

وزوال وغرور

1 تاريخ بغداد: 6/236، سير أعلام النبلاء: 8/363-4 36، وسأذكر فبما بعد قصة هذه الأبيات.

ص: 37

ما ترى قد صرعت قبـ

ـلك أصحاب القصور

كم ببطن الأرض من

ثاو شريف ووزير

وصغير الشأن عبد

خامل الذكر حقير

لو تصفحت وجوه

القوم في يوم نضير

لم تميزهم ولم

تعرف غنياً من فقير

خمدوا فالقوم صرعى

تحت أشقاق الصخور

واستووا عند مليك

بمساويهم خبير

أحذر الصرعة يا

بمسكين من دهر عثور

أين فرعون وها

مان ونمرود النسور

أو ما تخشاه أن

يرميك بالموت المبير

أوما تحذر من

يوم عبوس قمطرير

أقمطر الشر فيه

بعذاب الزمهرير

قال: فغشي على الفضيل، فرد ذلك ولم يأخذه1.

وعن ابن سهم الأنطاكي قال: سمعت ابن المبارك ينشد:

فكيف قرت لأهل العلم أعينهم

أو أستلذوا النوم أو هجعوا

والنار ضاحية لابد موردها

وليس يدرون من ينجو ومن يقع

وطارت الصحف في الأيدي منشرة

فيها السرائر والجبار مطلع

1 سير أعلام النبلاء: 8/ 366-367.

ص: 38

أما نعيم وعيش لا إنقضاء له

أو الجحيم فلا تبقى ولا تدع

تهوى بساكنها طوراً وترفعه

إذا رجوا مخرجاً من غمها قمعوا

لينفع العلم قبل الموت عالمه

قد سال قوم بها الرجعى فمارجعوا1

وعن سلام الخواص قال: أنشدني ابن المبارك:

رأيت الذنوب تميت القلوب

ويورثك الذل إدمائها

وترك الذنوب حياة القلوب

وخير لنفسك عصيانها

وهل بذل الدين إلا الملوك

وأحبار سوء ورهبانها

وباعوا النفوس فلم يربحوا

ولم تغل في البيع أثمانها

لقد رتع القوم في جيفة

يبين لذى العقل إنتانها2

وقال الذهبي: ولابن المبارك:

جربت نفسي فما وجدت لها

من بعد تقوى الآله كالأدب

في كل حالاتها وإن كرهت

أفضل من صمتها عن الكذب

أو غيبة الناس إن غيبتهم

حرمها ذو الجلال في الكتب

قلت لها طائعاً وأكرهها

الحلم والعلم زين ذي الحسب

إن كان من فضة كلامك يا

نفس فإن السكوت من ذهب3

وأنشد أبو بكر الآجرى لابن المبارك:

إغتنم ركعتين زلفى إلى الله

إذا كنت فارغاً مستريحاً

1 سير أعلام النبلاء: 8/ 365- ط. الأولى.

2 جامع بيان العلم وفضله: 1/165.

3 سير أعلام النبلاء: 8/367.

ص: 39

وإذا ما هممت بالنطق بالبا

طل فاجعل مكانه تسبيحاً

فاغتنام السكوت فضل من خو

ض وان كنت بالكلام فصيحاً 1

وقال ابن المبارك في الزهد وذم الدنيا:

أرى أناساً بأدنى الدين قد قنعوا

ولا أراهم رضوا بالعيش بالدون

فاستغن بالدين عن دنيا الملوك كما

استغنى الملوك بدنياهم عن الدين

قد يفتح المرء حانوتاً لمتجره

وقد فتحت لك الحانوت بالدين

بين الأساطين حانوت بلا غلق

تبتاع بالدين أموال المساكين

صيرت دينك شاهيناً تصيد به

وليس يُفْلُح أصحاب الشواهين 2

وقال أبو العباس السراج: أنشدني يعقوب بن محمد لابن المبارك:

أبإذنٍ نزلت بي يا مشيب

أي عيش وقد نزلت يطيب

وكفى الشيب واعظاً غير أني

آمل العيش، والممات قريب

كم أنادي الشباب إذا بان مني

وندائي مولياً ما يجيب 3

وقال ابن المبارك:

هُمُومُكَ بالعيش مقرونة

فما تقطع العيش إلا بهم

إذا تم أمر بدا نقصه

ترقب زوالاً إذا قيل تم

إذا كنت في نعمة فارعها

فإن المعاصي تزيل النعم

وحام عليها بشكر الآله

فإن الآله سريع النقم

حلاوة دنياك مسمومة

فما تأكل الشهد إلا بسم

فكم قدرٌ دَبَّ في مُهلةٍ

فلم يعلم الناس حتى هجم4

1 المصدر السابق: 8/ 368.

2 وفيات الأعيان: 3/33، (والشاهين: نوع من الصقور) .

3 سير أعلام النبلاء: 8/367.

4 أدب الدنيا والدين: 239.

ص: 40

وقال ابن المبارك أيضاً:

حسبي بعلمي إن نفع

ما الذل إلا في الطمع

مَن راقب الله رجع

عن سوء ما كان صنع

ما طار شيء فارتفع

إلا كما طار وقع 1

- وقال ابن المبارك يمدح حماد بن زيد مع التحذير من المبتدعة:

أيها الطالب علماً

ائت حماد بن زيد

فأستفد علماً وحلماً

ثم قيده بقيد

لا كثور وكجهم

وكعمر وبن عبيد 2

- وقال يمدح الإمام مالك إمام دار الهجرة:

يأبى الجواب فما يراجع هيبة

فالسائلون نواكس الأذقان

هدي الوقار وعز سلطان التقى

فهو المهيب وليس ذا سلطان3

وهذه نماذج من كلامه، وقد سبق كثير من غرر كلامه فيما سبق من بحثنا هذا:

- قال ابن المبارك: إن البصراء لا يأمنون من أربع:

- ذنب قد مضى لا يدري ما يصنع فيه الرب عز وجل.

- وعمر قد بقي لا يدري ما فيه من الهلكة.

- وضلالة قد زينت يراها هدى.

1 جامع بيان العلم وفضله: 1/163.

2 تاريخ بغداد: 6/ 29، جامع بيان العلم وفضله: 1/127.

3 العقد الفريد: 2/ 221.

ص: 41

- وزيغ قلب ساعة، فقد يسلب المرء دينه ولا يشعر.

- وفضل قد أعطى العبد لعله مكر واستدراج1.

وقال أبو وهب المروزى:

سألت ابن المبارك: ما الكبر؟، قال: أن تزدرى الناس، فسألته عن العجب؟، فقال: أن ترى أن عندك شيئاً ليس عند غيرك، ولا أعلم في المصلين شيئاً شراً من العجب2.

- قال حبيب الجلاب سألت ابن المبارك: ما خير ما أعطي الإنسان؟، قال: غريزة عقل، قلت: فإن لم يكن؟، حسن أدب، قلت: فإن لم يكن؟، قال: أخ شقيق يستشيره، قلت: فإن لم يكن؟، قال: صمت طويل، قلت: فإن لم يكن؟، قال: موت عاجل3.

- وقال ابن المبارك: لا يخرج العبد من الزهد إمساك الدنيا ليصون بها وجهه عن سؤال الناس4.

1 سير أعلام النبلاء: 8/ 359. وهي هكذا في السير وغيره "خمس " وليس أربع.

2 سير أعلام النبلاء: 8/ 359.

3 المصدر السابق: 8/ 352.

4 طبقات الشعراني: 1/ 60.

ص: 42